رياض المسائل ـ الجزء الثالث ::: 16 ـ 30
(16)
بأس بذلك ، وإنما يكره في سائر البلدان » (1).
    ( و ) عليه ف‍ ( لو كان كل ) منهما ( في مكان لا يمكن فيه التباعد ) ولا الحائل ، ولا يقدران على غيره وضاق الوقت ارتفع المنع مطلقاً. ومع عدم الضيق ( صلّى الرجل أوّلاً ثمَّ المرأة ) استحباباً ؛ للأمر به في بعض الصحاح المتقدمة (2) المحمول عليه عندنا قطعاً ، وكذا عند جملة من القائلين بالمنع ، إذ هو لا يقتضي تعين تقدم الرجل ، بل تقدم أحدهما ، كما في ظاهر الموثق كالصحيح : أُصلّي والمرأة إلى جنبي تصلّي ؟ فقال : « لا ، إلّا أن تتقدّم هي أو أنت » (3).
    خلافاًًًًً للمحكي عن الشيخ (4) ، فعيّن تقديم الرجل.
    ولعله لظاهر الأمر في الصحيح ، وعدم وضوح الصحيح الآخر في إرادة التقديم الفعلي ، لاحتماله المكاني ، بل فهمه منه صاحبا المدارك والذخيرة (5) ، فاستدلّا به على جواز تقديم المرأة مكاناً من غير حرمة.
    ولكنه بعيد ؛ لظهور الاحتمال الأول ، للإجماع على ثبوت المنع ولو كراهة في تقدّم المرأة مكانا بعد توافقهما فعلا ، فهو أقوى قرينة على تعيّن الاحتمال الأوّل ، فيصرف به الأمر في الصحيح الأول عن ظاهره إلى الاستحباب.
    ثمَّ إنّ هذا إذا لم يختص المكان بها عيناً أو منفعةً ، بل تساويا فيه ملكاً أو إباحةً. وإن اختصّ بها دونه فلا أولوية للرجل في تقديمه إلّا أن تأذن له فيه.
1 ـ علل الشرائع : 397 /4 ، الوسائل 5 : 126 أبواب مكان المصلي ب 5 ح 10.
2 ـ في ص : 9.
3 ـ التهذيب 2 : 231 / 909 ، الوسائل 5 : 124 أبواب مكان المصلي ب 5 ح 5.
4 ـ في النهاية : 101.
5 ـ المدارك 3 : 222 ، الذخيرة : 243.


(17)
    وهل الأولى لها أن تأذن له في ذلك أم لا ؟ كل محتمل ، وبالأوّل صرّح جمع (1) ، ولا بأس به.
    ( ولا يشترط طهارة موضع الصلاة إذا لم تتعدّ نجاسته ) إلى المصلّي أو محمولة الذي يشترط طهارته على وجه يمنع من الصلاة ولا ( طهارة مواقع المساجد ) السبعة ( عدا موقع الجبهة ) فيعتبر طهارة القدر المعتبر منه في السجود مطلقاً ، إجماعاًًً فيه كما يأتي.
    وعدم اعتبار الطهارة فيما عداه مطلقاًً مشهور بين الأصحاب على الظاهر المصرح به في كلام جماعة (2) ، بل لا يكاد يعرف فيه خلاف إلّا من المرتضى والحلبي (3) ، فاعتبرا طهارة مكان المصلّي مطلقاًً ، وإن اختلفا في تفسيره بالمساجد السبعة خاصة ، كما عليه الثاني ، أو مطلق مكان المصلّي ، كما عليه المرتضى.
    ولا حجّة لهما يعتدّ بها عدا ما يستدلّ لهما من الموثقين المانع أحدهما عن الصلاة على الموضع القذر يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس ولكنه قد يبس (4) ، وثانيهما عن الصلاة على الشاذكونة (5) التي يصيبها الاحتلام (6).
1 ـ كصاحب المدارك 3 : 225 والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 195 وصاحب الحدائق 7 : 190.
2 ـ منهم : العلّامة في التذكرة 1 : 87 والشهيد في الذكرى : 150 ، والسبزوارى في الكفاية : 16 ، وصاحب الحدائق 7 : 194.
3 ـ حكاه عن المرتضى في الذكرى : 150 الحلبى في الكافى : 141.
4 ـ التهذيب 2 : 372 / 1548 ، الوسائل 3 : 452 أبواب النجاسات ب 29 ح 4.
5 ـ بفتح الذال ، ثياب غلاظ مضرَّبة تعمل باليمين ، والى بيعها نسب أبو أيوب الحافظ لأن أباه كان يبيعها القاموس المحيط 4 : 241.
6 ـ التهذيب 2 : 369 / 1536 ، الاستبصار 1 : 393 / 1501 ، الوسائل 3 : 455 أبواب النجاسات ب 30 ح 6.


(18)
    ومن قوله تعالى وَ ( الرُّجْزَ فَاهْجُرْ ) (1) ولا هجر إذا صلّى عليه.
    ووجوب تجنيب المساجد النجاسة (2) ، وإنما هو لكونها مواضع الصلاة.
    والنهي عنها في المزابل والحمامات (3) ، وهي مواطن النجاسة.
    وفي الجميع نظر ؛ لضعف الخبرين بمعارضتهما بالمعتبرة المستفيضة المجوّزة للصلاة في كل من الموضعين الممنوع عن الصلاة عليهما في الخبرين ، ففي الصحيح : عن البيت والدار لا تصيبهما الشمس ويصيبهما البول ، ويغتسل فيهما من الجنابة ، أيصلى فيهما إذا جفّا ؟ قال : « نعم » (4) ونحوه غيره من الصحيح (5) وغيره (6) وهو كثير.
    وفي الصحيح : عن الشاذ كونه تكون عليها الجنابة ، أيصلّي عليها في المحمل ؟ فقال : « لا بأس » (7) ونحوه الخبر بدون قوله : « في المحمل » (8).
    وهي ـ مع كثرتها ، وصحة جملة منها ، واستفاضتها ، واعتضادها بالأصل والإطلاقات والشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاًً ، بل هي إجماع ظاهراً ـ تترجح على الخبرين ، فليطرحا ، أو يحملا على الكراهة ، أو النجاسة
1 ـ المدثر : 5.
2 ـ انظر الوسائل 5 : 229 أبواب أحكام المساجد ب 24 ح 2.
3 ـ سنن ابن ماجة 1 : 246.
4 ـ الفقيه 1 : 158 / 737 ، قرب الإسناد : 196 / 743 ، الوسائل 3 : 453 أبواب النجاسات ب 30 ح 1.
5 ـ التهذيب 2 : 373 / 1553 ، قرب الإسناد : 212 / 830 ، الوسائل 3 : 453 أبواب النجاسات ب 30 ح 2.
6 ـ الوسائل 3 : 451 ، 453 أبواب النجاسات ب 29 ، 30.
7 ـ التهذيب 2 : 369 / 1537 ، الاستبصار 1 : 393 / 1499 ، الوسائل 3 : 454 أبواب النجاسات ب 30 ح 3.
8 ـ التهذيب 2 : 370 / 1538 ، الاستبصار 1 : 393 / 1500 ، الوسائل 3 : 454 أبواب النجاسات ب 30 ح 4.


(19)
المتعدّية ، أو موضع الجبهة خاصة.
    وعلى أحد هذه يحمل النهي في الرواية الأخيرة على تقدير تسليمها ، مع أن النهي فيها بالإضافة إلى الحمام للكراهة ، فليحمل بالإضافة إلى الباقي عليها ، جمعاً بين الأدلة.
    ولا دليل على أن المراد بالرجز النجاسة ، فلعلّ المراد به العذاب والغضب.
    ودعوى كون وجوب تجنيب المساجد لكونها مواضع الصلاة ممنوعة ، مع احتمال المساجد في أخباره مواضع السجود ، وأن العلّة صلاحيتها للسجود على أيّ موضع أُريد منها.
    ثمَّ إن كل ذا إذا صلّى على نفس الموضع النجس من غير أن يستره بطاهر يصلي عليه ، وإلّا صحّت صلاته قولاً واحداً ، وعليه نبّه في الذكرى (1) ، وفي التحرير الإجماع عليه (2) ؛ وهو الحجة.
    مضافاًً إلى النصوص الكثيرة الناطقة بجواز اتخاذ الحشّ (3) مسجداً إذا اُلقي عليه من التراب ما يواريه ، ففي الصحيح : عن المكان يكون حشّاً زماناً فينظف ويتّخذ مسجداً ، فقال : « ألقِ عليه من التراب حتى يتوارى ، فإن ذلك يطهّره إن شاء اللّه تعالى » (4).
    ( ويستحب صلاة الفريضة ) المكتوبة ( في المسجد ) بالإجماع ، بل الضرورة ، والنصوص المستفيضة بل المتواترة ( إلّا ) العيدين بغير مكة ، كما
1 ـ الذكرى : 150.
2 ـ التحرير 1 : 32.
3 ـ الحُشّ : البستان ، فقولهم : بيت الحش ، مجاز لأن العرب كانوا يقضون حوائجهم في البساتين فلما اتخذوا الكُنُف وجعلوها خَلَفا عنها أطلقو عليها ذلك الاسم. المصباح المنير : 137.
4 ـ التهذيب 3 : 260 / 730 ، الاستبصار 1 : 442 / 1703 ، الوسائل 5 : 210 أبواب أحكام المساجد ب 11ح 4.


(20)
سيأتي إليه الإشارة (1) ، وكذا الفريضة ( في ) جوف ( الكعبة ) فيكره ، أو يحرم ، على الخلاف المتقدم إليه الإشارة في بحث القبلة (2).
    ( و ) أما ( النافلة ) ف‍ ( في المنزل ) أفضل ، كما عن النهاية والمبسوط والمهذب والجامع ، وفي الشرائع والإرشاد والقواعد وشرحه للمحقق الثاني وروض الجنان (3) وبالجملة المشهور على الظاهر ، المصرح به في الذخيرة (4) ، بل فيها عن المعتبر والمنتهى أنه فتوى علمائنا (5) ، وحكى عن غيرهما أيضاً ، وهو ظاهر في الإجماع عليه.
    واستدلّ عليه بعده بأنها فيه أقرب إلى الإخلاص وأبعد عن الوسواس (6) ، ولذا كان الإسرار بالصدقات المندوبة أفضل.
    والنصوص النبوية منها : « أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلّا المكتوبة » (7).
    ومنها : أمَرَ صلّى اللّه عليه وآله أن يصلّوا النوافل في بيوتهم (8).
    ومنها : في وصيته لأبي ذر المروية في مجالس الشيخ : « يا أبا ذر ، أيّما رجل تطوّع في يوم باثني عشر ركعة سوى المكتوبة كان له حقاً واجباً بيت في الجنة. يا أبا ذر ، صلاة في مسجدي هذا تعدل مائة ألف صلاة في غيره من‏
1 ـ في ص 392 و 393.
2 ـ راجع ج 2 : ص 260.
3 ـ النهاية : 111 ، المبسوط 1 : 162 ، المهذَّب 1 : 77 ، الجامع للشرائع : 103 ، الشرائع 1 : 128 ، الإرشاد 1 : 249 ، القواعد 1 : 29 ، جامع المقاصد 2 : 143 ، روض الجنان : 234.
4 ـ الذخيرة : 248.
5 ـ المعتبر 2 : 112 ، المنتهى 1 : 244.
6 ـ في « ش » : الرياء.
7 ـ مسند احمد 5 : 186 ، سنن الترمذى 1 : 279 / 449 وفيه بتفاوت يسير.
8 ـ سنن الدارمي 1 : 317.


(21)
المساجد إلّا المسجد الحرام ، وصلاة في مسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة في غيره ، وأفضل من هذا كله صلاة يصلّيها الرجل في بيته حيث لا يراه إلّا اللّه عز وجل يطلب بها وجه اللّه تعالى. يا أبا ذر ، إن الصلاة النافلة تفضل في السر على العلانية كفضل الفريضة على النافلة » (1).
    وقال في الذخيرة ـ بعد نقل جملة من هذه الأدلّة ـ : وفي الكل ضعف ، والقول الأخير حسن (2).
    وأشار به إلى ما حكاه عن الشهيد الثاني أنه رجّح في بعض فوائده رجحان فعلها في المسجد أيضاً كالفريضة ، قال بعد الاستحسان : وقد مرّ أخبار كثيرة دالّة عليه في المسألة المتقدمة ، كصحيحة ابن أبي عمير (3) ، وصحيحة معاوية ابن عمار (4) ، ورواية هارون بن خارجة (5) ، ورواية عبد اللّه بن يحيى الكاهلي (6) ، ورواية أبي حمزة (7) ، ورواية نجم بن حطيم (8) ، ورواية الأصبغ (9) والعمومات‏
1 ـ أمالي الطوسي : 539 ، الوسائل 5 : 296 أبواب أحكام المساجد ب 69 ح 7.
2 ـ الذخيرة : 248.
3 ـ الكافي 3 : 370 / 14 ، التهذيب 3 : 258 / 723 ، الوسائل 5 : 225 أبواب أحكام المساجد ب 21 ح 1.
4 ـ التهذيب 6 : 14 / 30 ، كامل الزيارات : 21 ، الوسائل 5 : 280 أبواب أحكام المساجد ب 57 ح 6.
5 ـ الكافي 3 : 490 / 1 ، التهذيب 3 : 250 / 688 ، الوسائل 5 : 252 أبواب أحكام المساجد ب 44 ح 3.
6 ـ الكافي 3 : 491 / 2 ، التهذيب 3 : 251 / 689 ، الوسائل 5 : 261 أبواب أحكام المساجد ب 45 ح 1.
7 ـ التهذيب 3 : 254 / 700 ، الوسائل 5 : 254 أبواب أحكام المساجد ب 44 ح 6.
8 ـ التهذيب 6 : 32 / 60 ، كامل الزيارات : 28 ، الوسائل 5 : 256 أبواب أحكام المساجد ب 44 ح 14.
9 ـ التهذيب 6 : 32 / 61 ، كامل الزيارات : 28 ، الوسائل 5 : 257 أبواب أحكام المساجد ب 44 ح 15.


(22)
الكثيرة ، وقد مرّ ـ عند شرح قول المصنف : وكلّما قرب من الفجر كان أفضل ـ خبر صحيح (1) دلّ على أن النبي صلّى اللّه عليه وآله كان يصلّي صلاة الليل في المسجد (2).
    أقول : ولعلّه ظاهر الكافي لأبي الصلاح ، حيث قال في فصل صلاة الجمعة منه : يستحب لكل مسلم تقديم دخول المسجد لصلاة النوافل بعد الغسل وتغيير الثياب ومسّ النساء والطيب وقصّ الشارب والأظافير ، فإن اختلّ شرط من شروط الجمعة المذكورة سقط فرضها ، وكان حضور مسجد الجامع لصلاة النوافل وفرضي الظهر والعصر مندوباً إليه (3) (4).
    وعن السرائر : أن صلاة نافلة الليل خاصة في البيت أفضل (5).
    ولعله للنصوص الدالة على أن أمير المؤمنين عليه السلام : اتخذ مسجداً في داره ، فكان إذا أراد أن يصلّي في آخر الليل أخذ معه صبيّا لا يحتشم منه ، ثمَّ يذهب إلى ذلك البيت فيصلّي (6).
    وللشهيد الثاني (7) وغيره (8) قول آخر ، فقال : ولو رجا بصلاة النافلة في الملإ اقتداء الناس به ورغبتهم في الخير ، وأمن على نفسه الرياء ونحوه مما يفسد العبادة لم يبعد زوال الكراهة ، كما في الصدقة المندوبة ، ويؤيّده ما رواه‏
1 ـ التهذيب 2 : 334 / 1377 ، الوسائل 4 : 269 أبواب المواقيت ب 53 ح 1.
2 ـ الذخيرة : 248.
3 ـ الكافي في الفقه : 152.
4 ـ في « ش » زيادة : وفي الخلاف ( ج 1 ص 439 ) : لا يجوز أن تصلّي الفريضة جوف الكعبة مع الاختيار ، وأما النافلة فلا بأس بها جوف الكعبة ، بل هو مُرَغَّب فيه ، إلى آخر ما قال.
5 ـ السرائر 1 : 264.
6 ـ قرب الإسناد : 161 / 586 ، الوسائل 5 : 295 أبواب أحكام المساجد ب 69 ح 3.
7 ـ روض الجنان : 234.
8 ـ انظر المدارك 4 : 407.


(23)
محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : « لا بأس أن تحدّث أخاك إذا تعين بالعمل (1) إذا رجوت أن ينفعه ويحثه ، وإذا سألك هل قمت الليلة أو صمت فحدّثه بذلك إن كنت فعلته ، قل : رزق اللّه تعالى ذلك ، ولا تقل : لا ، فإن ذلك كذب » (2).
    ثمَّ إن إطلاق العبارة ـ كغيرها من الفتوى والرواية ـ يقتضي عدم الفرق في استحباب المكتوبة في المسجد بين ما لو كان المصلّي رجلاً أو امرأة.
    و في الفقيه : وروي أن خير مساجد النساء البيوت ، وصلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في صفّتها ، وصلاتها في صفّتها أفضل من صلاتها في صحن دارها ، وصلاتها في صحن دارها أفضل من صلاتها في سطح بيتها (3).
    ولم أقف على مفتٍ بها من الأصحاب عدا قليل. ولكن في الذخيرة نسبها إلى الأصحاب ، فقال : وأما النساء فذكر الأصحاب أن المستحب لهنّ أن لا يحضرن المساجد ، لكون ذلك أقرب إلى الاستتار المطلوب منهن ، وعن أبي عبد اللّه عليه السلام : « خير مساجد نسائكم البيوت » (4) رواه الشيخ عن يونس بن ظبيان (5).
    أقول : رواه في التهذيب في أوائل باب فضل المساجد.
    ( وتكره الصلاة في ) بيت ( الحمام ) دون المسلخ ( و ) سطحه ( و ) في ( بيوت الغائط ) أي المواضع المعدّة له و ( مبارك الإبل ، ومساكن النمل ، و )
1 ـ مابين القوسين ليس في المصادر.
2 ـ كتاب العلاء بن رزين ( الأصول الستة عشر ) : 154 ، المستدرك 1 : 115 أبواب مقدمة العبادات ب 14 ح 3.
3 ـ الفقيه 1 : 244 / 1088 ، الوسائل 5 : 237 أبواب أحكام المساجد ب 30 ح 3.
4 ـ التهذيب 3 : 252 / 694 ، الوسائل 5 : 237 أبواب أحكام المساجد ب 30 ح 4.
5 ـ الذخيرة : 246.


(24)
في ( مرابط الخيل والبغال والحمير ، وبطون الْأودية ) ومجرى المياه ( و ) في ( أرض السبخة والثلج ، إذا لم تتمكّن الجبهة من السجود ) عليهما كمال التمكّن.
    للنهي عن جميع ذلك في النصوص المستفيضة (1) المحمولة على الكراهة بلا خلاف إلّا من الحلبي ، فقال : لا يحلّ للمصلّي الوقوف في معاطن الإبل ، ومرابط الخيل والبغال والحمير والبقر ، ومرابض الغنم ، وبيوت النار ، والمزابل ، ومذابح الأنعام ، والحمامات ، وعلى البسط المصوّرة ، وفي البيت المصور ، قال : ولنا في فسادها في هذه المحالّ نظر (2). انتهى.
    وهو شاذ ، كقول المقنعة : لا يجوز في بيوت الغائط والسبخة (3). وكذا الصدوق في العلل في الأخير (4).
    بل على خلافهم الإجماع ، على الظاهر ، المحكي في الخلاف في بيت الحمام ومعاطن الإبل (5). وعن الغنية في الجميع عدا بطون الأودية والثلج (6).
    وهو الحجة الصارفة للنهي إلى الكراهة ؛ مضافاًً إلى شهادة سياق جملة منها بناءً على تضمنها النهي عنها فيما ليست بحرام فيه إجماعاًً ، ولا يجوز استعماله في المعنى الحقيقي والمجازي على الأشهر الأقوى.
    مع كونها وجه جمع بينها وبين جملة من المعتبرة المصرّحة بالجواز في بيت الحمام ومعاطن الإبل ، ففي الصحيح : عن الصلاة في بيت الحمام ،
1 ـ راجع الوسائل 5 : أبواب مكان المصلي ب 17 ، 20 ، 28 ، 29 ، 31 ، 34.
2 ـ الكافي في الفقه : 141.
3 ـ المقنعة : 151.
4 ـ علل الشرائع : 326.
5 ـ الخلاف 1 : 498 ، 519.
6 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 555.


(25)
فقال : « إذا كان موضعاً نظيفاً فلا بأس » (1) ونحوه الموثق (2).
    وفي مثله : عن الصلاة في أعطان الإبل وفي مرابض البقر والغنم ، فقال : « إن نضحته بالماء وكان يابساً فلا بأس » (3) هذا.
    وربما حمل كلام المفيد على إرادته من : لا يجوز ، الكراهة ، كما شاع استعماله فيها في عبائره ، ولا بأس به.
    وعليه فلا خلاف إلّا من التقي ، ولا ريب في ندرته وضعف قوله.
    وأضعف منه تردّده في الفساد ، مع كونه مقتضى النهي المتعلق في النصوص بالصلاة التي هي من العبادات.
    وأما ما يقال : من عدم نهي في بطون الأودية ، فمحل مناقشة ، ففي المروي في الفقيه في جملة المناهي المنقولة عنه صلّى اللّه عليه وآله أنه « نهى أن يصلّي الرجل في المقابر ، والطرق ، والأرحية ، والأودية ، ومرابض الإبل ، وعلى ظهر الكعبة » (4).
    ويستفاد من هذه الرواية ، حيث تضمنت النهي عنها في مرابض الإبل التي هي مطلق مباركها ، صحة ما في العبارة ـ وعليه الفقهاء ، كما في السرائر والتحرير والمنتهى (5) ـ من تعميم معاطن الإبل الوارد في النصوص إلى مطلق المبارك ، مع اختصاصها عند أكثر أهل اللغة بمبرك (6) الإبل حول الماء لتشرب‏
1 ـ الفقيه 1 : 156 / 727 ، الوسائل 5 : 176 أبواب مكان المصلي ب 34 ح 1.
2 ـ التهذيب 2 : 374 / 1554 ، الاستبصار 1 : 395 / 1505 ، الوسائل 5 : 177 أبواب مكان المصلي ب 34 ح 2.
3 ـ التهذيب 2 : 220 / 867 ، الاسنبصار 1 : 395 / 1506 ، الوسائل 5 : 145 أبواب مكان المصلي ب 17 ح 4.
4 ـ الفقيه 4 : 2 / 1 ، الوسائل 5 : 158 أبواب مكان المصلي ب 25 ح 2.
5 ـ السرائر 1 : 266 ، التحرير 1 : 33 ، المنتهى 1 : 245.
6 ـ في النسخ المخطوطة : بمنزل.


(26)
علّاً بعد نَهَل (1). مع إشعار تعليل المنع الوارد في النبوي : « بأنها جن خلقت من الجن » (2) به.
    وقريب منه الصحيح : عن الصلاة في مرابض الغنم ، فقال : « صلّ فيها ولا تصلّ في أعطان الإبل ، إلّا أن تخاف على متاعك الضيعة فاكنسه ورشّه بالماء وصلّ » (3) فتدبّر. مع أن المحكي عن العين والمقاييس (4) ما يوافق هذا.
    ( وبين المقابر ) على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر ، وفي ظاهر المنتهى وعن الغنية الإجماع عليه (5).
    للنهي عنه في النصوص المستفيضة (6) المحمول على الكراهة ، جمعاً بينها وبين غيرها من المعتبرة ، ففي الصحيحين : عن الصلاة بين القبور ، قال : « لا بأس » (7).
    خلافاًًًًً للمحكي عن الديلمي ، فأفسد أخذاً بظاهر النهي (8).
1 ـ راجع المصباح المنير : 416 ، ونهاية ابن الأثير 3 : 258 ، ومجمع البحرين 6 : 282.
2 ـ سنن البيهقي 2 : 449.
3 ـ الكافي 3 : 388 / 5 ، الفقيه 1 : 157 / 729 ، التهذيب 2 : 220 / 865 ، الوسائل 5 : 145 أبواب مكان المصلي ب 17 ح 2.
4 ـ العين 2 : 14 ، معجم مقاييس اللغة 4 : 352.
5 ـ المنتهى 1 : 244 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 555.
6 ـ الوسائل 5 : 158 أبواب مكان المصلي ب 25.
7 ـ الأول :
    الفقيه 1 : 158 / 737 ، قرب الإسناد : 197 / 749 ، الوسائل 5 : 158 أبواب مكان المصلي ب 25 ح 1.
    الثاني :
    التهذيب 2 : 374 / 1555 ، الاستبصار 1 : 397 / 1515 ، الوسائل 5 : 159 أبواب مكان المصلي ب 25 ح 4.
8 ـ المراسم : 65.


(27)
    وفيه نظر ؛ لضعف سند المشتمل عليه عدا الموثّق : عن الرجل يصلّي بين القبور ، قال : « لا يجوز ذلك ، إلّا أن يجعل بينه وبين القبور إذا صلّى عشرة أذرع من بين يديه ، وعشرة أذرع من خلفه ، وعشرة أذرع عن يمينه ، وعشرة أذرع عن يساره ، ثمَّ يصلّي إن شاء » (1).
    وهو معارض بما هو أصحّ منه سنداً وأشهر بين الأصحاب ، ولذلك لا يمكن أن يقيّد به إطلاقهما ، بأن يحملا على أنه لا بأس مع التباعد بعشرة أذرع ، كما في الموثق.
    وللصدوق والمفيد والحلبي ، فلم يجوّزوا الصلاة إليها (2). قيل (3) : للموثق : « لا بأس بالصلاة بين المقابر ما لم يتّخذ القبر قبلة » (4).
    والصحيح : قلت له : الصلاة بين القبور ، قال : « صلّ بين خلالها ، ولا تتّخذ شيئاً منها قبلة » (5) ونحوهما غيرهما (6).
    وقوّاه بعض المعاصرين ، قال : لأن الصحيحين السابقين النافيين للبأس عامّان وهذان خاصان فليقدما عليهما (7).
    وهو حسن ، لو لا رجحان الصحيحين على هذين سنداً ، واشتهار
1 ـ الكافي 3 : 390 / 13 ، التهذيب 2 : 227 / 896 ، الاستبصار 1 : 397 / 1513 ، الوسائل 5 : 159 أبواب مكان المصلي ب 25 ح 5.
2 ـ الصدوق في الفقيه 1 : 156 ، المفيد في المقنعة : 151 ، نقله عن الحلبي الشهيد الثاني في الروض : 228.
3 ـ الفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 197.
4 ـ التهذيب 2 : 228 / 897 ، الاستبصار 1 : 397 / 1514 ، الوسائل 5 : 159 أبواب مكان المصلي ب 25 ح 3.
5 ـ علل الشرائع : 358 / 1 ، الوسائل 5 : 161 أبواب مكان المصلي ب 26 ح 5.
6 ـ كامل الزيارات : 245 ، الوسائل 14 : 519 أبواب المزار وما يناسبه ب 69 ح 6.
7 ـ الحدائق 7 : 226.


(28)
عمومهما بين الأصحاب اشتهاراً كاد أن يكون إجماعاًً ، بل إجماع من المتأخرين حقيقة ، وقد مرّ نقله عن الغنية صريحاً والمنتهى ظاهراً.
    مع قصور هذين دلالة ؛ فإن التوجه إلى القبر أعم من اتّخاذه قبلة ، كما أن البأس المفهوم من أوّلهما أعم من التحريم ، فلا يصلح شي‏ء منهما لإثباته جدّاً.
    مع معارضتهما ـ زيادة على ما مر ـ بالنصوص الكثيرة الدالة على جواز الصلاة خلف قبر الإمام عليه السلام ، بل استحبابها ، كما يستفاد من بعضها بالنسبة إلى الحسين عليه السلام : منها : الصحيح المروي في التهذيب : عن الرجل يزور قبور الأئمة عليهم السلام هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا ؟ وهل يجوز لمن صلّى عند قبورهم أن يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة ، أو يقوم عند رأسه ورجليه ؟ وهل يجوز أن يتقدّم القبر ويصلّي ويجعله خلفه أم لا ؟ فأجاب عليه السلام ـ وقرأت التوقيع ، ومنه نسخت ـ : « أما السجود على القبر فلا يجوز في نافلة ولا فريضة ولا زيارة ، بل يضع خدّه الأيمن على القبر ، وأما الصلاة فإنها خلفه يجعله الامام ، ولا يجوز أن يصلّي بين يديه ، لأن الإمام لا يتقدّم ، ويصلّي عن يمينه وشماله » (1).
    ومنها : ما أسنده ابن قولويه في مزاره عن هشام : أن مولانا الصادق عليه السلام سئل : هل يزار والدك ؟ قال : « نعم ، ويصلّى عنده » وقال : « يصلّى خلفه ولا يتقدم عليه » (2).
    وما أسنده عن محمد البصري ، عنه ، عن أبيه عليه السلام ، في حديث‏
1 ـ التهذيب 2 : 228 / 898 ، علل الشرائع : 490 ، الوسائل 5 : 160 أبواب مكان المصلي ب 26 ح 1 ، 2.
2 ـ كامل الزيارات : 123 ، 246 ، الوسائل 5 : 162 أبواب مكان المصلي ب 26 ح 7.


(29)
زيارة الحسين عليه السلام ، قال : « من صلّى خلفه صلاة واحدة يريد بها اللّه تعالى لقي اللّه يوم يلقاه وعليه من النور ما يغشى له كل شي‏ء يراه » (1).
    وما أسنده عن الحسن بن عطية ، عنه عليه السلام قال : « إذا فرغت من التسليم على الشهداء أتيت قبر أبي عبد اللّه عليه السلام تجعله بين يديك ثمَّ تصلّي ما بدا لك » (2).
    وهي ـ مع كثرتها ، وصحّة بعضها ، واعتضادها بالشهرة العظيمة ، وحكاية الإجماع المتقدمة ، والأخبار المتقدمة ـ واضحة الدلالة ، سيما الرواية الأخيرة ، فإن جعل القبر بين يديه في غاية الظهور في وقوعه في القبلة.
    ولذا إن المعاصر اعترف بدلالة هذه الأخبار على الجواز ، وجعلها مستثناة من الأخبار المانعة قائلاً : إنه لا حرمة في الصلاة إلى قبور الأئمة عليهم السلام مستندا إلى الروايات المزبورة (3).
    وهو إحداث قول ثالث ، لم يقل به القائلون بالحرمة سيما المفيد ، فإنه بعد المنع قال : وقد روي أنه لا بأس بالصلاة إلى قبلة فيها قبر إمام. والأصل ما قدمناه (4).
    وأعجب من ذلك أنه قال بالكراهة إلى قبورهم عليهم السلام مطلقاً ، مع أن بعض الروايات صرّحت بالاستحباب خلف قبر أبي عبد اللّه عليه السلام.
    واعلم أنه يستفاد من الصحيحة : المنع من الصلاة بين يدي الإمام (5) ،
1 ـ كامل الزيارات : 122 ، الوسائل 5 : 162 أبواب مكان المصلي ب 26 ح 6.
2 ـ كامل الزيارات : 245 ، الكافي 4 : 578 / 4 ، الوسائل 14 : 517 أبواب المزار وما يناسبه ب 69 ح 1.
3 ـ الحدائق 7 : 226.
4 ـ اُنظر المقنعة : 152.
5 ـ راجع ص : 28.


(30)
    وظاهر الإطلاقات ، وصريح جماعة الكراهة (1) ، بل لم أجد قائلاً به عدا جماعة من متأخّري المتأخّرين (2).
    وهو غير بعيد إن لم ينعقد الإجماع على خلافه ؛ لصحتها ، واعتضادها بغيرها مما مضى ، لكنه قاصر السند ؛ والأوّل أجاب عنه الماتن في المعتبر ـ انتصاراً للمفيد في المنع عن الصلاة إلى القبر (3) ـ بضعفة ، وشذوذه ، واضطراب لفظه (4).
    قيل : ولعلّ الضعف لأن الشيخ ـ رحمه اللّه ـ رواه عن محمد بن أحمد بن داود عن الحميري ، ولم يبيّن طريقه إليه ، ورواه صاحب الاحتجاج مرسلاً ؛ والاضطراب لأنها في التهذيب كما سمعت ، وفي الاحتجاج : « ولا يجوز أن يصلّي بين يديه ، ولا عن يمينه ، ولا عن يساره ، لأن الإمام لا يتقدّم ولا يساوى » (5) ولأنه في التهذيب : مكتوب إلى الفقيه ، وفي الاحتجاج : إلى صاحب الأمر عليه السلام ، والحق أنه ليس شي‏ء منهما من الاضطراب في شي‏ء. انتهى (6).
    وهو حسن ، ولم يجب عن شبهة ضعف السند في التهذيب مؤذناً بالإذعان له.
    وفيه نظر ؛ فإن الشيخ ـ رحمه اللّه ـ وإن لم يبيّن طريقه في كتاب الحديث ، لكن قال في الفهرست في ترجمته : أخبرنا بكتبه ورواياته جماعة ،
1 ـ انظر المنتهى 1 : 245 ، والدروس 2 : 23 ، ومجمع الفائدة 2 : 140.
2 ـ انظر الحبل المتين : 159 ، والبحار 80 : 315 ، والحدائق 7 : 220.
3 ـ المقنعة : 151.
4 ـ المعتبر 2 : 115.
5 ـ الاحتجاج : 490 ، الوسائل 5 : 160 أبواب مكان المصلي ب 26 ح 2.
6 ـ انظر كشف اللثام 1 : 198.
رياض المسائل ـ الجزء الثالث ::: فهرس