رياض المسائل ـ الجزء الثالث ::: 106 ـ 120
(106)
الأفضل إعادة الإقامة ، لتأكّد استحبابها فيها ؛ وللخبر المروي عن قرب الإسناد : عن المؤذّن يحدث في أذانه أو في إقامته ، قال : « إن كان الحدث في الأذان فلا بأس ، وإن كان في الإقامة فليتوضّأ وليقم إقامة » (1).
    وقريب منه آخر : « الإقامة من الصلاة » (2) ومن حكمها الاستيناف بطروّ الحدث في أثنائها ، فتكون الإقامة كذلك ويأتي على القول بالاشتراط وجوبها ) (3).
    و لو أحدث ( في الصلاة أعادها ) أي الصلاة ( ولا يعيد الإقامة إلّا مع الكلام ) بما لا يتعلق بالصلاة ، وإن أوجبنا الإعادة مع الحدث في الإقامة ، كما عن صريح المبسوط (4).
    قيل : والفرق ظاهر (5). ولعلّ وجهه ما ذكره في المنتهى ـ بعد أن عزا الحكم إلى الشيخ ـ من أن فائدة الإقامة ـ وهي الدخول في الصلاة ـ قد حصل (6).
    والأولى الإعادة ، كما يفهم من الرواية الأخيرة.
    وأما الإعادة مع التكلّم فللصحيح : « لا تتكلّم إذا أقمت ، فإنك إذا تكلّمت أعدت الإقامة » (7).
1 ـ قرب الإسناد : 182 / 673 ، الوسائل 5 : 393 أبواب الأذان والإِقامة ب 9 ح 7.
2 ـ الكافي 3 : 305 / 20 ، التهذيب 2 : 54 / 185 ، الاستبصار 1 : 301 / 1111 ، الوسائل 5 : 396 أبواب الأذان والإِقامة ب 10 ح 12.
3 ـ ما بين القوسين ليس في « ش ».
4 ـ المبسوط 1 : 98.
5 ـ كشف اللثام 1 : 209.
6 ـ المنتهى 1 : 258.
7 ـ التهذيب 2 : 55 / 191 ، الاستبصار 1 : 301 / 1112 ، الوسائل 5 : 394 أبواب الأذان والإِقامة ب 10 ح 3.


(107)
    ( الثالثة : من صلّى خلف من لا يقتدى به أذّن لنفسه وأقام ) لما مر : من عدم الاعتداد بأذان المخالف (1) ، وللنصوص منها : « أذّن خلف من قرأت خلفه » (2).
    ( ولو خشي فوات الصلاة ) خلفه ( اقتصر من فصوله على تكبيرتين وقد قامت الصلاة ) مرتين وتهليلة ، كما في الصحيح المتقدم في بيان فصول الأذان والإِقامة (3).
1 ـ راجع ص 53 ، 14.
2 ـ الفقيه 1 : 251 / 1130 ، التهذيب 3 : 56 / 192 ، الوسائل 5 : 443 أبواب الأذان والإِقامة ب 34 ح 2.
3 ـ في ص 87.


(108)
( أما المقاصد فثلاثة : )
( الأوّل : في ) بيان ( أفعال الصلاة )
( وهي واجبة ومندوبة ).
    ( فالواجبات ثمانية : )
    ( الأوّل : النية )
    ( وهي ركن والمراد ) به ما يلتئم منه الماهية مع بطلان الصلاة بتركه عمداً وسهواً ، كالركوع والسجود. وربما قيّد بالْأُمور الوجودية المتلاحقة ليخرج التروك ، كترك الحدث في الأثناء ، فإنها لا تعدّ أركاناً عندهم.
    ويمكن أن يكون المراد بالركن ما تبطل الصلاة بتركه مطلقاً ، فيكون أعم من الشرط.
    ولكنه بعيد ، وخلاف المصطلح عليه بينهم ، ولذا قال الماتن بعد الحكم بالركنية ( وإن كانت بالشرط أشبه ) ولو صحّ الركنية بهذا المعنى بينهم‏


(109)
لما كان بينها وبين الشرطية منافاة ، فلا وجه لجعله لها مقابلاً للركنية.
    وكيف كان فلا خلاف في ركنيتها بهذا المعنى ، وادعى عليه جماعة اتفاق العلماء (1) ، وهو الحجة بعد الكتاب (2) ، والسنة المستفيضة الدالة على اعتبار الإخلاص في العبادة (3) ، وأنه لا عمل بلا نية (4). والمناقشة في الدلالة واهية.
    واختلفوا في كون النية شرطاً أو جزءاً ، فالذي اختاره الماتن هنا وكثير (5) :
    الأول ، قال في المنتهى : لأن الشرط ما يقف عليه تأثير المؤثّر ، أو ما يقف عليه صحة الفعل ، وهذا متحقق فيها ، وأيضاً ( فإنها تقع مقارنة ) لأوّل جزء من الصلاة ـ أعني التكبير ـ أو سابقة عليه ، فلا يكون جزءاً (6).
    وهما ضعيفان ، كأكثر الوجوه المستدل بها على القولين. وقد فرع عليهما أُمور لا يتفرع بعضها عليهما ، وبعضها قليل الفائدة.
    وحيث كانت المسألة بهذه المثابة كانت الفائدة في تحقيقها قليلة ، فالإعراض عن الإطالة فيها أولى ، والاشتغال بتحقيق ما هو أهمّ أحرى ( و ) هو أنه ( لابد ) في النية ( من نية القربة ) وهي غاية الفعل المتعبّد به ، قرب الشرف لا الزمان والمكان ، لتنزّهه تعالى عنهما ، ولو جعلها للّه تعالى كفى.
( والتعيين ) من ظهر وعصر أو غيرهما. ( والوجوب ) إن كان واجباً ( أو الندب ) إن كان مندوباً. ( والأداء ) إذا كان في الوقت أو ( القضاء ) إذا كان‏
1 ـ منهم العلّامة في المنتهى 1 : 266 ، والتذكرة 1 : 111 ، والشهيد الثاني في المسالك 1 : 28.
2 ـ الأنعام : 162 ، الاسراء : 23 ، البينة : 5.
3 ـ الوسائل 1 : 59 أبواب مقدمة العبادات ب 8.
4 ـ الوسائل 1 : 46 أبواب مقدمة العبادات ب 5.
5 ـ كالمحقق في المعتبر 2 : 149 ، والشهيد الثاني في روض الجنان : 254 ، وصاحب المدارك 3 : 308.
6 ـ المنتهى 1 : 266.


(110)
في خارجه.
    ولا إشكال في اعتبار الأوّلين ؛ لما مضى في أوّلهما ، ودعوى الفاضل في التذكرة وغيره في الثاني إجماعنا (1) ، ونفى عنه الخلاف في المنتهى (2).
    وهو الحجة ؛ مضافاً إلى أن الفعل إذا كان مما يمكن وقوعه على وجوه متعدّدة افتقر اختصاصه بأحدها إلى النية ، وإلّا لكان صرفه إلى البعض دون البعض ترجيحاً من غير مرجح ، مع أن الامتثال عرفاً متوقف عليه جدّاً.
    ومنه يظهر الوجه في عدم الإشكال في اعتبار البواقي ، حيث تكون الذمة مشغولة بكل من الواجب والمندوب أو الأداء والقضاء ؛ إذ مع عدم تشخيص المتعبد به المشترك بين هذه الأفراد بأحد مشخصاتها لم يصدق الامتثال عرفاً مطلقاً ولو صرف إلى بعض الأفراد بعده ، مع أنه ترجيح من غير مرجّح ، كما مضى. وأما مع تشخص الفعل في الواقع شرعا فمشكل جداً.
    وإليه أشار بعض الأفاضل ، فقال ـ بعد نقل الاستدلال من الجماعة على اعتبار الفصول الباقية ، بأن جنس الفعل لا يستلزم وجوهه إلّا بالنية ، فكلّ ما أمكن أن يقع على أكثر من وجه واحد افتقر اختصاصه بأحد الوجوه إلى النية ، فينوي الظهر مثلاً ليتميّز عن بقية الصلوات ، والفرض ليتميّز عن إيقاعه ندباً ، كمن صلّى منفرداً ثمَّ أدرك الجماعة ، وكونها أداء ليتميز عن القضاء ـ ما صورته :
    وهو استدلال ضعيف ؛ فإنّ صلاة الظهر مثلاً لا يمكن وقوعها من المكلف في وقت واحد على وجهي الوجوب والندب ، ليعتبر تميّز أحدهما من الآخر ؛ لأن من صلّى الفريضة ابتداء لا تكون صلاته إلّا واجبة ، ومن أعادها ثانياً لا تقع‏
1 ـ التذكرة 1 : 111 ، وانظر المدارك 3 : 310.
2 ـ المنتهى 1 : 266.


(111)
إلا مندوبة ، وقريب من ذلك الكلام في الأداء والقضاء (1).
    أقول : ويمكن أن يقال : إن مرادهم من الإمكان. الإمكان بحسب النية لا بحسب الشريعة ، وعليه فيمكن وقوع صلاة الظهر الواجبة على جهة الندب بحسب قصد المكلف إمّا عمداً ، أو سهواً ، أو جهلاً ، ولا ريب أنها بهذه الجهة وهذه الصفة غير مأمور بها في الشريعة ، فتكون فاسدة ، كما أنه لو صلّاها بقصد العصر فسدت. وكذلك الكلام لو صلّاها أداء زاعما بقاء الوقت مع خروجه ، أو قضاء زاعماً خروجه مع بقائه بطلت أيضاً ، كما صرّح به في المنتهى (2) ، جاعلاً له من فروع المسألة ، مشعراً بعدم الخلاف في الأصل بيننا ، بل عن ظاهر التذكرة أن عليه إجماعنا (3).
    وهو الحجة المؤيّدة بالشهرة العظيمة ، حتى ممن تأمّل في اعتبار قصد الوجه في الطهارة ، كشيخنا الشهيد الثاني في الروضة ، حيث إن ظاهره في كتاب الطهارة التردّد في اعتبار قصد الوجه ، بل الجزم بعدمه ، مدعياً عدم الدليل عليه ، وعدم اشتراك في الوضوء حتى في الوجوب والندب ، قال : لأنه في وقت العبادة الواجبة المشروطة به لا يكون إلّا واجباً ، وبدونه ينتفي (4).
    وظاهره في هذا الكتاب الجزم باعتباره مطلقاً ـ كما هو ظاهر اللمعة ـ قائلاً في تقريبه : ولمّا كان القصد متوقفاً على تعيين المقصود بوجه ليمكن توجّه القصد إليه ، اعتُبر فيها إحضار ذات الصلاة ، وصفاتها المميزة لها حيث تكون مشتركة ، والقصد إلى هذا المعيّن متقرّباً ، ويلزم من ذلك كونها معيّنة الفرض ،
1 ـ المدارك 3 : 310.
2 ـ المنتهى 1 : 266.
3 ـ التذكرة 1 : 111.
4 ـ الروضه البهية 1 : 72.


(112)
و الأداء أو القضاء ، والوجوب أو الندب (1).
    ولا يخفى ما بين كلاميه في المقامين من التدافع (2). وما ذكرناه من التوجيه لتصحيح نحو الكلام الثاني غير نافع في كلامه الأول ، لظهوره في أن المراد بالإمكان الإمكان بحسب الشرع ، لا قصد المكلف ، وإلّا فيمكن وقوع الوضوء أيضاً من المكلّف بقصد الندب حيث يكون واجباً عليه ، وبالعكس ، كما إذا قصد الوجوب بظن دخول الوقت أو يقينه ثمَّ انكشف عدمه ، وبالعكس ، مع انه صرّح بعدم إمكانه على الوجهين ، وليس إلّا من حيث إرادته منه إيّاه بحسب الواقع وهو جار في المقام كما ذكره من مرّ من بعض الأفاضل (3). ولكن الجواب عنه بما عرفت ظاهر.
    لكن يمكن أن يقال : إن مقتضاه وجوب قصد الوجه إذا بنى المكلف على التعدد عمداً أو تشريعاً مثلاً. وأمّا إذا بنى على الاتحاد مع كونه في الواقع كذلك‏
1 ـ اللمعة ( الروضه البهية 1 ) : 252.
2 ـ بناءً على أن قوله : معيّنة الفرض ، إلى آخر الفصول ، انما هو من كلام المتن ـ أي اللمعة ـ و ظاهره اعتبار هذه الفصول في النية على الاطلاق ولو في محلّ البحث المشخّص فيه المنوي الذي لم يحصل فيه اشتراك شرعي ، وحينئذ فتفريع هذا الاطلاق على ما ذكره من الدليل والتوجيه المشار إليه بقوله : ولمّا كان .. لا يتم إلاّ بجعل الاشتراك المستفاد من قوله : حيث يكون مشتركة ، أعم من الاشتراك في الشرع او بحسب نية المكلّف ، أو جعل متعلق الظرف ـ و هو حيث ـ قوله : المميّزة ، والمعنى حينئذٍ ان الصفات المميزة للصلاة ـ حيث يقع فيها اشتراك ـ احضارها معتبر في النيّة ، نعم لو أرجعناه إلى قوله : اعتبر أفاد انحصار اعتبار هذه المميّزات فيما إذا حصل هنا اشتراك شرعي لا مطلقاً ، فلا يدخل فيه محل النزاع ، ويوافق ما صرّح به في كتاب الطهارة ، لكنه بعيد عن سياق العبارة ؛ لبعد المرجع أولاً ، وعدم استقامة تفريع اطلاق المتن باعتبار الفصول على ما ذكره من التوجيه ثانياً ؛ اذ غايته على هذا التقدير انما هو وجوب اعتبارها في النيّة حيثما يحصل فيه اشتراك لا مطلقاً ، كما أفاده اطلاق المتن. وحينئذ فيتعيّن الأول ويصح التفريع ويظهر المنافاة بين ما هنا وبين ما ذكره في كتاب الطهارة. منه قدس سره.
3 ـ المدارك 3 : 310.


(113)
و قصده متقرباً فقد قصد الذي هو متصف بالوجوب أو الندب ، لأنه أحضر المنوي المتصف بأحدهما واقعاً ، لأن النية أمر بسيط فيكون ممتثلا وإن لم يخطر بباله كون ما أتى به واجباً أو مندوباً ، لأن الامتثال يحصل بقصد المأمور به المعيّن ، وإن كان الواجب أن لا يخطر ما هو متصف بالوجوب بصفة الندب ، ولا العكس.
    مع إمكان التأمّل في هذا أيضاً ، كما عن الماتن في بعض تحقيقاته في نية الوضوء ، حيث إنه ـ بعد أن استظهر عدم اشتراط نية الوجه في صحته ـ قال في جملة كلام له : وما يقوله المتكلمون ـ من أن الإرادة تؤثّر في حسن الفعل وقبحه ، فإذا نوى الوجوب والوضوء مندوب فقد قصد إيقاع الفعل على غير وجهه ـ كلام شعري ، ولو كان له حقيقة لكان الناوي مخطئاً في نيّته ، ولم تكن النيّة مخرجة للوضوء عن التقريب (1). انتهى.
    وهو في غاية الجودة ، لكن ينبغي تخصيصه بصورة ما إذا نوى المأمور به المعيّن في الوقت الذي يفعله وكان واحداً ، كما فرضنا.
    ولكن الأحوط اعتبار الوجه مطلقاً ، كما ذكروه ؛ خروجاً عن شبهة الإجماع المؤيّدة بالشهرة العظيمة بين الأصحاب ، وإن خالف فيه جماعة من محقّقي متأخّري المتأخّرين (2).
    واعلم أن شيخنا في الروضة ـ بعد اختياره مذهب الأصحاب ، وتحقيقه الأمر في النية ـ قال : ـ ولنعم ما قال ـ وقد تلخّص من ذلك أن المعتبر في النية أن يحضر بباله مثلا صلاة الظهر الواجبة المؤداة ، ويقصد فعلها للّه تعالى ، وهذا أمر سهل ، وتكليف يسير ، قبل أن ينفكّ عن ذهن المكلف عند إرادته الصلاة ،
1 ـ حكاه عنه في الذخيرة : 23.
2 ـ انظر مجمع الفائدة والبرهان 1 : 98 ، والمدارك 3 : 310 ، والذخيرة : 24 ، ونقل في مفتاح الكرامة 1 : 220 عن شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني.


(114)
و كذا غيرها ، وتجشّمها زيادة على ذلك وسواس شيطاني قد أُمرنا بالاستعاذة منه والبعد عنه (1).
    ( ولا يشترط نية القصر ولا الإتمام ) مطلقاً ( ولو كان ) المصلّي المدلول عليه بالمقام ( مخيّراً ) بينهما ، فيما جزم به كثير من الأصحاب على الظاهر ، المصرح به في الذكرى (2).
    واستدل عليه في المنتهى فقال : أما في مواضع لزوم أحدهما فلا يفتقر إلى نيته ، لأن الفرض متعيّن له ، وأما في مواضع التخيير ـ كالمسافر في أحد المواطن الأربعة ـ فلا يتعين أحدهما بالنيّة ، بل جائز له أن يقتصر على الركعتين وجائز أن يتمّ ، فلا يحتاج إلى التعيين (3). وقريب منه كلام المحقق الثاني في شرح القواعد (4).
    وهو حسن على ما قدمناه ، إلّا أن في التعليل الأوّل منافاة لما ذكروه في اشتراط نية الوجه ، من اشتراك المتعبّد به بين فصوله لا يتعين لأحدها إلّا بنيّته ، بناءًً على ما وجّهناه به ، من أن المراد بالاشتراك الاشتراك بحسب نيّة المكلّف لا الواقع ، وهذا الوجه جار في المقام ، لإمكان أن ينوي ما كلّف به من قصر أو إتمام بضده ، والفرض أن التعيّن واقعاً غير كاف.
    وبالجملة فالجمع بين الكلامين مشكل ، إلّا أن يقيّد الأول بما إذا حصل اشتراك في المتعبّد به واقعا ، كما إذا كان عليه واجب وندب أو أداء وقضاء ، ولا ريب في اشتراط قصد الوجه حينئذ ، كما قدمناه ، والشاهد على هذا التقييد كلامهم هنا. لكن مقتضى ذلك الاكتفاء باشتراط نية التعيين عن نية الوجه ، فلا
1 ـ الروضة البهية 1 : 255.
2 ـ الذكرى : 117.
3 ـ المنتهى 1 : 266.
4 ـ جامع المقاصد 2 : 231.


(115)
وجه لاشتراطها أيضاً إلّا لزومه مطلقاً ، ولو كان المتعبد به في الواقع واحداً ، وربما يشير إليه أيضاً ما قدمناه عن المنتهى من التفريعات (1) ، فتأمّل جدّا.
    وكيف كان ، فالمتجه على ما قدمناه صحة ما حكموا به هنا من غير خلاف أجده إلّا من المحقق الثاني ، فأوجب مع التخيير نية أحدهما (2).
و احتمله الشهيد ـ رحمه اللّه ـ في الذكرى ، قال : لأن الفرضين مختلفان ، فلا يتخصص أحدهما إلّا بالنية ، وعلى الأوّل لو نوى أحدهما فله العدول إلى الآخر ، وعلى الثاني يحتمل ذلك ، لأصالة بقاء التخيير ، ويحتمل جواز العدول من التمام إلى القصر دون العكس ؛ كيلا يقع الزائد بغير نية (3). وهو كما ترى.
    ( ويتعين استحضارها عند أوّل جزء من التكبير ) خاصة ، أو مستمرة إلى انتهائه ، أو بين الألف والراء ، أو قبله متصلة به ، بحيث يكون آخر جزء منها عند أول جزء منه ، على اختلاف الآراء ، بعد اتفاقها على لزوم أصل المقارنة في الجملة ، على الظاهر ، المصرّح به في كلام جماعة (4).
    ويظهر من التذكرة دعوى الإجماع على صحة العبادة بالمقارنة بالمعنى الأخير (5).
    وبه يضعف القول الثالث لو أُريد به تعيينه ، مضافاً إلى ندرة قائله ، واستلزامه ـ زيادة على العسر ـ حصول أوّل التكبير بغير نية.
    وبذلك يضعف الثاني أيضاً لو أُريد به التعيين ، مع عدم وضوح مأخذه‏
1 ـ راجع ص : 110.
2 ـ جامع المقاصد 2 : 231.
3 ـ الذكرى : 177.
4 ـ منهم العلّامة في التحرير 1 : 37 ، والشهيد الأول في الذكرى : 177 ، وصاحب المدارك 3 : 313.
5 ـ التذكرة 1 : 112.


(116)
إلّا ما يقال : من أن الدخول في الصلاة إنما يتحقق بتمام التكبير ، بدليل أن المتيمّم لو وجد الماء قبل إتمامه وجب عليه استعماله بخلاف ما لو وجده بعد الإكمال ، والمقارنة معتبرة في النية فلا يتحقق من دونها.
    ويضعف تارة : بأن آخر التكبير كاشف عن الدخول في الصلاة من أوّله.
    واُخرى : بأن الدخول في الصلاة يتحقق بالشروع في التكبير ، لأنه جزء من الصلاة بالإجماع ، فإذا قارنت النية أوّله فقد قارنت أو الصلاة ، لأن جزء الجزء جزء ، ولا ينافي ذلك توقف التحريم على انتهائه ووجوب استعمال الماء قبله ، لأن ذلك حكم آخر لا ينافي المقارنة.
    وثالثة : باستلزامه العسر والحرج المنفيين شرعاً. والحقّ أن هذا الجواب جار أيضاً في التفسير الأوّل ، كما أجاب به عنه الحلّي على ما حكاه عنه في التنقيح (1) ، ولذا اختار هو التفسير الأخير ، وهو أسلم التفاسير وأوضحها ، مع دعوى الإجماع على حصول المقارنة به ، كما مضى هذا.
    مع أن هذه التفاسير كلها تناسب القول بأن النية عبارة عن الصورة المخطرة بالبال ، كما هو المشهور بين الأصحاب ، دون القول بأنها عبارة عن الداعي إلى الفعل ، كما هو المختار ، لأنها بهذا المعنى لازمة الاقتران من الفاعل المختار ، فلا يحتاج إلى هذه التدقيقات.
    وقد تقدم الكلام فيها ( و ) في وجوب ( استدامتها حكماً ) حتى الفراغ ، في بحث الوضوء من كتاب الطهارة ، من أراد التحقيق فليراجع ثمة (2).
    ( الثاني : التكبير ) تكبيرة الإحرام ، نسبت إليه لأن بها يحصل الدخول‏
1 ـ التنقيح الرائع 1 : 193.
2 ـ في ج 1 : ص 117 ـ 121.


(117)
في الصلاة ، ويحرم ما كان محلّلاً قبلها من الكلام وغيره.
    ( وهو ركن في الصلاة ) تبطل بتركه مطلقاً ، إجماعاًً منّا ومن أكثر العامة ، بل جميع الأمّة إلّا النادر منهم ، كما حكاه جماعة (1) ، وللصحاح المستفيضة المصرّح جملة منها بفساد الصلاة بتركه نسيانا (2) ، ففي العمد وما في معناه أولى.
    وما في شواذها ـ مما ينافي بظاهره ذلك ، من عدم البأس بتركها نسياناً مطلقاً ، كما في بعض (3) ، أو إذا كبّر للركوع فيجتزئ به ، كما في آخر (4) ، أو قضائه قبل القراءةة أو بعدها ، كما في ثالث (5) ، أو قبل الركوع وإلّا فيمضي ، كما في رابع (6) ـ مؤوّل بتأويلات غير بعيدة في مقام الجمع بين الأدلّة.
    ( وصورته : ) التي يجب الاقتصار عليها إجماعاًً ، كما في الانتصار والناصرية والمنتهى وعن الغنية (7) ، وتأسّياً بصاحب الشريعة ( اللّه أكبر ، مرتّباً ) بين الكلمتين ، بتقديم الْاُولى على الثانية ، مواليا بينهما ، غير مبدّل حرفاً منهما بغيره ، ولا كلمة بأُخرى ، ولا مُزيدٍ لها ولا لحرف مطلقاً ، حتى الألف بين اللام‏
1 ـ منهم المحقق في المعتبر 2 : 151 ، والشهيد في الذكرى : 178 ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2 : 235 ، وصاحب المدارك 3 : 319.
2 ـ الوسائل 6 : 12 أبواب تكبيرة الإحرام ب 2.
3 ـ الوسائل 6 : 15 أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 9 ، 10.
4 ـ الفقيه 1 : 226 / 100 ، التهذيب 2 : 144 / 566 ، الاستبصار 1 : 353 / 1334 ، الوسائل 6 : 16 أبواب تكبيرة الإحرام ب 3 ح 2.
5 ـ الفقيه 1 : 226 / 1001 ، التهذيب 2 : 145 / 567 ، الاستبصار 1 : 352 / 1331 ، الوسائل 6 : 14 أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 8.
6 ـ التهذيب 2 : 145 / 568 ، الاستبصار 1 : 352 / 1332 ، الوسائل 6 : 15 أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 10.
7 ـ الانتصار : 40 ، الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : 196 ، المنتهى 1 : 268 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 557.


(118)
و الهاء من اسمه تعالى على الأحوط بل الأولى ، غير معرّفٍ لأكبر ، ولا مضيفٍ له إلى شي‏ء ، ولا غير ذلك ، وإن وافق القانون العربي ، وفاقاً للمشهور ، لما مر.
    خلافاًًًً للإسكافي ، فجوّز التعريف على كراهية (1). ولهم ، فجوّزوا زيادة الألف بين اللام والهاء إذا مدّه ، بحيث لا يزيد على العادة ، أو زاد ولكن لم يخرج الكلمة عن هيئتها على كراهية ، كما يأتي ، لعدم تغيّر المعنى.
    وهما ضعيفان ؛ لما مر. ولا سيّما الأوّل ، بل هو شاذّ على خلافه الإجماع ، كما عرفته ، وما اخترناه في الثاني خيرة المبسوط ، كما قيل (2).
    ومنه ـ مضافاً إلى القاعدة المتقدمة ـ يظهر أنه ( لا ينعقد ) التكبير بالترجمة عنه ( بمعناه ) مطلقاً ( ولا مع الإخلال ) بشي‏ء منه و ( لو بحرف ) مطلقاً ، حتى بهمزة الجلالة متصلة بالنية المتلفّظ بها ، فإنّ الإخلال بها بإسقاطها بالدرج حينئذ وإن وافق العربيّة إلّا أنه مخالف لما قدمناه من الأدلّة.
    ( ومع التعذر ) والعجز عن الإتيان به بصيغة العربية المأثورة ( تكفي الترجمة ) عن معناه بلغته ، أو مطلقاً مع المعرفة بها ، ولا يتعين السريانية والعبرانية ، ولا الفارسية بعدهما. وإن قيل بتعين الثلاثة مرتّباً بينهما كما قلنا ، لعدم وضوح مستنده ، وإن كان مراعاته أولى.
    وهذا الحكم مشهور بين الأصحاب ، بل لا يكاد يظهر فيه منهم خلاف عدا بعض متأخّريهم (3) ، فاحتمل سقوط التكبير ، وفاقاً لبعض العامة العمياء (4) ، مع أنه وغيره (5) ادّعيا كونه مذهب علمائنا وأكثر العامة ، معربين عن كونه مجمعاً
1 ـ كما حكاه عنه في المنتهى 1 : 268.
2 ـ المبسوط 1 : 102.
3 ـ صاحب المدارك 3 : 320.
4 ـ كما في المغني والشرح الكبير 1 : 543.
5 ـ كصاحب الحدائق 8 : 32.


(119)
عليه بيننا ، ومعه لا وجه للاحتمال ، وإن اتّجه من دونه ، لضعف ما يقال في توجيه الحكم ودليله ، كما بيّنته في شرح المفاتيح ، من أراده فعليه بمراجعته.
    وإطلاق العبارة ونحوها يقتضي كفاية الترجمة مع التعذّر مطلقاً ، من دون الاشتراط لضيق الوقت ، حتى لو صلّى مترجما في أوّل الوقت مع علمه بعدم إمكان التعلّم إلى آخره لكفى ، وبه صرّح بعض الأصحاب (1).
    خلافاًًًً لآخرين ، فاشترطوه (2). وهو حسن مع إمكان التعلّم لا مطلقاً.
    ( ويجب التعلم ما أمكن ) بلا خلاف أجده ؛ لتوقف الواجب عليه ، ولا يتمّ إلّا به ، فيجب ولو من باب المقدمة.
    ( والأخرس ) الذي سمع التكبيرة وأتقن ألفاظها ولا يقدر على التلّفظ بها أصلاً ، وكذا من بحكمه ، كالعاجز عن النطق لعارض ( ينطق بالممكن ) منها و ( يعقد قلبه بها ) أي بالتكبيرة ولفظها وأنها ثناء عليه تعالى ، لا معناها المطابقي ، إذ لا يجب إخطاره بالبال.
    وأما قصد اللفظ فلا بدّ منه مع ( الإشارة ) بلا خلاف في اعتبارها ، وإن اختلف في اعتبار ما زاد عليها من عقد القلب خاصة أيضاً ، كما هنا وفي الشرائع والإرشاد وعن النهاية (3) ، أو بزيادة تحريك اللسان ، كما في القواعد وروض الجنان وعن الشهيد في البيان (4) ، أو الاكتفاء بالإشارة خاصة ، كما في التحرير والمنتهى (5) حاكياً له عن الشيخ ، وحكى عنه في المبسوط وعن المعتبر في‏
1 ـ كالعلّامة في نهاية الإجكام 1 : 456.
2 ـ كالمحقق في الشرائع 1 : 79 ، والعلّامة في القواعد 1 : 32 ، ويحيى بن سعيد في الجامع : 79 ، وصاحب المفاتيح 1 : 126.
3 ـ الشرائع 1 : 79 ، الإرشاد 1 : 152 ، النهاية : 75.
4 ـ القواعد 1 : 32 ، روض الجنان : 259 ، البيان : 155.
5 ـ التحرير 1 : 37 ، المنتهى 1 : 268.


(120)
الذخيرة (1).
    لكن الظاهر أن عقد القلب بالتكبيرة لا بدّ منه ، وإلّا لما تشخّص لها الإشارة عن غيرها ، ولعلّه مراد الجماعة ، فاتّحد قولهم مع ما في العبارة.
    بقي الكلام في اعتبار تحريك اللسان ؛ واستدل على اعتباره بوجوبه مع القدرة على النطق ، فلا تسقط ، إذا لا يسقط الميسور بالمعسور ، فهو أحد الواجبين.
    ولا يخلو عن نوع نظر ، كالاستدلال له ولاعتبار الإشارة بالخبر : « تلبية الأخرس وتشهّده وقراءته للقرآن في الصلاة تحريك لسانه وإشارته بإصبعه » (2) لخروجه عن المفروض كما ترى ، إلّا أن يستدلّ به عليه بالفحوى ، أو عدم تعقّل الفرق بين التكبير ومورد الخبر أصلاً ، فتدبّر.
    وكيف كان ، فلا بد من اعتبار ما عدا التحريك ؛ لعدم الخلاف فيه على الظاهر ، المصرّح به في بعض العبائر (3). وأما اعتباره فهو أحوط ، بل لعلّه أظهر.
    ( ويشترط فيها ) جميع ما يشترط في الصلاة ، من الطهارة والستر والقيام والاستقبال ؛ للصلوات البيانية ؛ ولأن ذلك مقتضى الجزئية والركنية الثابتة بما قدّمناه من الأدلة (4).
    ( و ) عليه ف‍ ( لا يجزئ ) التكبيرة أو الصلاة لو كبّر غير متطهّر ، أو غير متستّر ، أو غير مستقبل ، أو غير قائم مطلقاً ، سواء كبّر ( قاعداً ) أو آخذاً في القيام ، أو هاوياً إلى الركوع كما يتفق للمأموم ( مع القدرة ) على القيام ، بلا
1 ـ حكاه عنهما في الذخيرة : 267 ، وهو في المبسوط 1 : 103 ، والمعتبر 2 : 145.
2 ـ الكافي 3 : 315 / 17 ، التهذيب 5 : 93 / 305 ، الوسائل 6 : 136 أبواب القراءة في الصلاة ب 59 ح 1.
3 ـ انظر مجمع الفائدة 2 : 196 ، ولكنه ادّعى فيه عدم ظهور الخلاف في اعتبار عقد القلب والإشارة والتحريك.
4 ـ راجع ص 117.
رياض المسائل ـ الجزء الثالث ::: فهرس