رياض المسائل ـ الجزء الثالث ::: 1 ـ 15

رياض المسائل
في تحقيق الاحکام بالدلائل
تأليف
الفقيه الأصولي
السيد علي بن السيد محمّد علي الطباطبايي
المتوفي سنة 1231 هـ
الجزء الثالث
تحقيق
موسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التّراث


(5)
    اعلم : أنه يجوز أن ( يصلّى في كل مكان ) خالٍ عن نجاسة متعدّية إلى المصلّي ( إذا كان مملوكاً ) عيناً ومنفعةً ، أو منفعةً خاصّة ( أو مأذوناً فيه ) صريحاً ، كالكون أو الصلاة فيه ، أو فحوىً ، كإدخال الضيف منزله مع عدم ما يدلّ على كراهة المضيف لصلاته من نحو المخالفة في الاعتقاد وهيئات الصلاة على وجه تشهد القرائن بكراهته لها على تلك الحال ؛ إذ معه لا فحوى.
    قالوا : أو بشاهد الحال (1) ، كما إذا كان هناك أمارة تشهد أن المالك لا يكره ، كما في الصحاري والبساتين الخالية من أمارات الضرر ونهي المالك ، فإن الصلاة فيها جائزة وإن لم يعلم مالكها ، بشهادة الحال. وفي حكم الصحاري الأماكن المأذون في غشيانها على وجه مخصوص إذا اتصف بها المصلّى ، كالحمّامات والخانات والأرحية وغيرها.
    وهو حسن إن أفادت الأمارة القطع بالإذن ، وإلّا فيشكل ؛ لعدم دليل على جواز الاعتماد على الظنون في نحو المقامات.
    وأضعف منه ما يقال من أن الأقرب جواز الصلاة في كل موضع لم يتضرر المالك بالكون فيه ، وجرت العادة بعدم المضايقة في أمثاله وإن فرضنا عدم العلم بالرضا ، نعم لو ظهرت من المالك أمارة عدم الرضا لم تجز الصلاة فيه مطلقاًً (2).
1 ـ كما في الشرائع 1 : 71 ، وروض الجنان : 219.
2 ـ الكفاية : 16 ، البحار 80 : 281.


(6)
    وذلك فإن مناط جواز التصرف في ملك الغير إذنه لا عدم تضرّره بالتصرّف فيه ، ولذا مع ظهور كراهته لم يجز قطعاً ، كما اعترف به.
    وبالجملة : فالمتّجه اعتبار القطع بالرضا عادةً ، ولا يجوز الاعتماد على الظن إلّا مع قيام دليل عليه ، والظاهر قيامه في الصلاة في نحو الصحاري والبساتين مع عدم العلم بكراهة المالك ، فقد نفى عنه الخلاف على الإطلاق جماعة ، ومنهم شيخنا الشهيد في الذكرى وصاحب الذخيرة (1). لكن ظاهر الأوّل كون الإذن فيها بالفحوى ، فيكون مقطوعاً ، وعليه فلا يظهر شمول دعواه نفي الخلاف لما أفاد شاهد الحال في هذه المواضع ظنّاً ، وكيف كان فالاحتياط يقتضي التورع عن الصلاة مع عدم القطع بالإذن عادة مطلقاًً.
    ( ولا تصح ) الصلاة ( في المكان المغصوب ) ولو منفعة ( مع العلم ) بالغصبية حال الصلاة اختياراً ، بإجماعنا الظاهر ، المنقول في جملة من العبائر ، كالناصريات ونهاية الإحكام والمنتهى والذكرى وشرح القواعد للمحقق الثاني والمدارك (2) ، وفي الذخيرة نفى الخلاف عنه بين الأصحاب (3) ؛ وهو الحجة ، مضافاًً إلى ما مرّ في بحث اللباس من القاعدة (4).
    وفي وصية مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام لكميل : « يا كميل ، انظر فيما تصلّي وعلى ما تصلّي ، إن لم يكن من وجهه وحلّه فلا قبول » رويت في الوسائل وغيره (5).
1 ـ الذكرى : 149 ، الذخيرة : 238.
2 ـ الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : 195 ، نهاية الإحكام 1 : 340 ، المنتهى 1 : 241 ، الذكرى : 149 ، جامع المقاصد 2 : 116 ، المدارك 3 : 217.
3 ـ الذخيرة : 238.
4 ـ راجع ج 2 : ص 333 ، 334.
5 ـ تحف العقول : 117 ، بشارة المصطفى : 28 ، الوسائل 5 : 119 أبواب مكان المصلي ب 2 ح 2.


(7)
    وظاهر ما حكاه في الكافي ـ في باب الفرق بين من طلّق على غير السنّة وبين المطلّقة إذا خرجت وهي في عدّتها أو أخرجها زوجها ـ عن الفضل الصحة (1).
    ولكنه شاذ ، قيل : ويحتمل كلامه الإلزام (2).
    و لا فرق بين الفريضة والنافلة ، كما صرّح به جماعة (3) ، ويقتضيه إطلاق الفتوى والرواية ، وكثير من الإجتماعات المحكية ، بل والقاعدة.
    خلافاًًًًً للمحكي عن الماتن ، فقال بصحة النافلة (4) ؛ لأن الكون ليس جزءاً منها ولا شرطاً فيها ، يعني أنها تصحّ ماشياً مومياً للركوع والسجود ، فيجوز فعلها في ضمن الخروج المأمور به.
    وفيه ـ بعد تسليمه ـ أنه مختص بما إذا صلّيت كذلك ، لا إن قام وركع وسجد ، فإن هذه الأفعال وإن لم تتعيّن عليه فيها ، لكنها أحد أفراد الواجب فيها.
    وعن المرتضى وأبي الفتح الكراجكي (5) وجه بالصحة في الصحاري المغصوبة ، استصحاباً لما كانت الحال تشهد به من الإذن.
    وليس فيه مخالفة لما ذكرنا من البطلان مع العلم بالغصبيّة وعدم الإذن‏
1 ـ الكافي 6 : 92.
2 ـ كشف اللثام 1 : 194.
3 ـ منهم العلّامة في التذكرة 1 : 87 ، والشهيد الأول في الذكري : 150 ، والشهيد الثانى في روض الجنان : 219.
4 ـ لم نعثر عليه في كتب المحقق ، نعم قال في كشف اللثام ( ج 1 ص 194 ) : وعن المحقق صحة النافلة لأن الكون ليس جزءاً منها ولاشرطاً فيها ، يعني أنها تصحّ ماشياً مومياً ... ؛ ولعل مستند هذه النسبة كلام الذكرى ( ص 150 ) حيث قال : حكم النافلة حكم الفريضة هنا ، وكذا الطهارة ، وفي المعتبر ( ج 2 ص 109 ) : لا تبطل في المكان المغغصوب لان الكون ليس جزءاً منها ولاشرطاً فيها ... ؛ فتوهّم أن قوله : لا تبطل راجع إلى النافلة ، وهو غير صحيح بل يرفع إلى الطهارة.
5 ـ حكى عنهما في كشف اللثام 1 : 194.


(8)
للمصلّي حال الصلاة ، بل مرجعه إلى دعوى حصوله ولو استصحاباً. وهو من السيد غريب ؛ لعدم مصيره إلى حجّيته.
    وعن المبسوط أنه قال : فإن صلّى في مكان مغصوب مع الاختيار لم تجز الصلاة فيه ، ولا فرق بين أن يكون هو الغاصب أو غيره ممن اُذن له في الصلاة فيه ، لأنه إذا كان الأصل مغصوباً لم تجز الصلاة فيه (1).
    وليس فيه أيضاًً مخالفة لما ذكرنا من الصحة مع الإذن ) (2) لاحتمال كون المراد من الآذن هو الغاصب لا المالك ، كما فهمه الفاضل في كتبه (3) ، وإن استبعده الشهيد وقرّب العكس ـ وفاقا للماتن (4) ـ قال : لأنه لا يذهب الوهم إلى احتماله ، ولأن التعليل لا يطابقه. وفيه منع.
    ووجّهه بأن المالك لما لم يكن متمكّناً من التصرف فيه لم يُفِد إذنه الإباحة ، كما لو باعه ، فإنه باطل لا يبيح المشتري التصرف فيه. واحتمل أن يريد الإذن المستند إلى شاهد الحال ؛ لأن طريان الغصب يمنع من استصحابه ، كما صرّح به الحلّي ، قال : ويكون فيه التنبيه على مخالفة المرتضى ، وتعليل الشيخ مشعر بهذا (5) ، انتهى.
    أقول ـ وفاقاً لبعض المحققين (6) ـ : والظاهر اختلاف الأمكنة والمُلّاك والمصلّين والأحوال والأوقات في منع الغصب من استصحاب الإذن الذي شهدت به الحال.
1 ـ المبسوط 1 : 84.
2 ـ بدل ما بين القوسين في « م » و « ل » : البطلان.
3 ـ كالمنتهى 1 : 241.
4 ـ في المعتبر 2 : 109.
5 ـ الذكرى : 150.
6 ـ الفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 194.


(9)
    ويلحق بالعلم بالغصبيّة جاهل حكمها. أما ناسيها وجاهلها فلا ، كما مضى في بحث اللباس (1) ، وعلى الأخير هنا الإِجماع في المنتهى (2). وفي ناسي الحكم ما مضى (3).
    ( وفي جواز صلاة المرأة إلى جانب المصلّي ) أو أمامه مع عدم الحائل بينهما ولا التباعد عشرة أذرع ( قولان ) مشهوران :
    ( أحدهما : المنع ، سواء صلّت بصلاته أو منفردة ، محرماً ) له ( كانت أو أجنبيّة ) ذهب إليه أكثر القدماء (4) ، بل ادعى عليه في الخلاف والغنية (5) الإجماع.
    ولعله الحجة لهم ؛ مضافاًً إلى النصوص المستفيضة ، ففي الصحيح : عن المرأة تزامل الرجل في المحمل ، يصليان جميعاً ؟ فقال : « لا ، ولكن يصلّي الرجل فإذا فرغ صلّت المرأة » (6) ونحوه الخبر (7).
    وفي آخر : « وإن كانت تصلّي ـ يعني المرأة بجنبه ـ فلا » (8).
    وفي الموثق عن الرجل يستقيم له أن يصلّي وبين يديه امرأة تصلّي ؟
1 ـ راجع ج 2 : ص 340.
2 ـ المنتهى 1 : 241.
3 ـ راجع ج 2 : ص 341.
4 ـ منهم : المفيد في المقنعة : 152 ، والطوسي في المبسوط 1 : 86 ، وابن حمزة في الوسيلة : 89.
5 ـ الخلاف 1 : 423 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 558.
6 ـ الكافي 3 : 298 / 4 بتفاوت يسير ، التهذيب 2 : 231 / 907 ، الاستبصار 1 : 399 / 1522 ، الوسائل 5 : 124 أبواب مكان المصلي ب 5 ح 2.
7 ـ التهذيب 5 : 403 / 1044 ، الوسائل 5 : 132 أبواب مكان المصلي ب 10 ح 2.
الكافي 3 : 298 / 5 ، التهذيب 2 : 231 /910 ، الوسائل 5 : 121 أبواب مكان المصلي ب 4 ح 1.


(10)
    فقال : « إن كانت المرأة قاعدة أو قائمة في غير صلاة فلا بأس » (1).
    ونحوه غيره في إثبات البأس في المحاذاة والامام (2).
    وهو وإن كان أعم من التحريم ، إلّا أنه محمول عليه بقرينة النهي في الأخبار السابقة الظاهر فيه ؛ مضافاًً إلى الإجماعين المصرّحين به ، والصحيح المصرَّح بالفساد : عن إمام في الظهر قامت امرأته بحياله تصلّي وهي تحسب أنها العصر ، هل يفسد ذلك على القوم ؟ وما حال المرأة في صلاتها وقد كانت صلت الظهر ؟ فقال عليه السّلام : « لا يفسد ذلك على القوم وتعيد المرأة » (3).
    وأكثر هذه النصوص وإن شملت بإطلاقها صورتي وجود الحائل والتباعد بعشرة أذرع المرتفع فيهما المنع كراهة وتحريماً إجماعاًَ كما يأتي (4) ، إلّا أنها مقيّدة بغيرهما ، لذلك ، مضافاًً إلى الموثق : عن الرجل يستقيم له أن يصلّي وبين يديه امرأة تصلّي ؟ قال : « لا يصلّي حتى يجعل ما بينه وبينها أكثر من عشرة أذرع ، وإن كانت عن يمينه ويساره جعل بينه مثل ذلك ، فإن كانت تصلّي خلفه فلا بأس وإن كانت تصيب ثوبه » (5). ونحوه آخر (6).
    وفي هذا الموثق أيضاًً دلالة على المنع ، بل هو العمدة في دليلهم عليه ،
1 ـ التهذيب 2 : 213 / 911 ، الاستبصار 1 : 399 / 1526 ، الوسائل 5 : 122 أبواب مكان المصلي ب 4 ح 6.
2 ـ الظاهر هو قطعة من الموثق السابق لاغيره ، وهي : « ان كانت تصلّي خلفه فلا بأس » ومنشأ توهم المصنف هو تقطيع الرواية في الوسائل ، فقد أورد قطعة منها في ب 4 ح 6 كما مرّ ، وقطعة اُخرى ـ وهي مراد المصنف هنا ـ في ب 6 ح 4 ، واورد تمامها في ب 7 ح 1 ، كما سيذكر المصنف تمامها أيضأ عن قريب.
3 ـ التهذيب 2 : 232 / 913 ، الوسائل 5 : 130 أبواب مكان المصلي ب 9 ح 1.
4 ـ في ص : 14.
5 ـ التهذيب 2 : 231 / 911 ، الاستبصار 1 : 399 / 1526 ، الوسائل 5 : 128 أبواب مكان المصلي ب 7 ح 1.
6 ـ قرب الإسناد : 204 / 788 ، الوسائل 5 : 128 أبواب مكان المصلي ب 7 ح 2.


(11)
كما يظهر من الحلّي (1).
    ( و ) القول ( الآخر : الجواز على كراهية ) ذهب إليه المرتضى والحلي (2) ، ويحتمله كلام الشيخ في الاستبصار ، حيث حمل بعض الأخبار المانعة على الاستحباب (3) ، وتبعهما عامة المتأخرين عدا الماتن هنا ، فظاهرة التردّد ، كالصيمري ، والفاضل المقداد (4) ، حيث اقتصروا على نقل القولين من غير ترجيح ، ولكن جعل الأخير الكراهة أحوط. وهو غريب ؛ فإن الاحتياط في القول بالحرمة ، وإن كان في تعيّنه نظر.
    للأصل ، والصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة المصرّحة بعدم المنع ، إمّا مطلقاً ، كما في الصحيح : « لا بأس أن تصلّي المرأة بحيال الرجل وهو يصلّي » (5) الخبر ، ونحوه المرسل لراويه (6).
    وأصرح منهما الخبر : عن امرأة صلّت مع الرجال وخلفها صفوف وقُدّامها صفوف ، قال : « مضت صلاتها ولم تفسد على أحد ولا تعيد » (7).
    أو إذا كان بينهما شبر ، كما في الصحيحين (8) وغيرهما (9) ، أو قدر ما
1 ـ السرائر 1 : 267.
2 ـ المرتضى على ما حكاه عنه في السرائر 1 : 267 ، الحلّي في السرائر 1 : 267.
3 ـ الاستبصار 1 : 399.
4 ـ التنقيح الرائع 1 : 186.
5 ـ الفقيه 1 : 159 /749 ، الوسائل 5 : 122 أبواب مكان المصلي ب 4 ح 4.
6 ـ التهذيب 2 : 232 / 912 ، الاستبصار 1 : 400 / 1527 ، الوسائل 5 : 125 أبواب مكان المصلي ب 5 ح 6.
7 ـ لم نعثر عليه في كتب الحديث ، وذكره في كشف اللثام ج 1 ص 194 ) معبِّرأ عنه بخبر عيسى ابن عبدالله القمي.
8 ـ الكافي 3 : 298 / 4 ، الفقيه 1 : 159 / 747 ، التهذيب 2 : 230 / 905 ، الاستبصار 1 : 398 / 1520 ، الوسائل 5 : 123 ، 125 ، أبواب مكان المصلي ب 5 ح 1 ، 7.
9 ـ التهذيب 2 : 230 / 906 ، الاستبصار 1 : 398 / 1521 ، الوسائل 5 : 124 أبواب مكان


(12)
لا يتخطى أو قدر عظم الذراع ، كما في آخرين (1) ، أو موضع رحل (2) ، كما في مثلهما سنداً (3) ، أو بتقدمها بصدره ، كما في الصحيح (4) ، أو إذا كان سجودها مع ركوعه ، كما في المرسلين (5).
    والبأس المفهوم منها بغير هذه المقادير وإن احتمل التحريم ، إلّا أنه مندفع بالأصل وضمّ بعضها إلى بعض ؛ مضافاًً إلى الإجماع ، وعدم قائل بالمنع تحريماً بغيرها والجواز معها إلّا الجعفي ، فقال بالمنع فيما دون عظم الذراع والجواز معه (6). ولكن الدال عليه من النصوص قليل ، ومع ذلك معارض بما يدل على ارتفاع المنع بشبر ، وهو دون عظم الذراع بيقين ، ومع ذلك فهو شاذ لم ينقله إلّا قليل ، بل ظاهر جمع الإجماع على خلافه ، حيث ادّعوا عدم القول بالفرق بين القولين المشهورين ، مؤذنين بدعوى الإجماع على فساد القول‏
المصلي ب 5 ح 3.
1 ـ الأول :
مستطرفات السرائر : 74 / 15 ، الوسائل 5 : 126 أبواب مكان المصلي ب 5 ح 13.
الثاني :
الفقيه 1 : 159 / 748 وفيه : ما يتخطّى ، وهو موافق لنسخة « ح » من الكتاب ، الوسائل 5 : 125 أبواب مكان المصلي ب 5 ح 8.
2 ـ في « ل » و « ح » : رجل.
3 ـ الكافي 3 : 298 / 1 ، الوسائل 5 : 126 أبواب مكان المصلي ب 5 ح 11. وفيه موضع رجل.
4 ـ التهذيب 2 : 379 / 1582 ، الاستبصار 1 : 399 / 1525 ، الوسائل 5 : 127 أبواب مكان المصلي ب 6 ح 2.
5 ـ الأول :
التهذيب 2 : 379 / 1581 ، الاستبصار 1 : 399 / 1524 الوسائل 5 : 127 أبواب مكان المصلي ب 6 ح 3.
الثاني :
الكافي 3 : 299 / 7 ، الوسائل 5 : 128 أبواب مكان المصلي ب 6 ح 5.
6 ـ كما حكاه عنه في الذكرى : 150.


(13)
الثالث.
    وبالجملة : فهذه النصوص ـ مع صحة أكثرها ، واستفاضتها ، واعتضادها بالشهرة العظيمة المتأخرّة القريبة من الإجماع ، بل هي إجماع في الحقيقة ـ واضحة الدلالة على نفي الحرمة ، وإثبات الكراهة ولو مختلفة المراتب ضعفاً وقوة ، ومع ذلك معتضدة بأصالة البراءة ، والإطلاقات ، بل استدل بهما أيضاً جلّ الطائفة.
    ولا ريب أنها أرجح بالإضافة إلى الأدلّة السابقة ، مع قصور أكثر أخبارها سنداً ودلالةً ، وقبولها الحمل على الكراهة دون هذه الأدلّة ، إذ لا تقبل أكثرها الحمل على شي‏ء يجمع به بينها وبين تلك ، مع مراعاة عدم القائل بالفرق بين الطائفة الظاهر ، المصرح به في كلام جماعة كما عرفته ، فالعمل بتلك يوجب ترك هذه بالمرّة ، ولا كذلك العكس ، لقبولها الحمل على الكراهة دون هذه.
    نعم ، يبقى الكلام في دعوى الإجماع على المنع ، فإن تأويلها إلى الكراهة في غاية البعد ، لنص الشيخ الناقل له ببطلان الصلاة ، حيث منع عنها (1) ، وهو لا يجتمع مع الكراهة.
    لكن إطراحها أولى من إطراح هذه الأدلّة القويّة بما عرفته.
    مضافاًً إلى الصحيحين المعبِّرين عن المنع ب‍ « لا ينبغي » كما في أحدهما (2) ، مع الاكتفاء في رفعه فيه بشبر على إحدى النسختين (3)
1 ـ راجع ص : 9.
2 ـ الكافي 3 : 298 / 4 ، التهذيب 2 : 230 / 905 ، الاستبصار 1 : 398 / 1520 ، الوسائل 5 : 123 أبواب مكان المصلي ب 5 ح 1.
3 ـ النسخة موجودة في الكافي وغيره والاولى في التهذيبين. منه رحمه الله.


(14)
و الاحتمالين (1) ، وب‍ « يكره » كما في الثاني المروي في العلل (2).
    ودلالتهما على كل من التحريم والكراهة وإن كان غير ظاهر ظهوراً معتدا به ، إلّا أن الإشعار فيهما بالكراهة حاصل ، سيّما في الأول ؛ مضافاًً إلى ضمّ باقي الأخبار إليهما. فالقول بالجواز أقوى ، وإن كان التجنّب أحوط بلا شبهة.
    ويتفرع على القول بالحرمة فروعات جليلة لا فائدة لنا في ذكرها مهمة بعد اختيارنا الكراهة.
    ( ولو كان بينهما حائل ) من نحو ستر دون ظلمة وفقد بصر على الأظهر ( أو تباعد عشرة أذرع فصاعداً ) بين موقفيهما كما هو المتبادر ( أو كانت متأخّرة عنه ولو بمسقط الجسد ) بحيث لا يحاذي جزء منها جزءاً منه ، ارتفع المنع و ( صحّت صلاتهما ) إجماعاًً كما في المعتبر والمنتهى (3) وغيرهما (4).
    وللمعتبرة المستفيضة المتقدم إلى بعضها الإشارة.
    بل ظاهر جملة من الصحاح المتقدمة انتفاء المنع مطلقاً بالذراع والشبر ونحوهما (5) كما عن الجامع (6) ، وهو ظاهر الفاضلين في المعتبر والمنتهى ، لكن في صورة تأخّرها لا مطلقاً كما احتمله الشيخ في كتابي الحديث (7) ، وبه قال في الذخيرة أيضاًً (8).
1 ـ الاحتمال هنا اشارة إلى أن في تتمة الحديث تفسيراً محتملاً كونه من الحديث المبني عليه الكلام كونها من الشيخ. منه رحمه الله.
2 ـ علل الشرائع : 397 / 4 ، الوسائل 5 : 126 أبواب مكان المصلي ب 5 ح 10.
3 ـ المعتبر 2 : 111 ، المنتهى 1 : 243.
4 ـ انظر البحار 80 : 336.
5 ـ راجع ص : 11 و 12.
6 ـ الجامع للشرائع : 69.
7 ـ التهذيب 2 : 232 ، الاستبصار 1 : 400.
8 ـ الذخيرة : 243.


(15)
    ولا بأس به لو لا الموثقة السابقة (1) الظاهرة في بقاء المنع في صورة التأخّر إلى أن تتأخّر عنه بحيث لا يحاذي جزء منها جزءاً منه. والأخبار الصحيحة وإن ترجّحت عليها من وجوه عديدة ، ولكن الأخذ بها أولى في مقام الكراهة ، بناءًً على المسامحة في أدلّتها ، مع اشتهار العمل بها أيضاًً ، فلتحمل الصحاح على خفّة الكراهة لا انتفائها ، وعليه تحمل الموثقة.
    و هل يعتبر في الحائل كونه ستيرا بحيث لا يرى أحدهما الآخر مطلقاً ، كما هو المتبادر من النص والفتوى ؟
    أم يكفي مطلقاً ولو لم يكن ستيراً ، كما في الصحيح : عن الرجل يصلّي في مسجد حيطانه كُوىً (2) كله قبلته وجانباه ، وامرأته تصلّي حياله يراها ولا تراه ، قال : « لا بأس » (3) ؟
    وجهان ، والأوّل أنسب بمقام الكراهة.
    ويرتفع المنع أيضاًً مطلقاً مع الضرورة ، كما صرّح به جماعة (4) ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقن من النص والفتوى ، لاختصاصهما بحكم التبادر وغيره بحال الاختيار.
    مضافاًً إلى فحوى ما دلّ على جواز الصلاة في المغصوب مع الضرورة.
    وفي الصحيح المروي في العلل : « إنما سمّيت مكّة بكّة لأنها يبتكّ (5) بها الرجال والنساء ، والمرأة تصلّي بين يديك وعن يمينك وعن يسارك ومعك ، ولا
1 ـ في ص : 10.
2 ـ الكوُّة ـ بالضم والفتح والتشديد ـ النقبة في الحائط غير نافذة. مجمع البحرين 1 : 364.
3 ـ التهذيب 2 : 373 / 1553 ، الوسائل 5 : 129 أبواب مكان المصلي ب 8 ح 1.
4 ـ منهم فخر المحققين في الايضاح 1 : 89 ، وصاحب المدارك 3 : 224 ، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 195.
5 ـ اي : يزاحم ويدافع. مجمع البحرين 5 : 259.
رياض المسائل ـ الجزء الثالث ::: فهرس