رياض المسائل ـ الجزء الثاني ::: 31 ـ 45
(31)
إلى آخر الوقت لدرك فضيلة الجماعة مع خصوص هذا الإمام المتيمم مع وجود إمام متوضئ ، مع كونه في غاية شدة الكراهة وكمال المرجوحية بالاتفاق والمعتبرة ، سيما على القول بتنويع الوقت بالاختياري والاضطراري ؛ وحمله على اتفاق وقوع التأخير للمأمومين سيّما وجميعهم إلى ذلك الوقت بعيد جداً.
    ولولا الأخبار الآمرة بالتأخير إلى الضيق مع رجاء الزوال ـ كما هو ظاهر موردها ـ المعتضدةُ بالكثرة والشهرة بين قدماء الطائفة في الجملة ، المدّعى عليها الإجماعات المستفيضة ، المؤيدةُ بلزوم الاحتياط معها في العبادة التوقيفية ، لكان المصير إلى التوسعة متعيناً بالضرورة.
    فمنها الصحيح : « إذا لم تجد ماء وأردت التيمم فأخّر التيمم إلى آخر الوقت ، فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض » (1).
    وليس فيه ـ كمضاهيه ـ الدلالة على اعتبار الضيق مطلقا ، لإشعار التعليل بصورة الرجاء لا مطلقاً ؛ فالقول بالتفصيل قوي جدّاً.
    ومع ذلك فالمصير إلى إطلاق الجواز غير بعيد ؛ لقوة الظن المستفاد من أدلته ، واحتمال الأمر بالتأخير في الأخبار الاستحباب ، لكثرة استعماله فيه ، مع التعبير عنه فيما تقدّم (2) بلفظة « لا ينبغي » الظاهرة في الكراهة الصالحة لصرفها عن ظاهرها ، فالظهور المستفاد منها ضعيف بالإضافة إلى الظنون المستفادة من أدلة التوسعة.
    ولكن المسارعة إلى طرح الإجماعات المنقولة المستفيضة المؤيدة بالشهرة العظيمة وظواهر الأخبار المزبورة بالمرّة جرأة عظيمة ، سيّما في مثل‏
1 ـ الكافي 3 : 63/1 ، التهذيب 1 : 203/588 ، الاستبصار 1 : 165/573 ، الوسائل 3 : 384 أبواب التيمم ب 22 ح 1.
2 ـ راجع ص : 23.


(32)
العبادة التوقيفية اللازم فيها تحصيل البراءة اليقينية ، فلا يترك التأخير مع رجاء الزوال البتة ، بل مطلقاً ، وإن كان القول بإطلاق التوسعة لا يخلو عن قوة.
     ( وهل يجب استيعاب الوجه والذراعين بالمسح ؟ فيه روايتان ، أشهرهما اختصاص المسح بالجبهة ) المكتنف بها الجبينان.
    ففي الموثق : عن التيمم ، فضرب بيديه الأرض ، ثمَّ رفعهما فنفضهما ، ثمَّ مسح بهما جبهته وكفّيه مرّة واحدة (1).
    وهو وإن روى في الكافي ـ الذي هو أضبط ـ بذكر الجبين بدل الجبهة إلّا أنه بالشهرة بين الأصحاب أرجح. مضافاً إلى اعتضاده بالمحكي عن العماني (2) من تواتر الأخبار بمسح الجبهة والكفّين في تعليم عمّار (3).
    وبالرضوي : « تضرب بيديك على الأرض ضربة واحدة تمسح بهما وجهك موضع السجود من مقام الشعر إلى طرف الأنف » إلى آخره (4).
    وبالإجماعات المنقولة على نفي وجوب مسح الزائد من القصاص إلى طرف الأنف المعبّر عنه بالجبهة عن الناصرية والانتصار والغنية (5).
    هذا مع ما في النسخة الأُخرى من الشذوذ والمرجوحية إن حمل الجبين فيها على ما اكتنف الجبهة خاصة ، بناء على ظهورها ـ لورودها في العبادة ـ في كونه الواجب خاصة دون الجبهة ، ولا قائل به ، بل على وجوب مسحها الإجماع‏
1 ـ الكافي 3 : 61 /1 ، التهذيب 1 : 207/601 ، الاستبصار 1 : 170/590 ، الوسائل 3 : 359 أبواب التيمم ب 11 ح 3.
2 ـ حكاه عنه في المختلف : 50
3 ـ اُنظر وسائل 3 : 358 أبواب التيمم ب 11 الاحاديث 2 ، 4 ، 8 ، 9.
4 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 88 ، المستدرك 2 : 535 أبواب التيمم ب 9 ح 1.
5 ـ الناصرية ( الجوامع الفقهية) : 188 ، الانتصار : 32 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 555.


(33)
عن الانتصار (1) ، وصرّح بالوفاق في الذكرى (2) ، وصرّح به الصدوق في الأمالي (3) ، وحكي عنه ذلك صريحاً (4) وإن اختص عبارته في الفقيه بالجبين وادعى عليه في الأمالي الإجماع (5).
    فلابدّ من طرح تلك النسخة كالأخبار المضاهية لها ، كالصحيح : « ثمَّ مسح جبينه بأصابعه » (6) ونحوه آخران (7).
    أو تأويلها إمّا بحملها على ما يعمّ الجبهة. أو تخصيصها بها كما هو الأقوى ؛ للشهرة ، والإجماعات المنقولة ، وشيوع التعبير عن الجبهة بالجبين خاصة في المعتبرة كالموثق : « لا صلاة لمن لا يصيب أنفه ما يصيب جبينه » (8) ونحوه الحسن (9). فيصلح حينئذ اتخاذ أخبار الجبين مستنداً للجبهة.
    ولعلّ دعوى الماتن كغيره أشهرية روايتها منوط بفهمهم من أخبار الجبين‏
1 ـ الانتصار : 32.
2 ـ الذكرى : 108.
3 ـ الموجود في الامالي هكذا ... فيمسح بها وجهه...و قد روي ان يمسح الرجل جبينه وحاجبيه ويمسح على ظهر كفيه ، وعليه مضي مشايخنا. الامالي : 515.
4 ـ حكي في كشف اللثام 1 : 147 عن الامالي : والمسح من القصاص ال طرف الانف الاسفل ولكنا لم نعثر عليه فيه.
5 ـ الفقيه 1 : 57.
6 ـ الفقيه 1 : 57/212 ، الوسائل 3 : 360 أبواب التيمم ب 11 ح 8.
7 ـ الأول :
مستطرفات السرائر : 26/4 ، الوسائل 3 : 360 أبواب التيمم ب 11 ح 9
الثاني :
التهذيب 1 : 212/614 ، الاستبصار 1 : 171/594 ، الوسائل 3 : 360 أبواب التيمم ب 11 ح 6.
8 ـ التهذيب 2 : 298/1202 ، الاستبصار 1 : 327/1223 ، الوسائل 6 : 344 أبواب السجود ب 4 ح 4.
9 ـ الكافي 3 : 333/2 ، الوسائل 6 : 345 أبواب السجود ب 4 ح 7.


(34)
الجبهة ، إذ هي الأخبار المشهورة دون الموثقة المزبورة المتزلزلة بحسب النسخة.
    فانحصر الأخبار المقابلة لأشهر الروايتين في الدالّة على مسح الوجه الظاهرة في الاستيعاب ، وهي كثيرة تبلغ اثنى عشر حديثاً أكثرها بحسب السند معتبرة.
    لكنها ما بين شاذة ؛ لتضمنها الوجه والكفين لا الذراعين ، ولا قائل به ، إذ القول بالاستيعاب يشملهما كالقول بالعدم ولا ثالث يفرق. أو محمولة على التقية ، لتضمنها الذراعين.
    ومع ذلك فهي غير مقاومة لما تقدّم من الأدلة ، وخصوص الآية والصحيح المفسّر باءها بالتبعيضية (1).
    فتطرح أو تؤول بما يؤول إلى الأول بحمل الوجه فيها على الجبهة. ولا تُعد فيه ؛ لشيوع التعبير عنه في المعتبرة في بحث السجود ، كالصحيح : « إني أحب أن أضع وجهي موضع قدمي » (2).
    والصحيح : « خرّ وجهك على الأرض من غير أن ترفعه » (3).
    فالقول باستيعابه ـ كما عن والد الصدوق (4) ـ ضعيف جدّاً. كضعف إلحاق الجبينين بالجبهة كما عنه (5). إلّا أنه أحوط ، لدعواه الإجماع عليه في‏
1 ـ الكافي 3 : 30/ 4 ، الفقيه 1 : 56/212 ، التهذيب 1 : 61/168 ، علل الشرائع : 279/1 ، الوسائل 3 : 364 أبواب التيمم ب 13 ح 1.
2 ـ التهذيب 2 : 316/85 ، الوسائل 375 : 6 أبواب السجود ب 10 ح 2.
3 ـ التهذيب 2 : 312/ 1269 ، الاستبصار 1 : 330/1239 ، الوسائل 6 : 353 أبواب السجود ب 8 ح 2.
4 ـ نقله عنه في المختلف : 50.
5 ـ نقله عن الفقيه في المدارك 2 : 219 ، ولكن ظاهر عباره الفقيه اختصاص المسح بالجبينين والجاجبين لا الحاقهما بالجبهة. اُنظر الفقيه 1 : 57.


(35)
الأمالي (1) ، مع ظهور الأخبار المتقدمة فيه ، وإن عورضا بأقوى منهما ، إلّا أن الاحتياط مهما تيسّر أولى.
    وألحق الصدوق الحاجبين (2). ولا دليل عليه إلّا ما يتوقف عليه منهما مسح تمام الجبينين من باب المتقدمة إن قلنا بلزوم مسحهما.
    نعم : في الرضوي : « وقد روي أنه يمسح الرجل على جبينيه وحاجبيه » (3).
    ولكنه مرسل غير مكافئ لما تقدّم من الأخبار البيانية المقتصرة على الجبهة أو الجبينين خاصة ، ولكنه أحوط.
    ( و ) أشهر الروايتين أيضا اختصاص المسح بظاهر الكفين من الزندين إلى رؤوس الأصابع. وهو الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة.
    منها الصحيح : وضع كفّيه على الأرض ، ثمَّ مسح وجهه وكفّيه ، ولم يمسح الذراعين بشي‏ء (4).
    والموثق : ثمَّ مسح بهما جبهته وكفّيه مرّة واحدة (5).
    والرضوي : « ثمَّ تضرب بهما اُخرى فتمسح بها اليمنى إلى حدّ الزند ، تمسح باليسرى اليمنى وباليمنى اليسرى » (6).
    وبها يقيّد ما اُطلق فيه اليدان كالصحيحين (7) ، وعليها عمل أكثر
1 ـ الامالي : 515.
2 ـ الفقيه 1 : 57.
3 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 90 ، المستدرك 2 : 539 أبواب التيمم ب 11 ح 1.
4 ـ التهذيب 1 : 208/603 ، الوسائل 3 : 359 أبواب التيمم ب 11 ح 5.
5 ـ التهذيب 1 : 207/601 ، الاستبصار 1 : 170/590 ، الوسائل 3 : 359 أبواب التيمم ب 11 ح 3.
6 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 88 ، المستدرك 2 : 535 أبواب التيمم ب 9 ح 1 بتفاوت يسير.
7 ـ التهذيب 1 : 210/610 و611 ، الاستبصار 1 : 172/598 و599 ، الوسائل 3 : 361 أبواب التيمم ب 12 ح 1 و4.


(36)
الأصحاب ، بل عليه الإجماع عن الناصرية والأمالي والغنية (1). فالروايات بمسح الذراعين (2) مع قلّتها وقصور سند بعضها مطرحة أو محمولة على التقية ، فالقول به ـ كما عن والد الصدوق (3) ـ ضعيف. كضعف القول ببعض الكف من اُصول الأصابع (4) ؛ لضعف مستنده بالإضافة إلى ما تقدم كالمرسل كالصحيح : « فامسح على كفّيك من حيث موضع القطع ، وقال ( وَ ما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ) (5) (6) مع احتماله موضع القطع عند العامة إشارة بالمعرّف باللام إلى المعهود الخارجي.
     ( وفي عدد الضربات ) في بدل كلّ من الوضوء والغسل هل هو واحد فيهما ، كما عن العماني والإسكافي والمفيد في العزّية والمرتضى في الجمل وشرح الرسالة وظاهر الناصرية (7) ، والصدوق في ظاهر المقنع والهداية (8) ، وهو ظاهر الكليني ـ لاقتصاره بذكر أخبار المرّة ـ والقاضي (9) ، وصريح المعتبر
1 ـ الناصرية ( الجوامع الفقهة ) : 188 ، الغنية ( الجوامع الفقهة ) : 555 ، واما الأمالي ففيه : ثم يضرب بيده اليسري الارض فيمسح بها يده اليمني من المرفق الى الاطراف الاصابع ، ثم يضرب بيمينه الارض فيمسح بها يساره من المرفق الى اطراف الاصابع.وقد روي ان يمسح الرجل جبينه وحاجبيه ويمسح على ظهر كفيه ، وعليه مضي مشايخنا. الأمالي : 515.
2 ـ الوسائل 3 : 361 ، 365 أبواب التيمم ب 12 ح 2 ، وب 13 ح 3.
3 ـ نقله عنه في المختلف : 50.
4 ـ نقله في السرائر 1 : 137 عن بعض الاصحاب.
5 ـ مريم : 64.
6 ـ الكافي 3 : 62/2 ، التهذيب 1 : 207/599 ، الاستبصار 1 : 170/588 ، الوسائل 3 : 365 أبواب التيمم ب 13 ح 2.
7 ـ نقله عن العماني والاسكافي والمفيد في المختلف : 50 ، جمل العلم والعمل ( رسائل السيد المرتضي 3 ) : 26 ، حكاه عن الشرح الرسالة في المعتبر 1 : 388 ، الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : 188.
8 ـ المقنع : 9 ، الهداية : 18.
9 ـ الكليني فبي الكافي 3 : 61 ، القاضي في المهذَّب 1 : 47


(37)
والذكرى والمدارك (1) ، ونسبه في السرائر إلى قوم من أصحابنا (2) ، وإليه مال جدّي وخالي المجلسيان (3) ـ رحمهما اللّه ـ وذهب إليه كثير من المتأخرين ومتأخريهم (4) ، وحكته العامة عن علي عليه السلام وعمّار وابن عباس وجمع من التابعين (5).
    أو متعدّد فيهما ، كما عن أركان المفيد ووالد الصدوق (6) ، والمحكي من عبارته اعتبار الثلاث مرة للوجه ومرة لليمنى واُخرى لليسرى.
    أو التفصيل ، فالأوّل في الأوّل والثاني في الثاني ، كما ذهب إليه الأكثر.
     ( أقوال أجودها ) الأخير ( للوضوء ضربة وللغسل ضربتان ) جمعاً بين النصوص المستفيضة الظاهرة في إطلاق المرّة لورودها في بيان العبادة ، والظاهرة في إطلاق المرّتين.
    ولا شاهد له إلّا ما يتوهم من الصحيح : « هو ضرب واحد للوضوء ، والغسل من الجنابة تضرب بيديك مرتين ثمَّ تنفضهما نفضةً للوجه ومرّة لليدين » الخبر (7).
    بناءً على كون الواو للاستيناف المقتضي جعل ما بعدها مبتداً وجملة « تضرب » خبراً له. وهو مع مخالفته الظاهر لا دليل عليه بعد احتماله العطف‏
1 ـ المعتبر 1 : 389 ، الذكرى : 108 والمدارك 2 : 232.
2 ـ السرائر 1 : 137.
3 ـ اُنظر روضة المتقين 1 : 275 ، وبحار الأنوار 78 : 159.
4 ـ منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 1 : 231 ، وصاحب المدارك 2 : 232 ، السبزواري في كفاية الأحكام : 9 الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1 : 62.
5 ـ اُنظر المغني والشرح الكبير 1 : 278.
6 ـ نقله عنهما الشهيد في الذكرى : 108.
7 ـ التهذيب 1 : 210/611 ، الاستبصار 1 : 172/599 ، الوسائل 3 : 361 أبواب التيمم ب 12 ح 4.


(38)
المقتضي للتسوية بين الوضوء والغسل المنافية لما ذكروه.
    مضافاً إلى رجحانه بملاحظة الموثق : عن التيمم من الوضوء ومن الجنابة ومن الحيض للنساء سواء ؟ فقال : « نعم » (1).
    ونحوه الرضوي : « وصفة التيمم للوضوء والجنابة وسائر أبواب الغسل واحد ، وهو أن تضرب بيديك على الأرض ضربة واحدة تمسح بهما وجهك موضع السجود من مقام الشعر إلى طرف الأنف ، ثمَّ تضرب بهما اُخرى فتمسح بها اليمنى إلى حدّ الزند ، وروى من أصول الأصابع تمسح باليسرى اليمنى وباليمنى اليسرى » (2).
    وحمله على التقية بناءً على مصيرهم إلى التسوية (3) غير ممكن ؛ لاشتماله على الجبهة والكفين ، فيبعد في الموثق أيضاً.
    فحينئذ لا دليل على التفصيل ، بل هو قائم على خلافه. نعم : ادعى عليه الإجماع في الأمالي فقال : من دين الإمامية الإقرار بأن من لم يجد الماء ـ إلى قوله ـ : ضرب على الأرض ضربة للوضوء ويمسح بها وجهه من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى ، وإلى الأسفل أولى ، ثمَّ يمسح ظهر يده اليمنى ببطن اليسرى من الزند إلى أطراف الأصابع ، ثمَّ يمسح اليسرى كذلك ، ويضرب بدل غسل الجنابة ضربتين ضربة يمسح بها وجهه واُخرى ظهر كفيه (4).
    انتهى. وهو ظاهر التبيان ومجمع البيان (5).
1 ـ الفقيه 1 : 58/215 ، التهذيب 1 : 212/617 ، الوسائل 3 : 362 أبواب التيمم ب 12 ح 6.
2 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 88 ، المستدرك 2 : 535 أبواب التيمم ب 9 ح 1.
3 ـ راجع بدايه المجتهد 1 : 70 ، المغني لابن قدامة 1 : 278.
4 ـ قد نقلنا عبارة الامالي من نسخته المطبوعة عندنا ، في ص 31 الهامش (1) ، وهي تخالف ما.
5 ـ التبيان 3 : 208 ، مجمع البيان 2 : 52.


(39)
    فيصلح هذه الإجماعات المنقولة وجهاً للجمع. ولكن كلام الأخيرين ليس نصّا في دعوى الإجماع ، سيّما مع نقلهما القول بالضربتين من قوم من أصحابنا. والأوّل وإن كان أظهر منهما دلالة عليهما ، إلّا أن ظاهره دعوى الإجماع على كون الضربة الاولى في الجنابة للوجه الظاهر في المجموع ، مضافاً إلى تخصيصه الجبهة بالوضوء خاصة فيوهن لذلك. وبعد تسليمه فهو كسابقيه موهون بمصير معظم الأصحاب ومنهم هو في كتابيه ووالده وشيخه الكليني وغيرهم ـ كما عرفت ـ إلى خلافه.
    ولقد كتبنا رسالة مبسوطة في تزييف هذا القول وتعيين الأول ؛ لظواهر الأخبار البيانية المسلّم دلالتها عند المشهور على المرة ولو في الجملة ، ولذا استدلوا بها للاكتفاء بها في الوضوء خاصة ، وصحاحها واردة في بيان التيمم بدلاً من الجنابة ، ومعه لا يصح الحمل على الوضوء ، منهما الصحيح في بيان وصف النبي صلّى اللّه عليه وآله التيمم لعمّار : « أفلا صنعت كذا » ثمَّ أهوى بيديه إلى الأرض فوضعهما على الصعيد ، ثمَّ مسح جبينيه بأصابعه ، وكفّيه إحداهما بالأخرى ، ثمَّ لم يعد ذلك (1).
    وفي التتمة إشعار بل ظهور بكون المبيّن الملحوظ بيانه اتحاد الضرب أو تعدده ، وظاهره كونها من كلام الإمام عليه السلام ، فنقله عليه السلام عدم الإعادة في نقل بيان العبادة ظاهر في عدم لزومها.
    وقريب منه الموثق لزرارة عنه عليه السلام : عن التيمم ، فضرب بيديه الأرض ثمَّ رفعهما فنفضهما ، ثمَّ مسح على جبهته وكفّيه مرّة واحدة (2) ونحوه‏
1 ـ الفقيه 1 : 57/212 ، الوسائل 3 : 360 أبواب التيمم ب 11 ح 8.
2 ـ التهذيب 1 : 207/601 ، الاستبصار 1 : 170/590 ، الوسائل 3 : 359 أبواب التيمم ب 11 ح 3.


(40)
خبر آخر (1).
    وحمل المرة على المسح خاصة دون الضربة بعيد ؛ إذ ليس تعدّده محل توهّم أو مناقشة من عامة أو خاصة ، فنقله خال عن الفائدة بالمرّة. بل الظاهر رجوعها إلى الضربة ؛ لفائدة بيان تخطئة ما عليه أكثر العامة من نفي الضربة الواحدة.
    فاندفع ما يورد على هذه الأخبار من الإجمال المنافي للاستدلال ، لاحتمال ورودها بياناً لكيفية المسح وأنه ليس يجب على جميع الأعضاء ـ كما توهّمه عمّار ـ بل على المواضع الخاصة ، لا لبيان العدد.
    لمخالفته الظاهر ، مع عدم قبول ذلك الصحيح المتقدم كالخبرين بعده.
    مضافا إلى أنّ الراوي له وللموثق ـ كغيره ـ زرارة الذي هو أفقه من أكثر رواه أصحابنا ، وهو أجلّ شأنا عن سؤاله عن نفس الكيفية لأجل توهّمه ما توهّمه عمّار ، بل الظاهر سؤاله عن عدد الضربات التي صارت مطرحا بين العامة والخاصة ، ولذا أجابه عليه السلام في الحديث المتقدم بما يتعلق به. ولعلّه الظاهر من سؤال غيرهم من الرواة ، حيث رأوا العامة اتفقوا على تعدد الضربات مطلقا ، فسألوا أئمتهم صلوات اللّه عليهم استكشافا لذلك ، فأجابوهم عليهم السلام بما ظاهره الوحدة مطلقا.
    وبما ذكرنا ظهر وضوح دلالتها عليها. ويؤيده اشتهار نقل ذلك بين العامة عن علي عليه السلام وابن عباس وعمّار الموافقين للشيعة في أغلب الأحكام ، ويؤيد النقل مصير أكثرهم إلى الخلاف واعتبارهم الضربتين مطلقا.
    ومن هنا ينقدح الجواب عمّا دلّ على اعتبارهما كذلك من الصحاح ،
1 ـ التهذيب 1 : 212/614 ، الاستبصار 1 : 171/594 ، الوسائل 3 : 360 أبواب التيمم ب 11 ح 6.

(41)
منها : عن التيمم ، فقال : « مرّتين مرّتين للوجه واليدين » (1).
    نعم : ربما لا يجري ذلك في بعضها ، كالصحيح : « التيمم ضربة للوجه وضربة للكفين » (2) لمصير العامة إلى الذراعين (3). لكن عن الحنابلة اعتبار الكفين (4) ، فيحتمل التقية فيه عن مذهبهم ، ويتقوّى بمعاصرتهم لمولانا الرضا عليه السلام المروي عنه هذا الخبر.
    ويؤيد الحمل المزبور تضمن بعضها المسح على الوجه والذراعين ، كالخبر : « تضرب بكفّيك على الأرض مرّتين ، ثمَّ تنفضهما وتمسح بهما وجهك وذراعيك » (5).
    نعم : ربما يأبى هذا الخبر الحمل المزبور من حيث تضمنه الأمر بالنفض الذي يأبى عنه العامة كما في المنتهى (6).
    ونحوه في الإباء من هذا الوجه الصحيح : « تضرب بيديك مرّتين ثمَّ تنفضهما نفضة للوجه ومرّة لليدين » (7).
    ونحوهما الرضوي المتقدم (8) في الإباء عنه ، لكن من وجه آخر ، وهو
1 ـ التهذيب 1 : 210/610 ، الاستبصار 1 : 172/598 ، الوسائل 3 : 361 أبواب التيمم ب 12 ح 1.
2 ـ التهذيب 1 : 210/609 ، الاستبصار 1 : 171/597 ، الوسائل 3 : 361 أبواب التيمم ب 12 ح 3.
3 ـ اُنظر مغني المحتاج 1 : 99.
4 ـ كما في المغني والشرح الكبير 1 : 291.
5 ـ التهذيب 1 : 209/608 ، الاستبصار 1 : 171/596 ، الوسائل 3 : 361 أبواب التيمم ب 12 ح 2.
6 ـ المنتهى 1 : 147.
7 ـ التهذيب 1 : 210/611 ، الاستبصار 1 : 172/599 الوسائل 3 : 361 أبواب التيمم ب 12 ح 4.
8 ـ في ص : 33.


(42)
اشتماله على الجبهة والزندين المخالف لهم.
    لكن الأوّل قاصر السند.
    والثاني ضعيف الدلالة على اعتبار المرّتين ، للوجه مرّة واُخرى لليدين. بل ظاهره تعاقب الضربتين ثمَّ المسح بهما على الوجه واليدين على التعاقب مع تخلل النفضة.
    والثالث موهون بمصير الصدوق ـ المعتبر له ـ إلى إطلاق الوحدة تارة ، وإلى التفصيل اُخرى ، وأبيه إلى المرتين أو الثلاث كالمفيد إلى الأوّل. والسند في حجيته عملهم به المنتفي هنا ، فلا عبرة به. مضافاً إلى ما فيه أيضاً بعد ما ذكرناه ممّا يشعر بالمرة مطلقاً (1).
    هذا ، والاحتياط بالجمع بين التيمم بضربة واُخرى بضربتين لا يترك مطلقاً ، سيّما في البدل عن الغسل ؛ لأنّ المسألة من المتشابهات ، وإن كان الاكتفاء بالمرّة مطلقاً أقوى.
     ( والواجب فيه النية ) المشتملة على القربة بإجماع العلماء كافة ، والوجوب والندب والاستباحة عند معتبرها في المائية.
    دون رفع الحدث ؛ لعدم زواله بالتيمم بإجماع الطائفة وأكثر العامة كما عن الخلاف والمنتهى (2) ، بل كلّهم كافة كما عن المعتبر والتذكرة (3) ، بل قيل بالبطلان معه (4) ، فتركه أحوط.
1 ـ وهو : ( وأروي : اذ اردت التيمم اضرب كفيك على الارض ضربه واحدة ... ) فقه الرضا ( عليه السلام ) : 87.
2 ـ الخلاف 1 : 144 ، المنتهى 1 : 145.
3 ـ المعتبر 1 : 394 ، التذكرة 1 : 63.
4 ـ قال به الشيخ في المبسوط 1 : 34 ، وابن البراج في جواهر الفقه : 13 ، والمحقق في المعتبر 1 : 395 والعلامة في القواعد 1 : 23.


(43)
    و البدلية عن الوضوء والغسل ، إمّا مطلقاً كما عن الخلاف (1) ، أو مع عدم مساواة تيممهما في عدد الضربة كما عن المعتبر (2) ، أو إذا كان في الذمة تيمّمان أحدهما بدل من الوضوء والآخر من الغسل ، للافتقار إلى التميز. ولا دليل على شي‏ء من ذلك سوى الأخير ؛ لتوقف صدق الامتثال عليه.
    والأشهر العدم مطلقاً ؛ للأصل ، وفقد المخصّص ، مضافاً إلى صدق الامتثال. وهو حسن بالإضافة إلى ما عدا الأخير ، وفيه لا ؛ لوجود المخصّص بالإضافة إليه ، ومنع صدق الامتثال مطلقاً.
    وحيث إنّ النية عندنا هي الداعي إلى الفعل التي لا تنفك عنه على حال دون المخطر بالبال كفانا ذلك مئونة الاشتغال بذكر محلّها ( و ) بيان ( استدامة حكمها ) ومضى التحقيق فيه في بحث النية ومباحث الوضوء.
     ( والترتيب ) بأن ( يبدأ ) بوضع اليدين على الصعيد إجماعاً ، باعتماد كما هو الأشهر الأظهر ؛ وورد الأمر به في عدّة أخبار صحيحة (3) بها يقيّد إطلاق الآية وغيرها من المعتبرة (4) ، مضافاً إلى الاحتياط اللازم في العبادة التوقيفية.
    خلافاً للذكرى والدروس ، فاكتفى بمسمّى الوضع (5). وهو ضعيف.
    و يعتبر معيّة اليدين في الضرب إجماعاً كما حكي (6) ، ودلّت عليه أكثر النصوص. وينبغي تقييده بالاختيار ، فلو تعذّرت لقطع أو مرض أو ربط اقتصر
1 ـ الخلاف 1 : 140.
2 ـ المعتبر 1 : 391.
3 ـ اُنظر الوسائل 3 : 361 أبواب التيمم ب 12 ح 2 و4 وغيرهما من الاحاديث التي تشتمل على « الضرب » .
4 ـ اُنظر الوسائل 3 : 358 أبواب التيمم ب 11 ح 2 و4 وغيرهما من الاحاديث التي تشتمل على « الوضع » .
5 ـ الذكرى : 108 ، الدروس 1 : 132.
6 ـ حكاه في المدارك 2 : 217.


(44)
على الميسور ومسح الجبهة به ، وسقط مسح اليد. ويحتمل قوياً مسحها بالأرض كما يمسح الجبهة بها لو كانتا مقطوعتين ؛ لعموم عدم سقوط الميسور بالمعسور (1).
    قيل : وليس كذلك لو كانتا نجستين (2) ، بل يمسح بهما كذلك مع تعذّر التطهير ، إلّا أن تكون متعدية أو حائلة فيجب التجفيف وإزالة الحائل مع الإمكان ، فإن تعذّر ضَرَب بالظهر إن خلا منها ، وإلّا ضرب بالجبهة في الأوّل وباليد النجسة في الثاني ، كما لو كان عليها جبيرة.
    ثمّ يبدأ ( بمسح الجبهة ) مستوعبة عندنا ، بهما معاً كما هو المشهور ، تبعا لظاهر أكثر النصوص المعتبرة المقيّد به إطلاق ما عداه ، مضافاً إلى الاحتياط اللازم هنا. فظهر ضعف اجتزاء الإسكافي بإحداهما ومستنده (3).
    ولا ريب فيه مع الاضطرار.
    والمتبادر من الأخبار اعتبار الباطن كما هو نص المقنعة والمراسم والمهذّب والسرائر والذكرى والدروس (4). ولو تعذّر فالظَهر كما عن الذكرى (5) ؛ إذا الميسور لا يسقط بالمعسور. وإن اختص المانع منه بإحداهما ففي الاجتزاء بباطن الأُخرى ، أو لزوم ضمّ ظهر الاُولى إليه وجهان ، أوجههما الثاني ، لما ذكر.
    وينبغي البدأة بالأعلى إلى طرف الأنف الأعلى كما هو الأشهر ، للرضوي‏
1 ـ عوالي اللآلي 4 : 58/205.
2 ـ قال به الشهيد الثاني في الروضة 1 : 157.
3 ـ نقله عنه في المختلف : 50.
4 ـ المقنعة : 62 ، المراسم 54 ، المهذَّب 1 : 47 ، السرائر 1 : 136 ، الذكرى : 109 ، الدروس : 1 133.
5 ـ الذكرى : 109.


(45)
المتقدم (1) ، وعموم البدلية ـ مع تأملٍ ما فيهما ـ مضافاً إلى الاحتياط اللازم المراعاة.
    ( ثمَّ ) يتبعه ( بمسح ظهر اليد اليمنى ) من الزند ببطن اليسرى ( ثمَّ بظاهر اليسرى ) كذلك ببطن اليمنى ، مبتدئاً فيهما بالأعلى ؛ لما مرّ. مستوعباً لهما بإجماعنا وإجماع أكثر العامة كما عن المنتهى (2). وهو المتبادر من الأخبار. كتبادر البطن في الماسح والظهر في الممسوح ، مضافاً إلى الإجماع عليه ، والتصريح به في الخبرين :
    أحدهما : الحسن : ثمَّ مسح كفيه إحداهما على ظهر الأُخرى (3).
    والثاني : الموثق المروي في آخر السرائر : ثمَّ مسح بكفيه كل واحدة على ظهر الأخرى ، مسح اليسرى على اليمنى ومسح اليمنى على اليسرى (4).
    وبهما يقيد إطلاق غيرهما على تقديره.
    وظاهر الثاني الترتيب ، وأصرح منه الرضوي المتقدم. وهما الحجة في اعتباره بين اليدين وبينهما وبين الجبهة ؛ مضافاً إلى الإجماع عليه في التذكرة (5) ، واقتضاء عموم البدلية ، والاحتياط اللازم في نحو المسألة.
1 ـ في ص 33.
2 ـ المنتهى 1 : 147.
3 ـ الكافي 3 : 62/3 ، التهذيب 1 : 207/600 الاستبصار 1 : 170/589 ، الوسائل 3 : 358 أبواب التيمم ب 11 ح 1.
4 ـ مستطرفات السرائر : 26 /4 ، الوسائل 360 : 3 أبواب التيمم ب 11 ح 9.
5 ـ التذكرة 1 : 64.
رياض المسائل ـ الجزء الثاني ::: فهرس