رياض المسائل ـ الجزء الثالث ::: 76 ـ 90
(76)
بالتعقيب مطلقاً. نعم لو طال بحيث صدق معه الوصف أمكن.
    وعليه يحمل إطلاق المفيد استحباب الأذان لعصر يوم الجمعة بعد أن عقّب للْأُولى (1) ، وإلّا فإبقاؤه على إطلاقه والحكم بحصول التفريق بمطلق التعقيب مشكل جدّاً ، لأنهم يستحبون الجمع بين صلاتي الجمعة والعصر ، والحكم باستحباب عدم التعقيب بعد صلاة الجمعة بعيد قطعاً ، بل غير ممكن ، للتصريح باستحبابه في عبارة المفيد المشار إلى مضمونها.
    ( ولو صلّى ) قوم ( في مسجد جماعة ثمَّ جاء آخرون ) جاز أن يصلّوا جماعة أيضاً ، ولكن ( لم يؤذّنوا ولم يقيموا ما دامت الصفوف باقية ) غير متفرقة ، على المشهور ؛ للنص : « في رجلين دخلا المسجد وقد صلّى علي عليه السلام بالناس ، فقال عليه السلام لهما : إن شئتما فليؤمّ أحدكما صاحبه ولا يؤذّن ولا يقيم » (2).
    وضعف السند مجبور بالعمل. وإطلاقه بسقوط الأذان والإِقامة مقيّد ببقاء الصفوف ، بالإجماع والنصوص الْأُخر ، منها الموثق : قلت له : الرجل يدخل المسجد وقد صلّى القوم ، أيؤذّن ويقيم ؟ قال : « إذا كان دخل ولم يتفرق الصف صلّى بأذانهم وإقامتهم ، وإن كان تفرق الصف أذّن وأقام » (3). ونحوه غيره (4).
    وهي وإن اختصت بالمنفرد الخارج عن مفروض العبارة وكثير ، إلّا أنه ملحق به عند جماعة (5) ، معربين عن عدم الخلاف فيه إلّا من ابن حمزة (6) ،
1 ـ المقنعة : 162.
2 ـ التهذيب 3 : 56 / 191 ، الوسائل 8 : 415 أبواب صلاة الجماعة ب 65 ح 3.
3 ـ التهذيب 2 : 281 / 1120 ، الوسائل 5 : 430 أبواب الأذان والإِقامة ب 25 ح 2.
4 ـ الكافي 3 : 304 / 12 ، التهذيب 2 : 277 / 1100 ، الوسائل 5 : 429 أبواب الأذان والإِقامة ب 25 ح 1.
5 ـ منهم الشهيد في الذكرى : 173 ، المحقق الثاني في جامع المقاصد 2 : 172 ، الفاضل الهندى في كشف اللثام 1 : 205 ، صاحب الحدائق 7 : 389.
6 ـ الوسيلة : 106.


(77)
و ضعّفوه بالنصوص المزبورة ، والأولوية المستفادة من الرواية السابقة ، من حيث دلالتها على سقوط الأذان والإِقامة عن الجماعة الثانية التي يتأكّدان فيها ، بل قيل بوجوبهما فيها (1) ، فلئن يسقطا في المنفرد الذي لا يتأكّدان في حقه كتأكّدهما فيها بطريق أولى.
    ومن هنا يظهر وجه تخصيصهم الخلاف بابن حمزة ، حيث خصّ السقوط بالجماعة الثانية ، مع أن عبائر الأكثر مختصة بها ؛ لزعمهم شمول عبائر الأكثر للمنفرد بالفحوى ، وبه صرّح في روض الجنان ، فقال : إنما خصّ المصنف الثانية بالجماعة لأنه يستفاد منها حكم المنفرد بطريق أولى (2).
    وفيه نظر ؛ لجواز أن تكون الحكمة في السقوط مراعاة جانب إمام المسجد الراتب بترك ما يوجب الحثّ على الاجتماع ثانياً ، وهي مفقودة في المنفرد.
    فانحصر دليل الإلحاق في النصوص ، وأكثرها ضعيفة السند غير معلومة الجابر ، بعد اختصاص عبائر الأكثر بالجماعة الثانية.
    والموثقة وإن اعتبر سندها ، إلّا أنها معارضة بمثلها : في الرجل أدرك الإمام حين سلّم ، قال عليه السلام : « عليه أن يؤذّن ويقيم » (3).
    وهو الأوفق بالأصل ، والعمومات ، وظاهر فتوى الأكثر ، فليكن بالترجيح أحقّ.
    وحمله على صورة التفرق ـ مع بعده عن السياق ـ لا وجه له بعد فرض رجحانه على الموثّقة السابقة.
1 ـ القائل المفيد في المقنعة : 97 ، والشيخ في النهاية : 64 ، وابن حمزة في الوسيلة : 91.
2 ـ روض الجنان : 241.
3 ـ الفقيه 1 : 258 / 1170 ، التهذيب 3 : 282 / 836 ، الوسائل 5 : 431 أبواب الأذان والإِقامة ب 25 ح 5.


(78)
    لكن يمكن أن يقال : إنها معتضدة بباقي الروايات ، وفتوى الجماعة ، مع دعواهم عدم الخلاف إلّا من ابن حمزة. ويعضدها استدلال جملة ممن اختص عبارته بالجماعة (1) بها وأمثالها ، وهي مختصة بالمنفرد ، كما عرفت ، فلو لا عدم الفرق بينه وبين الجماعة لخلا استدلالهم بها عن الوجه بالكلية.
    وعليه فينبغي حمل الموثقة الأخيرة على الرخصة ، والنهي في النصوص الأخيرة على الكراهة ؛ جمعاً بين الأدلّة. وهي ظاهر جماعة منهم الشيخ في ظاهر الخلاف وموضع من المبسوط (2) ، وظاهره في التهذيب : المنع (3) ، كالعبارة ونحوها ، واقتصر جماعة على السقوط المطلق المحتمل للأمرين (4).
    ولا ريب أن الترك أحوط ؛ خروجاً عن شبهة القول بالتحريم ، مع معاضدته بما مر من الأخبار ، وصريح آخر : صلّينا الفجر فانصرف بعضنا وجلس بعض بالتسبيح ، فدخل علينا رجل المسجد فأذّن فمنعناه ، فقال عليه السلام : « أحسنت ، ادفعه عن ذلك وامنعه أشدّ المنع » فقلت : فإن دخلوا فأرادوا أن يصلّوا فيه جماعة ، قال : « يقومون في ناحية المسجد ولا يبدر بهم إمام » (5).
    لكنه ـ مع ضعف سنده ـ يتوهم منه المنع عن الجماعة الثانية مطلقاً ، ولو من غير أذان وإقامة ، كما هو ظاهر الفقيه (6) ، وتبعه بعض متأخّري المتأخّرين (7) ، وهو خلاف النص المتقدم والمعروف من مذهب الأصحاب ، بل‏
1 ـ كالشيخ في الخلاف 1 : 543 ، والعلّامة في المنتهى 1 : 260.
2 ـ الخلاف 1 : 542 ، المبسوط 1 : 152.
3 ـ التهذيب 3 : 55.
4 ـ منهم الشهيد الثاني في روض الجنان : 241 ، والسبزواري في الذخيرة : 253.
5 ـ الفقيه 1 : 266 / 1215 ، التهذيب 3 : 55 / 190 ، الوسائل 8 : 415 أبواب صلاة الجماعة ب 65 ح 2 ، وفي « ل » : و « ولا يبدو لهم إمام ».
6 ـ الفقيه 1 : 265.
7 ـ المحدث الكاشاني في الوافي 7 : 608.


(79)
لم ينقلوا فيه خلافه.
    مع أنه معارض ببعض الأخبار الدالّة على كون السقوط رخصة لا عزيمة ، ففيه : عن الرجل ينتهي إلى الإمام حين يسلّم ، فقال : « ليس عليه أن يعيد الأذان ، فليدخل معهم في أذانهم ، فإن وجدهم قد تفرقوا أعاد الأذان » (1).
    وهل يختص الحكم بالمسجد ـ كما في ظاهر العبارة ، وصريح جماعة (2) ـ أو يعمه وغيره ؟
    وجهان بل قولان ، أجودهما الأول ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقن فتوىً وروايةً. وإطلاق بعضها يحتمل الورود مورد الغالب ، وهو وقوع صلاة الجماعة الْاُولى ـ التي هي مفروض المسألة ـ في المساجد.
    ومنه يظهر الوجه في اشتراط اتحاد الصلاتين ـ الساقط من ثانيتهما الأذان ـ نوعاً ، أداءً وقضاءً ، كما عن صريح النهايةوالمبسوط والمهذب (3). قال المحقق الثاني والشهيد الثاني : وهو متّجه إن كان قد تجدّد دخول وقت الصلاة الْأُخرى ، أما لو أذّنوا وصلّوا الظهر في وقت فالظاهر أنّ من دخل ليصلّي العصر حينئذ لا يؤذّن ، تمسكاً بإطلاق الأخبار (4).
    أقول : وهو غير بعيد ، للشك في غلبة الاتحاد من جميع الوجوه.
    ( ولو انفضّت ) وتفرقت الصفوف ، بأن لا يبقى منهم ولو واحد ، كما يستفاد من بعض الروايات السابقة (5) ، وصرّح به جماعة (6) ، فيكون مبيّناً لباقي‏
1 ـ الكافي 3 : 304 / 12 ، التهذيب 2 : 277 / 1100 ، الوسائل 5 : 429 أبواب الأذان والإِقامة ب 25 ح 1.
2 ـ كالشيخ في النهاية : 65 ، والمحقق في المعتبر 2 : 136 ، والعلّامة في المنتهى 1 : 260.
3 ـ النهاية : 118 ، المبسوط 1 : 152 ، المهذّب 1 : 79.
4 ـ جامع المقاصد 2 : 173 ، وروض الجنان : 241.
5 ـ راجع ص : 78.
6 ـ منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 2 : 173 ، الشهيد الثاني في روض الجنان : 241 ،


(80)
الروايات المطلقة ، مع ظهور بعضها فيه ( أذّن الآخرون وأقاموا ) بلا خلاف ، للأصل ، وما مر من النصوص (1).
    ( ولو أذّن ) وأقام ( بنية الانفراد ثمَّ أراد الاجتماع استحب له الاستيناف ) لهما ، وفاقاً للمشهور ، للموثق : في الرجل يؤذّن ويقيم ليصلي وحده ، فيجي‏ء رجل آخر فيقول له : نصلّي جماعة ، هل يجوز أن يصلّيا بذلك الأذان والإِقامة ؟ قال : « لا ، ولكن يؤذّن ويقيم » (2).
    قال الشهيد في الذكرى : وبها أفتى الأصحاب ، ولم أرَ لها رادّاً سوى الشيخ نجم الدين ، فإنه ضعّف سندها بأنهم فطحية ، وقرّب الاجتزاء بالأذان والإِقامة أوّلاً (3).
    وفيه إشعار بالإجماع على مضمون الخبر ، كعبارته في الدروس (4) ، وعبارة المحقق الثاني في شرح القواعد (5) ، وإن نَقَل الخلاف عن الفاضل في المنتهى أيضاً (6) ، وموافقة الماتن في الاجتزاء ، وبه صرّح في التحرير أيضاً (7) ، واحتجّا عليه : بأنه قد ثبت جواز اجتزائه بأذان غيره مع الانفراد فبأذان نفسه أولى ، ولا معارض له سوى الموثق ، وقد عرفت تضعيفه سنداً في المعتبر وكذا في المنتهى (8).
و البحراني في الحدائق 7 : 388.
1 ـ في ص : 76.
2 ـ الكافي 3 : 304 / 13 ، التهذيب 2 : 277 / 1101 ، الوسائل 5 : 432 أبواب الأذان والإِقامة ب 27 ح 1.
3 ـ الذكرى : 174.
4 ـ الدروس 1 : 164.
5 ـ جامع المقاصد 2 : 173.
6 ـ المنتهى 1 : 260.
7 ـ التحرير 1 : 34.
8 ـ المعتبر 2 : 137 ، المنتهى 1 : 260.


(81)
    وفيه نظر : لمنع الضعف أوّلاً ، لكونه موثقاً ، وهو حجة كما قرّر في محله مستقصى ، وعلى تقديره فهو مجبور بعمل الأصحاب. والاجتزاء بأذان الغير لعلّه لمصادفة نية السامع للجماعة ، فكأنه أذّن لها ، بخلاف الناوي بأذانه الانفراد.
    ويعضد المختار عموم ما دلّ على تأكّد استحباب الأذان والإِقامة في صلاة الجماعة ، والمتبادر منهما ما وقع في حال نية الجماعة لا قبلها ، ومع ذلك فالاستيناف أحوط وأولى.
    ( وأما كيفيته : )
    ( ف‍ ) اعلم أنه ( لا ) يجوز أن ( يؤذّن لفريضة إلّا بعد دخول وقتها ) إجماعاًً ، وللتأسّي والنصوص ، والأصل ، لوضعه للإعلام بدخول وقت الصلاة والحثّ عليها ( ويقدّم في الصبح رخصة ) على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامة من تأخّر ، وظاهر المنتهى دعوى الإجماع عليه (1) ، كالمعتبر (2) ، وقريب منه الذكرى في موضع (3) ، حيث لم ينقل فيه خلافاً ، وكذا المحقق الثاني في شرح القواعد (4).
    للصحاح المستفيضة ، وغيرها من المعتبرة ، بل ادّعى العملني تواترها (5) ، ففي الصحيح : إن لنا مؤذّناً يؤذّن بليل ، فقال : « أما إنّ ذلك لينفع الجيران لقيامهم إلى الصلاة ، وأمّا السنّة فإنه ينادى مع طلوع الفجر ، ولا يكون بين الأذان والإِقامة إلّا الركعتان » (6).
1 ـ المنتهى 1 : 262.
2 ـ المعتبر 2 : 138.
3 ـ الذكرى : 169.
4 ـ جامع المقاصد 2 : 174.
5 ـ حكاه عنه في المختلف : 89.
6 ـ التهذيب 2 : 53 / 177 ، الوسائل 5 : 390 أبواب الأذان والإِقامة ب 8 ح 7.


(82)
    وروي : أنه كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله مؤذّنان ، أحدهما ابن أُمّ مكتوم ، وكان يؤذّن قبل الصبح (1).
    إلّا أن في الصحيح : عن الأذان قبل الفجر ، فقال : « إذا كان في جماعة فلا ، وإذا كان وحده فلا بأس » (2).
    ولكنه شاذ غير معروف القائل ؛ لأن الأصحاب ما بين مجوّز على الإطلاق ( لكن ) مع الحكم باستحباب أن ( يعيده بعد دخوله ) كما كان يؤذّن بلال بعد ابن أُمّ مكتوم ، وروي : أنه أذّن قبل الفجر فأمر بإعادته (3) ؛ مع أن للوقت أذاناً ، والأصل عدم سقوطه بسابقه.
    وبين مانع كذلك ، كالمرتضى والحلي (4) ، وحكي عن الإسكافي والجعفي والحلبي (5) ؛ للأصل ، وأمره صلّى اللّه عليه وآله بلالاً بالإعادة إذا أذّن قبله ، ونهيه له عن الأذان حتى يستبين له الفجر (6).
    والأصل معارض لما مر من النصوص. والإعادة نقول بها. ونهي بلال ـ إن ثبت ـ لما عرفت من أن ابن أُمّ مكتوم كان يؤذّن قبله.
    نعم ، في جملة من النصوص المروية في البحار عن كتاب زيد النرسي ما يدل على المنع (7).
1 ـ الفقيه 1 : 193 ، الوسائل 5 : 389 أبواب الأذان والإِقامة ب 8 ح 2.
2 ـ الكافي 3 : 306 / 23 ، التهذيب 2 : 53 / 176 ، مستطرفات السرائر : 93 / 1 ، الوسائل 5 : 390 أبواب الأذان والإِقامة ب 8 ح 6.
3 ـ درر اللآلي 1 : 144 ، المستدرك 4 : 26 أبواب الأذان والإِقامة ب 7 ح 3.
4 ـ المرتضى في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى 3 ) : 30 ، الحلّي في السرائر 1 : 210.
5 ـ حكاه عنهم في الذكرى : 175 ، وهو في الكافي : 121.
6 ـ درر اللآلي 1 : 141 ، المستدرك 4 : 26 أبواب الأذان والإِقامة ب 7 ح 4.
7 ـ بحار الأنوار 81 : 171 / 75 ، الاصول الستة عشر : 54.


(83)
    لكنها ـ مع عدم وضوح سندها ـ لا تقاوم الأخبار التي قدمناها من وجوه شتى ، فكان طرحها متعيّناً ، وإن كان ترك التأذين لعله أحوط وأولى ، لئلّا يغترّ العوام المعتمدون في دخول الوقت على الأذان ، بل العلماء المجوّزون لذلك حيث لا يمكن تحصيل العلم به ، تبعاً لجملة من النصوص.
    وليس في أذان ابن أُمّ مكتوم قبل الفجر منافاة لذلك ، بعد إعلام النبي صلّى اللّه عليه وآله المسلمين بوقت أذانه ، كما قال الصدوق : وكان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله مؤذّنان ، أحدهما بلال ، والآخر ابن أُمّ مكتوم ، وكان ابن أُمّ مكتوم أعمى ، وكان يؤذّن قبل الصبح ، وكان بلال يؤذّن بعد الصبح ، فقال النبي صلّى اللّه عليه وآله : « إن ابن أُمّ مكتوم يؤذّن بليل ، فإذا سمعتم أذانه فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان بلال » (1).
    نعم ، لو فرض عدم الاغترار بذلك جاز التقديم بلا إشكال ، ولعله مراد الأصحاب وإن أطلقت الجواز عباراتهم في الباب ، عدا الشهيد في الذكرى ، فقال : وينبغي أن يجعل ضابطا في هذا التقديم ليعتمد عليه الناس (2). وكذا غيره (3).
    ( وفصولهما على أشهر الروايات ) والأقوال ، بل المجمع عليه بين الأصحاب ، على الظاهر ، المستفاد من كثير من العبارات ( خمسة وثلاثون فصلا ، الأذان ثمانية عشر فصلا ) التكبير أربع ، ثمَّ الشهادة بالتوحيد ، ثمَّ بالرسالة ، ثمَّ قول : حيّ على الصلاة ، ثمَّ حيّ على الفلاح ، ثمَّ حيّ على خير العمل ، ثمَّ التكبير ، ثمَّ التهليل ، كل فصل مرتان.
1 ـ الفقيه 1 : 193 ـ 194 ، ، الوسائل 5 : 389 أبواب الأذان والإِقامة ب 8 ح 2.
2 ـ الذكرى : 169.
3 ـ انظر جامع المقاصد 2 : 174 ، والمدارك 3 : 279.


(84)
    ( والإِقامة سبعة عشر فصلا ) بنقص تكبيرتين من الأربع ، وإبدالهما ب‍ « قد قامت الصلاة » مرتين ، بعد حيّ على خير العمل ، وحذف تهليلة من آخرها.
    ( و ) على هذا ف‍ ( كله ) أي كل من الأذان والإِقامة ( مثنى ) مثنى ( عدا التكبير في أوّل الأذان ، فإنه أربع ، والتهليل في آخر الإقامة ، فإنه مرة ) واحدة.
    ففي الموثق كالصحيح : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : « الأذان والإِقامة خمسة وثلاثون حرفاً ، فعدّ ذلك بيده واحداً واحداً ، الأذان ثمانية عشر حرفاً ، والإِقامة سبعة عشر حرفاً » (1).
    وهو وإن كان مجملاً غير مبيّن لفصولهما بالنحو المشهور ، إلّا أنه غير ضائر بعد ثبوت البيان من الإجماع ، إذ لا قائل بما دلّ عليه من فصولهما معاً ، وكونها خمسة وثلاثين ، والأذان ثمانية عشر ، والإِقامة سبعة عشر ، مع تغيير الفصول عما عليه المشهور.
    مضافاًً إلى ثبوت بيان فصول الأذان من نصوص أُخر معتبرة ، ففي الحسن وغيره ، الواردين فيه إنه : « اللّه أكبر ، اللّه أكبر ، اللّه أكبر ، اللّه أكبر ، أشهد أن لا إله إلّا اللّه ، أشهد أن لا إله إلّا اللّه ، أشهد أنّ محمداً رسول اللّه ، أشهد أنّ محمداً رسول اللّه ، حيّ على الصلاة ، حيّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح ، حيّ على الفلاح ، حيّ على خير العمل ، حيّ على خير العمل ، اللّه أكبر اللّه أكبر ، لا إله إلّا اللّه إلّا اللّه لا إله إلّا اللّه » (2).
1 ـ الكافي 3 : 302 / 3 ، التهذيب 2 : 59 / 208 ، الاستبصار 1 : 305 / 1132 ، الوسائل 5 : 413 أبواب الأذان والإِقامة ب 19 ح 1.
2 ـ التهذيب 2 : 60 ، 61 / 211 ، 212 ، الاستبصار 1 : 306 / 1135 ، 1136 ، الوسائل 5 : 415 أبواب الأذان والإِقامة ب 19 ح 6 ، 9.


(85)
    وفي الصحيح : « تفتح الأذان بأربع تكبيرات وتختمه بتكبيرتين وتهليلتين » (1).
    مع أنّه لم أجد لهذه النصوص معارضاً عدا النصوص الدالّة على تثنية التكبير في أوّله (2) ، وهي وإن كانت معتبرة مستفيضة ، متضمنة للصحيح والحسن وغيرهما ، إلّا أنها شاذّة لا قائل بها ، بل على خلافها الإجماع في صريح الخلاف والناصرية والغنية والمنتهى (3) ، وظاهر غيرها من كلمة كثير من أصحابنا (4).
    مع أنها غير صريحة في المخالفة ؛ لأنها ما بين مصرّح في بيان الفصول بتثنية التكبير ، وهو يحتمل كون المقصود إفهام السائل التلفّظ به ، لا بيان تمام عدده ، كما ذكره شيخ الطائفة (5).
    وهو وإن بَعُد في الغاية ـ كما ذكره جماعة (6) ـ إلّا أنه أولى من طرحه ، أو حمله على الجواز مع كون الفضل في الأربع ، كما يستفاد من النهاية (7) وغيره (8) ، أو على كون التكبيرتين الأوليين للإعلام ، كما يستفاد من غيرهما (9) ؛
1 ـ الكافي 3 : 303 / 5 ، التهذيب 2 : 61 / 213 ، الاستبصار 1 : 307 / 1137 ، الوسائل 5 : 413 أبواب الأذان والإِقامة ب 19 ح 2.
2 ـ الوسائل 5 : 413 أبواب الأذان والإِقامة ب 19.
3 ـ الخلاف 1 : 278 ، الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : 192 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 557 ، المنتهى 1 : 254.
4 ـ منهم المحقق في المعتبر 2 : 139 ، والشهيد في الذكرى : 169 ، والفاضل المقداد في التنقيح 1 : 191 ، وصاحب المدارك 3 : 279 ، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 207.
5 ـ التهذيب 2 : 61.
6 ـ منهم صاحب المدارك 3 : 281 ، وصاحب المنتقى 1 : 506 ، والسبزواري في الذخيرة 254.
7 ـ النهاية : 68.
8 ـ انظر مجمع الفائدة 2 : 170 ، والمنتقى 1 : 505 ، والمفاتيح 1 : 117 والبحار 81 : 109.
9 ـ انظر كشف اللثام 1 : 207.


(86)
فإنّ في ذلك خروجاً عن الأخبار المعتمدة المجمع عليها ، وهو غير جائز ، وإن شهد لصحة الأخير الخبر المروي في علل الفضل : عن مولانا الرضا عليه السلام أنه قال : « علّة تربيع التكبير في أوله إن أوّل الأذان إنما يبدأ غفلة ، وليس قبله كلام ينبّه المستمع له ، فجُعل الأوليان تنبيها على الأذان » (1).
    لعدم معارضته للأدلّة القاطعة ، بل لا يبعد دعوى ظهوره في موافقتها ، كما لا يخفى.
    وبين دالٍ على أن الأذان مثنى مثنى ، كالصحيحين (2) وغيرهما (3) ، وهو يحتمل القصد إلى بيان أغلب فصولهما ، ولا بُعد فيه ، ألا ترى إلى الرضوي :
    « أن الأذان ثماني عشرة كلمة ، والإِقامة سبع عشرة كلمة » وذكر فيه صورة الأذان والإِقامة بالتفصيل ، بكون التكبير في أوّلهما أربعا ، والباقي مثنى مثنى ، إلّا التهليل في آخر الإقامة ، فإنه واحدة ، ثمَّ بعد تمام الذكر التفصيلي لهما قال :
    « الأذان والإِقامة جميعاً مثنى مثنى على ما وصفت لك » (4).
    وهو حجّة أُخرى على كون التكبير في أوّل الأذان أربعاً ، كما أنّه حجّة على وحدة التهليل في آخر الإقامة ، فيكون مبيّناً ـ بالنسبة إليه ـ لإجمال الرواية السابقة (5) ؛ مضافاً إلى ثبوت بيانه أيضاً بأدلّة أُخر ، كالإجماع الظاهر المحكي‏
1 ـ الفقيه 1 : 195 / 915 ، علل الشرائع : 259 / 9 ، الوسائل 5 : 418 أبواب الأذان والإِقامة ب 19 ح 14 ؛ بتفاوت يسير.
2 ـ الأول : الكافي 3 : 303 / 4 ، التهذيب 2 : 62 / 217 ، الاستبصار 1 : 307 / 1141 ، الوسائل 5 : 414 أبواب الأذان والإِقامة ب 19 ح 4.
الثاني : التهذيب 2 : 61 / 214 ، الاستبصار 1 : 307 / 1138 ، الوسائل 5 : 415 أبواب الأذان والإِقامة ب 19 ح 7.
3 ـ علل الشرائع : 337 / 1 ، الوسائل 5 : 386 أبواب الأذان والإِقامة ب 6 ح 2.
4 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 96 ، 97 المستدرك 4 : 40 أبواب الأذان والإِقامة ب 18 ح 2.
5 ـ في ص : 84.


(87)
في صريح الناصرية والغنية والمنتهى (1) ، وظاهر غيرها (2) ، والأخبار الْأُخر ، منها الصحيح : « إذا دخل الرجل المسجد وهو لا يأتمّ بصاحبه وقد بقي على الإمام آية أو آيتان فخشي إن هو أذّن وأقام أن يركع فليقل : قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، اللّه أكبر ، اللّه أكبر ، لا إله إلّا اللّه » (3).
    ومنها الخبر المروي عن دعائم الإسلام : « الأذان والإِقامة مثنى مثنى ، وتفرد الشهادة في آخر الإقامة بقول : لا إله إلّا اللّه ، مرة واحدة » (4).
    وأمّا النصوص الدالة على أن الإقامة مثنى مثنى كالأذان (5) ، فالجواب عنها كما تقدم الآن ، ومن جملته شذوذها ، لعدم قائل بها حتى الإسكافي » (6) ، ومن حكي عنه الخلاف في المبسوط والخلاف (7) ، لتفصيل الأوّل بين الإقامة منفردة عن الأذان فالتهليل فيها مثنى مثنى ، ومعه فمرّة واحدة ، ومصير الثاني إلى كون فصولها كالأذان حتى في التكبير أربعاً أوّلهما مع زيادة : قد قامت الصلاة ، فيها مرّتين.
    وليس في شي‏ء من تلك النصوص دلالة على شي‏ء من هذين القولين ، كما لا دلالة لغيرها عليهما أيضاً.
    ومنه ـ زيادة على ما مر ـ يظهر ضعفهما ، وضعف ما حكي في المبسوط
1 ـ الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : 192 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 557 ، المنتهى 1 : 254.
2 ـ منهم المحقق في المعتبر 2 : 140 ، الشهيد في الذكرى : 169 ، والفاضل المقداد في التنقيح 1 : 191.
3 ـ الكافي 3 : 306 / 22 ، التهذيب 2 : 281 / 1116 ، الوسائل 5 : 443 أبواب الأذان والإِقامة ب 34 ح 1.
4 ـ دعائم الإسلام 1 : 144 ، المستدرك 4 : 41 أبواب الأذان والإِقامة ب 18 ح 4.
5 ـ الوسائل 5 : 421 أبواب الأذان والإِقامة ب 19 ، 20.
6 ـ كما نقله عنه في المختلف : 90.
7 ـ المبسوط 1 : 99 ، الخلاف 1 : 91.


(88)
و الخلاف من القول بتربيع التكبير في آخرهما (1).
    ثمَّ إن كل ذا مع الاختيار ، ويجوز إفراد فصولهما عند الحاجة والاستعجال ، كما ذكره جماعة من الأصحاب (2) ؛ للصحيح : رأيت أبا جعفر عليه السلام يكبّر واحدة واحدة في الأذان ، فقلت له : لِم تكبّر واحدة واحدة ؟ فقال : « لا بأس به إذا كنت مستعجلاً » (3).
    وفي المرسل : « لأن أقيم مثنى مثنى أحبّ إليّ من أن أُؤذّن وأقيم واحداً واحداً » (4).
    وفي الخبر : « الأذان يقصر في السفر كما تقصر الصلاة ، والأذان واحداً واحداً والإِقامة واحدة واحدة » (5).
    وفي آخر : « يجزيك من الإقامة طاق طاق في السفر » (6).
    ( والترتيب ) بينهما وبين فصول كل منهما ( شرط ) في صحتهما بالإجماع ، والنصوص. فإن تعمّد خلافه أثم إن قصد شرعيته ، وإلّا بطل فقط ، كما إذا سها أو جهل فأخلّ ، ويأتي بما يحصل معه الترتيب حينئذ.
    و ( السنة ) أي المستحب ( فيه ) أي الأذان بالمعنى الأعم الشامل‏
1 ـ المبسوط 1 : 99 ، الخلاف 1 : 90.
2 ـ منهم المحقق في المعتبر 2 : 140 ، والعلّامة في النهاية 1 : 412 وصاحب المدارك 3 : 281.
3 ـ التهذيب 2 : 62 / 216 ، الاستبصار 1 : 307 / 1140 ، الوسائل 5 : 425 أبواب الأذان والإِقامة ب 21 ح 4.
4 ـ التهذيب 2 : 62 / 218 ، الاستبصار 1 : 308 / 1142 ، الوسائل 5 : 423 أبواب الأذان والإِقامة ب 20 ح 2.
5 ـ التهذيب 2 : 62 / 219 ، الاستبصار 1 : 308 / 1143 ، الوسائل 5 : 424 أبواب الأذان والإِقامة ب 21 ح 2.
6 ـ التهذيب 2 : 62 / 220 ، الاستبصار 1 : 308 / 1144 ، الوسائل 5 : 425 أبواب الأذان والإِقامة ب 21 ح 5. طاق طاق أي : من غير تكرار. مجمع البحرين 5 : 210.


(89)
للإقامة ( الوقوف على فصوله ) بترك الإعراب من أواخرها ، إجماعاًً ، على الظاهر ، المحكي عن المعتبر والتذكرة وفي الخلاف وروض الجنان والمنتهى (1) ، وغيرها (2) ، للنص بأنهما : « مجزومان » (3) وفي آخر : « موقوفان » (4).
    وفي الصحيح « الأذان جزم بإفصاح الألف والهاء ، والإِقامة حدر » (5).
    وجعله الحلبي من شروطهما كما حكي (6) ، وهو ظاهر النصوص ، إلّا أنه محمول على الاستحباب ، للأصل المعتضد بالشهرة والإجماع المنقول.
    و أن يكون ( متأنّياً في الأذان ) بإطالة الوقوف على أواخر الفصول ( حادراً في الإقامة ) أي : مسرعاً فيها بتقصير الوقوف على كل فصل ، لا تركه ، لكراهة إعرابهما لما مضى ، بلا خلاف يعرف ، كما عن التذكرة وفي المنتهى (7) ، للصحيح المتقدم بأن « الإقامة حدر » ونحوه آخر (8) ، وفي الخبر : « الأذان ترتيل ، والإِقامة حدر » (9).
    ( والفصل بينهما ) أي بين الأذان والإِقامة ( بركعتين ، أو جلسة ، أو
1 ـ المعتبر 2 : 141 ، التذكرة 1 : 105 ، الخلاف 1 : 282 ، روض الجنان : 244. المنتهى 1 : 256.
2 ـ كجامع المقاصد 2 : 184.
3 ـ الفقيه 1 : 184 / 874 ، الوسائل 5 : 409 أبواب الأذان والإِقامة ب 15 ح 4.
4 ـ الفقيه 1 : 184 / 874 ، الوسائل 5 : 409 أبواب الأذان والإِقامة ب 15 ح 5.
5 ـ التهذيب 2 : 58 / 203 ، الوسائل 5 : 408 أبواب الأذان والإِقامة ب 15 ح 2 ، الحدر : الإسراع من غير تأن وترتيل ـ مجمع البحرين 3 : 260.
6 ـ الكافي في الفقه : 121.
7 ـ التذكرة 1 : 105 ، المنتهى 1 : 256.
8 ـ الفقيه 1 : 184 / 871 ، التهذيب 2 : 58 / 204 ، الوسائل 5 : 408 أبواب الأذان والإِقامة ب 15 ح 3.
9 ـ الكافي 3 : 306 / 26 ، التهذيب 2 : 65 / 232 ، الوسائل 5 : 429 أبواب الأذان والإِقامة ب 24 ح 3.


(90)
سجدة ، أو خطوة ، خلا المغرب ، فإنه لا يفصل بين أذانيها إلّا بخطوة ، أو سكتة ، أو تسبيحة ) على المشهور بين الأصحاب ، بل عن المعتبر والتذكرة وفي المنتهى (1) وغيره (2) الإجماع عليه ، والمعتبرة به ـ مع ذلك ـ مستفيضة ، ففي الصحيح : « افرق بين الأذان والإِقامة بجلوس ، أو ركعتين » (3).
    وهذه الرواية مطلقة كالفتاوى باستحباب الفصل بالركعتين ولو كانتا من غير الرواتب وفي وقت الفرائض ، لكن ظاهر جملة من النصوص التخصيص بالرواتب في أوقاتها ، كما عن بعض (4) ، ففي الصحيح : « القعود بين الأذان والإِقامة في الصلوات كلها إذا لم يكن قبل الإقامة صلاة يصليها » (5).
    وفي آخر في حديث أذان الصبح قال : « السنّة أن ينادى مع طلوع الفجر ، ولا يكون بين الأذان والإِقامة إلّا الركعتان » (6).
    وفي الخبر : « يؤذّن للظهر على ستّ ركعات ، ويؤذّن للعصر على ستّ ركعات » (7).
    وفي آخر مروي عن دعائم الإسلام ، عن مولانا الباقر عليه السلام ، قال :« ولا بدّ من فصل بين الأذان والإِقامة بصلاة أو بغير ذلك ، وأقلّ ما يجزي في صلاة المغرب التي لا صلاة قبلها أن يجلس بعد الأذان جلسة يمسّ فيها الأرض‏
1 ـ المعتبر 2 : 142 ، التذكرة 1 : 106 ، المنتهى 1 : 256.
2 ـ كالذكرى : 175 ، وجامع المقاصد 2 : 185 ، والكفاية : 17.
3 ـ التهذيب 2 : 64 / 227 ، الوسائل 5 : 397 أبواب الأذان والإِقامة ب 11 ح 2.
4 ـ اُنظر الحدائق 7 : 414.
5 ـ الكافي 3 : 306 / 24 ، التهذيب 2 : 64 / 228 ، الوسائل 5 : 397 أبواب الأذان والإِقامة ب 11 ح 3.
6 ـ التهذيب 2 : 53 / 177 ، الوسائل 5 : 449 أبواب الأذان والإِقامة ب 39 ح 4.
7 ـ التهذيب 2 : 286 / 1144 ، الوسائل 5 : 499 أبواب الأذان والإِقامة ب 39 ح 5.
رياض المسائل ـ الجزء الثالث ::: فهرس