رياض المسائل ـ لجزء الرابع ::: 136 ـ 150
(136)
الاثنين والثلاث والأربع.
    ( ففي ) القسم ( الأول ) من هذه الصور ( يبني على الأكثر ويتم ) الصلاة ( ثمَّ ) بعد الإتمام ( يحتاط بركعتين ) حال كونه فيهما ( جالسا ، أو بركعة قائماً ).
    أما وجوب البناء على الأكثر هنا ـ بل في جميع الصور ـ فهو مذهب الأكثر ، بل عليه الإجماع في صريح الانتصار والخلاف وظاهر السرائر وغيره (1) ، وعن أمالي الصدوق أنه جعله من دين الإمامية الذي يجب الإقرار به (2) وهو الحجّة.
    مضافاً إلى الموثقة العامة لجميع الصور كالإجماعات المنقولة ، وفيها : « أجمع لك السهو في كلمتين : متى ما شككت فخذ بالأكثر ، فإذا سلّمت فأتمّ ما ظننت أنك قد نقصت » (3).
    وقصور السند مجبور بالعمل والموافقة للصحاح المستفيضة وغيرها في باقي الصور ، وخصوص الصحيح في هذه الصورة ، وفيه : رجل لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثاً ، قال : « إن دخله الشك بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة ثمَّ صلّى الاُخرى ولا شي‏ء عليه ويسلّم » (4).
    والإنصاف عدم وضوح دلالته بحيث يصلح للحجية وإن أمكن تصحيحها بنوع ممّا ذكرته في الشرح مشروحاً ، لكنه غير خال عن شوب المناقشة ،
1 ـ الانتصار : 48 ، الخلاف 1 : 445 ، السرائر 1 : 254 ؛ وانظر الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 566 ومجمع الفائدة 3 : 177 ، وروض الجنان : 351.
2 ـ أمالي الصدوق : 513.
3 ـ الفقيه 1 : 225 / 992 ، الوسائل 8 : 212 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 8 ح 1.
4 ـ الكافي 3 : 350 / 3 ، التهذيب 2 : 192 / 759 ، الاستبصار 1 : 375 / 1423 ، الوسائل 8 : 214 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 9 ح 1.


(137)
ولا حاجة لنا إليه بعد قيام الحجة ممّا قدّمنا إليه الإشارة ، مضافاًً إلى ما يحكى عن العماني من تواتر الأخبار في المسألة (1).
    وأما الصحيح : عن رجل لم يدر ركعتين صلّى أم ثلاثاً قال : « يعيد » ، قلت : أ ليس يقال : لا يعيد الصلاة فقيه ؟! فقال : « إنما ذلك في الثلاث والأربع » (2).
    فشاذّ منقول على خلافه الإجماع عن الفاضلين (3) ، وإن حكي الفتوى بمضمونه عن المقنع والفقيه (4) ، محمول على محامل أقربها الحمل على وقوع الشك قبل إكمال السجدتين كما يفهم من الصحيحة الاُولى المفصّلة بين الصورتين كالأصحاب فيما نقله عنهم جماعة (5) ، معلّلين بوجوب المحافظة على ما سبق من اعتبار سلامة الأوليين.
    ومقتضى الرواية اعتبار رفع الرأس عن السجدة. خلافاً لبعضهم ، فاكتفى بكمالها ولو لم يرفع الرأس منها (6). وهو ضعيف. وأضعف منه الاكتفاء بالركوع كما حكي في المسألة قولاً (7).
    ولا يختص هذا الحكم بما نحن فيه ، بل يجري في كل موضع تعلق فيه الشك بالاثنتين ، لما مرّ (8).
1 ـ حكاه عنه في الذكرى : 226.
2 ـ التهذيب 2 : 193 / 760 ، الاستبصار 1 : 375 / 1424 ، المقنع : 31 ، والوسائل 8 : 215 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 9 ح 3.
3 ـ المحقق في المعتبر 2 : 391 ، العلامة في المنتهى 1 : 415.
4 ـ المقنع : 31 ، الفقيه 1 : 225.
5 ـ منهم : الأردبيلي في مجمع الفائدة 3 : 176 ؛ وانظر الذكرى : 227 ، والمدارك 4 : 257.
6 ـ كالشهيد الاول في الذكرى : 227 ، والشهيد الثاني في روض الجنان 351.
7 ـ حكاه الشهيد في الذكرى : 227.
8 ـ من حكاية تصريح الاصحاب ، مضافاًً الى عموم تعليل جماعة. ( منه رحمه الله ).


(138)
    وأمّا النصوص المتضمنة للبناء على الأقل مطلقاًً (1) فغير مكافئة لما مرّ من الأدلة من وجوه عديدة وإن تضمنت الصحيح والموثق وغير هما ، سيّما مع قوة احتمال ورودها مورد التقية كما صرّح به جماعة (2) ، مع عدم صراحتها في الدلالة :
    فإنّ غاية ما تضمنه الأوّلان هو البناء على اليقين ، وهو كما يحتمل البناء على الأقل كذا يحتمل البناء على الأكثر ، بل لعلّ هذا أظهر كما يستفاد من الخبر المروي عن قرب الإسناد وفيه : رجل صلّى ركعتين وشك في الثالثة ، قال : « يبني على اليقين ، فإذا فرغ تشهد وقام وصلّى ركعة بفاتحة القرآن » (3) فتدبر.
    ووجه اليقين حينئذ ما أشار إليه جمع ومنهم المرتضى ـ رحمه اللّه ـ في الانتصار حيث قال في توجيه مذهب الأصحاب زيادة على الإجماع : ولأن الاحتياط أيضاًً فيه ، لأنه إذا بنى على النقصان لم يأمن أن يكون قد صلّى على الحقيقة الأزيد ، فيكون ما أتى به زيادة في صلاته.
    ثمَّ قال : فإذا قيل : وإذا بنى على الأكثر كان كما تقولون لا يأمن أن يكون إنما فعل الأقل فلا ينفع ما فعله من الجبران ، لأنه منفصل من الصلاة وبعد التسليم. قلنا : ما ذهبنا إليه أحوط على كل حال لأن الإشفاق من الزيادة في الصلاة لا يجري مجرى الإشفاق من تقديم السلام في غير موضعه (4).
    وقريب منه كلام الفاضلين في المعتبر والمنتهى (5) ، وكلاهما ـ كغيرهما ـ
1 ـ الوسائل 8 : 187 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1.
2 ـ منهم صاحب الحدائق 9 : 214.
3 ـ قرب الإسناد : 30 / 99 ، الوسائل 8 : 215 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 9 ح 2.
4 ـ الانتصار : 49.
5 ـ المعتبر 2 : 391 ، المنتهى 1 : 415.


(139)
كالصريح بل صريح في أنّ البناء على اليقين إنما يحصل بالبناء على الأكثر لا الأقل.
    ومن هنا ينقدح فساد نسبة جماعة (1) القول بالبناء على الأقل إلى المرتضى ـ رحمه اللّه ـ في الناصرية ، لقوله فيها : إنّ من شك في الأخيرتين يبني على اليقين ، قائلا : إنّ هذا مذهبنا ، وهو الصحيح عندنا ، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك (2). وفي قوله « هذا » إشارة اُخرى إلى ما ذكرنا أيضاًً كما لا يخفى ، فتأمل.
    وأما غيرهما فهو وإن تضمّن لفظ البناء على النقص لكنه مطلق بالنسبة إلى وقت البناء ، فيحتمل كونه بعد السلام والخروج عن الصلاة ، كما وجّه به الحلّي كلام المرتضى ، زعما منه كون البناء في كلامه ـ رحمه اللّه ـ هو البناء على الأقل ، قال في جملة كلام له : فقبل سلامه يبني على الأكثر ، لأجل التسليم ، وبعده يبني على الأقل كأنه ما صلّى إلّا ما تيقنه ، وما شك فيه يأتي به ليقطع على براءة ذمته (3).
    وبالجملة : فمعارضة هذه النصوص لما قدّمنا غير معلومة ، وعلى تقديرها فهي لها غير مكافئة ، لما عرفته. فلا وجه للقول بها ، كما لا وجه لنسبته إلى المرتضى رحمه اللّه.
    وأضعف منهما حملها على التخيير ، جمعاًً بينها وبين ما مضى ، لفقد التكافؤ أوّلاًً ، وعدم شاهد على الجمع ثانياً ، مع ندرة القائل به ، إذ لم يحك إلّا عن الصدوق (4) وقد مرّ دعواه الإجماع على البناء على الأكثر.
1 ـ منهم : صاحب المدارك 4 : 256 ، واحدائق 9 : 210 ، والمحقق السبزواري في الذخيرة 376.
2 ـ الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : 201.
3 ـ السرائر 1 : 256.
4 ـ المقنع : 31.


(140)
    هذا حكم البناء.
    وأما وجوب الاحتياط بركعتين من جلوس أو ركعة من قيام مخيّراً بينهما فلم نقف فيه ( على رواية ) بالخصوص ، نعم وردت بذلك في الصورة الثانية ، وقد أجرى هذه الصورة مجراها معظم الأصحاب كما في الذكرى (1) ، بل عامتهم ، كما يستفاد من روض الجنان (2) ، ونقلا عن العماني تواتر الأخبار بذلك.
    وبورود الرواية بكل من الأمرين هنا صرّح الحلّي في السرائر بعد أن أفتى بهما مخيّرا بينهما (3) ، وعليه الإجماع في الانتصار والخلاف (4) هنا وفي الصورة الثانية ، هو الأشهر الأقوى فيهما.
    خلافاً للمحكي عن المفيد والقاضي (5) فعيّنا الأخير مطلقاًً ، لظاهر البدلية في الموثقة (6) وغيرها.
    ويردّه ـ مضافاًً إلى ما مرّ ـ خصوص ما سيأتي من النصوص بالأول أيضاًً في الصورة الثانية ، فكذا في هذه الصورة ، لعدم القول بالفرق بينهما منهما ، بل ولا من أحد من الطائفة كا عرفته.
    وعكس العماني والجعفي (7) ، فعيّنا الأول مطلقاًً ، لظاهر الصحاح الآتية الآمرة به في الثانية ، فكذا في هذه الصورة ، لما عرفته.
    ويردّه ـ مضافاًً إلى ما مرّ ـ خصوص ما سيأتي من المرسل المنجبر بالعمل‏
1 ـ الذكرى : 226.
2 ـ روض الجنان : 351.
3 ـ السرائر 1 : 254.
4 ـ الانتصار : 49 ، الخلاف 1 : 446.
5 ـ المفيد في المقنعة : : 146 ، القاضي في المهذّب 1 : 154.
6 ـ المتقدمة في ص 136.
7 ـ نقله عنهما في الذكرى : 227.


(141)
المصرّح بالتخيير بين الأمرين ، هذا.
    والقول الأول أحوط هنا كالثاني فيما يأتي ، عملاً في كل منهما بظواهر الأخبار ، ولو لا الإجماعات المنقولة ، والروايات المرسلة المنجبرة بالشهرة ، وشبهة عدم القول بالفرق بين الصورتين لكان الاحتياط بكل منهما متعيناً ، لكن بعدها لا تأمل في التخيير ولا شبهة.
    ( و ) يفعل ( في الثاني ) منها ( كذلك ) فيبني على الأكثر ويتم ثمَّ يحتاط بما مرّ لما مرّ ، مضافاًً إلى المعتبرة المستفيضة هنا ، وفيها الصحاح وغيرها.
    ففي الصحيح : « إذا كنت لا تدري ثلاثاً صلّيت أم أربعاً ولم يذهب ووهمك إلى شي‏ء فسلّم ثمَّ صلّ ركعتين وأنت جالس تقرأ فيهما بأم الكتاب » الخبر (1).
    وظاهره كغيره وإن أفاد وجوب الجلوس في الاحتياط ، لكنه محمول على التخيير ، جمعاًً بينها وبين ما مرّ.
    ومنه صريح المرسل : « إذا اعتدل الوهم في الثلاث والأربع فهو بالخيار إن شاء اللّه صلّى ركعة وهو قائم وإن شاء صلّى ركعتين وأربع سجدات وهو جالس » الخبر (2).
    والضعف بالإرسال وغيره منجبر بما مرّ.
    وأما الصحيح الآمر بالبناء على الأقل (3) فيجاب عنه بما مرّ ، مع شذوذ
1 ـ الكافي 3 : 353 / 8 ، الوسائل 8 : 217 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 10 ح 5.
2 ـ الكافي 3 : 353 / 9 ، التهذيب 2 : 184 / 734 ، الوسائل 8 : 216 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 10 ح 2.
3 ـ الكافي 3 : 353 / 7 ، التهذيب 2 : 184 / 733 ، الوسائل 8 : 211 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 7 ح 1.


(142)
ظاهره ، إذ لم يحك عن أحد ، بل قيل هنا : لا خلاف في جواز البناء على الأكثر (1). والجمع بينه وبين ما مرّ بالتخيير ـ كما عن الصدوق والإسكافي (2) ضعفه قد ظهر ممّا سبق.
    ( و ) كذلك ) يفعل ( في الثالث ) لكن يحتاط ( بركعتين من قيام ) حتماً إجماعاً كما في الانتصار والخلاف (3) للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة (4).
    والصحيحة الدالة على الإعادة (5) شاذة وإن نقل القول بها عن المقنع (6) ، لندوره ، مع نقل الإجماع عن الفاضلين على خلافه (7) ، فلتطرح أو تحمل على الشك في نحو المغرب ، أو الرباعية مع وقوعه قبل إكمال السجدتين.
    ويستفاد من بعض الصحاح وجوب سجدتي السهو هنا (8) ، مع أنّ في جملة منها بعد صلاة الاحتياط : « لا شي‏ء عليه » (9) ولذا حمل على الاستحباب تارة ، وعلى ما إذا تكلّم ناسياًً اخرى. وهو أولى ، لورود الصحيح باشتراطه فيهما (10). وأمّا جعله من جملة النصوص بالبناء على الأقل فبعيد كما بيّنّاه في‏
1 ـ المدارك 4 : 258.
2 ـ نقله عنهما في المختلف : 133.
3 ـ الانتصار : 48 ، 49 ، تلخالف 1 : 445.
4 ـ الوسائل 8 : 222 أبواب الخلل الواقع الصلاة ب 13.
5 ـ التهذيب 2 : 186 / 741 ، الاستبصار 1 : 373 / 1417 ، الوسائل 8 : 221 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 7.
6 ـ المقنع : 31.
7 ـ لم نعثر عليه في كتب المحقق ونقله عنه في الذخيرة : 376 ، العلامة في التذكرة 1 : 139.
8 ـ التهذيب 2 : 185 / 738 ، الوسائل 8 : 221 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 8.
9 ـ الوسائل 8 : 220 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 3 ، 4 ، 6.
10 ـ الكافي 3 : 352 / 4 ، التهذيب 2 : 186 / 739 ، الاستبصار 1 : 372 / 1415 ، الوسائل 8 : 206 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 2.


(143)
الشرح مستوفى ، وعلى تقديره يحمل على التقية كما قدّمناه في نظائره.
    ( و ) كذلك يفعل ( في الرابع ) لكنه يحتاط فيه ( بركعتين من قيام ثمَّ بركعتين من جلوس ) على الأظهر الأشهر ، بل عليه الإجماع في الانتصار (1) ، للمرسل المنجبر بالعمل ، مع كونه في حكم الصحيح على الأشهر الصحيح : في رجل صلّى فلم يدر اثنتين صلّى أم ثلاثاً أم أربعاً ، قال : « يقوم فيصلّي ركعتين من قيام ويسلّم ، ثمَّ يصلّي ركعتين من جلوس ويسلّم » (2).
    خلافاً للصدوقين والإسكافي (3) ، فاكتفوا بركعة من قيام واثنتين من جلوس للصحيح (4).
    وفي كل من سنده ومتنه اضطراب بيّنت وجههما في الشرح. وممّا يتعلق بالمتن وجود نسخة بركعتين من قيام ، بدل ركعة من قيام ، كما هو المشهور ، ويمكن ترجيحها بالموافقة للرواية السابقة ، مضافاًً إلى الشهرة العظيمة ، إلّا أنّ النسخة المشهورة ضبطا هي الاُولى.
    ويؤيدها الرضوي (5) المصرّح بعينها من غير نقل اختلاف فيها. لكنه كالصحيح قاصر عن مقاومة الرواية الاُولى لشهرة الفتوى بها ، سيّما من نحو الحلّي والمرتضى ـ رحمهما اللّه ـ اللذين لم يعملا إلّا بالمجمع عليه والمتواترات والآحاد المحفوفة بالقرائن قطعاًً.
1 ـ الانتصار : 48 ، 49.
2 ـ الكافي 3 : 353 / 6 ، التهذيب 2 : 187 / 742 ، الوسائل 8 : 223 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 13 ح 4.
3 ـ نقله عنهما في المختلف : 133.
4 ـ الفقيه 1 : 230 / 1021 ، الوسائل 8 : 222 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 13 ح 1.
5 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 118 ، المستدرك 6 : 411 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 12 ح 1.


(144)
    وتقوية الشهيد في الذكرى (1) هذا القول من حيث الاعتبار منظور فيها كما بيّنته في الشرح مستوفى.
    ثمَّ إنّ وجوب الوقوف على المنصوص يقتضي تعيّن الركعتين من جلوس بعد الركعتين من قيام كما هو المشهور ، بل عزا الأول في الذكرى إلى الأصحاب (2) ، فلا يجوز تبديلهما بركعة مطلقاًً ، لا حتما كما عن المفيد في العزّية والديلمي (3) ، ولا تخييراً بينهما كما عن الفاضل والشهيدين (4).
    ولا تقديمهما على الركعتين من قيام مطلقاًً ، لا حتما كما حكي قولا (5) ، ولا تخييرا كما عن المرتضى في الانتصار وأكثر الأصحاب (6).
    وفي الحكاية عنهم نظر إذ ليس في عبارة نحو الانتصار ما يوهم التخيير عدا عطف الركعتين من جلوس عليهما من قيام بالواو (7) ، المفيدة لمطلق الجمعية ، دون « ثمَّ » المفيدة للترتيب.
    وفي الاكتفاء بمثل ذلك في النسبة مناقشة ، سيّما مع عدم العلم بمذهبهم في الواو هل تفيد الترتيب أو مطلق الجمعية ، مع كون مستندهم في الحكم الرواية المفيدة للترتيب بلا شبهة ولذا أن في الروضة عزا الترتيب بينهما إلى المشهور كما ذكرنا ، قال : رواه ابن أبي عمير عن الصادق عليه السلام ،
1 ـ الذكرى : 226.
2 ـ الذكرى : 226.
3 ـ نقله عن العزية في الذكرى : 226 ، المراسم : 89.
4 ـ الفاضل في المنتهى 1 : 416 ، الشهيد الاول في الذكرى : 226 ، الشهيد الثاني في الروضة 1 : 330 ، وروض الجنان : 351.
5 ـ حكاه الشهيد الثاني في روض الجنان : 352.
6 ـ نقله عنهم في الذكرى : 226.
7 ـ الانتصار : 48.


(145)
عاطفا لركعتي الجلوس بثم كما ذكر هنا ، فيجب الترتيب بينهما (1) ، وفي الدروس جعله أولى (2).
    أقول : ونحو الرواية في العطف بثمّ الصحيحة المتقدمة.
    واعلم : أنه يجب أن يكون ( كلّ ذلك ) أي كل من هذه الصلوات الاحتياطية ( بعد التسليم ) بلا خلاف أجده للأمر به قبلها ثمَّ بها بعده في الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ، مع تضمن جملة منها ـ وفيها الصحيح وغيره ـ أنه إن كان ما صلّاه تماماً كانت هذه نافلة ، ولا يستقيم ذلك إلّا بعد انفرادها عن الفريضة وخروجها عنها ليتوجه احتمال وقوعها نافلة ، فتأمل جدّاً.
    وما تضمّن الأمر ببعضها مطلقاًً من النصوص مقيدة بذلك جمعاًً.
    ومن هنا يظهر وجوب اعتبار النية فيها والإحرام والتشهد والتسليم ، بل جميع واجبات الصلاة ، عدا القيام ، إلّا حيث يجب لأنها صلاة منفردة ، مضافاًً إلى ورود الأمر بجملة منها في جملة منها.
    وهل يتعين فيها قراءة الفاتحة خاصة ، أم لا بل يتخير بينها وبين التسبيح ؟ الأكثر على الأول. وهو الأظهر للأمر بها في نصوصها (3) مع تضمن جملة منها كما عرفت احتمال وقوعها نافلة ، ولا صلاة إلّا بفاتحة.
    خلافاً للمفيد والحلّي (4) فالثاني ، للبدلية المستفادة من هذه ، مضافاًً إلى الموثقة العامة (5). وضعفه ظاهر ممّا عرفته.
1 ـ الروضة 1 : 330.
2 ـ الدروس 1 : 203.
3 ـ في « ش » زيادة : كالسجدات والتشهد والتسليم.
4 ـ المفيد في المقنعة : 146 ، الحلبي في السرائر 1 : 256.
5 ـ المتقدمة في ص : 136.


(146)
    وهل يجب تعقيبها للصلاة من غير تخلل المنافي ؟ ظاهر الأكثر : نعم ، بل جعله في الذكرى ظاهر النصوص والفتاوي (1) ، معرباً عن الإجماع.
    وعليه فتبطل بتخلله كما عن المفيد (2) ، وعليه الفاضل في المختلف والشهيد في الذكرى (3) ، مستدلّين عليه بما يرجع حاصله إلى أنّ شرعيته ليكون استدراكاً للفائت من الصلاة ، فهو على تقدير وجوبه جزء من الصلاة فيكون واقعا في الصلاة فيبطلها ، حتى ورد سجود سجدتي السهو للكلام قبله ناسياً.
    وللأمر به فورا في الصحيح (4) ، وتخلّل الحدث يوجب الإخلال به ، وهو يوجب بقاء التكليف بحاله ، ولا يخرج عنه إلّا بإعادة الصلاة.
    خلافاً للحلّي وجماعة من المتأخرين (5) ، فلا تبطل بتخلله ؛ لوجوه اعتبارية مرجعها إلى إنكار عموم البدلية ، ومنع اقتضائها مساواة البدل للمبدل منه في جميع الأحكام التي منها بطلان الصلاة بتخلل المنافي بينها.
    وهو ضعيف كما برهن في محلّه مستقصى ، ولو سلّم فإيجاب سجدتي السهو لما مرّ قرينة على إرادته هنا.
    وكذا الكلام في تخلله بين الصلاة والأجزاء المنسية. بل الحكم بالبطلان به هنا أولى ؛ للقطع بجزئيتها. وخروجها كالاحتياط عن محض الجزئية في بعض الموارد الإجماعية للضرورة لا يقتضي الخروج عنها بالكلية ، هذا.
    ولا ينبغي ترك الاحتياط في نحو المسألة ، ويحصل بإتيان البدل بعد
1 ـ الذكرى : 227.
2 ـ نقله عنه في المختلف : 139.
3 ـ المختلف : 139 ، الذكرى : 227.
4 ـ التهذيب 2 : 185 / 738 ، الوسائل 8 : 221 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 8.
5 ـ الحلي في السرائر 1 : 256 ؛ وانظر إرشاد الأذهان 1 : 270 ، وروض الجنان : 353 ، والمدارك 4 : 267.


(147)
تخلّل الحدث ، ثمَّ إعادة الصلاة من رأس.
    واعلم : أنّ ظاهر إطلاق النص والفتوى يقتضي صحة الصلاة بعد الاحتياط وإن تذكّر كونه متمماً لها ، بل به صرّح الموثق : « وإن ذكرت أنك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت » (1).
    وعمومه كإطلاق البواقي يقتضي عدم الفرق في ذلك بين جميع الصور حتى الرابعة.
    خلافاً للشهيد في الذكرى فاستشكل الحكم في هذه الصورة ، إلّا أنه بعد ذلك قوّى الصحة ، قال : لأن امتثال الأمر يقتضي الإجزاء ، والإعادة خلاف الأصل ، ولأنه لو اعتبر المطابقة لم يتم لنا احتياط يذكر فاعله الاحتياج إليه ، لحصول التكبير الزائد المنوي به الافتتاح (2). انتهى. وهو حسن.
    ولو ذكر في أثناء الاحتياط الاحتياج إليه ففي الإجزاء مطلقاًً ، أو الإعادة كذلك ، أو التفصيل بين ما طابق فالأول وإلّا فالثاني أوجه. ولعلّ أوجهها الأول ؛ لاقتضاء امتثال الأمر الإجزاء ، وجعله في الروضة (3) والسابق ظاهر الفتوى مشعراً بكونهما إجماعياً ، ولكن الأحوط الإتمام ثمَّ الإعادة.
    ولو ذكر عدم الاحتياج إليه ففي جواز نقضه أو العدم وجهان ، مبنيان على جواز إبطال النافلة اختياراً أم لا ، وقد مرّ الكلام فيه مستوفى.
    ( و ) اعلم : أنه ( لا سهو ) ولا حكم له ( على من كثر سهوه ) بلا خلاف أجده ، والمعتبرة به مع ذلك مستفيضة ، ففي الصحيح وغيره : « إذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك » (4) وزيد في الأول : « فإنه يوشك أن يدعك‏
1 ـ التهذيب 2 : 349 / 1448 ، الوسائل 8 : 213 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 8 ح 3.
2 ـ الذكرى : 227.
3 ـ الروضة 1 : 334.
4 ـ الوسائل 8 : 227 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 16.


(148)
الشيطان » (1).
    وهل المراد بالسهو فيهما وفي غيرهما من الفتاوي خصوص الشك ، كما عن صريح المعتبر وظاهر الفاضل في التذكرة والنهاية والمنتهى (2) ؟
    أو ما يعمّه والسهو بالمعنى المقابل له ، كما في صريح الروضة وروض الجنان (3) ، وعن ظاهر جماعة (4) ؟
    وجهان ، بل قولان :
    من عموم ما دلّ على لزوم الإتيان بمتعلق السهو وموجبه ، مع سلامته عن معارضة هذه النصوص ؛ لاختصاص جملة منها بالشك ، والاتفاق على إرادته من لفظ السهو فيما عداها. وإرادة معناه الحقيقي منه أيضاًً توجب استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي والمجازي ، وهو أمر مرغوب عنه عند المحققين.
    وارتكاب عموم المجاز حسن مع قيام القرينة عليه بالخصوص ، ولم نجدها ، والاتفاق على إرادة الشك أعم من إرادته ، لاحتمال كونه قرينة على إرادة الشك بالخصوص.
    وبالجملة : الاتفاق على إرادة الشك في الجملة ، أما أنها على الخصوص أو من حيث العموم ، فأمر غير معلوم ، واحتماله لا يوجب الخروج عن العموم المتقدم المقطوع ، سيّما مع كونه مرجوحاً ، لاتفاق المعمّم صريحاً بل مطلقاًً ـ كما قيل (5) ـ على بطلان الصلاة بالسهو عن الركن مطلقاًً ، ووجوب تدارك‏
1 ـ الكافي 3 : 359 / 8 ، الفقيه 1 : 224 / 989 ، التهذيب 2 : 343 / 1424 ، الوسائل 8 : 227 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 16 ح 1.
2 ـ المعتبر 2 : 393 ، التذكرة 1 : 136 ، نهاية الاحكام 1 : 533 ، المنتهى 1 : 411.
3 ـ الروضة 1 : 339 ، روض الجنان : 343.
4 ـ منهم : الشيخ في المبسوط 1 : 119 ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 565 ، وابن إدريس في السرائر 1 : 248.
5 ـ قال به العلامة المجلسي في بحار الانوار 85 : 277.


(149)
غيره فيها أو بعدها كذلك ، فتنحصر فائدة نفي السهو بهذا المعنى في سقوط سجدتي السهو له كما صرّح به أيضاًً ، وارتكاب مثل هذا التخصيص بعيد جداً ، مع أنّ الموجود في الصحيح وغيره المتقدمين إنما هو المضي في الصلاة ، وهو غير مناف لوجوب السجدتين بعدها ، فكيف يجعلان دليلاً على سقوطهما ؟!.
    ومن قرب احتمال حمل السهو المنفي على المعنى الأعم الشامل للشك ، وله بالمعنى الأخص لكونه أقرب المجازين إلى الحقيقة المتعذرة ، فهو الدليل عليه ، ولا وجه لمنعه.
    والحكم بوجوب تدارك المسهو عنه في الصلاة أو بعدها لا يوجب تخصيص نفي السهو ، إذ ليس هو السبب في وجوب الحكم بتداركه ، وإنما السبب عموم أدلته ، وسببية السهو ليست إلّا بالنسبة إلى سجود السهو ، فلا يجب مع الكثرة وليس فيه تخصيص بالمرة.
    بالجملة : المراد من السهو المنفي موجبه ، وليس إلّا خصوص سجود السهو ، وإلّا فالمسهوّ عنه ما وجب أداء وتداركا إلّا بعموم أدلة لزوم فعله ، وكذا فساد الصلاة بالسهو عن الركن لم ينشأ من نفس السهو بل من حيث الترك حتى لو حصل من غير جهته لفسدت أيضاً.
    فهذا القول أقوى وإن كان الأول أحوط (و أولى) (1).
    وحيث تعيّن الشك أو كان مرادا فهل المراد بكثرته ما يترتب عليه حكم من نقض أو تدارك أو سجود سهو ؟ أو ما يعمّه وغيره حتى لو شك خلافاً بعد تجاوز المحل ، أو في النافلة ، أو مع رجحان الطرف في الأخيرتين أو مطلقاًً ثمَّ شك شكا يترتب عليه حكم لسقط ؟
    وجهان ، بل قيل : قولان (2) ، ولعل الأجود : الأول كما اخترناه في الشرح ،
1 ـ ليست في « م »
2 ـ انظر الأربعين للعلامة المجلسي : 551.


(150)
اقتصاراً فيما خالف الأصل الدالّ على لزوم حكم الشك على المتيقن من النص ، وليس إلّا الشك الكثير الذي له حكم.
    ثمَّ المراد بنفي الشك عدم الالتفات إليه والبناء على وقوع المشكوك فيه وإن كان في محلّه ما لم يستلزم الزيادة فيبني على المصحّح ، على ما صرّح به جمع (1) ، من غير خلاف فيه بينهم يعرف ، وبه صرّح بعض (2).
    ولعلّه لتبادر ذلك من النصوص ، مع ظهور جملة منها في بعض أفراد المطلوب ، كالصحيح الوارد فيمن لم يدر كم صلّى أنه لا يعيد (3) ، والموثق الوارد في الشاك في الركوع والسجود أنه لا يعود إليهما ويمضي في صلاته حتى يستيقن يقيناً (4) ، ولا قائل بالفرق.
    وظاهر النصوص بل الفتاوي أيضاًً كون ذلك حتما لا رخصة. وعليه فلو أتى بالمشكوك فيه فسد الصلاة قطعاًً إن كان ركناً ، وكذا إن كان غيره على الأقوى كما بيّنته في الشرح مستوفى.
    ولو كثر شكه في فعل بعينه فهل يعدّ كثير الشك مطلقاًً فيبني مطلقاًً في غيره على فعله أيضاًً ، أم يقتصر على ذلك ؟
    وجهان ، أجودهما الأول ، وفاقاًً لجمع (5) للإطلاق المؤيد بالتعليل الوارد
1 ـ منهم : الشهيد الثاني في الروضة 1 : 339 ، وصاحب المدارك 4 : 271 ، والعلامة المجلسي في البحار 85 : 278 ، وصاحب الحدائق 9 : 295.
2 ـ الحدائق 9 : 295.
3 ـ الكافي 3 : 358 / 2 ، التهذيب 2 : 188 / 747 ، الاستبصار 1 : 374 / 1422 ، الوسائل 8 : 228 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 16 ح 2.
4 ـ التهذيب 2 : 153 / 604 ، الاستبصار 1 : 362 / 1372 الوسائل 8 : 229 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 16 ح 5.
5 ـ منهم : الشهيد في الذكرى : 223 ، وصاحب المدارك 4 : 272 ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : 371.
رياض المسائل ـ الجزء الرابع ::: فهرس