رجال الشيعة في أسانيد السّنة ::: 16 ـ 30
(16)
    وقبل ذلك قال في عمران بن حطان : إنه ثقة (1) مع أنه خارجي مدح ابن ملجم (2) ، فأي جرح في الدين أكبر من هذا ؟!
    وأغرب منه ان البخاري يروي في صحيحه عن عمران بن حطان هذا (3) !
    وفي ختام هذا الفصل لابد لي من كلمة مخلصة وهي دعوة إلى نبذ مثل هذه المواقف التي تأباها أبسط مبادئ العقل واصول الرأي ، وتعريتها وتنزيه تأريخنا ومجامعنا الروائية والرجالية منها ، فإنها لا تقل خطورة عن الأحاديث الموضوعة والاسرائيليات التي بثت في بطون مجامعنا الروائية ، فجرح الصالحين وكسرهم بلا ذنب اقترفوه ، وتضعيفهم وطرح رواياتهم لا لشيء إلا لأنهم آمنوا بنصوص وردت عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بحق علي ( عليه السلام ) ، أو لأنهم نقلوا فضائل العترة الطاهرة وفاء لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعملا بقوله تعالى : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) (4) ونقل الفضائل جزء من تلك المودة فضلا عن موالاتهم ونصرتهم ، وإن جرح هؤلاء الثقات الأثبات وكسرهم بلا ذنب لا يقل خطورة وضررا على الدين من آثار الوضع الذي ابتليت به السنة الشريفة.

    الجوزجاني في الميزان :
    نظرا إلى أن إبراهيم بن يعقوب السعدي الجوزجاني ( ت 256 ه‍ ) هو أول من فتح باب الطعن والجرح لرواة أهل الكوفة ـ كما سترى لا لشيء إلا لأنهم من أتباع
1 ـ تاريخ الثقات : 373 ، الرقم 1299 ، راجع تهذيب التهذيب : 6 / 235 ، الرقم 5338 ، سير أعلام النبلاء : 4 / 214 ، الرقم 86 ، تهذيب التهذيب : 6 / 235 ، الرقم 5338.
2 ـ راجع حول مدحه لابن ملجم الى كتاب سير أعلام النبلاء للذهبي : 4 / 214.
3 ـ صحيح البخاري : 7 / 45 ، كتاب اللباس ، باب لبس الحرير ، راجع رجال صحيح البخاري للكلاباذي ت 398 ه‍ : 2 / 574 ، الرقم 904.
4 ـ الشورى : 23.


(17)
مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) التي لا يطيق الجوزجاني ومن على شاكلته أن يسمع ولو رواية واحدة أو معلومة بسيطة ينقلها له رواة هذه المدرسة حتى ولو كانت هذه المعلومة أو تلك الرواية فيها خلاصه من النار ـ فإن الوقوف ـ ولو قليلا ـ عند الجوزجاني ، ومعرفة آراء وأقوال الآخرين فيه ، يجعلنا نلقي الضوء على ما تبناه من اسس في جرح وتعديل الرواة ، ويجعلنا نطلع الآخرين ـ الذين لم يتسن لهم معرفته جليا ـ على مدى بغضه لعلي ( عليه السلام ) ، والكيفية التي يقبل بها الراوي وروايته خاصة من كان كوفيا.

    قالوا فيه :
    الجوزجاني ، سكن دمشق ، وحدث عن جماعة ، وروى عنه جماعة. قال ابن منظور : إن الجوزجاني سكن دمشق ، يحدث على المنبر ، ويكاتبه أحمد بن حنبل ، فيتقوى بكتابه ، ويقرؤه على المنبر ، وكان شديد الميل إلى مذهب أهل دمشق في التحامل على علي (1).
    أما الدار قطني ، فقد قال عنه : إنه من المخرجين الثقات ، أقام بمكة مدة ، وبالرملة مدة ، وبالبصرة مدة. وكان من الحفاظ المصنفين ، والمخرجين الثقات ، لكن كان فيه انحراف عن علي بن أبي طالب (2).
    كما قال عنه ابن حجر : إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق الجوزجاني رمي بالنصب (3).
1 و 2 ـ مختصر تاريخ دمشق : 4 / 182 ، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر : 7 / 281 ، تهذيب التهذيب : 1 / 198 الرقم 300.
3 ـ تقريب التهذيب : 1 / 46 الرقم 304. وقال أيضا في مقدمة فتح الباري : 388 : الجوزجاني كان ناصبيا منحرفا عن علي.


(18)
    أما الذهبي فهو الآخر يقول عنه : وكان شديد الميل إلى مذهب أهل دمشق في التحامل على علي (1).

    مبناه في الجرح والتعديل :
    جعل الجوزجاني حب علي ( عليه السلام ) أو بغضه مقياسا لرد الرواية أو قبولها ، وكأنه بهذا وضع شرطا إضافيا للرد والقبول ، فبقدر ما يكون الراوي مبغضا لعلي ، أو لا يذكره بخير ، تقبل روايته عنده ، وهو ثقة ، ثبت ، عدل ، صدوق ، وبقدر ما يكون الراوي ذاكرا لفضائل علي ، أو محبا له ، أو مواليا ، تكون روايته مردودة ، وهو مجروح ومطعون فيه. ولسخف مبناه هذا فقد حمل المحدثين على إسقاط اعتبار كلامه في أهل الكوفة ، فهذا عبد الفتاح أبو غدة يقول : وقد استقر قول أهل النقد فيه على أنه لا يقبل له قول في أهل الكوفة ، كما قاله شيخنا الكوثري في تأنيب الخطيب (2).
    أما ابن حجر فقد قال ما نصه : أما الجوزجاني فقد قلنا غير مرة : إن جرحه لا يقبل في أهل الكوفة لشدة انحرافه ونصبه (3).
    وقال أيضا : وممن ينبغي أن يتوقف في قبول قوله في الجرح من كان بينه وبين من جرحه عداوة سببها الاختلاف في الاعتقاد ، فإن الحاذق إذا تأمل ثلب أبي إسحاق الجوزجاني لأهل الكوفة رأى العجب ، وذلك لشدة انحرافه في النصب ، ولشهرة أهلها بالتشيع ، فتراه لا يتوقف في جرح من ذكره منهم بلسان ذلقة وعبارة طلقة ، حتى أنه أخذ يلين مثل الأعمش ، وأبي نعيم ، وعبيد الله بن موسى ، وأساطين
1 ـ ميزان الاعتدال : 1 / 76 الرقم 257.
2 ـ انظر هامش الرفع والتكميل : 308 ، ( نقلا عن تأنيب الخطيب : 116 ).
3 ـ تهذيب التهذيب : 5 / 41.


(19)
الحديث وأركان الرواية ، فهذا إذا عارضه مثله أو أكبر منه فوثق رجلا ضعفه قبل التوثيق (1).
    والعجب كل العجب ممن يعد الجوزجاني ثبتا ومن الثقات مع تصريحه بأنه مبغض لعلي الذي ـ إضافة إلى ما ورد فيه من مناقب عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ـ لا يضارعه أحد من الصحابة على الاطلاق إيمانا وعلما وجهادا ... وكما يقول عنه محمود أبو رية : « ... وذلك مما أتيح له من صفات ومزايا لم تتهيأ لغيره من بين الصحابة جميعا ، فقد رباه النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على عينه ، وعاش زمنا طويلا تحت كنفه ، وشهد الوحي من أول نزوله إلى يوم انقطاعه ، بحيث لم تند عنه آية من آياته ... » ثم يختم قوله بأعظم وأدق وأقصر عبارة قرأتها في تصوير ظلامة علي ( عليه السلام ) : « لك الله يا علي ، ما أنصفوك في شيء ! » (2).
    إن ممن وصف الجوزجاني بأنه ( ثقة ) النسائي (3) ـ كما قال عنه أبو بكر الخلال ـ : إبراهيم بن يعقوب جليل جدا ، وكان أحمد بن حنبل يكاتبه ويكرمه إكراما شديدا (4).
    وكم هو دقيق ما قاله بشار عواد محقق كتاب « تهذيب الكمال » : والله لا أدري كيف يكون ثبتا من كان شديد التحامل على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، نعوذ بك اللهم من المجازفة (5).
1 ـ لسان الميزان : 1 / 27.
2 ـ أضواء على السنة المحمدية : 249.
3 و 4 ـ تهذيب الكمال : 2 / 248.
5 ـ هامش تهذيب الكمال : 5 / 574. وفي هامش تهذيب الكمال أيضا : 2 / 250 : وقد قال الامام الذهبي في أبي إسحاق الجوزجاني : ( الثقة الحافظ أحد أئمة الجرح والتعديل ) الميزان : 1 / 75 ، ولكن المطالع لكتابه يجد أنه جرح خلقا كثيرا بسبب العقائد ولا سيما من العراقيين ، ولا يصح ذلك إذ به تسقط كثير من السنن والآثار ، وهو بلا شك كان عنده انحراف عن سيدنا علي بن أبي طالب.


(20)
    هذا وإن الجوزجاني كان حريزي المذهب ـ نسبة إلى حريز بن عثمان المعروف بالنصب ـ (1). وكما يقول عنه عمرو بن علي : كان ينتقص عليا وينال منه ، لكنه قال في موضع آخر : ثبت شديد التحامل على علي ، هذا غريب ، ويقول عواد : ولكن الغريب حقا قول الذهبي عنه في الميزان : كان ـ أي حريز ـ متقنا ثبتا ، لكنه مبتدع. وقال في الكاشف : ثقة ... وهو ناصبي. وقال في المغني : ثبت لكنه ناصبي. وقال في الديوان : ثقة لكنه ناصبي مبغض (2).
    وهنا يواصل عواد قوله حول كلام الذهبي هذا ، فيقول : لا نقبل هذا الكلام من شيخ النقاد أبي عبد الله الذهبي ، إذ كيف يكون الناصبي ثقة ، وكيف يكون المبغض ثقة ؟ فهل النصب وبغض أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بدعة صغرى أم كبرى ؟
    والذهبي نفسه يقول في الميزان : 1 / 226 في وصف البدعة الكبرى : « الرفض الكامل والغلو فيه ، والحط على أبي بكر وعمر ، والدعاء إلى ذلك ، فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة » أو ليس الحط على علي والنصب من هذا القبيل ؟
    وقد ثبت من نقل الثقات أن هذا الرجل كان يبغض عليا ، وقد قيل : إنه رجع عن ذلك فإن صح رجوعه فما الذي يدرينا إنه ما حدث في حال بغضه وقبل توبته ؟
1 ـ تهذيب الكمال : 2 / 248 ـ 249 ، راجع كتاب الثقات لابن حبان : 8 / 81. وفي تهذيب التهذيب : 1 / 159 ان حريز حروري المذهب. وفي كتاب المجروحين : 1 / 268 انه كان داعية إلى مذهبه.
2 ـ راجع الكاشف : 1 / 169 الرقم 994 ، ميزان الاعتدال : 1 / 475 الرقم 1792 ، المغني : 1 / 154 الرقم 1358.


(21)
وعندي أن حريز بن عثمان (1) لا يحتج به ، ومثله مثل الذي يحط على الشيخين ، والله أعلم (2).
    والذي دعاني لنقل كلامه هو صلاحيته للرد على كل من يجمع بين الوثاقة وبغض علي ( عليه السلام ) ، أو العدالة أو الصدق ونصب العداء لعلي ( عليه السلام ).
    عصابة بعضها من بعض : حريز ، الجوزجاني ، العجلي ، و ... ارتضت لنفسها المسير على نهج واحد ومذهب قذر في نصب العداء لعلي ( عليه السلام ) وبغضه ، هؤلاء ومن على شاكلتهم وطريقتهم هم النواصب الذين قضوا حياتهم في بغض أكرم بيت عرف في تاريخ الاسلام ، البيت الذي طهره الله وارتضاه ليكون نورا ومنارا يهتدى به ، فهم أعلام الدين ، وألسنة الصدق.
    هذه العصابة الناصبة ارتأت لنفسها أن تعادي أعظم إنسان بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فضلا وإيمانا وعلما ... بشهادة جميع المسلمين إلا هذه الزمرة التي ابتليت بها هذه الامة.
    لقد عانى أكثر رواة الشيعة وخاصة رواة مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) في الكوفة من هؤلاء النواصب وأمثالهم ، هذه المدرسة التي كانت معقل العلم ومهد المعرفة وموطن محبي وموالي العترة الطاهرة ، وكانت مركزا علميا تمحورت علومه حول القرآن وتفسيره والسنة الشريفة ورواياتها ، والفقه وأحكامه ، إضافة إلى علوم اخرى
1 ـ قال أحمد بن سعيد الدارمي ، عن أحمد بن سليمان المروزي : حدثنا إسماعيل بن عياش ، قال : عادلت حريز بن عثمان من مصر إلى مكة فجعل يسب عليا ويلعنه ، راجع تهذيب الكمال : 5 / 576 ، وفي هامش الكتاب : إسنادها جيد ، الدارمي ثقة اتفق عليه البخاري ومسلم ، وأحمد بن سليمان صدوق أخرج له البخاري في الصحيح ، وإسماعيل بن عياش صدوق في روايته عن أهل بلده ، وهو حمصي.
2 ـ هامش تهذيب الكمال : 5 / 579.


(22)
فاستقطبت آلاف الطلبة من شتى البقاع الإسلامية.
    يقول محمد بن سيرين (1) : « أدركت بالكوفة أربعة آلاف شاب يطلبون العلم » (2).
    لقد تخرج من هذه المدرسة المباركة علماء أجلاء ، ورواة ثقات ، ولا يضرهم أبدا من ساءت عقيدته وانحرفت نزعته ، فأخذ يكيل لهم التهم ، وينتقص من مكانتهم ، ويضعف رواياتهم.
    ثم إنني أقول : ليس معنى كلامنا المذكور أن جميع رواة مدرسة الكوفة هم موضع قبول عندنا ، فقد يكون فيهم الضعفاء ، وفيهم المجاهيل ، وفيهم من ليس بعدل ولا ثقة ... ولكننا نقول : إن المباني التي اتبعت في تضعيفهم ورفض رواياتهم هي مبان مخالفة لأبسط أصول البحث والجرح والتعديل.

    حول كلمة « الرفض » :
    ورد في كتابنا كلمة فلان « رافضي » ، أو من « الرافضة » ، أو من « الروافض » ، وجعلها بعضهم عيبا في الراوي ، ونقصا فيه ، وعلى أساسها رفض روايته ، فلنتعرض لمعنى هذه الكلمة باختصار.

    الرفض لغة :
    الرفض ـ كما عن الجوهري في الصحاح ـ : الترك ، وقد رفضه يرفضه ويرفضه
1 ـ قال الذهبي : محمد بن سيرين ، الامام ، شيخ الاسلام ، أبو بكر الأنصاري ، الأنسي البصري ، مولى أنس بن مالك ، توفي لتسع مضين من شوال ، سنة عشر ومائة. راجع سير أعلام النبلاء : 4 / 621.
2 ـ سير أعلام النبلاء : 8 / 208.


(23)
رفضا ورفضا (1).
    وقال ابن منظور : الرفض تركك الشيء ، تقول : رفضني فرفضته ، رفضت الشيء أرفضته وأرفضته رفضا : تركته وفرقته ... والرفض : الشيء المتفرق والجمع : أرفاض (2).

    الرفض اصطلاحا :
    اختلفت الأقوال فيه ، فبعض أطلقه على مطلق محبي أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وآخر أطلقه على جميع شيعة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وثالث أطلقه على طائفة خاصة من الشيعة.
    والصحيح أن هذه اللفظة تطلق على كل طائفة أو جماعة أو حزب يعارض نظاما أو حكومة (3) ويرفضها ، سواء أكانت حقا أم باطلا ، فعادت اللفظة إذن مصطلحا سياسيا ، ولكنها في تأريخنا الاسلامي اطلقت على من يرفض حكومة الخلفاء ، وبما أن الشيعة رفضت هذه الحكومة وعدتها غير شرعية فقد اطلق عليها لفظ « الرافضة » و « الروافض ».
    وكلما اطلقت هذه اللفظة فهي تعني الشيعة ، ولكنها ليست من مختصاتها ، وقد اطلقت لفظة « الرافضي » أو « من الروافض » على أكثر من ستين راوية من رواة الشيعة ـ كما هو مذكور في كتابنا هذا ـ. ولقد أورد الامام شرف الدين الموسوي في كتابه القيم المراجعات في المراجعة رقم (16) مائة من رواة الشيعة الذين وقعوا في
1 ـ الصحاح : 3 / 1078 مادة « رفض » ، راجع مجمل اللغة : 2 / 391 ، معجم مقاييس اللغة : 2 / 422.
2 ـ لسان العرب : 5 / 216 مادة « رفض ».
3 ـ راجع وقعة صفين لنصر بن مزاحم ( ت 212 ه‍ ) : 29.


(24)
أسانيد السنة ، غير أن محمد الزعبي في رده على كتاب المراجعات ادعى أن أحدا من هؤلاء الرواة الشيعة لم يرم بالرفض أبدا. ونحن في كتابنا هذا أوردنا مجموعة كبيرة ممن رموا بالرفض ومع ذلك وقعوا في أسانيد البخاري ومسلم (1). فإن البخاري ومسلما كثيرا ما يرويان الحديث عن الشيعي الرافضي والشيعي المغالي ـ حسب تعبير ابن حجر ـ (2). فعبيد الله بن موسى ، وسليمان بن قرم النحوي ، وعباد بن يعقوب الرواجني ، ووكيع بن الجراح ، هؤلاء نماذج عرفوا بالرفض ومع هذا نقل عنهم البخاري ومسلم وقبلت رواياتهم. وكان أحمد بن حنبل يقرب عبد الرحمن بن صالح ويدنيه مع كونه رافضيا.
    وهذا يعقوب بن يوسف المطوعي يقول : كان عبد الرحمن بن صالح الأزدي رافضيا ، وكان يغشى أحمد بن حنبل ، فيقربه ويدنيه ، فقيل له : يا أبا عبد الله ، عبد الرحمن بن صالح رافضي. فقال : سبحان الله ! رجل أحب قوما من أهل بيت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، نقول له : لا تحبهم ، هو ثقة (3).
    وأهم من ذلك قول ابن مندة : كان أحمد بن حنبل يدل الناس على عبيد الله ، وكان معروفا بالرفض (4).

    الطبقات :
    نشير هنا إلى أن كل راو له طبقة مخصوصة ، ومعرفة هذا من الامور المهمة في علم الرجال ، ونكتفي هنا بما قاله الزين : من المهمات معرفة طبقات الرواة ، فإنه
1 ـ راجع كتاب البينات : 215.
2 ـ تهذيب التهذيب : 1 / 81.
3 ـ تهذيب الكمال : 17 / 180 ، تاريخ بغداد : 10 / 262.
4 ـ سير أعلام النبلاء : 9 / 557 الرقم 215.


(25)
قد يتفق اسمان في اللفظ فيظن أحدهما الآخر ، فيتميز ذلك بمعرفة طبقتهما وإن كانا من طبقتين ، فإن كانا من طبقة واحدة فربما أشكل الأمر ، وربما عرف بمن فوقه أو دونه من الرواة (1).
    ونظرا لأهمية الموضوع هذا فإننا نشير إلى الطبقات :
    الاولى : الصحابة على اختلاف مراتبهم ، وتمييز من ليست له منهم إلا مجرد الرواية من غيره.

    الثانية : طبقة كبار التابعين كابن المسيب ، فإن كان مخضرما صرحت بذلك.

    الثالثة : الطبقة الوسطى من التابعين ، كالحسن ، وابن سيرين.

    الرابعة : طبقة تليها ، جل رواياتهم عن كبار التابعين ، كالزهري وقتادة.

    الخامسة : الطبقة الصغرى منهم ، الذين رأوا الواحد والاثنين ، ولم يثبت لبعضهم السماع من الصحابة ، كالأعمش.

    السادسة : طبقة عاصروا الخامسة ، لكن لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة كابن جريح.

    السابعة : طبقة كبار أتباع التابعين ، كمالك والثوري.

    الثامنة : الطبقة الوسطى منهم ، كابن عيينة وابن علية.

    التاسعة : الطبقة الصغرى من أتباع التابعين ، كيزيد بن هارون ، والشافعي ، وأبي داود الطيالسي ، وعبد الرزاق.

    العاشرة : كبار الآخذين عن تبع الأتباع ، ممن لم يلق التابعين ، كأحمد بن حنبل.
1 ـ انظر توضيح الأفكار للصنعاني : 2 / 504.

(26)
    الحادية عشرة : الطبقة الوسطى من ذلك كالذهلي والبخاري.

    الثانية عشرة : صغار الآخذين عن تبع الأتباع كالترمذي (1).

    التعريف بمنهج التأليف :
    نود أن ننوه في ختام هذه المقدمة إلى أن عملنا هذا يتلخص بالامور التالية :
    الأمر الأول : شخصية ووثاقة الراوي.

    الأمر الثاني : تشيع ورفض الراوي.

    الأمر الثالث : إشارة إلى طبقته ورواياته وذلك نقلا عن ابن حجر والمزي ، والجدير بالذكر بأننا غيرنا الرموز الموجودة في كتاب تهذيب الكمال إلى الأسماء تسهيلا للقارئ.

    الأمر الرابع : موارد رواياته في الصحاح الستة.

    الأمر الخامس : إشارة إجمالية إلى ترجمة الراوي في رجال الشيعة.
    ومما تجدر الاشارة إليه ـ أيضا ـ أن ما جاء في هذا العرض لم يكن على سبيل الحصر للموضوع ، وإنما هو لإقامة الحجة على كل من يدعي أن الشيعة لم يتركوا أثرا في الحياة العلمية للمسلمين.
    ولا تفوتنا الاشارة إلى نقطة مهمة وهي وجود حفاظ ورواة ثبت تشيعهم ورفضهم في غير الصحاح الستة ، بل في كتب السنة الاخرى ، ولهذا لم نشر إليهم في كتابنا هذا على أمل أن نذكرهم في كتاب غير هذا إن شاء الله تعالى ، علما بأن
1 ـ انظر تقريب التهذيب : 1 / 5 ـ 6.

(27)
عددهم لا يقل عن هذا العدد الوارد في كتابنا ، كما أننا لم نأت بالذين وردت أسماؤهم وثبت تشيعهم في كتب السنة نقلا عن كتب الشيعة وهؤلاء أيضا عددهم ليس بالقليل.

    توضيح لبعض المفردات :
    الحجة : هو الذي أحاط علمه بثلاثمائة ألف حديث (1).

    الحافظ : هو الذي أحاط علمه بمائة ألف حديث متنا وإسنادا ، وأحوال الرواة جرحا وتعديلا وتاريخا (2).

    المحدث : هو الاستاذ الكامل ، وكذا الشيخ والامام بمعناه (3).

    العالم : الذي يعلم المتن والاسناد جميعا (4).
    وفي ختام هذا التمهيد نقدم شكرنا وتقديرنا لكل من مد يد العون لنا لإتمام هذا العمل وإنجازه على أفضل صورة راجين من الله سبحانه وتعالى القبول ، إنه سميع مجيب.
محمد جعفر الطبسي
20 جمادى الآخرة 1420 ه‍
ذكرى ولادة الصديقة الشهيدة
فاطمة الزهراء سلام الله عليها






1 و 2 ـ قواعد في علوم الحديث : 29 ، راجع تدريب الراوي : 1 / 28.
3 ـ قواعد في علوم الحديث : 29.
4 ـ تدريب الراوي للسيوطي : 1 / 24.


(28)

(29)
    1 ـ شخصيته ووثاقته :
    قال الذهبي : الامام المقرئ أبو سعد ، وقيل : أبو امية الربعي الكوفي الشيعي .. وهو صدوق في نفسه ، عالم كبير ، وبدعته خفيفة ، لا يتعرض للكبار ، وحديثه نحو المئة (1).
    وعن يحيى بن معين وأبي حاتم والنسائي : ثقة (2).
    قال ابن حنبل : سئل عن أبان بن تغلب وزياد بن خيثمة فقال : أبان ثقة ، كان شعبة يحدث عنه. قيل له : أبان وإدريس الأودي ؟ قال : أبان أكثر ... (3)
    2 ـ تشيّعه :
    قال ابن عدي : له أحاديث ونسخ وعامتها مستقيمة إذا روى عنه ثقة ، وهو من أهل الصدق في الروايات ، وكان مذهبه مذهب الشيعة ، وهو معروف في
1 ـ سير أعلام النبلاء : 6 : 308 الرقم 131.
2 ـ تهذيب الكمال : 2 / 7.
3 ـ الجامع في علل ومعرفة الرجال : 2 / 194.


(30)
الكوفيين ، وقد روى نحوا من مائة حديث ، وهو في الرواية صالح لا بأس به (1).
    وقال الذهبي : شيعي جلد ، لكنه صدوق ، فلنا صدقه وعليه بدعته. فلقائل أن يقول : كيف ساغ توثيق مبتدع وحد الثقة العدالة والاتقان ؟ فكيف يكون عدلا من هو صاحب بدعة ؟
    وجوابه : إن البدعة على ضربين : فبدعة صغرى كغلو التشيّع ، أو كالتشيع بلا غلو ولا تحرف ، فهذا كثيرا في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق ، فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية ، وهذه مفسدة بينة. ثم بدعة كبرى كالرفض الكامل والغلو فيه ، والحط على أبي بكر وعمر ، والدعاء إلى ذلك ، فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة ... ولم يكن أبان بن تغلب يعرض للشيخين أصلا ، بل قد يعتقد عليا أفضل منهما (2).
    وقال أيضا : ثقة ، شيعي (3).
    وقال أيضا : وهو صدوق في نفسه ، موثق ، لكنه يتشيّع (4).
    وقال ابن حجر : ثقة ، تكلم فيه للتشيع (5).

    3 ـ طبقته ورواياته :
    عده ابن حجر في الطبقة السابعة (6).
    وقال المزي : روى عن : جعفر بن محمد الصادق ، وجهم بن عثمان المدني ، والحكم بن عتيبة في صحيح مسلم وسنن أبي داود ، وسليمان الأعمش في صحيح
1 ـ الكامل : 1 / 308 ، تهذيب الكمال : 2 / 7 الرقم 135.
2 ـ ميزان الاعتدال : 1 / 5 الرقم 2.
3 ـ الكاشف : 1 / 32 الرقم 103.
4 ـ تاريخ الاسلام ، حوادث سنة (150) : ص 55.
5 و 6 ـ تقريب التهذيب : 1 / 30 الرقم 157.
رجال الشيعة في أسانيد السّنة ::: فهرس