قواعد الحديث ::: 76 ـ 90
(76)
بن أيمن ، روى عنه ابن أبي عمير ، وصفوان بن يحيى (1).
    ويمكن القول بان أمثال هذين الحكمين ، وإن لم يرد فيهم مدح او توثيق ، إلا أن رواية ابن ابي عمير ، ونظائره عنهم تكفي في وثاقتهم.
    ومنهم علي بن ابي حمزة البطائني. فان له اصلا رواه عنه الشيخ الطوسي باسناده عن احمد بن ابي عبد الله ، واحمد بن محمد بن عيسى عن ابن ابي عمير ، وصفوان بن يحيى جميعاً عنه (2). وروى عنه احمد بن محمد بن ابي نصر البزنطي أيضاً ، حيث قال الشيخ الصدوق : « وما كان فيه عن علي بن ابي حمزة فقد رويته عن محمد بن الحسين بن ابي الخطاب ، عن احمد بن محمد بن أبي نصر ، عن علي بن ابي حمزة » (3) وينصرف الى البطائني ، لانه المعروف صاحب الاصل دون الثمالي الثقة.
    فروى عنه هؤلاء الثلاثة الذين هم ملتقى دعوى الشيخ الطوسي ، واجماع الشيخ الكشي. مع ان ضعفه قد اشتهر ، وأصبح مضرباً للأمثال وبما انه مكثر من الرواية ، وهناك قائل بقبول روايته بل توثيقه ، ناسب جداً بسط البحث عن حاله. فنقول.
1 ـ جامع الرواة ج 1 ص 264.
2 ـ الفهرست للشيخ الطوسي ص 96 ـ 97.
3 ـ الفقيه ج 4 ص 87 ـ 88 ، شرح المشيخة.


(77)

(78)


(79)
    أدلة ضعف البطائني
    ترجمه النجاشي بقوله : « علي بن أبي حمزة واسم أبي حمزة سالم البطائني ابو الحسن مولى الأنصار كوفي. وكان قائد أبي بصير يحيى بن القاسم. وله أخ يسمى جعفر بن أبي حمزة. روى عن أبي الحسن موسى ، وروى عن أبي عبد اللّه عليهما السلام ، ثم وقف ، وهو أحد عمد الواقفة ، وصنف كتباً عدة » (1) ثم ساق كتبه.
    وذكره الشيخ الطوسي في ( الفهرست ) (2) ، وفي كتاب ( الرجال ) (3) في أصحاب الامام الكاظم (ع) ، ونص على وقفه فيهما كما ذكره في أصحاب الامام الصادق (ع) من كتاب الرجال (4).
    فلم يتعرض له النجاشي في ( رجاله ) ، ولا الشيخ الطوسي في ( كتابه ) بمدح ، ولا قدح سوى الوقف الذي اشتهر به ، ودعا اليه.
    وصرح الشيخ الطوسي بذمه في كتاب ( الغيبة ) عند ذكره وكلاء الامام الكاظم (ع) المذمومين ، فقال : « فأما المذمومون منهم فجماعة ... منهم علي بن أبي حمزة البطائني ، وزياد بن مروان القندي ، وعثمان بن عيسى الرواسي ، كلهم كانوا وكلاء لأبي الحسن موسى (ع) ، وكان عندهم أموال جزيلة ، فلما مضى أبو الحسن موسى ـ عليه السلام ـ وقفوا طمعاً في الأموال ، ودفعوا إمامة الرضا (ع) وجحدوه » (5).
    وأورد عدة روايات في ذمه في الفصل الذي عقده لذكر السبب
1 ـ رجال النجاشي ص 175.
2 ـ انظر ص 96.
3 ـ انظر ص 353.
4 ـ انظر ص 242.
5 ـ الغيبة للشيخ الطوسي ص 227


(80)
الباعث لقوم على القول بالوقف ، فقال : « فروى الثقات : أن أول من أظهر هذا الاعتقاد علي بن أبي حمزة البطائني ، وزياد بن مروان القندي وعثمان بن عيسى الرواسي. طمعوا في الدنيا ، ومالوا الى حطامها ، واستمالوا قوماً ، فبذلوا لهم شيئاً مما اختانوه من الأموال ، نحو حمزة بن بزيع ، وابن المكاري ، وكرام الخثعمي ، وأمثالهم ».
    وروى بسنده عن يونس بن عبد الرحمان أنه قال : « مات أبو ابراهيم ـ عليه السلام ـ وليس من قوّامه أحد إلا وعنده المال الكثير ، وكان ذلك سبب وقفهم ، وجحدهم موته طمعاً في الأموال ، كان عند زياد بن مروان القندي سبعون ألف دينار ، وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار. فلما رأيت ذلك ، وتبينت الحق ، وعرفت من أمر أبي الحسن الرضا ـ عليه السلام ـ ما علمت تكلمت ، ودعوت الناس اليه. فبعثا إلي وقالا : ما يدعوك الى هذا ؟ إن كنت تريد المال فنحن نغنيك ، وضمنا لي عشرة آلاف دينار ، وقالا : كف. فأبيت وقلت لهما : إنا روينا عن الصادقين ـ عليهم السلام ـ أنهم قالوا : إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه ، فان لم يفعل سلب نور الإيمان. وما كنت لأدع الجهاد وأمر اللّه على كل حال ، فناصباني وأضمرا لي العداوة ».
    وروى بسنده عن يعقوب بن يزيد الانباري ، عن بعض أصحابه قال : « مضى أبو ابراهيم (ع) وعند زياد القندي سبعون ألف دينار ... فأما ابن أبي حمزة فانه أنكره ، ولم يعترف بما عنده الخ ».
    وروى بسنده أن يحيى بن مساور قال : « حضرت جماعة من الشيعة وكان فيهم علي بن أبي حمزة ، فسمعته يقول : دخل علي بن يقطين على أبي الحسن موسى ـ عليه السلام ـ فسأله عن أشياء فأجابه. ثم قال أبو الحسن ـ عليه السلام ـ : يا علي صاحبك يقتلني ... قال علي : فمن لنا بعدك


(81)
يا سيدي. فقال (ع) : علي ابني هذا (ع) ... فقال يحيى بن الحسن لحرب : فما حمل علي بن أبي حمزة على أن برئ منه وحسده. قال : سألت يحيى بن مساور عن ذلك ، فقال : حمله ما كان عنده من ماله اقتطعه ليشقيه في الدنيا والآخرة ».
    وروى بسنده عن أبي داود ، قال : كنت أنا وعتيبة بياع القصب عند علي بن أبي حمزة البطائني ، وكان رئيس الواقفة ، فسمعته يقول : قال لي أبو ابراهيم ـ عليه السلام ـ إنما أنت وأصحابك ـ يا علي ـ أشباه الحمير الخ ».
    وروى بسنده عن احمد بن عمر ، قال : « سمعت الرضا (ع) يقول في ابن أبي حمزة : أليس هو الذي يروي أن رأس المهدي يهدى الى عيسى بن موسى ، وهو صاحب السفياني. وقال : إن أبا إبراهيم يعود الى ثمانية أشهر ، فما استبان لهم كذبه ؟ ».
    وروى بسنده عن محمد بن سنان ، قال : « ذكر علي بن أبي حمزة عند الرضا ـ عليه السلام ـ فلعنه. ثم قال : إن علي بن أبي حمزة أراد أن لا يعبد اللّه في سمائه وأرضه ، فأبى اللّه إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون ، ولو كره اللعين المشرك. قلت : المشرك. قال : نعم واللّه وإن رغم أنفه ، كذلك هو في كتاب اللّه ، يريدون أن يطفئوا نور اللّه بأفواههم ، وقد جرت فيه ، وفي أمثاله ، إنه أراد أن يطفئ نور اللّه » (1).
    وذكره الشيخ الكشي في موارد ثلاثة من كتاب ( رجاله ) (2).
    وذكر فيها عدة روايات في ذمه ، فروى بعدة طرق ما نقله الشيخ الطوسي عن أبي داود.
1 ـ أنظر هذه الروايات في كتاب ( الغيبة ) للشيخ الطوسي ص 46 ، وما بعدها.
2 ـ أنظر ص 255 ـ 277 ـ 288.


(82)
    وروى عن ابن مسعود ، عن علي بن الحسن بن فضال أنه قال : « علي بن أبي حمزة كذاب متهم ، روى أصحابنا : أن أبا الحسن الرضا (ع) قال ـ بعد موت ابن أبي حمزة ـ : إنه أقعد في قبره ، فسئل عن الأئمة ـ عليهم السلام ـ فأخبر بأسمائهم حتى انتهى إلي ، فسئل فوقف ، فضرب على رأسه ضربة امتلأ قبره ناراً ».
    وروى عن ابن مسعود أنه قال : « سمعت علي بن الحسن يقول : ابن أبي حمزة كذاب ملعون ، قد رويت عنه أحاديث كثيرة ، وكتبت تفسير القرآن من أوله الى آخره ، إلا أني لا أستحل أن أروي عنه حديثاً واحداً ».
    وروى بسنده عن يونس بن عبد الرحمان قال : « مات أبو الحسن (ع) وليس من قوامه أحد إلا وعنده المال الكثير ، فكان ذلك سبب وقوفهم وجحودهم موته ، وكان عند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار ».
    وروى بسنده عن محمد بن الفضل عن أبي الحسن (ع) قال : « قلت جعلت فداك إني خلفت ابن أبي حمزة ، وابن مهران ، وابن أبي سعيد اشد اهل الدنيا عداوة لك. فقال لي : ما ضرك من ضل اذا اهتديت ، إنهم كذبوا رسول اللّه (ص) ... وسمعته يقول ـ في ابن ابي حمزة ـ : « أما استبان لكم كذبه ، أليس هو الذي يروي أن رأس المهدي يهدى الى عيسى بن موسى ، وهو صاحب السفياني. وقال : إن أبا الحسن يعود الى ثمانية أشهر ؟ ».
    وروى بسنده عن يونس بن عبد الرحمان. قال : « دخلت على الرضا (ع) فقال لي : مات علي بن أبي حمزة. قلت : نعم. قال (ع)


(83)
قد دخل النار. قال : ففزعت (1) من ذلك. قال (ع) : أما أنه سئل عن الامام بعد موسى أبي (ع) فقال : إني لا أعرف إماماً بعده. فقيل لابنه. فضرب في قبره ضربة اشتعل قبره ناراً ».
    وروى بسنده عن احمد بن محمد ، عن أبي الحسن (ع) أنه قال : « ... لما قبض رسول اللّه (ص) جهد الناس في إطفاء نور اللّه ، فأبى اللّه إلا أن يتم نوره بأمير المؤمنين (ع) ، فلما توفي أبو الحسن (ع) جهد علي بن أبي حمزة في إطفاء نور اللّه ، فأبى اللّه إلا أن يتم نوره الخ ».
    وروى بسنده عن اسماعيل بن سهل عن بعض أصحابنا حديثاً طويلاً عرض فيه النقاش الدائر بين البطائني والامام الرضا (ع) حول إمامته. وجاء في آخره : أن البطائني قال : « إنا روينا أن الامام لا يمضي حتى يرى عقبه. فقال أبو الحسن (ع) : أما رويتم في هذا الحديث غير هذا. قال : لا. قال (ع) : بلى واللّه لقد رويتم إلا القائم ، وأنتم لا تدرون ما معناه ، ولمَ قيل. قال له علي : بلى واللّه إن هذا لفي الحديث. قال له ابو الحسن (ع) : ويلك كيف اجترأت على شيء تدع بعضه. ثم قال : يا شيخ إتق اللّه ، ولا تكن من الصادين عن دين اللّه تعالى ».
    ولذا اشتهر بين الفقهاء ، والرجاليين ضعفه ، وعدم العمل بروايته فأدرجه العلامة الحلي في القسم الثاني من ( خلاصته ) الذي أعده للضعفاء من الرواة ، والذين لا يعمل بروايتهم. وقال عنه : إنه أحد عمد الواقفة.
1 ـ الظاهر أن فزعه من اجل ذكر النار ، وعذابها ، فان المؤمنين إذا ذكرت النار عندهم وجلت قلوبهم. ولم يكن فزعه من أجل دخول البطائني فيها ، لأن يونس هو الذي كان يندد به ، ويعلن عن كذبه ، وبدعه ، وليس من الغريب أن يدخل المبدع المضلل النار.

(84)
    ونقل بعض الأدلة السابقة ، وقول ابن الغضائري : « علي بن أبي حمزة ـ لعنه الله ـ اصل الوقف ، وأشد الخلق عداوة للولي من بعد أبي ابراهيم ـ عليه السلام ـ » (1) وقال العلامة ـ في ترجمة الثمالي ـ : « لأن ابن أبي حمزة البطائني ضعيف جداً » (2). وهذه الجملة وردت في كلام الميرزا محمد ايضاً (3).
    وذكره ابن داود في القسم الثاني من ( رجاله ) الذي أعده للمجروحين ونقل بعض الروايات السابقة ، وكلام ابن الغضائري فيه (4). وضعّفه المجلسي صريحاً (5).
    وقال الشيخ المامقاني : « وإنما وقع الخلاف في وثاقته وعدمها على قولين. أحدهما : أنه ضعيف لا يعمل بخبره وهو المشهور بين علماء الرجال والفقهاء ، وقد سمعت التصريح به من جمع ، ولعنه من عده ، أقوى شاهد على نهاية ضعفه ، وقد صرح بوقفه وضعفه ، وعدم العمل بروايته جمع منه المحقق في ( المعتبر ) ، وسيد ( المدارك ) ، ومستنده ظاهر الخ » (6).
    هذه أدلة ضعفه ، ولا بد من النظر فيها فنقول.
1 ـ خلاصة الرجال ص 111.
2 ـ خلاصة الرجال ص 47.
3 ـ منهج المقال ص 224.
4 ـ رجال ابن داود ص 478.
5 ـ وجيزة المجلسي ، ملحقة بخلاصة الرجال ص 158.
6 ـ تنقيح المقال ج 2 ص 262


(85)
    التحقيق في الأدلة
    إن محض اتصاف الرجل بالوقف ، وصدور لعنه عن أهل البيت ـ عليهم السلام ـ لذلك لا يسقط حديثه عن الاعتبار لو كان ثقة في نفسه لا يكذب في قوله ، حيث لا يشترط في اعتبار الراوي العدالة ولا الايمان وإن اعتبرهما جماعة ، فلم يعملوا بخبر سيّئ العقيدة وإن كان ثقة ، لكن سبق وهنه (1). فلا تنافي بين وثاقة الرجل في حديثه ، وانحرافه عن أهل البيت (ع) في عقيدته.
    وعليه فما دل على وقف البطائني ، ولعنه لذلك ، وتعذيبه في الآخرة عليه ، لا يصلح دليلاً لإثبات ضعفه ، كما وأن تشبيهه وأصحابه بالحمير لا صلة له بالوثاقة ، فانه يعرب عن عدم انتفاعهم بما حملوه من علوم أهل البيت ـ عليهم السلام ـ وأحاديثهم ، فمثلهم « كمثل الحمار يحمل أسفاراً » (2) فيرتكز ضعفه إذن على ثلاثة أمور.
    الأول : إن قوله بالوقف ، وانحرافه عن الامام الرضا (ع) لم يكن لشبهة عرضت له ، وإنما دعاه اليه الطمع يما عنده من أموال الامام الكاظم (ع) ، حيث يلزمه تسليمها الى ابنه الرضا (ع) لو اعترف بامامته وهذا المعنى شاع واشتهر ، واستفاضت الروايات الدالة عليه ، التي وثق الشيخ الطوسي رواتها بقوله : « فروى الثقات أن اول من اظهر هذا الاعتقاد علي بن أبي حمزة البطائني ... طمعوا في الدنيا الخ » ما سبق.
    فقد تعمد البطائني الكذب في إخباره عن حياة الامام الكاظم (ع) وإنكاره لموته ، ليبقى وكيلاً عنه ، ولتبقى امواله في يده ، وذلك منتهى
1 ـ انظر ص 27 ـ 28.
2 ـ الجمعة / 6


(86)
الضعف ، وسقوط الراوي عن الاعتبار ، فان صدقه في قوله أساس قبول روايته. ولم يكفه ذلك بل سعى حثيثاً ، وبذل أقصى جهوده في سبيل تركيز دعوته الكاذبة وتسييرها في الملاء الشيعي ، واستمال هو والقندي جماعة ببذل الأموال لهم في هذا السبيل ، وضمنا ليونس مالاً جزيلاً إن كف عن معارضتهما ، واستمرا في هذا التضليل ، ولذا قال الامام الرضا ـ عليه السلام ـ : فلما توفي أبو الحسن جهد علي بن أبي حمزة في إطفاء نور اللّه ، كما جهد الناس بعد رسول اللّه (ص) في إطفاء نوره.
    وينبؤنا هذا عن مدى ما قام به البطائني من الافتراء في ترويج الباطل ولذا كان أصل الوقف وأساسه على حد تعبير مترجميه. ولم يرد في رجال الواقفة ، ولا غيرهم من بقية الفرق مثل الذم الوارد فيه ، وعليه كيف يصح الركون لمثله ، والعمل بحديثه.
    الثاني : شهادة علي بن الحسن بن فضّال بأنه كذاب لا يحل الرواية عنه ، وشهادته بأنه كذاب متهم. وسبق أن الشيخ الكشي روى هاتين الشهادتين ، عن محمد بن مسعود العياشي ، عن ابن فضال. والثلاثة ثقات.
    لكم يورد على الشهادة الأولى أن الكشي ذكرها تارة في حق المترجم عند ترجمته ، وأخرى في حق ولده الحسن (1) ، وان اختلفا بالسؤال والسماع. واحتمال صدور شهادتين من ابن فضال ، رواهما عنه العياشي بلفط واحد ، إحداهما في الأب ، والاخرى في الابن ، بعيد. بالاضافة إلى أن المذكور فيها : أنه كتب عنه تفسير القرآن من أوله إلى آخره. ومن المستبعد جداً أن يكتب ذلك عن الأب مرة ، وعن الابن أخرى. وعليه فلا تصلح هذه الشهادة دليلاً لضعفهما معاً ، وتخصيصها بأحدهما بلا
1 ـ رجال الكشي ص 342

(87)
مرجح ، إلا أن يقال : بحدوث علم إجمالي من هذه الشهادة بضعف أحدهما فيسقطان معاً عن الاعتبار.
    ويمكن ترجيح اختصاص هذه االشهادة في الابن من أجل ذكر اسمه فيها صريحاً عند ترجمته ، وعدم ذكر اسم الاب عند ترجمته ، وإنما ورد « ابن أبي حمزة » ، ولا مانع من إرادة الابن منه نسبة الى جده ، ويكون الخطأ واقعاً في ذكر الشهادة عند ترجمة الأب ، إلا أن الذي يضعّف ذلك تكرار التعبير عن الأب بابن أبي حمزة في الروايات.
    أما الشهادة الثانية فانها سالمة عن هذا الايراد. لكن يمكن القول : بأن المراد بالكذب فيها الكذب في العقيدة ، لا الإخبار ، حيث يرى البطائني مذهب الوقف ، وابن فضال فطحي. وهذا جاري في الشهادة الأولى أيضاً ، فيكون عدم استحلاله الرواية عنه من أجل اختلافهما في العقيدة. وتصريحه برواية أحاديث كثيرة ، وكتابة تفسير القرآن عنه ، كاشف عن اعتماده عليه حينذاك قبل اختلال عقيدته بالوقف ، فلما اختلت لم يستحل أن يروي عنه.
    وقد ذكر الشيخ الطوسي : أن كثيراً من رجال الطائفة طعنوا في رواية المخالف في المذهب ، وانكروا عليه « نحو إنكارهم على من يقول بالتجسيم ، والتشبيه ، والصورة ، والغلو ، وغير ذلك. وكذلك من خالف في أعيان الأئمة (ع) لأنهم جعلوا ما يختص الفطحية ، والواقفة ، والناووسية وغيرهم من الفرق المختلفة ، بروايته لا يقبلونه ، ولا يلتفتون اليه الخ » (1).
    وابن فضال وإن كان فطحياً ، إلا أنه يمكن أن لا يعتمد على رواية الواقفة الذين ينكرون إمامة الرضا (ع) ، والأئمة من ولده (ع) ، لأن الفطحية يعتقدون بامامة الجميع ، ويضيفون اليهم عبد اللّه الأفطح بن
1 ـ عدة الأصول ص 57

(88)
الامام الصادق (ع).
    والجواب عنه أن إرادة الكذب في العقيدة ، وإن أمكن ، حيث يصح إطلاق لفظ الكذب على الإنصراف عن الحق ، كالافك ، إلا أن المشهور في معناه لغة ، وعرفاً هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو فيه ضد الصدق (1). وهو المستعمل في كتب الجرح ، والتعديل لتعلق الغرض المهم بمعرفة صدق الراوي ، وتحرزه عن الكذب في حديثه. على أن تعقيب ابن فضال قوله : « كذاب » ، في شهادته الثانية بلفظ « متهم » يكشف عن إرادة المعنى الشائع من لفظ الكذب ، حيث لا يصح تهمته في العقيدة ، لأن وقفه جلي لا نقاش فيه ، وهو عمد الواقفة ، وإنما يتهم في القول ، والإخبار ، فان الكذاب قد يصدق ، إلا أنه متهم بالكذب في كل ما يخبر به ، ولأجله لا يقبل خبره مطلقاً.
    الثالث : ما رواه الشيخ الكشي بسنده (2) عن أبي الحسن الرضا (ع)
1 ـ مجمع البحرين ، وأقرب الموارد ، مادة كذب.
2 ـ رواه عن شيخه علي بن محمد بن قتيبة النيشابوري ، الذي وصفه الشيخ الطوسي في ( رجاله ص478 ) بالفاضل. وقال عنه النجاشي في ( رجاله ص 183 ) : إنه صاحب الفضل بن شاذان ، وراوية كتبه ، اعتمد عليه أبو عمرو الكشي في كتاب ( الرجال ). وذكره العلامة في القسم الأول من ( خلاصته ص 46 ). وكذا ابن داود ذكره في القسم الأول من ( رجاله 250 ). ولذا اعتمد عليه كثير ، وإن ناقش فيه آخرون عن محمد بن احمد بن يحيى الأشعري الثقة صاحب ( نوادر الحكمة ) ، عن أبي عبد اللّه الرازي ، وهو احمد بن اسحاق الثقة ، عن احمد بن محمد بن أبي نصر الثقة ، عن محمد بن الفضل ، وهو وإن اشترك بين جماعة إلا أن الذي يروي عن الرضا (ع) منهم اثنان. احدهما الأزدي الكوفي الثاني ابن عمر ، حيث لم يذكر الشيخ الطوسي غيرهما في أصحاب الامام الرضا (ع) من ( رجاله ص 386 ـ 390 ) ، ووثق الأزدي فقط ، فيبقى الثاني مجهولاً. نعم هناك شخص ثالث يلقب بالبغدادي روى عن الامام الهادي (ع) ، ولم يستبعد في ( جامع الرواة ج 2 ص 173 ) ، كونه الأزدي الثقة.


(89)
أنه قال في البطائني : « أما استبان لكم كذبه ، أليس هو الذي يروي : أن رأس المهدي يُهدى الى عيسى بن موسى (1) وهو صاحب السفياني.
    وقال : إن أبا الحسن يعود الى ثمانية أشهر » ؟.
1 ـ كتب في حاشية كتاب ( الغيبة ) للشيخ الطوسي ص 50 تعليق على هذا الحديث. وهو « المراد من المهدي هو محمد ابن الخليفة العباسي المنصور ، المتولي للخلافة سنة 158 ، ثمان وخمسين ومائة ، بعهد من أبيه المتوفى سنة 169 ، تسع وستين ومائة. وكان جده (*) السفاح عقد الخلافة أولاً لأخيه عبد اللّه المنصور ، وجعله ولي عهده ، ومن بعده لابن أخيه عيسى بن موسى بن محمد بن علي ، ولكن المنصور عهد في موته لابنه المهدي محمد المزبور ، ثم أجبر عيسى بن موسى المذكور على الخلع ، فخلع نفسه عن الخلافة ، فجعلها المهدي لابنه الهادي موسى ، وبعده لابنه الآخر هارون. هذا مجمل خبرهما. وإنما أراد الامام ـ عليه السلام ـ الطعن على علي بن أبي حمزة ، وتكذيبه في روايته : أن المهدي يقتل ، ويحمل رأسه الى عيسى بن موسى ».
وقد وقع الخطأ في ( رجال ) ابن داود المطبوع ص 479 ، حيث نقل عن الكشي تلك الرواية هكذا.
« أليس هو الذي يروي أن رأس المهدي يُهدى الى عيسى بن مريم وهو صاحب الشيباني ». والصحيح ما نقلناه هنا عن الكشي ، والشيخ الطوسي.

(*) لا يخفى أن التعبير عن السفاح بجد المهدي غلط ، والصحيح أنه عمه.

(90)
    وروى نظيره الشيخ الطوسي بسنده (1) عن أبي الحسن الرضا (ع).
1 ـ رواه الشيخ الطوسي ، عن احمد بن محمد بن عيسى ، عن سعد بن سعد الأشعري ، وهما ثقتان ، عن احمد بن عمر ، وهو مشترك بين اثنين. أحدهما ابن أبي شعبة الحلبي ، وقد وثقه النجاشي ، قائلاً : « ثقة روى عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ، وعن أبيه من قبل الخ ». ( رجال النجاشي ص 72 ) والثاني الحلال بالحاء ، أو الخاء. وقد ذكره الشيخ الطوسي في أصحاب الامام الرضا (ع) من كتاب ( رجاله ص 368 ) ووثقه.
وذكره ثانياً في باب ( من لم يروِ عنهم عليهم السلام ) من ( رجاله ص 447 ). واستظهر ابن داود في ( رجاله ص 35 ) تعدد الرجل ، وأن الخلال بالمعجمة من أصحاب الرضا (ع) ، وبالمهملة ممن لم يروِ عنهم (ع) ، وذلك من أجل ذكر الشيخ له في كلا البابين ، فيدل على تعدده ، كما استظهره في القاسم بن محمد الجوهري ( ص 276 ).
وفيه بحث يأتي. والمذكور في رجال الشيخ المطبوع بالمهملة في كلا البابين ، كما في ( فهرسته ص 35 ). لكن النجاشي ذكره بالمعجمة ، وصرح بروايته عن الرضا (ع) ، قائلاً : « احمد بن عمر الخلال يبيع الخل يعني الشيرج. روى عن الرضا (ع) ». ( رجال النجاشي ص 72 ) ويكشف تفسيره للخل بالشيرج عن غلط المعجمة ، لأن الشيرج يطلق عليه الحل بالمهملة. قال في ( مجمع البحرين ، مادة حلل ) : « والحل بتشديد اللام دهن السمسم ، ومنه الحلال بالتشديد أيضاً ». ودهن السمسم هو الشيرج وعلى تقدير تعدد الرجل لا أثر له في محل البحث ، لأن الراوي
قواعد الحديث ::: فهرس