رياض المسائل ـ الجزء الثالث ::: 361 ـ 375
(361)
الجمعة في الغيبة بدون حضور الفقيه الجامع للشرائط ، وقد نبّه المصنف على ذلك في المختلف والشهيد في شرح الإرشاد. وما يوجد من إطلاق بعض العبارات بفعل الجمعة من غير تقييد ـ كما في عبارات هذا الكتاب ـ فللاعتماد فيه على ما تقرّر من المذهب وصار معلوماً ، بحيث صار التقييد به في كل عبارة ممّا يكاد يعدّ تسامحاً (1). انتهى.
    وحيث ثبت اشتراط الاذن مطلقاً قوي المنع ولو للفقيه ؛ لعدم دليل على الجواز أصلاً ، سوى ما سبق من عموم الأمر ، وضعفه قد ظهر ، والمعتبرة ، وهي غير واضحة الدلالة ، لاحتمال استناد الجواز فيها إلى إذن الإمام عليه السلام ، وهو يستلزم نصب نائب من باب المقدمة ، كما نبّه عليه الفاضل في النهاية فقال : لمّا أذن لزرارة وعبد الملك جاز ، لوجود المقتضي وهو إذن الإمام (2).
    أقول : مع احتمال اختصاص الإذن لهما بفعلهما مع العامة كما يفهم من المقنعة حيث قال : ويجب حضور الجمعة مع من وصفناه من الأئمة فرضاً ، ويستحب مع من خالفهم تقيةً وندباً روى هشام (3). ثمَّ نقل الصحيحة ، مؤذناً بفهمه منها اختصاص الرخصة بفعلها مع العامة.
    ويؤيد هذا عدم تمكن الأئمة عليهم السلام وأصحابهم يومئذ من إقامتها مطلقاً ، للتقية ، وإلّا لوجبت عليهم الإقامة عيناً ولو مرّة ، هذا.
    ولا ريب أنّ المنع أحوط بعد الإجماع منهم على الظاهر المصرّح به كما عرفت في كثير من العبائر على إجزاء الظهر ، لعدم وجوب الجمعة عيناً.
    ومرجعه إلى أنّ اشتغال الذمة بالعبادة يوم الجمعة يقيناً يستدعي البراءة
1 ـ راجع جامع المقاصد 2 : 379.
2 ـ نهاية الإِحكام 2 : 14.
3 ـ المقنعة : 164.


(362)
اليقينية ، وهي تحصل بالظهر ، للإجماع عليها دون الجمعة.
    ولعلّ هذا مراد من استدل على المنع عنها بأنّ الظهر ثابتة في الذمة بيقين فلا يبرأ المكلّف إلّا بفعلها.
    أو يكون المراد من ثبوتها في الذمة بيقين أنّ اللّه سبحانه ما أوجب الجمعة إلّا بعد مدّة مديدة من البعثة ، وكان الفريضة بالنسبة إلى جميع المكلّفين في تلك المدّة هو الظهر بالضرورة ، ثمَّ بعد تلك المدة تغيّر التكليف بالنسبة إلى بعض المكلّفين خاصة لا كلّية بالإجماع والضرورة والأخبار المتواترة ، فمن ثبت تغيّر حكمه فلا نزاع ، ومن لم يثبت فالأصل بقاء الظهر اليقينية بالنسبة إليه حتى يثبت خلافه ولم يثبت.
    ومرجعه إلى استصحاب الحكم السابق على زمان تشريع الجمعة ، وهو وجوب الظهر على جميع المكلّفين ، وبعد تشريعها لم يثبت نقض ذلك الحكم إلّا بالنسبة إلى بعضهم ، وكوننا منهم أوّل الدعوى لو لم نقل بكوننا غيرهم.
    وأمّا الاستدلال على الاستحباب بالاستصحاب بتخيّل أنّ الإجماع واقع من جميع أهل الإسلام على وجوب الجمعة في الجملة حال ظهور الإمام عليه السلام بالشرائط فيستصحب إلى زمان الغيبة.
    فمنظور فيه ، لمعارضته بإجماعهم على عدم الوجوب على من اختلّ فيه أحد الشرائط فيستصحب إلى زمان الغيبة. ودعوى اجتماع الشرائط في زمان الغيبة ممنوعة ، كيف لا وهو أوّل المسألة ، وليس قولك هذا أولى من قول من يدّعي عدم اجتماعها في زماننا ، بل هذا أولى ، لما مضى.
    مع أنّ الوجوب المجمع عليه حال الظهور هو العيني لا التخييري ، والاستصحاب لو سلّم يقتضي ثبوت الأوّل لا الثاني.
    ( السادسة : إذا حضر إمام الأصل مصراً لم يؤمّ غيره إلّا لعذر ) بلا


(363)
خلاف فيه بين علمائنا كما في المنتهى (1) ، وفي غيره بين المسلمين (2) ، وللنص : « إذا قدم الخليفة مصراً من الأمصار جمّع الناس ، ليس ذلك لأحد غيره » (3).
    وفي السرائر لأنه ليس للإمام أن يكلها إلى غيره في بلده مع القدرة والتمكن وسقوط الأعذار (4).
    ( السابعة : لو ركع ) المأموم ( مع الإمام في ) الركعة ( الْاُولى ومنعه الزحام عن السجود ) معه فيها ( لم يركع مع الإمام في ) الركعة ( الثانية ) بل يصبر إلى أن يسجد الإمام لها ( فإذا سجد الإمام سجد ) المأموم معه ( ونوى بهما ) أي بالسجدتين المدلول عليهما بالسجود كونهما منه ( ل‍ ) الركعة ( الْاُولى ) وصحّت جمعته إجماعاً ، كما في المعتبر والمنتهى والتنقيح والذكرى (5).
    ( ولو نوى بهما للأخيرة ) أو أهمل ( بطلت الصلاة ) وفاقاً للنهاية والحلّي وجماعة (6).
    أمّا على الأول فلأنه إن اكتفى بهما للْأُولى وأتى بالركعة الثانية تامة خالف النية ، وإنما الأعمال بالنيات ، وإن ألغاهما وأتى بسجدتين أُخريين للْأُولى ثمَّ أتى بالركعة الثانية زاد في الصلاة ركناً ، وإن اكتفى بهما ولم يأت بعدهما إلّا بالتشهد والتسليم نقص من الركعة الْاُولى السجدتين ومن الثانية ما قبلهما.
1 ـ المنتهى 1 : 324.
2 ـ انظر كشف اللثام 1 : 245.
3 ـ التهذيب 3 : 23 / 81 ، الوسائل 7 : 339 أبواب صلاة الجمعة ب 20 ح 1.
4 ـ السرائر 1 : 291.
5 ـ المعتبر 2 : 299 ، المنتهى 1 : 333 ، التنقيح الرائع 1 : 232 ، الذكرى : 234.
6 ـ النهاية : 107 ، الحلّي في السرائر 1 : 300 ؛ وانظر الذكرى : 234 ، والتنقيح الرائع 1 : 232.


(364)
    وأمّا على الثاني فلأن متابعة الإمام تصرفهما إلى الثانية ما لم ينوهما للأولى.
    ( وقيل ) في الأوّل ، والقائل المرتضى في المصباح والشيخ في المبسوط والخلاف وغيرهما (1) : لا تبطل بل ( يحذفهما ويسجد ) أُخريين ( ل‍ ) الركعة ( الْاُولى ) للنص : « وإن كان لم ينو السجدتين للركعة الْاُولى لم تجز عنه الْاُولى ولا الثانية ، وعليه أن يسجد سجدتين وينوي أنهما للركعة الْاُولى وعليه بعد ذلك ركعة تامة » (2).
    وللإجماع على ما في الخلاف. وفيه وهن ؛ لمكان الخلاف ، وندرة القائل به.
    وفي الأوّل قصور من حيث السند ، بل والدلالة أيضاً كما صرّح به جماعة (3) ؛ وذلك لجواز أن يكون قوله عليه السلام : « وعليه أن يسجد » إلى آخره مستأنفاً بمعنى أنه كان عليه أن ينويهما للْأُولى ، فإذا لم ينوهما لها بطلت صلاته.
    وفي الذكرى : ليس ببعيد العمل بهذه الرواية ، لاشتهارها بين الأصحاب ، وعدم وجود ما ينافيها. وزيادة سجدة مغتفرة في المأموم كما لو سجد قبل إمامه ، وهذا التخصيص يخرج الروايات الدالة على الإبطال عن الدلالة. وأمّا ضعف الراوي فلا يضرّ مع الاشتهار ، على أنّ الشيخ قال في الفهرست : إنّ كتاب حفص يعتمد عليه (4).
1 ـ تقله عن المصباح في المعتبر 2 : 299 ، الميسوط 1 : 145 ، الخلاف 1 : 603 ؛ وانظر الجامع للشرائع : 95.
2 ـ الكافي 3 : 429 / 9 ، الفقيه 1 : 270 / 1235 ، التهذيب 3 : 21 / 78 ، الوسائل 7 : 335 أبواب صلاة الجمعة ب 17 ح 2.
3 ـ منهم الفاضل المقداد في التنقيح 1 : 232 ، وصلحب الحدائق 10 : 117.
4 ـ الذكرى : 235.


(365)
    وفيه ـ بعد تسليم دعواه الشهرة مع أنها على الخلاف ظاهرة ـ أنّ الجبر بها فرع وضوح الدلالة مع أنها كما عرفت غير واضحة ، ومع ذلك المنافي لها موجود كما يفهم من المبسوط حيث قال : إنّ على البطلان رواية (1). وهذه أظهر رجحانا من تلك وإن كانت مرسلة ؛ لانجبارها بالأخبار الدالّة على الإبطال بالزيادة في الفريضة المعتضدة بعد العمل بالقاعدة الاعتبارية.
    وخالف الحلّي وجماعة (2) في الثاني فقالوا بالصحة ؛ لأنّ أجزاء الصلاة لا تفتقر إلى نية بل هي على ما افتتحت عليه ما لم يحدث نية مخالفة ، فهما على هذا تنصرفان إلى الْاُولى.
    وفي المنتهى : إنه ليس بجيّد ؛ لأنه تابع لغيره ، فلا بدّ من نية تخرجه عن المتابعة في كونهما للثانية ، وما ذكره من عدم افتقار الأبعاض إلى نية إنما هو إذا لم يقم الموجب ، أمّا مع قيامه فلا (3).
    ويضعّف : بأن وجوب المتابعة له لا يصيّر المنوي له منوياً للمأموم ولا يصرف فعله عمّا في ذمته ، والأصل في صلاته الصحة ، وما ذكره لا يصح سبباً للبطلان.
    واعلم أنّ ما مرّ إنما هو إذا لم يتمكن المأموم من السجود قبل ركوع الإمام في الثانية ، وإلّا سجد ثمَّ نهض وركع مع الإمام بلا خلاف أجده ، وبه صرّح في المنتهى (4) ، بل قيل : اتفاقاً (5).
    قيل : ولا يقدح ذلك في صلاته ؛ للحاجة والضرورة ، ومثله وقت في صلاة
1 ـ المبسوط 1 : 145.
2 ـ الحلّي في السرائر 1 : 300 ؛ وانظر الجنان : 298 ، جامع المقاصد 2 : 430.
3 ـ المنتهى 1 : 334.
4 ـ المنتهى 1 : 333.
5 ـ انظر كشف اللثام 1 : 256.


(366)
عُسْفان حيث سجد النبي صلّى اللّه عليه وآله وبقي صفّ لم يسجد ، والمشترك الحاجة (1).
1 ـ جامع المقاصد 2 : 429 ؛ وانظر سنن ابي داوود 2 : 11 / 1236 ، سنن البيهقي 3 : 257.

(367)
    ( وسنن الجمعة ) أُمور :
    منها : الغسل ، وقد مرّ.
    و منها ( التنفل بعشرين ركعة ) زيادة عن كل يوم بأربع ركعات على الأشهر فتوىً وروايةً.
    خلافاًًًً للمحكي عن الإسكافي ، فزاد ركعتين نافلة العصر (1) ؛ للصحيح الآتي. وفيه : أنهما بعد العصر.
    وعن الصدوقين ، فكسائر الأيام إذا قدّمت النوافل على الزوال أو أُخّرت عن المكتوبة (2).
    وفي الصحيح : عن صلاة النافلة يوم الجمعة ، فقال : « ست عشرة ركعة قبل العصر ، وكان علي عليه السلام يقول : ما زاد فهو خير » وقال : « إن شاء رجل أن يجعل منها ست ركعات في صدر النهار ، وست ركعات في نصف النهار ، ويصلّي الظهر ويصلّي معها أربعة ثمَّ يصلّي العصر » (3).
    وفي آخر : « النافلة يوم الجمعة ست ركعات قبل زوال الشمس ، وركعتان عند زوالها ، وبعد الفريضة ثماني ركعات » (4).
    وظاهر النص والفتوى عموم استحباب العشرين لمن يصلّي الجمعة أو الظهر. وعن نهاية الإحكام ما يشعر باختصاصه بالأول فإنه قال : والسرّ فيه أن‏
1 ـ نقله عنه في المختلف : 110.
2 ـ نقله عن والد الصدوق في المختلف : 110 ، الصدوق في المقنع : 45.
3 ـ التهذيب 3 : 245 / 667 ، الاستبصار 1 : 413 / 1580 ، الوسائل 7 : 323 أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 7.
4 ـ التهذيب 3 : 11 / 37 ، الاستبصار 1 : 410 / 1568 ، الوسائل 7 : 324 أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 9.


(368)
الساقطة ركعتان فيستحب الإتيان ببدلهما ، والنافلة الراتبة ضعف الفريضة (1). و فيه نظر.
    وفي الرضوي : « إنما زيد في صلاة السنّة يوم الجمعة أربع ركعات تعظيماً لذلك اليوم وتفرقةً بينه وبين سائر الأيام » (2).
    وينبغي فعل العشرين كلّها قبل الزوال وفاقاً للأكثر كما قيل (3) ؛ لتظافر الأخبار بإيقاع فرض الظهر فيه أول الزوال والجمع فيه بين الفرضين ونفي التنفل بعد العصر (4).
    والصحيح : عن النافلة التي تصلّى يوم الجمعة ، قبل الجمعة أفضل أو بعدها ؟ قال : « قبل الصلاة » (5).
    والخبر : « إذا زالت الشمس يوم الجمعة فلا نافلة » (6).
    وفي المنتهى : ولأنّ وقت النوافل يوم الجمعة قبل الزوال إجماعاً ، إذ يجوز فعلها فيه ، وفي غيره لا يجوز ، وتقديم الطاعة أولى من تأخيرها (7).
    خلافاًًًً لوالد الصدوق فتأخيرها عن الفريضة أفضل (8) ، للخبرين (9).
1 ـ نهاية الإِحكام 2 : 52.
2 ـ علل الشرائع 266 ، عيون الأخبار 2 : 111 ، الوسائل 7 : 322 أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 1.
3 ـ كشف اللثام 1 : 257.
4 ـ الوسائل 7 أبواب صلاة الجمعة ب 8 ، 9 ، وج 4 : 234 أبواب المواقيت ب 38.
5 ـ التهذيب 3 : 12 / 38 ، الاستبصار 1 : 411 / 1570 ، الوسائل 7 : 322 أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 3.
6 ـ أمالي الطوسي : 705 ، الوسائل 7 : 329 أبواب صلاة الجمعة ب 13 ح 5.
7 ـ المنتهى 1 : 337.
8 ـ نقله عنه في المختلف : 110.
9 ـ الأول :
    التهذيب 3 : 14 / 48 ، الاستبصار 1 : 411 / 1573 ، الوسائل 7 : 328 أبواب صلاة الجمعة ب 13 ح 1.


(369)
    وحُملا على ما إذا زالت الشمس ولم يتنفل.
    ويستحب التفريق بأن يصلّي ( ستّ عند انبساط الشمس ، وستّ عند ارتفاعها ، وستّ قبل الزوال ، وركعتان عنده ) قبل تحقّقه ، وفاقاً للأكثر كما قاله بعض الأفاضل ، مستدلّاً عليه بالصحيح : عن الصلاة يوم الجمعة كم هي من ركعة قبل الزوال ؟ قال : « ستّ ركعات بكرة ، وستّ بعد ذلك اثنتا عشرة ركعة ، وستّ ركعات بعد ذلك ثماني عشرة ركعة ، وركعتان بعد الزوال ، فهذه عشرون ركعة ، وركعتان بعد العصر فهذه ثنتان وعشرون ركعة » (1).
    قال : فإن البكرة وإن كانت أول اليوم من الفجر إلى طلوع الشمس أو يعمه ، لكن كراهية التنفل بينهما وعند طلوع الشمس دَعَتهم إلى تفسيرها بالانبساط.
    وفي الخبر : « أمّا أنا فإذا كان يوم الجمعة وكانت الشمس من المشرق مقدارها من المغرب في وقت العصر صلّيت ستّ ركعات » (2).
    وفي آخر مروي في السرائر : « فافعل ستّاً بعد طلوع الشمس » (3).
    ولمّا كره التنفل بعد العصر وتظافرت الأخبار بأن وقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر في غيره (4) ، وروي أن الأذان الثالث فيه بدعة (5) ، وكان التنفل قبلها
    الثاني :
    التهذيب 3 : 246 / 670 ، الاستبصار 1 : 411 / 1572 ، الوسائل 7 : 328 أبواب صلاة الجمعة ب 13 ح 3.
1 ـ التهذيب 3 : 246 / 669 ، الاستبصار 1 : 411 / 1571 ، مصباح المتهجد : 309 ، الوسائل 7 : 323 أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 5.
2 ـ الكافي 3 : 428 / 2 ، التهذيب 3 : 11 / 35 ، الاستبصار1 : 410 / 1566 ، الوسائل 7 : 325 أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 12.
3 ـ مستطرفات السرائر : 71 / 1 ، الوسائل 7 : 236 أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 18.
4 ـ الوسائل 7 : 315 أبواب صلاة الجمعة ب 8.
5 ـ الكافي 3 : 421 / 5 ، التهذيب 3 : 19 / 67 ، الوسائل 7 : 400 أبواب صلاة الجمعة ب 49


(370)
يؤدي إلى انفضاض الجمعة رجّحوا هذا الخبر على الصحاح وغيرها المتضمنة للتنفل بست ركعات منها بين الصلاتين أو بعدهما ؛ ولمّا تظافرت الأخبار بأنّ وقت الفريضة يوم الجمعة أول الزوال وأنه لا نافلة قبلها بعد الزوال لزمنا أن نحمل « بعد الزوال » في الخبر على احتماله كما في الخبر : « إذا كنت شاكّاً في الزوال فصلّ الركعتين ، فإذا استيقنت الزوال فصلّ الفريضة » (1).
    وفي الصحيح : عن ركعتي الزوال يوم الجمعة ، قبل الأذان أو بعده ؟ فقال : « قبل الأذان » (2).
    وفي الرضوي المروي في السرائر عن كتاب البزنطي : « إذا قامت الشمس فصلّ ركعتين ، فإذا زالت فصلّ الفريضة ساعة تزول » (3).
    والصادقي المروي فيه عن كتاب حريز : « وركعتين قبل الزوال » (4). انتهى (5).
    وفي بعض ما ذكره من المقدّمات لتصحيح الاستدلال بالصحيح إشكال ، كدعواه الأكثرية على تقديم الركعتين على الزوال فإنه خيرة العماني خاصة (6) كما يظهر من جماعة (7) مدّعين على استحباب تأخيرها عنه‏
ح 1 ، 2.
1 ـ التهذيب 3 : 12 / 39 ، الاستبصار 1 : 412 / 1574 ، الوسائل 7 : 324 أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 11.
2 ـ التهذيب 3 : 247 / 677 ، الوسائل 7 : 322 أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 2.
3 ـ مستطرفات السرائر : 54 / 6 ، قرب الإسناد : 214 / 840 ، الوسائل 7 : 326 أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 16.
4 ـ مستطرفات السرائر : 71 / 1 ، الوسائل 7 : 326 أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 18.
5 ـ كشف اللثام 1 : 257.
6 ـ نقله عنه في المختلف : 111.
7 ـ كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 2 : 435 ، وصاحب الذخيرة : 317.


(371)
الشهرة ، والصحيحة المتقدمة بذلك صريحة ، لكن الأدلة التي ذكرها أقوى منها ، فما ذكره من استحباب التقديم لا يخلو عن قوة ، مع أن المقام مقام استحباب ، فلا مشاحّة في اختلاف الروايات فيها ، فإنّ العمل بكلّ منها حسن إن شاء اللّه تعالى.
    ( و ) منها : ( حلق الرأس ) لمن اعتاده ( وقصّ الأظفار ) أو حكّها إن قصّت في الخميس ( والأخذ من الشارب ).
    ( ومباكرة المسجد ) والمبادرة إليه ، وأن يكون ( على سكينة ووقار ) والمراد بهما إمّا واحد وهو التأنّي في الحركة والمشي ، أو المراد بأحدهما الاطمئنان ظاهرا وبالآخر قلباً ، أو التذلّل ظاهراً وباطناً ، كلّ ذلك إما عند إتيان المسجد أو في اليوم كما في بعض النصوص.
    وأن يكون ( متطيّباً لابسا أفضل ثيابه ) وأنظفها ( والدعاء ) بالمأثور ، قيل : وغيره (1) ( أمام التوجه ) إلى المسجد.
    كلّ ذلك للنصوص المستفيضة (2) ، عدا حلق الرأس فلم أجد به رواية عدا ما قيل من أنه ورد في بعض الأخبار أن مولانا الصادق عليه السلام كان يحلق رأسه في كل جمعة (3). ويمكن إدخاله فيما ورد من الأمر بالتزين يوم الجمعة (4).
    ( ويستحب الجهر ) بالقراءة في الفريضة ( جمعة ) كانت أ ( وظهراً )
1 ـ كشف اللثام 1 : 258.
2 ـ الوسائل 7 : أبواب صلاة الجمعة الأبواب 33 ، 37 ، 47.
3 ـ الكافي 6 : 485 / 7 ، الفقيه 1 : 71 / 286 ، الوسائل 2 : 107 أبواب آداب الحمام ب 60 ح 7 وفيها : « إني لأحلق كل جمعة فيما بين الطلية إلى الطلية ».
4 ـ الوسائل 7 : 395 أبواب صلاة الجمعة ب 47.


(372)
بلا خلاف في الأول ، بل عليه الإجماع في كلام جماعة مستفيضاً (1) ، وعلى الأشهر الأقوى في الثاني أيضاً ، بل عليه الإجماع في الخلاف (2) ؛ للصحاح وغيرها (3).
    وقيل بالمنع مطلقاً ؛ للصحيحين (4). وحملا على التقية كما يشعر به بعض تلك الصحاح : « صلّوا في السفر الجمعة جماعة بغير خطبة واجهروا بالقراءة » فقلت : إنه ينكر علينا الجهر بها في السفر ، قال : « اجهروا بها » (5).
    هذا مع أن القائل بهذا القول بعدُ لم يظهر ، نعم حكاه الماتن في المعتبر قائلاً أنه الأشبه بالمذهب (6). واستقر به بعض من تأخر (7).
    ووافقه الحلّي فيما إذا صلّيت فرادى واستحب الجهر إذا صلّيت جماعة (8) ؛ للصحيح المروي عن قرب الإسناد : عن رجل صلّى العيدين وحده والجمعة هل يجهر فيها ؟ قال : « لا يجهر إلّا الإمام » (9).
1 ـ منهم العلّامة في نهاية الإِحكام 2 : 49 ، والتذكرة 1 : 155 ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2 : 424.
2 ـ الخلاف 1 : 632.
3 ـ الوسائل 6 : 160 أبواب القراءة في الصلاة ب 73.
4 ـ الأول :
    التهذيب 3 : 15 / 54 ، الوسائل 6 : 162 أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 9.
    الثاني :
    التهذيب 3 : 15 / 53 ، الوسائل 6 : 161 أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 8.
5 ـ التهذيب 3 : 15 / 51 ، الاستبصار 1 : 416 / 1595 ، الوسائل 6 : 161 أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 6.
6 ـ المعتبر 2 : 304.
7 ـ وهو الشهيد في الذكرى : 193. ( منه رحمه الله )
8 ـ راجع السرائر 1 : 298.
9 ـ قرب الإسناد : 215 / 842 ، الوسائل 6 : 162 أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 10.


(373)
    قيل : ورواه المرتضى (1).
    ويدفعه الصحيحان ، في أحدهما : عن القراءة في الجمعة إذا صليت وحدي أربعا أجهر بالقراءة ؟ فقال : « نعم » (2).
    وقريب منه الثاني (3). وإطلاق ما عدا الصحيح الماضي.
    ( وأن يصلّي في المسجد ولو كانت ) صلاته تلك ( ظهراً ) قيل :
للعمومات (4) ، وللنص : إنّ أبا جعفر عليه السلام كان يبكّر إلى المسجد حين تكون الشمس قدر رمح ، فإذا كان شهر رمضان يبكّر قبل ذلك وكان يقول : « إنّ لجُمع شهر رمضان على جمع سائر الشهور فضلاً كفضل رمضان على سائر الشهور » (5) فتدبر.
    ( وأن يقدّم المصلّي ظهره إذا لم يكن الإمام ) الذي يريد صلاة الجمعة معه عادلاً ( مرضياً ) كما في الحسن : قلت لأبي جعفر عليه السلام : كيف تصنع يوم الجمعة ؟ قال : « كيف تصنع أنت ؟ » قلت : أصلّي في منزلي ثمَّ أخرج فأُصلّي معهم ، قال : « كذلك أصنع أنا » (6).
    ( ولو صلّى معه ركعتين وأتمّهما ) ظهراً ( بعد تسليم الإمام جاز ) للمعتبرة ، منها الصحيح : قلت لأبي جعفر عليه السلام : إنّ أُناساً رووا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه صلّى أربع ركعات بعد الجمعة ولم يفصل بينهنّ‏
1 ـ قال به الحلّي في السرائر 1 : 298.
2 ـ الكافي 3 : 425 / 5 ، التهذيب 3 : 14 / 49 ، الوسائل 6 : 160 أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 3.
3 ـ التهذيب 3 : 14 / 50 بتفاوت ، الوسائل 6 : 160 أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 1.
4 ـ كما في كشف اللثام 1 : 258.
5 ـ الكافي 3 : 429 / 8 ، التهذيب 3 : 244 / 660 ، الوسائل 7 : 348 أبواب صلاة الجمعة ب 27 ح 2 بتفاوت.
6 ـ التهذيب 3 : 246 / 671 ، الوسائل 7 : 350 أبواب صلاة الجمعة ب 29 ح 3.


(374)
بتسليم ، فقال : « يا زرارة إنه صلّى خلف فاسق فلمّا سلّم وانصرف قام أمير المؤمنين عليه السلام فصلّى أربع ركعات لم يفصل بينهنّ بتسليم ، فقال له رجل إلى جنبه : يا أبا الحسن صلّيت أربع ركعات لم تفصل بينهن بتسليم ، قال : إنها أربع ركعات مشتبهات ، فسكت ، فو اللّه ما عقل ما قال له » (1).
    والموثق كالصحيح : « إذا صلّوا الجمعة في وقت فصلّوا معهم ولا تقومنّ من مقعدك حتى تصلّي ركعتين أُخريين » قلت : فأكون قد صلّيت أربعا لنفسي لم أقتد به ؟ فقال : « نعم » (2).
1 ـ الكافي 3 : 374 / 6 ، التهذيب 3 : 266 / 756 ، الوسائل 7 : 350 أبواب صلاة الجمعة ب 29 ح 4.
2 ـ التهذيب 3 : 28 / 96 ، الوسائل7 : 349 أبواب صلاة الجمعة ب 29 ح 1.


(375)
أي عيدي الفطر والأضحى.
    ( وهي واجبة جماعة ) بإجماعنا ، والمستفيض بل المتواتر من أخبارنا ، وإنما تجب ( بشروط الجمعة ) المتقدمة بلا خلاف أجده فيما عدا الخطبة ، بل بالإجماع عليه صرّح جماعة كالمرتضى في الانتصار والناصرية ، والشيخ في الخلاف ، والفاضل في المنتهى ، والمحقّق الثاني في شرح القواعد ، والفاضل المقداد في شرح الكتاب (1) ، لكنه والمنتهى عبّرا فيما عدا العدد بلا خلاف ، إلّا أنّ الظاهر أنّ مرادهما به الإجماع كما حكي أيضاً عن الفاضلين في المعتبر والنهاية والتذكرة (2). وهو الحجّة.
    مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة القريبة من التواتر ، بل المتواترة في اعتبار الإمام والجماعة (3) ، وجملة منها وإن نكّرت الإمام وقابلت الجماعة بالوحدة بحيث يستشعر منها كون المراد من الإمام فيها مطلق إمام الجماعة ، لكن‏
1 ـ الانتصار : 56 ، الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : 203 ، الخلاف 1 : 651 ، المنتهى 1 : 342 ، جامع المقاصد 2 : 440 ، التنقيح الرائع 1 : 234.
2 ـ المعتبر 2 : 308 ، نهاية الإِحكام 2 : 55 ، التذكرة 1 : 157.
3 ـ الوسائل 7 : 421 أبواب صلاة العيد ب 2.
رياض المسائل ـ الجزء الثالث ::: فهرس