رياض المسائل ـ الجزء الثاني ::: 376 ـ 390
(376)
    و في آخر : « أن الركبة ليست من العورة » (1).
    وقصور الأسناد والدلالة في بعضها مجبور بالشهرة ، وعدم قائل بالفرق بين الطائفة.
     ( وستر ما بين السرة والركبة أفضل ) كما هو المشهور ، بل في الخلاف الإجماع عليه (2).
    وأوجبه القاضي (3) ، ولعله للخبر المروي في قرب الإسناد للحميري : « إذا زوّج الرجل أمته فلا ينظر إلى عورتها ، والعورة ما بين السرة والركبة » (4).
    وفيه ـ مع عدم وضوح السند ، وعدم المقاومة لما مرّ ـ ظهوره في عورة الأمة لا الرجل ، أو العورة المطلقة على بعد ، فهو على التقديرين مخالف للإجماع فتوىً ونصاً.
    على أن المرأة مطلقاً جميع جسدها عورة إلّا الوجه وما شابهه مما سيأتي إليه الإشارة (5).
    وتقييده بالرجل بعيد عن سياقه ، ولو سلّم فلا يبعد حمله على التقية ؛ فإن القول بذلك نسبه في المنتهى إلى مالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين ، وأصحاب الرأي وأكثر الفقهاء (6) ، ويعضده أن الراوي حسين بن علوان وهو عامي.
    وفي الخبر : أن أبا جعفر عليه السلام اتّزر بإزار وغطّى ركبتيه وسرّته ، ثمَ‏
1 ـ لم نعثر في كتب الحديث ، ورواه بهذا المتن في الذكرى : 139 عن محمد بن حكيم ولكن ما روي عنه في التهذيب 1 : 374/1150 هكذا : « ان الفخذ ليست من العورة » . اُنظر الوسائل 2 : 34 أبواب آداب الحمام ب 4 ح 1.
2 ـ الخلاف 1 : 394.
3 ـ المهذَّب 1 : 83.
4 ـ قرب الإسناد : 103/345 ، الوسائل 21 : 148 أبواب النكاح العبيد ب 44 ح 7.
5 ـ في ص : 373.
6 ـ المنتهى 1 : 236.


(377)
أمر صاحب الحمام فطلى ما كان خارجاً من الإزار ، ثمَّ قال : « اخرج عنّي » ثمَّ طلى هو ما تحته بيده ، ثمَّ قال : « هكذا فافعل » (1).
    وفيه دلالة على استحباب ستر الركبة أيضاً ، كما عن ابن حمزة (2).
    وإنما حُمل على الفضيلة لما مرّ من الأدلّة ؛ مضافاً إلى أنه روي ـ في مثل هذه الحكاية التي تضمنها ـ : أنه عليه السلام كان يطلي عانته وما يليها ، ثمَّ يلفّ إزاره على طرف إحليله ويدعو قيّم الحمّام فيطلي سائر بدنه (3).
    وربما يحكى عن الحلبي أنه جعل العورة من السرة إلى نصف الساق (4).
    وفيه نظر ؛ فإن المحكي عنه في المختلف موافقته للقاضي ، إلّا أنه قال : ولا يمكن ذلك إلّا بساتر من السرة إلى نصف الساق ليصح سترها في حال الركوع والسجود (5).
    وهو ـ كما ترى ـ ظاهر في موافقته القاضي. وإيجابه الستر إلى نصف الساق لا ينافيه ؛ لظهور عبارته في أنه من باب المقدمة لا من حيث كون الركبة فما دونها من العورة ، ولعلّه لذا ادعى الفاضلان الإجماع على أن الركبة ليست من العورة في المعتبر والمنتهى والتحرير والتذكرة (6) ، فلا وجه لتلك الحكاية.
    والمراد بالقبل هو : القضيب والبيضتان دون العانة ، وبالدبر : نفس المخرج دون الأليين ـ بفتح الهمزة والياء بغير تاء ، كما قيل (7) ، تثنية الألية بالفتح أيضا ـ كما صرح به جماعة (8) ، من غير خلاف بينهم أجده إلّا من الفاضل في‏
1 ـ الكافي 6 : 501/22 ، الوسائل 2 : 67 أبواب آداب الحمام ب 31 ح 1.
2 ـ الوسيلة : 89.
3 ـ الكافي 6 : 497/7 ، الفقيه 1 : 65/250 ، الوسائل 2 : 68 أبواب آداب الحمام ب 31 ح 2.
4 ـ حكاه عنه الشهيد في الذكرى : 140.
5 ـ المختلف : 83 ؛ وانطر الكافي في الفقه : 139.
6 ـ المعتبر 2 : 100 ، المنتهى 1 : 236 ، التحرير 1 : 31 ، التذكرة 1 : 92.
7 ـ مجمع البحرين 1 : 29.
8 ـ منهم ابن سعيد في الجامع للشرائع : 65 ، والشهيد الأول في الذكرى : 139 ، السبزواري في الكفاية : 16.


(378)
التحرير ، فظاهره التردد في جعل البيضتين من القبل (1) ، وهو شاذّ يردّه أول المستفيضة (2) ، مع شهادة العرف بأنهما من العورة.
    ( وستر جسده كله مع الرداء ) أو ما يقوم مقامه مما يجعل على الكتفين ( أكمل ) كما مر في النصوص في بحث كراهة الإمامة من غير رداء (3).
     ( ولا تصلّي الحرة إلّا في درع وخمار ساترة ) بهما ( جميع جسدها عدا الوجه والكفّين ) بلا خلاف في كل من حكمي المستثنى منه والمستثنى إلّا من الإسكافي في الأول ، فلم يوجب عليها إلّا ستر سوأتيها القبل والدبر كالرجل (4). وهو شاذّ مخالف لإجماع العلماء على كون جميع جسدها عورة من غير استثناء ، كما في المنتهى (5) ، أو مع استثناء الوجه خاصّة كما عن المعتبر والتذكرة (6) ، أو مع الكفّين والقدمين ، كما في الذكرى ، قال : اقتصاراً على المتّفق عليه فيما بين جميع العلماء (7).
    وحيث ثبت كونها بجميعها أو ما عدا المستثنى عورة وجب عليها سترها ، لإجماع العلماء على وجوب ستر العورة مطلقا ، كما مضى ، مع النصوص الدالة على ذلك أيضاً (8).
    هذا مضافاً إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ، ففي الصحيح : عن أدنى ما تصلّي فيه المرأة ، قال : « درع وملحفة تنشرها على رأسها وتجلل بها » (9).
1 ـ التحرير 1 : 31.
2 ـ تقدمت في ص : 370.
3 ـ راجع ص : 354.
4 ـ كما حكاه عنه في المختلف : 83.
5 ـ المنتهى 1 : 236.
6 ـ المعتبر 2 : 101 ، التذكرة 1 : 92.
7 ـ الذكرى : 139.
8 ـ راجع ص : 369.
9 ـ التهذيب 2 : 217/853 ، الاستبصار 1 : 388/1478 ، الوسائل 4 : 407 أبواب لباس المصلّي ب 28 ح 9.


(379)
    و فيه : « المرأة تصلّي في الدرع والمقنعة إذا كان كثيفاً » يعني ستيراً (1).
    بل يستفاد من جملة منها الأمر بملحفة تضمّها عليها زيادة على الدرع والخمار ، كما في الصحيح (2) ، ونحوه الموثق : « تصلّي المرأة في ثلاثة أثواب : إزار ودرع وخمار ، ولا يضرّها بأن تقنّع بالخمار ، فإن لم تجد فثوبين تتّزر بأحدهما وتقنّع بالآخر » (3) الخبر.
    وحمله الشيخ على الفضل أو على كون الدرع والخمار لا يواريان شيئا (4).
    ولا بأس به ؛ جمعاً بينهما وبين الصحيحين الظاهرين في كفاية الخمار والدرع إذا كان ستيراً (5) ، ونحوهما غيرهما ، كالخبر : عن المرأة تصلي في درع وملحفة ليس عليها إزار ولا مقنعة ، قال : « لا بأس إذا التفّت بها ، وإن لم تكن تكفيها عرضا جعلتها طولا » (6).
    ومن (7) صريح الاقتصاد وظاهر الجمل والعقود والغنية (8) ـ فيما حكي ـ في استثناء الكفين ، فأوجبوا سترهما ؛ ولعلّه للمعتبرين السابقين الدالّين على‏
1 ـ الفقيه 1 : 243/1081 ، الوسائل 4 : 405 أبواب لباس المصلّي ب 28 ح 3.
2 ـ التهذيب 2 : 218/860 ، الاستبصار 1 : 390/1484 ، الوسائل 4 : 407 أبواب لباس المصلّي ب 28 ح 11.
3 ـ الكافي 3 : 395/11 ، التهذيب 2 : 217/856 ، الاستبصار 1 : 389/1480 ، الوسائل 4 : 406 أبواب لباس المصلّي ب 28 ح 8.
4 ـ كما في التهذيب 2 : 219.
5 ـ الأول : المتقدم في نفس الصفحة الرقم (1).
    الثاني :
    الكافي 3 : 394/2 ، التهذيب 2 : 217/855 ، الوسائل 4 : 406 أبواب لباس المصلّي ب 28 ح 7.
6 ـ الفقيه 1 : 244/1084 ، الوسائل 4 : 405 أبواب لباس المصلّي ب 28 ح 5.
7 ـ عطف على قوله : الإسكافي ، في ص 373.
8 ـ الاقتصاد : 258 ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 176 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 555.


(380)
لزوم ملحفة تضمّها عليها زيادة على الثوبين ، وضمّها عليها يستلزم سترهما.
    وقد عرفت ما فيهما ؛ مضافاً إلى الإجماع المحكي في المختلف والمنتهى وشرح القواعد للمحقق الثاني والذكرى (1) على عدم وجوب سترهما ، بل ظاهر الأخيرين كونه مجمعا عليه بين العلماء إلّا نادراً من العامة العمياء.
    فإيجاب سترهما ضعيف ، سيّما مع مخالفته الأصل ، وعدم معلومية كونهما عورة ليجب سترهما ؛ لعدم دليل عليه إلّا الإجماع المحكي في المنتهى وغيره (2) على كونها جملة عورة ، وهو عام مخصّص بما مرّ من الإجماع المحكي فيها أيضا على عدم وجوب سترهما.
    مع ما عرفت من الذكرى من جعل العورة فيها ما عدا المستثنيات خاصّة ، مؤذناً بعدم كونها عورة ، كما صرّح به الفاضل في المختلف وغيره (3) ، بل هو المشهور فتوىً وروايةً لكن في الوجه والكفين خاصة ، حيث جوّزوا النظر إليهما للأجنبي في الجملة أو مطلقا ، كما سيأتي بيانه في كتاب النكاح مفصّلاً إن شاء اللّه تعالى ، ولذا لا يتأتّى لنا القطع بكون المرأة بجملتها عورة من جهة الإجماع ، لمكان الخلاف.
    نعم ، في جملة من النصوص العامية والخاصية ما يدل عليه (4) ، لكنها بحسب السند قاصرة. ودعوى جبرها بفتوى العلماء غير ممكنة على سبيل الكلّية ، بل هي جابرة في الجملة.
    وأضعف منه ما يستفاد من إطلاق الكتب الثلاثة بعد الاقتصاد (5) : من‏
1 ـ المختلف : 83 ، المنتهى 1 : 236 ، جامع المقاصد 2 : 96 ، الذكرى : 139.
2 ـ المنتهى 1 : 236 ؛ وانظر جامع المقاصد 2 : 96.
3 ـ المختلف : 83 ؛ وانظر المعتبر 2 : 101 ، وجامع المقاصد 2 : 96 ، والبحار 80 : 179.
4 ـ سنن الترمذي 2 : 319/1183 ؛ وانظر الوسائل 20 : 66 أبواب مقدمات النكاح وآدابه ب 24 ح 4 ، 6 وص 234 ب 131 من تلك الابواب ح 1.
5 ـ راجع ص : 374 ، والكتب التي بعد الاقتصاد ليست ثلاثة ، بل اثنان وهما : الجمل والعقود ،


(381)
لزوم ستر الوجه أيضاً ؛ لمخالفته ـ زيادة على ما مرّ ـ لإجماع العلماء ، كما عن المعتبر والذكرى والمختلف والتذكرة وغيرها (1) ، من دون أن يستثنوا أحداً ، ولعله لبُعد دخول الوجه في إطلاق تلك الكتب. بل في السرائر حكى استثناء الثلاثة عن الجمل والعقود والخلاف (2) ، وعبارة الأخير غير صريحة إلّا في استثناء الوجه خاصّة ، مدّعياً الإجماع عليه ، نعم روى نحو الصحيحين السابقين الدالين على كفاية الدرع والخمار (3) وأفتى به صريحاً ، وهما لا يستران الكفّين ولا القدمين ، كما صرّح به الأصحاب ، مستدلّين بهما لذلك على استثناء القدمين أيضاً ، هذا.
    وما مر من الأدلّة في كراهة النقاب للمرأة (4) أقوى حجة على استثناء الوجه ، بل يستفاد منها كونه على الفضيلة.
     ( وفي ) استثناء ( القدمين تردّد ) و اختلاف بين الأصحاب :
    فبين غير مستثنٍ كالاقتصاد والكتب التي بعده (5) ، صريحاً في الأوّل ، وظاهراً فيها ، وربما نسب إلى الحلبي أيضاً ، وفيه نظر ، بل ظاهر كلامه بالدلالة على الاستثناء أظهر (6).
    ومستند هذا القول ما مرّ من المعتبرين (7) ؛ مضافاً إلى الاحتياط في العبادة ،
و الغنية.
1 ـ المعتبر 2 : 101 ، الذكرى : 139 ، المختلف : 83 ، التذكرة 1 : 92 ؛ وانظر جامع المقاصد 2 : 96 ، وروض الجنان : 217.
2 ـ السرائر 1 : 260 ، وهو في الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 176 ، والخلاف 1 : 393.
3 ـ راجع ص : 371 ـ 373.
4 ـ في ص : 362.
5 ـ راجع ص : 374 ، وص 375 الهامش (5).
6 ـ الكافي في الفقيه : 139. وعبارته هكذا : أقلّ ما يجزى الحرّة البالغة القدمين وخمار.
7 ـ راجع ص 374.


(382)
وكون جسدها عورة ، وخصوص الصحيح : عن المرأة ليس لها إلّا ملحفة واحدة كيف تصلّي ؟ قال : « تلتفّ فيها وتغطّي رأسها وتصلّي ، فإن خرجت رجلها وليست تقدر على غير ذلك فلا بأس » (1).
    وبين من استثنى وجعل ( أشبهه الجواز ) أي جواز الصلاة من غير سترهما ، وهم عامّة متأخّري أصحابنا ، وفاقاً للمبسوط والحلي (2) ، وادعى جماعة عليه الشهرة والأكثرية المطلقة إلى حدّ الاستفاضة (3).
    للنصوص المكتفية بالدرع ( والخمار ) بالتقريب الذي عرفته (4) ، مع ضعف ما قابلها من الأدلّة المتقدّمة بما عرفته ، عدا الاحتياط والرواية الأخيرة.
    ويمكن الجواب عنهما بعدم إفادة الأوّل سوى الاستحباب ، كما هو ظاهر الأصحاب ، سيّما مع ظهور ما مرّ من النصوص في عدم لزوم سترهما ، وبالجملة فيعارض بالأصل ، والنصوص المزبورة المعتضدة بالشهرة العظيمة التي هي من المتأخرين إجماع في الحقيقة.
    والرواية وإن كانت صحيحة لكنها غير صريحة في المخالفة ، بل ولا ظاهرة ؛ لأن المفهوم منها البأس ، وهو أعم من المنع والكراهة ، ولا شبهة فيها ، مع احتمال الرجل فيها ما فوق القدم أو مجموعهما. وعلى تقدير الظهور في المنع والقدم خاصّة يمكن حملها على الاستحباب ، جمعاً بينها وبين النصوص المكتفية بالدرع ( والخمار ) الظاهرة في عدم لزوم سترهما بالتقريب المتقدم.
    وما يقال عليه : من أن ذلك يتم لو علم من ثياب النساء في وقت خروج‏
1 ـ الفقيه 1 : 244/1083 ، الوسائل 4 : 405 أبواب لباس المصلّي ب 28 ح 2.
2 ـ المبسوط 1 : 87 ، الحلي في السرائر 1 : 260.
3 ـ منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 2 : 96 ، والشهيد الثاني في روض الجنان : 217 ، والعلامة المجلسي في البحار 80 : 179 ، وصاحب الحدائق 7 : 7.
4 ـ راجع ص : 374.


(383)
هذه الأخبار كانت على ما يدّعونه من عدم سترها الكفين والقدمين ، ولِمَ لا يجوز أن دروعهن كانت مفضية إلى ستر أيديهنّ وأقدامهنّ ، كما هو مشاهد الآن في نساء أعراب الحجاز ، بل أكثر بلدان العرب ..
    فيمكن دفعه بأن ما ذكر من الاحتمال وإن كان ممكناً إلّا أن ورود الروايات عليه بعيد جدّاً ، ولذا لم يحتمله أحد من الأصحاب فيها ، بل استدلّوا بها من دون تزلزل أصلا مع أنهم أكثر اطّلاعاً وعلماً بثياب نساء العرب في زمانهم وزمان صدور الروايات جدّاً.
    والذي نشاهد من نساء العرب في زماننا هذا عدم ستر دروعهنّ لأقدامهنّ أصلاً ولو كانت واسعة ذيلاً ، بل لو زاد السعة إلى جرّ الأذيال على الأرض لم تستر الأقدام بجميعها ، بل يبدو منها شي‏ء ولو رؤوسها ، سيّما حالة المشي.
    ومنه يظهر الجواب ولو سلم ورود تلك الروايات على ذلك الاحتمال ؛ لأنها تدل حينئذٍ أيضاً على عدم لزوم ستر جزء من القدمين ، ولا قائل بالفرق في البين ، فتأمّل جدّاً.
    هذا ، مع أن ورود الروايات على ذلك الاحتمال يستلزم الدلالة على لزوم ستر جميع الكفّين والقدمين ، وهو كمال الستر الواجب إجماعاً ، مع أنّ في بعض الصحاح المتقدمة (1) كون القميص والدرع أدنى ما تستر به المرأة عورتها ، ولا يخفى التنافي بينهما.
    ولو سلّم عدم المنافاة قلنا : يكفي في ردّ هذا الاحتمال ـ زيادةً على ما مرّ ـ دلالة النصوص (2) الآتية في بحث النكاح ـ تفسيراً ل : « ما ظهر منها » في الآية الشريفة ( وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها ) (3) بأنه الوجه والكفّان ، وزيد
1 ـ في ص : 374.
2 ـ اُنظر الوسائل 20 : 200 أبواب مقدمات النكاح وآدابه ب 109.
3 ـ النور : 31.


(384)
في بعضها القدمان أيضاً ، وظاهر الكليني القول به (1) ، وإن لم أقف على من عداه قائلاً به ـ على خلافه ، وهو كون الوجه والكفّين والقدمين من مواضع الزينة الظاهرة ، ولم يتمّ ذلك إلّا على تقدير كون دروعهن يومئذ غير ساترة للمواضع المزبورة.
    وبالجملة : فما عليه المتأخّرون كافّة في غاية القوّة ، سيّما مع إمكان إثباته بوجه آخر ، وهو عدم القائل بالفرق بين الكفّين والقدمين منعاً وجوازاً ـ كما يستفاد من تتبّع الفتاوى ـ عدا الماتن ، حيث فرّق بينهما ، فحكم بالاستثناء في الأوّلين قطعاً ، وفي الأخيرين متردّدا ، ولكن أثر هذا التردّد هيّن بعد التصريح بعده بالجواز كما عليه الأصحاب. وحيث ثبت عدم القول بالفرق توجّه إلحاق القدمين بالكفّين في الاستثناء ؛ لثبوته فيهما بما قدّمناه من الإجماعات المحكية حدّ الاستفاضة ، فثبت الاستثناء في القدمين أيضا لما عرفت من عدم القائل بالفرق أصلا.
    ثمَّ إن ظاهر العبارة ـ ككثير ، وصريح جماعة (2) ـ عدم الفرق في القدمين بين ظاهرهما وباطنهما. ولعلّه الأقوى ، للأصل ، وعدم دليل على وجوب ستر باطنهما عدا : دعوى كون القدمين عورة ، خرج الظاهر بظواهر النصوص المكتفية بالدرع والخمار (3) وكونه مجمعا عليه بين القائلين بالجواز ، ويبقى الباطن داخلا ، لكونه مستورا بالأرض حالة القيام ، وبالدرع حالة الجلوس والسجود ، وإنما ينكشف عن الدرع الظاهر في الحالة الاولى ، فلا يمكن إدخاله في ظاهر النصوص المزبورة جدّا.
1 ـ الكافي 5 : 521.
2 ـ منهم الشهيد الأول في الدروس 1 : 147 ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2 : 97 ، والشهيد الثاني في روض الجنان : 217.
3 ـ المتقدمة في ص : 374.


(385)
    كما لا يمكن دعوى الوفاق من القائلين بالجواز عليه أيضاً ؛ لمكان الخلاف ومصير جمّ غفير إلى وجوب ستر الباطن لذلك.
    وقد عرفت ما فيها.
    مع إمكان المناقشة في دعوى عدم دخوله في النصوص المخرجة للظاهر ، بناءً على انكشاف الباطن عن الدرع الذي ينكشف عنه الظاهر حالة المشي جدّاً ، ولعلّه لذا جعل القدمان بقول مطلق من مواضع الزينة الظاهرة في بعض الروايات (1).
    ولكن الأحوط ستره ، بل ستر الظاهر ، بل الكفّين أيضاً ، مع تفاوت مراتبه شدّة وضعفا.
    و أما ستر الشعر والعنق فظني كونه مجمعاً عليه ، وإن تأمّل فيه نادر (2) ، لشذوذه ، ومخالفته لإطلاق النصوص والفتاوى بكون بدن المرأة جملتها عورة ، وقد مرّ دعوى جماعة الإجماع عليه من العلماء كافة من غير استثناء لهما بالمرة وإن استثنوا غيرهما كما عرفته (3). والمراد من البدن ما يعمّ الشعر ؛ لتصريحهم بلزوم نحو الخمار الساتر للشعر جدّاً ، ولو كان مرادهم بالجسد ما يقابل الشعر لما كان لأمرهم بلزوم الخمار وجه ، لستر الشعر جلد الرأس جدّا ، فكان فيه غنى عن الخمار الساتر قطعاً.
    ومع ذلك النصوص مستفيضة ـ كادت تبلغ التواتر ، بل لعلّها متواترة ـ بلزوم سترهما عن الأجنبي ، بل في الصلاة أيضاً ، كما مرّ في أخبار الخمار (4) ، فإن خمر نساء العرب اللواتي هنّ موردها تسترهما قطعاً ، وليس الأمر بسترهما
1 ـ الكافي 5 : 521/2 ، الوسائل 20 : 201 أبواب مقدمات النكاح وآدابه ب 109 ح 2.
2 ـ اُنظر المدارك 3 : 189 ، والكفاية : 16.
3 ـ راجع ص : 373.
4 ـ راجع ص : 374.


(386)
عن الأجنبي إلّا لكونهما من العورة المأمور بسترها في الصلاة بإجماع العلماء كافّة ، كما عرفت نقله من جماعة حدّ الاستفاضة.
    مضافاً إلى التأييد ببعض المعتبرة : « صلّت فاطمة عليها السلام في درع وخمار ، وليس عليها أكثر مما وارت به شعرها واُذُنيها » (1). بل ربما استدل به على ذلك.
    وأما الاستدلال به على عدم لزوم ستر العنق (2) فضعيف في الغاية ؛ لقصور السند ، وعدم المقاومة لما مرّ من الأدلّة ، مع احتمال ضعف في الدلالة بوروده مورد الضرورة ، بل قيل : بأنها ظاهرة (3) ، ولا يخلو عن مناقشة.
    بل يمكن أن يقال : إن المراد بقوله : « ليس عليها أكثر » إلى آخره ، بيان عدم وجوب نحو الإزار زيادةً عن الخمار والدرع ، وإلّا لالتفّت بها صلوات اللّه عليها ، وليس فيه أنه ما كان على رأسها من الخمار إلّا قدر قليل تستر به الشعر الذي فوق الاُذنين خاصة ، بل ظاهر قوله : « وارت شعرها » كون خمارها عليها السلام كالخمر المتعارفة أو دونها بحيث يستر الشعر المنسدل على الكتفين والعنق غالباً ، وليس فيه أنها عليها السلام جمعت الشعر كله تحت ذلك الخمار ، وحينئذ يكون الخمار المزبور ساتراً للعنق أيضاً ، لاستلزام ستر الشعر المنسدل عليه ستره قطعاً ، فتأمّل جدّاً.
     ( والأمة والصبية ) غير البالغة ( تجتزيان بستر الجسد ) خاصة ، ولا يجب عليهما ستر الرأس إجماعاً من العلماء كافة إلّا الحسن البصري ، كما
1 ـ الفقيه 1 : 167/785 ، الوسائل 4 : 405 أبواب لباس المصلّي ب 28 ح 1 وفيهما : وخمارها على رأسها.
2 ـ كما في المدارك 3 : 190.
3 ـ كما في الحدائق 7 : 14.


(387)
حكاه الشيخ في الخلاف والفاضلان والشهيدان والمحقق الثاني (1).
    والصحاح به مع ذلك مستفيضة ، مضافاً إلى غيرها من المعتبرة (2) ، لكن أكثرها مختصّة بالأمة.
    وأما الصبيّة فقد استدل على عدم الوجوب في حقها جماعة (3) بأنه تكليف وليست من أهله.
    وبالموثق : « لا بأس بالمرأة المسلمة الحرّة أن تصلّي وهي مكشوفة الرأس » (4) بحمله على الصغيرة.
    وفيهما نظر ؛ لضعف الأوّل بابتنائه على كون المراد بالوجوب الشرعي لا الشرطي ، ويحتمل الثاني وهي من أهله ، ويكون حال الستر في حقها كاشتراط الوضوء وغيره في صلاتها.
    والثاني : بظهوره في البالغة ، كما يحكى القول بمضمونه عن الإسكافي (5) نظراً إلى تضمنه لفظ المرأة التي لا تطلق حقيقة إلّا على البالغة.
    وحمله على الصغيرة وإن أمكن ـ جمعاً بينه وبين الأدلّة المتقدّمة على وجوب ستر الرأس على الحرة البالغة ، لرجحانها عليه من وجوه عديدة ، وبها يضعف مذهب الإسكافي ـ إلّا أن الجمع غير منحصر في ذلك ؛ لاحتماله الحمل على‏
1 ـ الخلاف 1 : 396 ، المحقق في المعتبر 2 : 103 ، العلامة في المنتهى 1 : 237 ، الشهيد الأول في الذكرى : 140 ، الشهيد الثاني في روض الجنان : 217 ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2 : 98.
2 ـ الوسائل 4 : 409 أبواب لباس المصلّي ب 29.
3 ـ منهم : الشيخ في التهذيب 2 : 218 ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2 : 98 ، و الفاصل الهندي في كشف اللثام 1 : 188.
4 ـ التهذيب 2 : 218/857 ، الاستبصار 1 : 389/1481 ، الوسائل 4 : 410 أبواب لباس المصلّي ب 29 ح 5.
5 ـ نقله عنه في المختلف : 83.


(388)
الضرورة ، أو التخلّي عن الإزار والملحفة. أو على أن المراد أنه لا بأس بها أن تكون بين يدي المصلّي مكشوفة الرأس ويكون صيغة « تصلّي » خطاباً لا غيبةً.
    والأجود الاستدلال عليه بالأصل ، وعدم دليل على اشتراط الستر في حقها ، لظهور ما دلّ على اشتراط الستر في ستر ما هو عورة خاصة ، وكون رأس الصبية قبل البلوغ عورة غير معلوم من الشريعة.
    هذا ، مضافاً إلى الإجماع المحكيّة (1) ، وفي الخبر : « على الجارية إذا حاضت الصيام والخمار ، إلّا أن تكون مملوكة فإنه ليس عليه خمار إلّا أن تحبّ أن تختمر ، وعليها الصيام » (2).
    ولا فرق في الأمة بين المملوكة ، والمدبّرة ، والمكاتبة المشروطة ، والمطلقة التي لم تؤدّ شيئاً من المكاتبة ، وأمّ الولد مطلقاً ولو كان ولدها حيّاً وسيّدها باقياً ، كما يقتضيه إطلاق العبارة وغيرها وأكثر النصوص ، وبه صرّح جماعة ، ومنهم الشيخ في الخلاف ، لكن في اُمّ الولد خاصّة ، مدّعياً عليه إجماع الإماميّة (3) ، وهو الحجة بعد الإطلاقات.
    مضافاً إلى الصحيح : « ليس على الأمة قناع في الصلاة ، ولا على المدبّرة ، ولا على المكاتبة إذا اشترط عليها قناع في الصلاة ، وهي مملوكة حتى تؤدّي جميع مكاتبتها » إلى أن قال : وسألته عن الأمة إذا ولدت عليها الخمار ؟ قال : « لو كان عليها لكان عليها إذا حاضت ، وليس عليها التقنّع في الصلاة » (4).
    وأما الصحيح : الأمة تغطّي رأسها ؟ فقال : « لا ، ولا على أمّ الولد أن‏
1 ـ المتقدمة في ص : 381.
2 ـ التهذيب 4 : 281/851 ، الوسائل 4 : 409 أبواب لباس المصلّي ب 29 ح 3.
3 ـ الخلاف 1 : 397.
4 ـ الفقيه 1 : 244/1085 ، 1086 ، علل الشرائع : 346 /3 ، الوسائل 4 : 411 أبواب لباس المصلّي ب 29 ح 7.


(389)
تغطّي رأسها إذا لم يكن لها ولد » (1) ..
    فمع قصوره عنه المقاومة لما سبق من وجوه ، دلالته بعموم المفهوم القابل للتخصيص بما بعد وفاة المولى مع كون ولدها حياً. ويحتمل مع ذلك الحمل على التقيّة ، فقد حكاه في الخلاف عن مالك وأحمد (2).
    ويلحق العنق بالرأس هنا في عدم وجوب الستر ، كما صرّح به جماعة (3) ، لأنه الظاهر من نفي وجوب الخمار عليهن ، قيل : ولعسر ستره من دون الرأس (4).
    أقول : ويدلّ عليه صريح الخبر المروي في قرب الإسناد : عن الأمة هل يصلح لها أن تصلّي في قميص واحد؟ قال : « لا بأس » (5).
     ( وستر الرأس مع ذلك أفضل ) كما عليه الفاضلان هنا وفي المعتبر والتحرير والمنتهى ، وحكي عن صريح ابني زهرة وحمزة والجامع وشرح الكتاب والتذكرة وظاهر المهذَّب والمراسم (6). قيل : لأنه أنسب بالخفر والحياء ، وهو مطلوب من الإماء كالحرائر (7).
1 ـ التهذيب 2 : 218/859 ، الاستبصار 1 : 390/1483 ، الوسائل 4 : 410 أبواب لباس المصلّي ب 29 ح 4.
2 ـ الخلاف 1 : 398.
3 ـ منهم : المحقق الثاني في جامع المقاصد 2 : 98 ، وصاحب المدارك 3 : 199 ، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 188 ، وصاحب الحدائق 7 : 19.
4 ـ قال به صاحب المدارك 3 : 199 ، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 188.
5 ـ قرب الإسناد : 224/876 ، الوسائل 4 : 412 أبواب لباس المصلّي ب 29 ح 10.
6 ـ المعتبر 2 : 103 ، التحرير 1 : 31 ، المنتهى 1 : 237 ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 555 ، ابن حمزة في الوسيلة : 89 ، الجامع للشرائع : 65 ، شرح الكتاب ، وهو احد شروح النافع ، ولا نعلم أيّ شرح أراد منه ، التذكرة 1 : 93 ، المهذَّب 1 : 84 ، المراسم 64.
7 ـ كما قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 188.


(390)
    و لا بأس به على القول بالمسامحة في السنن وأدلّتها ، ويشكل على غيره ؛ لقصور التعليل عن إفادة الحكم الشرعي على هذا التقدير ، مع عدم نص فيه (1) كما اعترف به الفاضلان في المعتبر والمنتهى والتحرير وغيرهما (2). ولذا اختار جماعة العدم (3) ، بل وفي الدروس روى استحبابه وأشار بها إلى ما رواه في الذكرى (4) ، وروي عن المحاسن والعلل للصدوق ـ رحمه اللّه ـ أيضاً عن أبي عبد اللّه عليه السلام : في المملوكة تقنّع رأسها إذا صلّت ؟ قال : « لا ، قد كان أبي عليه السلام إذا رأى الخادمة تصلّي مقنّعة ضربها لتعرف الحرة من المملوكة » (5).
    أقول : وظاهره التحريم كما هو ظاهر الصدوق (6). ولكنه ضعيف ؛ لضعف السند بالجهالة ، مع احتمال الحمل على التقية كما يشعر به نسبته ضربهن إلى أبيه عليه السلام ، ويعضده نقل ذلك عن عمر أنه ضرب أمة لآل أنس رآها مقنّعةً وقال : اكشفي ولا تشبّهي بالحرائر (7).
    ومنه يظهر ضعف القول باستحباب الكشف أيضاً ؛ لظهور الخبر في الوجوب مع عدم قابليّته للحمل على الندب بطريق الجمع ؛ لمكان الضرب الذي لا يفعل بتارك المستحب ، فلم يبق محمل له غير التقية ، كما يستفاد مما
1 ـ في « ح » زيادة : بخصوصه.
2 ـ المعتبر 2 : 103 ، المنتهى 1 : 237 ، التحرير 1 : 31 ؛ وانطر المدارك 3 : 199 ، وكشف اللثام 1 : 188.
3 ـ كالشهيد الثاني في روض الجنان : 217 ، وصاحب المدارك 3 : 199 ، وانطر الذكرى : 140.
4 ـ الدروس 1 : 147 ، الذكرى : 140 ، الوسائل 4 : 412 أبواب لباس المصلّي ب 29 ح 11.
5 ـ المحاسن : 318/45 ، علل الشرائع : 345/2 ، الوسائل 4 : 411 أبواب لباس المصلّي ب 29 ح 9.
6 ـ علل الشرائع : 345 ب 54.
7 ـ اُنظر المغني والشرح الكبير 1 : 674
رياض المسائل ـ الجزء الثاني ::: فهرس