رياض المسائل ـ الجزء الثاني ::: 61 ـ 75
(61)
    و ظاهرهم الاتفاق على ( تيمّم المحدث ) بالأصغر ؛ لظاهر أكثر الروايات المتفقة في ثبوت الأولوية لمن عداه وإن اختلفت في تعيينه ، كاختلافهم فيه ( و ) أنه ( هل يخص به الميّت أو الجنب ؟ فيه روايتان ) مختلفتان ( أشهرهما ) وأظهرهما ( أنه يخص به الجنب ) وهي كثيرة :
    منها : الصحيح : عن ثلاثة نفر كانوا في سفر أحدهم جنب والثاني ميت والثالث على غير وضوء ، وحضرت الصلاة ومعهم من الماء قدر ما يكفي أحدهم ، من يأخذ الماء وكيف يصنعون ؟ قال : « يغتسل الجنب ، ويدفن الميت بتيمّم ، ويتيمّم الذي هو على غير وضوء ، لأنّ الغسل من الجنابة فريضة ، وغسل الميّت سنّة ، والتيمم للآخر جائز » (1).
    ونحو الخبران المتضمنان للحكم مع التعليل (2) المترجحان هما ـ كالصحيح ـ به وبالكثرة والشهرة على غيره ، مع قصور سنده ، وهو روايتان ، في إحداهما : « يتيمم الجنب ويغسل الميت بالماء » (3).
    وفي الثانية : يتيمم الجنب مع المحدثين ويتوضئون هم (4).
    وترجيحهما على المعتبرة المتقدمة مع اعتضادها بما مرّ كما ترى ،
1 ـ الفقيه 1 : 59/222 ، التهذيب 1 : 109/285 ، الاستبصار 1 : 101/329 ، الوسائل 3 : 375 أبواب التيمم ب 18 ح 1.
2 ـ الاول:
    التهذيب 1 : 109/286 ، الاستبصار 1 : 101/330 ، الوسائل 3 : 376 أبواب التيمم ب 18 ح 3.
    الثاني :
    التهذيب 1 : 110/ 287 ، الاستبصار 1 : 102/331 ، علل الشرائع : 305/1 ، العيون 2 : 81/19 ، الوسائل 3 : 376 أبواب التيمم ب 18 ح 4.
3 ـ التهذيب 1 : 110/288 ، الوسائل 3 : 376 أبواب التيمم ب 18 ح 5.
4 ـ التهذيب 1 : 190/548 ، الوسائل 3 : 375 أبواب التيمم ب 18 ح 2.


(62)
والاستناد فيه إلى وجوه اعتبارية معارض بمثله أو أقوى.
    فظهر ضعف القول بترجيح الميت على الجنب ، مع عدم معروفية قائله ، بل عدمه في ترجيح المحدث على الجنب. كضعف القول بالتخيير المطلق المبني على عدم المرجح ؛ لظهوره بما مرّ.
    ثمَّ إنّ كل ذا إذا لم يمكن الجمع بتوضؤ المحدث ، وجمع مستعملة واغتسال الجنب الخالي بدنه عن النجاسة به ، ثمَّ تغسيل الميت بمستعمله إن قلنا بظهوريته. وإذا أمكن تعيّن ، ووجهه واضح.
    ( الثامن : )
    ( روي ) صحيحاً ( فيمن صلّى بتيمم فأحدث في ) أثناء ( الصلاة ثمَّ وجد الماء قطع ) الصلاة وخرج منها ( وتطهّر وأتم ) الصلاة من موضع القطع (1).
    ( و ) حيث إنّ ظاهره الشمول لصورتي العمد والنسيان المخالف للإجماع القطعي ( نزّلها الشيخان (2) على النسيان ) وعملا بها حينئذ ، وتبعهما المصنف في غير الكتاب (3).
    وظاهره هنا التردد ؛ لصحة الرواية وعمل الشيخين بها ؛ وللأدلة الدالة بالعموم والخصوص على الفساد في هذه الصورة المعتضدة بالشهرة العظيمة ، مضافاً إلى الإجماعات المنقولة عن الأمالي والناصرية والتذكرة (4). وهو
1 ـ راجع ص : 52.
2 ـ المفيد في المقنعة : 61 ، الطوسي في التهذيب 1 : 403.
3 ـ المعتبر 1 : 407.
4 ـ أمالي الصدوق : 513 ، المسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : 199 ، التذكرة 1 : 67 ، 130.


(63)
الأقوى ، لقصور الرواية ولو كانت صحيحة عن المقاومة لما مرّ من الأدلة ، مع احتمالها التقية وقصورها عن وضوح الدلالة.
    ولتحقيق المسألة محلّ آخر.
    ثمَّ إنّ العامل بالرواية خصّها بموردها ووقف في غيره ـ وهو ما إذا دخل الصلاة متطهراً بالمائية ، أو الترابية مع عدم الماء بعد الحدث ـ على محلّ الشهرة.


(64)
    و النظر في أعدادها وأحكامها ، وهي‏ أي جنسها ( عشرة : ) .
    الأول والثاني ( البول والغائط ممّا لا يؤكل لحمه ) شرعاً ذي النفس والدم القوي الذي يخرج بقوة من العرق عند قطعه ، بإجماع العلماء كافة كما عن المعتبر والمنتهى والغنية (1).
    وهو الحجة فيه ، دون النصوص المستفيضة الآمرة بغسل الثوب أو الجسد أو إعادة الصلاة ، من البول مرّتين أو مرّة ، كما في الصحاح والحسان وغيرها (2) في التطهير عنه المارّة بك في محلّه (3) ، ومن العذرة كالصحاح وغيرها المستفيضة (4) ؛ لعدم الملازمة بين شي‏ء من ذلك وبين النجاسة ، لعدم انحصار وجهه فيها.
    مضافاً إلى أخصيتها من المدّعى ؛ إذ غايتها الإطلاق في البول والعذرة المنصرف إلى المتبادر منهما ، وهو من الإنسان خاصة.
    نعم : في الصحيح : عن الرجل يصلّي وفي ثوبه عذرة من إنسان أو سنّور أو كلب أيعيد صلاته ؟ قال : « إن كان لم يعلم فلا يعيد » (5).
    وهو بمفهومه دالّ على الإعادة. والعذرة فيه وإن عمّت عذرة الإنسان‏
1 ـ المعتبر 1 : 410 ، المنتهى 1 : 159 ، 160 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 550.
2 ـ الوسائل 3 : أبواب النجاسات ب 1 ، 2 ، 19 ، 42.
3 ـ اُنظر ص : 103.
4 ـ الوسائل 1 : أبواب نواقص الوضوء ب 10 ، وج 3 : أبواب النجاسات ب 37 ، 40.
5 ـ الكافي 3 : 406/11 ، التهذيب 2 : 359/1487 ، الاستبصار 1 : 180/ 630 ، الوسائل 3 : 475 أبواب النجاسات ب 40 ح 5.


(65)
وغيرها إلّا أنها اختصت به وبالسنور والكلب خاصة. ومع ذلك فليس الإعادة نصاً في النجاسة ؛ لاحتمال كونها من جهة استصحاب المصلّي فضلات ما لا يؤكل لحمه الموجب لها ولو كانت طاهرة.
    فلا يتم الاستناد إليها في إثبات النجاسة إلّا بعد ضمّ الإجماع وجعله قرينة للدلالة والتعدية ، لكنه حينئذ هو الحجّة لا مجرّد المستفيضة.
    ومنه ينقدح أنّ الوجه الحكم بالطهارة حيث لم يكن إجماع ولا رواية.
    ثمَّ إنّ الأشهر الأظهر نجاسة ذرق الطيور الغير المأكولة اللحم وأبوالها مطلقاً ؛ لعموم الإجماعين المحكيين عن الكتابين الأوّلين مع عدم القدح فيهما بخروج معلومي النسب عندنا.
    ولعموم الحسن : « اغسل ثوبك من أبواب ما لا يؤكل لحمه » (1) المؤيّد بإطلاق ما مرّ ؛ للإجماع على كون الأمر بالغسل فيهما للنجاسة ، وعلى عدم الفرق بين موردهما وهو البول وغيره وهو الرجيع ، وحكي عليه صريحاً في الناصريات (2).
    خلافا للعماني والفقيه والجعفي (3) فالطهارة مطلقاً ، تمسّكاً بالأصل ، وعموم : « كل شي‏ء طاهر حتى تعلم أنه قذر » (4) وخصوص الحسن : « كل شي‏ء يطير فلا بأس بخرئه وبوله » (5) المؤيد بالصحيح : عن الرجل في ثوبه خرء الطير
1 ـ الكافي 3 : 57/3 ، التهذيب 1 : 264/770 ، الوسائل 3 : 405 أبواب النجاسات ب 8 ح 2.
2 ـ الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : 180.
3 ـ نقله عن العماني في المختلف : 56 ، الفقيه 1 : 41 ، نقله ، الجعفي في الذكرى : 13.
4 ـ الكافي 3 : 1/2 ، 3 ، الفقيه 1 : 6/1 ، التهذيب 1 : 215/619 ، الوسائل 1 : 134 أبواب الماء المطلق ب 1 ح 5 وفي الجميع بتفاوت
5 ـ الكافي 3 : 58/9 ، التهذيب 1 : 266/779 ، الوسائل 3 : 412 أبواب النجاسات ب 10 ح 1.


(66)
وغيره هل يحكّه وهو في صلاته ؟ قال : « لا بأس » (1).
    وللمبسوط ففرّق بين الخشّاف فالأوّل وغيره فالثاني (2) ؛ استناداً فيه إلى ما مرّ ، وفي الأوّل إلى الخبر الذي سيذكر ، ولا إشكال فيه وإنما الإشكال في غيره.
    وفي جميع ما ذكر أدلّةً له أو مطلقاً نظر ، لتخصيص الأوّلين بما مرّ كالثالث ، وإن كان التعارض بينه وبينه عموماً وخصوصاً من وجه ، لكن الرجحان مع الأوّل ، للشهرة العظيمة التي هي أقوى المرجحات النصيّة والاعتبارية.
    وليس في الصحيح تأييد ، بناءً على وقوع السؤال والجواب فيه عن الحك في الصلاة لا الطهارة والنجاسة. مضافاً إلى عدم الملازمة بينها وبين نفي البأس عنه ، لعدم السراية مع اليبوسة كما هي ظاهر الحك في الرواية ، وليس نصاً في صحة الصلاة. مضافاً إلى أنّ إطلاق الطير فيه ينصرف إلى المتبادر الغالب وهو مأكول اللحم ، وغيره نادر.
    ومع ذلك معارض بمؤيّد في طرف الأول ، وهو موثقة عمّار ، المروية في المختلف عن كتابه ، عن مولانا الصادق عليه السلام قال : « خرء الخطّاف لا بأس به ، هو ممّا يؤكل لحمه ، ولكن كره أكله لأنه استجار بك وآوى إلى منزلك » (3).
    وهي كالصريحة في أن المعيار في الطهارة والنجاسة في الطيور هو حلّ الأكل لا الطيران ، وإلّا لعلّل به دونه.
    والقدح في الحسن السابق : باختصاصه بالبول مع عدم معلومية حصوله للطير ، مدفوع بالإجماع على عدم الفرق ظاهراً ومحكياً ، ودلالة المعارض‏
1 ـ الفقيه 1 : 164/775 ، قرب الإسناد : 192/726 ، الوسائل 7 : 284 أبواب قواطع الصلاة ب 27 ح 1.
2 ـ المبسوط 1 : 39.
3 ـ المختلف : 679 ، الوسائل 3 : 411 أبواب النجاسات ب 9 ح 20.


(67)
بالحصول صريحاً.
    هذا مع أنّ عموم الحسن الثاني مخصّص بالخشّاف إجماعاً كما في المختلف (1) ، ولا يضره خروج معلوم النسب ، مع احتمال إرادته من إطلاق عبارته ما عداه. مضافاً إلى الخبر : عن بول الخشاشيف يصيب ثوبي فأطلبه ولا أجده ، قال : « أغسل ثوبك » (2). والمعارض (3) ـ مع ضعف سنده ـ غير مكافئ له محمول على التقية.
    فإذا ثبت التخصيص حصل المرجوحية بالإضافة إلى عموم الحسنة السابقة التي ليست بمخصّصة. وخلاف الإسكافي في نجاسة بول الرضيع قبل أكله الطعام (4) شاذّ ، على خلافه الإجماع عن المرتضى (5) ، ومستنده قاصر سندا ودلالةً (6) ، معارض بأقوى منه كالحسن : عن بول الصبي ، قال : « يصبّ عليه الماء فإن كان قد أكل فاغسله » (7).
    ( و ) الثالث : ( المني‏ ) ممّا له نفس سائلة ، بإجماع الطائفة كما عن ظاهر المنتهى وصريح التذكرة وغيرهما من كتب الجماعة (8).
    وهو الحجة فيه : دون المستفيضة ؛ لما مر سابقاً ، ولاختصاصها بحكم
1 ـ المختلف : 56.
2 ـ التهذيب 1 : 265/777 ، الاستبصار 1 : 188/658 ، الوسائل 3 : 412 النجاسات ب 10 ح 4.
3 ـ التهذيب 1 : 266/778 ، الاستبصار 1 : 188/659 ، الوسائل 3 : 413 أبواب النجاسات ب 10 ح 5.
4 ـ كما نقله عنه في المختلف : 56.
5 ـ راجع الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : 181.
6 ـ وهي رواية السكوني ، اُنظر وسائل 3 : 398 أبواب النجاسات ب 3 ح 4.
7 ـ الكافي 3 : 56/6 ، التهذيب 1 : 249/715 ، الاستبصار 1 : 173/602 ، الوسائل 3 : 397 أبواب النجاسات ب 3 ح 2.
8 ـ المنتهى 1 : 161 ، التذكرة 1 : 6 ؛ وانطر المدارك 2 : 265 ، والذخيرة : 146.


(68)
التبادر بالإنسان دون مطلق الحيوان.
    نعم : في الصحيح : ذكر المني فشدّده وجعله أشد من البول (1).
    وهو دالّ بفحواه على تبعية نجاسة المني للبول. ولكن ثبوت نجاسة المتبوع مطلقاً إنما هو بمعونة الإجماع أيضاً ، فيكون هو الحجّة فيه أيضاً جداً.
    والتقييد بما ذكرنا ـ وهو ظاهر المتن ـ هو المشهور بين الأصحاب ، بل كاد أن يكون إجماعا.
    فالحكم في غير محل القيد الطهارة.
    خلافاً للمحكي عن المعتبر والمنتهى فتردّدا فيها (2). ويدفعه الأصل ، مع اختصاص الأخبار ـ كما مرّ ـ بالإنسان ، وعدم إجماع على النجاسة هنا ، هذا.
    وأما الصحيحان المشعران بطهارة المني مطلقاً كما في أحدهما (3) ، أو إذا كان جافاً كما في الثاني (4) ، فشاذان محمولان على التقية ، لكون الأوّل مذهب جماعة من العامة (5) ، والثاني مذهب شرذمة منهم (6) كما حكاه بعض الأجلة (7) ؛ فلا يرفع اليد بهما عن الإجماع القطعي والنصوص الصريحة الجليّة.
    ( و ) الرابع ( الميتة ممّا له نفس سائلة ) آدمياً كان أو غيره ، إجماعاً
1 ـ التهذيب 2 : 223/880 ، الوسائل 3 : 478 أبواب النجاسات ب 41 ح 2.
2 ـ المعتبر 1 : 415 ، المنتهى 1 : 162.
3 ـ الكافي 3 : 52/2 ، الوسائل 3 : 445 أبواب النجاسات ب 27 ح 3.
4 ـ التهذيب 1 : 421/1332 ، الاستبصار 1 : 188/657 ، الوسائل 3 : 446 أبواب النجاسات ب 27 ح 7.
5 ـ منهم الشافعي في الاُم 1 : 55 ، ونقله عن الشافعي واحمد وداوود في بداية المجتهد 1 : 82.
6 ـ كابن قدامة في المغني 1 : 341.
7 ـ نقله عن البهائي في الحدائق 5 : 34.


(69)
كما عن الخلاف والمعتبر والمنتهى والتذكرة والشهيدين وابن زهرة (1). وهو الحجّة فيه والمتمّم لدلالة المستفيضة بل المتواترة في مواضع متفرقة على النجاسة ، كالصحاح وغيرها الواردة الآمرة بإلقاء الفأرة ونحوها وما يليها الميتة في الأشياء الرطبة الجامدة ، والاستصباح بها إذا كانت أدهاناً مائعة (2) ، وليس للأمر بذلك وجه سوى النجاسة بإجماع الطائفة.
    ونحوها في وجه الدلالة على النجاسة المعتبرة الناهية عن الأكل من آنية أهل الذمة إذا كانوا يأكلون فيها الميتة (3).
    والنصوص الواردة بنجاسة القليل بوقوع الجيفة ، كالصحيح : « إذا كان الماء أكثر من رواية لم ينجسه شي‏ء ، تفسّخ فيه أو لم يتفسخ ، إلّا أن يجي‏ء له ريح يغلب على ريح الماء » (4).
    وفي آخر : « كلّما غلب الماء ريح الجيفة فتوضأ من الماء واشرب ، وإذا تغيّر الماء وتغيّر الطعم فلا تتوضأ ولا تشرب » (5).
    ونحوه الصحيحان ، في أحدهما : عن غدير أتوه فيه جيفة ، فقال : إذا كان الماء قاهراً ولا يوجد فيه الريح فتوضأ » (6).
1 ـ الخلاف 1 : 60 ، المعتبر 1 : 420 ، المنتهى 1 : 164 ، التذكرة 1 : 7 ، الشهيد الأول في الذكرى : 13 ، الشهيد الثاني في روض الجنان : 162 ، و ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 551.
2 ـ الوسائل 24 : 194 أبواب الاطعمة المحرمة ب 43.
3 ـ الوسائل 24 : 210 أبواب الاطعمة المحرمة ب 54.
4 ـ الكافي 3 : 2/3 ، التهذيب 1 : 42/117 ، الاستبصار 1 : 6/4 ، الوسائل 1 : 140 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 9.
5 ـ الكافي 3 : 4/3 وفيه مرسلاً ، التهذيب 1 : 216/625 ، الاستبصار 1 : 12/19 ، الوسائل 1 : 137 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 1.
6 ـ الكافي 3 : 4/4 ، الوسائل 1 : 141 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 11.


(70)
    و في الثاني : يمرّ به الرجل وهو نقيع فيه الميتة الجيفة ، فقال مولانا الصادق عليه السلام : « إن كان الماء قد تغير ريحه فلا تشرب ولا تتوضأ منه » الخبر (1).
    والموثق : عن الرجل يمرّ بالماء وفيه دابة ميتة قد أنتنت ، قال : « إن كان النتن الغالب على الماء فلا تتوضأ ولا تشرب » (2).
    ونحوه آخر : في الفأرة التي يجدها في إنائه وقد توضأ من ذلك الإناء مراراً ، وغسل ثيابه واغتسل ، وقد كانت الفأرة منسلخة ، فقال : « إن كان رآها في الإناء قبل أن يغتسل أو يتوضأ أو يغسل ثيابه ثمَّ فعل ذلك بعد ما رآها في الإناء ، فعليه أن يغسل ثيابه ويغسل كلّ ما أصابه ذلك الماء ويعيد الوضوء والصلاة » الخبر (3).
    مضافاً إلى المروي عن الدعائم ، عن مولانا الصادق عليه السلام قال ، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله : « الميتة نجس ولو دبغت » (4).
    والرضوي : « وإن مسست ميتة فاغسل يدك » (5).
    وفي الموثق : عن الخنفساء والذباب والجراد والنملة وما أشبه ذلك تموت في البئر والزيت والسمن وشبهه ، قال : « كلّ ما ليس له دم فلا بأس » (6).
1 ـ التهذيب 1 : 40/112 ، الاستبصار 1 : 9/10 ، الوسائل 1 : 138 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 4.
2 ـ التهذيب 1 : 216/624 ، الاستبصار 1 : 12/18 ، الوسائل 1 : 139 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 6.
3 ـ الفقيه 1 : 14/26 ، التهذيب 1 : 418/1322 ، الاستبصار 1 : 32/86 ، الوسائل 1 : 142 أبواب الماء المطلق ب 4 ح 1.
4 ـ دعائم الاسلام 1 : 126 ، المستدرك 2 : 592 أبواب النجاسات ب 39 ح 6.
5 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 174 ، المستدرك 2 : 579 أبواب النجاسات ب 27 ح 7.
6 ـ التهذيب 1 : 230/ 665 ، الاستبصار 1 : 26/66 ، الوسائل 1 : 241 أبواب الاسأر ب 10 ح 1.


(71)
    و في الخبر : « لا يفسد الماء إلّا ما كانت له نفس سائلة » (1).
    و بهما مع الأصل يستدل على طهارة ميتة غير ذي النفس ، مضافاً إلى الإجماع المحكي عن المعتبر والمنتهى صريحاً (2). وخلاف الشيخ وابن حمزة في العقرب والوزغة شاذ (3) ، ومستنده قاصر (4). فالقول بالطهارة متعيّن.
    ثمَّ ما تقدّم من الأخبار وما ضاهاها مختصة بغير الإنسان ، وأمّا الأخبار فيه فالحسن : عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميّت ، قال : « يغسل ما أصاب الثوب » (5).
    قيل : ولا دلالة فيه ؛ لإمكان أن يكون المراد منه إزالة ما أصاب الثوب ممّا على الميت من رطوبة أو قذر تعدّيا إليه ، يدل على ذلك ما في الرواية الاُخرى : « إن كان غسّل فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه ، وإن كان لم يغسّل فاغسل ما أصاب ثوبك منه » (6) فإنه إن كان نجس العين لم يطهر بالتغسيل (7).
    و فيه نظر ؛ لمخالفة الاحتمال المذكور للظاهر أوّلاً ، وظهور الدلالة معه ثانياً ، بناء على استلزام نجاسة الرطوبة نجاسة الجسد لتفرعها عليها وصدورها منها.
    وتقييدها بالرطوبة النجسة ( بالذات ) (8) ينافي عطف القذر عليها المقتضى‏
1 ـ التهذيب 1 : 231/669 ، الاستبصار 1 : 26/67 ، الوسائل 1 : 241 أبواب الاسأر ب 10 ح 2.
2 ـ المعتبر 1 : 101 ، المنتهى 1 : 28.
3 ـ الشيخ في النهاية : 54 ، ابن حمزة في الوسيلة : 78.
4 ـ الوسائل 1 : 240 أبواب الاسأر ب 9 ح 5 ، 6 ؛ وص 187 أبواب الماء المطلق ب 19 ح 2.
5 ـ الكافي 3 : 161/4 ، الوسائل 3 : 300 أبواب غسل المسر ب 6 ح 3.
6 ـ الكافي 3 : 161/7 ، التهذيب 1 : 276/811 ، الوسائل 3 : 461 أبواب النجاسات ب 34 ح 1.
7 ـ اُنظر المفاتيح 1 : 66.
8 ـ ليست في « ش ».


(72)
للتغاير والقسيمية ، والحال أنه على التقييد نوع منه أو عينه.
    وتقييد القذر بالنجس العيني وحمل الرطوبة على النجس العارضي بدون (1) الموت وإن أمكن إلّا أن ارتكاب مثله في النص بعيد جداً ، مع أن ظاهره وجوب غسل جميع ما لاقى من جسده الشامل للرطوبة الغير الملاقية للنجاسة الخارجية ، وذلك مستلزم للنجاسة كما مرّ ، والتخصيص لا بدّ له من دليل ، ولم يظهر.
    ودعوى الملازمة بين النجاسة العينية وعدم حصول التطهير بالطهارة المائية ممنوعة ، كيف لا ؟! والطهارة والنجاسة من الاُمور التعبدية ، فلا بعد في حصول الطهارة لها بها بعد ثبوتها من الشريعة ، كحصول الطهارة بالإسلام للكافر بالضرورة.
    ثمَّ ليس في الخبرين دلالة على تعدي النجاسة مع اليبوسة ، بل ظاهرهما ـ كما ترى ـ اختصاصه بالرطوبة.
    نعم : هو ظاهر إطلاق الرضوي : « وإن مسّ ثوبك ميّت فاغسل ما أصاب » (2) فتأمل.
    وأظهر منه المروي في الاحتجاج عن مولانا القائم عليه السلام : « ليس على من مسّه ـ أي الميّت ـ إلّا غسل اليد » (3).
    وهو ـ مع قصور السند والمخالفة للأصل المعتمد ـ معارض بالموثق : « كلّ يابس زكي » (4).
1 ـ في « ش » : دون.
2 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 169 ، المستدرك 2 : 579 أبواب النجاسات ب 27 ح 7.
3 ـ الاحتجاج : 482 ، الوسائل 3 : 296 أبواب غسل المس ب 3 ح 4.
4 ـ التهذيب 1 : 49/141 ، الاستبصار ، الوسائل 1 : 351 أبواب احكام الخلوة ب 31 ح 5.


(73)
    و التعارض بينهما وإن كان عموماً من وجه لا بدّ من ترجيح أحدهما عليه ، إلّا أن المرجح من الأصل وغيره مع الثاني ، مع قوة عمومه ، واعتضاده بفحوى الصحيح : « وقع ثوبه على كلب ميت ، قال : ينضحه ويصلّي فيه ، ولا بأس به » (1).
    وبه وبالسابق يستدل على عدم تعدي نجاسة الميتة غير الآدمي مع اليبوسة ، مضافاً إلى عموم الصحيح الناشئ عن ترك الاستفصال : « وقع ثوبه على حمار ميت ، قال : ليس عليه غسله ، وليصلّ فيه ، ولا بأس » (2).
    وأمّا ما ورد من الأمر بغسل ما لاقى الثعلب وغيره من السباع حياً أو ميتاً (3) فهو محمول على الاستحباب قطعاً ؛ إذ لم يقل أحد بثبوت الحكم المذكور مع الحياة أيضاً جدّاً.
    فالقول بتعدي النجاسة مع اليبوسة هنا وفي السابق ـ كما عن الروض والمعالم والعلّامة (4) ـ محل مناقشة. كالقول بعدم تعدي نجاستها مطلقاً مع وجوب غسل الملاقي لها خاصة تعبداً كما عن الحلّي. وعبارته المحكية لا تساعد الحكاية (5). وعلى تقدير الصحة فهو ضعيف جدّاً ؛ للإجماع ظاهرا على نجاسة ملاقي الملاقي للميتة رطباً.
    ثمَّ إن مقتضى إطلاق النص وكلام الأصحاب النجاسة بمجرّد الموت‏
1 ـ التهذيب 1 : 277/815 ، الاستبصار 1 : 192/674 ، الوسائل 3 : 442 أبواب النجاسات ب 26 ح 7.
2 ـ التهذيب 1 : 276/813 ، الاستبصار 1 : 192/672 ، الوسائل 3 : 442 أبواب النجاسات ب 26 ح 5.
3 ـ الكافي 3 : 60/ 4 ، التهذيب 1 : 262/763 ، الوسائل 3 : 462 أبواب النجاسات ب 34 ح 3.
4 ـ روض الجنان : 168 ، معالم الفقه : 278 ، العلامة في نهاية الإحكام 1 : 280.
5 ـ اُنظر السرائر 1 : 163.


(74)
وإن لم يبرد ، مضافاً إلى صريح المروي في الاحتجاج عن مولانا القائم عليه السلام : « إذا مسّ الميت بحرارته لم يكن عليه إلّا غسل يده » (1) بل عن الخلاف والمعتبر والمنتهى والتذكرة : إجماع الطائفة عليه (2).
    خلافاً لبعض المتأخرين ، فخصّها ببعد البرد (3) ؛ لظاهر إطلاق الصحيح : « مسّ الميت عند موته وبعد غسله والقبلة ليس به بأس » (4).
    وهو ضعيف ؛ لعدم مقاومته لما مرّ. فيحمل نفي البأس على نفيه بالإضافة إلى لزوم الاغتسال بمسّه لا الغسل.
     ( وكذا الدم ) نجس إذا كان ممّا له نفس سائلة ، وهو الخامس. وعليه الإجماع عن المعتبر والمنتهى والتذكرة (5) ، وهو الحجة فيه مع النصوص بضميمته ، ففي الصحيح في نقط الدم إذا كانت أقلّ من درهم : « يغسله ولا يعيد الصلاة » (6).
    وفي الصحاح المستفيضة وغيرها الأمر بإعادة الصلاة منه مطلقاً مع الأمر بغسله في بعضها بعده ، كالصحيح : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي‏ء من مني ، فعلّمت أثره إلى أن اُصيب له الماء ، فأصبت وقد حضرت الصلاة ، ونسيت أنّ بثوبي شيئا وصلّيت ، ثمَّ إني ذكرت بعد ذلك ، قال : « تعيد الصلاة وتغسله » (7).
1 ـ الاحتجاج : 482 ، الوسائل 3 : 296 أبواب غسل المس ب 3 ح 5.
2 ـ الخلاف 1 : 701 ، المعتبر 1 : 420 ، المنتهى 1 : 164 ، التذكرة 1 : 57.
3 ـ كصاحبي المدارك 2 : 271 ، والذخيرة : 91.
4 ـ الفقيه 1 : 87/403 ، التهذيب 1 : 430/1370 ، الاستبصار 1 : 100/326 ، الوسائل 3 : 295 أبواب غسل المس ب 3 ح1.
5 ـ المعتبر 1 : 420 ، المنتهى 1 : 163 ، التذكرة 1 : 7.
6 ـ التهذيب 1 : 255/740 ، الاستبصار 1 : 176/611 ، الوسائل 3 : 429 أبواب النجاسات ب 20 ح 1.
7 ـ التهذيب 1 : 421/1335 ، الاستبصار 1 : 183/641 ، الوسائل 3 : 479 أبواب النجاسات.


(75)
    و قد استدل بها لنجاسته مطلقاً حتى في الناقص عن سعة الدرهم أو قدر الحمصة ، ردّاً على الإسكافي والصدوق ، حيث إنّ ظاهر الأول الحكم بطهارة الأول ، والثاني الحكم بطهارة الثاني (1) ؛ لإطلاقها أو عمومها.
    وليس في محله ، إذ الأمر بإعادة الصلاة قرينة على زيادته على المقدارين ، ولا كلام لهما في نجاسته. وكيف كان فقولهما شاذّ ، ومستندهما قاصر (2) معارض بالإجماعات وخصوص المتقدم على الصحاح.
    ثمَّ إنّ مقتضى الأصل واختصاص الأخبار بدم ذي النفس بحكم التبادر يوجب المصير إلى تقييد الحكم به والقول بالطهارة في غيره ، مضافاً إلى الإجماع عليها في السمك المحكي عن الخلاف والمعتبر والمنتهى والذكرى والغنية والسرائر (3).
    وفي الخبر : « إنّ علياً عليه السلام كان لا يرى بأساً بدم ما لم يذكر يكون في الثوب ، فيصلي فيه يعني دم السمك » (4).
    و عن الأربعة الأول الإجماع عليها في غيره من مطلق غير ذي النفس ، والمستند فيه الصحيح : ما تقول في دم البراغيث ؟ قال : « ليس به بأس » قال ، قلت : إنه يكثر ويتفاحش ، قال : « وإن كثر » (5).
ب 42 ح 2.
1 ـ نقله عن الإسكافي في المعتبر 1 : 420 ، الصدوق في الفقيه 1 : 42.
2 ـ اُنظر وسائل 3 : 430 أبواب النجاسات ب 20 ح 5 ، 7.
3 ـ الخلاف 1 : 476 ، المعتبر 1 : 421 ، المنتهى 1 : 163 ، الذكرى 13 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 550 ، السرائر 1 : 174.
4 ـ الكافي 3 : 59/4 ، التهذيب 1 : 260/755 ، مستطرفات السرائر : 106/51 ، الوسائل 3 : 436 أبواب النجاسات ب 23 ح 2.
5 ـ التهذيب 1 : 255/740 ، الاستبصار 1 : 176/611 ، الوسائل 3 : 435 أبواب انجاسات ب 23 ح 1.
رياض المسائل ـ الجزء الثاني ::: فهرس