رياض المسائل ـ الجزء الثالث ::: 61 ـ 75
(61)
الثاني ، وبه صرح فخر المحققين (1).
    ويعضد الثاني ـ زيادة عليه ـ عموم دليل تحريم إبطال العمل ، مع اختصاص ما دلّ على جوازه هنا بالصورة الاولى.
    والأمر بالإعادة في الرواية في هذه الصورة محمول على الندب ؛ بدلالة المعتبرة المستفيضة ، ففي الصحيح : رجل نسي الأذان والإِقامة حتى دخل في الصلاة ، قال : « ليس عليه شي‏ء » (2).
    ونحوه آخر ، بزيادة التعليل بقوله : « فإنما الأذان سنّة » (3).
    وفي الخبر : رجل ينسى الأذان والإِقامة حتى يكبّر ، قال : « يمضي على صلاته ولا يعيد » (4). ونحوه غيره (5).
    خلافاًًًً للنهاية والسرائر ، فقالا بالعكس : يرجع إذا لم يركع مع تعمّد الإخلال ، ويمضي مع النسيان (6).
    وللمبسوط ، فأطلق الرجوع ما لم يركع (7).
    وحجة القولين غير واضحة ، مع مخالفتهما الأصل المتقدّم في العمد ؛ مضافاً إلى مخالفتهما الصحيح المعتضد بفتوى الأكثر.
1 ـ في إيضاح الفوائد 1 : 97.
2 ـ التهذيب 2 : 285 / 1140 ، الاستبصار 1 : 305 / 1131 ، الوسائل 5 : 434 أبواب الأذان والإِقامة ب 29 ح 2.
3 ـ التهذيب 2 : 285 / 1139 ، الاستبصار 1 : 304 / 1130 ، الوسائل 5 : 434 أبواب الأذان والإِقامة 29 ح 1.
4 ـ التهذيب 2 : 279 / 1106 ، الاستبصار 1 : 302 / 1121 ، الوسائل 5 : 436 أبواب الأذان والإِقامة ب 29 ح 7.
5 ـ التهذيب 2 : 279 / 1107 ، الاستبصار 1 : 303 / 1122 ، الوسائل 5 : 436 أبواب الأذان والإِقامة ب 29 ح 8.
6 ـ النهاية : 65 ، السرائر 1 : 209.
7 ـ المبسوط 1 : 95.


(62)
    نعم يمكن الاستدلال ـ لما في النهاية لصورة النسيان ـ بالمستفيضة المتقدمة ، الدالة على عدم الإعادة فيها ، وحيث لا إعادة حرم ؛ للأصل المتقدم بتحريم إبطال العمل.
    ولصورة العمد بالخبر : عن رجل نسي أن يؤذّن ويقيم حتى كبّر ودخل في الصلاة ، قال : « إن كان دخل المسجد ومن نيّته أن يؤذّن ويقيم فليمض في صلاته ولا ينصرف » (1).
    فإن مفهومه عدم الإمضاء في الصلاة إذا لم يكن من نيّته الأذان ، وهو عام شامل لصورة العمد.
    وفي الجميع نظر ؛ لضعف هذا الخبر سنداً ، بل ويحتمل دلالة ، فتدبّر.
    وعدم دلالة المستفيضة إلّا على عدم لزوم الرجوع لا حرمته ، واستفادتها من الأصل المتقدم حسن ، إن لم تكن الصحيحة السابقة ـ الصريحة في الرخصة ، لا أقلّ منها ـ موجودة ، وأما معها فيجب تخصيص الأصل بها ، سيّما مع اعتضادها بالشهرة ، وبأخبار أُخر محتملة الموافقة لها في الدلالة على الرخصة ، منها الصحيح : في الرجل ينسى الأذان والإِقامة حتى يدخل في الصلاة ، قال : « إن كان ذكر قبل أن يقرأ فليصلّ على النبي صلّى اللّه عليه وآله وليقم ، وإن كان قد قرأ فليتمّ صلاته » (2).
    والحسن : عن الرجل يستفتح الصلاة ثمَّ يذكر أنه لم يُقِم ، قال : « فإن ذكر أنه لم يقم قبل أن يقرأ فليسلّم على النبي صلّى اللّه عليه وآله ثمَّ يقيم‏
1 ـ التهذيب 2 : 279 / 1107 ، الاستبصار 1 : 303 / 1122 ، الوسائل 5 : 436 أبواب الأذان والإِقامة ب 29 ح 8.
2 ـ التهذيب 2 : 278 / 1102 ، الاستبصار 1 : 303 / 1126 ، وليس في « وليقم » ، الوسائل 5 : 434 أبواب الأذان والإِقامة ب 29 ح 4.


(63)
و يصلّي ، وإن ذكر بعد ما قرأ بعض السورة فليتمّ على صلاته » (1).
    قال في الذكرى ـ بعد نقلهما ـ : أشار بالصلاة على النبي أوّلاً وبالسلام في هذه الرواية إلى قطع الصلاة ، فيمكن أن يكون السلام على النبي صلّى اللّه عليه وآله قاطعاً لها ، ويكون المراد بالصلاة هناك السلام ، وأن يراد الجمع بين الصلاة والسلام ، فيجعل القطع بهذا من خصوصيات هذا الموضع ؛ لأنه قد روي أن التسليم على النبي صلّى اللّه عليه وآله آخر الصلاة ليس بانصراف (2).
    ويمكن أن يراد القطع بما ينافي الصلاة إما استدبار أو كلام ، ويكون التسليم على النبي مبيحاً لذلك (3).
    وظاهره ـ كما ترى ـ القطع بموافقة هاتين الروايتين الصحيحةَ في الدلالة على الرخصة ، كما هو أيضاً ظاهر جماعة (4) ، وأجابوا عن منافاتهما لها ـ من حيث الدلالة على المضي وعدم الرجوع إن شرع في القراءة ـ بجواز أن يكون الوجه أن الرجوع قبل القراءة آكد منه بعدها.
    ولعل إذعانهم بدلالتهما على ما في الصحيحة ـ من جواز القطع ـ إنما هو للجمع بين الأدلّة ، وإلّا فلا دلالة لهما عليه ظاهراً ؛ لقوة احتمال أن يكون المراد الإتيان بالصلاة على النبي أو السلام ثمَّ الإقامة ثمَّ إتمام الصلاة من دون قطع.
    ولا استبعاد فيه بعد ورود جملة من النصوص بمعناه ، ففي الخبر : قلت‏
1 ـ التهذيب 2 : 278 / 1105 ، الاستبصار 1 : 304 / 1129 ، الوسائل 5 : 435 أبواب الأذان والإِقامة ب 29 ح 5.
2 ـ الفقيه 1 : 229 / 1014 ، التهذيب 2 : 316 / 1292 ، مستطرفات السرائر : 97 / 16 ، الوسائل 6 : 426 أبواب التسليم ب 4 ح 2.
3 ـ الذكرى : 174.
4 ـ منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 210 ، صاحب المدارك 3 : 274 ، 275.


(64)
لأبي الحسن الرضا عليه السلام : جعلت فداك ، كنت في صلاتي فذكرت في الركعة الثانية وأنا في القراءة أنى لم أُقم ، فكيف أصنع ؟ قال : « اسكت موضع قراءتك وقل : قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة ، ثمَّ امض في قراءتك وصلاتك وقد تمّت صلاتك » (1). و قريب منه الرضوي (2).
    وعلى هذا الاحتمال تخرج الروايتان عن حيّز الاعتضاد ، ويبقى الكلام في جواز العلم بهما على هذا لاحتمال وما شابههما.
    واستشكله الشهيد ـ رحمه اللّه ـ في الذكرى ، فقال : ويشكل بأنه كلام ليس من الصلاة ولا من الأذكار (3).
    وأجيب عنه (4) باحتمال كون هذا مستثنى ، ولا بُعد فيه بعد ورود النص به ، سيّما مع وجود النظائر المتفق عليها ، كغسل دم الرعاف ، وقتل الحية ، وإرضاع الصبي في الصلاة ، مع خروجها عنها اتفاقاً ، فلا يبعد كون ما نحن فيه كذلك أيضاً.
    وهو حسن إن لم تشذّ الرواية الدالّة عليه ، وإلّا ـ كما هو الظاهر ـ فلا. سيّما مع قصور الصريح منها كالرضوي وسابقة سنداً ، والصحيح وما بعده دلالة ، لقوة احتمال ظهورهما فيما فهمه منها القوم جدّاً ، نظراً إلى قوله عليه السلام : « فليتم على صلاته » فيما إذا شرع في القراءة ، الظاهر في أنه لا يتم عليها قبل الشروع فيها ، ولا يكون ذلك إلّا بإبطالها ظاهرا.
    هذا ، مع قصور الجميع عن مقاومة مستند المشهور جدّاً.
1 ـ التهذيب 2 : 278 / 1104 ، الاستبصار 1 : 304 / 1128 ، الوسائل 5 : 435 أبواب الأذان والإِقامة ب 29 ح 6.
2 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 116 ، المستدرك 4 : 47 أبواب الأذان والإِقامة ب 24 ح 1.
3 ـ الذكرى : 174.
4 ـ الحدائق 7 : 371.


(65)
    وهنا رواية صحيحة ظاهرها جواز الرجوع إلى الإقامة ما لم يفرغ من صلاته ولو بعد الركوع (1).
    ولكنها مطلقة محتملة للتقييد بما قبلها ، كما أجاب به عنها جمع ، ومنهم الفاضل في المختلف ، مدّعياً الإجماع على عدم جواز الرجوع بعد الركوع (2) ، مع أن ظاهر الشيخ في التهذيبين العمل بإطلاقها ، حيث حملها على الاستحباب (3).
    ولعله لمجرد الجمع بين الأخبار من غير أن يقصد به الفتوى ، ولكنها ظاهر بعض متأخّر متأخّري الأصحاب (4). وهو شاذ.
    وهنا أقوال (5) أُخر شاذّة لا جدوى في التعرض لنقلها ولا فائدة مهمة.
    ثمَّ إن ظاهر العبارة ونحوها ـ كالصحيحة الْاُولى (6) ـ اختصاص جواز الرجوع بما إذا نسي الأذان والإِقامة معاً. والأصحّ جوازه للإقامة خاصة أيضاً ، وفاقاً لجماعة (7) ؛ للصحيح والحسن المتقدمين (8) ؛ مضافاً إلى الصحيح الأخير بالتقريب الذي قدمناه في الجمع. وعدمه للأذان وحده ، لعدم الدليل عليه ، لاختصاص النصوص جملة بنسيانهما معا أو الإقامة خاصة ، والأصل حرمة إبطال العمل كما عرفته ، مضافاً إلى دعوى الإجماع عليه في‏
1 ـ التهذيب 2 : 279 / 1110 ، الاستبصار 1 : 303 / 1125 ، الوسائل 5 : 433 أبواب الأذان والإِقامة ب 28 ح 3.
2 ـ المختلف : 88.
3 ـ التهذيب 2 : 279 ، الاستبصار 1 : 303.
4 ـ كالفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1 : 119.
5 ـ في « م » : أخبار.
6 ـ المقنعة في ص 60.
7 ـ منهم العلّامة في المنتهى 1 : 261 والشهيد في الدروس 1 : 165 والنفلية : 18.
8 ـ في ص : 62 ، 63.


(66)
الإيضاح (1).
    خلافاًًًً لثاني المحققين في الأول فلا (2) ، وثاني الشهيدين في الثاني ، فنعم (3). وما أبعد ما بينهما.
    ثمَّ إن الفاضلين في الشرائع والتحرير اقتصرا على نسيان المنفرد (4) » ، ولعله لاكتفاء الجامع بأذان غيره ، مع بعد نسيان الجميع ، أو للتنبيه بالأدنى على الأعلى ، كما في الإيضاح (5).
    ( وأما ما ) يجوز أن ( يؤذّن له ) من الصلوات ( فالصلوات الخمس ) اليومية ومنها الجمعة ( لا غير ) إجماعاًً من المسلمين والعلماء ، كما في المعتبر والمنتهى والذكرى (6) ، وفي شرح القواعد للمحقق الثاني قال : اتفاقا (7).
    وهو الحجة ؛ مضافاً إلى أصالة عدم الشرعية ، واختصاص ما دلّ على ثبوتها باليومية.
    وفي الخبر الوارد في العيدين : « ليس فيهما أذان ولا إقامة ، ولكنه ينادى : الصلاة ، ثلاث مرّات » (8).
    وهو صريح في نفيهما فيهما ، ويتم المطلوب بعدم القائل بالفرق.
1 ـ ايضاح الفوائد 1 : 97.
2 ـ جامع المقاصد 2 : 199.
3 ـ المسالك 1 : 27.
4 ـ الشرائع 1 : 75 ، التحرير 1 : 36.
5 ـ ايضاح الفوائد 1 : 97.
6 ـ المعتبر 2 : 135 ، المنتهى 1 : 260 ، الذكرى : 173 ، وفي « م » : التذكرة ( 1 : 106 ) بدل : الذكرى.
7 ـ جامع المقاصد 2 : 169.
8 ـ الفقيه 1 : 322 / 1473 ، التهذيب 3 : 290 / 873 ، الوسائل 7 : 428 أبواب صلاة العيد ب 7 ح 1.


(67)
    وظاهره استحباب النداء بالصلاة ثلاث مرّات ، كما أفتى به جمع من الأصحاب (1) ، وإن اختلفوا في الاقتصار على مورده أو التعدية إلى غير اليومية مطلقاً ، حتى النوافل. ولا بأس بهذا ـ إن لم يحتمل التحريم ـ مسامحة.
    ولا فرق في استحبابهما لليومية بين أن تكون ( أداءً وقضاءً ) وإن كان استحبابهما في الأداء آكد ، كما عن التذكرة وروض الجنان (2) ، وادعى الأوّل الإجماع عليه.
    و يستحبان ( استحباباً ) مؤكّداً ، سيّما الإقامة مطلقاً ( للرجال والنساء ، المنفرد ) منهما و ( الجامع ) بل التأكّد فيه أقوى.
    كل ذلك على الأظهر الأشهر ، بل لعلّه عليه عامة من تأخّر ؛ للأصل ، والصحاح المستفيضة وغيرها (3) ، الظاهرة ـ بل الصريحة ـ في استحباب الأذان مطلقاً. ويلحق به الإقامة كذلك ؛ لعدم القائل بالفرق بينهما كذلك على الظاهر ، المصرّح به في المختلف (4). وأذعن له جماعة (5). فالقول باستحبابه في كل موضع ووجوبها كذلك خرق للإجماع المركب ، هذا مضافاً إلى بعض المعتبرة الآتية ، الظاهر في استحباب الإقامة أيضاً بالتقريب الذي سيأتي إليه الإشارة (6).
    وفي الصحيح المروي عن علل الصدوق : « والأذان والإِقامة في جميع‏
1 ـ منهم المحقق في الشرائع 1 : 74 ، والعلّامة في القواعد 1 : 30 ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2 : 169.
2 ـ التذكرة 1 : 106 ، روض الجنان : 239.
3 ـ الوسائل 5 : 381 ، 388 أبواب الأذان والإِقامة ب 4 ، 7.
4 ـ المختلف : 88.
5 ـ منهم صاحب المدارك 3 : 258 ، والسبزواري في الذخيرة : 252.
6 ـ في ص : 69.


(68)
الصلوات أفضل » (1).
    وفي الرضوي : « أنهما من السنن اللازمة ، وليستا بفريضة ، وليس على النساء أذان ولا إقامة ، وينبغي لهنّ إذا استقبلن القبلة أن يقلن : أشهد أن لا إله إلّا اللّه ، وأن محمداً رسول اللّه » (2).
    ( وقيل : ) والقائل الشيخان (3) و ( جماعة ) من القدماء (4) ، أنهما ( يجبان في ) صلاة ( الجماعة ) إما مطلقاً ، أو على الرجال خاصّة ، على اختلاف تعابيرهم ؛ للخبر : « إن صلّيت جماعة لم يجز إلّا أذان وإقامة ، وإن كنت وحدك تبادر أمرا تخاف أن يفوتك تجزيك إقامة إلّا الفجر والمغرب ، فإنه ينبغي أن تؤذّن فيهما وتقيم ، من أجل أنه لا تقصر فيهما كما تقصر في سائر الصلوات » (5).
    وهو ـ مع ضعف سنده ، وعدم مكافأته لما تقدم ـ قاصر الدلالة ؛ لأن الإجزاء كما يجوز أن يراد به الإجزاء في الصحّة كذا يجوز أن يراد به الإجزاء في الفضيلة ، وهو إن كان خلاف الظاهر ، لكن به تخرج الرواية عن الصراحة.
    بل لا يبعد دعوى ظهوره من هذه الرواية ، بملاحظة ذيلها المعبّر عن عدم الإجزاء المفهوم من قوله : « وإن كنت وحدك ـ إلى قوله ـ : يجزئك إقامة إلّا الفجر والمغرب » بقوله فيهما : « فإنه ينبغي أن تؤذّن فيهما وتقيم » ولفظة « ينبغي » ظاهرة في الاستحباب.
1 ـ علل الشرائع : 337 / 1 ، الوسائل 5 : 386 أبواب الأذان والإِقامة ب 6 ح 2.
2 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 98. المستدرك 4 : 35 أبواب الأذان والإِقامة ب 13 ح 4 وب 23 ح 2.
3 ـ المفيد في المقنعة : 97 ، الطوسي في النهاية : 64.
4 ـ منهم السيد في جمل العلم والعمل رسائل الشريف المرتضي 3 : 29 ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 556 والقاضي في المهذّب 1 : 88 ، وابن حمزة في الوسيلة : 91.
5 ـ الكافي 3 : 303 / 9 ، التهذيب 2 : 50 / 163 ، الاستبصار 1 : 299 / 1105 ، الوسائل 5 : 388 أبواب الأذان والإِقامة ب 7 ح 1.


(69)
    مضافاً إلى تعيّن إرادته منها هنا بملاحظة ما دلّ من الصحاح المستفيضة وغيرها (1) على استحباب الأذان ، وهو أحد ما يتعلق به لفظة « ينبغي » فتكون بالإضافة إلى الإقامة للاستحباب أيضاً ؛ لوحدة السياق فتأمّل ، وحيث ثبت أن المراد بالإجزاء في ذيلها الاستحباب فكذا في الصدر ، لوحدة السياق. هذا.
    مع أنه معارض ـ زيادة على إطلاق جملة من الصحاح ـ بخصوص جملة من النصوص ، منها : الصحيح المروي عن قرب الإسناد ، عن علي بن رئاب :
قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام قلت : تحضرني الصلاة ونحن مجتمعون في مكان واحد ، أتجزينا إقامة بغير أذان ؟ قال : « نعم » (2).
    والخبر : « إذا كان القوم لا ينتظرون أحداً اكتفوا بإقامة واحدة » (3).
    وقصور سنده ودلالتهما ـ بالأخصّية من المدعى ـ مجبور بالشهرة وعدم القائل بالفرق أصلاً.
    ( ويتأكد الاستحباب ) فيهما ( فيما يجهر فيه ) بالقراءة ، كالصبح والعشاءين ( وآكده الغداة والمغرب ) للمعتبرة المستفيضة ، وفيها الصحاح والموثق وغيرها ، ففي الصحيح : « تجزيك في الصلاة إقامة واحدة إلّا الغداة والمغرب » (4).
    وفيه : « إن أدنى ما يجزي من الأذان أن يفتتح الليل بأذان وإقامة ، ويفتتح‏
1 ـ راجع ص 67.
2 ـ قرب الإسناد : 163 / 596 ، الوسائل 5 : 385 أبواب الأذان والإِقامة ب 5 ح 10.
3 ـ التهذيب 2 : 50 / 164 ، الوسائل 5 : 385 أبواب الأذان والإِقامة ب 5 ح 8.
4 ـ التهذيب 2 : 51 / 168 ، الاستبصار 1 : 300 / 1107 ، الوسائل 5 : 387 أبواب الأذان والإِقامة ب 6 ح 4.


(70)
النهار بأذان وإقامة » (1).
    وفيه : « ولا بد في الفجر والمغرب من أذان وإقامة ، في الحضر والسفر ، لأنه لا تقصير فيهما في حضر ولا سفر ، وتجزيك إقامة بغير أذان في الظهر والعصر والعشاء الآخرة ، والإِقامة والأذان في جميع الصلوات أفضل » (2).
    وصريحه ـ كظاهر البواقي ـ مساواة العشاء للظهرين في استحباب الأذان ، فما في المتن والشرائع (3) ، وعبائر كثير (4) ـ من تأكّده في العشاء ـ غير ظاهر الوجه ، عدا ما وُجّه به في المعتبر والمنتهى : من أن الجهر دليل اعتناء الشارع بالتنبيه والإعلام ، وشرعهما لذلك (5).
    وفي الاستناد إليه ـ سيّما في مقابلة النصوص ـ إشكال ، إلّا أن المقام مقام الاستحباب لا بأس فيه بمتابعة الأصحاب.
    وهذه النصوص وإن أفادت الوجوب في الصلاتين لكنها محمولة على تأكّد الاستحباب ؛ جمعاً بينها وبين الصحاح المستفيضة وغيرها ، وهي ما بين مطلقة للاستحباب ، كما مر (6) ، والصحيح : « أنه عليه السلام كان إذا صلّى وحده في البيت أقام إقامة واحدة ولم يؤذّن » (7).
    والصحيح : « يجزيك إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير أذان » (8).
1 ـ الفقيه 1 : 186 / 885 ، الوسائل 5 : 386 أبواب الأذان والإِقامة ب 6 ح 1 وفيهما كما في « م » زيادة : « وتجزيك في سائر الصلوات إقامة بغير أذان ».
2 ـ علل الشرائع : 337 / 1 ، الوسائل 5 : 386 أبواب الأذان والإِقامة ب 6 ح 2.
3 ـ الشرائع 1 : 74.
4 ـ كما في روض الجنان : 239 ، والذخيرة : 252.
5 ـ المعتبر 2 : 135 ، المنتهى 1 : 260.
6 ـ في ص : 67.
7 ـ التهذيب 2 : 50 / 165 ، الوسائل 5 : 385 أبواب الأذان والإِقامة ب 5 ح 6.
8 ـ التهذيب 2 : 50 / 166 ، الوسائل 5 : 384 أبواب الأذان والإِقامة ب 5 ح 4.


(71)
    ومصرّح به في المغرب ، كالصحيح : عن الإقامة بغير أذان في المغرب ، فقال : « ليس به بأس ، وما أحبّ أن يعتاد » (1).
    ولا قائل بالفرق بينها وبين الغداة ، فالقول بوجوبهما فيهما ـ كما عن العماني والمرتضى والإسكافي (2) ـ ضعيف.
    وأضعف منه مصير الأوّل إلى شرطيّتهما فيهما ، وبطلانهما بدونهما ؛ إذ لا أثر لذلك في النصوص المتقدمة وغيرها أصلاً.
    ( وقاضي الفرائض الخمس ) اليومية ( يؤذّن ) ويقيم ( لأوّل ) صلاة من ( ورده ، ثمَّ يقيم لكل صلاة واحدة ) بلا خلاف ؛ للصحيحين (3) ، والرضوي (4) ، وغيرهما (5).
    ( ولو جمع بين الأذان والإِقامة لكلّ فريضة كان أفضل ) على المشهور بين الأصحاب ، بل لا خلاف فيه ممن يعتدّ به ، وفي الناصرية والخلاف عليه الإجماع (6).
    وهو الحجة ؛ مضافاً إلى إطلاقات أكثر السنّة الواردة باستحباب الأذان والإِقامة في الصلاة ، بل عموم بعضها ، وهو الصحيح المتقدم المتضمن لقوله‏
1 ـ التهذيب 2 : 51 / 169 ، الاستبصار 1 : 300 / 1108 ، الوسائل 5 : 387 أبواب الأذان والإِقامة ب 6 ح 6.
2 ـ نقله عن العماني والاسكافي في المختلف : 87 ، المرتضى في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتض 3 ) : 29.
3 ـ الأول : الكافي 3 : 291 / 1 ، التهذيب 3 : 158 / 340 ، الوسائل 5 : 446 أبواب الأذان والإِقامة ب 37 ح 1.
    الثاني : التهذيب 3 : 159 / 342 ، الوسائل 8 : 254 أبواب قضاء الصلاة ب 1 ج 3.
4 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 125 ، المستدرك 4 : 51 أبواب الأذان والإِقامة ب 29 ح 1.
5 ـ مسند أحمد 1 : 375 ، سنن ابن ماجة 2 : 1022 / 3074 ، سنن أبي داود 2 : 182 / 1905 وفيهما بتفاوت ، سنن الترمذي 1 : 115 / 179.
6 ـ الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : 192 ، الخلاف 1 : 282.


(72)
عليه السلام : « والإِقامة والأذان في جميع الصلوات أفضل » (1) (2).
    ويعضده عموم الصحيح : « من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته » (3).
    والموثق : عن الرجل إذا أعاد الصلاة هل يعيد الأذان والإِقامة ؟ قال : « نعم » (4).
    بل استدل بهما جماعة (5) ، ولكن تنظّر فيهما آخرون بضعف السند ، وقصور الدلالة (6).
    ولعلّه في الأوّل من حيث إن المتبادر من قوله : « كما فاتته » أي بجملة أجزائها وصفاتها الداخلة تحت حقيقتها ، دون الْأُمور الخارجية عنها.
    وفي الثاني من حيث عدم الدلالة على تعدّد الصلاة المُعادة ، بل ظاهره كونها واحدة ، وهي خارجة عن مفروض المسألة.
    قيل (7) : وهذا الوجه جار في الرواية الْاُولى. والثانية مع ذلك معارضة بمثلها سنداً ، وفيه : كتبت إليه : رجل يجب عليه إعادة الصلاة ، أيعيدها بأذان وإقامة ؟ فكتب : « يعيدها بإقامة » (8).
    ويمكن الذب عن الجميع بانجبار قصور السند بالعمل ، مع اختصاصه‏
1 ـ راجع ص : 70.
2 ـ خرج عنه المجمع على عدم شرعيتهما فيه ، كالنوافل وغيرهما مما مضى وبقي الباقي. منه رحمه الله.
3 ـ لم نعثر على صحيحة بهذا اللفظ ، وبل هو موجود في عوالى اللالي 2 : 54 / 143 ؛ نعم ورد بلفظ : « يقضي ما فاته كما فاته » في صحيحة زرارة وفي سندها ابراهيم بن هاشم كما سيشير إليه الشارح. انظر الوسائل 8 : 268 أبواب قضاء الصلوات ب 6 ح 1.
4 ـ التهذيب. 3 : 167 / 367 ، الوسائل 8 : 270 أبواب قضاء الصلاة ب 8 ح 2.
5 ـ منهم العلّامة في المنتهى 1 : 260 ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2 : 171.
6 ـ كصاحبي المدارك 3 : 262 ، والحدائق 7 : 373.
7 ـ التهذيب 2 : 282 / 1124 ، الوسائل 5 : 446 أبواب الأذان والإِقامة ب 37 ح 2.


(73)
بالأخير ، وإلّا فالأوّل صحيح ، أو حسن كالصحيح بإبراهيم بن هاشم.
    ومنع اختصاص الكيفية المشبّه بها بالْأُمور الداخلة بعد الاتفاق على الاستدلال بالرواية على إثبات الْأُمور الخارجة عن الصلاة ـ مما هو شرط فيها ، كالطهارة عن الحدث والخبث ، والاستقبال ، وستر العورة ، ونحو ذلك ـ في الفائتة أيضاً ، فتأمّل جدّاً.
    والرواية الثانية عامة في الصلاة المعادة لا مطلقة ، لترك الاستفصال في مقام جواب السؤال المفيد للعموم في المقال.
    ومنه يظهر ما في دعوى ظهورها في الواحدة ؛ فإنها فاسدة ، كدعوى ظهور الصحيحة فيها أيضاً ، وذلك لنظير ما عرفت ، وهو استدلال الأصحاب بها لإثبات كثير مما يعتبر في الحاضرة في الفائتة ، من دون تخصيص لها بالواحدة أو المتعدّدة.
    والرواية المعارضة ـ مع قصور سندها وعدم جابر لها ـ متروكة الظاهر ؛ لدلالتها على استحباب الإقامة خاصّة مطلقاً حتى في الأول من ورده ، ولا قائل به من الأصحاب ، ومع ذلك لا يعترض بها ما قابلها من الرواية المنجبرة بالعمومات والإجتماعات المحكية والشهرة العظيمة.
    ومن هنا يظهر فساد ما عليه بعض العامة : من أفضلية ترك الأذان في الصلاة الثانية فما فوقها من وِرده (1).
    وأضعف منه قول بعض متأخّري الطائفة : من عدم المشروعية ، لعدم ثبوت التعبّد به على هذا الوجه (2) ، وذلك فإن التعبد ثابت بما قدّمناه من الأدلّة.
    ( و ) يستحب أن ( يجمع يوم الجمعة بين الظهرين بأذان واحد
1 ـ انظر المغني والشرح الكبير لابني قدامة 1 : 445.
2 ـ انظر المدارك 3 : 263


(74)
و إقامتين ) ونسبه في المنتهى إلى علمائنا ، قال : لأن يوم الجمعة يجمع فيه بين الصلاتين ويسقط ما بينهما من النوافل فيكتفي فيهما بأذان واحد (1).
    أقول : وعلى هذا لا يختص سقوط الأذان للثانية بصلاة العصر يوم الجمعة ، بل يجزي في كل صلاتين جمع بينهما ؛ فإنه لا ينبغي أن يؤذّن للثانية إجماعاًً ، على الظاهر ، المصرّح به في الخلاف (2). وبالحكم على العموم أيضاً صرّح الفاضل في المنتهى (3) ، وغيره من أصحابنا (4) ، مستدلّين عليه بالصحيح : « إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين ، وجمع بين المغرب والعشاء بأذان [ واحد ] وإقامتين » (5) ونحوه آخر (6).
    والخبر : صلّى بنا أبو عبد اللّه عليه السلام الظهر والعصر عند ما زالت الشمس بأذان وإقامتين (7). ونحوها النبوي العامي (8).
    وإنما خص الماتن ظهري يوم الجمعة بالذكر ـ مع اشتراكهما لكل صلاتي فريضة جمع بينهما في سقوط الأذان لثانيتهما ـ لاختصاصهما باستحباب الجمع بينهما ، بناءًً على ما سيأتي في سنن الجمعة : من أن منها تقديم نوافلها على الزوال (9) ، فلم يكن حينئذ بينهما نافلة أصلاً ، وحيث لا نافلة
1 ـ المنتهى 1 : 261.
2 ـ الخلاف 1 : 284.
3 ـ المنتهى 1 : 261.
4 ـ نهاية الشيخ : 107 ، الروضة البهيّة 1 : 244.
5 ـ التهذيب 3 : 18 / 66 ، الوسائل 5 : 445 أبواب الأذان والإِقامة ب 36 ح 2. وما بين المعقوفين من المصدر
6 ـ الفقيه 1 : 186 / 886 ، الوسائل 4 : 220 أبواب المواقيت ب 32 ح 1.
7 ـ الكافي 3 : 287 / 5 ، التهذيب 2 : 263 / 1048 ، الوسائل 4 : 219 أبواب المواقيت ب 31 ح 2.
8 ـ سنن النسائي 2 : 16.
9 ـ انظر ص 368.


(75)
صدق الجمع ، كما في الموثق : سمعت أبا الحسن موسى عليه السلام يقول :
    « الجمع بين الصلاتين إذا لم يكن بينهما تطوّع ، فإذا كان بينهما تطوع فلا جمع » (1).
    وفي الخبر : سمعته عليه السلام يقول : « إذا جمعت بين الصلاتين فلا تطوع » (2).
    وبما ذكرنا ـ من الفرق بين ظهري الجمعة وغيرها ـ صرّح المفيد (3) وغيره أيضاً (4) ، فقال في باب غسل ليلة الجمعة : والفرق بين الصلاتين في سائر الأيام مع الاختيار وعدم العوارض أفضل قد ثبتت السنة به ، إلّا في يوم الجمعة ، فإن الجمع بينهما أفضل وهو السنة.
    ثمَّ إن ما في الموثق وغيره ـ من تحديد الجمع بأن لا يصلّى بينهما نافلة ـ قد صرّح به الحلّي (5).
    قيل : ويستفاد ذلك من الذكرى أيضاً (6) ، لكن لا يخفى أنه يعتبر مع ذلك صدق الجمع عرفاً ، بحيث لا يقع بينهما فصل يعتدّ به ، ولا يتخلّل عوارض خارجة عن الْأُمور المرتبطة بالصلاة.
    ويستفاد من بعض الأصحاب أن مناط الاعتبار في الجمع حصولهما في وقت فضيلة إحداهما ، وهو على إطلاقه مشكل (7) ، كاحتمال تحقق التفريق‏
1 ـ الكافي 3 : 287 / 4 ، الوسائل 4 : 224 أبواب المواقيت ب 33 ح 3.
2 ـ الكافي 3 : 287 / 3 ، التهذيب 2 : 263 / 1050 ، الوسائل 4 : 224 أبواب المواقيت ب 33 ح 2.
3 ـ المقنعة : 165.
4 ـ كصاحب الحدائق 7 : 378.
5 ـ السرائر 1 : 304.
6 ـ الذكرى : 174 ، وانظر الذخيرة : 252.
7 ـ قال به السبزواري أيضاً : 252 ، 253.
رياض المسائل ـ الجزء الثالث ::: فهرس