قواعد الحديث ::: 91 ـ 105
(91)
...
عن الرضا (ع) ، كما في هذه الرواية وثقة الشيخ الطوسي صريحاً ، كما وثق النجاشي الحلبي.
وهناك راوي اسمه احمد بن عمرو بسكون الميم بعدها واو ، بن المنهال لكن ابن داود في ( رجاله ص 36 ) ذكر والده بلفظ عمر بفتح الميم وبدون واو ، ناقلاً له عن النجاشي. وهو غلط ، والصحيح ما ذكرناه كما في ( رجال النجاشي ص 58 ) و ( فهرست الشيخ الطوسي ص 37 ) ، وكل من ذكره بعدهما. وعليه فلم يوجد شخص ثالث يسمى بأحمد بن عمر غير ذينك الموثقين الحلبي والحلال ، مع الغض عما ذكره ابن داود من التعدد.
نعم إن الشيخ الطوسي في ( التهذيب ) روى في باب الطواف رواية عن موسى بن القاسم ، عن اسماعيل ، عن احمد بن عمر المرهبي ، عن أبي الحسن الثاني (ع) ( التهذيب ج 5 ص 110 ). والظاهر انه أحد ذينك الرجلين الحلبي ، أو الحلال ، وكان يلقب بالمرهبي أيضاً ، فوصفه بذلك الراوي ، وتبعه الشيخ في ذكره.
وأما أنه رجل ثالث غيرهما فبعيد جداً ، حيث لم يوجد له ذكر في كتب الرجال ، كفهرست الشيخ الطوسي ، وكتاب رجاله ، ورجال النجاشي والكشي ، وابن داود ، وخلاصة العلامة ، بل لم يذكر بهذا اللقب إلا في هذه الرواية ، ولم يذكر له غيرها ، ولذا اقتصر عليها في ( جامع الرواة ج 1 ص 57 ). وعليه فلا يضرنا عند الاطلاق. وان كان شخصاً ثالثاً.
يبقى البحث في طريق الشيخ الطوسي الى احمد بن محمد بن عيسى فانه صحيح في ( مشيخة التهذيب ) ، لكنه يختص بما رواه فيه من الأحاديث حيث صرح في مقدمة مشيخته : بأن ذكره لتلك الطرق لتخرج أخبار كتابه عن حد المراسيل ، وتلحق بباب المسندات. وعليه فلا يمكن تصحيح حديث رواه الشيخ في غير ( التهذيبين ) ، مثل كتاب ( الغيبة ) اعتماداً على تلك الطرق.
إذن فتنحصر طرق الشيخ العامة لكل ما رواه بطرقه المذكورة في كتابه ( الفهرست ). وقد ذكر فيه ( ص25 ) طريقين الى احمد بن محمد بن عيسى ، أحدهما فيه احمد بن محمد بن يحيى العطار ، والآخر فيه احمد بن محمد بن الحسن بن الوليد. فبناء على ما هو الأظهر من اعتبار هذين الرجلين يكون الطريق معتبراً ، بل يكفي اعتبار أحدهما في صحة الطريق ولذا صحح في ( جامع الرواة ج 2 ص 479 ) طريق الشيخ الطوسي الى احمد بن محمد بن عيسى في ( المشيخة ، والفهرست ) معاً ، ونقله عنه في ( مستدرك الوسائل ج 3 ص 723 ).


(92)
    فهاتان الروايتان صريحتان في إرادة الكذب في القول ، ولا يحتمل فيهما إرادة الكذب في العقيدة ، حيث أتبع الامام (ع) قوله : « أما استبان لكم كذبه » بقوله : « أليس هو الذي يروي الخ » ؟. فيكون قد روى ذلك كاذباً. وأي شهادة في الدنيا تسقط الراوي عن حد الاعتبار أعظم من شهادة الامام (ع) بأنه يروي كاذباً.
    ويؤيده ما رواه الكشي بسنده عن اسماعيل بن سهل عن بعض أصحابنا وجاء في آخره : أن البطائني روى حديثاً بحضرة الرضا (ع) ، وحذف منه جملة ، فأنكر عليه الامام (ع) ذلك ، وبعد أن اعترف بها ، قال له الرضا (ع) : « ويلك كيف اجترأت على شيء تدع بعضه ... اتق اللّه ولا تكن من الصادين عن دين اللّه تعالى ».
    وهو صريح في أن البطائني قد تعمد الكذب بانكاره لبعض الحديث.
    وبعد هذا لا حاجة للبحث عما قيل في وجه اعتبار حديث البطائني أو توثيقه ، لأنه على تقدير أن يتم في نفسه لا يقوى على معارضة ما سبق


(93)
من أدلة تضعيفه. وعلى فرض صلاحيته للمعارضة يتساقطان ، وتكون النتيجة هي الضعف. ومع ذلك لا بأس بالتعرض لما قيل ، أو يمكن أن يقال في وجه ذلك ، وهو أمور.

    أدلة اعتبار البطائني ونقاشها
    الأول : أن ابن أبي عمير ، والبزنطي ، وصفوان بن يحيى ، وقد رووا عنه ، وهم أقطاب الجماعة الذين حكى الكشي الاجماع على ( تصحيح ما يصح عنهم ) ، ونص الشيخ الطوسي على أنهم لا يروون إلا عن ثقة كما سبق ، وهو كاف في توثيقه.
    والجواب عنه أن تصحيح الحديث لدى القدماء لا يلازم توثيق راويه لشيوع إطلاق الصحيح لديهم على المحتف بالقرائن المفيدة للوثوق بالصدور وبنى جماعة من المتأخرين على صحة أحاديث اصحاب الاجماع وإن رووا عن فاسق. وعليه فاجماع الكشي لا يثبت التوثيق ، مع وهنه في نفسه ، كما سبق.
    إنما المهم دعوى الشيخ الطوسي : أن أولئك الثلاثة لا يروون إلا عن ثقة. ولذا جعل الوحيد البهبهاني روايتهم عن البطائني مؤيداً لوثاقته (1) لكنه سبق وهن تلك الدعوى ، وأن الشيخ الطوسي ضعّف البطائني صريحاً في كتاب ( الغيبة ) ، وهو منافي لها ، بل ينافيها جميع ما سبق من أدلة ضعفه ، وسقوطه عن الاعتبار. فالعمل على تلك الأدلة.
    الثاني : ورود روايات أربع يمكن القول : بدلالتها على مدح البطائني أو صحة اعتقاده. نذكرها وإن كانت ضعافاً.
1 ـ تعليقة منهج المقال ص 223.

(94)
    الأولى : نقلت عن الشيخ الطوسي في كتاب ( الغيبة ) بسنده ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن يحيى بن القاسم ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده عليهم السلام ، قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم : « الأئمة بعدي اثنا عشر ، أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم القائم ، هم خلفائي ، وأوصيائي ، وأوليائي ، وحجج اللّه على أمتي بعدي ، المقر بهم مؤمن ، والمنكر لهم كافر ». قال الشيخ المامقاني بعد نقلها : « فانه لا يعقل وقف من روى هذه الرواية » (1).
    لكن يوهنه أولاً : عدم وجود هذه الرواية في كتاب ( الغيبة ) المطبوع. وثانياً : أنها ضعيفة السند. وثالثاً : أن البحث ليس في اعتقاده الوقف واقعاً كي يتنافى مع هذه الرواية ، بل الثابت انه قال بمذهب الوقف ودعا اليه طمعاً في المال ، لا لشبهة عرضت له ، وهذه الرواية على تقدير صحتها مؤيدة لذلك ، فيكون مصداقاً للآية الكريمة « وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم » (2).
    وإنما وصف بالوقف لتظاهره به ، ودعوته اليه حتى عد من عمد الواقفة ، واعترف به الشيخ المامقاني بقوله : « لا خلاف بينهم في كون الرجل واقفياً ، وقد تظافرت بذلك الأخبار ، وكلمات العلماء الاخيار الخ » (3).
    الثانية نقلت عن الشيخ الطوسي في كتاب ( التهذيب ) بسنده عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبي الحسن (ع) قال : « قلت له إن أبي قد هلك ، وترك جاريتين قد دبّرهما (4) ، وأنا ممن أشهد لهما ،
1 و 3 ـ تنقبيح المقال ج 2 ص 262
2 ـ النمل / 14.
4 ـ التدبير تعليق عتق المولى عبده ، أو أمته بوفاته. وبما أن الوفاة دبر الحياة سمي ذلك التعليق تدبيراً ، فاذا توفي المولى تحرر المملوك المدبر. وتفصيله في كتب الفقه.


(95)
وعليه دين كثير ، فما رأيك ؟. فقال (ع) : رضي اللّه عن أبيك ، ورفعه مع محمد ، وأهله. قضاء دينه خير له ، إن شاء اللّه تعالى ». قال الشيخ المامقاني بعد نقلها : « فانه لا يعقل مثل هذا الدعاء من الامام (ع) للواقفي أو الامامي الغير المتقي » (1).
    لكن يوهنه أولاً : ضعف سند الرواية ، فلا تصلح مدركاً لأي حكم وثانياً : منافاتها للروايات العديدة الصادرة عن أبي الحسن الرضا (ع) في ذم البطائني ، والتنديد به ، وأنه كاذب ، ومشرك ، ومعذب في الآخرة وأن قبره قد امتلأ ناراً. فكان الامام (ع) مهتماً في الاعلان عن عظم جرمه ، فلا يمكن عادة صدور مضمون هذه الرواية عنه ، بحيث يدعو للبطائني ـ بعد الترضي عليه ـ بأن يرفعه اللّه مع محمد ، وآله (ص) في الدرجة التي لا يبلغها إلا المخلصون من الأتقياء.
    والذي يقوى في النفس أن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، لما رأى كثرة الروايات الصادرة عن الامام الرضا (ع) في ذم أبيه ، وتعذيبه بعد موته عظم عليه ذلك ، فروى هذا الترضي ، والدعاء نصرة لأبيه. وليس بالغريب بعدما كان ضعيفاً ، ومتهماً بالكذب.
    وثالثاً : أن الترضي ، والترحم على الميت لا يدل على وثاقة أو مدح ولذا صدر الترحم من الامام (ع) على جميع زوار قبر الحسين (ع) بل جميع الشيعة. وفيهم من فيهم. بل صدر الاستغفار من النبي (ص) حتى للمنافقين ، فنزلت الآية الكريمة « سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر اللّه لهم الخ » (2). وفي آية أخرى « ... إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر اللّه لهم » (3). فقال النبي (ص) :
1 ـ تنقيح المقال ج 2 ص 262.
2 ـ المنافقون / 6.
3 ـ التوبة / 81.


(96)
لو علمت أني لو زدت على السبعين مرة لغفر ، لفعلت » (1). فترك النبي (ص) الاستغفار لهم بعدما أخبره اللّه تعالى أنهم يموتون على الكفر والنفاق. نقله الشيخ الطوسي عن الحسن ، وقال : « وقد كان النبي (ص) يستغفر لهم على ظاهر الحال بشرط حصول التوبة ، وأن يكون باطن المستغفر له مثل ظاهره ، فبين بها أن ذلك لا ينفع مع إبطانهم الكفر ، والنفاق » (2)
    الثالثة رواها الكشي بسنده عن رجل ، عن علي بن أبي حمزة. قال « شكوت الى أبي الحسن (ع) ، وحدثته الحديث ، عن أبيه ، عن جده فقال (ع) : يا علي هكذا قال : أبي ، وجدي عليهما السلام. قال : قال : فبكيت. ثم قال (ع) : أو قد سألت اللّه لك ، أو أسأله لك في العلانية أن يغفر لك » (3).
    لكن يوهنها أولاً : ضعف سند الرواية ، وإرسالها. وثانياً : ورودها من طريق البطائني نفسه ، ولا تقبل شهادة الانسان في مدح نفسه ، أو توثيقها ، فلا اعتبار بما يرويه في سبيل ذلك. وثالثاً : منافاتها للروايات الكثيرة الصادرة عن الرضا (ع) في ذمه حال حياته ، وبعد موته. ورابعاً أن الاستغفار لشخص لا صلة له بالوثاقة ، أو المدح.
    الرابعة رواها الكشي بسنده عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه : أنه مرض بالمدينة مرضاً شديداً ، وعنده إسحاق بن عمار ، ثم رحل عنه اسحاق الى مكة ، فأرسل له أبو الحسن (ع) بقدح فيه ماء ، وأمره بشربه فشربه فعوفي ، فسأله اسحاق عن سبب شفائه ، فأخبره بالقصة ، وقال : « فقلت : يا إسحاق إنه إمام ابن امام ، وبهذا يعرف الامام » (4).
    ولكن يوهنها أولاً : ضعف السند. وثانياً : كون راويها ابن البطائني المتهم بالكذب ، عن أبيه في حق نفسه ، فلا تقبل منه. وثالثاً : عدم
1 ـ تفسير التبيان ج 5 ص 311.
2 ـ تفسير التبيان ج 10 ص 14.
3 ـ رجال الكشي ص 255.
4 ـ رجال الكشي ص 279.


(97)
ثبوت أن المراد بأبي الحسن هو الرضا (ع) ، لأنها كنية أبيه الكاظم (ع) (1) أيضاً ، بل الغالب إرادته مع الاطلاق ، فتكون القصة معه (ع) ، فلا صلة لها بالبحث.
    وعلى فرض إرادة الرضا (ع) فغاية ما تدل عليه الرواية أمران. أحدهما : اعترافه بامامته (ع). وسبق : أنه لا ينافي إظهار مذهب الوقف وإخباره كذباً عن حياة الامام الكاظم (ع) طمعاً في المال ، فهو يعلم أن الرضا (ع) إمام بعد أبيه ، لكن غرته الدنيا ، وراقه زبرجها. ثانيهما : كونه مورد عطف الامام (ع) ، حيث سقاه الماء الذي عوفي به. وهو أجنبي عن الوثاقة ، والمدح ، فان العطف ، والتفضل ، والحنان شأن الأئمة من أهل البيت (ع) مع العدو ، والصديق. ولذا سقى الحسين (ع) الحر بن يزيد الرياحي ، وجماعته الخارجين لقتاله.
1 ـ أبو الحسن كنية لأربعة من أئمة أهل البيت (ع). الأول أمير المؤمنين علي (ع). الثاني الامام موسى الكاظم (ع). الثالث الامام علي الرضا (ع). الرابع الامام علي الهادي (ع). لكن الأحاديث المروية عن أمير المؤمنين (ع) لا تشتبه بغيرها ، حيث ذكر فيها اسمه الشريف أو لقبه غالباً. مع الفصل الطويل في الزمن بينه ، وبين الأئمة الثلاثة من ولده ، فمن يروي عنه لا يمكن أن يروي عنهم. وإنما الترديد في تلك الكنية يكون بين الأئمة الثلاثة ولذا ميز الامام الكاظم (ع) بلفظ الأول والماضي. ومّيز الرضا (ع) بلفظ الثاني. وميز الهادي بلفظ الثالث. وعليه فلو اقترنت الكنية عند إطلاقها بهذا المايز فهو ، وإلا لزم ملاحظة القرائن في تعيين الامام المروي عنه مثل طبقة الراوي ، ونحوه. فان فقدت تردد بين الثلاثة ، وإن ترجح إرادة الكاظم (ع) ، لأن المروي عنه (ع) في حياته لم يقترن بمايز.

(98)
    الثالث : ما ذكره الشيخ المجلسي في ( وجيزته ) ، فانه بعدما ضعّف البطائني صريحاً نسب الى القيل كونه ثقة معللاً له بأمور ثلاثة. فقال : « وابن أبي حمزة البطائني ضعيف. وقيل : ثقة ، لأن الشيخ قال في ( العدة ) : عملت الطائفة بأخباره. ولقوله في ( الرجال ) (1) : له أصل ويقول ابن الغضائري في ابنه الحسن : أبوه أوثق منه » (2).
    وصرح الشيخ المامقاني بأن هذه الأمور التي أشار اليها المجلسي هي حجة توثيق البطائني ، الذي مال اليه ، أو قال به عدة من الأواخر. قال الشيخ محمد بن الحسن الحر بعد نقل خبر هو في طريقه : « واكثر رواته ثقات ، وإن كان منهم علي بن أبي حمزة ، وهو واقفي. لكنه وثقه بعضهم ». وبنى الشيخ المامقاني على ضعفه ، لكنه قبل أخباره ، وعدها من القوي ، وقدّم الصحيح عليها عند التعارض ، لأجل شهادة الشيخ بأن الطائفة قد عملت بأخباره (3). لكن الحق أن ما ذكره المجلسي لا يصلح دليلاً لوثاقة البطائني ، أو قبول أخباره.
    أما كونه ذا أصل (4) فلا صلة له بوثاقته ، أو قبول روايته ، فهو
1 ـ يطلق ( رجال الشيخ ) على كتابه الذي جمع فيه أسماء الراوين عن النبي (ص) ، والأئمة من أهل بيته ، قبال ( فهرسته ) الذي جمع فيه أسماء كتب الامامية من مصنفات ، وأصول. لكن المجلسي هنا أراد برجال الشيخ ( فهرسته ) فانه الذي نسب فيه الأصل الى البطائني ( ص 96 ) وأما ( رجاله ص 353 ) فلم يرد فيه ذكر الأصل ، بل قال « له كتاب ».
2 ـ الوجيزة للمجلسي ـ ملحقة بخلاصة الرجال ص 158
3 ـ تنقيح المقال ج 2 ص 262
4 ـ أطلق قدامى فقهاء الامامية ، ومحدّثيهم لفظ الأصول على مجموعة من كتب رواة أحاديث أهل البيت (ع). وصرح الشيخ الطوسي في مقدمة ( فهرسته ) بأن كثرة أصحابنا ، وانتشارهم في البلدان يحول دون استيفاء أصولهم ، وتصانيفهم. لكنه نقل ابن شهرآشوب عن الشيخ المفيد أنه حصر الأصول بقوله : « إن الامامية صنفوا من عهد أمير المؤمنين عليه السلام الى زمان العسكري (ع) أربعمائة كتاب تسمى الأصول ». ( تعليقة منهج المقال ص 7 ). وصرح المحقق الحلي بأن هذا العدد من الأصول إنما صنف من أجوبة مسائل الامام الصادق عليه السلام فقط. ( المعتبر ص 5 ).
وعلى أي تقدير فالأصل أخص من الكتاب. ولذا قيل عن بعض الرواة : له أصل ، وله كتاب. فاضطروا الي بيان الفارق بينهما ، وذكروا وجوهاً في ذلك ، أقربها للصحة ما اختاره الوحيد البهبهاني بقوله : « الأصل هو الكتاب الذي جمع فيه مصنفه الأحاديث التي رواها عن المعصوم (ع) أو عن الراوي ». فلم يروِ فيه عن كتاب آخر ، وإنما اقتصر على ما سمعه عن الامام (ع) أو عمن سمع منه. مثلاً إن حريز بن عبد اللّه يروي تارة عن الامام الصادق (ع) ، وأخرى عن زرارة عنه (ع) ، والكتاب هو الذي تؤخذ أحاديثه من تلك الأصول غالباً ، ولأجله سميت أصولاً ، وإن وجد فيه حديث متصل السند سماعاً الى الامام (ع) بدون واسطة كتاب آخر. فان ذلك لا يجعله أصلاً. ( تعليقة منهج المقال ص 7 ).


(99)
نظير ما لو قيل : له كتاب. ولذا قال الوحيد البهبهاني : « إن الحسن بن صالح بن حي الثوري متروك العمل بما يختص بروايته ، على ما صرح به في ( التهذيب ) مع أنه صاحب أصل ، وكذلك علي بن أبي حمزة البطائني مع أنه ذكر فيه ما ذكر ، الى غير ذلك الخ » (1).
    فدعوى ثبوت حسن الراوي بكونه ذا أصل ، لأنه من إمارات المدح
1 ـ تعليقة منهج المقال ص 8.

(100)
ضعيف. وعلى فرض تسليمه لا ينفع في البطائني ونظائره. للتسالم على اشتراط كون الممدوح إمامياً.
    ودعوى أن الشيخ الطوسي ذكر الأصل بعنوان كونه معتمداً غير ثابت وعلى فرض ثبوته لا يثبت لنا حجية أخباره ما لم نثق بأسنادها ، أو صدورها عن المعصوم (ع).
    وأما قول ابن الغضائري في ابنه الحسن : « أبوه أوثق منه ». فالجواب عنه.
    أولاً : أن هذا القول لم ينقله لنا القدماء ، كالنجاشي والشيخ الطوسي عن ابن الغضائري ، ليثبت نسبته اليه ، حيث ينقلون عنه بالمشافهة ، ونحوها من الطرق المعتبرة. وإنما نقله المتأخرون ، كالعلامة مستندين الى كتاب ( الرجال ) المنسوب الى ابن الغضائري. وقد أفردناه ببحث يأتي ، وأسفرت النتيجة عن وهن الكتاب ، فلا يصح الاعتماد عليه.
    وثانياً : أن الفقهاء ، والرجاليين متفقون على ضعف الابن ، فالشهادة بكون الأب أوثق ممن اتفقوا على ضعفه لا تنفع الأب شيئاً وانما يكون المستفاد منها أن الابن أضعف من الأب ، فالملحوظ شدة ضعف الابن ، لا شدة وثاقة الأب ، وإلا لزم اشتراكهما فيها ، لقاعدة ( أفعل التفضيل ) الذي لا يطلق إلا عند الاشتراك في أصل المادة بين الطرفين مع الزيادة في الطرف المفضل ، وهو منافي لما اتفقوا عليه من ضعف الابن ، ولما هو المعلوم من حال ابن الغضائري ، وأنه سريع الجرح للرواة. بل ينافي عبارته هنا ، حيث قال في الابن : « واقف ضعيف في نفسه ، وأبوه أوثق منه » (1).
    فحكم أولاً بضعف الابن ، ثم عطف عليه تلك الجملة ، فيكشف
1 ـ خلاصة الرجال ص 102

(101)
عما ذكرناه ، وأنه لم يكن بصدد توثيق الأب. ويدل عليه أيضاً عدم توثيقه للأب عند ترجمته ، وانما اقتصر على قوله : « علي بن أبي حمزة لعنه اللّه ، أصل الوقف ، واشد الخلق عداوة للولي من بعد أبي ابراهيم عليه السلام » (1) ولو كان ثقة لديه لوثقه. ولأجله لم ينسب أحد الى ابن الغضائري توثيق البطائني ، وولده. بل قال الشيخ الأصبهاني في ( الفصول ) (2) في الأب : « ولم يحك عن أحد توثيقه ». وكذا قال الشيخ المامقاني (3). وقال في الابن « ... أن الرجل غير معدّل ، ولا موثق ، ولا ممدوح ، بل مطعون فيه طعناً قادحاً فيه. وقد ورد مثل هذه الطعون المذكورة في أبيه » (4). والبعض الذي نقل عنه المجلسي توثيق البطائني لم يستند الى شهادة ابن الغضائري ، بل لمجموع الأمور الثلاثة السابقة.
    وأما دعوى الشيخ الطوسي عمل الطائفة بأخباره فقد صرح بها عند البحث عن روايات الفطحية ونظائرهم. فقال : « وإن كان ما رووه ليس هناك ما يخالفه ، ولا يعرف من الطائفة العمل بخلافه وجب أيضاً العمل به إذا كان متحرجاً في روايته ، موثوقاً في أمانته ، وإن كان مخطئاً في أصل الاعتقاد ، فلأجل ما قلناه عملت الطائفة بأخبار الفطحية مثل عبد اللّه بن بكير ، وغيره ، وأخبار الواقفة مثل سماعة بن مهران ، وعلي بن أبي حمزة ... فيما لم يكن عندهم فيه خلافه » (5).
    فيمكن الاستدلال بهذا الكلام على حجية أخبار البطائني من جهتين. إحداهما : شهادة الشيخ بوثاقته ، بقوله : « إذا كان متحرجاً
1 ـ خلاصة الرجال ص 111.
2 ـ فصل معرفة توثيق المزكي للراوي.
3 ـ مقباس الهداية ص 72.
4 ـ تنقيح المقال ج 1 ص 290.
5 ـ عدة الأصول ص 61.


(102)
في روايته موثوقاً في أمانته الخ ». فيكون خبره موثقاً. الثانية : شهادته بأن الطائفة قد عملت بأخباره. فيحصل بواسطة عملها وثوق بصدورها عن المعصوم (ع). لكنه يمكن النقاش في كلا الشهادتين.
    أما الشهادة بالتوثيق فتناقش من وجوه.
    الأول : أني لم أر أحداً نسبها الى الشيخ الطوسي ، وعبارته تلك مشهورة ، ومعروفة ، فلم يستفد الفقهاء والرجاليون منها ذلك ، وإنما نسبوا اليه دعوى عمل الطائفة بأخباره فحسب ، ولعله من أجل عدم ظهورها في التوثيق ، وإنما ذكر الشيخ أمراً كلياً ، وهو أن الراوي الذي يتصف بذلك يجب العمل بروايته ، ثم علل به عمل الطائفة بأخبار أولئك الجماعة ، فيكون بصدد الاعتذار عن عملها ، وأنها لا ترتكب الجزاف ، لا بصدد إثبات توثيق المذكورين.
    الثاني : على تقدير ظهور عبارة الشيخ في توثيق البطائني تحتمل أنه قد استند في ذلك الى رواية ابن أبي عمير ، وصاحبيه عنه ، حيث ادعى في كتاب ( العدة ) : أنهم لا يروون إلا عن ثقة. وصرح في كتاب ( الفهرست ) : بأن ابن أبي عمير ، وصفوان بن يحيى قد رويا عنه. كما صرح الصدوق برواية البزنطي عنه. كما سبق. لكن عرفت وهن تلك الدعوى ، فلا يقبل التوثيق المبتني عليها.
    ويتحكم هذا الاشكال في جميع توثيقات الشيخ التي لا نعلم مدركه فيها ، اذا ثبت رواية أحد أولئك الثلاثة عن الشخص الموثق.
    ويمكن القول : بأن الشيخ الطوسي رأيناه لم يوثق بعض من روى عنه اُولئك الثلاثة ، فيكشف ذلك عن عدم استناده في توثيق البعض الآخر الى روايتهم عنه. لكنه يوهن بأن الشيخ قد أهمل النص على توثيق كثير من الثقات ، فلم يلتزم بالتصريح بالتوثيق في كل مورد يقتضيه كي يصلح تركه لتوثيق ذلك البعض كاشفاً عما ذكر.


(103)
    نعم سبق مناقشة دعوى الشيخ : أن أولئك الثلاثة لا يروون إلا عن ثقة ـ بأنه قد اجتهد في ذلك. وعليه فاذا وثق الشيخ شخصاً ، واحتملنا استناده الى رواية أحد الثلاثة عنه ، يدخل في مسألة تردد التوثيق بين الحسي والحدسي ، وقد بنى العرف على كفاية احتمال الحس في الإخبار. كما سبق لكن الظاهر اختصاص كفايته بصورة احتمال اجتهاد المخبر ، وبناء إخباره عليه. أما في صورة العلم باجتهاده ، واحتمال استناده في إخباره اليه ، كما في محل البحث ، فلم يعلم كفاية احتمال الحس حتى يثبت عدم الفرق بين احتمال الاستناد في الإخبار الى الاجتهاد المحتمل ، وبين احتمال الاستناد فيه الى الاجتهاد المعلوم.
    الثالث : أن توثيق الشيخ للبطائني معارض بما صرح به الشيخ في كتاب ( الغيبة ) من ذمه وتكذيبه فيتساقطان ، بل يعارضه جميع ما سبق من أدلة ضعفه ، فتقدم عليه ، ويسقط عن الاعتبار.
    وأما الشهادة بعمل الطائفة بأخباره. فتناقش من وجوه أيضاً.
    الأول : أن الشيخ لم ينقل عملها بخبره مطلقاً ، بل مشروطاً بأمرين أحدهما : عدم كون ما يرويه مخالفاً لما عليه عملها خارجاً ، الثاني : عدم وجود ما يخالفه من الروايات. ومقتضاه عدم صلاحيته لمعارضة غيره. فينحصر عملها في نطاق خاص ، فلا يصلح مدركاً لاعتبار أخباره مطلقاً.
    الثاني : أن الشيخ نقل عن أصحابنا أنهم لا يقبلون الأخبار التي يختص بروايتها الفطحية ، والواقفة ، ونظائرهم ، من الفرق المخالفة في أعيان الأئمة (ع) ، ولا يلتفتون الى ما يروونه (1). ومقتضى هذا الاطلاق عدم الفرق بين البطائني وغيره. وهو ينافي ما نقله سابقاً من اعتبار الطائفة لخبره بذينك الشرطين إلا أن نقيده بذلك.
1 ـ عدة الأصول ص 57.

(104)
    الثالث : أن مباني الفقهاء مختلفة في العمل بالأخبار على ما سبق.
    فلا نعرف الوجه الذي دعا الى العمل بخبره ، ولعله رواية أصحاب الاجماع أو ابن أبي عمير ، وصاحبيه عنه ، أو بعض المباني الأخرى التي لا يرى الفقيه حجيتها.
    الرابع : أن الشيخ الطوسي ادعى اجماع الطائفة على العمل بالأخبار التي رووها في تصانيفهم ، ودونوها في أصولهم. وادعى عمل الطائفة بالمراسيل اذا لم يعارضها من المسانيد الصحيحة (1). ومقتضى ذلك لزوم العمل بجميع أخبار تلك التصانيف والأصول ، بلا حاجة الى النظر في أسنادها ولزوم العمل بجميع المراسيل السالمة عن معارضة المسند الصحيح ، مع أن الفقهاء لم يقبلوا ذلك. ودعوى الشيخ في محل البحث نظير ذينك الدعويين فلا وجه لردهما ، والأخذ بها.
    الخامس : أن ما سبق ما أدلة ضعف البطائني ، وسقوط أخباره عن الاعتبار لا يبقي مجالاً للأخذ بهذه الدعوى والعمل بها.

    حديث البطائني حال استقامته
    يبقى البحث في أن البطائني له حال استقامة حدّث فيها قبل موت الامام الكاظم (ع). فيمكن القول : بأن دعوى الشيخ عمل الطائفة بأخباره كاشفة عن قيام قرائن لديهم أورثتهم وثوقاً بصدور رواياته حال استقامته. والجواب عنه.
    أولاً : وهن تلك الدعوى في نفسها ، فلا تصلح للكشف عن ذلك.
    وثانياً : أن عبارة الشيخ ظاهرة في استمرار اعتماد الطائفة عليه ،
1 ـ عدة الأصول ص 51 ـ 63

(105)
لا في خصوص حال استقامته. وصدور بعض أخباره في تلك الحال غير مجدي ، لعدم حجية البعض الآخر الصادر بعد انحرافه ، ولا تمييز بينهما ، والعلم الاجمالي بعدم حجية بعض اخباره مانع من الركون اليها مطلقاً.
    وثالثاً : أن القدماء كثيراً ما يعتمدون على الخبر المحفوف بقرائن تفيدهم الوثوق بصدوره عن المعصوم (ع) وإن كان راويه ضعيفاً. فلا يكشف عملهم بأخبار البطائني عن صدورها حال استقامته. وقد نبه على ذلك الشيخ الأصبهاني في ( الفصول ) (1) ، وصرح : بأنه لا وجه لتخصيص رواية أصحابنا عن بعض الفرق المخالفة كالواقفة بحال استقامتهم ولذا رووا عن النوفلي ، والسكوني ، وليس لهما حال استقامة.
    وعلى تقدير حصول الوثوق لشخص بصدور جميع أخبار البطائني حال استقامته ، من دعوى الشيخ ، أو غيرها ، تكون حجة في حقه دون من لم ينكشف له ذلك.
    وخلاصة البحث أنه لم يقم دليل يمكن الركون اليه في توثيق البطائني أو اعتبار أخباره. وإنما المرجع تلك الأدلة الصريحة في ضعفه ، وسقوطه عن الاعتبار. وهو المشهور بين الفقهاء ، وأرباب التراجم. ويوهن به القول بأن أصحاب الاجماع أو ابن أبي عمير ، والبزنطي ، وصفوان لا يروون إلا عن ثقة.
    وبهذا ينتهي البحث عن الطريق الأول لتصحيح الحديث الضعيف السند ، وهو كون الراوي له من أصحاب الاجماع وجاء دور الطريق الثاني. فنقول.
1 ـ انظر فصل معرفة توثيق المزكي للراوي.
قواعد الحديث ::: فهرس