رياض المسائل ـ لجزء الرابع ::: 76 ـ 90
(76)
الأسباب فتصلّي في كل وقت كما مرّ.
    ( ما لم يتضيق وقت الحاضرة ) فتقدم هي لو لم يخف على الجنازة ولا يضيق وقت صلاتها ، بلا خلاف فيه ، ولا في وجوب تقديم الجنازة مع ضيق وقتها وسعة الحاضرة.
    ولو تضيّقا معاً ففي وجوب تقديم الحاضرة كما هو ظاهر إطلاق العبارة وصريح جماعة (1) ، بل حكى عليه الشهرة خالي العلّامة المجلسي (2) ، أو صلاة الجنازة كما عن ظاهر المبسوط خاصة (3) ، قولان ، ولعلّ الأول لا يخلو عن قوة.
    ولو اتّسعا فالأولى تقديم الحاضرة على ما صرّح به جماعة (4) للمعتبرة (5).
    وفي بعض النصوص العكس ، وفيه : إذا حضرت الصلاة على الجنازة في وقت مكتوبة فبأيهما أبدأ ؟ فقال : « عجّل الميت إلى قبره إلّا أن تخاف فوت وقت الفريضة » (6).
    وهو وإن ضعف سنده إلّا أنه معتضد بعموم ما دلّ على استحباب تعجيل التجهيز (7) ، لكنه معارض بمثله بل بأجود منه كالنص ، مع أني لم أر قائلاً بمضمون هذا النص وإن حكي عن الماتن التخيير من دون ترجيح‏
1 ـ منهم : العلامة في المنتهى 1 : 458 ، والشهيد في الدروس 1 : 114 ، وصاحب المدارك 4 : 189.
2 ـ ملاذ الاخيار 5 : 614.
3 ـ المبسوط 1 : 185.
4 ـ منهم : الشيخ في النهاية : 146 ، والحلي في السرائر 1 : 360 ، والشهيد في الذكرى : 62.
5 ـ الوسائل 3 : 123 أبواب صلاة الجنازة ب 31 ح 1 ، 3.
6 ـ التهذيب 3 : 320 / 995 ، الاستبصار 1 : 649 / 1812 ، الوسائل 3 : 124 أبواب صلاة الجنازة ب 31 ح 2.
7 ـ الوسائل 2 : 471 أبواب الاحتضار ب 47.


(77)
للتعارض (1) ، فإنه غير القول به.
    ( الرابع : لو حضرت جنازة في أثناء الصلاة ) على اخرى ( تخيّر ) (2) المصلّي ( في الإتمام على الاُولى والاستيناف على الثانية ، وفي ) قطع الصلاة على الاُولى ( وابتداء الصلاة عليهما ) معاً على الأشهر للرضوي : « وإن كنت تصلّي على الجنازة وجاءت الاُخرى فصلّ عليهما صلاة واحدة بخمس تكبيرات ، وإن شئت استأنفت على الثانية » (3).
    خلافاً للإسكافي (4) ، فما في الصحيح : « إن شاؤوا تركوا الاُولى حتى يفرغوا من التكبير على الأخيرة ، وإن شاؤوا رفعوا الاُولى وأتموا التكبيرة على الأخيرة ، كلّ ذلك لا بأس به » (5).
    ومال إليه من المتأخرين جماعة (6) لصحة السند ، وعدم وفوقهم على مستند الأول ، مع مخالفته في صورة القطع للنهي عن إفساد العبادة.
    قال في الذكرى : نعم لو خيف على الجنائز قطعت الصلاة ثمَّ استأنف عليها لأنه قطع للضرورة (7).
    وهو حسن لو لا ما مرّ من المستند المعتضد بالعمل ، فيخصّص به عموم النهي ، مع إمكان التأمل في شموله لنحو هذه العبادة ، لما ورد في كثير من النصوص من أنها دعاء لا صلاة حقيقةً ، وقطعه جائز قطعاً.
1 ـ كما في المعتبر 2 : 360.
2 ـ في المختصر المطبوع : تخيّر الامام.
3 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 179 ، المستدرك 2 : 285 أبواب صلاة الجنازة ب 29 ح 1.
4 ـ كما نقله عنه في الذكرى : 64.
5 ـ الكافي 3 : 190 / 1 ، التهذيب 3 : 327 / 1020 ، الوسائل 3 : 129 أبواب صلاة الجنازة ب 34 ح 1.
6 ـ منهم الشهيد الثاني في الروضة 1 : 144 ، المحدث الكاشاني في المفاتيح 2 : 170.
7 ـ الذكرى : 64.


(78)
    ولعلّه لذا استدل في المنتهى على المختار بأن مع كلّ من هذين الأمرين ـ وأشار بهما إلى شقّي التخيير ـ يحصل الصلاة عليهما ، وهو المطلوب ، ثمَّ قال : ويؤيده الصحيح وساقه كما مرّ (1).
    وظاهره ـ كما ترى ـ أنّ عمدة الدليل هو التعليل لا الصحيح كما قيل (2) وهو إنما يتجه لو جاز القطع ، ولا يكون ذلك إلّا لما ذكرناه من عدم عموم في النهي يشمل محلّ البحث.
1 ـ المنتهى 1 : 458.
2 ـ جامع المقاصد 1 : 433 ، الحدائق 9 : 467.


(79)
( وأما ) الصلوات ( المندوبات ) :
    فهي كثيرة جداً ذكر الماتن منها جملة يسيرة.
    ( منها : صلاة الاستسقاء ) أي طلب السقيا من اللّه عند الحاجة إليها.
    ( وهي مستحبة عند الجدب ) وغور الأنهار وفتور الأمطار بإجماعنا الظاهر ، المحكي في التذكرة وغيره (1) ، بل العلماء كافة إلّا أبا حنيفة كما في المنتهى (2) وللتأسي ، والنصوص المستفيضة.
    ( والكيفية ) هنا ( ك‍ ) هي في ( صلاة العيدين ) بإجماعنا الظاهر ، المصرّح به في الخلاف والمنتهى (3) وللصحيح : عن صلاة الاستسقاء ، قال : « مثل صلاة العيدين تقرأ فيهما وتكبّر فيهما ، يخرج الإمام فيبرز إلى مكان نظيف في سكينة ووقار وخشوع ومسألة ، ويبرز معه الناس ، فيحمد اللّه تعالى ويمجّده ويثني عليه ، ويجتهد في الدعاء ، ويكثر من التسبيح والتهليل والتكبير ، ويصلّي مثل صلاة العيد ركعتين في دعاء ومسألة واجتهاد ، فإذا سلّم الإمام قلب ثوبه وجعل الجانب الذي على المنكب الأيمن على المنكب الأيسر ، والذي على المنكب الأيسر على الأيمن ، فإنّ النبي صلّى اللّه عليه وآله كذلك فعل » (4).
    ولا ريب في شمول المماثلة فيه المماثلة في عدد الركعات والقراءة المستحبة والكبيرات الزائدة ( والقنوت ) بعد كل تكبيرة ، إلّا أنّه يقنت هنا
1 ـ التذكرة 1 : 167 ؛ وانظر البيان : 218 ، ومفاتيح الشرائع 1 : 35.
2 ـ المنتهى 1 : 354.
3 ـ الخلاف 1 : 685 ، المنتهى 1 : 354.
4 ـ الكافي 3 : 462 / 2 ، التهذيب 3 : 149 / 323 ، الوسائل 8 : 5 أبواب صلاة الاستتسقاء ب 1 ح 1.


(80)
( بسؤال الرحمة وتوفير المياه ).
    ولا يتعين فيه دعاء خاص بل يدعو بما يتيسّر له وأمكنه ( و ) إن كان ( أفضل ذلك الأدعية المأثورة ) عن أهل العصمة عليهم السلام ، فإنهم أعرف بما يناجي به الربّ سبحانه.
    وظاهر الشهيدين وغيرهما (1) تعميم المماثلة للوقت ، فيخرج فيها ما بين طلوع الشمس إلى الزوال ، وعزاه في الذكرى إلى ظاهر الأصحاب (2).
    مع أنّ المحكي عن الفاضلين (3) التصريح بأنّ لا وقت لها ، فأيّ وقت خرج جاز ، وادّعى في نهاية الإحكام والتذكرة (4) الإجماع عليه.
    وهو الأوفق بالإطلاقات. والمتبادر من المماثلة المماثلة في الكيفية لا الأمور الخارجة.
    ولكن الأحوط ما ذكروه بلا شبهة وإن حكي عن الإسكافي التوقيت بما بعد الفجر (5) ، وعن التذكرة بما بعد الزوال ، قال : لأنّ ما بعد العصر أشرف (6) لضعفهما في الغاية.
    ( ومن سننها : صوم الناس ثلاثاً والخروج يوم الثالث ) للنص (7) المؤيد بما دلّ على استجابة دعاء الصائم (8).
1 ـ الشهيد الأول في الذكرى : 251 ، الشهيد الثاني في الروضة 1 : 319 ؛ وانظر الكافي في الفقه : 162 ، والمختلف : 126.
2 ـ الذكرى : 251.
3 ـ المحق في المعتبر 2 : 364 ، العلامة في نهاية الاحكام 2 : 104.
4 ـ نهاية الاحكام 2 : 104 ، التذكرة 1 : 168.
5 ـ حكاه عنه في المختلف : 126.
6 ـ التذكرة 1 : 168.
7 ـ التهذيب 3 : 148 / 320 ، الوسائل 8 : 8 أبواب صلاة الاستسقاء ب 2 ح 1.
8 ـ الوسائل 10 : 310 أبواب أحكام شهر رمضان ب 18 ح 14.


(81)
    ( وأن يكون ) الخروج يوم ( الاثنين أو الجمعة ) مخيراً بينهما كما هنا وفي كلام جماعة (1) ، أو مرتباً بتقديم الأول وإن لم يتيسر فالثاني كما في الشرائع وكلام آخرين (2).
    والأكثر لم يذكروا سوى الأول (3) للنص : قلت له : متى يخرج جعلت فداك ؟ قال : « يوم الاثنين » (4) ونحوه المروي في العيون عن مولانا الحسن العسكري عليه السلام (5).
    وعكس الحلبي فلم يذكر سوى الثاني (6).
    قيل : ولعلّه نظر إلى ما ورد في ذم يوم الاثنين وأنه يوم نحس لا يطلب فيه الحوائج ، وأنّ بني أمية تتبرك به ، ويتشاءم به آل محمد صلّى اللّه عليه وآله لقتل الحسين عليه السلام فيه ، حتى ورد أنّ من صامه أو طلب الحوائج فيه متبركا حشر مع بني أمية (7) ، وأنّ هذه الأخبار ظاهرة الرجحان على الخبرين المذكورين (8).
    أقول : لكنهما معتضدان بعمل أكثر الأصحاب وإن اختلفوا في الجمود عليهما أو ضمّ الجمعة ، مخيّراً أو مرتباً بينهما ، جمعاًً بينهما وبين ما دلّ على‏
1 ـ منهم العلامة في التذكرة 1 : 167 ، والشهيدان في اللمعة والروضة 1 : 319 ، والمحقق السبزواري في الكفاية : 23.
2 ـ الشرائع 1 : 109 ؛ وانظر التحرير 1 : 47 ، والدروس 1 : 196 ، والبيان : 218.
3 ـ كالصدوق في المقنع : 47 ، والطوسي في النهاية : 138 ، وابن حمزة في الوسيلة : 113.
4 ـ الكافي 3 : 462 / 1 ، التهذيب 3 : 148 / 322 ، الوسائل 8 : 5 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 2.
5 ـ العيون 2 : 165 / 1 ، الوسائل 8 : 8 أبواب صلاة الاستسقاء ب 2 ح 2.
6 ـ راجع الكافي في الفقه : 162.
7 ـ انظر الوسائل 10 : 460 أبواب الصوم المندوب ب 21 ح 3 ، وج 11 : 357 أبواب آداب السفر ب 6 ح 3.
8 ـ الحدائق 10 : 485.


(82)
شرف الجمعة واستجابة الدعاء فيه حتى ورد أن العبد ليسأل الحاجة فيؤخر الإجابة إليه (1).
    وكلّ من ساوى بينه وبين الخبرين مكافاة قال بالأول. ومن رجّحهما لفتوى الأصحاب ـ سيّما نحو القاضي والحلّي (2) اللذين لم يعملا بأخبار الآحاد إلّا بعد قطعيتها ـ قال بالثاني ، ولعلّه الأقوى.
    ( والإصحار بها ) إجماعاً كما في المعتبر والمنتهى والذكرى (3) وللتأسي ، والنصوص ، وفيها الصحيح وغيره ، وفيه : « مضت السنّة أنه لا يستسقى إلّا بالبراري حيث ينظر الناس إلى السماء ، ولا يستسقى في المساجد إلّا بمكة » (4).
    واستثناء مكة مجمع عليه عندنا وعند أكثر أهل العلم كما في المنتهى (5).
    وعن الإسكافي إلحاق مسجد النبي صلّى اللّه عليه وآله بها (6). وهو مع عدم وضوح مستنده سوى القياس الذي لا نقول به يدفعه بعض النصوص بظاهره (7).
    نعم ، ذكر الشهيدان أنه لو حصل مانع من الصحراء كخوف وشبهه.
1 ـ المقنعة : 155 ، المحاسن : 58 / 94 ، مصباح المتهجد : 230 ، الوسائل 7 : 383 أبواب صلاة الجمعة ب 41 ح 1.
2 ـ القاضي في المهذب 1 : 144 ، الحلي في السرائر 1 : 325.
3 ـ المعتبر 2 : 363 ، المنتهى 1 : 355 ، الذكرى : 251.
4 ـ التهذيب 3 : 150 / 325 ، قرب الإسناد : 137 / 481 ، الوسائل 8 : 10 أبواب صلاة الاستسقاء ب 4 ح 1.
5 ـ المنتهى 1 : 355.
6 ـ نقله عنه في المختلف : 126.
7 ـ الوسائل 8 : 5 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 2.


(83)
صلّيت فيه بل في سائر المساجد (1). ولا بأس به.
    وليكن خروجهم إلى الصحراء في حال كونهم ( حفاة على سكينة ووقار ) كما يخرج في العيدين ، وفي الخبر « يمشي كما يمشي يوم العيدين » (2).
    مضافاً إلى الصحيح المتقدم المصرّح باستحباب الأخيرين.
    ( واستصحاب الشيوخ ) ولا سيّما أبناء الثمانين ( والأطفال والعجائز ) في المشهور بين الأصحاب ، قالوا : لأنهم أقرب إلى الرحمة وأسرع إلى الإجابة.
    وفي النبوي : « لو لا أطفال رضّع وشيوخ ركّع وبهائم رتّع لصبّ عليكم العذاب صبّاً » (3).
    وفي آخر : « إذا بلغ الرجل ثمانين سنة غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر » (4).
    وفي الرضوي في جملة الخطبة المأثورة فيه هنا : « اللّهم ارحمنا بمشايخ ركّع وصبيان رضّع وبهائم رتّع وشبّان خضّع » (5).
    وليكونوا ( من المسلمين خاصة ) كما ذكره جماعة (6) ، فيمنع من الحضور معهم أهل الذمة وجميع الكفّار.
    وزاد الحلّي فقال : والمتظاهرين بالفسوق والمنكر والخداعة من أهل‏
1 ـ الذكرى : 251 ، روض الجنان : 324.
2 ـ الكافي 3 : 462 / 1 ، التهذيب 3 : 148 / 322 ، الوسائل 8 : 5 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 2.
3 ـ سنن البيهقي 3 : 345 ، الجامع الصغير ( للسيوطي ) 2 : 443 بتفاوت يسير.
4 ـ الذكرى : 251 ، وانظر مسند أحمد 2 : 89 ( وفيه : اذا بلغ الرجل التسعين ).
5 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 154 المستدرك 6 : 181 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 4.
6 ـ منهم : العلامة في المنتهى 1 : 355 ، والشهيد الثاني في روض الجنان : 324.


(84)
الإسلام (1).
    قال في المنتهى : لأنهم أعداء اللّه تعالى ومغضوب عليهم وقد بدّلوا نعمة اللّه تعالى كفراً فهم بعيدون من الإجابة ، قال اللّه تعالى ( وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ ) (2) ثمَّ ذكر ما روي في حكاية دعاء فرعون حين غار النيل (3) ، ورجّح عدم المنع (4).
    قيل (5) : ويعضده خروج المنافقين مع النبي صلّى اللّه عليه وآله ، فإنهم أكثر الناس أو كثير منهم يومئذ ، وكذا خروج المخالفين مع الرضا عليه السلام كما تضمنه بعض النصوص (6) فإنهم الأكثر يومئذ.
    ويعضده أيضاًً ما ورد في بعض الأخبار من أنّ اللّه تعالى ربما حبس الإجابة عن المؤمن لحبّ سماع صوته وتضرعه وإلحاحه ، وعجّل الإجابة للكافر لبغض سماع صوته (7).
    على أنهم يطلبون ما ضمنه اللّه تعالى لهم من رزقهم وهو سبحانه لا يخلف الميعاد.
    ( والتفريق بين الأطفال وأمهاتهم ) كما ذكره جماعة (8) ، قالوا :
    استجلاباً للبكاء والخشوع بين يدي اللّه تعالى ، فربما أدركتهم الرحمة بلطفه.
    ( و ) أن ( تصلّى جماعة ) للتأسي ، وظواهر النصوص. وتجوز فرادى‏
1 ـ السرائر 1 : 325.
2 ـ الرعد : 14.
3 ـ الفقيه 1 : 334 / 1502.
4 ـ المنتهى 1 : 355.
5 ـ الحدائق 10 : 488.
6 ـ العيون 2 : 165 / 1 ، الوسائل 8 : 5 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 2.
7 ـ الوسائل 7 7 : 61 أبواب الدعاء ب 21.
8 ـ العلامة في التذكرة 1 : 168 ، والشهيد الثاني في روض الجنان : 325.


(85)
بإجماعنا ، بل أهل العلم كافة إلّا أبا حنيفة كما في المنتهى (1).
    ( وتحويل الإمام الرداء ) بأن يجعل الذي على يمينه على يساره وبالعكس كما في الصحيح وغيره مستفيضاً (2).
    وظاهرها ـ بعد حمل مطلقها على مقيدها ـ استحبابه من الإمام مرّة واحدة بعد الصلاة وصعود المنبر كما عليه الأكثر.
    خلافاً لبعضهم فذكر التحويل بعد الخطبة (3) ، ولآخر فأثبته للمأموم أيضاًً (4) ، ولجماعة فاستحبّوه ثلاث مرات (5). ولم نعرف لشي‏ء من ذلك مستنداً واضحاً.
    ( واستقبال القبلة ) حال كونه ( مكبّراً ) مائة مرة ( رافعاً ) بها ( صوته ، وإلى اليمين مسبّحاً ، وإلى اليسار مهلّلا ، وعند استقبال الناس حامداً ) (6) كل ذلك مائة مرة رافعا بها صوته ، على المشهور المأثور في الخبرين (7).
    خلافاً للمفيد وجماعة (8) في ذكر اليسار واستقبال الناس ، فيحمد في الأول ويستغفر في الثاني ، كلاً منهما مائة مرة.
1 ـ المنتهى 1 : 356.
2 ـ الوسائل 8 : 9 أبواب الاستسقاء ب 3.
3 ـ كالصدوق في الفقيه 1 : 334 ، والعلامة في التذكرة 1 : 168.
4 ـ منهم : الشيخ في المبسوط 1 : 135 ، والعلامة في التذكرة 1 : 168 ، والشهيد الثاني في روض الجنان : 325.
5 ـ منهم : المفيد في المقنعة : 208 ، وسلار في المراسم : 83 ، والقاضي في المهذب 1 : 144.
6 ـ في المختصر المطبوع : داعياً.
7 ـ الكافي 3 : 462 / 1 وذيله ، التهذيب 1 : 148 / 322 ، الوسائل 5 : 8 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 2 وذيله.
8 ـ المفيد في المقنعة : 208 ؛ وانظر المراسم : 83 ، والمهذب 1 : 144 ، والغنية ( الجوامع الفقهية ) : 565.


(86)
    وللصدوق فيهما أيضاًً فعكس ما عليه المشهور (1).
    ولم نعرف مستندهما ( و ) لا مستند من قال باستحباب أن ( يتابعه الناس ) في ذلك ، أي في الأذكار ورفع الصوت بها أيضاًً كما عن الحلبي والصدوق والقاضي (2) ، أو الأذكار خاصة من غير رفع الصوت كما عن الإسكافي والحلّي (3). ولكن لا بأس بالمتابعة ؛ للتسامح في أدلة السنن.
    ( والخطبة ) مرتين كما يفعل في العيدين ( بعد الصلاة ) بإجماعنا الظاهر ، المصرّح به في جملة من العبائر مستفيضا (4) والنصوص المروية من طرق العامة وطرقنا عموماً وخصوصاً (5). والموثق الدال على أنها قبل الصلاة (6) شاذ يحتمل الحمل على التقية ، فقد حكي في المنتهى وغيره (7) عن جماعة من العامة.
    ( والمبالغة في الدعاء ، والمعاودة إن تأخرت الإجابة ) إجماعاً منّا كما حكاه في المنتهى ، قال : لأن اللّه تعالى يحبّ الملحّين في الدعاء ، ولأن الحاجة باقية فكان طلبها بالدعاء مشروعاً ، ولأنها صلاة يستدفع بها أذى فكانت‏
1 ـ كما نقله عنه في المختلف 125 ، لكن في الفقيه 1 : 334 ، والمقنع : 47 ذكر الكيفية وفق ما عن المشهور.
2 ـ الحلبي في الكافي : 163 ، الصدوق في المقنع : 47 ، القاضي في المهذب 1 : 144.
3 ـ نقله عنه في المختلف : 125 ، السرائر 1 : 326.
4 ـ منها : ما ذكره الشيخ في الخلاف 1 : 687 ، والعلامة في التذكرة 1 : 168 ، والمحدّث الكاشاني في المفاتيح 1 : 35.
5 ـ الوسائل 8 : 5 و11 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 و5. ونقل من ظرق العامّة في التذكرة 1 : 168 عن ابي هريرة.
6 ـ التهذيب 3 : 150 / 327 ، الاستبصار 1 : 451 / 1749 ، الوسائل 8 : 11 أبواب الاستسقاء ب 5 ح 2.
7 ـ المنتهى 1 : 356 ؛ وانظر : المعتبر 2 : 365.


(87)
مشروعة كالأولى (1).
    ( ومنها : نافلة شهر رمضان )
    ( و ) قد اختلفت الروايات ( في ) توظيفها واستحبابها ، إلّا أنّ ( أشهر الروايات ) وأكثرها وأظهرها بين الأصحاب ، بحيث كاد أن يكون ذلك منهم إجماعاً ، كما يستفاد من جملة من العبارات (2) ، بل بانعقاده صرّح الحلّي والمرتضى والفاضل في المختلف حاكياً له عن الديلمي (3) ، وربما احتمله عبارة الخلاف أيضاًً (4) ، يدّل على ( استحباب ألف ركعة ، زيادة على ) النوافل ( المرتبة ) اليومية.
    وقول الصدوق بأنه لا نافلة في شهر رمضان زيادة على غيره (5) شاذ ، كالصحاح الدالة عليه (6) ، وإن حكاه في الخلاف عن قوم من أصحابنا (7) ، إذ لم نعرفهم ولا نقله غيره ، غير أنه قيل : لأنه لم يتعرض لها والد الصدوق ولا العماني (8). وهو غير صريح ، بل ولا ظاهر في المخالفة.
    مع أنّ ظاهر عبارة الصدوق المشتهر نقل خلافه في المسألة لا يدّل على نفي المشروعية ، بل صريحها الجواز (9) ؛ ولذا نفى عنه الخلاف جماعة (10)
1 ـ المنتهى 1 : 356.
2 ـ انظر المهذب البارع 1 : 432 ، ومجمع الفائدة 3 : 25.
3 ـ الحلي في السرائر 1 : 310 ، المرتضي في الانتصار : 56 ، المختلف : 126.
4 ـ الخلاف 1 : 530.
5 ـ انظر الفقيه 2 : 89.
6 ـ الوسائل 8 : 42 أبواب نافلة شهر رمضان ب 9.
7 ـ الخلاف 1 : 531.
8 ـ المختلف : 126.
9 ـ انظر من لا يحضره الفقيه 2 : 89.
10 ـ منهم : صاحبا المدارك 4 : 200 والحدائق 10 : 510.


(88)
قائلين أنّ غايتها نفي تأكد الفضيلة لا المشروعية. وهو حسن.
    فما يقال من : أنّ المسألة من المشكلات (1) لا وجه له ، غير صحة الأخبار المانعة ، وهي معارضة بتلك الروايات المشهورة المتضمنة للموثق وغيره ، المعتضدة بفتوى الأصحاب والإجماعات المنقولة ، وعموم ما دلّ على أن الصلاة خير موضوع (2) ، مضافاًً إلى المسامحة في أدلة السنن ، بناءً على الإجماع على الجواز كما عرفته.
    والصحاح ـ بعد القطع بشذوذها ـ لا تفيد الحرمة صريحاً لينبغي الاحتياط عنها ، مع انها معارضة ـ زيادة على الروايات المشهورة باستحباب ألف ركعة ـ بالنصوص المستفيضة القريبة من التواتر بل لعلّها متواترة بشرعية الزيادة ولو مطلقة ، ومع ذلك فجملة منها صحيحة صريحة في خلاف ما دلّت عليه الصحاح المتقدمة من أنه : ما صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله الزيادة قطّ ، ولو كان خيرا لم يتركه (3).
    ففي الصحيح : « كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يزيد في صلاته في شهر رمضان إذا صلّى العتمة صلّى بعدها » الخبر (4).
    ونحوه آخر وغيره (5). وحينئذ فينبغي طرحها ، أو حملها على نفي الزيادة في جماعة خاصة كما
1 ـ الحدائق 10 : 514.
2 ـ بحار الانوار 79 : 307.
3 ـ التهذيب 3 : 68 / 223 ، الاستبصار 1 : 466 / 1804 ، الوسائل 8 : 42 أبواب نافلة شهر رمضان ب 9 ح 1.
4 ـ الكافي 4 : 154 / 2 ، التهذيب 3 : 61 / 208 ، الاستبصار 1 : 461 / 1792 ، الوسائل 8 : 22 أبواب نافله شهر رمضان ب 2 ح 1.
5 ـ التهذيب 3 : 60 / 204 ، 205 ، الاستبصار 1 : 461 / 1793 ، 1795 ، الوسائل 8 : 22 أبواب نافله شهر رمضان ب 2 ح 2 ، 3.


(89)
في التهذيبين (1) ، للصحيح (2). ولكن لا دلالةً له عليه.
    أو على نفي الزيادة في النوافل الراتبة ، كما رواها الإسكافي بأربع في صلاة الليل كما في المختلف (3). وهو أبعد.
    أو على نفي كونها سنّة موقتة موظفة لا ينبغي تركها كالرواتب اليومية ، بل إن كانت فهي من التطوعات التي من أحبها وقوي عليها كما يشعر به بعض النصوص المثبتة (4). ولكن فيه بعد.
    أو على التقية كما عن بعض الأجلّة (5) حاكياً له عن ابن طاوس ، مؤيداً له بأمور ومنها ورود جملة من الأخبار بتكذيب راوي النفي والدعاء عليه (6). لكنها معارضة ببعض الأخبار الواردة بالعكس (7) ، مع أنّ بعض الأصحاب حمل الأخبار المثبتة على التقية (8).
    وكيف كان فالمذهب ما عليه الأصحاب.
1 ـ التهذيب 3 : 69 ، الاستبصار 1 : 467.
2 ـ الفقيه 2 : 87 / 394 ، التهذيب 3 : 69 / 226 ، الاستبصار 1 : 467 / 1807 الوسائل 8 : 45 أبواب نافله شهر رمضان ب 10 ح 1.
3 ـ المختلف : 126.
4 ـ التهذيب 3 : 61 / 209 ، الاستبصار 1 : 461 / 1794 ، الوسائل 8 : 26 أبواب نافله شهر رمضان ب 10 ح 1.
5 ـ نقله صاحب الحدائق 10 : 514 عن بعض المحققين من متأخري المتأخرين.
6 ـ الكافي 4 : 6 / 155 ، التهذيب 3 : 68 / 221 ، 222 ، الاستبصار 1 : 463 / 1799 ، الوسائل 8 : 34 أبواب نافلة شهر رمضان ب 7 ح 8 ، 10.
7 ـ لم نعثر عليه في كتب الحديث ، ورواه المحقق في المعتبر 2 : 366 عن الأصحاب عن محمد ابن مسلم ، ومتنه : سمعت ابراهيم بن هشام يقول : هذا شهر رمضان فرض الله صيامه وسن رسول الله صلي عليه واله قيامه ، فذكرت ذالك لأبي جعفر عليه السلام فقال : « كذب ابراهيم ابن هشام ، كان رسول الله صلي الله واله يصلي من اليل ثلاث عشرة ركعة منه الوتر وركعتان قبل الفجر في رمضان وغيره ».
8 ـ الوافي 11 : 438.


(90)
    وقد اختلفوا في كيفية توزيع الألف ركعة على الشهر ، فالمشهور أنه يصلّى ( في كل ليلة ) من العشرين الأوّلين ( عشرون ركعة ) موزّعة هكذا ( بعد المغرب ثماني ركعات ، وبعد العشاء اثنتا عشرة ركعة ، وفي العشر الأواخر في كل ليلة ثلاثون ) ركعة موزّعة كما مرّ ، بعد المغرب ثماني ركعات والباقي بعد العتمة ( وفي ليالي الأفراد ) المحتملة لليلة القدر ( في كل ليلة ) منها ( مائة ) ركعة ( مضافاًً إلى ما عيّن ) فيها من العشرين في الاُولى والستين في الأخيرتين.
    للنصوص المستفيضة الدالة على هذا التفصيل بتمامه بعد ضمّ بعضها إلى بعض (1) ، وهي متفقة الدلالة على كيفية توزيع العشرين والثلاثين بجعل الثمان بعد المغرب والباقي بعد العشاء مطلقاً.
    خلافاً للنهاية والإسكافي (2) ، فخيّرا في العشرين بين ذلك وبين عكسه فيصلي اثنتي عشرة ركعة بين المغرب والعتمة ، وثماني ركعات بعد العتمة كما في الموثقة (3) ، جمعاًً بينها وبين المستفيضة.
    وللقاضي والحلبي (4) في الثلاثين ، فيصلي ما بين العشاءين اثنتي عشرة ركعة ، وثماني عشرة بعد العشاء كما في الخبر (5).
    وربما يقال هنا بالتخيير أيضاًً جمعاًً. ولا بأس به وإن كان المشهور أولى ،
1 ـ الوسائل 8 : 28 أبواب نافلة شهر رمضان ب 7.
2 ـ النهاية : 14 ، ونقله عن الاسكافي في المختلف : 126.
3 ـ الفقيه 2 : 88 / 397 ، التهذيب 3 : 63 / 214 ، الاستبصار 1 : 462 / 1797 ، الوسائل 8 : 30 أبواب نافلة شهر رمضان ب 7 ح 3.
4 ـ القاضي في المهذب ب 1 : 145 ، الحلبي في الكافي في الفقه : 159.
5 ـ التهذيب 3 : 62 / 213 ، الاستبصار 1 : 462 / 1796 ، الوسائل 8 : 29 أبواب نافلة شهر رمضان ب 7 ح 2.
رياض المسائل ـ الجزء الرابع ::: فهرس