رياض المسائل ـ الجزء الثاني ::: 391 ـ 397
(391)
مر.
    مضافاً إلى المروي في الذكرى : عن الأمة تقنّع رأسها ؟ فقال : « إن شاءت فعلت وإن شاءت لم تفعل ، سمعت أبي يقول : كنّ يضربن فيقال لهن : لا تشبّهن بالحرائر » (1).
    وظاهره التسوية كباقي النصوص النافية لوجوب التقنّع عنهن. ويمكن حملها على التسوية في الإجزاء ، فلا ينافي فضيلة الستر ، كما هو المشهور بين الطائفة.
    ( الثالثة : يجوز الاستتار في الصلاة بكل ما يستر به العورة كالحشيش وورق الشجر والطين ) بلا خلاف فيه بيننا في الجملة ، وإن اختلف في جواز الستر بالحشيش وما بعده مطلقاً ، كما في ظاهر العبارة وغيرها ، أو بشرط فقد الثوب وإلّا فتعين. ولا دليل على شي‏ء منهما يعتدّ به ، ولا ريب أن الثاني أحوط ، وأحوط منه عدم الستر بالطين إلّا مع فقد سابقيه ، بل قيل بتعينه (2).
     ( ولو لم يجد ) المصلّي ( ساتراً ) مطلقاً لم يسقط عنه الصلاة إجماعاً كما في المنتهى والذكرى وغيرهما (3) ، بل ( ( صلّى عارياً قائماً مومياً ) للركوع والسجود ، جاعلاً الإيماء فيه أخفض منه في الأوّل.
    وقوله ( إذا أمن المطّلع ) ـ يعني الناظر المحترم ـ شرط لقوله : قائماً ، بدلالة قوله و ( مع وجوده ) أي المطّلع ( يصلّي جالسا مومياً للركوع والسجود ) على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامة من تأخّر إلّا من ندر (4).
    للمرسل كالصحيح : في الرجل يخرج عرياناً فتدركه الصلاة ، قال :
1 ـ تقدم مصدره في ص 385 الهامش (4).
2 ـ قرّبه الشهيد في الذكرى : 141.
3 ـ المنتهى 1 : 238 ، الذكرى : 141 ؛ وانظر المدارك 3 : 194.
4 ـ اُنظر المدارك 3 : 195.


(392)
« يصلّي عرياناً قائماً إن لم يره أحد ، فإن رآه أحد صلّى جالساً » (1). ونحوه غيره (2).
    وبه يجمع بين النصوص الآمرة بالقيام مطلقاً ، كالصحيح : « وإن لم يصب شيئاً يستر به عورته أومأ وهو قائم » (3).
    والصحيح : « وإن كان معه سيف وليس معه ثوب فليتقلّد السيف ويصلّي قائماً » (4).
    والآمرة بالجلوس كذلك كالصحيح : « يصلّي إيماءً ، وإن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها ، وإن كان رجلاً وضع يده على سوأته ، ثمَّ يجلسان فيومئان إيماءً ، ولا يركعان ولا يسجدان فيبدو ما خلفهما ؛ تكون صلاتهما إيماءً برؤوسهما » (5).
    والصحيح : عن قوم صلّوا جماعةً وهم عراة قال : « يتقدّمهم الإمام بركبتيه ويصلّي بهم جلوساً وهو جالس » (6) ونحوه الموثق (7).
    بحمل الأوّلة على صورة الأمن من المطّلع والأخيرة على غيرها ، مع ظهور الأخيرين منها فيه جدّاً.
    خلافاً للمرتضى ، فأطلق الأمر بالجلوس في المصباح والجمل ، كالصدوق في الفقيه والمقنع ، والشيخين في المقنعة والتهذيب فيما حكي‏
1 ـ التهذيب 2 : 365/1516 ، الوسائل 4 : 449 أبواب لباس المصلّي ب 50 ح 3.
2 ـ الفقيه 1 : 168/793 ، الوسائل 4 : 449 أبواب لباس المصلّي ب 50 ح 5.
3 ـ التهذيب 2 : 365/1515 ، الوسائل 4 : 448 أبواب لباس المصلّي ب 50 ح 1.
4 ـ الفقيه 1 : 166/782 ، التهذيب 2 : 366/1519 ، الوسائل 4 : 449 أبواب لباس المصلّي ب 50 ح 4.
5 ـ الكافي 3 : 396/16 ، التهذيب 2 : 364/1512 ، الوسائل 4 : 449 أبواب لباس المصلّي ب 50 ح 6.
6 ـ التهذيب 2 : 365/1513 ، الوسائل 4 : 450 أبواب لباس المصلّي ب 51 ح 1.
7 ـ التهذيب 2 : 365/1514 ، الوسائل 4 : 451 أبواب لباس المصلّي ب 51 ح 2.


(393)
عنهم (1) ؛ أخذاً بالأخبار الأخيرة.
    وفيه ما عرفته ؛ مضافاً إلى مخالفته الاُصول الدالة على وجوب القيام ، السليمة عن المعارض في صورة الأمن من المطّلع.
    وللحلّي ، فعكس (2) ، وأخذ بالأخبار الأوّلة ، والاُصول المزبورة.
    وفي الأخبار : ما عرفته ، وفي الأصول : إنها معارضة في صورة عدم الأمن من المطّلع بما دلّ من الأصول الأخر على لزوم الستر عن الناظر المحترم ، وبعد التعارض لا بدّ من الترجيح ، وهو مع الأخيرة ، للشهرة المرجّحة ، مضافاً إلى الأخبار الأخيرة والرواية المفصَّلة. مع أنه شاذّ لم ينقل خلافه جماعة ، بل ادّعى في الخلاف على خلافه ـ وهو لزوم الجلوس مع عدم الأمن من الناظر ـ إجماع الإمامية (3).
    وللمعتبر وبعض من تأخر (4) ، مخيّرا بين الأمرين ؛ لتعارض الأخبار من الطرفين ، وعدم مرجّح لأحد المتعارضين ، مع ضعف المفصّلة.
    وفيه نظر ؛ لانجبار الضعف بما مرّ ، مضافاً إلى عمل الأكثر ، مع أنها مروية في المحاسن بطريق صحيح (5) ، وإن قيل فيه أيضاً شائبة الإرسال (6).
    واعلم : أن النصوص الآمرة بالإيماء للركوع والسجود في كل من حالتي القيام والجلوس زيادةً على ما مر كثيرة ، مع التصريح في جملة منها بكونه‏
1 ـ حكاه عن المصباح في المعتبر 2 : 104 ، جمل العلم والعمل « رسائل السيد المرتضى 3 : » 49 ، الفقيه 1 : 296 ، المقنع : 36 ، المقنعة : 216 ، التهذيب 3 : 178 ، وحكاه عن الجميع في كشف اللثام 1 : 189.
2 ـ السرائر 1 : 260.
3 ـ الخلاف 1 : 400.
4 ـ المعتبر 2 : 105 ؛ وانظر المدارك 3 : 195.
5 ـ المحاسن : 372/135 ، الوسائل 4 : 450 أبواب لباس المصلّي ب 50 ح 7.
6 ـ كشف اللثام 1 : 189.


(394)
بالرأس ، وجعله للسجود أخفض منه للركوع (1) ، وبه صرح أكثر الأصحاب من غير خلاف يعرف ، إلّا من ابن زهرة ، فنصّ على أن الإيماء إذا صلّى جالساً ، فإن صلّى قائما ركع وسجد (2).
    ونحوه عن الفاضل في النهاية ، لكن متردّداً في الأخيرة مستقرباً الإيماء فيه أيضاً (3).
    قيل : ووجه فرقهما بين الحالتين الأمن حال القيام (4) ، فلا وجه لترك الركوع والسجود ، بخلاف حالة الجلوس لعدم الأمن فيها.
    وفيه ـ بعد تسليمه ـ أنه اجتهاد في مقابلة النص المعتبر.
    والديلمي ، فلم يذكره أصلاً (5). وكذا الشيخ وابن حمزة والقاضي ، فلم يذكروه أيضاً إلّا في صلاة العراة جماعة ، فأوجبوا الإيماء على الإمام خاصّة (6) ، قيل : وعليه الإصباح والجامع (7).
    للموثق : « يتقدّمهم إمامهم يجلس ويجلسون خلفه ، فيومئ بالركوع والسجود ، وهم يركعون ويسجدون خلفه على وجوههم » (8).
    ورجّحه الفاضلان في المعتبر والمنتهى ، والشهيد في الدروس (9) ، لقوّة الموثّق. قال في المنتهى : لا يقال : إنه قد ثبت أن العاري مع وجود غيره يصلّي‏
1 ـ الوسائل 4 : 448 أبواب لباس المصلّي ب 50.
2 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 561.
3 ـ نهاية الإحكام 1 : 368.
4 ـ كشف اللثام 1 : 190.
5 ـ المراسم 77 : 87.
6 ـ الشيخ في النهاية : 130 ، ابن حمزة في الوسيلة : 107 ، القاضي في المهذَّب 1 : 116.
7 ـ حكي عنهما في كشف اللثام 1 : 190 ؛ وانظر الجامع للشرائع : 91.
8 ـ التهذيب 2 : 365/1514 ، الوسائل 4 : 451 أبواب لباس المصلّي ب 51 ح 2.
9 ـ المعتبر 2 : 107 ، المنتهى 1 : 240 ، الدروس 1 : 149.


(395)
بالإيماء ، لأنّا نقول : إنما ثبت ذلك فيما إذا خاف من المطّلع ، وهو مفقود هاهنا ، إذ كل واحد منهم مع سمت صاحبه لا يمكنه أن ينظر إلى عورته حالتي الركوع والسجود.
    وفي الذكرى : أن الظاهر اختصاص الحكم بأمنهم المطّلع ، وإلّا فالإيماء لا غير ، واطّلاع بعضهم على بعض غير ضائر ، لأنهم في حيّز التستّر باعتبار التضامّ واستواء الصفّ ، قال : ولكن يشكل بأن المطّلع هنا إن صدق وجب الإيماء وإلّا وجب القيام. ويجاب : بأن التلاصق في الجلوس أسقط اعتبار القيام (1) ، فكأنّ المطّلع موجود حالة القيام وغير معتدّ به حال الجلوس (2).
    وأوجب المفيد والمرتضى والحلي (3) الإيماء على الجميع ، كما يقتضيه إطلاق العبارة وكثير ، بل ادّعى الأخير عليه الإجماع ؛ لعموم أدلّته وكثرتها ، ومنها الصحيحة الاولى من الأخبار الأخيرة (4) ، فإنها ظاهرة في المنع عن الركوع والسجود مطلقاً ، وإن اختص ظاهر موردها بصلاة المنفرد ، لعموم التعليل فيها بقوله : « فيبدو ما خلفهما » وهو ظاهر في أن علّة المنع إنما هو بدوّ الخلف ، ولا يختلف فيه الحال في الجماعة والانفراد ، وهي أصح من الموثقة (5) ، معتضدة بإطلاق غيرها أيضا ، مع إطلاق كثير من الفتاوى وصريح جملة منها ، فالعمل بها أقوى.
    قال في الذكرى ـ معترضاً على الموثقة ـ : إنه يلزم من العمل بها أحد
1 ـ في المصدر : الاطلاع.
2 ـ الذكرى : 142.
3 ـ المفيد في المقنعة : 216 ، المرتضى في جمل العمل « رسائل السيد المرتضى 3 : » 49 ، الحلي في السرائر 1 : 260.
4 ـ المتقدمة في ص : 387.
5 ـ المتقدمة في ص : 389.


(396)
الأمرين ، إما اختصاص المأمومين بعدم الإيماء مع الأمن ، أو عمومه لكل عار أمن ، ولا سبيل إلى الثاني ، والأوّل بعيد (1).
    قلت : مع احتمال ركوعهم وسجودهم بوجوههم فيها ركوعهم وسجودهم على الوجه الذي لهم ، وهو الإيماء ، ولذا نقل عن نهاية الإحكام أنها متأوّلة (2).
    وفي التحرير والمختلف والتذكرة (3) التردد ، ولا وجه له لما عرفته.
    وإطلاق النص والفتوى يقتضي جواز الصلاة عاريا ولو أول الوقت مطلقا ، كما عليه الأكثر.
    خلافاً لجماعة ، فأوجبوا التأخير ، إما مطلقاً ، كما عليه جملة منهم (4) ، أو بشرط رجاء حصول الساتر وإلّا فيجوز التقديم (5).
    وهو أحوط ، بل لا يترك مهما أمكن ، ففي الخبر المروي عن قرب الإسناد : « من غرقت ثيابه فلا ينبغي له أن يصلّي حتى يخاف ذهاب الوقت يبتغي ثياباً ، فإن لم يجد صلّى عارياً جالساً يومئ إيماءً ، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه ، فإن كانوا جماعة تباعدوا في المجالس ثمَّ صلّوا كذلك فرادى » (6).
    وضعف السند والدلالة مجبور بموافقة الأصل والقاعدة الدالّين على اشتراط الستر في الصلاة بقول مطلق ، فيجب تأخيرها لتحصيله ولو من باب المقدمة.
1 ـ الذكرى : 142.
2 ـ نهاية الإحكام 1 : 371.
3 ـ التحرير 1 : 32 ، المختلف : 84 ، اُنظر التذكرة 1 : 94.
4 ـ كالسيد المرتضى في جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى 3 ) : 49 ، والديلمي في المراسم : 76.
5 ـ كما ذهب اليه المحقق في المعتبر 2 : 108 ، والعلامة في المنتهي 1 : 239 ، واستحسنه في المدارك 3 : 196.
6 ـ قرب الإسناد : 142/511 ، الوسائل 4 : 451 أبواب لباس المصلّي ب 52 ح 1.


(397)
    و كذا لا يقدح تضمّنه لما لا يقول به أحد : من تعيّن الصلاة فرادى ، مع أن استحباب الجماعة لهم أيضاً متفق عليه ظاهرا ، إلّا من الصدوق في الفقيه في باب صلاة الخوف والمطاردة ، فأفتى بمضمون الرواية (1) ، وبالإجماع صرّح في الذكرى (2).
    فإنّ خروج جزء الحديث عن الحجية لا يوجب خروجه عنها طرّاً ، وإن هو حينئذ إلّا كالعامّ المخصّص حجّة في الباقي. مع عدم صراحته في المنع عن الجماعة بعد احتمال اختصاصه بما إذا لم يريدوها ، أو إذا لم يكن لهم من يصلح أن يكون إماماً.
1 ـ الفقيه 1 : 296.
2 ـ الذكرى : 142.
رياض المسائل ـ الجزء الثاني ::: فهرس