رياض المسائل ـ الجزء الثالث ::: 121 ـ 135
(121)
خلاف أجده إلّا من المبسوط والخلاف ، فقال : إنه إن كبّر المأموم بتكبيرة واحدة للافتتاح والركوع وأتى ببعض التكبير منحنياً صحّت صلاته (1). وفي الذكرى وغيره : لم نقف على مأخذه (2). مع أنه استدلّ له في الخلاف بأن الأصحاب حكموا بصحة هذا التكبير وانعقاد الصلاة به من غير تفصيل بين أن يكبّر قائما أو يأتي به منحنياً ، فمن ادّعى البطلان احتاج إلى دليل.
    قلت : قد عرفته ، وبعبارة أخرى : كلّ عبادة خالفت كيفيتها المتلقّاة من الشرع زيادةٌ ونقصاناً أو هيئةً فالأصل بطلانها مطلقاً ، إلى أن يقوم دليل على الصحة ، للتأسّي الواجب في العبادة التوقيفية بحسب القاعدة الْأُصولية ؛ مضافاً إلى الرواية في الصلاة الموجبة له ، وهي مشهورة (3) ، هذا.
    وفي الصحيح : « إذا أدرك الإمام وهو راكع فكبّر الرجل وهو مقيم صلبه ، ثمَّ ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه ، فقد أدرك الركعة » (4).
    ونحوه في الدلالة على اعتبار القيام في التكبيرة ولو في الجملة الموثق :
    عن رجل سها خلف الإمام فلم يفتتح الصلاة ، قال : « يعيد الصلاة ، ولا صلاة بغير افتتاح » وعن رجل وجبت عليه صلاة من قعود فنسي حتى قام وافتتح الصلاة وهو قائم ، ثمَّ ذكر ، قال : يقعد ويفتتح الصلاة وهو قاعد ، وكذلك إن وجب عليه الصلاة من قيام [ فنسي‏ ] (5) حتى افتتح الصلاة وهو قاعد ، فعليه أن ( يقطع‏
1 ـ المبسوط 1 : 105 ، الخلاف 1 : 341.
2 ـ الذكرى : 178 ؛ وانظر المدارك 3 : 322.
3 ـ وهي منقولة عن النبي صلّى الله عليه واله ومتنها : « صلّوا كما رأيتموني اُصلّي ».
انظر عوالي اللألي 1 : 197 / 8 ، وصحيح البخاري 1 : 162 ، وسنن الدار قطني 1 : 346 / 10.
4 ـ الكافي 3 : 282 / 6 ، التهذيب 3 : 43 / 152 ، الاستبصار 1 : 435 / 1679 ، الوسائل 8 : 382 أبواب صلاة الجماعة ب 45 ح 1.
5 ـ ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.


(122)
صلاته‏ ) (1) ويقوم فيفتتح الصلاة وهو قائم ، ولا يعتدّ بافتتاحه وهو قاعد » (2).
    ( وللمصلّي الخيرة في تعيينها ) أي تكبيرة الإحرام ( من ) أيّ التكبيرات ( السبع ) التي يستحب التوجّه بها ـ كما سيأتي في مندوبات الصلاة (3) ـ بلا خلاف على الظاهر ، المصرّح به في بعض العبائر (4) ، بل ظاهر المنتهى والذكرى إجماع الأصحاب عليه » (5) ؛ لإطلاق النصوص باستحباب السبع (6) ، من دون تصريح فيها بجعل أيّها تكبيرة الإحرام ، مع أنها واحدة إجماعاًً فتوى وروايةً.
    نعم في الرضوي : « واعلم أن السابعة هي الفريضة ، وهي تكبيرة الافتتاح ، وبها تحريم الصلاة » (7).
    قيل : وقد يظهر من المراسم والكافي والغنية أنها متعيّنة (8) ، كما في ظاهر الرواية.
    وهي قاصرة السند عن الصحة ولو كانت معتبرة ، وفتوى الجماعة بها غير صريحة ، مع أنها معارضة بجملة من النصوص الصحيحة الدالّة على أنها الاولى ـ مضافاً إلى الإجتماعات المتقدمة على التخيير المنافي للتعيين ـ منها :
1 ـ في « ح » : يفتتح الصلاة ، وفي « م » و « ل » ويفتتح لصلاتة ، وفي « ش » : يفتتح لصلواته وما اثبتناه من المصدر.
2 ـ التهذيب 2 : 353 / 1466 ، الوسائل 6 : 14 أبواب تكبيره الإحرام ب 2 ح 7.
3 ـ في ص 257.
4 ـ كما في المفاتيح 1 : 127.
5 ـ المنتهى 1 : 268 ، الذكرى : 179.
6 ـ الوسائل 6 : 20 أبواب تكبيرة الإحرام ب 7.
7 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 105.
8 ـ قال به في كشف اللثام 1 : 214 ، وهو في المراسم : 70 ، والكافي في الفقه : 142 ، والغنية ( الجوامع الفقهية ) : 559.


(123)
    ما دلّ على تعليل استحباب السبع بأن النبي صلّى اللّه عليه وآله افتتح الصلاة والحسين عليه السلام إلى جانبه يعالج التكبير فلا يحيره ، فلم يزل صلّى اللّه عليه وآله يكبّر ويعالجه عليه السلام حتى أكمل سبعاً فأحار عليه السلام في السابعة (1).
    وهو ظاهر ـ بل صريح ـ في أن الْاُولى هي التي افتتح بها الصلاة ، والافتتاح لا يطلق حقيقة إلّا على تكبيرة الإحرام.
    وبهذا التقريب يظهر وجه دلالة الصحيح : « إذا افتتحت فارفع كفّيك ثمَّ ابسطهما بسطا ، ثمَّ كبر ثلاث تكبيرات » (2) الحديث.
    وقريب منه آخر : قلت له : الرجل ينسى أوّل تكبيرة من الافتتاح وهذه أصحّ من تلك سنداً ، وأكثر عدداً (3).
    ومقتضى الجمع بينهما التخيير كما ذكروه ، مع أفضلية جعلها الأخيرة ، كما عن المبسوط والاقتصاد والمصباح ومختصره ، وعليه الشهيدان في الذكرى والروضة وروض الجنان والمحقق الثاني (4) ، ونسبه بعض إلى الشيخ والمتأخرين (5) ؛ خروجاً عن شبهة القول بالتعيين ، كما عمّن مرّ من الجماعة ؛ والتفاتاً إلى صراحة الرضوية بأنّها السابعة ، وأقلّها الاستحباب. ولا كذلك الصحاح المتقدمة ؛ إذ غايتها الدلالة على الجواز ، لا الرجحان وجوباً أو
1 ـ التهذيب 2 : 67 / 243 ، علل الشرائع : 331 / 1 ، الوسائل 6 : 20 أبواب تكبيرة الإحرام ب 7 ح 1.
2 ـ الكافي 3 : 310 / 7 ، التهذيب 2 : 64 / 244 ، الوسائل 6 : 24 أبواب تكبيرة الإحرام ب 8 ح 1.
3 ـ الفقيه 1 : 226 / 1001 ، التهذيب 2 : 145 / 567 ، الاستبصار 1 : 352 / 1331 ، الوسائل 6 : 14 أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 8.
4 ـ المبسوط 1 : 104 ، الاقتصاد : 261 ، مصباح المتهجد : 33 ، الذكرى : 179 ، الروضة 1 : 281 ، روض الجنان : 260 ، المحقق الثاني في جامع المقاصد 2 : 239.
5 ـ الناسب هو الشيخ البهائي في الاثنا عشرية الصلاتية : 39.


(124)
استحباباً كما يتوهم ، ولأجله يقال بعكس ما في الرضوية (1) ، مع أنه لا قائل به من معتبري الطائفة ، مع رجحان ما فيها بأنه أبعد من عروض المبطل وقرب الإمام من لحوق لاحق به ، فهو أولى.
    ( وسننها ) ومستحباتها أُمور :
    منها : ( النطق بها على وزن « أفْعَل » من غير مدّ ) أي إشباع حركتي الهمزة والباء أو إحداهما ، لا بحيث يؤدّي إلى زيادة ألفٍ ، وإلّا فهو مبطل ، كما في السرائر والدروس وعن المبسوط في أكبار ، قالوا : لأن أكبار جمع كَبَر ، وهو الطبل (2) ، وتبعهم جماعة من الأصحاب ، وإن اختلفوا في إطلاق المنع ، كما هو ظاهرهم ، أو تقييده بقصد الجمع ، كما في المنتهى والتحرير والمعتبر على ما نقل (3) ، أو تردد في غير صورة القصد ، كالشهيد في الذكرى (4).
    والأصح الأوّل ، وفاقاً للشهيد الثاني وسبطه (5) وغيرهما (6) أيضاً ، لخروجه بذلك عن المنقول.
    ( و ) منها : ( إسماع الإمام من خلفه ) من المأمومين إيّاها ، بلا خلاف يعرف على الظاهر ، المصرح به في المنتهى (7) ، قالوا : ليقتدوا به فيها ، لعدم الاعتداد بتكبيرهم قبله.
1 ـ انظر الوافي 8 : 638 ، والحدائق 8 : 21 ، وحكاه فيه عن البهائي في حواشي الاثنا عشرية وعن السيد نعمة الله الجزائري.
2 ـ السرائر 1 : 216 ، الدروس 1 : 167 ، المبسوط 1 : 102.
3 ـ نقله عنهم في كشف اللثام 1 : 214 ، وهو في المنتهى 1 : 268 ، والتحرير 1 : 37 ، والمعتبر 2 : 156.
4 ـ الذكرى : 179.
5 ـ الشهيد الثاني في روض الجنان : 260 ، وسبطه في المدارك 3 : 323.
6 ـ انظر الحدائق 8 : 35.
7 ـ المنتهى 1 : 269.


(125)
    أقول : مضافاً إلى عموم ما دلّ على استحباب إسماع الإمام مَن خلفه كلّ ما يقول (1) ، وهو وإن دلّ على استحباب إسماعه إيّاهم التكبيرات الست أيضاً ، إلّا أن به تفوت الحكمة المتقدمة في كلام الجماعة ، مع أن هنا جملة من النصوص الدالة على استحباب الإسرار بها ، ففي الصحيح : « إذا كنت إماماً فإنه يجزيك أن تكبّر واحدة تجهر فيها وتسرّ ستاً » (2) ونحوه غيره (3).
    وليس فيها الدلالة على استحباب الجهر بتكبيرة الإحرام ولا إسماعها من خلفه كما زعم.
    هذا إذا لم يفتقر إسماع الجميع إلى العلوّ المفرط ، ولو افتقر اقتصر على الوسط.
    واحترز بالإمام عن غيره ، فإن المأموم يسرّ بها كالباقي الأذكار. ويتخيّر المنفرد ، للإطلاق.
    وقيل باستحباب رفع الصوت بها مطلقاً (4).
    ومستنده غير واضح ، عدا إطلاق بعض النصوص بأن النبي صلّى اللّه عليه وآله كان يكبّر واحدة ويجهر بها ويسرّ ستاً (5).
    لكنه بيان للفعل الذي لا عموم فيه ، فيحتمل وقوعه جماعة ، كما هو الغالب في صلواته صلوات اللّه وسلامه عليه ، فتأمّل (6).
1 ـ الوسائل 8 : 396 أبواب صلاة الجماعة ب 52.
2 ـ التهذيب 2 : 287 / 1151 ، الوسائل 6 : 33 أبواب تكبيرة الإحرام ب 12 ح 1.
3 ـ الخصال : 347 / 18 ، الوسائل 6 : 33 أبواب تكبيرة الإحرام ب 12 ح 3.
4 ـ قال به الجعفي على ما حكاه عنه في الذكرى : 179.
5 ـ عيون الأخبار 1 : 217 / 18 ، الخصال 2 : 347 / 16 ، الوسائل 6 : 33 أبواب تكبيرة الإحرام ب 12 ح 2.
6 ـ وجهه واضح ، فإنه صلّى الله عليه واله ما كان يقتصر على الفرائض ، وجماعته الغالبة انما هي فيها ، وأما المندوبات والنوافل فغير نادرة منه صلّى الله عليه واله ، بل كثير لازمة بعضه عليه ،


(126)
    ( و ) منها ( أن يرفع بها ) وبسائر التكبيرات المستحبة ( المصلّي يديه محاذياً وجهه ) إلى شحمتي أُذُنيه أو منكبيه أو نحره ، على اختلاف الأقوال ـ كالنصوص ـ بعد اتفاقها على كراهة أن يتجاوز بهما الرأس والْأُذُنين. والأوّل أشهر ، وفي الخلاف الإجماع عليه وعلى أصل الحكم (1) ، بل نفى عنه الخلاف بين علماء الإسلام جماعة من الأصحاب (2) ، وجعله في الأمالي من متفردات الإمامية (3).
    ولعله كذلك ؛ إذ لم يخالف فيه إلّا المرتضى ، حيث أوجب الرفع ، مدّعياً الإجماع عليه (4).
    وهو شاذّ ، وإجماعه لا يبلغ قوّة المعارضة لتلك الإجتماعات المستفيضة ، المعتضدة بفتوى الطائفة. وبها تصرف الآية (5) والصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة (6) ـ على تقدير دلالتها على الوجوب ـ إلى الاستحباب جمعاً ، مع ظهور جملة من النصوص بحسب السياق وغيره فيه ، مضافاً إلى خصوص الصحيح :
    « على الإمام أن يرفع يده في الصلاة ، وليس على غيره أن يرفع يده في الصلاة » (7).
و استحباب التوّجه بسبع تكبيرات غير مختصة بالفرائض. منه رحمه الله.
1 ـ الخلاف 1 : 320.
2 ـ منهم المحقق في المعتبر 2 : 156 ، والعلّامة في المنتهى 1 : 269 ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2 : 240.
3 ـ أمالي الصدوق : 511.
4 ـ كما في الانتصار : 44.
5 ـ الكوثر : 2.
6 ـ الوسائل 6 : 26 أبواب تكبيرة الإحرام ب 9.
7 ـ التهذيب 2 : 287 / 1153 ، قرب الإسناد : 208 / 808 بتفاوت يسير ، الوسائل 6 : 27 أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 7.


(127)
    وهو نصّ في عدم وجوب الرفع مطلقاً على غير الإمام ، وظاهر في وجوبه عليه ، وصرف الظاهر إلى النص لازم ، حيث لا يمكن الجمع بينهما بإبقاء كل منهما على حاله ، كما هنا ، للإجماع على عدم الفرق بين الإمام وغيره مطلقاً ؛ وهو هنا أن تُحمل الظاهرة في الوجوب على تأكّد الاستحباب. ومن أراد زيادة التحقيق فعليه بمراجعة شرح المفاتيح.
    وينبغي أن يكون يداه مضمومتي الأصابع كلها ، كما عليه الأكثر ، ومنهم الخلاف ، مدعياً عليه الإجماع (1) ، أو ما عدا الإبهام ، كما عليه الإسكافي والمرتضى (2).
    وأن يستقبل القبلة ببطنهما ، للصحيحين (3).
    وأن يكون ابتداء الرفع مع ابتداء التكبيرة وانتهاؤه مع انتهائها ، على المشهور ، بل عن المعتبر وفي المنتهى أنه قول علمائنا (4) ، وقيل : فيه قولان آخران ، يبتدئ بالتكبير حال إرسالهما ، كما في أحدهما ، أو يبتدئ بالتكبير عند انتهاء الرفع فيكبّر عند تمام الرفع ثمَّ يرسلهما (5).
    ويشهد لهذا القول نحو الصحيح : « إذا افتتحت فارفع يديك ثمَّ ابسطهما بسطاً ثمَّ كبّر ثلاث تكبيرات » (6). فتدبّر.
    وللأوّل نحو الصحيحين رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام : يرفع يديه حيال‏
1 ـ الخلاف 1 : 321.
2 ـ حكاه عنهما في المعتبر 2 : 156.
3 ـ التهذيب 2 : 66 / 240 ، الوسائل 6 : 27 أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 6. ولم نعثر على الصحيح الآخر.
4 ـ المعتبر 2 : 200 ، المنتهى 1 : 285.
5 ـ كما في الحدائق 8 : 49.
6 ـ الكافي 3 : 310 / 7 ، التهذيب 2 : 67 / 244 ، الوسائل 6 : 24 أبواب تكبيرة الإحرام ب 8 ح 1.


(128)
وجهه حين استفتح (1) والعمل بهما أظهر.
    وأما دليل القول الآخر فلم يظهر.
    ( الثالث : القيام‏ ) .
    ( وهو ) في الفرائض ( ركن مع القدرة ) عليه ، تبطل الصلاة بالإخلال به مطلقاً ، بإجماع العلماء ، كما عن المعتبر وفي المنتهى (2) وغيره (3).
    وهو الحجة ، مضافاً إلى الإجتماعات الْأُخر ، المحكيّة حدّ الاستفاضة ، والكتاب (4) ، والسنة المستفيضة ـ بل المتواترة ـ بوجوبه (5) ، المستلزم لركنيته ، بناءً على أن الإخلال به مع القدرة عليه يوجب عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه ، فيبقى تحت عهدة التكليف إلى أن يتحقق الامتثال به ، هذا. وفي الصحيحين : « من لم يقم صلبه فلا صلاة له » (6).
    وهل الأصل فيه الركنية مطلقاً ، إلّا في المواضع التي لا تبطل الصلاة بزيادته أو نقيصته بالدليل الخارجي ؟
    أو ما كان منه في تكبيرة الإحرام وقبل الركوع متصلا به خاصة ؟
    أو أنه تابع لما وقع فيه ، فركن إذا كان المتبوع ركناً ، وشرط إذا كان شرطاً ، وواجب إذا كان واجباً ، ومستحب إذا كان مستحباً ؟
1 ـ الأول : التهذيب 2 : 66 / 236 ، الوسائل 6 : 26 أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 3.
الثاني : التهذيب 2 : 66 / 240 ، الوسائل 6 : 27 أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 6.
2 ـ المعتبر 2 : 158 ، المنتهى 1 : 264.
3 ـ كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 2 : 200 ، وصاحب كشف اللثام 1 : 210.
4 ـ البقرة : 238.
5 ـ الوسائل 5 : 689 أبواب القيام ب 1.
6 ـ الأول : الفقيه 1 : 197 / 917 ، الوسائل 5 : 488 أبواب القيام ب 2 ح 1.
الثاني : الكافي 3 : 320 / 4 ، المحاسن : 80 / 7 ، الوسائل 5 : 489 أبواب القيام ب 2 ح 2.


(129)
    أقوال ، لم يظهر للعبد ثمرة في اختلافها ، بعد اتفاقهم على عدم ضرر في نقصانه بنسيان القراءة وأبعاضها ، وبزيادته في غير المحل سهواً ، وبطلان الصلاة بالإخلال بما كان منه في تكبيرة الإحرام وقبل الركوع مطلقاً.
    نعم ، اتفاقهم على البطلان في المقامين كاشف عن ركنيّته فيهما ، وثمرتها فساد الصلاة لو أتى بهما من غير قيام.
    ومنه ينقدح وجه النظر فيما قيل من أنه لو لا الإجماع المدّعى على الركنية لأمكن القدح فيها ؛ لأن زيادته ونقصانه لا يبطلان إلّا مع اقترانه بالركوع ، ومعه يستغنى عن القيام ، لأن الركوع كاف في البطلان (1).
    لمنع الحصر في قوله : إلّا مع اقترانه بالركوع ، أوّلاً ؛ لما عرفت من البطلان بالإخلال به في التكبير أيضاً. وتوجّه النظر إلى قوله : والركوع كاف في البطلان ، ثانياً ؛ لدلالته على التلازم بين ترك القيام قبل الركوع وتركه. وهو ممنوع ، لتخلّف ترك القيام من تركه فيما لو أتى به عن جلوس ، لأنه ركوع حقيقة عرفا ، ولا وجه لفساد الصلاة حينئذ إلّا ترك القيام جدّا.
    وكيف كان ، لا شبهة ولا خلاف في ركنيته في المقامين ، إلّا من المبسوط في القيام حال التكبير ، وهو شاذ ، وقد تقدم الكلام فيه في التكبير (2).
    واعلم أن حدّه الانتصاب عرفاً ، ويتحقق بنصب فقار الظهر ، كما هو ظاهر الصحيحين المتقدمين (3) ، فلا يخلّ به الإطراق وإن كان الأولى تركه ؛ للمرسل : « النحر : الاعتدال في القيام ، أن يقيم صلبه ونحره » (4).
    ويشترط فيه الاستقرار ، لأنه معتبر في مفهومه ، وفي الخبر : « يكفّ عن‏
1 ـ قال به الشهيد الثاني في الروضة البهية 1 : 290 ـ 291.
2 ـ راجع ص 120 ، 121.
3 ـ في ص 128.
4 ـ الكافي 3 : 336 / 9 ، التهذيب 2 : 84 / 309 ، الوسائل 5 : 489 أبواب القيام ب 2 ح 3.


(130)
القراءة حال مشيه » (1).
    والأظهر الأشهر ـ بل عليه عامة من تأخر ، إلّا من ندر (2) ـ وجوب الاستقلال مع الاختيار ، بمعنى عدم الاعتماد على شي‏ء بحيث لو رفع السناد لسقط ، للتأسي ، وللصحيح « [ لا تمسك‏ ] (3) بخَمََرك (4) وأنت تصلي ، ولا تستند إلى جدار إلّا أن تكون مريضاً » (5).
    وقريب منه الخبر المروي عن قرب الإسناد : عن الصلاة قاعداً أو متوكئاً على عصاً أو حائط ، فقال : « لا » (6).
    هذا ، مضافاً إلى أن المتبادر من القيام ـ المأمور به كتاباً وسنة ـ إنما هو الخالي عن السناد ، بل ربما كان حقيقة فيه مجازا في غيره ، كما يفهم من فخر المحققين في الإيضاح ، حيث قال ـ بعد نقل الرواية المعارضة في الجواب عنها ـ : ولا يعمل بها ، لقوله تعالى ( وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ ) (7) والقيام الاستقلال (8). ونحو المحقق الثاني (9).
    ويظهر من قوله : ولا يعمل بها شذوذها ، كما يفهم من عبارة الصيمري في شرح الشرائع أيضاً.
1 ـ الكافي 3 : 316 / 24 ، التهذيب 2 : 290 / 1165 ، الوسائل 6 : 98 أبواب القراءة في الصلاة ب 34 ح 1.
2 ـ انظر ص 131.
3 ـ في النسخ : لاتستند / وما أثبتناه من المصدر.
4 ـ الخَمَر بالتحريك : وما واراك من خزف أو جبل أو شجر. مجمع البحرين 3 : 293.
5 ـ التهذيب 3 : 176 / 394 ، الوسائل 5 : 500 أبواب القيام ب 10 ح 2.
6 ـ قرب الإسناد : 171 / 626 ، الوسائل 5 : 487 أبواب القيام ب 1 ح 20.
7 ـ البقرة : 238.
8 ـ إيضاح الفوائد 1 : 99.
9 ـ جامع المقاصد 2 : 202.


(131)
    وفيه إشعار بدعوى الإجماع على الخلاف ، وبه صرّح في المختلف ، فقال ـ بعد الاستدلال للقول بالعدم بالأصل مجيباً عنه ـ : الأصل معارض بالإجماع الدال على وجوب الاستقلال في القيام (1).
    ومنه يظهر ضعف القول المزبور المحكي عن الحلبي (2) ، وقوّاه جماعة من متأخّري المتأخّرين (3) ؛ للنصوص ، منها الصحيح : عن الرجل هل يصلح له أن يستند إلى حائط المسجد وهو يصلّي ، أو يضع يده على حائط وهو قائم ، من غير مرض ولا علة ؟ فقال : « لا بأس » (4) وبمعناه الموثق (5) وغيره (6) ، لكن فيهما التكأة بدل الاستناد ؛ وللأصل.
    ويجاب عنه بما مرّ.
    وعن النصوص ـ مع قصور سند أكثرها ، بل ضعف بعضها ـ بعدم مقاومتها لما قدّمناه من الأدلّة جدّاً ، فلتطرح ، أو تحمل على ما لا اعتماد فيه جمعاً ، أو التقية ، كما أجاب به عنها فخر المحققين معرباً عن كونها مذهب العامة (7).
    فلا إشكال في المسألة بحمد اللّه سبحانه ، سيّما وأن راوي الموثقة بعينه قد روى الرواية الثانية المتقدمة (8) المانعة ، وما بعدها ضعيفة السند لا جابر لها
1 ـ المختلف : 100.
2 ـ راجع الكافي في الفقه : 125.
3 ـ منهم صاحب المدارك 3 : 328 ، والفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 121 ، والسبزواري في الذخيرة : 261 ، والكفاية : 18.
4 ـ الفقيه 1 : 237 / 1045 ، التهذيب 2 : 326 / 1339 ، قرب الإسناد : 204 / 792 ، الوسائل 5 : 499 ، أبواب القيام ب 10 ح 1.
5 ـ التهذيب 2 : 327 / 1341 ، قرب الإسناد : 171 / 626 ، الوسائل 5 : 500 أبواب القيام ب 10 ح 4.
6 ـ التهذيب 2 : 327 / 1340 ، الوسائل 5 : 500 أبواب القيام ب 10 ح 3.
7 ـ راجع إيضاح الفوائد 1 : 99.
8 ـ في ص 130.


(132)
بالكلية ، فلم يبق إلّا الصحيحة ، ولا ريب أنها قاصرة عن مقاومة أدلّة المشهور من وجوه عديدة ، فيجب طرحها ، أو تأويلها بما عرفته.
    هذا مع الاختيار.
    ( ولو تعذر الاستقلال اعتمد ) على ما مرّ في النصوص ونحوه قولا واحداً ، ولم يسقط عنه القيام عندنا ؛ للنصوص بأن « الميسور لا يسقط بالمعسور » (1) وللشافعي قول بسقوطه عنه (2).
    وإن عجز عن الانتصاب قام منحنياً ولو إلى حد الراكع ؛ لما مرّ.
    ( ولو عجز عن ) القيام في ( البعض أتى بالممكن ) منه في الباقي ، بلا خلاف ؛ لذلك ، فيقوم عند التكبيرة ويستمر قائماً إلى أن يعجز فيجلس.
    وإذا قدر على القيام زماناً لا يسع القراءة والركوع معاً ، ففي أولوية القيام قارئاً ثمَّ الركوع جالساً ، كما عن نهاية الإحكام (3) ، أو لزوم الجلوس ابتداءً ثمَّ القيام متى علم قدرته عليه إلى الركوع ـ حتى يركع عن قيام ـ كما عن النهاية والمبسوط والسرائر والمهذّب والوسيلة والجامع (4) ، وجهان.
    للأول : أنه حال القراءة غير عاجز عما يجب عليه ، فإذا انتهى إلى الركوع صار عاجزاً.
    وللثاني : أن الركوع عن قيام لركنيته أهم من إدراك القراءة قائماً ، مع ورود النصوص بأن الجالس إذا قام في آخر السورة فركع عن قيام تحتسب له صلاة
1 ـ عوالي اللألي 4 : 58 / 205.
2 ـ حكاه عنه في التذكرة 1 : 109 ، وحكاه في المجموع ( شرح المهذّب 4 ) : 313 عن إمام الحرمين والغزالي.
3 ـ نهاية الإِحكام 1 : 439.
4 ـ النهاية : 129 ، المبسوط 1 : 100 ، السرائر 1 : 348 ، المهذّب 1 : 111 ، الوسيلة : 114 ، الجامع للشرائع : 79.


(133)
القائم (1).
    لكنها محتملة للاختصاص بالجالس في النوافل اختياراً ، كاحتمال المهذّب وما بعده من الكتب تجدّده القدرة ، كما في المسألة الآتية.
    و لو عجز عن الركوع والسجود أصلاً دون القيام لم يسقط عنه بسقوطهما ، باتفاقنا ، كما في صريح المنتهى (2) ؛ وظاهر غيره (3) ، لأن كلا منهما واجب بحياله ، فلا يسقط بتعذّر غيره.
    وإن تعارض القيام والسجود والركوع ـ بأن يكون إذا قام لم يمكنه الجلوس للسجود ولا الانحناء للركوع ـ ففي لزوم الجلوس والإتيان بهما ، أم القيام والاكتفاء عنهما بالإيماء احتمالان ، تردّد بينهما المحقق الثاني (4) وغيره (5).
    ومنه يظهر ما في دعوى جماعة كون الثاني متفقاً عليه (6).
    وقريب منه في الضعف دعوى بعضهم ظهور الإجماع عليه من المنتهى (7) ، فإنه وإن أشعر عبارته بذلك في بادئ النظر ، حيث قال : لو أمكنه القيام وعجز عن الركوع قائماً أو السجود لم يسقط عنه فرض القيام بل يصلي قائما ويومئ للركوع ثمَّ يجلس ويومئ للسجود وعليه علماؤنا (8). إلّا أن سياق احتجاجه فيما بعد يشعر باختصاص الاتفاق المدّعى بصورة العجز عنهما أصلاً
1 ـ الوسائل 5 : 498 أبواب القيام ب 9.
2 ـ المنتهى 1 : 265.ُُ
3 ـ اُنظر كشف اللثام 1 : 210 ، والحدائق 8 : 66.
4 ـ جامع المقاصد 2 : 204.
5 ـ انظر كشف اللثام 1 : 210.
6 ـ منهم السبزواري في الذخيرة : 261 ، وصاحب الحدائق 8 : 67.
7 ـ انظر الحدائق 8 : 66.
8 ـ المنتهى 1 : 265.


(134)
و لو جالساً ، مع أن قوله : ثمَّ يجلس ويومئ للسجود ، ظاهر ـ بل صريح ـ فيما ذكرنا. فتأمّل جدّاً.
    ( ولو عجز ) عن القيام ( أصلاً ) أي في جميع الصلاة بجميع حالاته منتصباً ومنحنياً ومستقلاً ومعتمداً ( صلّى قاعداً ) إجماعاً ، فتوىً ( و ) نصاً ، ولكن ( في حدّ ذلك ) أي العجز المسوّغ ( قولان ، أصحهما ) وأشهرهما ، بل عليه عامة متأخّري أصحابنا ( مراعاة التمكن ) وعدمه العاديّين ، الموكول معرفتهما إلى نفسه ، فإن الإنسان على نفسه بصيرة.
    وفي الصحيح : « إن الرجل لَيُوْعَك (1) ويحرج (2) ولكنه أعلم بنفسه ، ولكن إذا قوي فليقم » (3).
    وفي آخرين : عن حدّ المرض الذي يفطر صاحبه ويدع الصلاة من قيام ، فقال : « بل الإنسان على نفسه بصيرة ، وهو أعلم بما يطيقه » (4) كما في أحدهما ، وفي الثاني ـ بعد قوله : بصيرة ـ : « ذلك إليه ، هو أعلم بنفسه » (5).
    ولو كان للعجز حدّ معين لبيّن ولم يجعل راجعاً إلى العلم بنفسه ، الذي هو عبارة عن القدرة على القيام وعدمها عادة.
    خلافاًًًً للمحكي عن المفيد في بعض كتبه ، فحدّه بأن لا يتمكن من المشي بمقدار زمان الصلاة (6) ؛ للخبر : « المريض إنما يصلي قاعداً إذا صار بالحال التي لا يقدر فيها أن يمشي بقدر صلاته إلى أن يفرغ قائماً » (7).
1 ـ أي يحّم ، الوعك : الحمّى وقيل : ألمها ـ مجمع البحرين 5 : 298.
2 ـ في « ش » والكافي : ويخرج ، وفي « ح » وموضع من التهذيب : ويجرح.
3 ـ الكافي 3 : 410 / 3 ، التهذيب 2 : 169 / 673 ، الوسائل 5 : 495 أبواب القيام ب 6 ح 3.
4 ـ الفقيه 2 : 83 / 369 ، الوسائل 5 : 495 أبواب القيام ب 6 ح 2.
5 ـ الكافي 4 : 118 / 2 ، التهذيب 3 : 177 / 399 ، الوسائل 5 : 494 أبواب القيام ب 6 ح 1.
6 ـ المقنعة : 215.
7 ـ التهذيب 3 : 178 / 402 ، الوسائل 5 : 495 أبواب القيام ب 6 ح 4.


(135)
    وفيه ضعف سنداً ، بل ودلالة ، لابتنائها على أن المراد به بيان مقدار العجز المجوّز للقعود ، وأنه إذا عجز عن المشي مقدار صلاته قائماً فله أن يقعد فيها. مع أنه يحتمل أن يكون المراد به أنه من قدر على المشي مصلّياً ولم يقدر على القيام مستقرّا فحكمه الصلاة ماشياً دون الصلاة جالساً. وقد فهم هذا منه بعض أصحابنا (1) ، فاستدل به على لزوم تقديم الصلاة ماشيا على الصلاة جالسا مستقرا.
    وفي الاستدلال نظر.
    هذا مضافاً إلى مخالفته الاعتبار ، فإن المصلّي قد يتمكن من القيام بمقدار الصلاة ولا يتمكن من المشي بمقدار زمانها ، وبالعكس. فينبغي طرحه ، أو حمله على أن المراد به الكناية عن العجز عن القيام ؛ لتلازم العجزين والقدرتين غالبا ، كما نبّه عليه الشهيد في الذكرى (2) ، فلا مخالفة فيه لمذهب المشهور أصلا.
    ( ولو وجد القاعد خفاً نهض متماً ) (3) للقراءة بعد النهوض إن تمكن منه قبلها أو في أثنائها. وإن تمكن منه بعدها نهض مطمئناً ، على الأحوط ، وقيل : لا يجب (4).
    ولا خلاف بيننا في أصل لزوم النهوض مع التمكن منه ، على الظاهر المصرّح به في بعض العبائر (5) ، وفي ظاهر المنتهى دعوى إجماعنا عليه (6) ؛ لارتفاع العذر المانع.
1 ـ انظر البحار 81 : 335.
2 ـ الذكرى : 180.
3 ـ في النافع : خفّة نهض قائماً حتماً.
4 ـ انظر الحدائق 8 : 74.
5 ـ كالحدائق 8 : 73.
6 ـ المنتهى 1 : 265.
رياض المسائل ـ الجزء الثالث ::: فهرس