وهو ميت كحرمته وهو حي ، فوار عورته وبدنه وجهزه وكفنه وحنطه ، واحتسب بذلك من الزكاة».
قلت : فإن اتجر عليه بعض اخوانه بكفن اخر، وكان عليه دين ، ايكفن بواحد ويقضي بالآخر دينه ؟
قال : فقال : «هذا ليس ميراث تركه ، وأنما هذا شيء صار إليهم بعد وفاته ، فليكفنوه بالذي اتجر عليهم به ، وليكن الذي من الزكاة يصلحون به شأنهم »(1).
1217 - وعنه ،عن ابن محبوب ، عن الفضل بن يونس قال : سألت أبا الحسن موسى عليه السلام قلت : المرأة ترى الطهر قبل غروب الشمس ، كيف تصنع بالصلاة؟
قال : فقال : «إذا راًت الطهر بعدما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام فلا تصل إلا العصر، لأن وقت الظهر دخل عليها وهي في الدم وخرج عنها الوقت وهي في الدم ، فلم يجب عليها أن تصلي الظهر، وما طرح الله عنها من الصلاة وهي في الدم أكثر».
قال :« وإذا رأت المرأة بعدما مضى من زوال الشمس أربعة اقدام ، فلتمسك عن الصلاة، فإذا طهرت من الدم فلتقض صلاة الظهر، لأن وقت الظهر دخل عليها وهي طاهر وخرج عنها وقت الظهر وهي طاهر، فضيعت صلاة الظهر، فوجب عليها قضاؤها»(2).
1218 - وعنه ، عن ابن محبوب ، عن الفضل بن يونس قال : سألت أبا الحسن موسى عليه السلام قلت : تكون معي الجواري وأنا بمكة، فآمرهن أن
____________
(1) رواه الشيخ في التهذيب 1: 445| 1440، باختلاف يسير، ونقله المجلسي في بحاره 96: 61| 19.
(2) رواه الكليني في الكافي 3 : 102| 1، والشيخ في التهذيب 1: 389| 1199 وفى الاستبصار 1: 142| 485، ونقله المجلسي قي بحاره 83 : 27| 5.

( 314 )
يقعدن بالحج يوم التروية، فأخرج بهن فيشهدن المناسك أو أخلفهن بمكة؟
قال : فقال لي : «إن خرجت بهن فهو أفضل ، وان خلفتهن عند ثقة فلا بأس ، فليس على المملوك حج ولا عمرة حتى يعتق »(1).
1219 - احمد بن إسحاق ، قال : حدثني بكر بن محمد الأزدي ، عن أبي الحسن الأول عليه السلام ، قال : كان يقول :
«اللهم إنك أخذت بناصيتي وقلبي فلم تملّكني منهما شيئاً، فإذ فعلت ذلك بهما فأنت وليهما فاهدهما إلى سواء السبيل ، يارب يارب يارب ، ما أقدرك ما أقدرك ما أقدرك على تعويض كل من كانت له قبلي تبعة، وتغفر لي فإن مغفرتك للظالمين »(2).
1220 - السندي بن محمد، عن يونس بن يعقوب قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن اخصاء الغنم . قال :
«لا بأس »(3).
1221 - السندي بن محمد، عن يونس بن يعقوب قال : أرسلت إلى أبي الحسن موسى عليه السلام : إن أخي اشترى حماماً من المدينة، فذهبنا بها معنا إلى مكة، فاعتمرنا وأقمنا ثم أخرجنا الحمام معنا من مكة إلى الكوفة، علينا في ذلك شيء ؟
فقال للرسول : «اظنهن كنّ فرّها(4) قل له يذبح مكان كل طير شاة»(5).
____________
(1) رواه الصدوق في الفقيه 2: 264| 1285، ونقله المجلسي في بحاره 99: 114| 4 .
(2) نقله المجلسي في البحار95: 341| 1 .
(3) نقله المجلسي في البحار 64: 222| 2.
(4) فُره : جمع فارِه ، وهي الشيء الحسن الجيد في بابه «الصحاح - فره - 6: 2242».
(5) رواه الكليني في الكافي 4: 235| 16، والصدوق في الفقيه 2: 168| 733، والشيخ في التهذيب 5: 349| 1214، وفي الاخير نحوه ، ونقله المجلسي في بحاره 99: 151| 17.

( 315 )
1222 - هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن زياد قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول لأبيه : «يا أبة، إن فلاناً يريد اليمن ، أفلا اُزود ببضاعة ليشتري لي لما عصب اليمن ؟
فقال له : يا بني ، لأتفعل ».
قال : ولم ؟
قال : لأنها إن ذهبت لا تؤجر عليها ولم تخلف عليك ، لأن الله تبارك وتعالى يقول : ( وَلاَ تُؤتُوا السفَهاءَ أموالَكمُ الّتي جَعَل الله لَكُم قِياماً) (1) فأي سفيه أسفه - بعد النساء - من شارب الخمر؟!
يا بني إن أبي حدثني عن ابائه ، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : من ائتمن غير أمين ، فليس له على الله ضمان ، لأنه قد نهاه أن يأتمنه »(2).
1223 ـ محمد بن عيسى بن عبيد وأحمد بن اسحاق جميعاً، عن سعدان ابن مسلم قال : قال بعض اصحابنا: خرج أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام في بعض حوائجه ،فمر على رجل وهو يحد في الشتاء. فقال :
«سبحان الله ، ما ينبغي هذا، ينبغي لمن حد أن يستقبل به دفء النهار فإن كان في الصيف أن يستقبل به بردالنهار»(3).
1224 ـ محمد بن عيسى وأحمدبن إسحاق جميعاً، عن سعدان بن مسلم قال : كنت في الحمّام في البيت الأوسط ، فدخل أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام وعليه النورة . قال : فقال : «السلام عليكم » فرددت عليه وتأخرت ، فدخل
____________
(1) النساء 4 : 5 .
(2) نقله المجلسي في البحار 79: 127| 10 و 103: 178| 3 .
(3) رواه البرقي في المحاسن :274| 379، باختلاف في الفاظه ، وروى الكليني في ا لكافي 7: 217| 3، نحوه ، ونقله المجلسي في بحاره 79: 97| 3 .

( 316 )
البيت الذي فيه الحوض ، فاغتسلت وخرجت (1) .
1225 ـ محمد بن عيسى وأحمد بن إسحاق جميعاً، عن سعدان بن مسلم قال : كتبت إلى أبي الحسن موسى عليه السلام في خصي يبول فيلقى من ذلك شدة، ويرى البلل بعد البلل . قال :
«يتوضأ ثم ينضح في النهار مرة واحدة»(2).
1226 ـ محمد بن عيسى وأحمد بن إسحاق جميعاً، عن سعدان بن مسلم قال : رأيت ابا الحسن موسى عليه السلام استلم الحجر ثم طاف حتى إذا كان اسبوع التزم وسط البيت ، وترك الملتزم الذي يلتزم أصحابنا، وبسط يده على الكعبة فمكث ما شاء الله ، ثم مضى إلى الحجر فاستلمه وصلى خلف مقام ابراهيم عليه السلام ، ثم عاد إلى الحجر فاستلمه ، ثم مضى حتى إذا بلغ الملتزم في اخر السبوع التزم وسط البيت وبسط يده ، ثم استلم الحجر وصلى ركعتين خلف مقام ابراهيم عليه السلام ، ثم استلم الحجر وطاف حتى إذا كان اخر السبوع التزم وسط البيت ، ثم استلم الحجر، ثم صلى ركعتين خلف مقام ابراهيم عليه السلام ، ثم عاد إلى الحجر فاستلم ما بين الحجر إلى الباب ، ثم مكث ما شاء الله ، ثم أتى الحجر فصلى ثماني ركعات ، فكان آخر عهده بالبيت تحت الميزاب ، وبسط يده ودعا، ثم مكث ما شاء الله ، ثم خرج من باب الحّناطين حتى أتى ذا طوى(3)،
____________
(1) رواه الصدوق في الفقيه 1: 65| 251، والشيخ في التهذيب 1: 374| 1147، باختلاف يسير، ونقله المجلسي في بحاره 76: 71| 4 .
(2) رواه الكليني في الكافي 3 : 20| 6، والصدوق في الفقيه 1: 43| 168، والشيخ في التهذيب 1 : 353| 1051 و 424| 1349. وفي الاخيرين : ينضح ثوبه ، ونقله المجلسي في بحاره 80 : 365| 4 .
(3) ذو طوى : واد بمكة . «معجم ما استعجم» 3 : 896.

( 317 )
وكان وجهه إلى المدينة(1) .
** 1227 - الحسن بن ظريف ، عن أبيه ظريف بن ناصح قال : كنت مع الحسين بن زيد ومعه ابنه علي ، إذ مر بنا ابو الحسن موسى بن جعفر صلّى الله عليه فسلم عليه ثم جاز
فقلت : جعلت فداك ، يعرف موسى قائهم آل محمد؟
قال : فقال لي : إن يكن أحد يعرفه فهو.
ثم قال : وكيف لايعرفه وعنده خط علي بن أبي طالب صلّى الله عليه وإملاء رسول الله صلّى الله عليه وآله .
فقال : علي ابنه : يا أبه كيف لم يكن ذاك عند أبي زيد بن علي ؟
فقال : يا بني ، إن علي بن الحسين ومحمد بن علي سيدا الناس وإمامهم ، فلزم يا بني اباك زيد أخاه فتأدب بأدبه وتفقه بفقهه .
قال : فقلت : فاريه يا أبه إن حدث بموسى حدث يوصى إلى أحد من أخوته ؟
قال : لا والله ما يوصي إلا إلى ابنه ، أما ترى - أي بني - هؤلاء الخلفاء لا يجعلون الخلافة إلا في أولادهم (2).
1228 - الحسن بن ظريف ، عن معمر، عن الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر عليه السلام . قال :
«كنت عند أبي عبد الله عليه السلام ذات يوم - وأنا طفل خماسي - إذ دخل عليه نفر من اليهود فقالوا: أنت ابن محمد نبي هذه الامة، والحجة على أهل الارض ؟
____________
(1) نقله المجلسي في بحاره 99 : 194| 1.
(2) نقله المجلسي في بحاره 48 : 160| 4 .

( 318 )
قال لهم : نعم .
قالوا: إنا نجد في التوراة أن الله تبارك وتعالى آتى إبراهيم عليه السلام وولده الكتاب والحكم والنبوة، وجعل لهم الملك والإمامة، وهكذا وجدنا ذرية الأنبياء لا تتعداهم النبوة والخلافة والوصية، فما بالكم قد تعداكم ذلك وثبت في غيركم ونلقاكم مستضعفين مقهورين لا ترقب فيكم ذمة نبيكم ؟!
فدمعت عينا أبي عبد الله عليه السلام ، ثم قال : نعم لم تزل امناء(1) الله مضطهدة مقهورة مقتولة بغير حق ، والظلمة غالبة، وقليل من عباد الله الشكور.
قالوا: فإن الأنبياء وأولادهم علموا من غير تعليم ، واُوتوا العلم تلقيناً، وكذلك ينبغي لأئمتهم وخلفائهم وأوصيائهم ، فهل اُوتيتم ذلك ؟
فقال أبو عبد الله عليه السلام : اُدن يا موسى . فدنوت فمسح يده على صدري ثم قال : اللهم أيده بنصرك ، بحق محمد واله . ثم قال : سلوه عما بدا لكم .
قالوا: وكيف نسأل طفلاً لا يفقه ؟
قلت : سلوني تفقهاً ودعوا العنت .
قالوا: أخبرنا عن الايات التسع التي أُوتيها موسى بن عمران .
قلت : العصا، وإخراجه يده من جيبه بيضاء،والجراد، والقمّل ، والضفادع ، والدم ، ورفع الطور، والمن والسلوى آية واحدة، وفلق البحر.
قالوا: صدقت ، فما اُعطي نبيكم من الآيات اللاتي نفت الشك عن قلوب من اُرسل إليه .
قلت : ايات كثيرة، أعدها إن شاء الله ، فاسمعوا وعوا وافقهوا.
أمّا أول ذلك :انتم تقرّون أن الجن كانوا يسترقون السمع قبل مبعثه ، فمنعت في أوان رسالته بالرجوم وانقضاض النجوم ، وبطلان الكهنة والسحرة .
____________
(1) في نسخة«م»: انبياء.

( 319 )
ومن ذلك : كلام الذئب يخبر بنبوته. واجتماع العدو والولي على صدق لهجته وصدق امانته. وعدم جهله أيام طفوليته . وحين أيفع وفتىً وكهلاً. لا يعرف له شكل ، ولا يوازيه مثل (1).
ومن ذلك :ان سيف بن ذي يزن حين ظفر بالحبشة وفد عليه وفد قريش ، فيهم عبد المطلب ، فساًلهم عنه ووصف لهم صفته ، فأقروا جميعا بأن هذا الصفة في محمد صلى الله عليه وآله . فقال : هذا أوان مبعثه ، ومستقره أرض يثرب وموته بها(2).
ومن ذلك :ان ابرهة بن يكسوم قاد الفيلة إلى بيت الله الحرام ليهدمه ، قبل مبعثه ، فقال عبد المطلب : إن لهذا البيت رباً يمنعه ، ثم جمع أهل مكة فدعا، وهذا بعدما أخبره سيف بن ذي يزن ، فأرسل الله تبارك وتعالى عليهم طيراً أبابيل ودفعهم عن مكة وأهلها(3).
ومن ذلك : أن أبا جهل ، عمرو بن هشام المخزومي ، أتاه - وهو نائم خلف جدار- ومعه حجر يريد أن يرميه به ، فالتصق بكفه (4).
ومن ذلك : ان أعرابياً باع ذوداً(5) له من أبي جهل فمطله بحقه ، فأتى قريشا وقال : اعدوني على أبي الحكم فقد لوى حقي ، فأشاروا إلى محمد صلّى الله عليه واله وهو يصلي في الكعبة، فقالوا: ائت هذا الرجل فاستعده عليه ، وهم يهزؤون بالأعرابي.
____________
(1) رواه الرواندي في الخرائج والجرائح 1: 115| 191، ونقله المجلسي في بحاره 17: 226| 1 .
(2) رواه الراوندي في الخرائج والجرائح 1: 114| 90، والطبرسي في اعلام الورى : 40 بتفصيل في الرواية، ونقله المجلسي في بحاره 17: 226| 1 .
(3) رواه الراوندي في الخرائج والجرائح 1: 114| 189، ونقله المجلسي في بحاره 17: 226| 1.
(4) روى نحوه ابن شهراشوب في المناقب 1: 75، والطبرسي في اعلام الورى : 56، ونقله المجلسي في بحاره 17: 227| 1.
(5) الذود من الإبل : ما بين الثلاث الى العشر. «الصحاح - ذود - 2: 471 ».

( 320 )
فأتاه فقال له : يا عبد الله اعدني على عمرو بن هشام فقد منعني حقي .
قال : نعم فانطلق معه فدق على أبي جهل بابه ، فخرج اليه متغيراً. فقال له : ما حاجتك ؟ قال : اعط الاعرابي حقه. قال : نعم .
وجاء الأعراب إلى قريش فقال : جزاكم الله خيرا، انطلق معي الرجل الذي دللتموني عليه ، فأخذ حقي .
فجاء أبو جهل ، فقالوا: اعطيت الأعرايي حقه ؟ قال : نعم . قالوا: إنما أردنا أن نغريك بمحمد، ونهزأ بالأعرابي . قال : يا هؤلاء دق بابي فخرجت إليه ،فقال : اعط الأعرابي حقه ، وفوقه مثل الفحل فاتحاً فاه كأنه يريدني ، فقال : أعطه حقه ، فلو قلت : لا، لابتلع رأسي ، فأعطيته (1).
ومن ذلك : أن قريشاً ارسلت النضر بن الحارث وعلقمة(2) بن أبي معيط بيثرب إلى اليهود، وقالوا لهما: إذا قدمتما عليهم فسائلوهم عنه ، وهما قد سألوهم عنه فقالوا: صفوا لنا صفته ، فوصفوه . وقالوا: من تبعه منكم ؟ قالوا: سفلتنا. فصاح حبر منهم فقال : هذا النبي الذي نجد نعته في التوراة، ونجد قومه أشد الناس عداوة له (3).
ومن ذلك : أنّ قريشاً ارسلت سراقة بن جعشم حتى خرج إلى المدينة في طلبه ، فلحق به فقال صاحبه : هذا سراقة يا نبي الله ، فقال : اللهم اكفنيه ، فساخت قوائم ظهره (4)، فناداه : يا محمد خل عني بموثق اُعطيكه أن لا اُناصح غيرك ، وكل من عاداك لا اُصالح فقال النبي عليه السلام : اللهم إن كان صادق
____________
(1) روى نحوه الطبرسي في اعلام الورى : 56، ونقله المجلسي في بحاره 17: 227| 1.
(2) في هامش «م»: جشعم .
(3) رواه الراوندي في الخرائج والجرائح 1: 114| 188، ونقله المجلسي في بحاره 17: 227| 1.
(4) الظهر: الحيوان الذي يركب . «الصحاح - ظهر - 2 : 730». نحوه ،

( 321 )
المقال فاطلق فرسه . فانطلق فوفى وما انثنى بعد ذلك (1).
ومن ذلك : ان عامربن الطفيل وأربد بن قيس اتيا النبي صلّى الله عليه واله ، فقال عامر لاربد: إذا أتيناه فأنا اُشاغله عند فاعله بالسيف ، فلما دخلا عليه قال عامر: يا محمد حال (2). قال: لا، حتى تقول اشهد أن لا اله إلا الله وأني رسول الله . وهو ينظر إلى أربد وأربد لا يحير شيئاً.
فلما طال ذلك نهض وخرج وقال لأربد: ما كان أحد على وجه الأرض أخوف على نفسي فتكاً منك ، ولعمري لا أخافك بعد اليوم ، فقال له أربد: لا تعجل ، فإني ما هممت بما أمرتني به إلا ودخلت الرجال بيني وبينك ، حتى ما ابصر غيرك ، فأضر بك (3)؟ !
ومن ذلك : أن اربد بن قيس والنضر بن الحارث اجتمعا على أن يسألاه عن الغيوب فدخلا عليه ، فأقبل النبي صلى الله عليه واله على اربد فقال : يا اربد، اتذكر ما جئت له يوم كذا ومعك عامر بن الطفيل ؟ فاخبره بما كان فيهما، فقال اربد: والله ماحضرني وعامرا أحد، وما أخبرك بهذا إلا ملك من السماء، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك رسول الله (4).
ومن ذلك : أن نفراً من اليهود اتوه ، فقالوا لأبي الحسن جدي : استأذن لنا على ابن عمك نسأله ، فدخل علي عليه السلام فأعلمه ، فقال النبي صلّى الله عليه واله : ومايريدون مني ؟ فإني عبد من عبيد الله ، لا أعلم إلا ما علمني ربي ، ثم
____________
(1) روى نحوه الراوندي في الخرائج والجرائح 1: 23| 1، وابن شهرآشوب في المناقب 1: 71، والطبرسي في اعلام الورى: 50، ونقله المجلسي في بحاره 17: 277| 1.
(2) كذا، وفي هامش «م»، «هـ»: حائر.
(3) نقله المجلسي في بحاره 17: 228| 1.
(4) نقله المجلسي في بحاره 7 1: 228| 1 .

( 322 )
قال : ائذن لهم فدخلوا عليه فقال: أتسالوني عما جئتم له أم اُنبئكم ؟ قالوا: نبئنا، قال : جئتم تسألوني عن ذي القرنين ، قالوا: نعم ،قال :كان غلاماً من أهل الروم ثم ملك ، وأتى مطلع الشمس ومغربها، ثم بنى السد فيها. قالوا: نشهد أن هذا كذا(1).
ومن ذلك : أن وابصة بن معبد الأسدي أتاه فقال : لا أدع من البر والإثم شيئاً إلا سألته عنه ، فلما أتاه قال له بعض اصحابه : إليك يا وابصة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فقال النبي صلّى الله عليه واله : ادنه يا وابصة، فدنوت .
فقال : أتسال عما جئت له أو اُخبرك ؟ قال : اخبرني .
قال : جئت تسأل عن البر والإثم . قال : نعم . فضرب بيده على صدره ، ثم قال : يا وابصة البر ما أطمأن به الصدر والإثم ما تردد في الصدر وجال في القلب ، وإن أفتاك الناس وأفتوك (2) .
ومن ذلك : أنه أتاه وفد عبد القيس فدخلوا عليه ، فلما أدركوا حاجتهم عنده قال : ائتوني بتمر اهلكم مما معكم ، فأتاه كل رجل منهم بنوع منه ، فقال النبي صلّى الله عليه واله : هذا يسمى كذا، وهذا يسمى كذا، فقالوا: أنت أعلم بتمر أرضنا، فوصف لهم أرضهم ، فقالوا: أدخلتها؟ قال : لا، ولكن فصح لي فنظرت إليها.
فقام رجل منهم فقال : يا رسول الله ، هذا خالي وبه خبل ، فاخذ بردائه ثم قال : اخرج عدو الله - ثلاثاً - ثم أرسله ، فبرأ. وأتوه بشاة هرمة، فأخذ احد اذنيها بين اصابعه ، فصار ميسماً، ثم قال : خذوها فان هذا السمة في آذان ما تلد إلى يوم
____________
(1) نقله المجلسي في بحاره 17: 228| 1 .
(2)اورد احمد في مسنده 4 : 228، والبيهقي في دلائل النبوة 6 : 292 نحوه ، ورواه الراوندي في الخرائج والجرائح 1: 106| 174، ونقله المجلسي في بحاره 17: 229| 1.

( 323 )
القيامة. فهي توالد وتلد في آذانها معروفة غير مجهولة(1).
ومن ذلك : انه كان في سفر، فمر على بعير قد أعيى، وقام منزلاً على أصحابه ، فدعا بماء فتمضمض منه في إناء وتوضأ وقال : افتح فاه فصب في فيه . فمرذْلك الماء على رأسه وحاركه (2)، ثم قال : اللهم احمل خلاداً وعامراً ورفيقيهما - وهما صاحبا الجمل - فركبوه وإنه ليهتز بهم لم أمام الخيل (3).
ومن ذلك : أن ناقة لبعض أصحابه ضلت في سفر كانت فيه فقال صاحبها: لو كان نبياً لعلم امر(4) الناقة . فبلغ ذلك النبي عليه السلام فقال : الغيب لا يعلمه الآ الله ، انطلق يا فلان فإن ناقتك بموضع كذا وكذا، قد تعلق زمامها بشجرة، فوجدها كما قال (5).
ومن ذلك : أنه مر على بعير ساقط فتبصبص له ، فقال : إنه ليشكو شر ولاية اهله له ، يسأله أن يخرج عنهم ، فسأل عن صاحبه فأتاه ، فقال : بعه وأخرجه عنك ، فأناخ البعير يرغو ثم نهض وتبع النبي صلِّى الله عليه وآله فقال : يسألني أن أتولى أمره . فباعه من علي عليه السلام ، فلم يزل عنده إلى أيام صفين (6).
ومن ذلك : انه كان في مسجده ، إذ أقبل جمل ناد حتى وضع راسه في حجره ، ثم خرخر فقال النبي عليه السلام يزعم هذا أن صاحبه يريد أن ينحره في وليمة
____________
(1) رواه الراوندي في الخرائج والجرائح 1: 107| 175 باختلاف يسير، ونقله المجلسي في بحاره 17: 229| 1 .
(2) الحارك : فروع الكتفين . الصحاح - حرك - 4: 1579.
(3) رواه الراوندي في الخرائج والجرائح 1: 107| 176، ونقله المجلسي في بحاره 17: 229| 1.
(4) في هامش «م»: اين .
(5) رواه الراوندي في الخرائج والجرائح 1 : 108| 178، وروى نحوه الطبرسي في اعلام الورى: 54، ونقله المجلسي في بحاره 17: 230| 1 .
(6)رواه الراوندي في الخرائج والجرائح 1 : 107| 177، ونقله المجلسي في بحاره 17: 230| 1.

( 324 )
على ابنه فجاء يستغيث . فقال رجل : يا رسول الله ، هذا لفلان وقد أراد به ذلك . فأرسل إليه وسأله ان لا ينحره ، ففعل (1).
ومن ذلك : أنه دعا على مضر فقال : اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم كسنين يوسف . فأصابهم سنون ، فأتاه رجل فقال : فوالله ما أتيتك حتى لا يخطر لنا فحل ولا يتردد منا رائح .
فقال رسول الله صلّى الله عليه واله : اللهمِ دعوتك فأجبتني وسألتك فأعطيتني ، اللهم فاسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً سريعاً طبقاً سجالاً عاجلاً غير ذائب (2) نافعاً غير ضار فما قام حتى ملأ كل شيء ودام عليهم جمعة، فأتوه فقالوا: يا رسول الله انقطعت سبلنا وأسواقنا، فقال النبي عليه السلام : حوالينا ولاعلينا. فانجابت السحابة عن المدينة وصار فيما حولها وامطروا شهرا(3).
ومن ذلك : أنه توجه إلى الشام قبل مبعثه مع نفر من قريش ، فلما كان بحيال بحيراء الراهب نزلوا بفناء ديره ، وكان عالماً بالكتب ، وقد كان قرأ في التوراة مرور النبي صلّى الله عليه وآله به ، وعرف أوان ذلك ، فأمر فدعى إلى طعامه ، فأقبل يطلب الصفة في القوم فلم يجدها، فقال : هل بقي في رحالكم أحد؟ فقالوا: غلام يتيم . فقام بحيراء الراهب فاطلع ، فإذا هو برسول الله صلّى الله عليه وآله نائم وقد أظلته سحابة، فقال للقوم : ادعوا هذا اليتيم ، ففعلوا وبحيراء مشرف عليه ، وهو يسير والسحابة قد أظلته ، فأخبر القوم بشأنه وأنه سيبعث فيهم رسولاً ويكون من حاله وأمره. فكان القوم بعد ذلك يهابونه ويجلّونه .
____________
(1) روى نحوه الصفار في بصائر الدرجات : 368| 5، وابن شهراشوب في المناقب 1 : 96، ونقله المجلسي في بحاره 17 : 230| 1 .
(2) كذا ، وفي «م»: راتب .
(3) روى نحوه ابن شهر آشوب في .المناقب 1: 82، ونقله المجلسي في بحاره 17: 230| 1 .

( 325 )
فلما قدموا أخبروا قريشاً بذلك ، وكان عند خديجة بنت خويلد فرغبت في تزويجه ، وهي سيدة نساء قريش ، وقد خطبها كل صنديد ورئيس قد أبتهم ، فزوجته نفسها للذي بلغها من خبر بحيراء(1).
ومن ذلك : انه كان بمكة ايام ألَّب عليه قومه وعشائره ، فأمر علياً أن يأمر خديجة ان تتخذ له طعاماً ففعلت ، ثم أمره أن يدعو له أقرباءه من بني عبد المطلب ، فدعا أربعين رجلأ فقال : ] هات [ لهم طعاماً يا علي ، فأتاه بثريدة وطعام يأكله الثلاثة والأربعة فقدمه إليهم ، وقال : كلوا وسموا، فسمى ولا يسمِّ القوم ، فأكلوا وصدروا شبعى .
فقال أبو جهل : جاد ما سحركم محمد، يطعم من طعام ثلاث رجال أربعين رجلاً، هذا والله هو السحر الذي لا بعده .
فقال علي عليه السلام : ثم أمرني بعد ايام فاتخذت له مثله ودعوتهم بأعيانهم فطعموا وصدروا(2).
ومن ذلك : أن علي بن أبي طالب عليه السلام قال : دخلت السوق فابتعت لحماً بدرهم وذرة بدرهم ، فأتيت به فاطمة عليها السلام حتى إذا فرغت من الخبز والطبخ قالت : لو دعوت أبي ، فأتيته وهو مضطجع وهو يقول : أعوذ بالله من الجوع ضجيعاً. فقلت له : يا رسول الله إن عندنا طعاماً، فقام واتكأ عليَّ ومضينا نحو فاطمة عليها السلام ، فلما دخلنا قال : هلم طعامك يا فاطمة، فقدمت اليه البرمة والقرص ، فغطى القرص وقال : اللهم بارك لنا في طعامنا. ثم قال : اغرفي لعائشة فغرفت ، ثم قال : اغرفي لام سلمة فغرفت ، فما زالت تغرف حتى
____________
(1) روى نحوه الراوندي في الخرائج والجرائح 1: 138| 224، والطبرسي في اعلام الورى : 42، ونقله المجلسي في بحاره 17 : 231| 1.
(2) اورد نحوه الطوسي في أماليه 2: 194، ونقله المجلسي في بحاره 17: 231| 1.

( 326 )
وجهت إلى نسائه التسع قرصة قرصة ومرقاً. ثم قال : اغرفي لأبيك وبعلك ، ثم قال : اغرفي وكلي واهدي لجاراتك ، ففعلت وبقي عندهم أياماً يأكلون (1).
ومن ذلك : أن امرأة عبد الله بن مسلم أتته بشاة مسمومة، ومع النبي صلّى الله عليه وآله بشر بن البراء بن عازب ، فتناول النبي صلى الله عليه واله الذراع وتناول بشر الكراع ، فأما النبي عليه السلام فلاكها ولفظها وقال : إنها لتخبرني انها مسمومة. وأما بشر فلاك المضغة وابتلعها فمات ، فأرسل إليها فأقرت ، وقال : ما حَمَلَك على ما فعلت ؟ قالت : قتلت زوجي وأشراف قومي ، فقلت : إن كان ملكاً قتلته ، وإن كان نبياً فسيطلعه الله تبارك وتعالى على ذلك (2).
ومن ذلك: أن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : رأيت الناس يوم الخندق يحفرون وهم خماص ، ورأيت النبي عليه السلام يحفر وبطنه خميص ، فأتيت أهلي فأخبرتها فقالت : ما عندنا إلا هذه الشاة ومحرز من ذرة .
قال : فاخبزي . وذبح الشاة وطبخوا شقها وشووا الباقي ، حتى أذا أدرك أتى النبي صلّى الله عليه واله فقال : يا رسول الله ، اتخذت طعاماً فائتني أنت ومن أحببت ، فشبك اصابعه في يده ثم نادى : ألا إن جابراً يدعوكم إلى طعامه .
فأتى أهله مذعوراً خجلأ فقال لها: هي الفضيحة قد حفل بهم أجمعين . فقالت : أنت دعوتهم أم هو؟ قال : هو. قالت : فهو أعلم بهم .
فلما رآنا أمر بالأنطاع فبسطت على الشوارع ، وأمره ان يجمع التواري - يعني قصاعاً كانت من خشب - والجفان ، ثم قال : ما عندكم من الطعام ؟ فاعلمته ،
____________
(1) رواه الرواندي في الخرائج والجرائح 1 : 108| 179، ونقله المجلسي في بحاره 17: 232| 1 .
(2) اورد نحوه البيهقي في دلائل النبوة 4 : 262، وابن شهر اشوب في المناقب 1: 91، 92، ورواه الراوندي في الخرائج والجرائح 1: 108| 180 وفيها: بشر بن البراء بن معرور بدل بشر بن البراء بن عازب ، ونقله المجلسي في بحاره 17: 232| 1 .

( 327 )
فقال : غطوا السدانة والبرمة والتنور واغرفوا وأخرجوا الخبز واللحم وغطوا. فما زالوا يغرفون وينقلون ولا يرونه ينقص شيئاً حتى شبع القوم ، وهم ثلاثة آلاف ، ثم أكل جابر وأهله وأهدوا وبقي عندهم أياماً(1).
ومن ذلك : أن سعد بن عبادة الأنصاري اتاه عشية وهو صائم فدعاه إلى طعامه ، ودعا معه علي بن أبي طالب عليه السلام ، فلما أكلوا قال النبي صلّى الله عليه وآله: نبي ووصي ، يا سعد أكل طعامك الأبرار، وافطر عندك الصائمون ، وصلت عليكم الملائكة . فحمله سعد على حمار قطوف وألقى عليه قطيفة، فرجع الحمار وإنه لهملاج ما يساير(2).
ومن ذلك: أنه أقبل من الحديبية، وفي الطريق ماء يخرج من وشل بقدر ما يروي الراكب والراكبين ، فقال : من سبقنا إلى الماء فلا يستقين منه .
فلما انتهى إليه دعا بقدح فتمضمض فيه ثم صبه في الماء، ففاض الماء فشربوا وملؤوا أدواتهم ومياضيهم وتوضؤوا. فقال النبي عليه السلام : لئن بقيتم ، او بقي منكم ، ليتسعن بهذا الوادي بسقي ما بين يديه من كثرة مائه ، فوجدوا ذلك كما قال (3).
ومن ذلك : إخباره عن الغيوب ، وما كان ومايكون ، فوجد ذلك موافقا لما يقول .
ومن ذلك: أنه أخبر صبيحة الليلة التى أسري به ، بما رأى في سفره ، فانكر ذلك بعض وصدقه بعض ، فأخبرهم بما رأى من المارّة والممتارة وهيآتهم ومنازلهم ومامعهم من الأمتعة، وأنه رأى عيراً أمامها بعير أورق ، وانه يطلع يوم
____________
(1) روى نحوه ابن شهراشوب في المناقب 1: 103، ونقله المجلسي في بحاره 17 : 232| 1 .
(2) رواه الراوندي في الخرائج والجرائح 1 : 109| 181، ونقله المجلسي في بحاره 17: 233| 1.
(3) رواه الراوندي في الخرائج والجرائح 1 : 109| 182، ونقله المجلسي في بحاره 7 1 : 233| 1 .

( 328 )
كذا من العقبة مع طلوع الشمس . فغدوا يطلبون تكذيبه للوقت الذي وقّته لمم ، فلما كانوا هناك طلعت الشمس فقال بعضهم : كذب الساحر، وابصر آخرون بالعير قد أقبلت يقدمها الأورق فقالوا: صدق ، هذه نعم قد أقبلت (1).
ومن ذلك : أنه أقبل من تبوك فجهدوا عطشاً، وبادر الناس إليه يقولون : الماء الماء، يارسول الله . فقال لأب هريرة : هل معك من الماء شيء ؟
قال : كقدر قدح في ميضاتي ،
قال : هلم ميضاتك فصب ما فيه في قدح ودعا واوعاه وقال : ناد: من أراد الماء فأقبلوا يقولون : الماء يارسول الله . فما زال يسكب وأبو هريرة يسقي حتى روي القوم اجمعون ،وملؤوا ما معهم ، ثم قال لأبي هريرة : اشرب . فقال : بل آخركم شرباً فشرب رسول الله صلّى الله عليه واله ، وشرب (2).
ومن ذلك : أن اُخت عبد الله بن رواحة الأنصاري مرت به أيام حفرهم الخندق ، فقال لها: إلى أين تريدين ؟ قالت : إلى عبد الله بهذه التمرات ، فقال : هاتيهن . فنثرت في كفه ، ثم دعا بالأنطاع وفرقها عليها وغطّاها بالاُزر وقام وصلى، ففاض التمر على الأنطاع ، ثم نادى : هلموا وكلوا. فاكلوا وشبعوا وحملوا معهم ودفع ما بقي إليها(3).
ومن ذلك : أنه كان في سفر فأجهدوا جوعاً، فقال : من كان معه زاد فليأتنا به . فأتاه نفر منهم بمقدار صاع ، فدعا بالازر والأنطاع ، ثم صفف التمر عليها، ودعا ربه ، فأكثر الله ذلك التمر حتى كان أزوادهم إلى المدينة(4) .
____________
(1) روى نحوه الراوندي في الخرائج والجرائح 1 : 141| 228، وا لطبرسي في اعلام ا لورى: 78، 233| 1 .
(2) نقله المجلسي في بحاره 17: 234| 1 .
(3) اورد نحوه البيهقي في دلائل النبوة 3: 427، ورواه الراوندي في الخرائج والجرائح 1: 110| 183، ونقله المجلسي في بحاره 17: 234| 1 .
(4) رواه الراوندي في الخرائج والجرائح 1: 110| 184، ونقله المجلسي في البحار 17: 233| 1 .

( 329 )
ومن ذلك : أنه أقبل من بعض أسفاره فأتاه قوم فقالوا: يا رسول الله ، إن لنا بئراً إذا كان القيظ اجتمعنا عليها، وإذا كان الشتاء تفرقنا على مياه حولنا، وقد صار من حولنا عدواً لنا، فادع الله في بئرنا. فتفل صلّى الله عليه وآله في بئرهم ، ففاضت المياه المغيبة فكانوا لايقدرون ان ينظروا الى قعرها - بعدُ - من كثرة مائها.
فبلغ ذلك مسيلمة الكذاب فحاول ذلك في قليب قليل ماؤه ، فتفل الأنكد في القليب فغار ماؤه وصار كالجبُوب (1) (2).
ومن ذلك: أن سراقة بن جعشم حين وجّهه قريش في طلبه ، ناوله نبلاً من كنانته ، وقال له : ستمر برعاتي فاذا وصلت اليهم فهذا علامتي ،أطعم عندهم واشرب ، فلما انتهى إليهم أتوه بعنز حائل ، فمسح صلّى الله عليه واله ضرعها فصارت حاملاً ودرت حتى ملؤوا الاناء وارتووا ارتواءاً(3).
ومن ذلك : أنه نزل بأم شريك فأتته بعكة فيها سمن يسير، فأكل هو وأصحابه ، ثم دعا لها بالبركة، فلم تزل العكة تصب سمناً ايام حياتها(4).
ومن ذلك : أن ام جميل امرأة أبي لهب أتته حين نزلت سورة (تبت ) ومع النبي صلّى الله عليه وآله أبو بكر بن أبي قحافة، فقال : يارسول الله ، هذه أم جميل محفظة - أي مغضبة - تريدك ومعها حجر تريد أن ترميك به . فقال : إنها لا تراني .فقالت لأبي بكر: أين صاحبك ؟ قال : حيث شاء الله . قالت : لقد جئته ، ولو أراه لرميته ، فإنه هجاني ، واللات والعزى إني لشاعرة . فقال أبو بكر: يارسول
____________
(1) الجبوب : وجه الارض وا لصحاح - جبب - 1 : 97 .
(2) روى نحوه ابن شهر آشوب في المناقب 1 : 117، 118، والطبرسي في اعلام الورى: 53، ونقله المجلسي في بحاره 17 : 234| 1.
(3) نقله المجلسي في بحاره 17 : 234| 1
(4) روى نحوه ابن شهرآشوب في المناقب 1: 103، ونقله المجلسي في بحاره 17: 234| 1 .

( 330 )
الله ، لم ترك ؟ قال : لا، ضرب الله بيني وبينها حجاباً(1).
ومن ذلك : كتابه المهيمن الباهر لعقول الناظرين ، مع ما اُعطي من الخلال التي إن ذكرناها لطالت .
فقالت اليهود: وكيف لنا أن نعلم أنّ هذا كما وصفت ؟
فقال لهم موسى عليه إلسلام : وكيف لنا أن نعلم أنّ ما تذكرون من آيات موسى على ماتصفون ؟
قالوا: علمنا ذلك بنقل البررة الصادقين .
قال لهم : فاعلموا صدق ما أنبأتكم به ، بخبر طفل لقّنه الله من غير تلقين ، ولامعرفة عن الناقلين .
فقالوا: نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ،وأنكم الأئمة القادة والحجج من عند الله على خلقه .
فوثب أبو عبد الله عليه السلام فقبل بين عيني ، ثم قال : أنت القائم من بعدي ، فلهذا قالت الواقفة، إنه حي وإنه القائم ، ثم كساهم أبو عبد الله عليه السلام ووهب لهم وانصرفوا مسلمين »(2).
1229 - أحمد بن محمد، عن أبي قتادة، عن أبي خالد الزبالي قال : قدم أبو الحسن موسى عليه السلام زبالة (3) ومعه جماعة من أصحاب المهدي ، بعثهم المهدي في إشخاصه إليه ، وأمرني بشراء حوائج له ، ونظر إلي وأنا مغموم فقال :
«يابا خالد، مالي أراك مغموماً»؟ قلت : جعلت فداك ، هو ذا تصير إلى هذا الطاغية، ولا آمنه عليك.
فقال ة « يابا خالد، ليس عليّ منه بأس ، إذا كانت سنة كذا وكذا وشهر
____________
(1) روى نحوه الطبرسي في اعلام الورى : 57، ونقله المجلسي في بحاره 17: 235| 1.
(2) رواه الراوندي في الخرائج والجرائح 1: 111| 186 ونقله المجلسي في بحاره 17: 235| 1.
(3) زبالة : موضع في طريق الكوفة الى مكة، وهي قرية عامرة . معجم البلدان 3: 129 .

( 331 )
كذا وكذا فانتظرني في أول الميل ، فإني أوافيك إن شاء الله ».
** قال : فما كانت لي همة إلا إحصاء الشهور والأيام ، فغدوت إلى أول الميل في اليوم الذي وعدني ، فلم أزل انتظره إلى أن كادت الشمس أن تغيب فلم أر أحداً، فشككت فوقع في قلبي أمر عظيم ، فنظرت قرب الميل فإذا سواد قد رفع ، قال : فانتظرته فوافاني أبو الحسن عليه السلام أمام القطار على بغلة له ، فقال : «إيه يابا خالد» قلت : لبيك جعلت فداك قال : «لا تشكن ، ودّ والله الشيطان أنك شككت قلت : قد كان والله ذلك جعلت فداك قال : فسررت بتخليصه وقلت : الحمد لله الذي خلّصك من الطاغية .
فقال : «ياباخالد، إن لهم إلي عودة لا أتخلص منهم »(1).
1230 - أحمد بن محمد، عن الحسين بن موسى بن جعفر عليه السلام ، عن اُمه قالت : كنت أغمز قدم أبي الحسن عليه السلام وهو نائم مستقبلاً في السطح ، فقام مبادراً يجر إزاره مسرعاً فتبعته فإذا غلامان له يكلمان جاريتين له وبينهما حائط لايصلان إليهما، فتسمّع عليهما ثم التفت إلي فقال : «متى جئت هاهنا»؟
فقلت : حيث قمت من نومك مسرعاً فزعت فتبعتك.
قال :«ألم تسمعي الكلام»؟
قلت : بلى. فلما أصبح بعث الغلامين إلى بلد، وبعث بالجاريتين إلى بلد آخر، فباعهم (2).
1231 - أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي الوشا قال : حججت أيام خالي إسماعيل بن إلياس ، فكتبنا إلى أبي الحسن الأول عليه السلام ، فكتب
____________
(1) رواه الراوندي في الخرائج والجرائح 1: 315| 8 باختلاف يسير، والطبرسي في اعلام الورى : 346، ونقله المجلسي في البحار 48: 228| 32.
(2) نقله المجلسي في البحار 48: 119| 38.

( 332 )
خالي: إن لي بنات وليس لي ذكر، وقد قلّ رجالنا، وقد خلفتُ امرأتي وهي حامل ، فادع الله أن يجعله غلاماً، وسمّه .
فوقّع في الكتاب : « قد قضى الله تبارك وتعالى حاجتك ، وسمّه محمداً»
فقدمنا الكوفة وقد ولد لي غلام قبل دخول الكوفه بستة أيام ، ودخلنا يوم سابعه ، قال أبو محمد: فهو والله اليوم رجل له أولاد(1).
1232 ـ محمد بن الحسين ، عن علي بن جعفر بن ناجية انه كان اشترى طيلساناً طرازياً أزرق بمائة درهم ، وحمله معه إلى أبي الحسن الأول عليه السلام ولم يعلم به أحد،وكنت أخرج أنا مع عبد الرحمن بن الحجاج ، وكان هو إذ ذاك قيّماً لأبي الحسن الأول عليه السلام ، فبعث بما كان معه ، فكتب : «اطلبوا لي ساجاً(2) طرازياً(3) أزرق » فطلبوه بالمدينة فلم يوجد عند أحد، فقلت له :هو ذا هو معي ، وماجئت به إلا له . فبعثوا به إليه وقالوا له : أصبناه مع علي بن جعفر.
ولما كان من قابل اشتريت طيلساناً مثله وحملته معي ولم يعلم به أحد، فلما قدمنا المدينة أرسل إليهم : «اطلبوا لي طيلساناً مثله مع ذلك الرجل » فسألوني فقلت : هو ذا هو معي ، فبعثوا به إليه (4).
1233 ـ محمد بن الحسين ، عن علي بن جعفر بن ناجية،عن عبد الرحمن ابن الحجاج قال : استقرضت من غالب - مولى الربيع - ستة آلاف درهم ، تمت بها بضاعتي ، ودفع إلي شيئاً أدفعه إلى أبي الحسن الأول وقال : إذا قضيت من الستة الاف درهم حاجتك فادفعها أيضاً إلى أبي الحسن .
فلما قدمت المدينة بعثت إليه بما كان معي ، والذي من قبل غالب ، فأرسل
____________
(1) نقله المجلسي في البحار 48: 43| 21 .
(2) الساج : الطيلسان الأخضر «الصحاح - سوج - 1 : 323».
(3) الطراز: الموضع الذي تنسج فيه الثياب الجياد «النهاية - طرز- 3 : 119».
(4) نقله المجلسي في البحار 48 : 43| 22 .

قبل صلة