رياض المسائل ـ الجزء الثالث ::: 316 ـ 330
(316)
    ( ثمَّ النظر في شروطها ، ومن تجب عليه ، ولواحقها ، وسننها. )
    ( الشروط خمسة )
    ( الأول : السلطان العادل ) أي المعصوم عليه السلام أو من نصبه ، إجماعاً منّا كما حكاه جماعة مستفيضاً بل متواتراً (1) ، بل قد قيل : قد أطبق الأصحاب على نقل الإجماع عليه لا رادّ له في الأصحاب ؛ وهو الحجّة.
    مضافاً إلى الأصل والقاعدة في العبادة التوقيفية من وجوب الاقتصار فيها على القدر الثابت منها في الشريعة ، وليس هنا إلّا الجمعة بهذا الشرط وباقي الشروط الآتية. ونفيه بأصالة البراءة إنما يتّجه على القول بكونها أسامي للأعم من الصحيحة والفاسدة. وأمّا على القول بأنها أسامي للصحيحة خاصة كما هو الأقرب فلا ؛ إذ لا دليل على الصحة بدونه لا من إجماع ولا من كتاب ولا سنّة ، لمكان الخلاف لو لم نقل بانعقاد الإجماع على الاشتراط ، وغاية الأخيرين الدلالة على وجوب الجمعة ، ولا كلام فيه ، بل هو من ضروريات الدين ، وإنما الكلام في أن الجمعة المؤدّاة بدون هذا الشرط جمعة صحيحة أم فاسدة ، ولا ريب أن المأمور به فيهما إنما هو الصحيحة منها خاصة ، ولا إشارة فيهما إلى صحتها من دونه بالكلية.
    « أربع إلى الولاة : الفي‏ء ، والحدود ، والصدقات ، والجمعة » (2).
1 ـ منهم : الشيخ في الخلاف 1 : 626 ، والمحقق في المعتبر 2 : 279 ، والعلّامة في التذكرة 1 : 144 ، ونهاية الإِحكام 2 : 13 ، والشهيدان في الذكرى : 230 ، والروض : 285 ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2 : 371.
2 ـ انظر بدائع الصنائع 1 : 261.


(317)
    وفي آخر : « إن الجمعة والحكومة لإمام المسلمين » (1).
    وفي الصحيفة السجّادية : « اللّهم إنّ هذا المقام مقام لخلفائك وأصفيائك ومواضع أُمنائك في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها ، قد ابتزّوها وأنت المقدّر لذلك ـ إلى قوله عليه السلام ـ : حتى عاد صفوتك وخلفاؤك مغلوبين مقهورين مبتزّين ، يرون حكمك مبدّلاً وكتابك منبوذاً ـ إلى قوله عليه السلام ـ : وعجّل الفرج والروح والنصرة والتمكين والتأييد لهم » (2).
    وفي الموثّق : عن الصلاة يوم الجمعة ، فقال : « أما مع الإمام فركعتان ، وأمّا لمن صلّى وحده فهي أربع ركعات وإن صلّوا جماعة » (3).
    وهو ظاهر بل صريح في ان المراد بإمام الجمعة إمام الأصل لا إمام الجماعة ، وإلّا فصلاة الأربع ركعات جماعة يستلزمه ، فلا معنى لقوله : « أمّا مع الإمام فركعتان » مضافاً إلى أن المتبادر من لفظ الإمام حيث يطلق ولم يضف إلى الجماعة إنما هو المعصوم عليه السلام.
    ومن هنا يصحّ الاستدلال على الاشتراط بالمعتبرة الدالة على اعتبار الإمام في الجمعة بقول مطلق وفيها الصحيح والموثق وغيرهما ، كما اتفق لجماعة من أصحابنا ومنهم الفاضل في المنتهى (4).
    وأما ما يجاب عنه : بأنه لا ينافي عدم الاشتراط ؛ لأنه يشترط في إمام‏
1 ـ لم نعثر عليه في كتب الحديث ، نعم ورد مودّاه عن علي عليه السلام في الجعفريات : 46 ، والدعائم 1 : 182 ، وعنهما في المستدرك الوسائل 6 : 13 أبواب صلاة الجمعة ب 5 ح 2 ، 4.
2 ـ الصحيفة السجادية : الدعاء 48.
3 ـ الكافي 3 : 421 / 4 ، التهذيب 3 : 19 / 70 وفيها زيادة سيشير اليها المصنّف ، الوسائل 7 : 314 أبواب صلاة الجمعة ب 6 ح 8. وقد ورد في الفقيه 1 : 269 / 1230 بدون : « وان صلّوا جماعة ».
4 ـ المنتهى 1 : 317.


(318)
الجمعة كونه يحسن الخطبتين ويتمكن منهما لعدم الخوف والتفية بخلاف إمام الجماعة (1).
    فضعيف غايته ؛ لأن لفظ الإمام المطلق حقيقة إمّا فيمن هو المتبادر منه عند الإطلاق ، أو من يعمّه وإمام الجماعة ، لا سبيل في الرواية إلى الثاني ، لما عرفت ، فتعيّن الأول. وما ذكره إنما يتوجه لو كان للإمام معنى آخر خاص ، وهو إمام الجماعة بفيد أنه يحسن الخطبة ويتمكن من الجمعة من غير خوف وتفية ، وهذا المعنى لا أثر له في الاستعمالات والإطلاقات بالكلية ، بل لم أر أحدا احتمله.
    نعم ، روي هذا الموثق بنحو آخر بزيادة بين قوله : « أربع ركعات » وقوله : « وإن صلّوا جماعة » وهي هذه : « يعني إذا كان إمام يخطب ، فإن لم يكن إمام يخطب فهي أربع ركعات وإن صلّوا جماعة » (2) فيكشف عن أن المراد بالإمام المطلق من فسّر به فيه ، وهو أعم من إمام الأصل.
    لكن يحتمل كون التفسير من الراوي ، ومع ذلك فالظاهر أنّ المراد بمن يخطب خصوص الإمام أو نائبه الخاص ، لحصول أقلّ الخطبة الذي هو قول : « الحمد للّه والصلاة على محمّد وآله ، يا أيها الناس اتقوا اللّه » من كل إمام جماعة ، ويبعد غاية البعد وجوده مع عدم تمكنه منه ، وإطلاق النص محمول على الغالب ، وعليه فلا معنى لاشتراطه وأنه مع عدمه يصلي الجمعة أربعاً ولو جماعة ، فتأمل.
    وفي الصحيح أو القريب منه المروي في العلل : « إنما صارت صلاة الجمعة إذا كان مع الإمام ركعتين ، وإذا كان بغير إمام ركعتين وركعتين ، لأن‏
1 ـ انظر الوسائل 7 : 314 أبواب صلاة الجمعة ب 6 ذيل الحديث 8.
2 ـ انظر الوسائل 7 : 310 أبواب صلاة الجمعة ب 5 ح 3.


(319)
الناس يتخطّون إلى الجمعة من بُعد ، فأحبّ اللّه عزّ وجل أن يخفّف عنهم لموضع التعب الذي صاروا إليه ؛ ولأن الإمام يحبسهم للخطبة وهم ينتظرون للصلاة ومن انتظر للصلاة فهو في الصلاة في حكم التمام ، ولأن الصلاة مع الإمام أتم وأكمل ، لعلمه وفقهه وفضله وعدله ، ولأنّ الجمعة عيد وصلاة العيد ركعتان ، ولم تقصر لمكان الخطبتين » (1).
    وفيه وجوه من الدلالة :
    منها : ظهوره في لزوم اتصاف إمام الجمعة بأوصاف لا يشترط ما عدا العدالة منها في إمام الجماعة بلا شبهة.
    ومنها جعل الجمعة كالعيد ، ويشترط فيه الإمام إجماعاً كما يأتي إن شاء اللّه تعالى ، فكذا الجمعة.
    ومنها : دلالته على وجوب تخطي الناس إليها من بُعد ، ولا يكون ذلك إلّا بكونها منصب شخص معيّن يجب تخطّيهم إليه لأدائها ، ولا معنى لذلك ولا وجه لو كان إمامها مطلق إمام الجماعة كما لا يخفى على من تدبّره.
    وبهذا الوجه يمكن الاستدلال على الاشتراط بالصحاح الدالة على وجوب شهود الجمعة على جميع المكلّفين إلّا من كان على رأس فرسخين (2).
    ومنها : إطلاق الإمام فيه المنصرف ـ كما عرفت ـ إلى المعصوم عليه السلام ، مع وقوع التصريح به فيه في موضع آخر منه فقال : « إنما جعلت الخطبة يوم الجمعة لأنّ الجمعة مشهد عام ، فأراد أن يكون للأمير سبب إلى موعظتهم وترغيبهم في الطاعة وترهيبهم عن المعصية وتوفيفهم على ما أراد من مصلحة دينهم ودنياهم ويخبرهم بما ورد عليهم من الآفات » الحديث.
1 ـ علل الشرائع : 264 / 9 ، العيون 2 : 109 ، الوسائل 7 : 312 أبواب صلاة الجمعة ب 6 ح 3.
2 ـ الوسائل 7 : 307 أبواب صلاة الجمعة ب 4.


(320)
    وفي القوي المروي صحيحاً أيضاً ـ كما فيل (1) ـ : « تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين ولا تجب على أقل منهم : الإمام ، وقاضيه ، والمدّعي حقا ، والمدّعى عليه ، والشاهدان ، والذي يضرب الحدود بين يدي الإمام » (2).
    وهو نصّ في الاشتراط. وعدم القول بتعيين السبعة بأعيانهم بالإجماع غير قادح ؛ لدلالته بمعونته على أن المقصود منه بيان أصل وضع الجمعة. هذا مع أن ظاهر الصدوق في الفقيهالعمل به (3) ، كما حكي عنه في الهداية (4).
    وبالجملة : فتتبع أمثال هذه النصوص يوجب الظن القوي بل القطع بشرطية الإمام ، سيّما بعد شهرتها بين علمائنا بحيث لا يكاد يختلج لأحد الشك فيه حتى ادّعوا عليها الإجتماعات المتواترة وإن اختلفت عبائرهم في التأدية :
فبين من جعل المشروط نفس الجمعة بحيث يظهر منه أنه شرط الصحة ، كالشيخ في الخلاف ، والحلّي في السرائر ، والقاضي ، والفاضل في المنتهى ، والشهيد في الذكرى ، والمحقّق الثاني في شرح القواعد (5) ورسالته المصنفة في صلاة الجمعة ، وغيرهم. وبين من جعله الوجوب العيني كابن زهرة ، والفاضلين في المعتبر والنهاية والتذكرة ، وشيخنا الشهيد الثاني في الروضة وروض الجنان (6) وشرح الألفيّة.
1 ـ الذخيرة : 299.
2 ـ الفقيه 1 : 267 / 1222 ، التهذيب 3 : 20 / 75 ، الاستبصار 1 : 418 / 1608 ، الوسائل 7 : 305 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 9.
3 ـ الفقيه 1 : 267.
4 ـ الهداية : 34.
5 ـ الخلاف 1 : 626 ، السرائر 1 : 293 ، القاضي في المهذّب 1 : 100 ، المنتهى 1 : 317 ، الذكرى : 231 ، جامع المقاصد 2 : 371.
6 ـ ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 560 ، المعتبر 2 : 279 ، نهاية الإِحكام 2 : 14 ، التذكرة 1 : 144 ، الروضة 1 : 301 ، روض الجنان : 290.


(321)
    وناهيك هذه الإجتماعات على نفي الوجوب العيني ، مع عدم ظهور قائل به إلى زمان صاحب المدارك (1) ونحوه (2). وما يحكى عن المفيد والحلبي والكراجكي (3) من أنّ ظاهرهم الوجوب العيني غير واضح ، بل محل مناقشة ليس هنا محل ذكرها ، مع أنّ المحكي عن الأول التصريح بالاشتراط في كتاب الإرشاد (4) ، مع تصريحه بالاشتراط في صلاة العيدين وأنّ شروطها شروط الجمعة (5) ، وعن الثاني القول بالوجوب التخييري كما في المختلف (6) ، بل في البيان حكى عنه القول بالحرمة (7).
    وبالجملة : اشتراط الإمام أو من نصبه في الوجوب العيني ممّا لا شبهة فيه ، وإنما الإشكال في الوجوب التخييري ، وسيأتي إن شاء اللّه تعالى الكلام فيه.
    ( الثاني : العدد ) إجماعاً فتوىً ونصّاً.
    ( وفي أقلّه روايتان أشهرهما ) على الظاهر ، المصرّح به في كثير من العبائر (8) أنه ( خمسة ، الإمام أحدهم ).
1 ـ المدارك 4 : 8.
2 ـ من القائلين بالوجب العيني في زمان الغيبة : والد الشيخ البهائي ، والشيخ حسن ابن الشهيد الثاني وابنه الشيخ محمد جكاه عنهم في الحدائق 9 : 387 ، 389 ) والفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 17 ، والسبزواري في الذخيرة : 308 ، والمجلسيان في روضة المتفين 2 : 574 ، والبحار 86 : 146 ، وصاحب الحدائق 9 : 355 ، 378.
3 ـ حكي عنهم في المدارك 4 : 23 ، 24.
4 ـ الإرشاد 2 : 342.
5 ـ المقنعة : 194.
6 ـ المختلف : 108.
7 ـ البيان : 188.
8 ـ منها : الذكرى : 231 ، ونقل عن إرشاد الجعفرية في مفاتيح الكرامة 3 : 100.


(322)
    ففي الصحيح : « يجمّع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زادوا ، فإن كانوا أقلّ من خمسة فلا جمعة لهم » (1).
    والجملة الخبرية تفيد الوجوب الظاهر في العيني منه لا التخييري. ولا إشعار في قوله في الذيل : « فلا جمعة لهم » بأن المراد بها إثبات الصحة المطلقة المجامعة للوجوب العيني والتخييري ، فلا دلالة لها على الأول ، لابتنائه على تساوي الصحة بالنسبة إلى الفردين ، وهو ممنوع ، بل هي تلازم الأوّل حيث لا مانع منه كما نحن فيه ، فتدبّر.
    وفي آخر : « لا يكون الجمعة والخطبة وصلاة ركعتين على أقلّ من خمسة رهط ، الإمام وأربعة » (2) ومفهومه ثبوتها على الخمسة ، ولفظة « على » ظاهرة في الوجوب العيني كالأمر بل أظهر منه.
    وفي الموثق : « فإن كان لهم من يخطب به جمّعوا إذا كانوا خمسة نفر » (3) والتقريب فيه كالأول ، بل أظهر ؛ لفقد ما يوهم الإشعار فيه بالخلاف.
    هذا مضافاً إلى الاتفاق فتوىً ونصّاً على صحة الجمعة إذا كانوا خمسة فتجب ؛ لعموم ما دلّ على وجوب الجمعة الصحيحة من الكتاب والسنّة المتواترة ، خرج منها ما إذا لم يكونوا خمسة بالإجماع والرواية ، وبفي البافي تحتها مندرجة ، فتأمل.
    والرواية الثانية : الصحيح : « إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلّوا في‏
1 ـ التهذيب 3 : 239 / 636 ، الاستبصار 1 : 419 / 1610 ، الوسائل 7 : 304 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 7.
2 ـ الكافي 3 : 419 / 4 ، التهذيب 3 : 240 / 640 ، الاستبصار 1 : 419 / 1612 ، الوسائل 7 : 303 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 2.
3 ـ التهذيب 3 : 238 / 634 ، الاستبصار 1 : 420 / 1614 ، الوسائل 7 : 304 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 6.


(323)
جماعة » (1).
    وأظهر منها الصحيحة المتقدمة (2) ؛ لتصريحها بأنها لا تجب على أقل من السبعة.
    ونحوها الصحيح المروي في الففيه ، وفيها : على من تجب الجمعة ؟ قال : « على سبعة نفر من المسلمين ، ولا جمعة لأقلّ من خمسة من المسلمين أحدهم الإمام ، فإذا اجتمع سبعة ولم يخافوا أمّهم بعضهم وخطبهم » (3).
    وظاهره كون السبعة شرطاً للوجوب العيني والخمسة للتخييري ، كما هو خيرة الشيخ والقاضي وابن زهرة (4) فيما حكي عنهم ، وبه حملوا الوجوب في الروايات السابقة على التخييري.
    مضافاً إلى الموثق كالصحيح بأبان : « أدنى ما يجزي في الجمعة سبعة أو خمسة أدناه » (5).
    وقريب منه الصحيح في صلاة العيدين : « إذا كان القوم خمسة أو سبعة فإنهم يجمعون الصلاة كما يصنعون يوم الجمعة » (6).
    وإليه ذهب جماعة من فضلاء متأخري المتأخرين (7).
1 ـ التهذيب 3 : 245 / 664 ، الاستبصار 1 : 418 / 1607 ، الوسائل 7 : 305 أبواب صلاة أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 10.
2 ـ في ص 320.
3 ـ الفقيه : 267 / 1218 ، الوسائل 7 : 304 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 4.
4 ـ الشيخ في الخلاف 1 : 598 ، القاضي في المهذّب 1 : 100 ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 560.
5 ـ الكافي 3 : 419 / 5 ، التهذيب 3 : 21 / 76 ، الاستبصار 1 : 419 / 1609 ، الوسائل 7 : 303 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 1.
6 ـ الفقيه 1 : 331 / 1489 ، الوسائل 7 : 303 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 3.
7 ـ منهم : صاحب المدارك 4 : 29 ، والسبزواري في الكفاية : 20 ، وصاحب الحدائق 10 : 75.


(324)
    وهو مشكل أوّلاً بفقد التكافؤ ؛ لاشتهار تلك واعتضادها بإطلاقات الكتاب والسنّة والاحتياط في الشريعة دون هذه.
    وثانياً بإمكان الجواب عن الصحيحة الْاُولى : بأنّ دلالتها بالمفهوم ، وتلك بالمنطوق ، وهو مقدّم عليه على المشهور.
    وعن الثانية : بتضمنها لزوم حضور السبعة المعدودة فيها ، ولم يقل به أكثر القائلين بهذه الرواية ، بل ربما كان مخالفاً للإجماع ، وخروج بعض الحديث عن الحجية وإن لم يقدح في حجية بافية إلّا أنه معتبر في مقام التعارض فيوجب مرجوحية ما اشتمل عليه.
    وعن الثالثة : بأن قوله : « ولا جمعة لأقلّ من خمسة » إلى آخره يحتمل كونه من الفقيه كما صرّح به بعض الأفاضل حاكياً الجزم به عن بعضهم (1) ، ومع هذا الاحتمال يرتفع الاستدلال إلّا من حيث مفهوم العدد في قوله « سبعة » وهو مع غاية ضعفه هنا يجاب عنه بما أُجيب به عن سابقتها.
    وعن الموثقة : بعدم معلومية متعلق الإجزاء فيها هل هو وجوب الجمعة عيناً فيصير مفاد العبارة : يجزي في عينية وجوبها سبعة أو خمسة ؟ أو وجوبها تخييراً ؟ أو صحتها مطلقة ؟ ولا يتم الاستدلال بها على الأوّل بل هي عليه بالدلالة على الخلاف أشبه. وعلى الثاني مخالفة للإجماع ، لانعقاده على كون الوجوب مع السبعة عينياً لا تخييرياً. وعلى الثالث لا كلام فيها ؛ للاتفاق على صحة الجمعة على التقديرين.
    وتقدير العيني بالنسبة إلى السبعة والتخييري بالنسبة إلى الخمسة موجب للتفكيك المتوقف على الدليل ، وهو مفقود ، اللهم إلّا أن يجعل لفظة « أو » الموجودة فيها ، إذ لا وقع لها إلّا على تقديره. وفيه نظر ، لاحتمال كون الترديد
1 ـ انظر مفتاح الكرامة 3 : 76 و 102.

(325)
فيها لغير ذلك ، وهو التنبيه على كفاية أحد العددين في الوجوب العيني حيث حصل وعدم انحصاره في السبعة كما يتوهم من قوله « سبعة » لو ترك قوله بعده :
« أو خمسة » وإنما لم يكتف بقوله « خمسة » المفيد للمرام من غير احتياج إلى ترديد رافع للوهم في المقام ، لندرة تحقق مصر لا يكون فيه سبعة ، كما أشار إليه الفاضل في بعض كتبه (1).
    وبمثل هذا يجاب عن الصحيحة الأخيرة ، مع أن الحكم المشروط فيها بالعدد هو الوجوب العيني بمقتضى الصيغة والنسبة إلى عدد السبعة ، فليكن بالنسبة إلى الخمسة كذلك. مع احتمال كون الترديد فيها من الراوي كما يشعر به تأخير عدد السبعة عن عدد الخمسة ، لاستلزام الحكم فيها ثبوته في السبعة بطريق أولى.
    وبالجملة : قول الأكثر لعلّه أقوى ، ومع ذلك هو أحوط وأولى.
    واعلم : أن هذا الشرط يختص بالابتداء دون الاستدامة ، بلا خلاف فيه بيننا أجده ، وجعله الشيخ قضية المذهب بعد أن قال : لا نصّ لأصحابنا فيه ، قال : دليلنا أنه قد دخل في صلاة الجمعة وانعقدت بطريقة معلومة فلا يجوز إبطالها إلّا بيفين (2). ومقتضاه الصحة ولو انفضّ العدد بمجرد التلبس بالتكبيرة كما هو المشهور.
    خلافاًًًً لمحتمل نهاية الإحكام والتذكرة (3) ، فاشترط إتمامهم ركعة ؛ لمفهوم : « من أدرك ركعة ».
    ويضعف : بأن البافي بعد الانفضاض مدرك لركعة بل للكل ، وإنما
1 ـ انظر المنتهى 1 : 318.
2 ـ راجع الخلاف 1 : 600.
3 ـ نهاية الإِحكام 2 : 23 ، التذكرة 1 : 147.


(326)
لا يكون مدركاً لو اشترط في الإدراك بقاء العدد وهو أوّل المسألة.
    واحتمل في الأوّل آخر وهو الاكتفاء بركوعهم ، لكونه حفيقة إدراك ركعة. و فيه وفي التذكرة ثالثاً ، وهو العدول إلى الظهر إذا انفضّ العدد قبل إدراك الركعة ؛ لانعقادها صحيحة فجاز العدول كما يعدل عن اللاحقة إلى السابقة.
    وعلى المشهور هل المعتبر تلبّس الجميع بالتكبيرة. أو يكفي تلبّس الإمام خاصة ؟ قولان ، مقتضى ما تقدّم من الدليل : الثاني.
    ( الثالث : الخطبتان ) بإجماعنا وأكثر أهل العلم على الظاهر ، المصرّح به في كلام جماعة (1) ؛ للتأسي والمعتبرة المستفيضة ، ففي الصحيحين (2) وغيرهما (3) : « إنما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين فهي صلاة حتى ينزل الإمام ».
    ونحوها الموثق المروي في المعتبر عن جامع البزنطي (4) بزيادة قوله : « لا جمعة إلّا بخطبة » ونقص قوله : « فهي صلاة » إلى آخره.
    فيل : وفي العامة قول بالاجتزاء بخطبة (5) ، ويوهمه الكافي للحلبي (6). و آخر بعدم الاشتراط (7). ولا ريب في ضعفهما.
    ( ويجب في ) الخطبة ( الأولى حمد اللّه ) سبحانه ، بلا خلاف ،
1 ـ منهم : الشيخ في الخلاف 1 : 614 ، والعلّامة في التذكرة 1 : 150 ، والشهيد في الذكرى : 235.
2 ـ التهذيب 3 : 12 / 42 ، الوسائل 7 : 313 أبواب صلاة الجمعة ب 6 ح 4.
3 ـ الفقيه 1 : 269 / 1228 ، المقنع : 45 ، الوسائل 7 : 331 أبواب صلاة الجمعة 14 ح 2.
4 ـ المعتبر 2 : 283 ، الوسائل 7 : 314 أبواب صلاة الجمعة ب 6 ح 9.
5 ـ قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 249.
6 ـ الكافي في الفقه : 151.
7 ـ نقله عن الحسن في المغني والشرح الكبير 2 : 150.


(327)
بلفظه ؛ للاحتياط ، والتأسي ، وعن ظاهر التذكرة الإجماع عليه (1) ، وللأمر به في الموثق الآتي.
    وفي تعيين « الحمد للّه » كما هو صريح جماعة (2) ، أو إجزاء « الحمد للرحمن » (3) أو « لربّ العالمين » إشكال. والأحوط : الأوّل. خلافاًًًً لنهاية الإحكام فقرّب إجزاء « الحمد للرحمن » (3).
    ويجب فيها أيضاً الصلاة على الرسول وآله ، وفاقاً للأكثر ، بل في ظاهر الخلاف وعن التذكرة (4) الإجماع عليه ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى الاحتياط.
    دون الصحيح المتضمن للأمر بها (5) ، لتضمنه كثيراً من المستحبات الموجب لوهن دلالته على الوجوب جدّاً ، سيّما مع خلوّ الموثق الآتي عنها هنا. ولعلّه لذا لم يوجبها الماتن هنا وفاقاً للحلّي والمرتضى (6) رحمهما اللّه ، مضافاً إلى الأصل ، لكنه مخصّص بما مرّ من الإجماع المعتضد بعمل أكثر الأصحاب ، وبه يفيّد الموثق ويصرف عن ظاهره أيضاً.
    وتتعيّن بلفظها ؛ لما مضى.
    ( والثناء على اللّه تعالى ) بما هو أهله ، وفاقاً للمرتضى والخلاف (7) ؛ للموثق الآتي. لكن يحتمل اتحاده مع الحمد كما هو ظاهر الخلاف ، ولا ريب أن الإتيان به أحوط.
1 ـ التذكرة 1 : 150.
2 ـ منهم الشهيد الأول في الذكرى : 236 ، والبيان : 189 ، المحقق الثاني في جامع المقاصد 2 : 394.
3 ـ نهاية الإِحكام 2 : 33.
4 ـ الخلاف 1 : 616 ، التذكرة 1 : 150.
5 ـ الكافي 3 : 422 / 6 ، الوسائل 7 : 342 أبواب صلاة الجمعة ب 25 ح 1.
6 ـ الحلّي في السرائر 1 : 295 ، نقله عن مصباح المرتضى في المعتبر 2 : 284.
7 ـ حكاه عن مصباح المرتضى في المعتبر 2 : 284 ، الخلاف 1 : 616.


(328)
    ( والوصية بتقوى ) اللّه سبحانه ، وفاقاً للأكثر ، وفي ظاهر الخلاف الإجماع عليه (1) ، للموثق الآتي.
    خلافاًًًً للمرتضى (2) ـ رحمه اللّه ـ فلم يذكرها في شي‏ء من الخطبتين. وهو ضعيف.
    ولا يتعيّن لفظها ولا لفظ الوعظ بلا خلاف أجده ، وبعدم التعيّن صرّح جماعة (3) ، ومنهم الفاضل في النهاية ، وفيها : لا يكفي الاقتصار على التحذير من الاغترار بالدنيا وزخارفها ، لأنه يتواصى به المنكرون للمعاد ، بل لا بدّ من الحمل على إطاعة اللّه تعالى والمنع عن المعاصي (4).
    وذكر جماعة (5) أنه يكفي المسمى كاتقوا اللّه وأطيعوه وأمثالهما ؛ ولعلّه للإطلاق.
    ( وقراءة سور خفيفة ) كما عن المبسوط والجمل والعقود والمراسم والوسيلة والسرائر والجامع وبه صرّح الماتن في الشرائع وجماعة (6) ؛ للموثق ، وفيه : « ينبغي للإمام الذي يخطب بالناس يوم الجمعة أن يلبس عمامة في الشتاء والصيف ، ويتردّى ببرد يمنية أو عدنية ، ويخطب وهو قائم يحمد اللّه تعالى‏
1 ـ الخلاف 1 : 616.
2 ـ على ما حكاه عنه في المعتبر 2 : 284.
3 ـ منهم : الشهيد الثاني في الروضة 1 : 297 ، والمسالك 1 : 34 ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2 : 395 ، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 249.
4 ـ نهاية الإِحكام 2 : 33.
5 ـ منهم العلّامة في التذكرة 1 : 151 ، ونهاية الإِحكام 2 : 33 ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2 : 395.
6 ـ المبسوط 1 : 147 ، الرسائل العشر : 190 ، المراسم : 77 ، الوسيلة : 403 ، السرائر 1 : 295 ، الجامع للشرائع : 94 ، الشرائع 1 : 95 ؛ وانظر نهاية الإِحكام 2 : 33 ، 35 ، والتذكرة 1 : 150 ، واللمعة ( الروضة 1 ) : 297.


(329)
و يثني عليه ، ثمَّ يوصي بتقوى اللّه تعالى ، ويقرأ سورة من القرآن خفيفة ، ثمَّ يجلس ، ثمَّ يقوم فيحمد اللّه ويثني عليه ويصلّي على محمد صلّى اللّه عليه وآله وعلى أئمة المسلمين ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات » الخبر (1).
    ولا ضعف فيه كما فيل (2) ، بل هو من الموثق الذي هو حجّة سيّما مع عمل الجماعة. ودلالته واضحة ؛ لمكان الأمر الظاهر في الوجوب ، ولا صارف عنه حتّى ممّا فيه من لفظة « ينبغي » الظاهرة في الاستحباب ، بناءًً على ظهور رجوعها إلى ما عدا الأحكام الواردة في الخطبة كما لا يخفى على من تدبّره.
    هذا مضافاً إلى الاحتياط والأمر بها في هذه الخطبة في الصحيح السابق ، وإن كان في الاستناد به لذلك مناقشة ؛ لما عرفته.
    خلافاًًًً للحلبي فلم يذكرها (3) ، مشعراً بعدم الوجوب. وهو ، مع عدم وضوح مستنده سوى الأصل المخصّص بما مرّ إن قلنا بجريانه في مثل ما نحن فيه ، وإلّا فلا أصل له من أصله ، شاذ.
    وللخلاف وجماعة (1) فاكتفوا بآية تامة الفائدة ؛ للأصل ، وضعف الموثق بما مر. وفيهما ما مرّ.
    وفي الخبر : سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يقول على المنبر : « وَ نادَوْا يا مالِكُ » (5). وفيه ضعف سنداً ودلالةً ومقاومةً لما مرّ جداً.
    نعم ، في الصحيح السابق الاجتزاء بها في الخطبة الثانية ، وبه استدل‏
1 ـ الكافي 3 : 421 / 1 ، التهذيب 3 : 243 / 655 ، الوسائل 7 : 342 أبواب صلاة الجمعة ب 25 ح 2.
2 ـ المختلف : 105 ، جامع المقاصد 2 : 396 ، كشف اللثام 1 : 249.
3 ـ انظر الكافي في الفقه : 151.
4 ـ الخلاف 1 : 616 ؛ وانظر المنتهى 1 : 326 ، وجامع المقاصد 2 : 395.
5 ـ انظر صحيح مسلم 2 : 594 / 49.


(330)
على الاجتزاء بها مطلقاً حتى في الخطبة الأولى بناءً على عدم القائل بالفرق بينهما.
    وفيه ـ بعد ما مرّ ـ تضمنه الأمر بالسورة في الْاُولى ، وهو حفيقة في الوجوب ، وكلّ من قال بوجوبها فيها قال في الأخيرة بوجوبها أو عدم وجوب شي‏ء من القرآن فيها. وبعبارة أُخرى : كلّ من قال بكفاية الآية في الأخيرة قال بها في الاولى.
    فلا يمكن الاستناد إليه لإثبات شي‏ء من القولين إلّا بعد حمل الصدر أو الذيل على الاستحباب. ولا ترجيح هنا ؛ إذ كما يمكن حمل الأول عليه فيوافق القول بكفاية الآية ، كذا يمكن العكس فيوافق القول بعدم وجوب شي‏ء من القرآن في الثانية ، كما هو ظاهر الماتن هنا وفي المعتبر (1) وجماعة (2) ، ولهم :
    الموثقة السابقة المعتضدة بالأصل السليم عمّا يصلح للمعارضة عدا الصحيحة ، وهي لما عرفت غير صالحة للحجية ، نعم لو كان القراءة في الثانية متعينة كما هو المشهور أمكن ترجيح الأول ، فتدبّر.
    وللاقتصاد والإصباح والمهذّب والجامع (3) ، فأوجبوا السورة لكن بين الخطبتين ، ومستنده غير واضح ؛ نعم ، في الصحيح : « يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب ، ولا يصلّي الناس ما دام الإمام على المنبر ، ثمَّ يقعد الإمام على المنبر قدر ما يقرأ قل هو اللّه احد ، ثمَّ يقوم فيفتتح خطبته ثمَّ ينزل‏
1 ـ المعتبر 2 : 284.
2 ـ منهم : الفاضل الآبي في كشف الرموز 1 : 172 ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : 300 ، وصاحب المدارك 4 : 34.
3 ـ الاقتصاد : 267 ، حكاه عن الإصباح في كشف اللثام 1 : 249 ، المهذّب 1 : 103 ، الجامع للشرائع : 94.
رياض المسائل ـ الجزء الثالث ::: فهرس