رياض المسائل ـ الجزء الثالث ::: 376 ـ 390
(376)
جملة أُخرى منها عرّفته باللام ، فيظهر أنّ المقصود من التنكير ليس ما ذكر وإلّا لما عُرّف ، وحينئذ فيحمل على ما هو عند الإطلاق والتجرد عن القرينة متبادر.
    ومقابلة الوحدة بالجماعة ليس فيها ذلك الإشعار المعتدّ به ، سيّما على القول بمنع الجماعة فيها مع فقد الشرائط ، مع أنه على تقدير تسليمه معارض بظاهر الموثق ، بل صريحه : قلت له : متى يذبح ؟ قال : « إذا انصرف الإمام » قلت : فإن كنت في أرض ليس فيها إمام فأُصلّي بهم جماعة ، فقال : « إذا استقلّت الشمس » وقال : « لا بأس أن تصلّي وحدك ، ولا صلاة إلّا مع إمام » (1) فتدبّر.
    هذا مضافاً إلى بعض ما مرّ في اشتراط هذا الشرط في بحث الجمعة من القاعدة وعبارة الصحيفة السجادية (2).
    ويدل على اعتبار العدد مضافاً إلى الإجماع الظاهر المصرّح به هنا على الخصوص في الخلاف والمنتهى وغيرهما (3) الصحيح : في صلاة العيدين « إذا كان القوم خمسة أو سبعة فإنّهم يجمعون الصلاة كما يصنعون يوم الجمعة » (4).
    وظاهره الاكتفاء بالخمسة. خلافاًًًً للعماني فاشترط السبعة مع اكتفائه بالخمسة في الجمعة (5) ، والظاهر أنه رواه كما يظهر من عبارته المحكية (6).
    ولم أرَ ما يدل على اعتبار الوحدة عدا الإجماع وتوقيفية العبادة المؤيدين‏
1 ـ التهذيب 3 : 287 / 861 ، الوسائل 7 : 422 أبواب صلاة العيد ب 2 ح 6.
2 ـ راجع ص : 316 ، 317.
3 ـ الخلاف 1 : 664 ، المنتهى 1 : 342 ؛ وانظر الحدائق 10 : 207.
4 ـ الفقيه 1 : 331 / 1489 ، الوسائل 7 : 482 أبواب صلاة العيد ب 39 ح 1.
5 ـ نقله عنه في المختلف : 111.
6 ـ وهي هذه : ولو كان إلى القياس لكان جميعاً سواء لكنه تعبّد من الخالق سبحانه. منه رحمه الله.


(377)
بظاهر الصحيح : « قال الناس لأمير المؤمنين عليه السلام : ألا تخلف رجلاً يصلّي العيدين ؟ قال : لا أُخالف السنّة » (1).
    وأظهر منه المروي عن دعائم الإسلام وفيه : قيل له : يا أمير المؤمنين لو أمرت من يصلّي بضعفاء الناس يوم العيد في المسجد ، قال : « أكره أن أستنّ سنّة لم يستنّها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله » (2).
    ونحوه المروي في البحار ، عن كتاب عاصم بن حميد ، عن محمّد بن مسلم ، عن مولانا الصادق عليه السلام (3).
    وعن كتاب المحاسن عن رفاعة عنه (4).
    وفي هذه الأخبار دلالة واضحة على كون صلاة العيدين منصب الإمام ، لمكان استيذان الناس منه نصب إمام لها ، وعلى ما ذكرنا فلا وجه للتوقف في اعتبار هذا الشرط كما يحكى عن الفاضل في التذكرة والنهاية (5) ، ولا في اعتبار الشرط الأوّل كما اتّفق لجماعة من متأخري المتأخرين ومنهم خالي العلّامة المجلسي (6) طاب رمسه.
    وأما الخطبتان فظاهر العبارة كغيرها اشتراطهما ، وفاقاً لصريح المبسوط وجماعة (7) ، بل قيل : إنه خيرة الأكثر (8) ، وظاهر الخلاف دعوى الإجماع عليه ،
1 ـ التهذيب 3 : 137 / 302 ، الوسائل 7 : 451 أبواب صلاة العيد ب 17 ح 9.
2 ـ دعائم الإسلام 1 : 185 ، المستدرك 6 : 133 أبواب صلاة العيد ب 14 ح 2.
3 ـ بحار الأنوار 87 : 373 / 26 ، المستدرك 6 : 134 أبواب صلاة العيد ب 14 ح 6.
4 ـ المحاسن : 222 / 136 ، بحار الأنوار 87 : 356 / 6.
5 ـ التذكرة 1 : 157 ، نهاية الإِحكام 2 : 56.
6 ـ منهم : صاحب المدارك 4 : 94 ، والفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 28 ، والعلّامة المجلسي في بحار الأنوار 87 : 355.
7 ـ المبسوط 1 : 169 ؛ وانظر الجامع للشرائع : 106 ، والمنتهى 1 : 345.
8 ـ قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 259.


(378)
حيث ادّعاه على اشتراط وجوب العيدين بشرائط الجمعة ولم يستثن الخطبة (1).
    وعن القاضي أنهما واجبتان عندنا (2) ، مشعراً بدعوى الإجماع.
    ولعلّه الأقوى ؛ له ، ولصريح الرضوي : « صلاة العيد مع الإمام فريضة ولا تكون إلّا بإمام وخطبة » (3).
    مع أنه المعهود من فعلهم والمأثور من أوامرهم. وذكرهم الخطبتين في بيان كيفية الصلاة أيضاً ظاهر في ذلك ، إذ قضية الذكر في بيان كيفية الواجب الوجوب في جميع ما اشتملت عليه الكيفية إلّا ما أخرجه الدليل.
    خلافاًًًً للمحكي عن النزهة والمعتبر (4) ، فاستحبّاهما ، وادّعى الأخير الإجماع عليه ، ونسبه في الدروس والذكرى إلى المشهور (5). وهو غريب ؛ فإنّا لم نقف على مصرّح بالاستحباب عداهما وإن تبعهما من متأخري المتأخرين جماعة (6) ، للأصل. ويدفع بما مرّ.
    ولأن الخطبتين متأخرتان عن الصلاة ، ولا يجب استماعهما ، إجماعاً في المقامين كما حكاه جماعة (7) ، ودلّ على الأوّل منهما المعتبرة المستفيضة (8).
و يدفع بمنع الملازمة ، ألا ترى أنّ جمعاً من الأصحاب قالوا بعدم وجوب‏
1 ـ الخلاف 1 : 651.
2 ـ شرح جمل العلم والعمل : 133.
3 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 131 ، المستدرك 6 : 122 أبواب صلاة العيد ب 2 ح 1 بتفاوت يسير.
4 ـ نزهة الناظر : 41 ، المعتبر : 324.
5 ـ الدروس 1 : 193 ، الذكرى : 240.
6 ـ منهم : المحقق الثاني في جامع المقاصد 2 : 453 ، والشهيد الثاني في المسالك 1 : 36 ، وصاحب المدارك 4 : 96.
7 ـ منهم : العلّامة في التحرير 1 : 46 ، وصاحب المدارك 4 : 96 ، وصاحب مفاتيح الشرائع 1 : 28.
8 ـ الوسائل 7 : 440 أبواب صلاة العيد ب 11.


(379)
استماع خطبة الجمعة مع أن اشتراطها فيها مجمع عليه بلا شبهة.
    واختار الفاضل الوجوب دون الشرطية (1) ؛ للأمر به في بعض النصوص ولو في ضمن الجملة الخبرية ، مع عدم ما يدلّ على الشرطية ، فتكون بالأصل مدفوعة. والمناقشة فيه بعد ما عرفت واضحة.
    ويدخل في شروط الجمعة ما يتعلّق منها بالمكلّفين بها ، فلا تجب هذه الصلاة إلّا على من تجب عليه الجمعة ، ولا خلاف فيه بينهم أجده ، وبه صرّح في الذخيرة حاكياً هو كغيره التصريح بالإجماع عليه عن التذكرة ، وفي المنتهى لا نعرف فيه خلافاًًًً (2).
    والمعتبرة من الصحاح وغيرها به في المسافر والمريض والمرأة مستفيضة (3) ، ويلحق الباقي بعدم القائل بالفرق بينه وبينهم بين الطائفة ، مضافاً إلى الرضوي المصرّح بأنها مثل صلاة الجمعة واجبة إلّا على خمسة : المريض والمملوك والصبي والمسافر والمرأة (4). وهو ظاهر بل نصّ في المطلوب بتمامه وإن أوهم في بادئ النظر من حيث مفهوم العدد خلافه ، فإنه كبعض الصحاح المتقدمة في الجمعة يجري فيه التوجيه لإدراج من عدا الخمسة فيهم بنحو ما مرّ فيه الإشارة (5).
    ( و ) هي ( مندوبة مع عدمها ) أي تلك الشروط أو بعضها أو فوتها مع اجتماعها وبقاء وقتها ( جماعة وفرادى ) على الأشهر ، بل عليه عامة من تأخر ، وفي ظاهر كلام الحلّي والقطب الراوندي (6) دعوى الإجماع على جواز فعلها
1 ـ المنتهى 1 : 345.
2 ـ الذخيرة : 319 ، التذكرة 1 : 157 ، المنتهى 1 : 342.
3 ـ الوسائل 7 : أبواب صلاة العيد الأبواب 3 ، 8 ، 28.
4 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 132 ، المستدرك 6 : 124 أبواب صلاة العيدب 5 ح 2.
5 ـ راجع ص 341 ـ 343.
6 ـ الحلّي في السرائر 1 : 316 ، ونقله عن القطب الراوندي في المختلف : 113.


(380)
جماعة ـ كما سيظهر ـ ففرادى أولى ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى النصوص المستفيضة الآتي إلى جملة منها الإشارة.
    خلافاًًًً للعماني والمقنع (1) ، فمنعا عنها مطلقاً ؛ للنصوص المتقدمة المتضمنة لأنه لا صلاة إلّا مع إمام (2) ، وخصوص بعضها : أرأيت إن كان مريضاً لا يستطيع أن يخرج أيصلي في بيته ؟ قال : « لا » (3).
    وهي محمولة على أنه لا صلاة واجبة إلّا معه ، ألا ترى إلى الموثق : « لا صلاة في العيدين إلّا مع إمام ، وإن صلّيت وحدك فلا بأس » (4) ونحوه آخر (5).
    وللحلبي فمنع عنها جماعة خاصة (6) ، كما هو ظاهر المحكي عن المقنعة والتهذيب والمبسوط والناصرية وجمل العلم والعمل والاقتصاد والمصباح ومختصره والجمل والعقود والخلاف (7) ، وقوّاه من فضلاء المعاصرين جماعة (8) ، لظاهر الموثقين وسيّما ثانيهما ، حيث إنه بعد ما سئل فيه عن فعلها
1 ـ نقله عن العماني في المختلف : 113 ، المقنع : 46.
2 ـ راجع ص 375.
3 ـ الفقيه 1 : 321 / 1464 ، التهذيب 3 : 288 / 864 ، الاستبصار 1 : 445 / 1721 ، الوسائل 7 : 422 أبواب صلاة العيد ب 2 ح 8.
4 ـ الفقيه 1 : 320 / 1459 ، التهذيب 3 : 135 / 293 ، الاستبصار 1 : 445 / 1719 ، ثواب الأعمال : 78 ، الوسائل 7 : 421 أبواب صلاة العيد ب 2 ح 5.
5 ـ التهذيب 3 : 287 / 861 ، الوسائل 7 : 422 أبواب صلاة العيد ب 2 ح 6.
6 ـ الكافي في الفقه : 154.
7 ـ المقنعة : 194 ، التهذيب 3 : 135 ، المبسوط 1 : 171 ، الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : 203 ، جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى 3 ) : 44 ، الاقتصاد : 270 ، المصباح : 598 ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 193 ، الخلاف 1 : 666.
8 ـ منهم : صاحب الحدائق 10 : 206 ، والوحيد البهبهاني في مصابيح الظلام على ما نقل عنه في مفتاح الكرامة 3 : 196.


(381)
جماعة حيث لم يكن إمام الأصل ، لم يُجب بنعم ، بل أجاب ببيان وقت الذبح ثمَّ أردفه بقوله : « وإن صلّيت وحدك » إلى آخره.
    وقريب منهما الصحيح : « من لم يشهد جماعة الناس في العيدين فليغتسل وليتطيب بما وجد ، وليصلّ في بيته وحده كما يصلّي في جماعة » (1).
    مضافاً إلى ورود النهي في الموثق عن إمامة الرجل بأهله في صلاة العيدين في السطح أو بيت (2) ، ولا قائل بالفرق.
    مع سلامته كسابقه عمّا يصلح للمعارضة ، عدا مرسلة كالموثقة : « صلّهما ركعتين في جماعة وغير جماعة » (3) ونحوها رواية أُخرى مروية عن كتاب الإقبال مسندة (4).
    وهما بعد الإغماض عن سندهما غير واضحتي الدلالة بعد قرب احتمال كون المراد بهما بيان أن صلاة العيدين ركعتان مطلقاً ، صلّيت وجوبا في جماعة أو ندباً في غيرها ، ردّاً على من قال بالأربع ركعات متى فاتت الصلاة مع الإمام.
    مع أنّ التخيير المستفاد من إطلاقهما ـ لو لم نقل بأن المراد بهما هذا ـ مخالف للإجماع ؛ لانعقاده على اختصاصه على تقديره بصورة فقد الشرائط وإلّا فمع اجتماعها تجب جماعةً إجماعاً ، فلا بدّ فيه من مخالفة للظاهر ، وهي كما يحتمل أن يكون ما ذكر كذا يحتمل أن يكون ما ذكرنا. بل لعلّه أولى ؛ للنصوص المتقدمة التي هي في الدلالة على اعتبار الانفراد ظاهرة ، وعلى تقدير
1 ـ الفقيه 1 : 320 / 1463 ، التهذيب 3 : 136 / 297 ، الاستبصار 1 : 444 / 1716 ، الوسائل 7 : 424 أبواب صلاة العيد ب 3 ح 1.
2 ـ التهذيب 3 : 289 / 872 ، الوسائل 7 : 471 أبواب صلاة العيد ب 28 ح 2.
3 ـ الفقيه 1 : 320 / 1461 ، التهذيب 3 : 135 / 294 ، الاستبصار 1 : 446 / 1724 ، الوسائل 7 : 426 أبواب صلاة العيد ب 5 ح 1.
4 ـ الاقبال : 285 الوسائل 7 : 425 أبواب صلاة العيد ب 3 ح 4.


(382)
التساوي فهو يوجب التساقط.
    فتجويز الجماعة في هذه الصلاة المندوبة في مفروض المسألة يحتاج إلى دلالة هي في المقام مفقودة ، بل إطلاق الأدلة على المنع عن الجماعة في مطلق النافلة على المنع أقوى حجة.
    ودعوى الحلّي اختصاصها بما لا يجب في وقت وهذه أصلها الوجوب ، ممنوعة بأنه لا دليل عليها لا من إجماع ولا من رواية.
    وأبعد منها دعواه أنّ مراد الأصحاب بفعلها على الانفراد انفرادها عن الشرائط لا عدم الاجتماع وأنه اشتبه ذلك على الحلبي من قلّة تأمله.
    إلّا أن يكون مستنده فيها الإجماع الذي ادّعاه على جوازها جماعة حيث قال : وأيضاً فإجماع أصحابنا يدمّر ما تعلّق به ، وهو قولهم بأجمعهم : يستحب في زمان الغيبة لفقهاء الشيعة أن يجمعوا صلوات الأعياد (1).
    وقريب منه كلام القطب حيث قال : من أصحابنا من ينكر الجماعة في صلاة العيد سنّة بلا خطبتين ، لكن جمهور الإمامية يصلّون هاتين الصلاتين جماعة ، وعملهم حجة (2).
    وقريب منهما كلام الفاضل في المختلف ، حيث إنه بعد تقوية القول بالمنع قال : إلّا أن فعل الأصحاب في زماننا الجمع فيها (3).
    أقول : وعلى هذا فيقوّى القول بالجواز مطلقاً كما عليه جمهور الأصحاب قولاً وعملاً.
    ويمكن الذبّ عن أدلة المنع بعدم صراحتها ، بل ولا ظهورها فيه ، بعد
1 ـ انظر السرائر 1 : 316.
2 ـ نقله عنه في المختلف : 113.
3 ـ المختلف : 113.


(383)
احتمال كون المراد بصلاتها وحده صلاتها مع غير الإمام ولو في جماعة ، كما مرّ نظيره في بعض أخبار الجمعة (1).
    ويمكن أن يكون هذا أيضاً مراد الفقهاء المحكي عنهم المنع عن الجماعة ، عدا الحلبي ، وهو نادر.
    أو يكون مرادهم ما أشار إليه بعض الأفاضل (2) من أنهم إنما أرادوا الفرق بينها وبين الجمعة ، باستحباب صلاتها منفردة بخلاف الجمعة كما هو نصّ المراسم (3) ، واحتاجوا إلى ذلك ؛ إذ شبّهوها بها في الوجوب إذا اجتمعت الشرائط.
    أقول : وأما الموثق المانع عن جماعة الرجل بأهله في بيته وإن لم يقبل شيئاً من هذه الحاصل ، إلّا أنه يمكن الجواب عنه بأنّ المراد به نفي تأكّد الجماعة في حق النسوة كما ذكره في الذكرى (4) ، ويشعر به التعرض في ذيله للنهي عن خروجهن أيضاً ؛ أو يخصّ بما إذا خوطب الرجل بفعلها كما ذكره المحقّق الثاني (5) ، ولعل هذا أولى.
    هذا ، ولا ريب انّ فعلها فرادى أحوط وأولى ؛ خروجاً عن شبهة الخلاف فتوىً ونصّاً.
    ( ووقتها ) أي هذه الصلاة ( ما بين طلوع الشمس إلى الزوال ) على المشهور ، بل الظاهر أنه متفق عليه كما في الذخيرة (6) ، بل فيه وفي غيره نقل‏
1 ـ راجع ص 316 ـ 321.
2 ـ الفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 263.
3 ـ المراسم : 78.
4 ـ الذكرى : 238.
5 ـ جامع المقاصد 2 : 453.
6 ـ الذخيرة : 320.


(384)
الإجماع عليه صريحاً عن الفاضل في النهاية والتذكرة (1) ، وبه صرّح المحقق الثاني في شرح القواعد (2) ، وفي المنتهى الإجماع على الفوات بالزوال (3) ؛ وهو الحجّة عليه.
    مضافاً إلى ظاهر الصحيح ، بل صريحه ، لقوله فيه : « إذا شهد عند الإمام شاهدان أنهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوماً أمر الإمام بالإفطار في ذلك اليوم إذا كانا شهدا قبل زوال الشمس ، فإن شهدا بعد زوال الشمس أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم وأخّر الصلاة إلى الغد فصلّى بهم » (4) ولو لا الفوات بعد الزوال لما كان للتأخير إلى الغد وجه.
    ونحوه المرفوع (5).
    وفي الأول ـ مضافاً إلى الإجتماعات ـ الدلالة على الامتداد إلى الزوال ؛ لظهور الشرطيتين فيه في سقوط قوله : « وصلّى بهم » بعد قوله : « في ذلك اليوم » في الشرطية الاُولى (6) ، وإلّا للغتا وخلتا عن الفائدة طرّاً ، فلا وجه للتفصيل بهما بعد اشتراكهما في الحكم بالإفطار ؛ وعليه يحمل إطلاق المرفوع بتأخير الصلاة إلى الغد ، حمل المطلق على المقيّد.
    وأما المروي عن دعائم الإسلام عن علي عليه السلام : في القوم لا يرون الهلال فيصبحون صياماً حتى مضى وقت صلاة العيد أول النهار ،
1 ـ نهاية الإِحكام 2 : 56 ، التذكرة 1 : 157 ، ؛ وانظر كشف اللثام 1 : 261 ، الحدائق 10 : 226.
2 ـ جامع المقاصد 2 : 451.
3 ـ المنتهى 1 : 343.
4 ـ الكافي 4 : 169 / 1 ، الفقيه 2 : 109 / 467 ، الوسائل 7 : 432 أبواب صلاة العيد ب 9 ح 1.
5 ـ الكافي 4 : 169 / 2 ، الفقيه 2 : 110 / 468 ، الوسائل 7 : 433 أبواب صلاة العيد ب 9 ح 2.
6 ـ لا يخفى ان الموجود في الكافي في الشرطية الاولى بعد قوله عليه السلام : « امر الامام بالافطارة : « وصلّى في ذلك اليوم » ، فما ذكره من السقط إنما هو على نسخة الفقيه.


(385)
فيشهد شهود عدول أنهم رأوا من ليلتهم الماضية ، قال : « يفطرون ويخرجون من غد فيصلون صلاة العيد أول النهار » (1).
    فبعد الإغماض عن سنده يمكن حمل أول النهار فيه على ما يمتدّ إلى الزوال بقرينة ما مرّ من النص والإجماع ، فتوهّم بعض المعاصرين عدم امتداد وقتها إليه واختصاصه بصدر النهار (2) ضعيف.
    سيّما مع إمكان الاستدلال عليه بالاستصحاب ؛ لدلالة الأخبار وكلمة الأصحاب بثبوت وقته بطلوع الشمس أو انبساطها مع سكوت الأدلّة عن آخره ، فالأصل بقاؤه إلى ما قام الإجماع فتوىً ونصّاً على خلافه وهو الزوال.
    وإن أبيت الاستصحاب فلنا على ذلك إطلاق الأخبار المضيفة لهذه الصلاة إلى يوم العيد الظاهر في الامتداد إلى الغروب ، وإنما خرج منه ما بعد الزوال بما مرّ ، فيبقى الباقي تحت الإطلاق.
    وبهذا استدلّ جماعة (3) على كون مبدئها طلوع الشمس ، لأنه مبدأ اليوم العرفي ، أو الأعم منه ومن قبل طلوعها من عند الفجر ، لكنّه خارج بنحو ما مرّ.
    وهو حسن.
    ويدل عليه بعده وبعد الإجماع المحكي المتقدم خصوص الصحيح :
« ليس في الفطر والأضحى أذان ولا إقامة ، أذانهما طلوع الشمس ، إذا طلعت خرجوا » (4).
    والتقريب أنّ الأذان إعلام بدخول الوقت ، والخروج مستحب ، فدلّ على‏
1 ـ دعائم الإسلام 1 : 187 ، المستدرك 6 : 124 أبواب صلاة العيد ب 6 ح 1.
2 ـ الحدائق 10 : 227.
3 ـ منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 261.
4 ـ الكافي 3 : 459 / 1 ، التهذيب 3 : 129 / 276 ، ثواب الأعمال : 79 ، الوسائل 7 : 429 أبواب صلاة العيد ب 7 ح 5.


(386)
جواز الصلاة عنده لو لم يخرجوا.
    ومنه يظهر ضعف ما قيل في ضعف دلالته بأن الشرطية قرينة على أن الطلوع وقت الخروج إلى الصلاة لا وقتها (1) ؛ مضافاً إلى ظهور ضعفه أيضاً باستلزامه جهالة أول وقت الصلاة ، لعدم تعيّن مقدار زمان الخروج قلّةً وكثرةً بحسب الأوقات والأشخاص والأمكنة ، فتعيّن كون الطلوع مبدأ لنفس الصلاة لا للخروج إليها كما لا يخفى.
    وبهذا يجاب عن النصوص المضاهية لهذا الصحيح في جعل الطلوع وقتاً للخروج ، منها الموثق : عن الغدوّ إلى الصلاة في الفطر والأضحى ، فقال :
    « بعد طلوع الشمس » (2).
    ومنها المروي عن كتاب الإقبال بسنده عن زرارة : « لا تخرج من بيتك إلّا بعد طلوع الشمس » (3).
    والمروي عنه أيضاً بسنده عن أبي بصير المرادي : « كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يخرج بعد طلوع الشمس » (4).
    ونحوها حديث صلاة مولانا الرضا عليه السلام بمرو : فلمّا طلعت الشمس قام عليه السلام فاغتسل وتعمّم الخبر (5).
    مضافاً إلى قصور أسانيدها.
    فظهر ضعف القول بأنّ وقتها الانبساط ، كما عن النهاية والمبسوط
1 ـ كشف اللثام 1 : 261.
2 ـ التهذيب 3 : 287 / 859 ، الوسائل 7 : 473 أبواب صلاة العيد ب 29 ح 2.
3 ـ الإقبال : 281 ، الوسائل 7 : 452 أبواب صلاة العيد ب 18 ح 2.
4 ـ الإقبال 1 : 281 ، الوسائل 7 : 452 أبواب صلاة العيد ب 18 ح 1.
5 ـ الكافي 1 : 488 / 7 ، عيون الأخبار 2 : 147 / 21 ، ارشاد المفيد 2 : 265 ، الوسائل 7 : 453 أبواب صلاة العيد ب 19 ح 1.


(387)
و الاقتصاد والكافي والغنية والوسيلة والإصباح (1). هذا إن أرادوا أنه وقتها على الإطلاق ، وإلّا فلو أرادوا به اختصاصه بمريدي الخروج إلى الجبّانة كما هو الغالب فلا خلاف.
    وفي الذكرى بعد نقل هذين القولين : وهما متقاربان (2).
    ( ولو فاتت ) بأن زالت الشمس ولم تصلّ سقطت و ( لم تقض ) مطلقاً وفاقاً للمشهور ؛ للأصل ، والصحيح : « من لم يصلّ مع الإمام في جماعة فلا صلاة له ولا قضاء عليه » (3).
    وقوله عليه السلام : « لا صلاة له » محمول على نفي الكمال دون الصحة ؛ لما مرّ من الأدلة فتوىً وروايةً على استحباب فعلها بعد فوتها مع الإمام فرادى وجماعة.
    وما في الذخيرة من حمله على حال الاختيار لا مطلقاً (4) غير نافع للذبّ عن مخالفته لو حمل على نفي الصحة للإجماع ؛ لعدم قائل بعدم استحباب فعلها فرادى أو جماعة لو فاتته اختياراً.
    وكما لا قضاء عليه لا يستحب أيضاً كما في ظاهر العبارة وصريح جماعة (5) ، قيل : ويعطيه المعتبر (6) ؛ للأصل. وظاهر الخلاف والمنتهى دعوى‏
1 ـ النهاية : 134 ، المبسوط 1 : 169 ، الاقتصاد : 270 ، الكافي : 153 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 561 ، الوسيلة : 111 ، نقله عن الإصباح في كشف اللثام 1 : 261.
2 ـ الذكرى : 239.
3 ـ التهذيب 3 : 128 / 273 ، الاستبصار 1 : 444 / 1714 ، ثواب الأعمال : 78 ، الوسائل 7 : 421 أبواب صلاة العيد ب 2 ح 3.
4 ـ الذخيرة : 320.
5 ـ منهم : الشيخ في الخلاف 1 : 667 ، والحلبي في الكافي : 154 والعلّامة في المنتهى 1 : 343.
6 ـ قال به في كشف اللثام 1 : 261 ، وانظر المعتبر 2 : 311.


(388)
الإجماع عليه (1).
    خلافاًًًً للإسكافي فقال : إن تحققت الرؤية بعد الزوال أفطروا وغدوا إلى العيد (2) ؛ واحتجّ له في المختلف بعموم : من فاتته فليقضها كما فاتته ، وأجاب بأن المراد اليومية ، لظهورها عند الإطلاق.
    قلت : ويؤيده أنه لو عمّم لوجب القضاء مع أنه يردّه الصحيح السابق ، مضافاً إلى الإجماع المتقدم.
    واحتجّ له في الذكرى بالنبويين ، في أحدهما : إنّ ركباً شهدوا عنده صلّى اللّه عليه وآله أنهم رأوا الهلال ، فأمرهم أن يفطروا فإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلّاهم (3) وأجاب عنها بأنها لم تثبت من طرقنا (4).
    أقول : قد عرفت في المسألة النصوص من طرقنا بمضمونها ، وفيها الصحيح وغيره (5) ، وظاهر الكليني والصدوق العمل بها ، ولذا مال إليه جماعة من متأخري ( متأخري ) (6) أصحابنا (7).
    وهو حسن لو لا الإجماع المنقول المعتضد بالشهرة المحقّقة والمحكية ، مع أنه قول جماعة من العامة ، فقد حكاه الفاضل في المنتهى عن الأوزاعي والثوري وإسحاق وأحمد (8) ، ولذا حملها بعض الأصحاب على التقية (9).
1 ـ الخلاف 1 : 667 ، المنتهى 1 : 343.
2 ـ نقله عنه في المختلف : 114.
3 ـ سنن البيهقي 4 : 249.
4 ـ الذكرى : 239.
5 ـ راجع ص 383.
6 ـ ليست في « ل ».
7 ـ منهم : صاحب المدارك 4 : 102 ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : 320 ، وصاحب الحدائق 10 : 231.
8 ـ المنتهى 1 : 343 ؛ وانظر المغني لابن قدامة 2 : 244.
9 ـ الفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 261.


(389)
    وفي تعيّنه مناقشة ؛ لاختلاف العامة ، فبين قائل بها كهؤلاء ، وقائل بما عليه أصحابنا كأبي حنيفة (1) ، ومفصّلٍ بين علمهم بالعيد بعد غروب الشمس فالأوّل وعلمهم به بعد الزوال فلا يصلّي مطلقاً (2). فلو لا الإجماع المنقول في ظاهر الخلاف والمنتهى المعتضد بالشهرة بين أصحابنا لكان القول بمضامين هذه الأخبار متعيّناً.
    وعن المقنعة : من أدرك الإمام وهو يخطب فليجلس حتى يفرغ من خطبته ثمَّ يقوم فيصلّي القضاء (3).
    وعن الوسيلة : إذا فاتت لا يلزم قضاؤها إلّا إذا وصل إلى الخطبة وجلس مستمعاً لها (4).
    وهو [ يعمّ‏ ] (5) بعد الزوال ، وبه الخبر ، بل قيل : الصحيح (6) : قلت :
أدركت الإمام على الخطبة ، قال : « تجلس حتى يفرغ من خطبته ثمَّ تقوم فتصلّي » (7).
    وهو ـ مع قصور سنده ـ يحتمل أن يكون المراد منه إن لم تزل الشمس ، ويحتمل أن يراد بالقضاء في الكتابين الأداء إن لم تزل ، وكذا قول الحلّي : ليس على من فاتته صلاة العيدين مع الإمام قضاء واجب وإن استحب له أن يأت بها منفردا (8).
    وكذا قول الإسكافي : من فاتته ولحق الخطبتين صلّاها أربعاً مفصولات‏
1 و 2 ـ انظر المغني لابن قدامة 2 : 244.
3 ـ المقنعة : 200.
4 ـ الوسيلة : 111.
5 ـ أضفناه ـ بعد مراجعة المصدر ـ لاقتضاء المعنى.
6 ـ قال به المجلسي في روضة المتقين 2 : 757.
7 ـ التهذيب 3 : 136 / 301 ، الوسائل 7 : 425 أبواب صلاة العيد ب 4 ح 1.
8 ـ السرائر 1 : 318.


(390)
يعني بتسليمتين (1).
    ونحوه كلام علي بن بابويه ، إلّا أنه قال : يصلّيها بتسليمة (2).
    مع أنه لا مستند لهذه الأقوال الأخيرة عدا رواية ضعيفة : « من فاتته صلاة العيد فليصلّ أربعاً » (3).
    وهي غير منطبقة على شي‏ء منها ؛ لأنّ قوله « أربعاً » ينافي ما عليه ظاهر الحلّي. وعدم تقييده بلحوق الخطبتين ينافي الأخيرين ؛ مع عدم دلالتها على التسليمة الواحدة أو التسليمتين ، لكنها ظاهرة في هذا.
    ونحو هذه الأقوال في عدم الدليل عليه ما اختاره في التهذيب من أنه مع الفوت لا قضاء ولكن يجوز أن يصلّي إن شاء ركعتين وإن شاء أربعا من غير أن يقصد بها القضاء (4).
    ( وهي ركعتان ) مطلقاً جماعةً صلّيت أو فرادى على الأشهر الأقوى ؛ للنصوص الآتية ، مضافاً إلى الخبرين الماضيين (5) : « صلّهما ركعتين في جماعة وغير جماعة ».
    خلافاًًًً لمن سبق إليه قريبا الإشارة في فوتها مع الإمام خاصة فأربع ركعات ، إمّا حتماً بتسليمتين أو بتسليمة ، أو مخيراً بينها وبين الركعتين. ومرّ ضعفهما.
    و كيفيتهما كصلاة الفريضة غير أنه ( يكبّر ) هنا ( في ) الركعة ( الْاُولى خمساً وفي الثانية أربعاً ) غير تكبيرة الإحرام والركوع فيهما على الأشهر
1 و 2 ـ نقله عنهما في المختلف : 114.
3 ـ التهذيب 3 : 135 / 295 ، الاستبصار 1 : 446 / 1725 ، الوسائل 7 : 426 أبواب صلاة العيد ب 5 ح 2.
4 ـ التهذيب 3 : 134.
5 ـ في ص 381.
رياض المسائل ـ الجزء الثالث ::: فهرس