رياض المسائل ـ الجزء الثالث ::: 46 ـ 60
(46)
    وأما الترتيب بين الثوب والكفّ بتقديم الأول على الثاني ، فقد ذكره جماعة من الأصحاب من غير نقل خلاف (1) ، وربما يشعر به الخبران ، في أحدهما : قلت له : أكون في السفر فتحضر الصلاة وأخاف الرمضاء على وجهي ، كيف أصنع ؟ قال : « تسجد على بعض ثوبك » قلت له : ليس عليّ ثوب يمكنني أن أسجد على طرفه ولا ذيله ، قال : « اسجد على ظهر كفّك فإنها أحد المساجد » (2).
    وفي الثاني المروي عن علل الصدوق : عن الرجل يكون في السفر فيُقطَع عليه الطريق ، فيبقى عرياناً في سراويل ، ولا يجد ما يسجد عليه ، يخاف إن سجد على الرمضاء أحرقت وجهه ، قال : « يسجد على ظهر كفه فإنها أحد المساجد » (3).
    ولا دلالة فيهما على اعتبار الترتيب ، بل ولا إشعار أيضاً ، فيشكل إثباته بهما ، بل وبالقاعدة إذا كان الثوب من غير القطن والكتان من نحو الشعر والصوف ، لعدم الفرق بينهما وبين الكفّ في عدم جواز السجود عليها اختياراً ، واشتراك الضرورة المبيحة له عليها اضطراراً.
    نعم ، لو كان من القطن والكتان أمكن القول بأولويّة تقديمهما على اليد ، بناءًً على الفرق بينها وبينهما في حالة الاختيار ، بالإجماع على العدم فيها حينئذ والخلاف فيهما نصاً وفتوى ، فتقديمهما عليها لعلّه أولى ، فتأمّل جدّاً.
    ( ويجوز السجود على الثلج والقير وغيره ) من المعادن ونحوها ( مع‏
1 ـ منهم الشيخ في النهاية : 102 ، والمحقق في الشرائع 1 : 73 ، والعلّامة في نهاية الإِحكام 1 : 364.
2 ـ التهذيب 2 : 306 / 1240 ، الاستبصار 1 : 333 / 1249 ، الوسائل 5 : 351 أبواب ما يسجد عليه ب 4 ح 5.
3 ـ علل الشرائع : 340 / 1 ، الوسائل 5 : 351 أبواب ما يسجد عليه ب 4 ح 6.


(47)
عدم الأرض وما ينبت منها ، فإن لم يكن ) شي‏ء من ذلك موجوداً ( فعلى ) ظهر ( كفّه ) لعين ما مضى.
    مضافاً إلى النصوص الأخر المستفيضة ، ففي الخبر : « إن أمكنك أن لا تسجد على الثلج فلا تسجد عليه ، وإن لم يمكنك فسوِّه واسجد عليه » (1).
    وفي الصحيح : عن الصلاة في السفينة ـ إلى أن قال ـ : « يصلّي على القير والقفر ويسجد عليه » (2).
    وفي آخر : عن السجود على القفر والقير ، فقال : « لا بأس به » (3).
    ويستفاد منه كغيره جواز السجود على القير مطلقاًً ، ولكنها حملت على الضرورة ، أو التقية ، جمعا بينها وبين الأدلّة المانعة من الإجتماعات المحكية (4) ، والنصوص المستفيضة المانعة عن السجود عليه عموماً وخصوصاً (5).
    والجمع بينها ـ بحمل المانعة على الكراهة إن لم ينعقد الإجماع على الحرمة ـ لا وجه له ، لكثرة الأدلّة المانعة ، ومخالفتها العامة ، وموافقتها الخاصة ، فتكون هذه الروايات بالإضافة إليها مرجوحة لا يمكن الالتفات إليها بالكلية.
    ( ولا بأس ب‍ ) السجود على ( القرطاس ) بلا خلاف فيه في الجملة ، بل‏
1 ـ الكافي 3 : 390 / 14 ، الفقيه 1 : 169 / 798 ، التهذيب 2 : 310 / 1256 ، الاستبصار 1 : 336 / 1263 ، الوسائل 5 : 164 أبواب مكان المصلي ب 28 ح 3.
2 ـ التهذيب 3 : 295 / 895 ، الوسائل 5 : 354 أبواب ما يسجد عليه ب 6 ح 6.
3 ـ الفقيه 1 : 175 / 828 ، التهذيب 2 : 303 / 1224 ، الاستبصار 1 : 334 / 1255 ، الوسائل 5 : 354 أبواب ما يسجد عليه ب 6 ح 4.
4 ـ انظر البحار 82 : 156 ، والحدائق 7 : 256.
5 ـ الوسائل 5 : 343 أبواب ما يسجد عليه ب 1 ، وص 353 ب 6 من تلك الأبواب ح 1 ، 3.


(48)
عليه الإجماع في ظاهر جماعة (1) ، وصريح المسالك والروضة (2) ، والصحاح به مع ذلك مستفيضة ، منها : عن القراطيس والكواغذ المكتوبة هل يجوز السجود عليها أم لا ؟ فكتب : « يجوز » (3).
    وعمومه من وجهين ، كإطلاق البواقي وكلام الأصحاب ، على الظاهر ـ المصرح به في كلام جماعة (4) ـ يقتضي عدم الفرق في القرطاس بين القطن وغيره حتى الإبريسم.
    خلافاًًًًً للفاضل في جملة من كتبه (5) ، وغيره (6) ، فاعتبروا كونه مأخوذاً من غير الإبريسم ، لأنّه ليس بأرض ولا من نباتها.
    وهو تقييد للنص وكلام الأصحاب من غير دليل ، عدا مراعاة الجمع بينه وبين ما مضى من الأدلّة على اعتبار كون ما يسجد عليه أرضاً أو ما أنبته (7) بحملها على ظاهرها ، وإرجاع إطلاق النص والفتاوى هنا إليها ، بتقييده بما إذا كان من نبات الأرض لا مطلقاً. ولا دليل عليه ، مع عدم إمكانه ، من حيث اشتمال القرطاس على النورة المستحيلة ، فلا فرد له آخر يبقى بعد التقييد أو التخصيص ، بل لا بد من طرحه ، أو العمل به بإطلاقه ، والأوّل باطل اتفاقاً ، فتوى ونصاً ، فتعين الثاني.
1 ـ منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 2 : 165 ، والشهيد الثاني في روض الجنان : 223 ، وصاحب المدارك 3 : 249
2 ـ المسالك 1 : 26 ، الروضة البهيّه 1 : 227.
3 ـ الفقيه 1 : 176 / 830 ، التهذيب 2 : 309 / 1250 ، الاستبصار 1 : 334 / 1257 ، الوسائل 5 : 355 أبواب ما يسجد عليه ب 7 ح 2.
4 ـ منهم الشهيد في الذكرى : 160 ، المحقق الثانى في جامع المقاصد 2 : 164.
5 ـ كالتذكرة 1 : 92 ، ونهاية الإِحكام 1 : 362.
6 ـ كالشهيد في الذكرى : 160 والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2 : 164.
7 ـ راجع ص : 39.


(49)
    ولا يتوجه حينئذ أن يجعل إطلاق النص هنا مقيّداً لما مضى بالنسبة إلى النورة خاصة ، ويعكس بالنسبة إلى غيرها ؛ لأن هذا تخريج بُحت لا يمكن المصير إليه قطعاً ، لعدم شاهد عليه أصلاً.
    ثمَّ إن كل ذا على تقدير صدق كونه من نبات الأرض عرفاً إن اتخذ منه ، وعدم خروجه واستحالته بصيرورته قرطاساً إلى حقيقة أُخرى ، وإلّا فلا إشكال في كون إطلاق النص والفتوى هنا مقيّداً للأدلّة المانعة عن السجود على ما ليس بأرض ولا نباتها ، فإن التعارض بينهما حينئذ تعارض العموم والخصوص مطلقاً لا من وجه ، والجمع بينهما لا يكون إلّا بتخصيص العام بالخاص قطعاً.
    مع أن على قولهم ، لو شك في جنس المتّخذ منه ـ كما هو الأغلب ـ لم يصح السجود عليه ؛ للشك في حصول شرط الصحة ، وبهذا ينسدّ باب السجود عليه غالباً ، وهو غير مسموع في مقابل النص وعمل الأصحاب.
    وبالجملة فما ذكروه من التقييد ضعيف.
    وأضعف منه توقّف الشهيد في أصل السجود عليه مطلقاً ، حيث قال : و في النفس من القرطاس شي‏ء ، من حيث اشتماله على النورة المستحيلة عن اسم الأرض بالإحراق ، قال : إلّا أن نقول : الغالب جوهر القرطاس ، أو نقول : جمود النورة يردّ إليها اسم الأرض (1).
    فإن هذا الإيراد متوجّه لو لا خروج القرطاس بالنص الصحيح وعمل الأصحاب.
    وما دفع به الإشكال غير واضح ؛ فإن أغلبيّة المسوّغ لا تكفي مع امتزاجه بغيره وانبثاث أجزائهما بحيث لا يتميّز. وكون جمود النورة يردّ إليها اسم الأرض في غاية الضعف.
1 ـ الذكرى : 160.

(50)
    ( ويكره منه ما فيه كتابة ) بلا خلاف ؛ للصحيح : عليه أنه السلام كره أن يسجد على قرطاس عليه كتابة (1).
    والكراهة فيه مراد بها المعنى الاصطلاحي بالإجماع والصحيح الماضي (2).
    هذا إن لاقى الجبهة ما يقع عليه اسم السجود خالياً من الكتابة ، وإلّا فلم يجز ، كما أنه لا يكره إذا كانت الكتابة من طين ونحوه مما يصح السجود عليه ، لأنه فرد نادر لا ينصرف إليه إطلاق النص والفتوى.
    ( ويراعى فيه أن يكون مملوكاً ) للمصلّي ولو منفعة ( أو مأذوناً فيه ) كما مضى (3) ( خالياً من النجاسة ) إجماعاًً محققاً ، ومحكيا في كلام جماعة ، كالغنية والمعتبر والمنتهى والمختلف والتذكرة والذكرى وروض الجنان وشرح القواعد للمحقق الثاني (4) ، وغيرهم (5).
    ولظواهر المعتبرة المستفيضة ، ففي الصحيح : عن البول يكون على السطح وفي المكان الذي يصلّى فيه ، فقال : « إذا جفّفته الشمس فصلّ عليه فهو طاهر » (6).
    وقريب منه الصحيح المتقدم المتضمن للسؤال عن السجود على الجصّ الموقد عليه النار وعظام الموتى ، والجواب عنه بقوله : « إن الماء والنار قد
1 ـ الكافي 3 : 332 / 12 ، التهذيب 2 : 304 / 1232 ، الاستبصار 1 : 334 / 1256 ، الوسائل 5 : 356 أبواب ما يسجد عليه ب 7 ح 3.
2 ـ رجع ص 47.
3 ـ في ص 5 ، 6.
4 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 555 ، المعتبر 2 : 121 ، المنتهى 1 : 242 ، المختلف : 83 ، التذكرة 1 : 87 ، الذكرى : 160 ، روض الجنان : 221 ، جامع المقاصد 2 : 126.
5 ـ انظر مجمع الفائدة والبرهان 2 : 115.
6 ـ الفقيه 1 : 157 / 732 ، الوسائل 3 : 451 أبواب النجاسات ب 29 ح 1.


(51)
طهّراه » (1).
    وقريب منهما النصوص الدالة على اشتراط جعل الكنيف مسجداً بتطهيره بالتراب (2) ، والنبوي : « جنّبوا مساجدكم النجاسة » (3).
    وأما المعتبرة ـ الواردة بجواز الصلاة في الأمكنة التي أصابها البول والمني إذا كانت يابسة (4) ـ فغير واضحة المعارضة ، بعد قوة احتمال اختصاصها بإرادة ما عدا موضع الجبهة ، كما فهمه الأصحاب الذين لم يشترطوا طهارة ما عدا موضعها إذا لم تتعدّ النجاسة ، حيث استدلوا بها في تلك المسألة (5).
    وفيها أيضاً ضعف دلالة من وجه آخر ، ليس لذكره كثير فائدة.
    وأما ما ينقل عن الراوندي وصاحب الوسيلة : من المخالفة في المسألة (6) ، فغير معلومة ، كما بيّنته في شرح المفاتيح بما لا مزيد عليه.
1 ـ راجع ص : 40.
2 ـ الوسائل 5 : 209 أبواب أحكام المساجد ب 11.
3 ـ تذكرة الفقهاء 1 : 91 ، الوسائل 5 : 229 أبواب أحكام المساجد ب 24 ح 2.
4 ـ الوسائل 3 : 451 أبواب النجاسات ب 29.
5 ـ راجع ص 18 ، 19.
6 ـ حكاه عنهما في المعتبر 1 : 446.


(52)
    ( والنظر ) هنا يقع ( في ) أُمور أربعة ( المؤذّن ، وما يؤذّن له ، وكيفية الأذان ، ولواحقه. )
    ( أما المؤذّن فيعتبر فيه ) لصحة أذانه والاعتداد به ( العقل ) حال الأذان ، ( و ) كذا ( الإسلام ) إجماعاًً ، على الظاهر ، المصرّح به في المعتبر والتذكرة والمنتهى وشرح القواعد للمحقق الثاني والذكرى وروض الجنان (1) ، لكن في الأخير خاصّة (2).
    وهو الحجة ؛ مضافاًً إلى الموثقة الآتية (3).
    وأنه عبادة توقيفية يجب الاقتصار فيها على المتيقن ثبوته من الشريعة ، وليس إلّا إذا كان المؤذّن متّصفاً بهذين الوصفين.
    ولأنه أمين وضامن ، كما في النصوص من طرق الخاصة والعامة ، منها :
    « المؤذّن مؤتمن ، والإمام ضامن » (4) ومنها في المؤذّنين : « إنهم الْاُمناء » (5).
    والكافر والمجنون لا أمانة لهما ، مع كون عبارة الأخير مسلوبة العبرة ، فكأنه ما صدر منه أذان أصلاً. وفي حكمه الصبي الغير المميز.
1 ـ المعتبر 2 : 125 ، التذكرة 1 : 107 ، المنتهى 1 : 257 ، جامع المقاصد 2 : 157 ، الذكرى : 172 ، روض الجنان : 242.
2 ـ أي : ادعّى الإجماع في روض الجنان على اعتبار الإسلام خاصة.
3 ـ فى ص 53.
4 ـ التهذيب 2 : 282 / 1121 ، الوسائل 5 : 378 أبواب الأذان والاقامة ب 3 ح 2 ، ورواه في سنن أبي داوود 1 : 143 / 517 ، ومسند أحمد 2 : 378 ، وسنن الترمذي 1 : 133 / 207.
5 ـ الفقيه 1 : 189 / 898 ، الوسائل 5 : 379 أبواب الأذان والإِقامة ب 3 ح 6.


(53)
    وفي اشتراط الإيمان قولان ، ظاهر الأكثر لا ؛ للنصوص الظاهرة في جواز الاعتماد على أذان هؤلاء ، منها الصحيح : « صلّ الجمعة بأذان هؤلاء ، فإنهم أشدّ شي‏ء مواظبة على الوقت » (1).
    وفي الخبر : « إذا نقص المؤذّن الأذان وأنت تريد أن تصلّي بأذانه فأتمّ ما نقص هو من أذانه » (2).
    والأصح اشتراطه ، وفاقاً لجماعة (3) ؛ لما مر من القاعدة ، ولبطلان عبادة المخالف ، كما في النصوص الكثيرة (4) ، وخصوص النبوي : « يؤذّن لكم خياركم » (5) خرج منه المجمع على جوازه ، فبقي الباقي.
    وللموثق : عن الأذان ، هل يجوز أن يكون من غير عارف؟ قال : « لا يستقيم الأذان ولا يجوز أن يؤذّن به إلّا رجل مسلم عارف ، فإن علم الأذان وأذّن به ولم يكن عارفاً لم يجز أذانه ولا إقامته ، ولا يقتدى به » (6). والمراد بالعارف الإمامي ، كما يستفاد من تتبّع النصوص.
    وفي الصحيح : « إذا دخل الرجل المسجد وهو لا يأتمّ بصاحبه ، وقد بقي على الإمام آية أو آيتان ، فخشي إن هو أذّن وأقام أن يركع فليقل : قد قامت‏
1 ـ الفقيه 1 : 189 / 899 ، التهذيب 2 : 284 / 1136 ، الوسائل 5 : 378 أبواب الأذان والإِقامة ب 3 ح 1.
2 ـ التهذيب 2 : 280 / 1112 ، الوسائل 5 : 437 أبواب الاذان والإِقامة ب 30 ح 1.
3 ـ منهم الشهيد الثاني في روض الجنان : 243 ، وصاحب المدارك 3 : 269 ، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 206
4 ـ الوسائل 1 : 118 أبواب مقدمة العبادات ب 29.
5 ـ الفقيه 1 : 185 / 880 ، الوسائل 5 : 410 أبواب الأذان والإِقامة ب 16 ح 3.
6 ـ الكافي 3 : 304 / 13 ، التهذيب 2 : 277 / 1101 ، الوسائل 5 : 431 أبواب الأذان والإِقامة ب 26 ح 1.


(54)
الصلاة ، اللّه أكبر اللّه أكبر ، لا إله إلّا اللّه ، وليدخل في الصلاة » (1).
    وفي الخبر : « أذّن خلف من قرأت خلفه » (2).
    ولا يعارضها الخبران السابقان (3) ، وإن صحّ أوّلهما ، وانجبر بالشهرة ثانيهما (4) ؛ لقصور دلالتهما ، فالأوّل باحتمال أن يكون المراد جواز الاعتداد بأذانه في معرفة الوقت ، حيث لا يمكن العلم بدخوله ، بناءًً على حصول الظن منه به ، لا ترك الأذان بسماع أذانه ، فتأمّل.
    والثاني باحتمال اختصاص المؤذّن فيه بالمؤمن المنقص لبعض الفصول سهواً لا مطلقاًً.
    ( ولا يعتبر فيه البلوغ ) ولا الحرية ( فالصبي ) المميز يجوز أن ( يؤذّن و ) كذا ( العبد ) إجماعاًً ، على الظاهر ، المصرّح به في المنتهى والتذكرة فيهما معاً (5) ، وفي الخلاف والمعتبر والذكرى وشرح القواعد للمحقق الثاني في الأوّل خاصّة (6).
    وهو الحجة ؛ مضافاًً إلى العموم في الأخير ؛ مضافاًً إلى فحوى ما دلّ على جواز إمامته (7) ، كما يأتي إن شاء اللّه تعالى ، وخصوص المعتبرة المستفيضة في الأول ، وفيها الصحيح وغيره : « لا بأس أن يؤذن الذي لم يحتلم » (8).
1 ـ الكافي 3 : 306 / 22 ، التهذيب 2 : 281 / 1116 ، الوسائل 5 : 443 أبواب الأذان والإِقامة ب 34 ح 1.
2 ـ التهذيب 3 : 56 / 192 ، الوسائل 5 : 443 أبواب الأذان والإِقامة ب 34 ح 2.
3 ـ المتقدم في ص : 52.
4 ـ في « ل » وهامش « ش » و « ح » زيادة : مع أنه روي مضمونه صحيحاً أيضاً.
5 ـ المنتهى 1 : 257 ، التذكرة 1 : 107.
6 ـ الخلاف 1 : 281 ، المعتبر 2 : 125 ، الذكرى : 172 جامع المقاصد 2 : 175.
7 ـ الوسائل 8 : 325 أبواب صلاة الجماعة ب 16.
8 ـ التهذيب 2 : 280 /1112 ، الوسائل 5 : 440 أبواب الأذان والإِقامة ب 32 ح 1.


(55)
    وبها ـ مضافاًً إلى الإجماع ـ يخصّ ما دلّ على اعتبار أمانة المؤذّن ، وحديث : « يؤذّن لكم خياركم » (1).
    ( و ) يشترط المذكورة أيضاً في الاعتداد عند الأكثر ، إلا أن ( تؤذّن المرأة للنساء ) أو المحارم ( خاصة ) لظاهر الموثق السابق : « لا يؤذّن إلّا رجل مسلم عارف » (2) وإن لم يبق على عمومه ، لجواز أذان الصبي ، وأذانها لهنّ وللمحارم إذا لم يسمعها الأجانب ، فإن العام المخصّص حجّة في الباقي.
    قيل : ولأنها إن أسرّت لم يسمعوا ، ولا اعتداد بما لا يُسمع ، وإن جهرت كان أذاناً منهياً عنه ، فيفسد للنهي ، فكيف يعتدّ به (3).
    ويضعف ـ بعد تسليم النهي ـ بأنه عن كيفيته ، وهو لا يقتضي فساده.
    وأيضاً : فلا يتمّ فيما إذا جهرت وهي لا تعلم بسماع الأجانب ، فاتفق أن سمعوه.
    وأيضاً : فاشتراط السماع في الاعتداد ممنوع ، وإلّا لم يكره للجماعة الثانية ما لم تتفرق الاُولى ، كذا قيل (4).
    وفي جميعه نظر ، ما عدا الوجه الثاني ، فإنه حسن ، إلّا أنه يحتمل خروج ما فرض فيه عن محلّ النزاع.
    خلافاًًًًً للمبسوط ، فأطلق اعتداد الرجال بأذانها (5).
    قيل : إن أراد الاعتداد مع الإسرار فهو بعيد ، لأن المقصود بالأذان‏
1 ـ المتقدم في ص 52 ، 53.
2 ـ راجع ص 53.
3 ـ قال به المحقق في المعتبر 2 : 127 ، والعلّامة في المنتهى 1 : 257 ، التذكرة 1 : 107 ، والمختلف : 88.
4 ـ قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 206.
5 ـ المبسوط 1 : 97.


(56)
الإبلاغ ، وعليه دلّ قوله صلّى اللّه عليه وآله : « ألقه على بلال ، فإنه أندى (1) منك صوتاً » (2). وإن أراد مع الجهر فأبعد ؛ للنهي عن سماع صوت الأجنبية ، إلّا أن يقال : إنه ـ من قبيل الأذكار وتلاوة القرآن ـ مستثنى ، كما استثني الاستفتاء من الرجال ، وتعلّمهن منهم والمحاورات الضرورية (3).
    والأجود في الجواب : عدم دليل على جواز الاعتداد بأذانها ؛ لاختصاص ما دلّ على جواز الاعتداد بأذان الغير بحكم التبادر وغيره بغير أذانها ، فيكون بالأصل مدفوعاً ، مضافاً إلى ما قدّمناه للمشهور دليلاً من الموثقة وغيرها.
    ( ويستحب أن يكون عدلاً ) بلا خلاف إلّا من الإسكافي (4) ، فأوجبه.
    وهو شاذّ ، بل على خلافه الإجماع في صريح المنتهى وظاهر المحقق الثاني والشهيد في الذكرى (5).
    وهو الحجة عليه ؛ مضافاً إلى النصوص المتقدمة في الصبي (6) ، لعدم تعقل اتصافه بالعدالة بناءً على أنها من أوصاف المكلفين.
    قيل : ويحتمل أن يريد عدم الاعتداد به في دخول الوقت (7). وعليه فلا خلاف.
1 ـ اي أرفع وأعلى ، وقيل : أحسن وأعذب ، وقيل : أبعد ، النهاية لابن الأثير 5 : 37.
2 سنن البيهقي 1 : 390 ، 391 ، سنن أبي داوود 1 : 141 / 512.
3 ـ قال به الشهيد في الذكرى : 172.
4 ـ حكاه عنه في المختلف : 90 ، والذكرى : 172.
5 ـ المنتهى 1 : 257 ، جامع المقاصد 2 : 176 ، الذكرى : 172.
6 ـ في ص 54.
7 ـ قال به الفاضل الهندى في كشف اللثام 1 : 206.


(57)
    ( صيّتاً ) شديد الصوت كما عن جماعة من اللغويين (1) (2) ؛ لما مرّ من قوله صلّى اللّه عليه وآله : « القه على بلال ، فإنه أندى منك صوتاً » (3). ولغيره من النصوص ، وفيها الصحيح وغيره (4). ولأن إبلاغه أبلغ ، والمنتفعين بصوته أكثر.
    مبصراً ، ليتمكن من معرفة الوقت.
    ( بصيراً بالأوقات ) التي يؤذّن لها.
    ولا خلاف في جواز أذان غيرهما ، فإن ابن أُمّ مكتوم كان يؤذّن لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله (5) ، والجاهل بالأوقات ليس أسوأ حالاً من الأعمى ، لكنهما إنما يجوز لهما أن يؤذّنا إذا سدّدا ، ولا يعتمد على أذانهما في دخول الوقت.
    نعم ، إذا عُلِم الوقت وأذنّا اكتفي بأذانهما ؛ للأصل ، والعمومات.
    ( متطهراً ) من الحدثين ، إجماعاًً ، على الظاهر ، المصرّح به في المعتبر والمنتهى والتذكرة (6) ، وغيرها (7).
    وهو الحجّة ؛ مضافاً إلى النبوي المشهور : « حقّ وسنّة أن لا يؤذّن أحد إلّا وهو طاهر » (8).
    وظاهره عدم الوجوب ، كما في المعتبرة المستفيضة ، وفيها الصحاح‏
1 ـ انظر الصحاح 1 : 257 ، ولسان العرب 2 : 57.
2 ـ في هامش « ش » و « ل » : ولاخلاف فيه أيضاً كما صرح به في المنتهى 1 : 258.
3 ـ راجع ص 56.
4 ـ الوسائل 5 : 409 أبواب الأذان والإِقامة ب 16.
5 ـ انظر الوسائل 5 : 389 أبواب الأذان والإِقامة ب 8 ح 2 ، 3.
6 ـ المعتبر 2 : 127 ، المنتهى 1 : 257 ، التذكرة 1 : 107.
7 ـ راجع الخلاف 1 : 280 ، وجامع المقاصد 2 : 176 ، وكشف اللثام 1 : 206.
8 ـ سنن البيهقي 1 : 397.


(58)
و غيرها (1).
    وفيها الدلالة على لزومه في الإقامة ، كما عليه جماعة (2) ؛ لسلامتها عن المعارض بالكلية ، عدا الأصل ، ويجب تخصيصه بها ، فما عليه الأكثر من الاستحباب فيها أيضاً غير ظاهر الوجه.
    ( قائماً ) إجماعاًً ، كما في الكتب المتقدمة ، ونهاية الإحكام للعلّامة (3) ؛ وللنص المحمول على الاستحباب (4) ، للمعتبرة المستفيضة بجواز الترك ، وفيها أيضاً الصحاح وغيرها (5).
    وظاهرها اللزوم في الإقامة أيضاً ، كما هو ظاهر المفيد والنهاية (6) ، وتبعهما جماعة (7).
    خلافاًًًًً للأكثر ، فكما مر. نعم في بعض الأخبار الرخصة في الإقامة وهو ماش إلى الصلاة (8) ، وعن المقنع : وإن كنت إماماً فلا تؤذّن إلّا من قيام (9).
    و يستحب قيامه ( على ) موضع ( مرتفع ) بلا خلاف إلّا من المبسوط ، فقال : لا فرق بين أن يكون الأذان في المنارة أو على الأرض (10).
1 ـ الوسائل 5 : 391 أبواب الأذان والإِقامة ب 9.
2 ـ منهم الحلّي في السرائر 1 : 211 ، العلّامة في نهاية الإِحكام 1 : 423 ، الفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 206.
3 ـ نهاية الإِحكام 1 : 423.
4 ـ التهذيب 2 : 57 / 199 ، الاستبصار 1 : 30 / 1120 ، الوسائل 5 : 404 أبواب ألاذان والإِقامة ب 13 ح 11.
5 ـ الوسائل 5 : 401 أبواب الأذان والإِقامة ب 13.
6 ـ المفيد في المقنعة : 101 ، النهاية : 66.
7 ـ منهم صاحب الحدائق 7 : 341 ، والقاضي في المهذّب 1 : 89 أوجبه في صلاة الجماعة.
8 ـ التهذيب 2 : 282 / 1125 ، الوسائل 5 : 403 أبواب الأذان والإِقامة ب 13 ح 9.
9 ـ المقنع : 27 ، المستدرك 4 : 33 أبواب الأذان والإِقامة ب 12 ح 3.
10 ـ المبسوط 1 : 96.


(59)
    والظاهر أن مراده المساواة في الإجزاء أو الاستحباب ، وإلّا فإنه قال :
    ويستحب أن يكون المؤذّن على موضع مرتفع (1). وكيف كان فهو على تقدير المخالفة شاذ بل على خلافه في التذكرة ونهاية الإحكام الإجماع (2).
    وهو الحجة ؛ مضافاً إلى الخبر ـ بل هو في المحاسن صحيح ، كما قيل (3) ـ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله : « أنه كان يقول إذا دخل الوقت : يا بلال ، اُعلُ فوق الجدار وارفع صوتك بالأذان » (4).
    مع أنه أبلغ في الإبلاغ المقصود من شرعيته.
    ( مستقبل القبلة ) إجماعاًً ، محققاً ومحكياً (5). والكلام في وجوبه في الإقامة وعدمه كما تقدم في سابقة فتوى ودليلاً.
    ويتأكّد في الشهادتين ؛ للصحيح : عن الرجل يؤذّن وهو يمشي ، قال : « نعم ، إذا كان في التشهّد مستقبل القبلة فلا بأس » (6).
    ( رافعاً ) به ( صوته ) للصحاح المستفيضة ، منها ـ زيادة على ما مر ـ : عن الأذان ، فقال : « اجهر بصوتك ، وإذا أقمت فدون ذلك » (7).
    ومنها : « كلّما اشتدّ صوتك من غير أن تجهد نفسك كان من يسمع أكثر ، وكان أجرك في ذلك أعظم » (8).
1 ـ المبسوط 1 : 98.
2 ـ التذكرة 1 : 107 ، نهاية الإِحكام 1 : 424.
3 ـ قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 206.
4 ـ المحاسن : 48 / 67 ، ورواه في الكافي 3 : 307 / 31 ، التهذيب 2 : 58 / 206 ، الوسائل 5 : 411 أبواب الأذان والإِقامة ب 16 ح 7.
5 ـ كما في النهاية الإِحكام 1 : 423 ، والحدائق 7 : 344.
6 ـ الفقيه 1 : 185 / 878 ، التهذيب 2 : 56 / 196 ، الوسائل 5 : 403 أبواب الاذان والاقامة ب 13 ح 7.
7 ـ الفقيه 1 : 185 / 876 ، الوسائل 5 : 409 أبواب الأذان والإِقامة ب 16 ح 1.
8 ـ الفقيه 1 : 184 / 875 ، الوسائل 5 : 410 أبواب الأذان والإِقامة ب 16 ح 2.


(60)
    ومنها : « إذا أذّنت فلا تخفينّ صوتك ، فإن اللّه تعالى يأجرك مدّ صوتك فيه » (1).
    ( وتُسرُّ به المرأة ) عن الأجانب ؛ لأن صوتها عورة ، يجب سترة أو يستحب.
    وظاهر العبارة استحباب السرّ أو وجوبه مطلقاً (2) ، ولا وجه له على التقدير الأخير. ولا بأس به على الأول ؛ لأنه أنسب بالحياء المطلوب منها ، كما يرشد إليه من النصوص ما مرّ في استحباب أن لا تحضر المساجد ، وأن صلاتها في بيتها أفضل منها فيه (3).
    ( ويكره الالتفات به يميناً وشمالاً ) لمنافاته الاستقبال المأمور به ، كما مضى ، خلافاًًًًً لبعض العامة العمياء (4).
    ( ولو أخلّ بالأذان والإِقامة ساهياً (5) وصلّى تداركهما ) استحباباً ( ما لم يركع واستقبل صلاته. ولو تعمد ) الإخلال بهما ( لم ) يجز أن ( يرجع ) على الأظهر الأشهر ، بل لعله عليه عامة من تأخر ؛ للصحيح : « إذا افتتحت الصلاة فنسيت أن تؤذّن وتقيم ثمَّ ذكرت قبل أن تركع فانصرف وأذّن وأقم واستفتح الصلاة ، وإن كنت قد ركعت فأتمّ على صلاتك (6).
    وفيه الدلالة على حكمي النسيان والعمد منطوقاً في الأول ، ومفهوماً في‏
1 ـ التهذيب 2 : 58 / 205 ، الوسائل 5 : 410 أبواب الأذان والإِقامة ب 16 ح 5.
2 ـ اي : ولو عن المحارم.
3 ـ راجع ص 23.
4 ـ انظر المغني والشرح الكبير لابني قدامة 1 ، 472.
5 ـ في المختصر المطبوع : ناسياً.
6 ـ التهذيب 2 : 278 / 1103 ، الاستبصار 1 : 304 / 1127 ، الوسائل 5 : 434 أبواب الأذان والإِقامة ب 29 ح 3.
رياض المسائل ـ الجزء الثالث ::: فهرس