|
|||
(301)
إلى الكسل والنوم ، وأضافه إلى الشيطان لأنه الذي يدعو إلى إعطاء النفس شهوتها ، وأراد به التحذير من السبب الذي يتولّد منه وهو التوسيع في المطعم والشبع ، فيثقل عن الطاعات ويكسل عن الخيرات (1).
( والعبث ) بشيء من أعضائه ، فقد رأى النبي صلّى اللّه عليه وآله رجلاً يعبث في الصلاة فقال : « لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه » (2). وفي بعض النصوص : أنه يقطع الصلاة (3). وحُمل على ما إذا بلغ الكثرة المبطلة ، جمعاً. ( ونفخ موضع السجود ، والتنخّم ، والبصاق ) وخصوصاً إلى القبلة واليمين وبين يديه. ( وفرقعة الأصابع ) ونقضها لتصوت. ( والتأوّه بحرف ) واحد ، وأصله قول : أوه ، عند التوجّع والشكاية ، والمراد به هنا النطق به على وجه لا يظهر منه حرفان. ( ومدافعة الأخبثين ) البول والغائط. ولا خلاف في شيء من ذلك عدا الالتفات ، فقيل بتحريمه (4) ، وهو ضعيف. والنصوص بالجميع مستفيضة ، ففي الصحيح : « إذا قمت في الصلاة فعليك بالإقبال على صلاتك ، فإنما يحسب لك منها ما أقبلت عليه ، ولا تعبث فيها بيدك ولا برأسك ولا بلحيتك ، ولا تحدث نفسك ، ولا تتثاءب ولا تتمطّ 1 ـ نهاية ابن الأثير 1 : 204. 2 ـ الجعفريات : 36 ، المستدرك 5 : 417 أبواب قواطع الصلاة ب 11 ح 3 وفيه بتفاوت. 3 ـ التهذيب 2 : 378 / 1575 ، الوسائل 7 : 262 أبواب قواطع الصلاة ب 12 ح 9. 4 ـ راجع ص : 276. (302)
و لا تكفّر ، فإنما يفعل ذلك المجوس ، ولا تلتثم ، ولا تحتفز (1) ، ولا تفرج (2) كما يتفرج البعير ، ولا تُقعِ على قدميك ، ولا تفترش ذراعيك ، ولا تفرقع أصابعك ، فإن ذلك كله نقصان من الصلاة ، ولا تقم إلى الصلاة متكاسلاً ولا متناعساً ولا متثاقلاً ، فإنها من خلال النفاق ، فإن اللّه تعالى نهى المؤمنين أن يقوموا إلى الصلاة وهم سكارى ، يعني سكر النوم ، وقال للمنافقين ( وَ إِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ) » (3).
وفي آخر : « لا صلاة لحاقن ولا لحاقب ، وهو بمنزلة من هو في ثيابه » (4). و المراد نفي الفضيلة ، للإجماع على الصحة. ويستفاد من الأوّل كراهة فعل ما يشعر بترك الخشوع والإقبال إلى الصلاة مطلقاً ، كما عليه الأصحاب ، ويستفاد من نصوص أُخر أيضاً ، وفيها الصحاح وغيرها (5). ( و ) منها يظهر وجه كراهة ( لبس الخفّ ) حال كونه ( ضيّقاً ) لما فيه من سلب الخشوع والمنع من التمكن من السجود. ( ويجوز للمصلّي تسميت العاطس ) وهو الدعاء له عند العطاس بنحو 1 ـ اي : لاتتضامّ في سجودك بل تتخوّي كما يتخوّي البعير الضامر ، وهكذا عكس المرأة ، فإّنها تحتفز في سجودها ولا تتخوّي ... ، وقولهم : « هو محتفز » اي مستعجل متوفر غير متمكن في جلوسه ، كأنه يريد القيام. مجمع البحرين 4 : 16. 2 ـ في « ش » « م » والوسائل : وتفرج. 3 ـ الكافي 3 : 299 / 1 ، الوسائل 5 : 463 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 5. والآية في النساء : 142. 4 ـ التهذيب 2 : 333/ 1372 ، المحاسن : 83 / 15 ، الوسائل 7 : 251 أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 2. وفيها : « حاقنة » بدل « حاقب ». والحاقن : الذي به البول ، والحاقب : الذي به الغائط ، كما فُسرّا بهما في رواية معاني الأخبار : 237 ، ونهاية ابن الأثير 1 : 416. 5 ـ انظر الوسائل 7 أبواب قواطع الصلاة ب 11 ، 12 ، 14 ؛ ومستدرك الوسائل 4 : 86 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 5 ، 6 ، 7. (303)
قوله : يرحمك اللّه ، إذا كان مؤمناً ؛ بلا خلاف إلّا من المعتبر ، فقد تردّد فيه (1).
ولا وجه له بعد ثبوت كونه دعاءً بنصّ جماعة من أهل اللغة (2) ، فيشمله عموم ما دلّ على جوازه في الصلاة ، كما يأتي ؛ مضافاً إلى عموم ما دلّ على جواز التسميت ، بل استحبابه مطلقاً (3) ؛ مع أنه رجع عنه بعده إلى الجواز كما عليه الأصحاب ، وجعله مقتضى المذهب. نعم ، روت العامة عن معاوية بن حكم أنه قال : صلّيت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فعطس رجل من القوم ، فقلت : يرحمك اللّه ، فرماني القوم بأبصارهم ، فقلت : ما شأنكم تنظرون إليَّ ؟ فجعلوا يضربون على أفخاذهم ، فعلمت أنهم يُصمّتوني ، فلمّا صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قال : « إن هذه الصلاة لا يصلح فيها كلام الناس ، إنما هي التكبيرة وقراءة القرآن » (4). وفيه ـ مع ضعف سنده ـ : عدم وضوح دلالته ، باحتمال رجوع الإنكار فيه إلى قوله الثاني ، أو إلى إنكارهم ، كما بينته في الشرح. وهل يجب على العاطس الرّد ؟ قيل : الأظهر لا ، لأنه لا يسمّى تحيّة (5). وفيه نظر ، مع أنه روى الصدوق في آخر كتاب الخصال في حديث طويل عن أبي جعفر ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليهم السلام أنه قال : « إذا عطس أحدكم (6) فسمّتوه قولوا : يرحمكم اللّه ، وهو يقول : يغفر اللّه تعالى لكم ويرحمكم ، قال اللّه تعالى عزّ وجلّ ( إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ 1 ـ المعتبر 2 : 263. 2 ـ منهم : الفيروز آبادي في القاموس 1 : 156 ، والطريحي في مجمع البحرين 2 : 206 ، وإبن الأثير في النهاية 2 : 397. 3 ـ انظر الوسائل 12 : 86 أبواب أحكام العشرة ب 57. 4 ـ صحيح مسلم 1 : 381 / 33 ، سنن أبي داوود 1 : 244 / 930 بتفاوت فيهما. 5 ـ قال به المحقق الثاني في جامع المقاصد 2 : 355 ، وصاحب المدارك 3 : 472. 6 ـ في « ل » و « م » و « ح » : أخوكم. (304)
ردّوها ) (1).
وكما يجوز بل يستحب التسميت يجوز له إذا عطس أن يحمد اللّه ويصلّي على النبي صلّى اللّه عليه وآله ، وأن يفعل ذلك إذا عطس غيره ؛ للعمومات ، وفي المنتهى أنه مذهب أهل البيت عليهم السلام (2). ( و ) يجوز له ( ردّ السلام ) أيضاً على المسلّم ، بإجماعنا الظاهر ، المصرّح به في جملة من العبائر (3) ؛ وهو الحجة بعد العمومات من الكتاب والسنة المستفيضة (4). مضافاً إلى خصوص المعتبرة ، منها الصحيح : دخلت على أبي جعفر عليه السلام وهو في الصلاة ، فقلت : السلام عليك ، فقال : « السلام عليك » فقلت : كيف أصبحت ؟ فسكت ، فلما انصرف قلت : أيردّ السلام وهو في الصلاة ؟ فقال : « نعم ، مثل ما قيل له » (5). والموثق : عن الرجل يسلّم عليه وهو في الصلاة ، فقال : « يردّ بقوله : سلام عليكم ، ولا يقول : عليكم السلام » (6). ويستفاد منه وجوب كون الرد ب ( مثل قوله : سلام عليكم ) وإطلاقه كالعبارة يشمل ما إذا سلّم به أم بغيره من صيغ السلام الأربع المشهورة. وهو مشكل ، بل ضعيف ، لتصريح الصحيحة المتقدمة بخلافه ، مع 1 ـ الخصال : 633 / 10 ، الوسائل 12 : 88 أبواب أحكام العشرة ب 58 ح 3. والآية في النساء : 86. 2 ـ المنتهى 1 : 313. 3 ـ كالمنتهى 1 : 313 ، وجامع المقاصد 2 : 355 ، والمدارك 3 : 473. 4 ـ انظر الوسائل 12 : 57 أبواب أحكام العشرة ب 33. 5 ـ التهذيب 2 : 329 / 1349 ، الوسائل 7 : 267 أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 1. 6 ـ الكافي 3 : 366 / 1 ، التهذيب 2 : 328 / 1348 ، الوسائل 7 : 267 أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح2. (305)
اعتضادها بالعمومات ، مضافاً إلى الأصل.
ويستفاد منها وجوب كون الردّ بالمثل ، كما هو المشهور بين الأصحاب ، وفي ظاهر المدارك وغيره وصريح المرتضى والخلاف أن عليه إجماع الأصحاب (1) ؛ وهو حجة أُخرى بعد الصحيح المعتضد بالموثق السابق ولو في الجملة ، ولو لا دلالته على تعين الصيغة المذكورة فيه للردّ لكان كالصحيح حجة. مع احتمال أن يقال في توجيه تعيينه إياها غلبة حصول السلام بها وندرة السلام بعليكم السلام ، بل عدمه ، وفي بعض الأخبار أنه تحية الأموات (2). و على هذا فالأمر فيه بالصيغة المزبورة إنما هو لمراعاة المماثلة ، ويشير إلى هذا التوجيه كلام الشيخ في الخلاف (3) ، كما لا يخفى على من راجعه وتدبّره. خلافاًًًً للحلي والفاضل في المختلف ، فجوّزا الرد بالمخالف ، ولو بقوله : عليكم السلام ، خصوصاً مع تسليم المسلّم به (4) ، لعموم الآية (5) ، واستضعافاً للرواية بناءً على أنها من الآحاد. وفيه : أنها من الآحاد المعمول بها ، فيتعين العمل وتخصيص العموم بها. ثمَّ ليس في العبارة ككثير إلّا جواز الردّ دون وجوبه (6). وبالوجوب صرّح الفاضل وجماعة (7) ، ومنهم الشهيد رحمه اللّه ، قال : والظاهر أن الأصحاب 1 ـ المدارك 3 : 474 ، والروض : 339 ، الانتصار : 47 ، الخلاف 1 : 388 ؛ وانظر المعتبر 2 : 263. 2 ـ سنن أبي داوود 4 : 353 / 5209. 3 ـ الخلاف 1 : 388. 4 ـ الحلّي في السرائر 1 : 236 ، المختلف : 102. 5 ـ لنساء : 86. 6 ـ انظر المنتهى 1 : 313 ، والتنقيح 1 : 220 ، وروض الجنان : 338. 7 ـ الفاضل في القوائد 1 : 36 ؛ وانظر التذكرة 1 : 131 ، وجامع المقاصد 2 : 355 ، والمدارك 3 : (306)
أرادوا بيان شرعيته ، ويبقى الوجوب معلوماً من القواعد الشرعية (1). انتهى. وهو حسن.
ويجب إسماع الردّ تحقيقاً أو تقديراً ، كما في غير الصلاة ، على الأشهر الأقوى ؛ عملاً بعموم ما دلّ عليه ؛ وحملاً للصحيح والموثق ـ الدالّين على الأمر بإخفائه ، كما في الأول (2) ، أو على الإتيان به فيما بينه وبين نفسه ، كما في الثاني (3) ـ على التقية ، كما بيّنته في الشرح مع جملة ما يتعلق بالمقام وسابقة ، من أبحاث شريفة ومسائل مهمة ، يضيق عن نشرها هذه التعليقة. ( و ) يجوز له ( الدعاء في أحوال الصلاة ) قائماً وقاعداً وراكعاً وساجداً ومتشهداً بالعربية وإن كان غير مأثور ، إجماعاً على الظاهر ، المصرّح به في جملة من العبائر (4) ؛ وللمعتبرة المستفيضة التي كادت تبلغ التواتر ، ففي الصحيح : عن الرجل يتكلم في صلاة الفريضة بكل شيء يناجي ربه ؟ قال : « نعم » (5). وهل يجوز بغير العربية ؟ قيل : نعم (6). وقيل : لا (7). ولعلّه الأقوى ؛ 473. 1 ـ الذكرى : 218. 2 ـ التهذيب 2 : 332 / 1366 ، الوسائل 7 : 268 أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 3. 3 ـ الفقيه 1 : 240 / 1064 ، التهذيب 2 : 331 / 1365 ، الوسائل 7 : 268 أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 4. 4 ـ كالانتصار : 47 ، والمنتهى 1 : 314 ، والمدارك 3 : 476. 5 ـ التهذيب 2 : 326 / 1337 ، الوسائل 7 : 263 أبواب قواطع الصلاة ب 13 ح 1. 6 ـ قال به الفاضل المقداد في التنقيح 1 : 222. 7 ـ وقال الصدوق في الفقيه 1 : 208 وذكر شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ـ رضي الله عنه سعد ـ بن عبد الله إنه كان يقول : لا يجوز الدعاء في القنوت بالفارسيّة. قال في جامع المقاصد 2 : 322 ونقل الاصحاب عن سعد بن عبد الله من فقهائنا عدم جوازه مع القدرة وهو المتّجه .. إلا أن الشهرة بين الأصحاب ـ حتّى أنه لا يعلم قائل بالمنع سوى سعد المذكور ـ (307)
اقتصاراً في الكلام المنهي عنه في الصلاة على المتيقن حصول الرخصة فيه منه نصّا وفتوى ، وليس إلّا العربية.
ومنه يظهر وجه اشتراط كون الدعاء ( بسؤال المباح ) ديناً ودنيا ( دون المحرم ) مع انه متفق عليه ظاهراً ، فلو دعا به بطل الصلاة بلا خلاف أجده ، وعن التذكرة الإجماع عليه (1) ، وإن اختلفوا في إطلاق الحكم أو تقييده بصورة العلم بتحريم المدعوّ به. والأصح الأوّل ؛ لعموم الدليل ، والجهل ليس بعذر مطلقاً ، خصوصاً في الصحة والبطلان. وتنظّر فيه شيخنا في روض الجنان ، قال : من عدم وصفه بالنهي وتفريطه بترك التعلم ، ثمَّ حكى عن الذكرى ترجيح عدم الصحة. قال : وقطع المصنف بعدم عذره ، ثمَّ قال : ولا يعذر جاهل كون الحرام مبطلاً ، لتكليفه بترك الحرام وجهله تقصير منه ، وكذا الكلام في سائر منافيات الصلاة لا يخرجها الجهل بالحكم عن المنافيات (2). انتهى. أقول : وظاهره الفرق بين الجهل بكون الحرام مبطلاً فلا يعذر ، والجهل بحرمة المدعوّ به. وفيه نظر ، وسؤال وجه الفرق متّجه. فتدبّر. مانعة من المصير اليه. 1 ـ التذكرة 1 : 132. 2 ـ روض الجنان : 338. (308)
( المقصد الثاني )
( في ) بيان ( بقية الصلوات ) المعدودة في المقدمة الْاُولى من مقدمات الكتاب.
( وهي ) قسمان ( واجبة ومندوبة. فالواجبات ) كثيرة. ( منها : ) صلاة ( الجمعة ) على من اجتمعت فيه شرائطها الآتية ، بالكتاب والسنّة المتواترة وإجماع الْأُمة. ( وهي ركعتان ) كالصبح ( يسقط معهما الظهر ) بالنص والإجماع. ( ووقتها ما بين الزوال ) زوال الشمس ( حتى يصير ظلّ كل شيء مثله ) على المشهور بين الأصحاب. خلافاًًًً للمحكي في الخلاف عن المرتضى في أوّله فجوّز فعلها عند قيام الشمس (1). وهو شاذّ ، بل في الخلاف وروض الجنان وشرح القواعد للمحقّق الثاني (2) على خلافه الإجماع ؛ وهو الحجّة عليه ، مضافاً إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ، وسيأتي إلى جملة منها الإشارة. هذا مع أن الحلّي قال بعد نقل نسبة الشيخ هذا القول إلى المرتضى : و لعلّ شيخنا سمعه من المرتضى مشافهة ، فإن الموجود في مصنّفات السيّد موافق للمشهور ، من عدم جواز إيقاعها قبل تحقق الزوال (3). وهو كما ترى صريح في موافقة السيّد للأصحاب ، فلا خلاف ولا إشكال هنا. وإنما الإشكال في التحديد بالمثل ، فإنه وإن كان مشهوراً ، بل عن 1 ـ الخلاف 1 : 620. 2 ـ الخلاف 1 : 620 ، روض الجنان : 284 ، جامع المقاصد 1 : 129. 3 ـ انظر الوسائل 1 : 296. (309)
المنتهى أنه مذهب علمائنا أجمع (1) ، إلّا أن مستنده من النص غير واضح. بل ظاهر النصوص المعتبرة المستفيضة خلافه ، وهو : التحديد بما دونه وأنه عند الزوال وأنه من الْأُمور المضيّقة كما في الصحاح وغيرها ، منها : « إنّ من الْأُمور أُمورا مضيّقة وأمورا موسّعة ، وإنّ الوقت وقتان ، والصلاة ممّا فيه السعة ، فربما عجّل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وربما أخّر ، إلّا صلاة الجمعة فإنّ صلاة الجمعة من الأمر المضيّق ، إنما لها وقت واحد حين تزول الشمس ، ووقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر في سائر الأيام » (2) ونحوه غيره (3).
وفي آخر : « فإنّ وقتها حين تزول الشمس » (4). وحكي القول بمضمونها عن جماعة من القدماء كابن زهرة والحلبي وابن حمزة والجعفي (5) ، وإن اختلفت عبارتهم في التأدية ، فقيل (6) : نص الأوّلان على فواتها إذا مضى من الزوال مقدار الأذان والخطبتين والركعتين ، وفي الغنية الإجماع عليه ، والثاني على وجوب أن يخطب قبل الزوال ليوقع الصلاة أوّله ، والثالث على أن وقتها ساعة من النهار. قيل (7) : ونحو ابن حمزة محتمل عبارة المهذّب والإصباح والمقنعة ، فإنّ فيها : إنّ وقت صلاة الظهر يوم الجمعة حين تزول الشمس (8) ، لما جاء عنهم 1 ـ المنتهى 1 : 318. 2 ـ التنهذيب 3 : 13 / 46 ، الوسائل 7 : 316 أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 3. 3 ـ الكافي 3 : 274 / 2 ، الوسائل 7 : 315 أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 1. 4 ـ التهذيب 3 : 13 / 45 ، الاستبصار 1 : 412 / 1577 ، الوسائل 7 : 317 أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 7. 5 ـ ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 560 ، الحلبي في الكافي : 151 ، ابن حمزة في الوسيلة : 104 ، نقله عن الجعفي في الذكرى : 235. 6 ـ كشف اللثام 1 : 242. 7 ـ كشف اللثام 1 : 242. 8 ـ المقنعة : 27. (310)
عليهم السلام : « إنّ النبي صلّى اللّه عليه وآله كان يخطب في الفيء الأوّل ، فإذا زالت نزل عليه جبرئيل فقال : يا محمد قد زالت الشمس فصلّ بالناس فلا يلبث أن يصلّي بالناس » (1).
وفي الأوّلين : إن الإمام يأخذ في الخطبة قبل الزوال بمقدار ما إذا خطب زالت ، فإذا زالت صلّى (2). ولا ينافي قولهم أخبار التحديد بالساعة (3) ، وإن ضعّفه بها جماعة (4) ؛ لإجمال الساعة فيها ، واحتمالها الساعة التي توقع فيها الصلاة وحدها أو مع الخطبة ؛ مع قصور أسانيدها ، بل ضعفها ، فلا يمكن المصير بها إلى ما عليه الجعفي إن أراد من الساعة ما يتوهم منها. ويعضد مختارهم ما يقال من إجماع المسلمين على المبادرة بها حين الزوال ، وهو دليل التضيق ، وإلّا لوقع التأخير أحياناً. وبه يعارض إجماع المنتهى ، مع عدم صراحته في دعواه ، ووهنه بمصير هؤلاء الأعاظم من القدماء على خلافه ، مع أنه لم يحك القول به منهم إلّا عن ظاهر المبسوط (5) ، فتأمّل. وللحلي قول بامتداد وقتها بامتداد وقت الظهر ، لتحقق البدلية ، وأصالة البقاء (6). واختاره الشهيد ـ رحمه اللّه ـ في جملة من كتبه (7). وهو ضعيف في الغاية ، فإنّ فيه إطراحاً للأدلة المتقدمة وسيّما الأخبار 1 ـ التهذيب 3 : 12 / 42 ، الوسائل 7 : 316 أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 4. 2 ـ المهذّب 1 : 103 ، حكي عن الاصباح في كشف اللثام 1 : 242. 3 ـ الوسائل 7 : 315 أبواب صلاة الجمعة ب 8. 4 ـ منهم صاحب المدارك 4 : 13 ، وصاحب الذخيرة : 298. 5 ـ كشف اللثام 1 : 241 ، وانظر المبسوط 1 : 147. 6 ـ راجع السرائر 1 : 301. 7 ـ كما في الدروس 1 : 188 ، البيان : 186. (311)
منها ، ويخصّص بها أصالة البقاء وقاعدة البدلية إن سلّمنا ، وإلّا فلا تخلوان عن مناقشة ، سيّما الأخيرة ، فإنها فرع وجود لفظ دالّ عليها أو على المنزلة في النصوص ، ولم أر منها ما يشير إليها بالكلية ، نعم ربما أشعر بعض النصوص بأن بناءً الضيق على الفضيلة ، ففي الصحيح : عن وقت الظهر ، فقال : « بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلّا يوم الجمعة أو في السفر ، فإنّ وقتها حين تزول الشمس » (1).
وروى الشيخ في المصباح عن محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن صلاة الجمعة ، فقال : « وقتها إذا زالت الشمس فصلّ ركعتين قبل الفريضة ، وإن أبطأت حتى يدخل الوقت هنيئة فابدأ بالفريضة ودع الركعتين حتى تصلّيهما بعد الفريضة » (2). وفي الصحيح : « كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يصلّي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك » (3) فتدبر. وبالجملة : المسألة محل إشكال ، ولا ريب أن الاحتياط يقتضي المبادرة إلى فعلها عند تحقق الزوال. ( وتسقط ) الجمعة ( بالفوات وتُقضى ظهراً ) إجماعاً على الظاهر ، المصرّح به في عبائر جماعة (4) ؛ وللمعتبرة المستفيضة ، ففي الصحيح : عمّن 1 ـ التهذيب 3 : 13 / 45 ، الاستبصار 1 : 412 / 1577 ، الوسائل 7 : 317 أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 7 ، ولاريب أن كون وقت الفريضة في السفر حين الزوال ليس على الضيق بل على الفضيلة ؛ لسقوط النافلة ، فلتكن الجمعة كذلك ؛ لتقدم نافلتها على الزوال. منه رحمه الله. 2 ـ مصباح المتهجد : 323 ، الوسائل 7 : 319 أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 17. لاريب ان فعل الركعتين بعد الزوال ينافي الضيق المستفاد من تلك الأخبار ، وقريب منه الوجه في الصحيح الآتي ( منه رحمه الله ). 3 ـ التهذيب 3 : 12 / 42 ، الوسائل 7 : 316 أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 4. 4 ـ منهم : المحقق الثاني في جامع المقاصد 2 : 14 ، والشهيد الثاني في المسالك 1 : 33 ، (312)
لم يدرك الخطبة يوم الجمعة ، قال : « يصلّيها ركعتين ، فإن فاتته الصلاة فلم يدركها فليصلّ أربعاً » (1).
وفي آخر : « فإن أدركته وهو يتشهد فصلّ أربعاً » (2). وفي ثالث : « من أدرك ركعة فقد أدرك الجمعة » (3). ويستفاد منه حصول الفوات بعدم إدراك ركعة كما عليه الشهيدان وجماعة (4) ، ويعضده عموم مفهوم : « من أدرك من الوقت ركعة فكأنّما أدرك الوقت » (5). خلافاًًًً للمحكي عن الشيخ وجماعة (6) فما لم يتلبس بالتكبير ، ومعه فلا فوت ؛ لاستصحاب الصحة ، وحرمة إبطال العمل في الشريعة. وهما بعد تسليمهما اجتهاد في مقابلة المعتبرة المعتضدة بالاتفاق على العمل بها فيما عدا الجمعة. والمراد بالقضاء في العبارة مطلق الأداء الشامل للأداء والقضاء بالمعنى 1 ـ وصاحب المدارك 4 : 14 ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : 298. 2 ـ الكافي 3 : 427 / 1 ، التهذيب 3 : 243 / 656 ، الاستبصار 1 : 421 / 1622 ، الوسائل 7 : 345 أبواب صلاة الجمعة ب 26 ح 3. 3 ـ التهذيب 3 : 244 / 659 ، الاستبصار 1 : 422 / 1625 ، الوسائل 7 : 346 أبواب الصلاة الجمعة ب 26 ح 5. 4 ـ الشهيد الأول في الدروس 1 : 188 ، والبيان : 187 ، والذكرى : 235 ، الشهيد الثاني في المسالك 1 : 33 ، وروض الجنان : 284 ، العلّامة في المختلف : 108 ، صاحب المدارك 4 : 14. 5 ـ صحيح البخاري 1 : 151 ، صحيح مسلم 1 : 423 / 161 ، سنن الترمذي 1 : 19 / 523 وفي الجميع : من أدرك ركعة من الصلاة فقد ادرك الصلاة في « م » زيادة : كله. 6 ـ الشيخ في المبسوط 1 : 148 ؛ وانظر الشرائع 1 : 94 ، والمسالك 1 : 34 ، وكشف اللثام 1 : 252. (313)
المصطلح ، فلا يرد أن القضاء تابع لأصله ، والجمعة ركعتان فكيف تُقضى أربعاً.
( ولو لم يدرك ) المأموم ( الخطبتين أجزأته الصلاة ، وكذا لو أدرك مع الإمام الركوع ) خاصة ( ولو في ) الركعة ( الثانية ) بإجماعنا الظاهر ، المصرّح به في كثير من العبائر (1) ؛ وللمعتبرة المستفيضة المتقدم إلى جملة منها الإشارة ، ومنها الصحيح : « إذا أدركت الإمام يوم الجمعة وقد سبقك بركعة فأضف إليها ركعة أُخرى » (2) ونحوه الخبر (3). وفي آخر : « إذا أدرك الرجل ركعة فقد أدرك الجمعة ، فإن فاتته فليصلّ أربعاً » (4). وأما الصحيح : « الجمعة لا تكون إلّا لمن أدرك الخطبتين » (5) فمع شذوذه يحتمل الحمل على التقية ، لكونه مذهب جماعة من العامة (6) وإن وافقنا أكثرهم. أو على أن المراد نفي حقيقة الجمعة فإنّ حقيقتها ركعتان مع ما ناب عن الأخيرتين ، فمن لم يدركهما لم يدرك الجمعة حقيقة وإن أجزأه ما أدركه ، وهو معنى ما مضى من المعتبرة. وحمله الشيخ على نفي الكمال والفضيلة (7). 1 ـ كالخلاف 1 : 622 ، والمدارك 4 : 17. 2 ـ التهذيب 3 : 244 / 659 ، الاستبصار 1 : 422 / 1625 ، الوسائل 7 : 346 أبواب صلاة الجمعة ب 26 ح 5. 3 ـ الفقيه 1 : 270 / 1232 ، الوسائل 7 : 345 أبواب صلاة الجمعة ب 26 ح 2. 4 ـ التهذيب 3 : 243 / 657 ، الاستبصار 1 : 422 / 1623 ، الوسائل 7 : 346 أبواب صلاة الجمعة ب 26 ح 4. 5 ـ التهذيب 3 : 243 / 658 ، الاستبصار 1 : 422 / 1624 ، الوسائل 7 : 346 أبواب صلاة الجمعة ب 26 ح 7. 6 ـ حكاه ابن قدامة في المغني 2 : 158 ، عن عطاء ، وطاوس ، ومجاهد ، ومكحول. 7 ـ انظر الاستبصار 1 : 422 ذيل الحديث 1624. (314)
( ويدرك الجمعة ) أيضاً ( بإدراك الإمام راكعاً على الأشهر ) الأظهر ، بل عليه عامة من تأخر ، وفي الخلاف عليه الإجماع (1) ؛ وهو الحجّة.
مضافاً إلى أن إدراك الركعة مع الإمام موجب لإدراك الجمعة كما مرّ في المعتبرة ، وهو يحصل بإدراك الإمام راكعاً كما في الصحاح الصراح المستفيضة ، منها : « إذا أدركت الإمام وقد ركع فكبّرت وركعت قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدركت الركعة ، وإن رفع رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك الركعة » (2). خلافاًًًً للمحكي عن المقنعة والنهاية والقاضي (3) ، فاشترطوا في إدراكها إدراك تكبيرة الركوع ؛ للصحيح : « إن لم تدرك القوم قبل أن يكبّر الإمام للركعة فلا تدخل معهم في تلك الركعة » (4). وفي لفظ آخر : « لا تعتدّ بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع الإمام » (5). وفي ثالث : « إذا أدركت التكبير قبل أن يركع فقد أدركت الصلاة » (6). وهو مع قصوره عن المقاومة لسابقته غير صريح ؛ لاحتماله الحمل على الكراهة. وهو أولى من حمل تلك على التقية ، كما اتّفق لبعض الأجلّة معتذراً 1 ـ الخلاف 1 : 622. 2 ـ الكافي 3 : 382 / 5 ، الفقيه 1 : 254 / 1149 ، التهذيب 3 : 43 / 153 ، الاستبصار 1 : 435 / 1680 ، الوسائل 8 : 382 أبواب صلاة الجماعة ب 45 ح 2. 3 ـ لم نعثر عليه في المقنعة وحكاه عنها في الذخيرة : 311 ، النهاية : 105 ، 114 ، المهذّب 1 : 82 ، 103. 4 ـ التهذيب 3 : 43 / 149 ، الاستبصار 1 : 434 / 1676 ، الوسائل 8 : 381 أبواب الصلاة الجماعة ب 44 ح 2. 5 ـ التهذيب 3 : 43 / 150 ، الاستبصار 1 : 435 / 1677 ، الوسائل 8 : 381 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 3. 6 ـ التهذيب 3 : 43 / 151 ، الاستبصار 1 : 435 / 1678 ، الوسائل 8 : 381 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 1. (315)
بموافقتها العامة ؛ لرجحانها على هذا الصحيح بالاستفاضة والصراحة والشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً ، بل لعلّها الآن إجماع في الحقيقة كما عرفت من الخلاف نقله ، وقريب منه في السرائر والذكرى (1) ، حيث عزياه إلى باقي الفقهاء من عدا الشيخ كما في الأوّل ، وإلى المتأخرين كافة كما في الثاني ، وزاد في الأول فادّعى تواتر الأخبار به.
وبنحوه يجاب عن الصحيح الآخر الوارد في المقام : « إذا أدركت الإمام قبل أن يركع الركعة الأخيرة فقد أدركت الصلاة ، وإن أدركته بعد ما ركع فهي أربع بمنزلة الظهر » (2). مع احتماله الحمل على أن المراد بعد الفراغ منه أي الرفع ، أو الفراغ من الركعة المعروفة التي إنما تتم بتمام السجدتين. وعلى المختار : المعتبر اجتماعهما في حدّ الراكع. وهل يقدح في ذلك أخذ الإمام في الرفع مع عدم مجاوزته حدّ الراكع ؟ فيه وجهان. وعن التذكرة : اعتباره ذكر المأموم قبل رفع الإمام رأسه (3) ؛ ومستنده غير واضح كما صرّح به جماعة (4) ، نعم قيل : في الاحتجاج عن الحميري ، عن مولانا الصاحب عليه السلام أنه : « إذا لحق مع الإمام من تسبيح الركوع تسبيحة واحدة اعتدّ بتلك الركعة » (5) ولا ريب أنه أحوط. 1 ـ السرائر 1 : 285 ، الذكرى : 275. 2 ـ الكافي 3 : 427 / 1 ، التهذيب 3 : 243 / 656 ، الاستبصار 1 : 421 / 1622 ، الوسائل 7 : 345 أبواب صلاة الجمعة ب 26 ح 3. 3 ـ التذكرة 1 : 148. 4 ـ منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 2 : 409 ، صاحب المدارك 4 : 20 ، السبزواري في الذخيرة : 311. 5 ـ الاحتجاج : 488 ، الوسائل 8 : 383 أبواب صلاة الجماعة ب 45 ح 5. |
|||
|