رياض المسائل ـ الجزء الثاني ::: 46 ـ 60
(46)
    ( الرابع ) :
     ( في أحكامه ، وهي ثمانية ) :
    ( الأوّل )
     ( لا يعيد ما صلّى بتيممه‏ ) الصحيح شرعاً في السفر مع ظن ضيق الوقت مطلقاً إجماعاً. وفي الحضر كذلك على الأشهر الأظهر ، بل عليه إجماع العلماء كافة عدا طاوس كما عن الخلاف والمعتبر والمنتهى (1) ؛ للأصل ، وإطلاق الصحاح المستفيضة ، منها : عن الرجل إذا أجنب ولم يجد الماء ، قال : « يتيمم بالصعيد فإذا وجد الماء فليغتسل ولا يعيد الصلاة » (2).
    ومنها : « لا يعيد ، إنّ ربّ الماء ربّ الصعيد ، قد فعل أحد الطهورين » (3).
    خلافاً للمرتضى في شرح الرسالة فيه إذا تيمم لفقد الماء (4) ؛ ومستنده غير واضح ، عدا ما ربما يستدل له بالخبرين المبيحين للتيمم لمن في الزحام يوم الجمعة قال : « يتيمم ويصلّى معهم ويعيد إذا انصرف » (5).
    وهما مع أخصيّتهما من المدّعى قاصران عن المكافأة لما تقدم. هذا مع أنّ المحكي عن الخلاف الإجماع على عدم الفرق بين المسافر والحاضر في عدم الإعادة مطلقاً (6).
1 ـ الخلاف 1 : 142 ، المعتبر 1 : 395 ، المنتهى 1 : 151.
2 ـ الفقيه 1 : 57/213 ، المحاسن : 372/132 ، الوسائل 3 : 366 أبواب التيمم ب 14 ح 1.
3 ـ التهذيب 1 : 197/571 ، الاستبصار 1 : 161/557 ، الوسائل 3 : 370 أبواب التيمم ب 14 ح 15.
4 ـ نقله عنه في المعتبر 1 : 365.
5 ـ التهذيب 1 : 185/534 ، الوسائل 3 : 371 أبواب التيمم ب 15 ح 1.
    الخبر الثاني : التهذيب 3 : 248/678 ، الوسائل 3 : 371 أبواب التيمم ب 15 ح 2.
6 ـ الخلاف 1 : 142.


(47)
    و كذا لا إعادة مع التيمم في سعة الوقت مطلقاً إن جوّزناه في الجملة أو مطلقاً على الأشهر الأظهر ؛ لعين ما تقدّم ؛ مضافاً إلى خصوص المعتبرة المستفيضة ، المتقدمة في مسألة اعتبار الضيق أو كفاية السعة ، الناصة على عدم الإعادة بوجدان الماء في الوقت (1).
    خلافاً للعماني والإسكافي فأوجبا الإعادة (2) ؛ للصحيح المتقدم مع الجواب عنه ثمّة ، فلا وجه للإعادة.
     ( ولو تعمد الجنابة لم يجز التيمم ما لم يخف التلف ) أو الضرر إجماعاً ، لتمكّنه من استعمال الماء بالضرورة. ومع خوف شي‏ء منهما جاز وصحّ على الأصح الأشهر ؛ للأصل ، والعمومات ، وإطلاق خصوص المعتبرة ، منها الصحاح المستفيضة ، منها : في الرجل تصيبه الجنابة وبه جروح أو قروح ، قال : « لا يغتسل ويتيمم » (3) ونحوها ما سيأتي.
    خلافاً للشيخين ، فأوجبا عليه الطهارة بالماء وإن أصابه ما أصابه (4) ؛ لأخبار قاصرة الأسانيد (5) ضعيفة التكافؤ لما مرّ ، مخالفة للاُصول القطعية من الكتاب والسنّة والدلالة العقلية ، مضادة للإجماع على جواز الجنابة حينئذ ، وللنصوص الدالة عليه كالصحيحين : عن الرجل يكون معه أهله في السفر لا يجد الماء أيأتي أهله ؟ قال : « ما أحبّ أن يفعل إلّا أن يخاف على نفسه » قال قلت : يطلب بذلك اللذة أو يكون شبقاً إلى النساء ، قال : « إنّ الشبق يخاف على نفسه » قال ، قلت : طلب بذلك اللذة ، قال : « هو حلال » قلت : فإنه يروى عن‏
1 ـ راجع ص : 23 ـ 24.
2 ـ نقله عنهما في الذكرى : 110.
3 ـ التهذيب 1 : 185/531 ، الوسائل 3 : 348 أبواب التيمم ب 5 ح 8.
4 ـ المفيد في المقنعة : 60 ، الطوسي في الخلاف 1 : 156 ، والنهاية : 46.
5 ـ الوسائل 3 : 373 أبواب التيمم ب 17.


(48)
النبي صلّى اللّه عليه وآله أن أبا ذر سأله عن هذا فقال : « ائت أهلك تؤجر » فقال : يا رسول اللّه آتيهم واُوجر ؟! فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله : « كما أنت إذا أتيت الحرام اُزرت وكذلك إذا أتيت الحلال أجرت » فقال الصادق عليه السلام : « ألا ترى أنه إذا خاف على نفسه فأتى الحلال اُجر » (1).
    وبالجملة : لا يرتاب في بطلان هذا القول ذو مسكة.
    ثمَّ على المختار ( فإن خشي فتيمّم وصلّى ففي ) وجوب ( الإعادة ) كما عن النهاية والمبسوط والاستبصار والتهذيب والمهذّب والإصباح وروض الجنان (2) ( تردّد ) ناش من عموم الأدلة النافية لها من الأصل والصحاح المستفيضة المتقدمة في المسألة السابقة ، ومن خصوص الخبرين ، أحدهما الصحيح : « عن الرجل تصيبه الجنابة في الليلة الباردة ويخاف على نفسه التلف إن اغتسل ، فقال : يتيمم ويصلّي فإذا أمن البرد اغتسل وأعاد الصلاة » (3).
    ( أشبهه ) وهو الأشهر ( أنه لا ) يجب أن ( يعيد ) لقصور الخبرين ـ مع إرسال الثاني ـ عن المكافأة لما مرّ ، لكثرة العدد ، والاعتضاد بالأصل والشهرة فيه دونهما ؛ مع أنه لا إشعار فيهما بالتعمد بل ظاهران في الاحتلام ، فحملهما على الاستحباب متعيّن ، والتخصيص لما مرّ غير ممكن.
    ( وكذا من أحدث في الجامع ومنعه الزحام ) من الطهارة المائية ( يوم الجمعة تيمّم وصلّى ) الجمعة أو الظهر إذا ضاق وقتها (4) ، بلا خلاف في‏
1 ـ الكافي 5 : 495/3 ، الوسائل 20 : 109 أبواب مقدمات النكاح ب 50 ح 1.
    والصحيح الاخر : مستطرفات السرائر : 107/53 ، الوسائل 3 : 390 أبواب التيمم ب 27 ح 2.
2 ـ النهاية : 46 ، المبسوط 1 : 30 ، الاستبصار 1 : 162 ، التهذيب 1 : 196 ، المهذَّب 1 : 48 ، حكاه عن الإصباح في كشف اللثام 1 : 149 ، روض الجنان : 130 وفيه عدم وجوب الاعادة.
3 ـ الفقيه 1 : 60/224 ، التهذيب 1 : 196/567 ، الاستبصار 1 : 161/559 رواه فيهما مرسلاً ، الوسائل 3 : 372 أبواب التيمم ب 16 ح 1.
4 ـ في « ش » : الوقت.


(49)
الظاهر ، بل حكي صريحاً (1) ؛ لصدق عدم التمكن منها بذلك ، بناء على ضيق وقت الجمعة ، واستلزام تحصيلها فواته ؛ وللمعتبرين ، أحدهما الموثق : عن رجل يكون وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة لا يستطيع الخروج من المسجد من كثرة الناس ، قال : « يتيمّم ويصلّي معهم ويعيد إذا انصرف » (2).
    ( في ) لزوم ( الإعادة ) للصلاة مع الطهارة ( قولان ) ناشئان من الخبرين ؛ ومن الأصل ، والعمومات ، وتعليل عدم الإعادة في بعض الصحاح المتقدمة بأنّ ربّ الماء ربّ الصعيد ، وأنه فعل أحد الطهورين ، مضافاً إلى عموم البدلية المستفاد من كثير من المعتبرة.
    وهو الأظهر ، وفاقاً للمعتبر (3) ؛ لقوة هذه الأدلة ، وقصور الخبرين عن إفادة التخصيص ، بناءً على قصور سندهما عن المكافأة لها من وجوه عديدة ، وظهور ورودهما في الصلاة مع العامة المنبئ عن عدم صحة الجمعة معهم بل لزوم الظهر ووقتها متسع ، فليس في تحصيل الطهارة المائية عذر يتوصل به إلى الانتقال إلى الترابية ، والأمر بها مع الصلاة فيهما لعلّه للتقية والاتقاء على الشيعة ، وهو غير ملازم لصحة التيمم والصلاة معهم بالضرورة. فالأمر بالإعادة مبني على عدم صحة التيمم ؛ لفقد شرطه المعتبر فيها ، لا للزوم الإعادة معها.
    ومن هنا يظهر وجه تخصيص العبارة بصلاة الجمعة أو الظهر مع ضيق وقتها ، إذ لولاهما لما صحّ التيمم والصلاة ، فالإعادة إن فعلهما ولو بوجه شرعي لازمة.
1 ـ اُنظر الحدائق 4 : 269.
2 ـ التهذيب 1 : 185/534 ، الوسائل 3 : 371 أبواب التيمم ب 15 ح 1.
    الثاني : التهذيب 3 : 248/678 ، الوسائل 3 : 371 أبواب التيمم ب 15 ح 2.
3 ـ المعتبر 1 : 399.


(50)
    ( الثاني : )
     ( يجب على من فقد الماء الطلب ) مع الإمكان وانتفاء الضرر ، إجماعاً فتوىً ونصّاً. ومع عدمهما أو أحدهما فلا ، إجماعاً في الظاهر ، وللخبرين : « لا تطلب ولكن تيمّم ، فإني أخاف عليك التخلف من أصحابك فتضلّ ويأكلك السبع » (1).
    وعليه يحمل إطلاق الخبر : « لا تطلب الماء يميناً وشمالاً ولا بئراً ، إن وجدته على الطريق فتوضأ وإن لم تجده فامض » (2) جمعاً ؛ مضافاً إلى قصور سنده ، ومخالفته الإجماع والنص.
    وحدّ في المشهور ( في الحزنة ) بسكون الزاء المعجمة خلاف السهلة ، وهي المشتملة على نحو الأحجار والأشجار والعلو والهبوط المانع من رؤية ما خلفه ( بغلوة سهم ) بفتح الغين ، وهي مقدار رمية من الرامي بالآلة المعتدلين هما كالهواء.
    ( وغَلوة سهمين ) في السهلة للخبر (3) المنجبر قصور سنده بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً ، بل إجماع كما عن ظاهر التذكرة وصريح الغنية (4) ، وعن الحلّي دعوى التواتر فيه (5).
1 ـ الكافي 3 : 64/6 ، التهذيب 1 : 185/536 ، الوسائل 3 : 342 أبواب التيمم ب 2 ح 1.
    الخبر الثاني : الكافي 3 : 65/8 ، التهذيب 1 : 184/528 ، الوسائل 3 : 342 أبواب التيمم ب 2 ح 2.
2 ـ التهذيب 1 : 202/587 ، الاستبصار 1 : 165/572 ، الوسائل 3 : 343 أبواب التيمم ب 2 ح 3.
3 ـ التهذيب 1 : 202/586 ، الاستبصار 1 : 165/571 ، الوسائل 3 : 341 أبواب التيمم ب 1 ح 2.
4 ـ التذكرة 1 : 59 ، الغنية ( الجوامع الفقهية) : 555.
5 ـ اُنظر السرائر 1 : 135.


(51)
    و لا ينافيه الحسن : « إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت ، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمّم وليصلّ » (1) إلّا على تقدير فهم استيعاب الوقت بالطلب ، وليس نصّاً فيه ، فيحتمل الدلالة على أنّ الطلب في سعة الوقت والتيمم عند ضيقه.
    وعلى تقدير المنافاة فلا يعترض به الخبر السابق بعد الاعتضاد بما مرّ الموجب لقوة اعتبار سنده على سنده ، مضافاً إلى شذوذه وعدم مائل إليه سوى المعتبر وبعض من تابعه ممّن تأخر (2).
    وربما يجمع بينهما بحمل هذا على رجاء الحصول والسابق على جوازه (3).
    وإطلاقه يقتضي الاكتفاء بالطلب في الجهة الواحدة. والمشهور كما عن المبسوط والمهذّب وشرح الجمل للقاضي والغنية والإصباح والإشارة والشرائع : إيجابه في الجهات الأربع (4) بل عن الغنية الإجماع عليه ؛ وهو كاف في الحجة. وربما وجّه استنباطها من النص بعدم المرجح لبعضها ، وعدم معلومية تحقّق الشرط وبراءة الذمة بدون الطلب فيها.
    وعن النهاية والاقتصاد والوسيلة : الاقتصار على اليمين واليسار ويحتملان الأربع (5). كالمحكي عن المفيد والحلبي من ذلك بزيادة الامام (6) ؛
1 ـ الكافي 3 : 63 /2 ، التهذيب 1 : 203/589 ، الاستبصار 1 : 165/574 ، الاستبصار 1 : 165/574 ، الوسائل 3 : 341 أبواب التيمم ب 1 ح 1.
2 ـ المعتبر 1 : 393 ، وانظر المدارك 2 : 181 ، ومفاتيح الشرائع 1 : 59.
3 ـ كما في الحدائق 4 : 250.
4 ـ المبسوط 1 : 31 ، المهذَّب 1 : 47 شرح الجمل : 61 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 555 حكاه عن الإصباح في كشف اللثام 1 : 141 ، الاشارة : 74 الشرائع 1 : 46.
5 ـ النهاية : 48 ، الاقتصاد : 251 ، الوسيلة : 69.
6 ـ المفيد في المقنعة : 61 ، الحلبي في الكافي : 136.


(52)
لكون الخلف مفروغاً عنه بالمسير. فلا خلاف.
    وإنما يجب الطلب كذلك مع احتمال وجوده فيها ، فلو علم عدمه مطلقاً أو في بعض الجهات سقط الطلب مطلقاً أو فيه ، كما أنه لو علم أو ظن ـ على اختلاف فيه ـ وجوده في أزيد من النصاب وجب قصده مع الإمكان ما لم يخرج الوقت. والنص وإن كان مطلقاً إثباتاً ونفياً إلّا أن التقييد فيهما آت من الخارج ، لاستلزام القبح في الأمر بالطلب مع الأوّل ، وجواز التيمم مع فقد شرطه وهو العلم بعدم التمكن مع الثاني ؛ مع أنّ شيئا من الصورتين ليس متبادراً منه ، فالرجوع في غيره إلى الاُصول متعيّن.
    وتجوز الاستنابة فيه مع عدم إمكان المباشرة ، بل قد يجب ولو باُجرة مع القدرة بشرط العدالة إن كانت ميسّرة ، وإلّا فالاستنابة المطلقة كافية ، ويحتسب لهما الطلب على التقديرين بالضرورة.
     ( فإن أخلّ ) بالطلب اللازم عليه ( فتيمّم وصلّى ثمَّ وجد الماء تطهّر وأعاد ) الصلاة إن أتى بها في السعة إجماعاً.
    وكذا في الضيق على قول ظاهر من إطلاق العبارة محكي عن ظاهر الخلاف والمبسوط والنهاية (1) ، بناء على بطلان التيمم ، لفقدان شرطه الذي هو الطلب.
    وفيه منع ، بل شرطه الفقدان الحاصل هنا ، والطلب واجب آخر. فإذاً : الأظهر العدم ، وفاقا للأشهر ؛ للأصل ، والعمومات الخالية عن المعارض.
    ويمكن تنزيل العبارة هنا وفي الكتب المتقدمة على الصورة الاُولى. فلا خلاف ولا كلام ؛ لفقد شرطه الذي هو العلم بعدم التمكن.
1 ـ الخلاف 1 : 147 ، المبسوط 1 : 31 ، النهاية : 48.

(53)
    ( الثالث: )
     ( لو وجد المتيمم الماء قبل شروعه ) في مشروط بالطهارة ( تطهّر ) ـ مع عدم خوف فوات الوقت على الأصح ، وقيل : مطلقاً (1) ـ إجماعاً ، بناءً على انتقاض تيممه بوجدانه مع تمكن استعماله إجماعاً ، وللنصوص المستفيضة ، منها الصحيح : قلت : فإن أصاب الماء ورجا على ماء آخر وظنّ أنه يقدر عليه فلمّا أراده تعسّر ذلك عليه ؟ قال : « ينتقض تيممه وعليه أن يعيد التيمم » (2).
    وليس في إطلاقه ـ كغيره ـ اعتبار تمكن الاستعمال بمضي زمان يسعه ، كما هو أحد القولين وأحوطهما.
    وقيل باعتباره (3) كما قدّمناه ؛ لأصالة بقاءً الصحة ، وعدم ما ينافيها في المستفيضة ، بناء على عدم تبادر عدم إمكان الاستعمال منها ، فيقتصر في تخصيصها على القدر المتيقن.
    وهو حسن لو لا معارضة أصالة الصحة في التيمم بأصالة بقاء اشتغال الذمة بالعبادة ، وبعد التعارض تبقى الأوامر بها عن المعارض سليمة.
    ومظهر الثمرة فقد الماء بعد الوجدان قبل مضي زمان الإمكان : فعليه إعادة التيمم مع عدم اعتباره ، ولا معه.
     ( و ) لو كان الوجدان ( بعد فراغه ) منه ( فلا إعادة ) مطلقاً أو في الجملة كما مرّ.
1 ـ كما في الخلاف 1 : 141 ، والمعتبر 1 : 399 ، والمنتهى 1 : 154.
2 ـ الكافي 3 : 63/4 ، التهذيب 1 : 200/580 ، الاستبصار 1 : 164/570 ، الوسائل 3 : 377 أبواب التيمم ب 19 ح 1.
3 ـ اُنظر جامع المقاصد 1 : 507 والمسالك 1 : 17 ، ومجمع الفائدة 1 : 239 ، وكشف اللثام 1 : 150.


(54)
    ( ولو كان في أثناء الصلاة ) مطلقاً (1) :
    ففي وجوب الاستمرار مطلقاً ولو قبل القراءة ، كما عن المقنعة والخلاف والمبسوط والغنية والمهذّب والسرائر والجامع (2) ، وكتب الماتن (3) ، والعلّامة في جملة من كتبه (4) ، ووالد الصدوق والمرتضى في شرح الرسالة (5) ، وهو الأشهر كما في الروضة (6) ، بل عليه الإجماع في السرائر في بحث الاستحاضة (7).
    أو بشرط الدخول في الركوع من الركعة الاُولى ، كما عن المقنع والنهاية والعماني والجعفي والمرتضى في الجمل (8).
    أو من الركعة الثانية ، كما عن الإسكافي (9).
    أو الدخول في القراءة ، كما عن سلًار (10).
    أو لزوم القطع مطلقاً إذا غلب على ظنه سعة الوقت بقدر الطهارة والصلاة ، وعدمه مع عدمه واستحباب القطع ما لم يركع ، كما في الذكرى عن ابن حمزة (11).
1 ـ فريضة كانت ام نافلة.
2 ـ المقنعة : 61 الخلاف 1 : 141 ، المبسوط 1 : 33 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 555 ، المهذّب 1 : 48 ، السرائر 1 : 140 ، الجامع للشرائع : 48.
3 ـ راجع الشرائع 1 : 50 ، المعتبر 1 : 400.
4 ـ منها : القواعد 1 : 23 ، والمختلف : 51 ، والتذكرة 1 : 65.
5 ـ نقله عنهما في المنتهى 1 : 154.
6 ـ الروضة 1 : 163.
7 ـ السرائر 1 : 153.
8 ـ المقنع ، 9 ، النهاية : 48 ، نقله عن العماني في المختلف : 51 ، نقله عن الجعفي في الذكرى 110 ، جمل العلم والعمل ( رسائل السيد المرتضي 3 ) : 26.
9 ـ نقله عنه في المختلف : 51.
10 ـ اُنظر المراسم : 54.
11 ـ الذكرى : 111.


(55)
    أقوال.
    أمّا المشهور منها ( فقولان ) ذكراً أوّلاً ( أصحّهما البناء ) والاستمرار ( ولو كان على تكبيرة الإحرام ) تبعاً لمن مرّ ؛ لاستصحاب الصحة ، وصريح بعض المعتبرة كالرضوي : « فإذا كبّرت في صلاتك تكبيرة الافتتاح وأوتيت بالماء فلا تقطع الصلاة ، ولا تنقض تيمّمك ، وامض في صلاتك » (1).
    وظاهر غيره كالخبر : رجل تيمّم ثمَّ دخل في الصلاة وقد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ، ثمَّ يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة ، قال : « يمضي في الصلاة » (2).
    وقصور السند منجبر بالشهرة وبالتعليل الآتي في الصحيح المتضمن للإمضاء في حقّ من صلّى ركعتين (3).
    وفي الجميع نظر : لمعارضة استصحاب الصحة باستصحاب بقاء شغل الذمة بالعبادة. فتأمل.
    والأخبار بما هو أصحّ منها ، كالصحيح : إن أصاب الماء وقد دخل في الصلاة ، قال : « فلينصرف ويتوضأ ما لم يركع ، وإن كان قد ركع فليمض في صلاته ، فإنّ التيمم أحد الطهورين » (4).
    ونحوه الخبر : « إن كان لم يركع فلينصرف وليتوضأ ، وإن كان قد ركع فليمض في صلاته » (5).
1 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 90 ، المستدرك 2 : 546 أبواب التيمم ب 16 ح 3.
2 ـ التهذيب 1 : 203/590 ، التهذيب الاستبصار 1 : 166/575 ، الوسائل 3 : 382 أبواب التيمم ب 21 ح 3.
3 ـ اُنظر ص : 57.
4 ـ التهذيب 1 : 200/580 ، الاستبصار 1 : 164/570 ، الوسائل 3 : 381 أبواب التيمم ب 21 ح 1.
5 ـ الكافي 3 : 64/5 ، التهذيب 1 : 204/591 ، الاستبصار 1 : 166/576 ، الوسائل 3 : 381


(56)
    و بالتعليل في الأول يحصل الوهن في التأييد بالتعليل المتقدم ؛ لوروده هنا بياناً للإمضاء بعد الركوع خاصة مع التصريح بالإعادة قبله ، فلعلّ الأوّل كذلك. وليس حمل الركوع في هذين الخبرين على الصلاة بأولى من حمل الصلاة في الأخبار السابقة على الركوع ، وليس بُعده أقوى من بُعد الأوّل.
    فمرجع جميع وجوه النظر إلى المعارضة.
    ويمكن الجواب عنها بشي‏ء جامع ، وهو رجحان الأدلة الأوّلة بالاعتضاد بالشهرة الظاهرة والمحكية التي هي أقوى المرجحات المنصوصة والاعتبارية.
    فالقول الأوّل لا يخلو عن القوة ، إلّا أنّ الأحوط الإتمام ثمَّ القضاء أو الإعادة.
    كلّ ذا مع القول بجواز التيمم مع السعة ، وإلّا فلزوم الاستمرار والاستدامة لازم بالضرورة ، لاستلزام تركهما الإخلال بالعبادة في الوقت المضروب لها في الشريعة.
    وبما ذكرنا يظهر ضعف باقي الأقوال المتقدمة ، مع خلوّها عن الأدلّة الشرعية بالمرّة ، عدا الثالث ، لإمكان الاستدلال له بالجمع بين ما ظاهره لزوم الرجوع ولو صلّى ركعة كالخبرين ، في أحدهما : عن رجل صلّى ركعة على تيمم ثمَّ جاء رجل ومعه قربتان من ماء ، قال : « يقطع الصلاة ويتوضأ ثمَّ يبني على واحدة » (1).
    وما صريحه الإمضاء بعد صلاة ركعتين كالصحيح : في رجل لم يصب‏
ابواب التيمم ب 21 ح 2.
1 ـ التهذيب 1 : 403/1263 ، الاستبصار 1 : 167/579 ، الوسائل 3 : 383 أبواب التيمم ب 21 ح 5.
الخبر الثاني : التهذيب 1 : 406/1277 ، الاستبصار 1 : 168/581 ، الوسائل 3 : 383 أبواب التيمم ب 21 ح 6.


(57)
الماء وحضرت الصلاة ، فتيمّم وصلّى ركعتين ثمَّ أصاب الماء ، أينقض الركعتين أو يقطعهما ويتوضأ ثمَّ يصلي ؟ قال : « لا ، ولكنه يمضي في صلاته فيتمّها ولا ينقضها ، لمكان أنه دخلها وهو على طهور بتيمّم » الحديث (1).
    ولكن قصور سند الأوّلين يمنع الجمع ، مضافاً إلى عدم الشاهد عليه ، بل وضوح الشاهد على خلافه كما مرّ ، لاستفاضة المعتبرة المتقدمة المعتضدة بالشهرة القطعية بعدم الإعادة بعد الركوع المنافي للأمر بها بعده في الخبرين القاصرين مكافاة لها من وجوه عديدة.
    ( الرابع : )
     ( لو تيمم الجنب ) ومن في حكمه ( ثمَّ أحدث بما يوجب الوضوء أعاد ) التيمم ( بدلاً عن الغسل ) مطلقاً ، وجد ماء لوضوئه أم لا ، كما عن المبسوط والنهاية والجواهر والسرائر والإصباح والجامع والشرائع (2). وهو الأشهر الأظهر ؛ بناء على بقاء حدث الجنابة وعدم ارتفاعه بالتيمم ، لما مرّ من استفاضة حكاية الإجماع عليه (3) ، وإنّما غاية التيمم حصول الاستباحة به وقد زالت بزواله بطروّ ناقضة ، فالحدث أي الحالة المانعة الناشئة عن الجنابة بحاله.
    هذا مضافاً إلى إطلاق الأخبار الناطقة بلزوم التيمم ولو وجد ما يكفيه للوضوء ، منها الصحيح : في رجل أجنب في سفر ومعه ماء قدر ما يتوضأ به ، قال : « يتيمّم ولا يتوضأ » (4).
1 ـ التهذيب 1 ، 205/595 ، الاستبصار 1 : 167/580 ، الوسائل 3 : 382 أبواب التيمم ب 21 ح 4.
2 ـ المبسوط 1 : 34 ، النهاية 50 ، جواهر الفقه : 13 ، السرائر 1 : 141 ، حكاه عن الإصباح في كشف اللثام 1 : 151 ، الجامع للشرائع 46 ، الشرائع 1 : 50.
3 ـ راجع ص : 37.
4 ـ التهذيب 1 : 405/1272 ، الوسائل 3 : 387 أبواب التيمم ب 24 ح 4.


(58)
    و مفهوم الصحيح : « ومتى أصبت الماء فعليك الغسل إن كنت جنبا ، والوضوء إن لم تكن جنباً » (1).
    شرط في الوضوء عدم الجنابة ، وهي موجودة ، لما عرفت من عدم ارتفاعها بالتيمم ، إذ غايته حصول الاستباحة لا الطهارة عن الجنابة.
    خلافاً للمحكي عن المرتضى في شرح الرسالة فأوجب الوضوء عند وجدان ما يكفيه له (2) ، ومقتضاه لزوم التيمم بدله عند فقده.
    بناءً على أصله من ارتفاع حدث الجنابة بالتيمم ، المردود بالإجماعات المستفيضة ، وصريح النصوص الموجبة للغسل عند وجدان ما يكفيه من الماء (3) المسلّمة عنده ، الغير المجامعة لأصله ، إذ لو لم تكن الجنابة باقية لكان وجوب الطهارة لوجود الماء خاصة ، إذ لا وجه غيره على ما ذكره ، وهو ليس بحدث إجماعا حتى عنده ، مع أن حدثيته توجب استواء المتيممين في موجبه ، ضرورة استوائهم ، فيه ، لكنه باطل ، لأن المحدث لا يغتسل والمجنب لا يتوضأ إجماعا.
    وذلك واضح ، والمناقشة في ذلك مردودة.
    ( الخامس )
    ( لا ينقض التيمم إلّا ما ينقض الطهارة المائية ، ووجود الماء مع التمكن من استعماله ) بإجماعنا ، ونطق به أخبارنا ، ففي الصحيح : عن الرجل لا يجد الماء أيتيمم لكل صلاة ؟ فقال : « لا هو بمنزلة الماء » (4).
1 ـ التهذيب 1 : 210/611 ، الاستبصار 1 : 172/599 ، الوسائل 3 : 378 أبواب التيمم ب 19 ح 5.
2 ـ نقله عنه في الذكرى : 112.
3 ـ الوسائل 3 : 366 أبواب التيمم ب 14.
4 ـ التهذيب 1 : 200/581 ، الاستبصار 1 : 163/566 ، الوسائل 3 : 379 أبواب التيمم ب 20 ح 3.


(59)
    و الصحيح : يصلّي الرجل بتيمم واحد صلاة الليل والنهار كلّها ؟ فقال : « نعم ما لم يحدث أو يصب ماءً » قلت : فإن أصاب الماء ورجا أن يقدر على ماء آخر وظن أنه يقدر عليه ، فلمّا أراده تعسّر ذلك عليه ، قال : « ينتقض ذلك تيمّمه وعليه أن يعيد التيمم » (1).
    خلافاً لبعض العامة فحكم بنقضه بخروج الوقت (2) ؛ لأنّها طهارة ضرورية فيتقدر بالوقت كالمستحاضة. ولا ريب في بطلانه.
     ( السادس يجوز التيمم لصلاة الجنازة ولو مع وجود الماء )
    ( السادس ) :
    ( يجوز التيمم لصلاة الجنازة ولو مع وجود الماء ) مطلقاً على الأشهر الأظهر ، بل عليه الإجماع عن الخلاف والمنتهى والتذكرة (3). وهو الحجة فيه كإطلاق المعتبرة ، ففي الموثق : عن رجل مرّت به جنازة وهو على غير وضوء كيف يصنع ؟ قال : « يضرب بيده على حائط اللبن فليتيمّم » (4).
    وأولى منه المرسل : « والجنب يتيمّم ويصلّي على الجنازة » (5).
    خلافاً للمعتبر تبعاً للمحكي عن الإسكافي (6) ، فخصّه بخوف فوت الصلاة ، تمسّكاً بعموم المشترط لعدم التمكن من استعمال الماء في صحة التيمم ، وتضعيفاً للإجماع بعدم العلم به ، وللرواية الاُولى بالوقف في الراوي‏
1 ـ التهذيب 1 : 200/580 ، الاستبصار 1 : 164/570 ، الوسائل 3 : 379 أبواب التيمم ب 20 ح 1.
2 ـ كابن قدامة في المغني 1 : 299.
3 ـ الخلاف 1 : 160 ، المنتهى 1 : 455 ، التذكرة 1 : 65.
4 ـ الكافي 3 : 178/5 ، التهذيب 3 : 203/477 بتفاوت يسير ، الوسائل 3 : 111 أبواب الصلاة الجنازة ب 21 ح 5.
5 ـ الكافي 3 : 179/5 ، التهذيب 3 : 204/480 ، الوسائل 3 : 112 أبواب الصلاة الجنازة ب 22 ح 2.
6 ـ المعتبر 1 : 405.


(60)
تارة وبالإضمار اُخرى.
    وليس بشي‏ء ؛ لتخصيص العموم بما مرّ ، وحجية الإجماع المنقول وإن لم نعلم به إلّا من جهة النقل ؛ وعدم القدح بالوقف بعد ثبوت العدالة ، وكذا الإضمار بعد كونه من سماعة ، مضافاً إلى انجبار الضعف من جهتهما ـ لو تمَّ ـ بالشهرة العظيمة والمسامحة في أدلة السنن والكراهة.
    ثمَّ ليس في الحسن بل الصحيح : عن الرجل تدركه الجنازة وهو على غير وضوء فإن ذهب يتوضأ فاتته الصلاة ، قال : « يتيمم ويصلّي » (1) تقييد الحكم بخوف الفوت إلّا في كلام الراوي ، ولا ينافي مثله ثبوت الإطلاق ، فلا يتوهّم التقييد به.
    وحيث جاز التيمم في الجملة أو مطلقاً كان ( ندباً ) إجماعاً ؛ بناءً على استحباب الطهر في هذه الصلاة اتفاقاً ، كما عن الغنية وظاهر التذكرة (2). وليس واجباً ؛ للأصل ، والأخبار ، والإجماع المحكي عن الخلاف والتذكرة ونهاية الإحكام والذكرى (3).
    ( السابع ) :
     ( إذا اجتمع ميت ومحدث وجنب وهناك ماء يكفي أحدهم ) خاصة اختص به مالكه ، وليس له بذله لغيره مع مخاطبته باستعماله ؛ لوجوب صرفه في طهارته. ولو كان ملكاً لهم جميعاً مع عدم وفاء حصة كل بطهارته ، أو لمالك يسمح ببذله ، فلا ريب في ثبوت الخيرة لملّاكه في تخصيص من شاؤوا به.
    واختلفوا في ثبوتها بلا أولوية كما عن الخلاف (4) ، أو معها كما هو المشهور.
1 ـ الكافي 3 : 178/2 ، الوسائل 3 : 111 أبواب الصلاة الجنازة ب 21 ح 6.
2 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 564 ، التذكرة 1 : 65.
3 ـ الخلاف 1 : 160 ، التذكرة 1 : 65. نهاية الإحكام 2 : 264 ، الذكرى : 60.
4 ـ الخلاف 1 : 166.
رياض المسائل ـ الجزء الثاني ::: فهرس