رياض المسائل ـ الجزء الثالث ::: 331 ـ 345
(331)
و يصلّي بالناس » (1). ودلالته على ما ذكروه ضعيفة بل لا دلالة له.
    ( و ) يجب ( في ) الخطبة ( الثانية ) بعض ما مرّ في الْاُولى من ( حمد اللّه تعالى والصلاة على النبي صلّى اللّه عليه وآله وعلى أئمة المسلمين عليهم السلام ) لعين ما مضى ، مع عدم خلاف ظاهر في وجوب الصلاة هنا.
    ( و ) يجب هنا زيادة على ذلك ( الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات ) للموثق السابق. ولا يجب غيره ؛ للأصل.
    خلافاًًًً للأكثر ، فأوجبوا جملة ما في الْاُولى حتى الوعظ والقراءة أيضاً ؛ ومستندهم من النص غير واضح ، عدا الصحيحة المتقدمة المتضمنة لجملة من الْأُمور المستحبة ، ودلالتها على الوجوب لذلك كما عرفت غير واضحة.
    نعم ، عن ظاهر الفاضلين دعوى الإجماع على اعتبار ما عدا القراءة في الخطبة (2) ، وهو ظاهر الخلاف أيضاً (3) ، بل زاد فادّعاه على الْأُمور الأربعة جملة ، فيكون هذا هو الحجة المفيّدة لإطلاق الموثقة.
    وعليه فيشكل الأمر في القراءة هل هي السورة الخفيفة أو يكفي آية تامة الفائدة ، وحيث قد أوجبنا السورة في الْاُولى لزمنا إيجابها في الثانية أيضاً ، لعدم القائل بالفرق بين الخطبتين بوجوب السورة في الْاُولى وكفاية الآية في الثانية وإن فيل بالفرق بينهما من وجه آخر ، هذا مضافاً إلى الاحتياط. إلّا أن الاكتفاء بالآية التامة الفائدة ممكن ؛ لما مرّ ، مع احتمال فهم ظهور دعوى الإجماع عليه من الخلاف ، بل ظاهره كفاية مطلق شي‏ء من القرآن الصادق على نحو
1 ـ الكافي 3 : 424 / 7 ، التهذيب 3 : 241 / 648 ، الوسائل 7 : 343 أبواب صلاة الجمعة ب 25 ح 3.
2 ـ حكاه عنهما في المدارك 4 : 32 ؛ وانظر التذكرة 1 : 150 ، والمنتهى 1 : 326.
3 ـ الخلاف 1 : 617.


(332)
( مُدْهامَّتانِ ) (1) لكن نزّله المتأخرون على الآية التامة الفائدة ، ويمكن تنزيله على ما ذكره في أكثر كتبه من السورة الخفيفة.
    ويتحصّل ممّا ذكرنا أنه يجب في الخطبتين أُمور أربعة : الحمد ، والصلاة ، والوعظ ، والقراءة ، كما هو المشهور بين الطائفة. والأحوط زيادة الاستغفار للمؤمنين كما في العبارة والموثقة ، وإن كان في وجوبه نظر ، لدعوى الشيخ الإجماع في الخلاف على كون الأربعة أقلّ ما يجب في الخطبة وأنه إذا أتى بها تجزيه بلا خلاف ، وأطلقها بحيث تشمل الثانية ، فيحمل الأمر به في الموثقة على الاستحباب.
    وفي المقام أقوال متشتتة ليس في نقلها كثير فائدة.
    والمشهور وجوب الترتيب بين الْأُمور الأربعة ، وعربيتها ، إلّا إذا لم يفهمها العدد المنعقد بهم الجمعة ولم يمكنهم التعلّم فبغيرها ، واحتمل بعض وجوبها مطلقاً (2) ، وآخر سقوط الجمعة حينئذ من أصلها (3).
    ( ويجب تقديمهما على الصلاة ) بالنص (4) والإجماع الظاهر المصرّح به في بعض العبائر (5) ، وفي المنتهى لا نعرف فيه مخالفا (6).
    نعم ، عن الصدوق في العلل والعيون والهداية (7) الفتوى بتأخيرهما ، معلّلاً بأنّ الخطبتين مكان الركعتين الْأُخراوين.
1 ـ الرحمن : 64.
2 ـ الحدائق 10 : 94.
3 ـ المدارك 4 : 35.
4 ـ انظر الوسائل 7 : 313 أبواب صلاة الجمعة ب 6 ح 7 ، وص 330 ب 14 ح 1 ، 3 ، ص 332 ب 15 ح 1 ، 2 ، 4.
5 ـ كشف اللثام 1 : 249.
6 ـ المنتهى 1 : 327.
7 ـ علل الشرائع : 355 ، العيون 2 : 110 ، الهداية : 45.


(333)
    وهو اجتهاد في مقابلة النص وإن روى في الفقيه ما يوافقه فقال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : « أوّل من قدّم الخطبة على الصلاة يوم الجمعة عثمان » الخبر (1). لإرساله واحتماله التصحيف ، أو أن المراد يوم الجمعة في العيد.
    وقد صرّح الأصحاب ببطلان الصلاة مع التأخير ، قالوا : لانتفاء شرطها.
و قاعدة العبادة التوقيفية والتأسي تقتضيه وإن كان استفادته من النصوص مشكلة.
    ( و ) يجب ( أن يكون الخطيب قائماً ) حال الخطبة ( مع القدرة ) بلا خلاف أجده ، بل عليه الإجماع في الخلاف والتذكرة وشرح القواعد للمحقّق الثاني وروض الجنان (2) ، للتأسي ، والنصوص (3) ، مضافاً إلى المعتبرة المتقدم إليها الإشارة وفيها : « إنّها صلاة حتى ينزل الإمام » (4) وعموم التشبيه أو المنزلة يقتضي الشركة في جميع الأحكام حتى وجوب الطمأنينة كما عن التذكرة (5).
    قالوا : ولو خطب جالسا مع القدرة بطلت صلاته وصلاة من علم بذلك من المأمومين ، ويعلم وجهه ممّا سبق.
    وفي وجوب الاستنابة مع الضرورة إشكال كما عن التذكرة (6) ، وعن نهاية الإحكام الْاُولى أن يستنيب غيره. ولو لم يفعل وخطب قاعداً أو مضطجعاً جاز كالصلاة (7).
1 ـ الفقيه 1 : 278 / 1263 ، الوسائل 7 : 332 أبواب صلاة الجمعة ب 15 ح 3.
2 ـ الخلاف 1 : 615 ، التذكرة 1 : 151 ، جامع المقاصد 2 : 398 ، روض الجنان : 285.
3 ـ الوسائل 7 : 334 أبواب صلاة الجمعة ب 16.
4 ـ راجع ص : 326.
5 ـ التذكرة 1 : 151.
6 ـ التذكرة 1 : 151.
7 ـ نهاية الإِحكام 2 : 36.


(334)
    ( وفي وجوب الفصل بينهما بالجلوس تردّد ) للفاضلين هنا وفي المعتبر والمنتهى (1) : من التأسي بالنبي والأئمة عليهم السلام ، وخصوص المعتبرة المستفيضة الآمرة به (2). ومن أنه فصل بين ذكرين جعل للاستراحة فلا يتحقق فيه معنى الوجوب ، وإنّ فعل النبي صلّى اللّه عليه وآله كما يحتمل أن يكون تكليفاً يحتمل أنه للاستراحة وليس فيه معنى التعبد ، ولأنّا لا نعلم الوجه الذي أوقعه عليه فلا يجب المتابعة.
    ( نعم أحوطه الوجوب ) تحصيلاً للبراءة اليقينية ، سيّما مع عدم ظهور قائل بالاستحباب صريحاً بين الطائفة وإن احتمله عبارة المهذّب والنهاية (3) المعبّرة عنه ب‍ : ينبغي ، الظاهر فيه.
    والأظهر الوجوب ، كما هو الأشهر على الظاهر ، المصرّح به في عبائر جمع (4) ، بل لعلّه عليه عامة من تأخر ؛ لما مرّ ، مع ضعف وجوه الاستحباب بابتناء بعضها على منع وجوب التأسي في العبادات ، وهو ضعيف كما قرّر في محلّه ، وضعف آخر منها بعدم نصّ عليه ، بل هو استنباط محض لا يجوز الاستناد إليه ، ومع ذلك شي‏ء منها لا يصلح لصرف الأوامر عن ظواهرها إلى الاستحباب.
    والْاُولى السكوت في حالة الجلوس ؛ للنهي عن التكلم حالته في الصحيح (5). وأن يكون بقدر قراءة التوحيد كما في آخر (6).
1 ـ المعتبر 2 : 285 ، المنتهى 1 : 327.
2 ـ الوسائل 7 : 334 أبواب صلاة الجمعة ب 16 ، وص 342 ب 25 ح 3 ، 5.
3 ـ المهذّب 1 : 103 ، النهاية : 105.
4 ـ كصاحب الحدائق 10 : 86.
5 ـ التهذيب 3 : 20 / 74 ، الوسائل 7 : 334 أبواب صلاة الجمعة ب 16 ح 1.
6 ـ الكافي 3 : 424 / 7 ، التهذيب 3 : 241 / 648 ، الوسائل 7 : 343 أبواب صلاة الجمعة ب 25 ح 3.


(335)
    وذكر جماعة أنه لو عجز عن القيام في الخطبتين فصل بينهما بسكتة (1) ، ولا يبعد. وفي التذكرة احتمال الفصل بينهما بالاضطجاع (2) ، وهو ضعيف.
    ( ولا يشترط فيهما الطهارة ) وفاقاً للحلّي (3) ، وعليه الفاضل في القواعد وغيره (4) ؛ للأصل ، مع عدم وضوح المخرج عنه ، سوى التأسي ، والاحتياط ، وعموم التشبيه في المعتبرة المتقدمة بأنها صلاة حتى ينزل الإمام.
    ولا حجة في شي‏ء منها ، لضعف الأوّل بما مرّ. وفيه ما سبق.
    والثاني : بمعارضته بالأصل. وفيه : أنه عام بالنسبة إلى ما دلّ على لزوم الاحتياط في نحو العبادات من استصحاب شغل الذمة المستدعي للبراءة اليقينية ، وهو خاص فليقدّم.
    والثالث : باحتمال عود الضمير إلى الجمعة ، ويعارض القرب الوحدة. « وحتى » غاية للخطبتين. سلّمنا لكن ليس المراد الحقيقة الشرعية إجماعاً بل المشابهة ، ويكفي فيها بعض الوجوه ، وحمله على اشتراط الطهارة ليس بأولى من الحمل على الثواب والحرمة.
    وفيه : ظهور السياق في رجوع الضمير إلى الخطبة ، ولا يعارضه الوحدة ، لتوسط الضمير بين اسمين فيجوز مراعاة أيّهما كان في المطابقة ، وجعل « حتى » غاية للخطبة بعيد غايته.
    مع أن هذا الاحتمال على تقدير تسليمه لا يجري إلّا في الصحيح من تلك المعتبرة ، وأمّا المرسل منها المروي في الفقيه والمقنع (5) فلا يحتمله ؛ لتثنية
1 ـ كما في نهاية الإِحكام 2 : 36 ، وكشف اللثام 1 : 250.
2 ـ التذكرة 1 : 151.
3 ـ السرائر 1 : 291.
4 ـ القواعد 1 : 37 ، وانظر المعتبر 2 : 285.
5 ـ الفقيه 1 : 269 / 1228 ، المقنع : 45 ، الوسائل 7 : 331 أبواب صلاة الجمعة ب 14 ح 2.


(336)
الضمير فيه بقوله : « فهما صلاة » والأصل في المشابهة الشركة في جميع وجوه الشبه حيث لا يكون لبعضها على بعض رجحان بالشيوع والتبادر والغلبة كما في مفروض المسألة ، وكفاية بعض الوجوه في صحة التشبيه حسن حيث يعلم ولم يلزم إجمال ، وأما معه كما فيما نحن فيه فلا.
    فإذاً الوجوب أظهر ، وفاقاً للمبسوط والخلاف وابن حمزة (1) ، وعليه من المتأخرين جماعة (2).
    وظاهر الأدلة اعتبار الطهارة عن الحدث والخبث مطلقاً ، وكونها شرطاً في الخطبتين ، بل الصلاة أيضاً كما مضى.
    ( وفي جواز إيقاعهما ) أي الخطبتين خاصة ( قبل الزوال روايتان ، أشهرهما الجواز ) ففي الصحيح : « كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يصلي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك ويخطب في الظل الأول ، فيقول جبرئيل عليه السلام : يا محمّد قد زالت الشمس فانزل فصلّ » (3).
    وعليه جماعة من القدماء ومنهم الشيخ في الخلاف مدّعياً عليه الإجماع (4) ؛ وهو حجة أُخرى بعد الرواية.
    مضافاً إلى النصوص الموقتة لصلاة الجمعة أو الظهر يومها بأول الزوال وهي كثيرة (5). وتأويل الصلاة بها وما في حكمها أعني الخطبة لكونها بدلا من الركعتين خلاف الظاهر ، كتأويل الخطبة في الرواية بالتأهب لها كما عن‏
1 ـ المبسوط 1 : 147 ، الخلاف 1 : 618 ، ابن حمزة في الوسيلة : 103.
2 ـ منهم : العلّامة في المنتهى 1 : 327 ، وولده في الايضاح 1 : 123 ، والشهيد الثاني في المسالك 1 : 34.
3 ـ التهذيب 3 : 12 / 42 ، الوسائل 7 : 332 أبواب صلاة الجمعة ب 15 ح 1.
4 ـ الخلاف 1 : 620.
5 ـ الوسائل 7 : 315 أبواب الجمعة ب 8.


(337)
التذكرة (1) ، وتأويل الظلّ الأول بأول الفي‏ء كما في المنتهى (2) ، وتأويله بما قبل المثل من الفي‏ء ، والزوال عن المثل كما في المختلف (3) ، مع أن الأخير يستلزم إيقاع الصلاة بعد خروج وقتها عنده إلّا أن يؤوّل الزوال بالقريب منه.
    والرواية الثانية ما دلّ على أن الخطبة بعد الأذان كآية : ( إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى‏ ذِكْرِ اللَّهِ ) (4) ففي الصحيح : عن الجمعة ، فقال : « بأذان وإقامة ، يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب » الخبر (5).
    لكنه مضمر ، إلّا أن يجبر بموافقته الكتاب. لكن في دلالته كالرواية قصور ؛ لابتنائها على كون الأذان يوم الجمعة عند الزوال ، وهو ممنوع كما قيل (6). ولا يخلو عن نظر. فتصح الدلالة ويحصل الجبر ، مضافاً إلى حصوله بالشهرة المتأخرة المقطوعة ، والمطلقة المحكية في صريح روض الجنان وظاهر الذكرى والتذكرة (7).
    فلا يخلو القول بهذه الرواية عن قرب ، سيّما مع تأيدها بالنصوص الدالة على أنّ الخطبتين بدل من الركعتين أو صلاة فلا تقدّمان على وقتها ، وبالاحتياط لظهور الاتفاق على جوازهما بعد الزوال.
    ويذبّ عن الرواية السابقة بأحد الوجوه المتقدم إليها الإشارة جمعاً ، أو يقال : المراد بها أنه عليه السلام كان إذا أراد تطويل الخطبة للإنذار والإبشار
1 ـ التذكرة 1 : 151.
2 ـ المنتهى 1 : 325.
3 ـ المختلف : 104.
4 ـ الجمعة : 9.
5 ـ الكافي 3 : 424 / 7 ، التهذيب 3 : 241 / 648 ، الوسائل 7 : 313 أبواب صلاة الجمعة ب 6 ح 7.
6 ـ قال به السبزواري في الذخيرة : 312.
7 ـ روض الجنان : 293 ، الذكرى : 236 ، التذكرة 1 : 151.


(338)
والتبليغ والتذكير كان يشرع فيها قبل الزوال ولم ينوها خطبة الصلاة ، حتى لو زالت الشمس كان يأتي بالواجب منها للصلاة ، ثمَّ ينزل فيصلّي وقد زالت بقدر شراك.
    ولا بُعد في توقيت الصلاة بأول الزوال مع وجوب تأخير مقدماتها عنه فهو من الشيوع بمكان ، وخصوصاً الخطبة التي هي كجزء منها ، مع أن جواز الخطبة بعد الزوال مجمع عليه ، وهو ينافي ظواهر الإطلاقات فلا بدّ من تأويلها ، وهو كما يحصل بما يوافق الاستدلال كذا يحصل بما ينافيه وهو ما ذكرنا.
    وعن الإجماع : بالوهن بمصير المعظم إلى الخلاف مع معارضته بالشهرة المحكية على الخلاف ، ولكن المسألة مع ذلك لا تخلو عن الشبهة ، والاحتياط يقتضي مراعاة الرواية المانعة.
    ( ويستحب أن يكون الخطيب بليغاً ) جامعاً بين الفصاحة التي هي عبارة عن خلوص الكلام من ضعف التأليف وتنافر الكلمات والتعقيد وعن كونها غريبة وحشية ، وبين البلاغة التي هي القدرة على تأليف الكلام المطابق لمقتضى الحال من التخويف والإنذار وغيرهما بحيث يبلغ به كنه المطلوب من غير إخلال ولا إملال.
    ( مواظباً على الصلوات ) محافظاً عليها في أوقاتها.
    متّصفاً بما يأمر به مجانباً ما ينهى عنه.
    ( متعمّماً ) شتاءً كان أو صيفاً.
    ( مرتدياً ببرد يمنية ) أو عدنية.
    ( معتمداً في حال الخطبة على شي‏ء ) من قوس أو عصا أو سيف وأمثالها.
    ( وأن يسلّم ) على الناس ( أوّلاً ، ويجلس أمام الخطبة ) على المستراح وهو الدرجة من المنبر فوق التي يقوم عليها للخطبة.


(339)
    للنصوص المستفيضة فيما عدا الْأُوليين (1) ، وأمّا هما فقد علّلا بأنّ لهما أثراً بيّناً في القلوب وللوعظ معهما وقعاً في النفوس.
    ولا خلاف في شي‏ء من ذلك إلّا من الخلاف في استحباب السلام فنفاه (2) ؛ لأصالة البراءة عمّا لم يثبت التكليف به ولو ندباً في الشريعة.
    وهو حسن لو لا المرفوعة الناصّة به (3) المنجبرة بالشهرة ، مضافاً إلى جواز المسامحة في أدلة السنن والكراهة ، وعموم أدلة استحباب التسليم (4) ، الشامل لمفروض المسألة ، ولذا عن الفاضل في النهاية والتذكرة استحباب التسليم مرتين (5) ، مرّة إذا دنا من المنبر يسلّم على من عنده ، قال : لاستحباب التسليم على كلّ وارد ، واُخرى إذا صعده فانتهى إلى الدرجة التي تلي موضع القعود استقبل الناس فسلّم عليهم بأجمعهم ، قال : ولا يسقط بالتسليم الأول ، لأنه مختص بالقريب من المنبر والثاني عام.
    واعلم أنّ قوله ( ثمَّ يقوم فيخطب جاهراً ) أي رافعاً صوته بها ليس ممّا يتعلق به الاستحباب ، لوجوب القيام كما مرّ ، وكذا الإجهار ، للتأسي ، وتحصيلا لفائدة الخطبة من الإبلاغ والإنذار.
    ( الرابع : الجماعة ، فلا تصح فرادى ) إجماعاً فتوىً ونصاً ، ومنه الصحيح : « فرضها اللّه تعالى في جماعة » (6).
1 ـ الوسائل 7 : 349 أبواب صلاة الجمعة ب 28.
2 ـ الخلاف 1 : 624.
3 ـ التهذيب 3 : 244 / 662 ، الوسائل 7 : 349 أبواب صلاة الجمعة ب 28 ح 1.
4 ـ الوسائل 12 أبواب أحكام العشرة 32 ، 33 ، 34.
5 ـ نهاية الإِحكام 2 : 40 ، التذكرة 1 : 152.
6 ـ الكافي 3 : 419 / 6 ، الفقيه 1 : 266 / 1271 ، التهذيب 3 : 21 / 77 ، امالي الصدوق : 319 /17 ، الوسائل 7 : 295 أبواب صلاة الجمعة ب 1 ح 1.


(340)
    وهي شرط في الابتداء لا الانتهاء اتفاقاً.
    وتتحقق الجماعة بنية المأمومين الاقتداء بالإِمام ، فلو أخلّوا بها أو أحدهم لم تصح صلاة المخلّ. ويعتبر في انعقاد الجمعة نية العدد المعتبر.
    وفي وجوب نية القدوة للإمام هنا نظر ، من حصول الإمامة إذا اقتدي به ، ومن وجوب نية كل واجب. ولا ريب أن الوجوب أحوط ، وهو خيرة الشهيد والمحقق الثاني (1).
    ( الخامس : أن لا يكون بين الجمعتين أقلّ من ثلاثة أميال ) يعني أقلّ من فرسخ إجماعاً منّا ) (2) فتوىً ونصّاً ، ففي الصحيح : « لا يكون جمعة إلّا فيما بينه وبين ثلاثة أميال » (3).
    ونحوه الموثق : « لا يكون بين الجمعتين أقلّ من ثلاثة أميال » (4).
    ولا فرق في ذلك بين المصر والمصرين ، ولا بين حصول فاصل بينهما كدجلة وعدمه عندنا.
    قيل : ويعتبر الفرسخ من المسجد إن صلّيت فيه وإلّا فمن نهاية المصلّين (5). ويشكل الحكم فيما لو كان بين الإمام والعدد المعتبر وبين الجمعة الْأُخرى فرسخ فصاعداً ، وبين بعض المأمومين وبينها أقلّ منه ، فعلى ما ذكره القائل لا تصح الجمعة ، ويحتمل بطلان القريب من المصلّين خاصة.
1 ـ الشهيد في الذكرى : 234 ، المحقق الثاني في جامع المقاصد : 135.
2 ـ ليست في « ش ».
3 ـ الكافي 3 : 419 / 7 ، التهذيب 3 : 23 / 79 ، الوسائل 7 : 314 أبواب صلاة الجمعة ب 7 ح 1.
4 ـ الفقيه 1 : 274 / 1257 ، التهذيب 3 : 23 / 80 ، الوسائل 7 : 315 أبواب صلاة الجمعة ب 7 ح 2 ، وفي الجميع : بين الجماعتين بدل الجمعتين.
5 ـ كما في جامع المقاصد : 136.


(341)
    ( و ) أمّا ( الذي تجب عليه ) حضور الجمعة فهو ( كلّ مكلف ذكر حرّ سليم من المرض والعرج والعمى ) حال كونه ( غير هِمّ (1) ولا مسافر ) ولا بعيد عنها بفرسخين أو بأزيد منهما على الخلاف الآتي.
    فلا تجب على الصبي مطلقاً وإن صحّت من المميز تمرينا وأجزأته عن ظهره كذلك.
    ولا على المجنون حال جنونه.
    ولا على المرأة مطلقاً (2).
    ولا على الخنثى إذا كان مشكلاً على قول.
    ولا على العبد مطلقاً ، أذن له السيّد أم لا ، قنّاً كان أو مدبّراً أو مكاتباً ، أدّى شيئاً أم لا ، إلّا إذا هايأه المولى فاتّفق الجمعة في نوبته فتجب الجمعة على قول (3).
    ولا على المريض مطلقاً ولو لم يشقّ عليه الحضور في ظاهر إطلاق النص (4) والفتوى ، وإن قيل بوجوب الحضور مع عدم المشقة التي لا تتحمل عادة إلّا مع خوف زيادة المرض فلا تجب الجمعة (5).
    ولا على الأعرج إذا كان مقعداً قطعاً لا مطلقاًً وفاقاً لجماعة (6) وإن أطلق‏
1 ـ بالكسر : الشيخ الفاني ـ المصباح المنير : 641.
2 ـ اي : ولو أذن لها زوجها ( منه رحمه الله ).
3 ـ انظر المبسوط 1 : 145.
4 ـ الكافي 3 : 418 / ، التهذيب 3 : 19 / 69 ، المعتبر 2 : 274 ، الوسائل 7 : 299 أبواب صلاة الجمعة ب 1 ح 14.
5 ـ كما قال به الشهيد الثاني في المسالك 1 : 34.
6 ـ منهم المحقق الأول في المعتبر 2 : 290 ، المحقق الثاني في جامع المقاصد : 132 ، الشهيد الأول في الذكرى : 234 ، الشهيد الثاني في روض الجنان : 287.


(342)
آخرون (1) ؛ لعدم دليل عليه يعتدّ به عدا رواية مرسلة (2) لا جابر لها ، عدا دعوى المنتهى إجماعنا على اشتراط عدم العرج مطلقاً (3) ، لكنها كالرواية تحتمل الانصراف إلى المتبادر منه وهو الذي ذكرناه ، ويشعر به سياق عبارة المنتهى ، مع أنه في التذكرة قيّده بالبالغ حدّ الإقعاد وادّعى عليه إجماعنا (4) ، وفيها وفي نهاية الإحكام (5) أنه إن لم يبلغه فالوجه السقوط مع المشقة والعدم بدونها.
    ولا على الأعمى مطلقاً كالمريض ، وقيل فيه أيضاً ما مضى (6).
    ولا على الشيخ الكبير العاجز عن الحضور أو الشاق عليه مشقة لا تتحمل عادة.
    ولا على المسافر سفرا يجب عليه التقصير لا مطلقاً.
    ولا على البعيد بفرسخين أو أزيد.
    بلا خلاف في شي‏ء من ذلك أجده إلّا ما مرّ فيه الخلاف ، بل عليه الإجماع في عبائر جماعة وإن اختلفت في دعواه في الجميع كالمنتهى وغيره (7) ، أو في البعض خاصة كالفاضل في التذكرة فقد ادّعاه في الحرّية وانتفاء الشيخوخة وما عرفته (8) ، كالشهيدين في الذكرى وروض الجنان (9) في الحرّية
1 ـ منهم الشيخ في المبسوط 1 : 143 ، ابن البراج في المهذّب 1 : 100 ، المحقق في الشرائع 1 : 96 ، ابن ادريس في السرائر 1 : 290.
2 ـ العروس : 56 ، المستدرك 6 : 5 أبواب صلاة الجمعة ب 1 ح 1.
3 ـ المنتهى 1 : 323.
4 ـ التذكرة 1 : 153.
5 ـ نهاية الإِحكام 2 : 43.
6 ـ نقله عن الشهيد في الحدائق 10 : 150 ولكنه في الروضة البهية 1 : 303 ، والمسالك 1 : 34 قال بالسقوط من الأعمى مطلقاً.
7 ـ المنتهى 1 : 323 ؛ وانظر المعتبر 2 : 289.
8 ـ التذكرة 1 : 153.
9 ـ الذكرى : 233 ، وروض الجنان : 287.


(343)
خاصة وإن كان ظاهرهما كغيرهما انعقاد إجماعنا على الجميع ؛ وهو الحجّة فيه.
    مضافاً إلى السنّة المستفيضة ، ففي الصحيح : « وضََعَها عن تسعة : عن الصغير ، والكبير ، والمجنون ، والمسافر ، والعبد ، والمرأة ، والمريض ، والأعمى ، ومن كان على رأس فرسخين » (1).
    ونحوه في بعض خطب أمير المؤمنين عليه السلام المروية في الفقيه (2). قيل : وروي مكان المجنون الأعرج (3).
    وفيه : « إلّا خمسة : المريض ، والمملوك ، والمسافر ، والمرأة ، والصبي » (4).
    ولا تنافي بينهما واقعاً وإن توهّم ظاهراً ؛ لأن الهمّ والأعمى والأعرج كأنهم مرضى ، والمجنون بحكم الصبي ، والإعراض عن البعيد لأن المقصود حصر المعدود في المسافة التي يجب فيها الحضور ؛ ولعلّه لذا لم يعبّر الماتن عن هذا الشرط بما ذكرناه ، بل قال ( وتسقط عنه ) الجمعة ( لو كان بينه وبين الجمعة أزيد من فرسخين ) وما اعتبره من الزيادة عليهما هو الأشهر ، بل عليه عامة من تأخر ، وفي ظاهر المنتهى دعوى الإجماع عليه (5) ، كالخلاف والغنية كما حكاه بعض الأجلة (6) ؛ وفيه الحجّة ، مضافاً إلى العموم والمعتبرة كالصحيحين :
1 ـ الكافي 3 : 419 / 6 ، الفقيه 1 : 266 / 1217 ، التهذيب 3 : 21 / 77 ، أمالي الصدوق : 319 / 17 ، الوسائل 7 : 295 أبواب صلاة الجمعة ب 1 ح 1 ، في غير « ح » : على فرسخين.
2 ـ الفقيه 1 : 275 / 1262 ، الوسائل 7 : 297 أبواب صلاة الجمعة ب 1 ح 6.
3 ـ قال به الشيخ الفقيه أبو محمد جعفر بن احمد بن علي القميّ في كتاب العروس : 56.
4 ـ الكافي 3 : 418 / 1 ، التهذيب 3 : 19 / 69 ، الوسائل 7 : 299 أبواب صلاة الجمعة ب 1 ح 14.
5 ـ المنتهى 1 : 323.
6 ـ الخلاف 1 : 594 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 560 ؛ وحكاه عنهما الفاضل الهندي في كشف


(344)
    « تجب الجمعة على من كان منها على رأس فرسخين » (1).
    ونحوهما المروي في العلل والعيون : « إنما وجبت الجمعة على من كان منها على فرسخين لا أكثر من ذلك ؛ لأن ما يقصر فيه الصلاة بريدان ذاهباً ، أو بريد ذاهبا وجائيا ، والبريد أربعة فراسخ ، فوجبت الجمعة على من هو على نصف البريد الذي يجب فيه التقصير ، وذلك أنه يجي‏ء فرسخين ويذهب فرسخين فذلك أربعة فراسخ وهو نصف طريق المسافر » (2).
    خلافاًًًً للصدوق وابن حمزة (3) فأسقطاها عمّن على رأس فرسخين ؛ للصحيحة المتقدمة (4). وأُجيب عنها بالحمل على من زاد بقليل ؛ لامتناع الحصول على نفس الفرسخين حقيقة (5). وحملت في المختلف على السهو (6). والأوّل أقرب.
    وهنا قولان آخران يحتملان ـ كالصحيح المستدل به عليهما ـ الحمل على ما اخترناه (7).
اللثام 1 : 253.
1 ـ الأول :
    الكافي 3 : 419 / 2 ، التهذيب 3 : 240 / 643 ، الاستبصار 1 : 421 / 1620 ، الوسائل 7 : 309 أبواب صلاة الجمعة ب 4 ح 5.
    الثاني :
    الكافي 3 : 419 / 3 ، التهذيب 3 : 240 / 641 ، الاستبصار 1 : 421 / 1619 ، الوسائل 7 : 309 أبواب صلاة الجمعة ب 4 ح 6.
2 ـ علل الشرائع : 266 / 9 ، عيون الأخبار 2 : 111 / 1 ، الوسائل 7 : 308 أبواب صلاة الجمعة ب 4 ح 4.
3 ـ الصدوق في الفقيه 1 : 266 ، ابن حمزة في الوسيلة : 103.
4 ـ في ص 343 الرقم ( 1 ).
5 ـ كما في جامع المقاصد 2 : 387 ، المدارك 4 : 52.
6 ـ المختلف : 107.
7 ـ قد أشار إليهما وإلى الصحيح المستدل به لهما في الذكرى : 234 ، وكذا في المدارك 4 : 56.


(345)
    وظاهر العبارة كغيرها عدم سقوط الجمعة عمّن اجتمعت فيه الشرائط المتقدمة فيه مطلقاً مع أنّ في الصحيح : « لا بأس أن تدع الجمعة في المطر » (1).
    وفي التذكرة : لا خلاف فيه ، والوحل كذلك ، للمشاركة في المعنى (2).
    وفي الذكرى : وفي معناه الوحل والحرّ الشديد والبرد الشديد إذا خاف الضرر معهما ، وفي معناه من عنده مريض يخاف فوته بخروجه إليها أو تضرره به ، ومن كان له خبز يخاف احتراقه ، وشبه ذلك (3).
    وفي المنتهى : السقوط مع المطر المانع والوحل الذي يشقّ معه المشي وأنه قول أكثر أهل العلم ، قال : لو مرض له قريب وخاف موته جاز له الاعتناء به وترك الجمعة ، ولو لم يكن قريبا وكان معنيّاً به (4) جاز له ترك الجمعة إذا لم يقم غيره مقامه ، ولو كان عليه دين يمنعه من الحضور وهو غير متمكن سقطت عنه الجمعة ، ولو تمكّن لم يكن عذراً (5).
    وعن الإسكافي : من كان في حقّ لزمه القيام بها ، كجهاز ميت أو تعليل والد أو من يجب حقه ، ولا يسعه التأخير عنها (6).
    وهو مشكل إن استلزم القيام بها والحال هذه الضرر أو المشقة التي لا تتحمل مثلها عادة ، لعموم نفيهما في الشريعة المرجح على عموم التكليفات طرّا اتفاقاً واعتباراً. ومنه يظهر الوجه في إلحاق بعض ما مرّ بشرط البلوغ إلى‏
1 ـ الفقيه 1 : 267 / 1221 ، التهذيب 3 : 241 / 645 ، الوسائل 7 : 341 أبواب صلاة الجمعة ب 23 ح 1.
2 ـ التذكرة 1 : 153.
3 ـ الذكرى : 234.
4 ـ من الإخوان المحبوبين له ( منه رحمه الله ).
5 ـ المنتهى 1 : 323.
6 ـ نقله عنه في المختلف : 108.
رياض المسائل ـ الجزء الثالث ::: فهرس