رياض المسائل ـ الجزء الثالث ::: 151 ـ 165
(151)
و المبسوط (1) ، مدّعياً فيهما أن الوجوب هو الظاهر من روايات الأصحاب ومذهبهم.
    فلم يبق إلّا الإسكافي والديلمي ، وهما معلوما النسب ، غير قادح خروجهما بالإجماع ، ولذا ادّعاه من تقدّم ذكرهم من الأصحاب ، هذا.
    مع أن عبارة الأوّل المحكية وإن أفادت عدم وجوب كمال السورة ، إلّا أنها ظاهرة في لزوم بعضها ، فإنه قال : ولو قرأ بأُمّ الكتاب وبعض سورة في الفرائض أجزأ. وهو ظاهر في لزوم البعض ، ولم أرَ من يقول به ممن يوافقه في عدم وجوب السورة بكمالها ، ولذا ادّعى بعضهم عدم القائل بالفرق بينه وبين جواز الاقتصار على الحمد وحده (2) ، هذا.
    ويحتمل إرادة الإسكافي من الإجزاء الإجزاء في صحة الصلاة ، بمعنى أنها مع التبعيض صحيحة ، وهو يجتمع مع وجوب كمال السورة ، كما يظهر من عبارة المبسوط المحكية ، حيث قال : قراءة سورة بعد الحمد واجبة ، غير أن من قرأ بعض السورة لا يحكم ببطلان الصلاة (3).
    وقريب منه الفاضل في المنتهى ، حيث إنه ـ بعد حكمه بوجوب السورة بكمالها وفاقاً لأكثر علمائنا ـ حكى المخالفة فيه عن النهاية خاصة ، ثمَّ نقل عن الإسكافي والمبسوط عبارتيهما المتقدمة ، ومال إلى قولهما بعده (4) ، معرباً عن تغاير المسألتين ـ أي مسألة وجوب السورة بكمالها وعدم صحة الصلاة بتبعيضها ـ وحينئذ فلم يظهر من الإسكافي المخالفة في المسألة الْاُولى. فلم يبق إلّا الديلمي ، وهو في مقابلة باقي القدماء شاذّ ، كالماتن في المعتبر (5)
1 ـ الخلاف 1 : 335 ، المبسوط 1 : 107.
2 ـ قال به العلّامة في المختلف : 91.
3 ـ المبسوط 1 : 107.
4 ـ المنتهى 1 : 272.
5 ـ المعتبر 2 : 171.


(152)
و بعض من تبعه (1) في مقابلة المتأخّرين ، مع أنه هنا وفي الشرائع (2) وافق الأصحاب.
    ومن هنا ينقدح ندرة القول الثاني وشذوذه ، فلا ريب في ضعفه ، وإن دلّ عليه الصحيحان : « إنّ فاتحة الكتاب تجوز وحدها في الفريضة » (3).
    لقصورهما عن المقاومة لما مرّ من الأدلة من وجوه عديدة ، سيّما مع عدم صراحة الدلالة ، واحتمالهما الحمل على حال الضرورة ، لجواز الترك فيها اتفاقاً ، فتوى ورواية ، أو التقية ، لكون المنع عن الوجوب مطلقاً مذهب العامة ، كما صرّح به جماعة (4).
    وبه يجاب عن الصحاح المستفيضة وغيرها المبيحة لتبعيض السورة ، مع ابتناء دلالتها على عدم وجوب السورة على عدم القائل بالفرق بين الطائفة ، وفيه ما عرفته ، هذا.
    مع اختلافها وتعارضها بعضاً مع بعض من حيث إطلاق جواز التبعيض ، كما في جملة منها (5) ، أو التقييد بما إذا كانت ستّ آيات منصَّفة بين الركعتين ، كما في بعضها (6) ، أو بما إذا كانت زيادة عن ثلاث آيات ، كما في آخر منها (7).
1 ـ كصاحب المدارك 3 : 347 ، والسبزواري في الذخيرة : 268.
2 ـ الشرائع 1 : 82.
3 ـ الأول : التهذيب 2 : 71 / 259 ، الاستبصار 1 : 314 / 1169 ، الوسائل 6 : 39 أبواب القراة في الصلاة ب 2 ح 1.
الثاني : التهذيب 2 : 71 / 260 ، الوسائل 6 : 40 أبواب القراءة في الصلاة ب 2 ح 3.
4 ـ منهم : المحقق في المعتبر 2 : 171 ، والعلّامة في المنتهى 1 : 271.
5 ـ الوسائل 6 : أبواب القراءة في الصلاة ب 4 الأحاديث 5 ، 6 ، 7 ، والباب 5 ح 1 ، 3.
6 ـ التهذيب : 2 : 294 / 1182 ، الاستبصار 1 : 315 / 1175 ، الوسائل 6 : 46 أبواب القراءة في الصلاة ب 5 ح 2.
7 ـ التهذيب 2 : 71 / 262 ، الاستبصار 1 : 315 / 1173 ، الوسائل 6 : 47 أبواب القراءة في الصلاة ب 6 ح 3.


(153)
    فكيف يمكن الاستناد إليها أجمع ، لعدم إمكان المصير إليها بعد تضادّ بعضها مع بعض.
    مع أن الرواية المشترطة للزيادة عن ثلاث آيات غير صريحة في إرادة التبعيض ، بل ولا ظاهرة ؛ لاحتمالها إرادة تكرار السورة الواحدة ، بقراءتها في كل من ركعتي المكتوبة على حدّه ، بل هذا هو الذي فهمه منها جماعة (1) ، وإن استبعده الشهيد قائلاً : إنه لو أُريد تكريرها لم يكن للتقييد بزيادتها على ثلاث آيات فائدة (2).
    وربما يناقش فيه بجواز كراهة تكريرها إذا كانت ثلاث آيات تعبّداً.
    ودفعه بعدم القائل به مشترك الورود بين هذا الاحتمال واحتمال إرادة التبعيض ، إذ كل من قال بجوازه لم يشترط الزيادة عليها.
    مع أن اشتراطها على هذا الاحتمال يشعر بورود الرواية للتقية ؛ لدلالتها على كون البسملة ليست من السورة ، إذ ليس في السور ما يكون مع البسملة ثلاث آيات ، فإنّ أقصرها الكوثر وهي مع البسملة آيات أربع ، فاشتراط الزيادة لا يناسب طريقة الإمامية ، فتكون الرواية من جملة الدلائل على ورود أخبار التبعيض للتقية.
    ومن جملتها أيضاً الموثق كالصحيح ، بل قيل صحيح (3) : صلّى بنا أبو عبد اللّه عليه السلام أو أبو جعفر عليه السلام ، فقرأ بفاتحة الكتاب وآخر سورة المائدة ، فلما سلّم التفت إلينا فقال : « أما إني أردت أن أُعلّمكم » (4).
1 ـ منهم الشيخ في التهذيب 2 : 71 ، والأردبيلي في مجمع الفائدة 2 : 206 ـ 205 ، انظر المختلف : 92.
2 ـ كما في الذكرى : 186.
3 ـ قال به الحدائق 8 : 118.
4 ـ التهذيب 2 : 294 / 1183 ، الاستبصار 1 : 316 / 1176 ، الوسائل 6 : 46 أبواب القراءة في الصلاة ب 5 ح 1.


(154)
و نحوه خبر آخر مروي في الوسائل عن العلل (1) ، فتدبّر.
    ( ولا ) يجوز أن ( يقرأ في الفرائض عزيمة ) من العزائم الأربع ، على الأشهر الأظهر ، بل لا خلاف فيه بين القدماء يظهر إلّا من الإسكافي ، حيث قال : لو قرأ سورة من العزائم في النافلة سجد ، وإن قرأ في الفريضة أومأ فإذا فرغ قرأها وسجد (2).
    وليس نصّاً في المخالفة ، وإن فهمها منه الجماعة ؛ إذ ليس فيها التصريح بجواز القراءة ، بل غايته أنه لو قرأ فعل كذا ، ويحتمل الاختصاص بصورة القراءة ناسياً أو تقيّة. وعلى تقدير ظهور مخالفته فهو شاذّ ، بل على خلافه الإجماع في الانتصار والخلاف والغنية وشرح القاضي لجمل السيد ونهاية الإحكام والتذكرة (3).
    وهو الحجة ؛ مضافاً إلى الخبرين الناهيين (4) معلّلاً في أحدهما بأن السجود زيادة في المكتوبة.
    وأما النصوص المخالفة فمع قصور سند أكثرها غير صريحة فيها ؛ لأنها ما بين مطلقة للجواز ، كالصحيح : عن الرجل يقرأ بالسجدة في آخر السورة ، قال : « يسجد ثمَّ يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب ثمَّ يركع ويسجد » (5) ونحوه غيره من‏
1 ـ علل الشرائع : 339 / 1 ، الوسائل 6 : 46 أبواب القراءة في الصلاة ب 5 ح 3.
2 ـ حكاه عنه في المعتبر 2 : 175.
3 ـ الانتصار : 43 ، الخلاف 1 : 426 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 558 شرح جمل العلم والعمل : 86 ، نهاية الإِحكام 1 : 466 ، التذكرة 1 : 116.
4 ـ الكافي 3 : 318 / 6 ، التهذيب 2 : 96 / 361 ، وص 292 / 1174 ، الاستبصار 1 : 320 / 1191 ، الوسائل 6 : 105 أبواب القراءة في الصلاة ب 40 ح 1 ، 2.
5 ـ الكافي 3 : 318 / 5 ، التهذيب 2 : 291 / 1167 ، الاستبصار 1 : 319 / 1189 ، الوسائل 6 : 102 أبواب القراءة في الصلاة ب 37 ح 1.


(155)
الصحيح وغيره (1) ، وهي محتملة للحمل على النافلة أو الفريضة على بعض الوجوه.
    ومصرّحة فيها بقراءتها فيها ، كالصحيح : عن إمام قرأ السجدة فأحدث قبل أن يسجد كيف يصنع ؟ قال : « يقدّم غيره فيتشهّد ويسجد وينصرف هو وقد تمّت صلاتهم » (2) ونحوه غيره (3) ، وهي محتملة للحمل على صورة النسيان أو غيره من الأعذار.
    والموجب للخروج عن ظواهر هذه الأخبار وحملها على ما مر في المضمار رجحان الخبرين المانعين بالشهرة العظيمة بين الأصحاب ، الجابرة لضعفهما لو كان.>
    مضافاً إلى الإجتماعات المحكية حدّ الاستفاضة التي كل منها في حكم رواية صحيحة ، والمخالفة للعامّة ، كما صرّح به جماعة (4) ، ويشهد لها أحد الخبرين وغيره من المعتبرة (5) ، هذا.
    مضافاً إلى ما احتجّ به الأصحاب زيادة عليهما : من أن قراءتها مستلزمة لأحد محذورين ، إما الإخلال بالواجب إن نهيناه عن السجود ، وإما زيادة سجدة في الصلاة متعمّداً إن أمرناه به.
    وما يقال : إن هذا ـ مع ابتنائه على وجوب إكمال السورة وتحريم القرآن ـ إنما يتم إذا قلنا بفورية السجود مطلقاً ، وأن زيادة السجدة مبطلة كذلك ، وكل‏
1 ـ الوسائل 6 : 102 أبواب القراءة في الصلاة ب 37.
2 ـ التهذيب 2 : 293 / 1178 ، قرب الإسناد : 205 / 795 ، الوسائل 6 : 106 أبواب القراة في الصلاة ب 40 ح 5.
3 ـ الفقيه 1 : 262 / 1196 ، التهذيب 3 : 283 / 843 ، الوسائل 8 : 426 أبواب الصلاة الجماعة ب 72 ح 1.
4 ـ انظر المعتبر 2 : 175 ، والتذكرة 1 : 116 ، والحدائق 8 : 156.
5 ـ الوسائل 6 : 103 أبواب القراة في الصلاة ب 38.


(156)
هذه المقدمات لا يخلو عن نظر (1).
    فمنظور فيه ، لصحة المقدمات : أما وجوب إكمال السورة فلِما تقدم إليه الإشارة. وأما فورية السجود فللإجماع عليها على الظاهر ، المصرّح به في جملة من العبائر (2) ، مع ظهور أخبار المسألة في ذلك ، حتى الأخبار المخالفة ، لتضمنها الأمر بالسجود بعد الفراغ من الآية بلا فاصلة ، ولو لا الفورية لما كان له وجه بالكلية.
    وأما بطلان الصلاة بزيادة السجدة فلعلّه إجماعي ، كما صرّح به في التنقيح (3). ويشهد له خصوص ما مرّ من أحد الخبرين المعلّل للمنع باستلزام قراءتها الزيادة (4) ، وعموم النصوص المانعة عنها مطلقاً ، منها الحسن : « إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتدّ بها واستقبل صلاته استقبالاً » (5).
    والخبر : « من زاد في صلاته فعليه الإعادة » (6) هذا.
    مع أنه مقتضى العبادة التوقيفية ، ولزوم الاقتصار فيها بحكم التأسّي الثابت بالأصل والنص (7) ـ على الثابت منها في الشريعة ، من غير زيادة ولا نقيصة.
1 ـ قال به صاحب المدارك 3 : 352 ، والفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 132.
2 ـ ومنها عبارة المدارك في بحث السجود وذكر سجدة التلاوة ، حيث قال : أجمع الاصحاب على ان سجود التلاوة واجب على الفور ( 3 : 421 ) ، ومنها عبارة الخال العلّامة ـ أدام الله سبحانه ضلاله ـ في حاشية على المدارك في هذه المسأله وغيرها. منه رحمه الله.
3 ـ التنقيح الرائع 1 : 199.
4 ـ المتقدم في ص 154.
5 ـ الكافي 3 : 354 / 2 ، التهذيب 2 : 194 / 763 ، الاستبصار 1 : 376 / 1428 ، الوسائل 8 : 231 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 1.
6 ـ التهذيب 2 : 194 / 764 ، الاستبصار 1 : 376 / 1429 ، الوسائل 8 : 231 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 2.
7 ـ عوالي اللالي 1 : 197 / 8 ، صحيح البخاري 1 : 162 ، سنن الدار قطني 1 : 346 / 10.


(157)
    وأما تحريم القرآن فهو الأظهر الأشهر ، بل عن أمالي الصدوق وفي الانتصار دعوى الإجماع عليه (1) ؛ للمعتبرة المستفيضة (2) ، وفيها الصحيح ، والقريب منه ، وغيره. والنصوص المعارضة (3) محمولة على التقية وإن تضمنت الصحيح وغيره ، وذهب إليها جماعة (4).
    لكن المحقّق من أخبار المنع ثبوته في القرآن بين السورتين لا سورة وبعض اُخرى ، وإن دلّ على المنع فيها أيضاً بعضها المتقدم المتضمّن لقوله عليه السلام : « لا تقرأ في المكتوبة بأقلّ من سورة ولا بأكثر » (5) لعدم صراحته ، لاحتمال تقييد الأكثر فيه بما إذا بلغ سورة كاملة ، أو إذا قصد جزئية الزيادة لا مطلقاً ؛ والداعي إليه ما دلّ من النص (6) والإجماع على جواز العدول من سورة إلى أُخرى ما لم يبلغ النصف ، ودعوى الإجماع على جواز قراءة القرآن وبعض الآيات في القنوت ، وجواب السلام ونحوه بها.
    وعليه فيتجه ما مرّ من الإيراد ؛ لعدم مانع حينئذ عن قراءة سورة السجدة إلى آيتها ، أو مطلقاً ، وتركها ثمَّ قراءة سورة كاملة بعدها أو قبلها.
    لكن التحقيق منع ما ذكر فيه من البناءً ، لتوقّفه على كون مراد الأصحاب المنع من قراءة العزيمة مطلقاً حتى أبعاضها ، ومحصّله المنع من الشروع فيها ، وهو غير متعيّن ، وإن لزم القائلين بلزوم سورة كاملة والمنع عن القرآن مطلقاً حتى بين سورة وأبعاض أُخرى بل يحتمل كون مرادهم المنع من قراءتها
1 ـ أمالي الصدوق : 512 ، الانتصار : 44.
2 ـ الوسائل 6 : 50 أبواب القراءة في الصلاة ب 8.
3 ـ انظر الوسائل 6 : 51 أبواب القراة في الصلاة ب 8 ح 6 ، 9.
4 ـ منهم الحلّي في السرائر 1 : 220 ، والمحقق في المعتبر 2 : 174 ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2 : 247 ، وصاحب المدارك 3 : 354.
5 ـ في ص 150.
6 ـ الوسائل 6 : 100 أبواب القراءة في الصلاة ب 36.


(158)
بتمامها ، كما يومئ إليه تعليلهم الذي مضى (1) ، والتعليل في أحد الخبرين المانعين اللذين تقدما (2).
    وعلى هذا فلا يكون المنع مبتنياً على وجوب إكمال السورة ، ولا تحريم القرآن بالكلية ، بل يبتني على فورية السجدة وكون زيادتها للصلاة مبطلة ، وكل من هاتين المقدمتين حق كما عرفه.
    ( ولا ) يجوز أيضاً قراءة ( ما ) أي سورة ( يفوت الوقت بقراءتها ) إما بإخراج الفريضة الثانية على تقدير قراءتها في الفريضة الْاُولى ، كالظهرين ، أو بإخراج بعض الفريضة عن الوقت ، كما لو قرأ سورة طويلة يقصر الوقت عنها وعن باقي الصلاة ، مع علمه بذلك ؛ لاستلزام ذلك تعمّد الإخلال بفعل الصلاة في وقتها المأمور به إجماعاًً ، فتوى ونصاً ، كتاباً وسنة ، فيكون منهياً عنه ولو ضمنا.
    مضافاً إلى التصريح به في الحسن : « لا تقرأ في الفجر شيئاً. من ال حم » (3) ولا وجه له عدا فوت الوقت بقراءتها ، وبه وقع التصريح في الخبر : « من قرأ شيئا من ال حم في صلاة الفجر فاته الوقت » (4).
    ولا خلاف في هذا الحكم إلّا من بعض متأخّري المتأخرين (5) ، حيث فرّعه على البناءً المتقدم : من وجوب إكمال السورة وحرمة القِران ، مع عدم قوله بهما. وفيه ما عرفته.
    وفي المسألة وسابقتها فروع جليلة ذكرناها في شرح المفاتيح ، من أرادها
1 ـ في ص 155 ، 156.
2 ـ في ص 154.
3 ـ التهذيب 3 : 276 / 803 ، الوسائل 6 : 111 أبواب القراءة في الصلاة ب 44 ح 2.
4 ـ التهذيب 2 : 295 / 1189 ، الوسائل 6 : 111 أبواب القراءة في الصلاة ب 44 ح 1.
5 ـ كصاحب المدارك 3 : 354 ، والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1 : 132.


(159)
فليطلبها ثمة.
    ( ويتخير المصلي في كل ) ركعة ( ثالثة ورابعة ) من الفرائض الخمس اليومية ( بين قراءة الحمد ) وحدها ( والتسبيح ) خاصة ، بإجماعنا المحقق والمنقول في كلام الأصحاب مستفيضاً ، بل متواتراً ، كأخبارنا.
    وإطلاقها يقتضي عدم الفرق بين ناسي القراءة وغيره ، كما هو الأشهر الأقوى ، بل عليه عامة أصحابنا عدا الشيخ في الخلاف (1) ، فعيّن القراءة في الأول ، كما قيل.
    وهو شاذ ؛ مع قصور عبارته عن إفادة الوجوب ، لتعبيره بالاحتياط الظاهر في الأولوية والاستحباب ، كما صرّح به هو في المبسوط (2) ، وتبعه الأصحاب.
    لعموم أدلّة التخيير من النصوص (3) والإجتماعات المحكية ، مع خلوصها عما يصلح للمعارضة ؛ عدا عموم ما دلّ على أنه : « لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب » (4).
    وخصوص الصحيح : قلت له : رجل نسي القراءة في الْأُوليين فذكرها في الأخيرتين ، فقال : « يقتضي القراءة والتكبير والتسبيح الذي فاته في الْأُوليين في الأخيرتين ، ولا شي‏ء عليه » (5).
    والخبر : قلت له : أسهو عن القراءة في الركعة الأولى ، قال : « أقر في الثانية » قلت : أسهو في الثانية ، قال : « اقرأ في الثالثة » قلت : أسهو في صلاتي كلها ، قال : « إذا حفظت الركوع والسجود فقد تمّت صلاتك » (6).
1 ـ الخلاف 1 : 341.
2 ـ المبسوط 1 : 106.
3 ـ الوسائل 6 : 107 أبواب القراءة في الصلاة ب 42.
4 ـ عوالي اللآلي 1 : 196 / 2 ، المستدرك 4 : 158 أبواب القراءة في الصلاة ب 1 ح 5.
5 ـ الفقيه 1 : 227 / 1003 ، الوسائل 6 : 94 أبواب القراءة في الصلاة ب 30 ح 6.
6 ـ الفقيه 1 : 227 / 1004 ، التهذيب 2 : 148 / 579 ، الاستبصار 1 : 355 / 1342 ، الوسائل


(160)
    وفي الجميع نظر ؛ لأن العموم بعد تسليمه مرجوح بالنسبة إلى العموم الأول ، لرجحانه بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع ، بل لعلّها إجماع في الحقيقة كما عرفته ، فيكون هو المخصّص للعموم المعارض.
    مضافاً إلى ضعف دلالته في نفسه ، وقصوره عن الشمول لما نحن فيه ؛ لاختصاصه بحكم التبادر ـ الموجَب عن تتبع النصوص والفتاوى ـ بالفاتحة في محلّها المقرّر لها مطلقاً شرعا ، وهو الركعتان الْأُوليان خاصّة.
    والخبر الثاني ضعيف سنداً ، بل ولا دلالة أيضاً ، كالأول ؛ لظهورهما في الإتيان بالقراءة في الأخيرتين بقول مطلق ، والمراد بها حيث تطلق الحمد والسورة معاً ، وهو مخالف للإجماع جدّاً.
    وتزيد الصحيحة ضعفاً بظهورها في كون الإتيان بها قضاءً عما فات في الْأُوليين ، لا أداء لما وظّف في الأخيرتين. زيادة على ما فيها أيضاً من الحكم بقضاء التكبير والتسبيح ، مصرّحا بفواتهما في الْأُوليين ، وهو مخالف للإجماع أيضاً.
    ومع التنزل فهما موافقان لرأي أبي حنيفة ، كما يظهر من الخلاف (1) وغيره (2) ، إلّا أنه أطلق الترك في الْأُوليين بحيث يشمل ما لو كان عمداً.
    ومع ذلك فهما معارضان بالمعتبرة الظاهرة فيما ذكرناه ظهوراً تامّاً ، ففي الموثق : « إذا نسي أن يقرأ في الْاُولى والثانية أجزأه تكبير الركوع والسجود » (3) الحديث.
6 : 93 أبواب القراءة في الصلاة ب 30 ح 3.
1 ـ الخلاف 1 : 341.
2 ـ التذكرة 1 : 116.
3 ـ التهذيب 2 : 146 / 572 ، الاستبصار 1 : 354 / 1338 ، الوسائل 6 : 90 أبواب القراءة في الصلاة ب 29 ح 3.


(161)
    وفي القوي : عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب ، قال : « فليقل ـ إلى أن قال ـ : فإذا ركع أجزأه إن شاء اللّه تعالى » (1).
    وفي الخبر : عن رجل نسي أُمّ القرآن : « إن كان لم يركع فليعُد أُمّ القرآن » (2).
    وهي ظاهرة في إجزاء الركوع وتسبيحه عن القراءة إذا شرع فيهما ، ولو وجب القراءة في الأخيرتين تداركاً لما صدق معه الإجزاء جدّاً ، هذا.
    وفي الصحيح : في الرجل يسهو عن القراءة في الْأُوليين فيذكر في الأخيرتين ، قال : « أتم الركوع والسجود ؟ » قلت : نعم ، قال : « إني أكره أن أجعل آخر صلاتي أوّلها » (3).
    وفي قوله « أتم الركوع » إلى آخره ، إشارة إلى ما أفادته الأخبار السابقة من إجزائه عن القراءة قبله.
    وفي قوله : « أكره » ردّ على أبي حنيفة ، حيث جعل الأخيرتين كالْأُوليين في تحتّم القراءة فيهما. وفيه حينئذ دلالة على أفضليّة التسبيح وكراهة القراءة ، كما اعترف به جماعة ، حاكين القول بها عن العماني (4). ولكن الأحوط القراءة ، خروجاً عن شبهة الخلاف في المسألة.
    وفي أفضلية التسبيح مطلقاً ، أم لغير الإمام الذي لم يتيقن عدم المسبوق ، أم القراءة مطلقاً ، أم للإمام خاصة كذلك ، أم مع تجويزه دخول‏
1 ـ التهذيب 2 : 147 / 574 ، الاستبصار 1 : 354 / 1340 ، الوسائل 6 : 88 أبواب القراءة في الصلاة ب 28 ح 2.
2 ـ الكافي 3 : 347 / 2 ، الوسائل 6 : 88 أبواب القراءة في الصلاة ب 28 ح 1.
3 ـ التهذيب 2 : 146 / 571 ، الاستبصار 1 : 354 / 1337 ، مستطرفات السرائر : 98 / 21 ، الوسائل 6 : 92 أبواب القراءة في الصلاة ب 30 ح 1.
4 ـ منهم العلّامة في المختلف : 92 ، والشهيد في الذكرى : 189 ، والبهائي في الحبل المتين : 232.


(162)
مسبوق خاصة ، أم تساويهما ، أقوال مختلفة ، منشؤها اختلاف الأخبار في المسألة ، إلّا أن أكثرها وأظهرها ما دلّ على الأول ، كما بيّنته في الشرح ، من أرادها راجعها ثمّة.
    ( ويجهر من ) الصلوات ( الخمس ) اليومية ( واجباً في الصبح وأوليي المغرب والعشاء ) الأخيرة ( ويسرّ في الباقي ) على الأظهر الأشهر ، وفي الخلاف والغنية الإجماع على جميع ذلك (1) ، وفي السرائر نفي الخلاف عن عدم جواز الجهر في الإخفاتية (2).
    وهو الحجة بعد التأسّي بالنبي صلّى اللّه عليه وآله والأئمة عليهم السلام ، مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة ، ففي الصحيح : قلت له : رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي أن يجهر فيه ، أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه ، فقال : « أيّ ذلك فعل متعمداً فقد نقض صلاته وعليه الإعادة ، فإن فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري فلا شي‏ء عليه » (3).
    ونحوه آخر ، لكن بزيادة في السؤال هي قوله : وترك القراءة فيما ينبغي القراءة فيه وتبديل الجواب بقوله : « أيّ ذلك فعل ناسياً أو ساهياً فلا شي‏ء عليه » (4).
    ووجوه الدلالة فيهما واضحة ، سيّما بعد الاعتضاد بالأخبار الْأُخر الصريحة ، منها : « أن الصلوات التي يجهر فيها إنما هي في أوقات مظلمة ، فوجب أن يجهر فيها ليعلم المارّ أنّ هناك جماعة » (5).
1 ـ الخلاف 1 : 331 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 558.
2 ـ السرائر 1 : 218.
3 ـ الفقيه 1 : 227 / 1003 ، التهذيب 2 : 162 / 635 ، الاستبصار 1 : 313 / 1163 ، الوسائل 6 : 86 أبواب القراءة في الصلاة ب 26 ح 1.
4 ـ التهذيب 2 : 147 / 577 ، الوسائل 6 : 86 أبواب القراءة في الصلاة ب 26 ح 2.
5 ـ الفقيه 1 : 204 / 927 ، علل الشرائع : 263 ، عيون الأخبار 2 : 108 ، الوسائل 6 : 83 أبواب القراءة في الصلاة ب 25 ح 1.


(163)
    ومنها : لأيّ علّة يجهر في صلاة الجمعة وصلاة المغرب وصلاة العشاء الآخرة وصلاة الغداة ، وسائر الصلوات الظهر والعصر لا يجهر فيهما ؟ قال : « لأن النبي صلّى اللّه عليه وآله لما اُسري به إلى السماء كان أول صلاة فرض [ اللّه‏ ] عليه الظهر يوم الجمعة ، فأضاف [ اللّه عزّ وجلّ‏ ] إليه الملائكة يصلون خلفه وأمر نبيه صلّى اللّه عليه وآله أن يجهر بالقراءة ليبيّن لهم فضله ، ثمَّ فرض عليه العصر ولم يُضِف إليه أحداً من الملائكة ، وأمره أن يخفي القراءة لأنه لم يكن وراءه أحد ، ثمَّ فرض عليه المغرب وأضاف إليه الملائكة وأمره بالإجهار ، وكذلك العشاء الآخرة ، فلما كان قرب الفجر نزل ففرض اللّه تعالى عليه الفجر وأمره بالإجهار ليبيّن للناس فضله كما بين للملائكة ، فلهذه العلّة يجهر فيها » (1).
    وضعف سندهما بالجهالة ودلالتهما بالأخصّية مجبور بالشهرة ، وعدم القائل بالفرق بين الطائفة ؛ مضافاً إلى الْأُصول ، والإجماع المنقول ، والمعتبرة المستفيضة الصريحة في انقسام الصلوات إلى جهرية وإخفاتية (2) ، وظاهرها التوظيف الظاهر في الوجوب ، سيّما بعد ضمّ الأخبار بعضها مع بعض.
    خلافاًًًً للإسكافي ، فقال بالاستحباب (3) ، ونسب إلى المرتضى حيث قال : إنه من وكيد السنن (4).
    وليس بصريح في المخالفة ، وعلى تقديرها فهو كسابقه شاذّ ، ومستندهما غير واضح ، عدا الصحيح في الجهرية : « إن شاء جهر وإن شاء لم يجهر » (5).
1 ـ الفقيه 1 : 202 / 925 ، علل الشرائع : 323 / 1 ، الوسائل 6 : 83 أبواب القراءة في الصلاة ب 25 ح 2. وما بين المعقوفين من المصادر.
2 ـ الوسائل 6 : 82 أبواب القراءة في الصلاة ب 25.
3 ـ كما حكاه عنه في المعتبر 2 : 176 ، والمختلف : 93.
4 ـ نسبه إليه في المعتبر 2 : 176 ، والمختلف : 93.
5 ـ التهذيب 2 : 162 / 636 ، الاستبصار 1 : 313 / 1164 ، قرب الإسناد : 205 / 796 ، الوسائل 6 : 85 ، أبواب القراءة في الصلاة ب 25 ح 6.


(164)
    وهو ـ مع قصوره عن المقاومة لما مر من وجوه عديدة ـ محمول على التقية ؛ لكونه مذهب العامة ، كما صرّح به جماعة ومنهم شيخ الطائفة حيث قال ـ بعد نقله ـ : هذا الخبر موافق للعامة ولسنا نعمل به ، والعمل على الخبر الأوّل (1). وفي عبارته هذه إشعار بالإجماع أيضاً.
    وأما الاعتراض على هذا الحمل بأنه فرع عدم وجود قائل به من الطائفة (2) فغريب ؛ إذ ما دلّ على لزوم حمل الأخبار على التقية من الاعتبار والأخبار غير مشترطة لما ذكر بالمرّة.
    وأما الاحتجاج للاستحباب بآية ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا ) (3) فلا وجه له ؛ لدلالتها بظاهرها على وجوب القراءة المتوسطة في جهرية أو إخفاتية ، أو استحبابها ، وكلاهما ينفيان رجحانهما في مواضعهما ، وهو مخالف للإجماع جدّاً ، وكذا إن فرض دلالتها على التسوية بينهما.
    وإن حملت على ان المراد من الوسط الوسط من الجهر فيما يجهر ومن الإخفات فيما يخافت فيه ، ومحصّلها حينئذ المنع من الجهر والإخفات الزائدين عن المعتاد ، كما فسّرته به كثير من النصوص (4) فحسن ، إلّا أنه لا حجة فيها على القائل بالوجوب ، بل هي مجملة تفسّرها الأخبار السابقة. وبالجملة فلا ريب في المسألة.
    ويعذر الناسي والجاهل هنا إجماعاًً على الظاهر ، المصرّح به في التذكرة
1 ـ التهذيب 2 : 162 ، الاستبصار 1 : 313.
2 ـ انظر المعتبر 2 : 177.
3 ـ الاسراء : 110.
4 ـ كما في تفسير العياشي 2 : 318 / 173 ، 175 ، 177.


(165)
و المنتهى (1) ؛ للصحيحين الماضيين (2).
    ويختص الجهر والإخفات بالقراءة وبدلها دون غيرها من الأذكار ، بلا خلاف أجده ؛ للأصل ، والصحيح : عن التشهد والقول في الركوع والسجود والقنوت ، للرجل أن يجهر به ؟ قال : « إن شاء جهر وإن شاء لم يجهر » (3).
    ( وأدناه ) أي الإسرار ( أن يسمع نفسه ) ما يقرؤه ، ولا يجزي ما دونه إجماعاًً على الظاهر ، المصرّح به في المعتبر والمنتهى والتذكرة (4) ، ونسبه في التبيان إلى الأصحاب ، مشعراً بدعوى الإجماع عليه أيضاً ، فقال : وحدّ أصحابنا الجهر فيما يجب الجهر فيه بأن يسمع غيره ، والمخافتة بأن يسمع نفسه (5).
    وهو الحجة ؛ مضافاً إلى المعتبرة ، منها الصحيح : « لا يكتب من القراءة والدعاء إلّا ما أسمع نفسه » (6). قيل : والظاهر من الإسماع إسماع جواهر الحروف (7).
    ولا ينافيه الصحيح المكتفي بسماع الهمهمة (8) ؛ لأنها الصوت الخفي ، كما في القاموس (9) ، ولا يعتبر فيه عدم الفهم وإن كان كلام ابن الأثير
1 ـ التذكرة 1 : 134 ، المنتهى 1 : 408.
2 ـ في ص 162.
3 ـ التهذيب 2 : 313 / 1272 ، وص 102 / 385 ، وقرب الإسناد : 198 / 758 ، الوسائل 6 : 290 ، أبواب القنوت ب 20 ح 1 و 2.
4 ـ المعتبر 2 : 177 ، المنتهى 1 : 277 ، التذكرة 1 : 117.
5 ـ التبيان 6 : 534.
6 ـ الكافي 3 : 313 / 6 ، التهذيب 2 : 97 / 363 ، الاستبصار 1 : 320 / 1194 ، الوسائل 6 : 96 أبواب القراءة في الصلاة ب 33 ح 1.
7 ـ الذخيرة : 275.
8 ـ الكافي 3 : 315 / 15 ، التهذيب 2 : 97 / 364 ، الاستبصار 1 : 320 / 1195 ، الوسائل 6 : 97 أبواب القراءة في الصلاة ب 33 ح 4.
9 ـ القاموس المحيط 4 : 194.
رياض المسائل ـ الجزء الثالث ::: فهرس