رجال الشيعة في أسانيد السّنة ::: 1 ـ 15

رجال الشيعة
في أسانيد السنة
( دراسة تفصيلية حول رجال الشيعة في أسانيد الكتب الستّة )
تأليف
محمد جعفر الطبسي
مؤسسة المعارف الاسلامية


(3)
بسم الله الرحمن الرحيم


(4)

(5)
    من المعروف ان السنة النبوية هي كل ما قاله رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أو فعله أو أقره ، وهي المرجع الثاني عند المسلمين بعد القرآن الكريم في أحكامهم وعباداتهم وعقائدهم ، ولكن بعض الصحابة والتابعين قد وقف من السنة النبوية موقفا سلبيا إلى درجة أنهم أحرقوها ومنعوا من كتابتها والتحدث بها. بل نجد ان الحكام الأمويين قد عملوا على وضع الأحاديث المكذوبة التي تؤيد مذهبهم في منع الكتابة لعموم السنة النبوية والأحاديث الشريفة.
    فها هو مسلم يخرج في صحيحه ، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : « لا تكتبوا عني ، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه ، وحدثوا عني ولا حرج » (1). ولكن هذه الأحاديث الموضوعة وأمثالها تدحضها أحاديث اخرى احتج بها الصحابة ، كالحديث الذي أخرجه الحاكم في مستدركه ، وأبو داود في صحيحه ، والإمام أحمد في مسنده ، والدارمي في سننه وغيرهم بان عبد الله بن عمرو قال : كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فنهتني قريش وقالوا : تكتب كل شيء سمعته من رسول الله وهو بشر يتكلم في الغضب والرضا ؟
    قال عبد الله : فأمسكت عن الكتابة ، فذكرت ذلك لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فأومأ إلى فيه وقال : « اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا الحق » (2).
    ونلاحظ من خلال هذا الحديث بأن عبد الله بن عمرو لم يرد التصريح بأسماء
1 ـ صحيح مسلم : 4 / 2298 ح 72.
2 ـ مستدرك الحاكم : 1 / 105 ، سنن أبي داود : 3 / 318 ح 3646 ، سنن الدارمي : 1 / 125 ، مسند أحمد : 2 / 162.


(6)
الذين نهوه عن الكتابة لأن في نهيهم طعن على رسول الله ، كما لا يخفى ، فأبهم القول بأنهم قريش ، والمقصود بقريش زعماؤها من المهاجرين وعلى رأسهم أبو بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة ومن سار على رأيهم.
    وبالرغم من هذا المنع في تدوين السنة النبوية ، نجد بأن رجال الشيعة تقدموا على غيرهم في جمع الحديث وتدوينه ، ولم يلتزموا بقرارات قريش ، بل اقتفوا نهج أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في تدوين أحاديث الرسول ( صلى الله عليه وآله ) الذي كان له صحيفة جامعة من املاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، تعتبر أول كتاب جمع فيه العلم على عهد الرسول ( صلى الله عليه وآله ).
    أما عدد ما صنفه الشيعة الإمامية في الحديث من طريق أهل البيت ( عليهم السلام ) من عهد الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إلى عهد أبي محمد الحسن العسكري ( عليه السلام ) فانها تزيد على ستة آلاف وستمائة كتاب على ما ضبطها الشيخ الحر العاملي في آخر الفائدة الرابعة من وسائل الشيعة. وقد ذكرت كتب أهل السنة العشرات من هؤلاء الرجال.
    والكتاب الذي بين يديك ـ عزيزي القارئ ـ هو جهد مشكور بذله سماحة العلامة محمد جعفر الطبسي محمد جعفر الطبسي لإحصاء رجال الشيعة في أسانيد أهل السنة ، حيث تحدث في ثناياه عن شخصية كل راو ووثاقته ، وتشيعه ، وأشار إلى طبقته ورواياته وموارد رواياته في الصحاح الستة.
    ومؤسسة المعارف الاسلامية إذ تضيف هذا الأثر القيم للمكتبة الاسلامية ، تشكر كل من ساهم في إنجاز هذا الكتاب خصوصا الفاضلين فارس حسون كريم ومحمود البدري للجهود المشكورة التي بذلوها في مراجعة واخراج هذا الكتاب ، وتبتهل إلى الله تعالى أن يوفق الجميع للاستمرار على خط الولاء لأهل البيت ( عليهم السلام ) ، وخدمة الدين الحنيف إنه قريب مجيب.
مؤسسة المعارف الاسلامية


(7)
    الشيعة ودورهم في الحديث رواية وتدوينا :
    قبل الحديث عن دور الشيعة هذا لابد لنا من الوقوف ـ ولو قليلا ـ عند كلمة الشيعة لغة واصطلاحا ، وهل تشكل هي وكلمة الاسلام تعبيرين عن حقيقة واحدة أم أنهما حقيقتان مختلفتان ، ولكل منهما مبادؤها ومعتقداتها ، وان التشيّع ـ بالتالي ـ ظاهرة طارئة على الساحة الاسلامية ولدت لأسباب سياسية واجتماعية وفكرية ... ؟!
    الشيعة لغة :
    قال الأزهري ( ت 307 ه‍ ) : « والشيعة أنصار الرجل وأتباعه ، وكل قوم اجتمعوا على أمرهم شيعة ... (1)
    وقال ابن دريد ( ت 321 ه‍ ) : « وفلان من شيعة فلان أي ممن يرى رأيه » (2).
    وقال الجوهري ( ت 393 ه‍ ) : « وتشيع الرجل ، أي ادعى دعوى الشيعة ،
1 ـ تهذيب اللغة : 3 / 61.
2 ـ جمهرة اللغة : 2 / 872.


(8)
وتشايع القوم ، من الشيعة. وكل قوم أمرهم واحد يتبع بعضهم رأي بعض فهم شيع ... قال ذو الرمة (1) : استحدث الركب عن أشياعهم خبرا ، يعني عن أصحابهم » (2).
    وقال ابن منظور ( ت 711 ه‍ ) : « والشيعة أتباع الرجل وأنصاره ، وجمعها شيع ، وأشياع جمع الجمع ، وأصل الشيعة : الفرقة من الناس ، ويقع على الواحد والاثنين والجمع ، والمذكر والمؤنث ، بلفظ واحد ومعنى واحد ... » (3).
    فالمستفاد مما ذكر أن الشيعة والتشيع والمشايعة ـ لغة ـ بمعنى المتابعة والمناصرة والموافقة في الرأي ، ثم غلب هذا الاسم ـ كما عند ابن منظور ـ على كل من يتولى عليا وأهل بيته رضوان الله عليهم أجمعين ، حتى صار لهم اسما خاصا ، فإذا قيل : فلان من الشيعة عرف أنه منهم. وفي مذهب الشيعة كذا أي : عندهم ، وأصل ذلك من المشايعة وهي المتابعة والمطاوعة » (4).
    وقد ورد لفظ الشيعة في القرآن الكريم بمعنى التابع ، قال تعالى : ( ... فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه ) (5).
    أي من جماعته وحزبه الذين شايعوه وتابعوه في الدين.
    وقال تعالى في آية اخرى : ( وإن من شيعته لإبراهيم ) (6) أي أن إبراهيم ممن تابع نوحا وسار على منهاجه.
1 ـ قال الذهبي : ذوالرمة ، من فحول الشعراء غيلان بن عقبة بن بهيس ، مضري النسب ... مات ذوالرمة بأصبهان كهلا سنة سبع عشرة ومائة. سير أعلام النبلاء : 5 / 267.
2 ـ الصحاح : 3 / 1240.
3 و 4 ـ لسان العرب : 7 / 258.
5 ـ القصص : 15.
6 ـ الصافات : 83 ، راجع مجمع البيان : 8 / 701.


(9)
    الشيعة اصطلاحا :
    لكلمة « الشيعة » ثلاثة معان نعرضها تباعا مع اعتقادنا بأن المعنى الأخير هو الأرجح :
    الأول : من أحب عليا وأولاده بوصفهم أهل بيت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) واستجابة للآية الكريمة : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) (1) وهذا المعنى عام لكل المسلمين حيث لا نجد مسلما لا يود أهل بيت النبوة إلا من نصب العداء لهذا البيت الكريم ، ويسمى هؤلاء : « النواصب ».

    الثاني : من يعتقد بأن عليا رابع الخلفاء ، ولكنه يفضله عليهم لاستفاضة مناقبه وفضائله الواردة عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في صحاح المسلمين ومجامعهم الحديثية وكذا مؤلفاتهم في الرجال والتراجم ، حيث يصفون قليلا من الصحابة وكثيرا من التابعين بأنه يتشيّع أو أنه شيعي ، وربما يعدونه من أسباب الجرح. وأكثر من استعمل هذا الاصطلاح هو الذهبي في « ميزان الاعتدال » و « سير أعلام النبلاء » فيصف بعض التابعين والمحدثين بالتشيع مشيرا بذلك إلى ضعفهم.

    الثالث : من شايع عليا وأحد عشر من ولده ( عليهم السلام ) بوصفهم خلفاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والأئمة من بعده على الناس نصا ووصية.
    وانطلاقا من المعنى الثالث فإن الإمامة أمر مهم وخطير لابد منها لكي يواصل الدين الاسلامي طريقه الطويل المحفوف بالمخاطر ، ولا شك في أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يدرك ما يحتاجه هذا الدين في مواصلة مسيرته التبليغية والجهادية ، وما قد يتعرض له مستقبله من مخاطر وعقبات خطيرة ، وأن أمامه شوطا طويلا جدا
1 ـ الشورى : 23.

(10)
حتى تترسخ مبادؤه ومفاهيمه وأحكامه في هذه الامة الفتية التي هي حديثة عهد بالاسلام ، وقريبة عهد بالجاهلية ، والتي تعاني من أعداء شرسين ، ففي الداخل من المنافقين واليهود. وفي الخارج من الامبراطوريتين الفارسية والرومية ، إضافة إلى الذين لم يتمكن الاسلام بعد في قلوبهم.
    فمع إدراك النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) القطعي لهذه المخاطر ولما يسببه غيابه والفراغ الذي يتركه من مضاعفات لهذه المخاطر ، ولما يستجد من عقبات اخرى ، وكلها تحتاج إلى شخص على مستوى عال من المسؤولية ، ويكون مهيئا تهيئة رسالية خاصة يملأ هذا الفراغ مباشرة ، ويؤدي وظيفته على أكمل وجه ، وهذا ما كان يقوم به ( صلى الله عليه وآله وسلم ) طيلة حياته المباركة ، وكان علي ( عليه السلام ) على ذلك المستوى الإيماني والتربوي والفكري ، فكان الأفضل بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لتولي هذه المهمة الدينية التغييرية التي هي على جانب عظيم من الخطورة ، فكانت أقوال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ووصاياه وتأكيداته تحوط عليا ( عليه السلام ) وتواكب ذلك الاستعداد وتلك التهيئة من بداية الرسالة.
    وهنا اختلفت القلوب ، فقلوب آمنت بكل ذلك وتيقنته والتزمت به ولم تحد عنه ، فكانوا رواد التشيّع في عصر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أمثال : سلمان ، والمقداد ، وأبي ذر ، وعمار بن ياسر ، وحذيفة بن اليمان ، وخزيمة بن ثابت ، وأبي أيوب الأنصاري ، وسعد بن عبادة ، وقيس بن سعد ، وعدي بن حاتم ، وعثمان بن حنيف ... إضافة إلى مشاهير بني هاشم.
    واخرى اجتهدت قبال النصوص واختارت لنفسها طريقا آخر لها في اختيار خليفة لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فكانت امة اخرى إزاء تلك الامة التي آمنت بكل ما قاله


(11)
رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) (1).
    ولأن حقيقة الدين هو الانقياد التام لله ولرسوله فإن الامة الاولى كانت قد شكلت بعملها هذا بذرة التشيّع الاولى التي غرسها ورعاها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    روى ابن حجر عن ام سلمة عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : « يا علي أنت وأصحابك في الجنة ، أنت وشيعتك في الجنة » (2).
    والتشيع هو الإسلام بعينه مبدءا وعقيدة وشريعة ، وليس شيئا آخرا يحمل أو يضيف أشياءا اخرى ، فالتشيع ليس ظاهرة طارئة على الاسلام والمسلمين أبدا كما يحلو للبعض أن يصوره ويرجعه إلى أسباب سياسية واجتماعية واخرى عقائدية حدثت بعد وفاة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وخير دليل لنا هو رواده الأوائل وذلك الرعيل المبارك الذي آمن برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وبجميع أقواله وأوامره التي هي أوامر السماء ، ومنها أوامره وإرشاداته التي تنص على علي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بالاخوة والوصية والوزارة والخلافة وأخيرا بالولاية.
    وقد امتلأت بها المجامع الحديثية للفريقين كحديث المنزلة ، والغدير ، والثقلين ، إضافة إلى ما ورد فيه ( عليه السلام ) من آيات كآية الانذار (3) ، وآية التطهير (4) ، وآية المباهلة (5) ، وآية الولاية (6).
    بعد هذا الاستعراض الموجز للشيعة ـ لغة واصطلاحا وتاريخا ـ ننتقل إلى
1 ـ النجم : 3.
2 ـ الصواعق المحرقة : 161 ، كنز العمال : 11 / 323 الحديث 31631.
3 ـ الشعراء : 214.
4 ـ الأحزاب : 33.
5 ـ آل عمران : 61.
6 ـ المائدة : 55.


(12)
دورهم في تدوين الحديث وفي روايته وتبويبه وتقسيمه.
    لا يخفى على كل متتبع ما لعلماء ورواة الشيعة من دور كبير في رواية الحديث وتدوينه وحفظه من عبث العابثين الكثيرين الذين قد ابتلي بهم الحديث النبوي الشريف. وأيسر دليل لنا على ذلك مجاميع علمائنا الروائية وموسوعاتهم ومؤلفاتهم التي تحل معضلات الحديث ومشاكله ، وتجيب عما يطرح من أسئلة حوله ، وتبين قواعده واصوله وأقسامه وأوصافه ومصطلحاته ودلالاته ، كما تشير إلى غريبه ومعانيه ...
    ولم يكن اهتمام الشيعة وعلمائها منصبا فقط على متن الحديث ، بل تجاوزه إلى سنده ، ودراسة السند عندهم على درجة من الأهمية لا تقل درجة عن دراسة المتن. فهذه مؤلفاتهم ورسائلهم تتناول الرواة مدحا وتوثيقا ، أو تضعيفا وجرحا ، ذاكرة من تقبل روايته ومن ترد وفق صفات وشروط وضعت للرواة الذين يعدون بالآلاف بغية تمييز مقبول الحديث من مردوده ، ومعرفة صحيحه من ضعيفه.
    إن هذه المهمة ليست بالسهلة اليسيرة ، ولتذليل ما يواكبها من صعوبات تحتاج إلى جهود مضنية ودقيقة ، ولذلك فقد تصدى لها الكثير من العلماء المتقدمين والمتأخرين حتى تشكلت علوم الحديث ورجاله ضرورة أنه لا يكون الشخص عندهم فقيها ما لم يلم ويختص بها ويكون صاحب رأي فيها مما جعلها من طلائع العلوم والمعارف الإسلامية التي يتوسل بها لمعرفة السنة النبوية وأحكام الشريعة ... وليس ذلك غريبا عليهم أبدا بعد أن أجمعوا على حجية السنة النبوية وأنها لا تشكل الشق الثاني بعد القرآن فحسب ، بل تقترن به اقترانا عجيبا لا ينفصل بعد أن ترك لها أمر تبيينه ، وتفصيل أحكامه ، وتوضيح مجمله ومتشابهه ، وناسخه ومنسوخه ...


(13)
    لقد كان رجال الشيعة من المبادرين لتدوين الحديث وإرساء علومه منذ الأيام الاولى للاسلام ، فهذا أبو رافع ـ مولى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومن خلص أصحاب الامام أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) وقد تولى بيت مال الكوفة أيام خلافته ـ كان أول مبادر لتدوين الحديث بعد الامام ( عليه السلام ) وكتابه المسمى « كتاب علي » الذي دون فيه أحاديث رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    وأبو رافع هذا هو صاحب كتاب « السنن والأحكام والقضايا » (1) ولم يكن وحده في هذا الميدان ، بل كان معه سلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري في كتابيهما « حديث الجاثليق » للأول ، وكتاب « الخطبة » للثاني ، وهما من أخلص أصحاب الامام علي ( عليه السلام ) ، وهناك غيرهم ممن تصدروا ما أستطيع تسميته بالرعيل الأول ، الذي أخذ على عاتقه تدوين الحديث ، وكان منهم عبيدالله بن أبي رافع ، وعلي بن أبي رافع ، والأصبغ بن نباتة ، والحارث بن عبد الله ، وربيعة بن سميع ، وميثم التمار.
    ولسنا بصدد تعدادهم وتفصيل الكلام في آثارهم ، ولكنا نريد أن نقدم دليلا مختصرا وميسرا على أن رجال الشيعة كانوا السباقين إلى رواية الحديث والاهتمام به ، ويمكننا بالتالي دحض الادعاءات القائلة بأن الشيعة لم يكن لهم اهتمام بالحديث وروايته.
    وأخيرا فإن مجاميع الحديث عند إخواننا السنة تكفي وحدها لأن تكون شاهدا حيا آخرا لقولنا وتفنيد تلك الادعاءات والافتراءات التي لم تكن دوافعها بعيدة عن البغض لمدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) ولمنتسبيها وإن وصفت شخصيات الرواة في مجاميع الحديث السنية من قبل البعض بعدم الثقة مرة ، وبالتضعيف اخرى ، وبالجرح ثالثة ... وكأن صفة الثقة أو قبول رواياتهم أمر محرم على هؤلاء وممنوع
1 ـ لاحظ رجال النجاشي : 6.

(14)
عليهم لا لشيء إلا لكونهم شيعة لعلي ( عليه السلام ).
    يذكر الخطيب البغدادي ( ت 463 ه‍ ) عن محمد بن أحمد بن يعقوب ، عن محمد بن نعيم الضبي ، قال : سمعت أبا عبد الله محمد بن يعقوب ، وسئل عن الفضل ابن محمد الشعراني ، فقال : صدوق في الرواية ، إلا أنه كان من المغالين في التشيّع ، قيل له : فقد حدثت عنه في الصحيح ؟ فقال : لأن كتاب استاذي ملآن من حديث الشيعة ـ يعني مسلم بن الحجاج ـ (1).
    ومن ضمن ما تحدث به ابن الأثير ( ت 606 ه‍ ) أن عبيدالله بن موسى العبسي الفقيه كان شيعيا ، وهو من مشايخ البخاري في صحيحه (2) ، وكان عدد شيوخه يربو على العشرين رجلا ، وكذلك مسلم والترمذي.
    لم يكن لهؤلاء الرواة ذنب إلا أنهم اتبعوا الحق ورضوا به ولم يحيدوا عنه ، وقد التزموا أهل بيت النبوة لا لعصبية أو هوى أو رغبة عابرة ، بل للموقف الذي أملأه عليهم الشرع الحنيف قرآنا وسنة ـ كما ذكرناه ـ.
    فتعرضوا للجرح والتضعيف ، وبالتالي رفض رواياتهم ، لأنهم من شيعة علي ( عليه السلام ) ومحبيه ، أو لذكرهم فضائل أهل البيت ( عليهم السلام ) ، أو لمجرد أن الراوي يفضل عليا على بقية الخلفاء لاستفاضة مناقبه وفضائله عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولم يسعهم تجاهلها فاكتفوا بتفضيله دون الايمان بأنه منصوص عليه ، وستري مصاديق ذلك جلية في كتابنا هذا حتى كأن الوثاقة والتشيع أمران لا يمكن اجتماعهما في راو مسلم ، أو أن الضعف وعدم الوثاقة أمران يلازمان كل راو شيعي ! وستري أيضا أن
1 ـ كتاب الكفاية في علم الرواية : 131 ، راجع سير أعلام النبلاء : 13 / 317 الرقم 147.
2 ـ الكامل في التاريخ : 6 / 411 ، راجع سير أعلام النبلاء : 9 / 555 الرقم 215 ، وقال ابن حجر في مقدمة فتح الباري : 422 : عبيدالله بن موسى من كبار شيوخ البخاري.


(15)
الشرط الرئيسي لقبول الرواية هو أن لا يكون راويها شيعيا حتى وإن كان بالمعنى الثاني للتشيع !
    قال أبو عبد الله الحاكم النيسابوري ( ت 405 ه‍ ) في ترجمة ثوير بن أبي فاختة : لم ينقم عليه غير التشيّع (1).
    وقال أبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني ( ت 365 ه‍ ) في ترجمة زياد بن المنذر ، عن يحيى بن معين : إنما تكلم فيه وضعفه لأنه يروي أحاديث في فضائل أهل البيت ... (2)
    حقا إن هذا الأمر ليثير العجب من هؤلاء الذين يستند تضعيفهم الراوي على أسباب كهذه ، فهل موالاة أهل بيت النبوة ( عليهم السلام ) أو نقل فضائلهم يعد جرحا يستتبعه نقص في الراوي وتضعيف لمروياته ؟!
    وقتل الامام الحسين ( عليه السلام ) ريحانة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ومدح ابن ملجم المرادي الذي باشر قتل أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) لا يعد جرما يستحق عليه الراوي ما يستحق من رفض عدالته ووثاقته أو على الأقل رفض روايته أو التوقف عندها ولو قليلا ؟!
    فهذا العجلي ( ت 261 ه‍ ) قد جعل عمر بن سعد بن أبي وقاص تابعيا ، ثقة ، روى عنه الناس (3). وكأن مباشرته لقتل الامام الحسين ( عليه السلام ) لا تكفي في جرحه !
1 ـ المستدرك على الصحيحين : 2 / 510 ، وقال عبد الوهاب عبد اللطيف : والصحيح عند أرباب الصناعة أن التشيّع وحده ليس بجرح في الرواية ، والمدار على الظن بصدق الراوي أو كذبه ، والجرح الذي لم يفسر لا يقبل. راجع هامش تقريب التهذيب : 1 / 141.
2 ـ الكامل : 3 / 191 الرقم 690 ، تهذيب الكمال : 9 / 519 الرقم 2069.
3 ـ انظر تهذيب الكمال : 21 / 357 الرقم 4240. وقال أبو بكر بن أبي خيثمة : سألت يحيى ابن معين عن عمر بن سعد أثقة هو ؟ فقال : كيف يكون من قتل الحسين بن علي ( رضي الله عنه ) ثقة ؟ راجع الجرح والتعديل : 6 / 111 ـ 112 الرقم 592.
رجال الشيعة في أسانيد السّنة ::: فهرس