قواعد الحديث ::: 31 ـ 45
(31)
يكن عدلاً ، فلا يختص بالإمامي.
    وبهذا اجاب السيد بحر العلوم عن ايراد آخر ، وهو أن اشتراط عدالة الراوي ينفي حجية الحسن مطلقاً. فقال : « التحقيق أن الحسن يشارك الصحيح في أصل العدالة ، وإنما يخالفه في الكاشف عنها ، فانه في الصحيح هو التوثيق ، او ما يستلزمه بخلاف الحسن ، فان الكاشف فيه هو حسن الظاهر المكتفى به في ثبوت العدالة على أصح الاقوال » (1).
    ولكن يورد عليه اولاً : بأنه منافي لما صرح به جماعة في مبحث العدالة من عدم ثبوتها بذلك ، فيتم هذا الجواب على بعض المباني ، كما أشار اليه السيد. وثانياً : بأنه منافي لما أخذوه في تعريف كل من الصحيح والحسن ، حيث اعتبروا في الصحيح كون الراوي امامياً عدلاً ، واعتبروا في الحسن كونه امامياً ممدوحاً من غير نصٍ على عدالته ، وهذا صريح في أن اعتبار الحسن ليس من أجل ثبوت العدالة بالمدح. على أن جعله قسيماً للصحيح يقضي بذلك ، وإلا لكان قسماً منه. وثالثاً : بمنافاته الاستدلال على حجية الحسن ببناء العقلاء على قبول خبر المخبر الممدوح الذي لم يظهر منه كذب او دس ، فان مقتضاه عدم دخل عقيدته في قبول خبره.
    نعم سبق (2) ان الشيخ الطوسي نقل عن أصحابنا : أنهم ميّزوا الرجال الناقلة للأخبار ، ووثّقوا الثقات منهم ، وضعّفوا الضعفاء ومدحوا الممدوح ، وذموا المذموم ، وقالوا فلان متهم في حديثه ، وفلان مخالف في المذهب والاعتقاد ، وفلان واقفي ، وفلان فطحي ، وغير ذلك من الطعون التي ذكروها الخ. ومقتضاه ان مدحهم للراوي ، واعتمادهم على حديثه لذلك مشروط بكونه امامياً حيث ذموا غيره ، وطعنوا فيه ، ولا
1 ـ رجال السيد بحر العلوم ج 1 ص 460.
2 ـ انظر ص 21.


(32)
يجتمع المدح والذم بالنسبة لشخص واحد. وعليه فتكون سيرة الطائفة الممضاة من قبل الشرع دليلاً على أن مدح الراوي لا يجدي في قبول خبره إلا إذا كان إمامياً. ولا يجري ذلك في التوثيق ، لنقل (1) الشيخ الطوسي عمل الطائفة بأخبار الثقة وإن لم يكن إمامياً مثل عبد الله بن بكير فيختلف المدح عن التوثيق.

    هل تثبت العدالة بالتوثيق
    الثاني : إن الرجاليين كالنجاشي ، والشيخ الطوسي قد وثقوا كثيراً من الرواة غير الامامية وإن كانوا من الشيعة ، كالواقفة والفطحية ، كما وثقوا بعض الرواة من العامة مثل السكوني ، ولا شك في ان هذا التوثيق شهادة منهم بأمانة الموثق ، وصدقه في الحديث فحسب ، فلا تثبت به عدالته ، وعلى هذا السنخ نراهم وثقوا كثيراً من رواة الامامية ، فكيف يصح البناء على أنه شهادة بعدالتهم ، ولماذا لا يكون شهادة بتحرزهم عن الكذب وصدقهم في الحديث كغيرهم ، وما الفرق بين قول النجاشي في سماعة بن مهران : ثقة ثقة. مكرراً ، وبين قوله بعده في سري بن عبد الله السلمي : ثقة ، ليكون الأول : شهادة بصدق سماعة. والثاني : شهادة بعدالة سري. مع أن الشهادة الاولى اقوى وآكد بالتكرار.
    نعم يمكن القول. بأن توثيق الإمامي ، مع السكوت عن جرحه بما بخل بالعدالة يقضي بأنه عادل ، اذ لو كان هناك ما يجرحه لذكر. لكن الاعتماد على مثل هذا السكوت في اثبات العدالة مشكل.
    هذا كله في أنواع الحديث الثلاثة ، الصحيح ، والحسن ، والموثق.
1 ـ عدة الأصول ص 61.

(33)
    وأما الضعيف وهو المرسل ، او المسند الذي لم يكن راويه موثقاً ، أو إمامياً ممدوحاً ، سواء كان مجهولاً ، او مجروحاً ، فليس بحجة ، لعدم الدليل على جواز العمل به ، فلم يخرج عن حد الظنون التي لا يجوز العمل بها.
    نعم ذكروا طريقين لجواز العمل بمثل هذا الحديث. احدهما كون الراوي له من أصحاب الاجماع اذا صح السند اليه ، وإن ضعف من بعده من الرواة. الثاني اشتهار العمل به لدى قدماء الفقهاء.
    وعليه يلزمنا البحث عن كلا الطريقين. ونقدم البحث عن الأول ، ونردفه بالبحث عن الثاني فنقول.


(34)

(35)


(36)

(37)
    هناك جماعة من وجوه رواة أحاديث أهل البيت (ع) ، وثقاتهم ادعى الشيخ الكشي الاجماع على ( تصحيح ما يصح عنهم ) ، فسمّوا ب‍‌ ( أصحاب الاجماع ).
    ويعّد البحث عن ذلك من أهم أبحاث أصول الحديث ، وقواعده ، حيث يبتني عليه حكم مجموعة كبيرة من أحاديث الفقه الإمامي. ولذا قال الشيخ النوري : « ... فانه من مهمات هذا الفن اذ على بعض التقادير تدخل آلاف من الاحاديث الخارجة عن حريم الصحة الى حدودها ، او يجري عليها حكمها » (1). فالجدير بالفقيه أن يرعى هذا البحث بمزيد اهتمامه.

    تصحيح أحاديث أصحاب الاجماع
    فقد بنى جماعة من أكابر الفقهاء على قبول كل حديث صح عن احد اصحاب الاجماع ، من غير لحاظ حال الواسطة بينه وبين المعصوم (ع) فالعبرة بصحة السند من أوله الى ذلك الراوي ، فمسانيده ، ومراسيله ، ومرافيعه ، ومقاطيعه ، كلها معدودة من صحاح الاحاديث ، تفسيراً لجملة ( تصحيح ما يصح عنهم ) بذلك.
    وصرح الشيخ محمد بن اسماعيل المعروف بابي علي في ( رجاله ) : بأن هذا المعنى ، والتفسير ، هو الظاهر المنساق الى الذهن من تلك الجملة. ونقل عن استاذه العلامة أنه اختاره ، وعزاه الى المشهور ، كما نقل عن بعض اجلاّء عصره دعوى الشهرة عليه ، وحكى عن المحقق الداماد في كتابه ( الرواشح السماوية ) نسبته الى الاصحاب مؤذناً بدعوى الاجماع عليه
1 ـ مستدرك الوسائل ج 2 ص 757.

(38)
كما حكاه عن امين الدين الكاظمي (1). واختاره الشيخ المامقاني (2).
    ونقل الفيض الكاشاني عن جماعة من المتأخرين : أنهم فهموا من تلك الجملة الحكم بصحة الحديث المنقول عن احد اولئك الجماعة ، اذا صح عنهم ، حتى اذا رووا عمن هو معروف بالفسق والوضع فضلاً عما لو ارسلوا الحديث (3). واختاره الشيخ محمد بن الحسن الحر (4).
    وخالف في ذلك جماعة من المحققين ، فقالوا : بعدم الفرق بين اصحاب الاجماع ، وغيرهم في لزوم احراز وثاقة الواسطة بينهم وبين المعصومين (ع) ، كما يلزم احراز وثاقة الواسطة بيننا وبينهم. فلذا اضطررنا الى تفصيل البحث فنقول.

    تعريف بأصحاب الاجماع
    إن الجماعة الذين ادعى الشيخ الكشي الاجماع على ( تصحيح ما يصح عنهم ) ، أو ( تصديقهم ) ثمانية عشر رجلاً. قسّمهم الى طوائف ثلاث كل ستة منهم طائفة.
    فقال تحت عنوان ( تسمية الفقهاء من أصحاب ابي جعفر (ع) ، وابي عبد الله (ع) : « اجتمعت العصابة على تصديق هؤلاء الاولين من أصحاب ابي جعفر عليه السلام ، وأصحاب ابي عبد الله عليه السلام ، وانقادوا لهم بالفقه. فقالوا : افقه الاولين ستة ، زرارة ، ومعروف بن خربوذ وبريد ، وأبو بصير الاسدي ، والفضيل بن يسار ، ومحمد بن مسلم الطايفي. قالو : وأفقه الستة زرارة. وقال بعضهم مكان ابو بصير
1 ـ منتهى المقال ص 9 ـ 10.
2 ـ مقباس الهداية ص 72.
3 ـ الوافي ج 1 ص 12.
4 ـ وسائل الشيعة ج 3 ـ الفائدة 7.


(39)
الاسدي : ابو بصير المرادي ، وهو ليث بن البختري ».
    ثمّ قال تحت عنوان ( تسمية الفقهاء من اصحاب ابي عبد الله (ع) « اجمعت العصابة على تصحيح ما يصح من هؤلاء ، وتصديقهم لما يقولون ، وأقرّوا لهم بالفقه ، من دون اولئك الستة الذين عددناهم ، وسمّيناهم ، ستة نفر ، جميل بن دراج ، وعبد الله بن مسكان ، وعبد الله بن بكير ، وحماد بن عثمان ، وحماد بن عيسى ، وابان بن عثمان. قالوا : وزعم ابو اسحاق الفقيه ـ وهو ثعلبة بن ميمون ـ : ان أفقه هؤلاء جميل بن دراج وهم أحداث اصحاب ابي عبد الله (ع) ».
    ثمّ قال تحت عنوان ( تسمية الفقهاء من اصحاب ابي ابراهيم (ع) ، وأبي الحسن الرضا (ع) : « أجمع اصحابنا على تصحيح ما يصح من هؤلاء ، وتصديقهم ، واقروا لهم بالفقه ، والعلم. وهم ستة نفر اخر ، دون الستة نفر الذين ذكرناهم في أصحاب ابي عبد الله (ع). منهم يونس بن عبد الرحمان ، وصفوان بن يحيى بيّاع السابري ، ومحمد بن ابي عمير ، وعبد الله بن المغيرة ، والحسن بن محبوب ، واحمد بن محمد بن ابي نصر. وقال بعضهم مكان الحسن بن محبوب : الحسن بن علي بن فضّال ، وفضالة بن أيوب. وقال بعضهم مكان فضالة بن أيوب : عثمان بن عيى وأفقه هؤلاء يونس بن عبد الرحمان ، وصفوان بن يحيى » (1).
    وقد نظم السيد بحر العلوم هذا الاجماع الذي نقله الكشي ، ولم يختلف معه إلا في ابي بصير ، حيث نقل الكشي انه الاسدي ، ثمّ نسب القول الى بعضهم : بأنه المرادي. اما السيد فقد ذكر أنه المرادي بقوله : « وليث يافتى ». واليك ما نظمه ، فقال.
قد أجمع الكل على تصحيح ما يصح عن جماعة فليعلما

1 ـ رجال الكشي ص 155 ـ 239 ـ 344.

(40)
وهم أولو نجابة ورفعة فالستة الأولى من الأمجاد زرارة كذا بريد قد أتى كذا الفضيل بعده معروف والستة الوسطى أولو الفضائل جميل الجميل مع أبان والستة الأخرى هم صفوان ثمّ ابن محبوب كذا محمد وما ذكرناه الأصح عندنا أربعة وخمسة وتسعة أربعة منهم من الاوتاد ثمّ محمد وليث يافتى وهو الذي ما بيننا معروف رتبتهم أدنى من الأوائل والعبدلان ثمّ حّمادان ويونس عليهم الرضوان كذاك عبد الله ثم‏ّ أحمد وشذ قول من به خالفنا (1)
    ولم يزد الكشي في كتابه الذي بأيدينا على اولئك الثمانية عشر ، إلا أن ابن داود في ( رجاله ) عندما ترجم حمدان بن احمد ، نقل عن الكشي انه قال : « هو من خاصة الخاصة اجمعت ( الصحابة ) (2) على تصحيح ما يصح عنه ، والاقرار له بالفقه » (3).
    واحتمل الشيخ النوري : ان يكون ابن داود قد اعتمد في نقله على أصل ( رجال الكشي ). لان الكتاب الشائع الواصل الينا بهذا الاسم مختصره (4). وسيأتي التنبيه على ذلك عند البحث عن ( الأصول الرجالية ).
    وعد الشيخ النوري اصحاب الاجماع اثنين وعشرين رجلاً ، جمعاً بين ما اختاره الكشي ، وما نقله عن بعضهم. وبالاضافة لمن ذكره ابن دواد يبلغ عددهم ثلاثة وعشرين. مستدلاً عليه بأنه : « لا مناقاة بين
1 ـ ملحق خلاصة الرجال للعلامة ص 185.
2 ـ هكذا ورد في النسخة المطبوعة. لكن الصحيح ( العصابة ) ، فانه اللفظ المعروف في هذا الاجماع ، والذي نقله الشيخ النوري عن ( رجال ) ابن داود.
3 ـ رجال ابن داود ص 133.
4 ـ مستدرك الوسائل ج 3 ص 757.


(41)
الاجماعين في الانفراد ، لعدم نفي أحد الناقلين ما أثبته الآخر. وعدم وجوب كون العدد في كل طبقة ستة ، وإنما اطلع كل واحد على ما لم يطلع عليه الآخر والجمع بينهما ممكن ، فيكون الجميع مورداً للاجماع » (1).
    ويورد عليه بأن الكشي انما نقل عن بعضهم كون الاربعة الآخرين من أصحاب الاجماع ، وهم ليث بن البختري ، والحسن بن علي بن فضال وفضالة بن أيوب ، وعثمان بن عيسى. ولم يرتضه هو ، ولم يعلم وثاقة ذلك البعض المنقول عنه ، فكيف يصح الاعتماد على قوله.
    وصرح الشيخ الطوسي : بأن هناك جماعة من الرواة عرفوا بأنهم لا يروون ، ولا يرسلون إلا عن ثقة ، ولذا عمل بمراسيلهم. ونص على ثلاثة منهم ، فقال : « وإذا كان احد الراويين مسنداً ، والآخر مرسلا ، نظر في حال في المرسل ، فان كان ممن يعلم أنه لا يرسل إلا عن ثقة موثوق به فلا ترجيح لخبر غيره على خبره. ولأجل ذلك سوت الطائفة بين ما يرويه محمد بن ابي عمير ، وصفوان بن يحيى ، وأحمد بن محمد بن ابي نصر ، وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون ، ولا يرسلون إلا عمن يوثق به ، وبين ما أسنده غيرهم ، ولذلك عملوا بمراسيلهم اذا انفردوا عن رواية غيرهم الخ » (2).

    الناقل لهذا الاجماع
    والأصل في دعوى هذا الاجماع هو الشيخ ابو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي صاحب كتاب ( الرجال ) المعروف ، فهو أول من ادعاه ، ونقله الجماعة عنه. ولذا كان من التسامح نسبة دعواه الى جميع
1 ـ مستدرك الوسائل ج 3 ص 757.
2 ـ عدة الاصول ص 63.


(42)
من ذكره ، وتعرض له ، كما فعله الشيخ المامقاني قائلا : « وأول من ادعاه فيما نعلم الشيخ الجليل ابو عمرو الكشي في ( رجاله ) ، ثمّ الشيخ ، والنجاشي ثمّ من بعدهما من المتقدمين والمتأخرين ، كابن طاووس ، والعلامة وابن داود ، وصاحب المعالم ، والشهيدين ، والشيخ سليمان ، والسيد الداماد ، وغيرهم. حتى أنه لو صح وصف الاجماع المنقول بالتواتر ، لصح أن يقال : ان هذا الاجماع قد تواتر نقله ، وصار أصل انعقاده في الجملة من ضروريات الفقهاء والمحدثين ، واهل الدراية والرجال الخ » (1).
    فان بعض هؤلاء الجماعة المذكورين وغيرهم كان ناقلا لدعواه ، لا مدعياً له. وفرق واضح بين دعوى الاجماع ، ونقل دعواه. ولذا صرح الشيخ ابو علي في ( رجاله ) : بأن هذا الاجماع ربما ذكر في كلام النجاشي ، لكن بعنوان النقل عن الكشي ، لا انه ادعاه بنفسه (2). بل ناقش بعضهم في قبوله صريحاً.
    وأما الشيخ الطوسي فانه لم يدع الاجماع بالشكل الذي ادعاه الكشي في ثمانية عشر شخصاً ، وانما صرح بقبول مراسيل الثقات « الذين عرفوا بأنهم لا يروون ، ولا يرسلون إلا عمن يوثق به » ، ونص على ثلاثة منهم كما سبق. لكن الشيخ النوري ذكر ان الشيخ الطوسي ناظر الى أصحاب الاجماع الذين ذكرهم الكشي. وهذا لم يثبت ، وسيأتي بحثنا معه حول ذلك.
    نعم ان الشهيد الثاني نقل عن الشيخ الطوسي : دعوى اجماع العصابة على تصحيح ما يصح عن عبد الله بن بكير ، والاقرار له بالفقه والثقة (3) وهو على حد تعبير الكشي. لكنه لم نعثر على مصدر الشهيد لنرى أن الشيخ نقله عن الكشي ، او ادعاه بنفسه. على أنه ينافي ما فعله الشيخ في كتاب
1 ـ مقباس الهداية ص 70.
2 ـ منتهى المقال ص 10.
3 ـ شرح اللمعة ج 2 ص 131.


(43)
( العدة ) (1) ، حيث ذكر عبد الله بن بكير في صف الفطحية ، ولم يميزه عنهم واشترط في جواز العمل بروايتهم أمرين : عدم وجود المعارض لخبرهم ، وعدم إعراض الطائفة عن مضمونه بالافتاء بخلافه.
    فلو تم هذا الاجماع عند الشيخ لم يبق وجه للتسوية بين ابن بكير ، وسائر الفطحية.
    بل إن الشهيد نفسه نقل عن الشيخ الطوسي : الجرح الصريح لابن بكير ، وأنه قال ـ عند ذكر حديث له أسنده الى زرارة ـ : « ان اسناده الى زرارة وقع نصرة لمذهبه الذي أفتى به لما رأى أن أصحابه لا يقبلون ما يقوله برأيه ». وقال : « وقد وقع منه من العدول عن اعتقاد مذهب الحق الى الفطحية ما هو معروف. والغلط في ذلك أعظم من الغلط في اسناد فتياً يعتقد صحته لشبهة دخلت عليه الى بعض أصحاب الأئمة عليهم السلام » (2) ومقتضى هذا التصريح من الشيخ صدور الكذب الصريح من عبد الله بن بكير في اسناد الحديث الى ثقات المعصوم (ع).
    وأما السيد بحر العلوم فانه وإن نظم هذا الاجماع في ابياته السابقة من غير حكاية له عن احد ، إلا أنه قال ـ في كتاب ( رجاله ) في ابن ابي عمير وروايته لاصل زيد النرسي ـ : « وحكى الكشي في ( رجاله ) : اجماع العصابة على تصحيح ما يصح عنه ، والاقرار له بالفقه والعلم. ومقتضى ذلك صحة الاصل المذكور ، لكونه مما قد صح عنه الخ » (3).
    وكلامه هذا صريح في إسناد حكاية الاجماع الى الكشي ، لكنه سبق اختلافه معه في ابي بصير في أبياته السابقة ، وقوله في ذيلها : « وشذ قول من به خالفنا ».
    وأما الشهيد الثاني فانه بعد ما نقل عن الشيخ الطوسي : دعوى الاجماع
1 ـ أنظر ص 61.
2 ـ شرح اللمعة ج 2 ص 132.
3 ـ رجال السيد بحر العلوم ج 2 ص 366 ـ 367.


(44)
في حق عبد الله بن بكير. لم يرتضه ، وقال : « وفيه نظر ، لانه فطحي المذهب ». وهو صريح في نقله حكاية الاجماع ، وخدشه فيه. وله نقاش متين في قبول مراسيل من ادعي : بأنه لا يروي ، ولا يرسل إلا عن ثقة كابن ابي عمير. ونقل عن السيد ابن طاووس في ( البشرى ) : أنه نازعهم في قبول مراسيله (1) والنقاش فيها معروف لدى الفقهاء نقله الشيخ ابو علي وغيره (2). ومقتضاه عدم الاعتناء بهذا الاجماع ، والا لزم قبولها.
    وصرح الشيخ ابو علي : بأن الشيخ الطوسي ربما يقدح في الحديث الذي صح عن هؤلاء الجماعة بالارسال الواقع بعدهم. وأجاب عن ذلك بأن : « الشيخ وغيره من المناقشين ربما لم يثبت عندهم الاجماع ، او لم يثبت وجوب اتباعه لعدم كونه بالمعنى المعهود ، بل كونه مجرد اتفاق ، او لم يفهموا على وفق المشهور ، ولا يضر ذلك ، او لم يقتنعوا بمجرد ذلك والاول أظهر بالنسبة اليه ، لعدم ذكره اياه في كتابه كما ذكره الكشي والنجاشي وأمثالهما ».
    وعلل توهين هذا الاجماع بقوله : « إذ لم نقف على من وافق الكشي في ذلك من معاصريه ، والمتقدمين عليه ، والمتأخرين عنه ، الى زمن العلامة او ما قاربه. نعم ربما يوجد ذكر هذا الاجماع في كلام النجاشي فقط من المتقدمين ، وذلك بعنوان النقل عن الكشي ، إلا أن غير واحد من علمائنا ـ منهم الشيخ البهائي طاب ثراه ـ صرح : بأن الامور الموجبة لعد الحديث من الصحيح عند قدمائنا وجوده في أصل معروف الانتساب الى احد الجماعة الذين اجمعوا على ( تصحيح ما يصح عنهم ) الخ » (3).
    وبذلك اتضح وهن القول : بأن كلمات جميع الذين نقلوا الاجماع
1 ـ الدراية للشهيد الثاني ص 48 ـ 49.
2 ـ منتهى المقال ص 9 ـ 10.
3 ـ منتهى المقال ص 9 ـ 10.


(45)
صريحة في المسلمية والقبول (1).

    أدلة حجية هذا الاجماع
    وقد اختلفت طرق الاستدلال على حجية هذا الاجماع ، ولزوم العمل بمقتضاه ، فاختار الشيخ محمد بن الحسن الحر : أنه اجماع تعبدي ، وكاشف عن رأي المعصوم (ع) ، كسائر الاجماعات المنعقدة على بعض الاحكام (2) وتبعه الشيخ المامقاني قائلا : « والمراد بهذا الاجماع ليس هو المعنى اللغوي وهو مجرد اتفاق الكل ، بل المعنى المصطلح ، وهو الاتفاق الكاشف عن رأي المعصوم (ع) ، على أن يكون المجمع عليه هو القبول والعمل بروايات أولئك الذين قيل في حقهم ذلك اذ امام ذلك العصر بمرأى من أولئك العاملين بأخبار هؤلاء ومسمع ، مع عدم ظهور انكار لهم ولا ردع ، بل أقرهم على ذلك بل وأمر بالرجوع اليهم والأخذ منهم » (3).
    لكن الشيخ النوري أنكر ذلك فقال ، « بعد وضوح عدم كون المراد منه الاجماع المصطلح المعروف الكاشف عن قول المعصوم (ع) او رأيه بأحد الوجوه المذكورة في محله ». واختار وجهاً ثانياً للحجية بقوله : « إن اجماع العصابة على صحة أحاديث الجماعة اجماع على اقتران احاديثهم بما يوجب الحكم بصحتها » (4).
    أما الشيخ الطوسي فان كلامه السابق صريح : في أن عمل الطائفة بمراسيل اولئك الرواة الثلاثة ، وامثالهم من اجل أنهم لا يرسلون إلاّ عن ثقة ، فيكون اعتبار احاديثهم لوثاقة من يروون عنه.
    وصرح الشهيد الثاني : بأن كثيراً من الاصحاب ذكروا : أن ابن
1 ـ مقباس الهداية ص 72.
2 ـ وسائل الشيعة ج 3 ـ الفائدة 7.
3 ـ مقباس الهداية ص 70
4 ـ مستدرك الوسائل ج 3 ص 759.
قواعد الحديث ::: فهرس