رياض المسائل ـ لجزء الرابع ::: 151 ـ 165
(151)
في النصوص بأن ذلك من الشيطان (1) ، وهو عام.
    والمرجع في الكثرة إلى العرف ، وفاقاً للأكثر ، لأنه المحكّم فيما لم يرد به بيان من الشرع.
    وتحديده في الصحيح بالسهو في كل ثلاث (2) مجمل ، لتعدد محتملاته وإن كان أظهرها كون المراد أنه لا يسلم من سهوه ثلاث صلوات متتالية ، ولكن ليس فيه مخالفة للعرف ، بل لعلّه بيان له وليس حصراً.
    خلافاً ، لابن حمزة ، فإن يسهو ثلاث مرات متوالية (3).
    وللحلّي ، فأن يسهو في شي‏ء واحد أو فريضة ثلاث مرّات ، فيسقط بعد ذلك حكمه ، أو يسهو في أكثر الخمس أعني الثلاث منها فيسقط في الفريضة الرابعة (4).
    ولم نعرف لشي‏ء منها حجة ، إلّا أن يراد بيان المعنى العرفي لا التحديد الشرعي فلا نزاع ، وإن كان يستشكل في مطابقة بعضها على الإطلاق للعرف.
    ومتى حكم بثبوت الكثرة بالثلاثة تعلق الحكم بالرابع ، ويستمر إلى أن يخلو من السهو فرائض يتحقق بها الوصف ، فيتعلق به حكم السهو الطارئ إن حدّدناها بها ، ويحتمل مطلقاًً كما في الذكرى (5) ، وبه قطع شيخنا في روض الجنان والروضة (6). وهو حسن إن صدق زوال الكثرة عرفاً بذلك ، وإلّا فلا يتعلق حكم السهو الطارئ إلّا بزوال الشك غالباً بحيث يصدق في العرف أنه‏
1 ـ الوسائل 8 : 227 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 16.
2 ـ الفقيه 1 : 224 / 990 ، الوسائل 8 : 229 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 16 ح 7.
3 ـ الوسيلة : 102.
4 ـ السرائر 1 : 248.
5 ـ الذكرى : 223.
6 ـ روض الجنان : 343 ، الروضة 1 : 340.


(152)
غير كثير الشك كما أفتى به في الذكرى أوّلاًً ، وهو الأقوى وإن كان الأول محتملاً.
    ( و ) كذا ( لا ) حكم للسهو ( على من سها في سهو ) بلا خلاف للصحيح : « ليس على الإمام سهو ، ولا على من خلف الإمام سهو ، ولا على السهو سهو ، ولا على الإعادة إعادة » (1).
    ولكن في العبارة إجمال ، لاحتمال كون المراد بالسهو في المقامين معناه المعروف خاصة ، أو الشك كذلك ، أو الأول في الأول والثاني في الثاني ، أو بالعكس.
    وعلى التقادير يحتمل السهو الثاني نفسه من دون حذف مضاف ، وحذفه من الموجب بالفتح ، فالصور ثمان.
    وظاهر جملة من المتأخرين إمكان إرادتها من النص أجمع (2). وهو مشكل ، لمخالفته لمقتضى الأصل في جملة منها ، والخروج عنه بمثل هذا النص المجمل مشكل.
    هذا ، مع ظهور سياق النص والعبارة ـ كغيرها ـ في كون المراد من السهو في المقامين هو المعنى الثاني ، وربما يظهر من الفاضل وغيره عدم الخلاف فيه ، وأن مورده إنما هو كون المراد من السهو الثاني هو الشك نفسه أو موجبة بالفتح.
    قال في المنتهى : ومعنى قول الفقهاء : لا سهو في السهو ، أي لا حكم للسهو في الاحتياط الذي يوجبه السهو ، كمن شك بين الاثنتين والأربع فإنه‏
1 ـ الكافي 3 : 359 / 7 ، التهذيب 2 : 344 / 1428 ، الوسائل 8 : 240 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 3.
2 ـ كما في الذخيرة : 369.


(153)
يصلي ركعتين احتياطاً ، فلو سها فيهما ولم يدر صلّى واحدة أو اثنتين لم يلتفت إلى ذلك. وقيل : معناه أنّ من سها فلم يدر سها أم لا لم يعتدّ به ولا يجب عليه شي‏ء ، والأول أقرب (1).
    وأظهر منه كلام التنقيح ، فإنه قال بعد نقل العبارة : وله تفسيران ، الأول : أن يشك فيما يوجبه الشك كالاحتياط وسجود السهو. الثاني : أن يشك هل شك أم لا ، قال : وكلا هما لا حكم له ، ويبني في الأول على الأكثر ، لأنه فرضه (2).
    ونقلهما في أمثال ذلك حجّة ، وعليه فلا يمكن إرادة السهو بالمعنى المعروف مطلقاًً ، لما مضى. وعليه فيندفع أكثر وجوه الإجمال ويبقى من حيث الاختلاف بين التفسيرين.
    ولا ريب في مطابقة الثاني لمقتضي الأصل فلا يحتاج إلى النص وإن أكده على تقدير وضوح دلالته على ما يطابقه. وإنما المحتاج إليه إنما هو الأول لمخالفته الأصل الدال على لزوم تحصيل المأمور به على وجهه ، ولا يتم إلّا مع عدم الشك ، مضافاًً إلى إطلاق ما دلّ على لزوم تدارك المشكوك مع بقاء المحل مثلاً ، فتأمل.
    وحيث إن النص يحتمله والثاني ، لا يمكن التمسك به لإثباته ، إلّا أن يرجح إرادته بإخبار الفاضل كونه مراد الفقهاء ، مع ظهوره من كلماتهم واستدلالهم بالنص على أنه لا سهو في سهو ، بناءً على أن ظاهره إثبات حكم مخالف للأصل لا موافق له ، وليس إلّا على تقدير التفسير الأول.
    مع اعتضاده بما في المعتبر والمنتهى وغير هما (3) من الاعتبار ، وهو أنه لو
1 ـ المنتهى 1 : 411.
2 ـ التنقيح الرائع 1 : 262.
3 ـ المعتبر 1 : 394 ، المنتهى 1 : 411 ؛ وانظر نهاية الاحكام 1 : 533.


(154)
تداركه أمكن أن يسهو ثانياً ولا يتخلص من ورطة السهو ، ولأنه حرج فيسقط اعتباره ولأنه شرّع لإزالة حكم السهو فلا يكون سبباً لزيادته.
    وممّا ذكرنا ظهر استقامة الحكم على كلا التفسيرين ، كما هو ظاهر كلام التنقيح المتقدم ، وهو لازم لكل من اختار التفسير الأول ، لموافقة الثاني للأصل.
    والمتبادر من عدم الالتفات إلى المشكوك فيه البناء على الأكثر إن لم يستلزم الفساد ، وإلّا فعلى المصحّح ، كما مرّ في كثير الشك ، وبه صرّح جمع (1) ، لمقتضى التعليلات المتقدمة.
    خلافاً لنادر من متأخري المتأخرين (2) ، فاحتمل البناء على الأقل ، وهو ضعيف.
    واعلم : أن قوله عليه السلام في الصحيحة : « ولا على الإعادة إعادة » فسرّ بتفسيرين أظهر هما أنه إذا أعاد الصلاة لخلل موجب للإعادة ثمَّ حصل أمر موجب لها فإنه لا يلتفت إليه ، ويعضده الصحيح : « لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه ، فإنّ الشيطان خبيث معتاد لما عوّد » (3).
    والاعتياد لغةً يحصل بالمرتين كما صرّح به في الحيض. لكن في حصوله بهما عرفاً تأمل وبعد ، إلّا أن يدفع بملاحظة الصحيحة والرضوي الوارد في الشك في الاُوليين أنه يعيد مطلقاًً ، ويبني على المظنون لو شك ثانياً ، وقد مرّ فتوى والد الصدوق به (4). لكنه كما عرفت شاذّ ، فالمصير إليه مشكل. وكذا إلى‏
1 ـ منهم : الشهيد الثاني في روض الجنان : 341 ، والروضة 1 : 339 ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : 369.
2 ـ مجمع الفائدة 3 : 136.
3 ـ الكافي 3 : 358 / 2 ، التهذيب 2 : 188 / 747 ، الاستبصار 1 : 374 / 1422.
4 ـ راجع ص 133.


(155)
الصحيح ، لعدم وضوح القائل به كما صرّح به جمع (1) ، مع ظهور الفتاوي في انحصار المقتضي لعدم الالتفات إلى الشك في اُمور محصورة ليس ما في الصحيح شيئاً منها بلا شبهة وإن جعل في الذكرى وغيره (2) من الشك الكثير ، لضعفه (3) بأن الحكم بعدم الإعادة لا يستلزم الكثرة ، وبه صرّح جماعة (4).
    وربما يوجّه بوروده مورد الغالب ، وهو كثير الشك لأنه الذي يحصل له الشك بعد الإعادة أيضاًً غالباً دون غيره ، فنفي الإعادة على الإعادة إنما هو للكثرة.
    وفيه نظر ، لجريانه في نفي السهو على من سها في سهو الذي تضمنه الصحيح أيضاً. وحمله على الغالب يخرجه عن صلاحيته للاستدلال به على نفي السهو في السهو من حيث هو سهو في سهو وإن لم يكن هناك كثرة ، كما هو الفرض في البحث السابق ، وهو خلاف طريقة المستدلين به لذلك حتى الموجّه ، مع أن دعوى الغلبة لا تخلو عن مناقشة ، هذا.
    ولا يبعد العمل بما في الصحيحة ، لحجيتها ، وظهور دلالتها ، واعتضادها بغيرها ، وعدم القطع بشذوذها وإن لم يظهر قائل صريح بها ، فإنّ ذلك لا يستلزم الإجماع على خلافها. ولكن الاحتياط بالإعادة إلى أن يحصل مزيل حكم الشك أولى.
    ( و ) اعلم : أنّ ما تضمنته الصحيحة من أنه ( لا ) سهو ( على المأموم ، ولا على الإمام ) بمعنى الشك لا خلاف فيه يعرف ، وبه صرّح بعض (5) ، وذكر جمع أنه مقطوع به بين الأصحاب (6) ، مؤذنين بدعوى الإجماع‏
1 ـ منهم : صاحب المدارك 4 : 274.
2 ـ الذكرى : 223 ، وانظر المدارك 4 : 274.
3 ـ أي الجعل المذكور. منه رحمه الله.
4 ـ منهم المحقق السبزواري في الذخيرة : 371.
5 ـ كصاحب الحدائق 9 : 268.
6 ـ منهم : صاحب المدارك 4 : 269 ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : 369.


(156)
عليه ، وهو حجة اُخرى بعد الصحيحة.
    مضافاً إلى المعتبرة الأخر ، منها الصحيح : عن رجل يصلّي خلف الإمام لا يدري كم صلّى ، هل عليه سهو ؟ قال : « لا » (1).
    والمرسل : « ليس على الإمام سهو ( إذا حفظ عليه من خلفه ) سهوه بإيقان أو اتفاق منهم ـ على اختلاف النسخ ـ وليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام » (2).
    وما فيه من اشتراط حفظ كلّ منهما على الآخر في نفي حكم الشك مقطوع به بينهم ، ولا ريب فيه ، لأنّ الحكم برجوع كلّ منهما إلى الآخر على التعيين مع التساوي في الشك ترجيح من غير مرجح ، وبه يقيد إطلاق باقي الأخبار.
    والمتبادر من الحفظ وعدم السهو المشترط هو الحفظ بعنوان القطع ، كما يدّل عليه لفظ الإيقان في بعض النسخ ، فالحكم برجوع الشاك منهما إلى الظان مشكل ، وكذا الظان إلى المتيقن ، وإن صرّح بهما جماعة (3) ، لعموم ما دل على تعبّد المصلّي بظنه ، والتخصيص يحتاج إلى دليل ، وليس.
    إلّا أن يقال : إنّ السهو بمعنى الشك المنفي حكمه عن كل من الإمام والمأموم في الفتاوي والنصوص يشمل الظن ، لأعميته لغة منه ومن الشك بالمعنى المعروف ، فنفيه بعنوان العموم يقتضي دخولهما فيه.
1 ـ التهذيب 2 : 350 / 1453 ، الوسائل 8 : 239 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 1.
2 ـ الكافي 3 : 358 / 5 ، الفقيه 1 : 231 / 1028 ، التهذيب 3 : 54 / 187 ، الوسائل 8 : 241 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 8.
3 ـ منهم : الشهيد الثاني في روض الجنان : 342 ، والروضة 1 : 341 ، وصاحب المدارك 4 : 270 ، والفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 179.


(157)
    مع أن في الخبر : « الإمام يحفظ أوهام من خلفه » (1) ويدخل في الأوهام الظن ، لإطلاقه عليه في الشرع.
    وحفظ الإمام على من خلفه الأوهام معناه : أنه يترك وهمه ويرجع إلى يقين الإمام. وإذا ثبت الحكم في هذا الفرد ثبت في العكس ، لعدم تعقل الفرق ، مع عدم ظهور قائل به.
    بل ولا الفرق بين رجوع الظان إلى المتيقن مطلقاًً ، والشاك إلى الظان كذلك ، لكن الحكم في هذا مشكل إن لم يبلغ حدّ الإجماع.
    وما قيل في توجيهه من أن الظن في باب الشك بمنزلة اليقين (2) فضعيف ، لمنع المنزلة بالنسبة إلى غير الظان ، كيف لا وهو أول الكلام ، وتسليمها بالنسبة إليه لا يجدي نفعاً ، فعدم الرجوع أقوى إن لم يفد ظناً ، وإلّا فالرجوع متعين ، كما يتعين على الظان الرجوع إلى المتيقن إذا أفاده ظناً أقوى مطلقاًً وإن قلنا بالمنع فيه أيضاًً مع عدم إفادة الرجوع الظن الأقوى ، لكنه خروج عن محل البحث ، وهو رجوع كل منهما إلى الآخر مع حفظه مطلقاًً ولو لم يفده ظناً ، كما يقتضيه إطلاق النصوص والفتاوي.
    وعليه فلا يشترط عدالة المأموم ولا تعدده ، فيرجع إليه الإمام ولو كان واحداً فاسقاً ، ولا يتعدى إلى غيره وإن كان عدلاً ، نعم لو أفاده الظن رجع إليه لذلك لا لكونه مخبرا.
    ولو اشتركا في الشك واتّحد محلّه لزمهما حكمه ، كما أنهما لو اتّفاقا على الظن واختلف المحل تعيّن الانفراد ، وإن اختلف رجعا إلى ما اتفقا عليه وتركا ما
1 ـ الكافي 3 : 347 / 3 ، الفقيه 1 : 264 / 1205 ، التهذيب 2 : 144 / 563 ، الوسائل 6 : 14 ، 15 أبواب تكبيرة الاحرام ب 2 ح 6 ، 12 وفي الجميع : يحمل ، بدل : يحفظ ، وراها في التهذيب 3 : 277 / 812 بلفظة : يحتمل.
2 ـ مجمع الفائدة والبرهان 3 : 139.


(158)
انفرد كلّ به ، وإن لم يجمعهما رابطة تعيّن الانفراد ولزم كلا منهما حكم شك نفسه.
    ولو تعدّد المأموم واختلفوا مع الإمام فالحكم كالأول في رجوع الجميع إلى الرابطة والانفراد بدونها.
    ولو اشترك الشك بين الإمام وبعضهم قيل : يرجع الإمام إلى الذاكر منهم وإن اتحد ، وباقي المأمومين إلى الإمام (1).
    وفيه نظر ، بل ظاهر المرسل المتقدم اعتبار اتّفاق المأمومين ، سيّما على النسخة المبدل فيها الإيقان بالاتفاق ، ولا يضرّ الإرسال بعد الانجبار بالأصل وعمل الأصحاب ، وهو ظاهر الماتن هنا وفي الشرائع وغيره (2) من الأصحاب ، وصريح بعضهم (3). ولعلّه الأقوى.
    ولا ينافيه إطلاق ما عدا المرسل من الأخبار بأنه لا سهو على الإمام (4) ، لعدم انصرافه بحكم التبادر إلى نحو المقام.
    ولو حصل الظن بقول الذاكر منهم اتّجه اعتباره لذلك في موضع يسوغ فيه التعويل على الظن.
    وكلّما عرض لأحدهما ما يوجب سجدتي السهو كان له حكم نفسه ولا يلزم الآخر متابعته فيهما ، على الأشهر بين المتأخرين والأقوى ، للاُصول والعمومات ، وخصوص ما سيأتي من الروايات.
    خلافاً للمرتضى والخلاف (5) ، فنفياهما عن المأموم مطلقاًً وإن عرض له‏
1 ـ قال به الشهيد في روض الجنان : 343 ومسالك الافهام 1 : 42.
2 ـ الشرائع 1 : 118 ؛ وانظر مجمع الفائدة والبرهان 3 : 141.
3 ـ كصاحب المدارك 4 : 270.
4 ـ الكافي 3 : 359 / 7 ، التهذيب 2 : 344 / 1428 ، الوسائل 8 : 240 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 3.
5 ـ جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى 3 ) : 41 ، الخلاف 1 : 463.


(159)
السبب ، وادعى الثاني عليه الإجماع.
    واستدل له تارة بما مرّ من الأخبار بأنه ليس على من خلف الإمام سهو. وهي محمولة على الشك في العدد كما فهمه الأصحاب ، ويشهد له السياق بقرينة قولهم عليهم السلام : وليس على الإمام سهو ، مع أنه مقطوع الإرادة من لفظ السهو فيها ، فيمتنع إرادة السهو بالمعنى المعروف منها ، لما مضى مراراً ، إلّا أن يوجّه بما مضى أيضاً.
    واخرى بالموثقين ، في أحدهما : عن الرجل ينسى وهو خلف الإمام أن يسبّح في السجود أو في الركوع ، أو ينسى أن يقول بين السجدتين شيئاً ، فقال : « ليس عليه شي‏ء » (1).
    وفي الثاني : عن رجل سها خلف إمام بعد ما افتتح الصلاة ولم يقل شيئاً ولم يكبّر ولم يسبّح ولم يتشهّد حتى يسلّم ، فقال : « قد جازت صلاته ، وليس عليه إذا سها خلف الإمام سجدتا السهو ، لأن الإمام ضامن لصلاة من خلفه » (2).
    ولا دلالةً للأول على المطلوب للقول بالموجب كما سيظهر.
    والثاني معارض بأجود منه سنداً ، كالصحيح : عن الرجل يتكلم في الصلاة ، يقول : أقيموا صفوفكم ، قال : « تتم صلاته ثمَّ يسجد سجدتي السهو » (3) والظاهر كون الرجل مأموماً.
1 ـ الفقيه 1 : 263 / 1202 ، التهذيب 3 : 278 / 816 ، الوسائل 8 : 240 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 4.
2 ـ الفقيه 1 : 264 / 1204 ، التهذيب 3 : 278 / 817 ، الوسائل 8 : 240 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 5.
3 ـ الكافي 3 : 356 / 4 ، التهذيب 2 : 191 / 755 ، الاستبصار 1 : 378 / 1433 ، الوسائل 8 : 206 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 4 ح 1.


(160)
    وأظهر منه الخبر : أسهو في الصلاة وأنا خلف الإمام ، فقال : « إذا سلّمت فاسجد سجدتي السهو » (1).
    ومع ذلك محتمل للحمل على التقية ، لموافقته لمذهب أكثر العامة بل عامتهم إلّا مكحولاً كما صرّح به جماعة (2) مع أن التعليل فيه بضمان الإمام صلاة من خلفه معارض بجملة من الروايات بأنه لا يضمنها إما مطلقاًً كما في الصحيح (3) وغيره (4) ، أو ما عدا القراءة منها كما في غيرهما (5).
    وللمبسوط ، فأوجب عليه متابعة الإمام فيهما وإن لم يعرض له السبب ، وفاقاً للجمهور لما دلّ على وجوب المتابعة (6).
    ويضعّف بمنع وجوبها إلّا في نفس الصلاة ، وسجدة السهو خارجة عنها.
    نعم ، في الموثق : عن الرجل يدخل مع الإمام وقد سبقه الإمام بركعة أو أكثر فسها الإمام ، كيف يصنع ؟ فقال عليه السلام : « إذا سلّم الإمام فسجد سجدتي السهو فلا يسجد الرجل الذي دخل معه ، وإذا قام وبنى على صلاته وأتمها وسلّم سجد الرجل سجدتي السهو » (7).
    وفيه موافقة للشيخ ـ رحمه اللّه ـ إلّا أنه يمكن حمله على التقية ، أو على‏
1 ـ التهذيب 2 : 353 / 1464 ، الوسائل 8 : 241 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 6.
2 ـ منهم : الشيخ في الخلاف 1 : 463 ، والمحقق في المعتبر 2 : 394 ، والعلامة في المنتهى 1 : 412 ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : 370.
3 ـ الفقيه 1 : 264 / 1206 ، التهيب 3 : 279 / 819 ، الوسائل 8 : 353 أبواب صلاة الجماعة ب 30 ح 2.
4 ـ الكافي 3 : 377 / 5 ، التهذيب 3 : 269 / 769 ، الوسائل 8 : 354 أبواب صلاة الجماعة ب 30 ح 4.
5 ـ التهذيب 3 : 279 / 820 ، الاستبصار 1 : 440 / 1694 ، الوسائل 8 : 353 أبواب صلاة الجماعة ب 30 ح 1.
6 ـ المبسوط 1 : 124.
7 ـ التهذيب 2 : 353 / 1466 ، الوسائل 8 : 241 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 7.


(161)
اشتراكهما في السهو ، فإنّ الحكم فيه ذلك ، سواء اتّحد حكمهما أو اختلف.
    وقد ذكرنا جملة من صورهما وجملة من الصور المتعلقة بشك الإمام والمأموم مع حفظ الآخر أولاً في الشرح مستوفى.
    ( ولو سها في النافلة ) فشك في عددها ( تخيّر في البناء ) على الأقل أو الأكثر ، إجماعاً على الظاهر ، المصرّح به في جملة من العبائر مستفيضاً (1).
    والأمر بالبناء على الأقل في المرسل (2) محمول على الأفضل بلا خلاف فيه يظهر ، بل ظاهر جمع كونه مجمعاًً عليه (3) ، وعلّل زيادة عليه بأنه المتيقن.
    والأصل في البناء على الأكثر ـ بعد الإجماع الذي مرّ ـ نفي السهو فيها في الصحيح (4) وغيره (5).
    وعمومه فيهما سيّما الأول يشمل الشك في الأفعال أيضاًً مطلقاًً ، أركاناً كانت أو غيرها ، كان الشك قبل تجاوز محلّها أو بعده.
    خلافاً للروض والمدارك (6) ، فخصّاه بالأعداد ، ولا وجه له بعد عموم اللفظ ، مع إمكان استفادة الحكم فيها من الحكم بنفي الشك في العدد بطريق أولى ، فالعموم أقوى إن لم يكن للإجماع مخالفاً.
    وإن عمّمنا السهو المنفي لمعناه المعروف ـ كما هو الأقوى على ما قدّمناه‏
1 ـ كالصدوق في الأمالي : 513 ، والطوسي في التهذيب 2 : 178 ، والمحقق في المعتبر 2 : 396 ، والعلامة في التذكرة 1 : 138.
2 ـ الكافي 3 : 359 / ذيل الحديث 9 ، الوسائل 8 : 230 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 18 ح 2.
3 ـ انظر التذكرة 1 : 138 ، والمدارك 4 : 274.
4 ـ الكافي 3 : 359 / 6 ، التهذيب 2 : 343 / 1422 ، الوسائل 8 : 230 أبواب الخلل الوالقع في الصلاة ب 18 ح 1.
5 ـ المفنع : 33 ، المستدرك 6 : 414 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 16 ح 2.
6 ـ روض الجنان : 355 ، المدارك 4 : 274.


(162)
في بحث كثير الشك ـ أفاد نفي موجبه من سجدتي السهو أيضاًً ، كما صرّح به في المدارك (1) ، تبعاً لظاهر الخلاف وصريح المنتهى (2) ، وظاهر هما بل صريح الأول عدم خلاف فيه بيننا. خلافاً للروض فجعل النافلة هنا كالفريضة (3).
    وهل المراد بالبناء على الأكثر البناء عليه مطلقاًً حتى لو استلزم فساد النافلة ، كما يقتضيه إطلاق العبارة وغيرها ؟ أو إذا لم يستلزم فسادها ، وإلّا فالبناء على الأقل يكون متعيناً ؟
    وجهان ، أحوطهما الثاني إن لم ندّع ظهوره من إطلاق النص والفتاوي ، وإلّا فهو أظهر هما ، سيّما على القول بحرمة إفساد النافلة اختياراً.
    ( و ) اعلم : أنه ( تجب سجدتا السهو ) زيادةً ( على من مرّ (4) على من تكلّم ناسياً ) أو ظاناً لخروجه من الصلاة ( ومن شكّ بين الأربع والخمس ) وهو جالس ( ومن سلّم قبل إكمال الركعات ) على الأظهر الأشهر ، بل في الغنية الإجماع على الجميع (5) ، وفي المنتهى وغيره (6) الاتّفاق على الأخير والأول ، وحكي عن ظاهر الماتن أيضاًً في الثالث (7).
    للصحيح في الأول : عن الرجل يتكلم ناسياً في الصلاة يقول : أقيموا صفوفكم ، قال : « يتمّ صلاته ثمَّ يسجد سجدتين » الخبر (8).
    ونحوه صحيح آخر وارد في الشك بين الثنتين والأربع وفيه : « وإن تكلّم‏
1 ـ المدارك 4 : 274.
2 ـ الخلاف 1 : 465 ، المنتهى 1 : 417.
3 ـ روض الجنان : 353.
4 ـ أي ناسي التشهد والسجدة الواحدة. منه رحمه الله.
5 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 566.
6 ـ المنتهى 1 : 417 ؛ وانظر مفاتيح الشرائع 1 : 170 ، 176.
7 ـ راجع المعتبر 2 : 397.
8 ـ تقدم مصدره في ص : 159.


(163)
فليسجد سجدتي السهو » (1).
    وفي ثالث وارد في تسليم النبي صلّى اللّه عليه وآله على الركعتين في الرباعية وتكلّمه مع ذي الشمالين أنه سجد سجدتين لمكان الكلام (2). وظاهره كونهما للكلام دون السلام ، ولكنهما من باب واحد كما صرّح به من الأصحاب غير واحد (3) مستدلّين به على وجوبهما في الثالث.
    وللمعتبرين فيه ، أحدهما الصحيح : عن رجل نسي ركعة من صلاته حتى فرغ منها ثمَّ ذكر أنه لم يركع ، قال : « يقوم فيركع ويسجد سجدتين » (4).
    والثاني الموثق : عن رجل صلّى ثلاث ركعات وظنّ أنها أربع فسلّم ثمَّ ذكر أنها ثلاث ، قال : « يبني على صلاته ويصلّي ركعة ويتشهد ويسلّم ويسجد سجدتي السهو » (5) وهو أظهر دلالةً من الأول.
    وللصحاح المستفيضة في الثاني (6).
    خلافاً لظاهر الصدوقين في الجميع (7) ، ومال إليه بعض من تأخر فيما عدا الثاني (8) ، للصحاح المستفيضة وغيرها : « لا شي‏ء عليه » (9) وحمل الأخبار
1 ـ الكافي 3 : 352 / 4 ، التهذيب 2 : 186 / 739 ، الاستبصار 1 : 372 / 1415 ، الوسائل 8 : 219 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 2.
2 ـ الكافي 3 : 357 / 6 ، التهذيب 2 : 345 / 1433 ، الوسائل 8 : 203 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 16.
3 ـ كالعلامة في المنتهى 1 : 417.
4 ـ التهذيب 2 : 350 / 1451 ، الوسائل 8 : 200 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 8.
5 ـ التهذيب 2 : 353 / 1466 ، الوسائل 8 : 203 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 14.
6 ـ الوسائل 8 : 224 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14.
7 ـ نقله عن والد الصدوق في المختلف : 140 ، الصدوق في الأمالي : 513.
8 ـ المحقق السبزواري في الذخيرة : 379.
9 ـ الوسائل 7 : 235 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 9 ، وج 8 : 200 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 5 ، 9.


(164)
السابقة على الاستحباب جمعاً.
    وهو ضعيف جداً لفقد التكافؤ بينهما ، لقوة تلك بالشهرة العظيمة ، بل الإجماع حقيقة كما عرفت حكايته ، ويعضده موافقة الصدوق في الأول للأكثر في موضع آخر (1).
    وأما عدم ذكر العماني ـ ككثير من القدماء ـ الثالث فغير ظاهر في المخالفة للأكثر بعد ذكرهم الكلام من جملة ما يوجبهما ، لما قدّمناه (2).
    مع أنّ الجمع بينهما كما يمكن بذلك كذا يمكن بتخصيص الشي‏ء المنفي في هذه المستفيضة بالإثم والإعادة ، والترجيح لا بد له من دليل ، وليس ، سوى الأصل الغير المعارض لما دلّ على ترجيح التخصيص على المجاز حيثما تعارضا ، فالجمع الثاني أقوى.
    وللمفيد والخلاف والديلمي والحلبي (3) في الثاني ، فلم يذكروهما فيه ، بل ظاهر الأولين نفيهما ، ولم أجد لهم عليه مستنداً مع استفاضة الصحاح المتقدمة بخلافه واشتهاره بين أصحابنا ، فهو ضعيف جدّاً.
    وأضعف منه القول بوجوب إعادة الصلاة كما حكاه عن الخلاف في المنتهى (4) ، لندرته ، ودعوى شيخنا الشهيد الثاني في شرح الألفية الإجماع على خلافه.
    وقريب منهما في الضعف ما عن المقنع من تبديل السجدتين بالاحتياط
1 ـ كما في المقنع : 32.
2 ـ من أن الكلام والتسليم في غير المحلّ من باب واحد. منه رحمه الله.
3 ـ المفيد في المقنعة : 148 ، الخلاف 1 : 202 ، الديلمي في المراسم : 90 ، الحلبي في الكافي : 149.
4 ـ المنتهى 1 : 417.


(165)
بركعتين من جلوس (1) ، للرضوي (2) ، لقصوره عن المقاومة للصحاح المستفيضة من وجوه عديدة.
    ثمَّ إنّ الموجود في جملة منها إنما هو أن من لم يدر أربعاً صلّى أو خمساً فليسجد سجدتي السهو ، ومقتضاه وقوع الشك الموجب للسجدتين حالة الجلوس كما قلنا ، وصرّح به جماعة من أصحابنا (3).
    وعليه فيشكل الحكم بوجوبهما في غير هذه الصورة من الصور المتصورة في المسألة البالغة اثنتي عشرة ما عدا المتقدمة ، إذ منها وقوع الشك بينهما قبل الركوع ، ويجب فيها هدم الركعة مطلقاًً وإتمام الصلاة والاحتياط بركعتين من جلوس لرجوعه إلى الشك بين الثلاث والأربع ، وليس فيه سجود السهو على الأصح ، نعم إن قلنا بوجوبه للقيام موضع القعود أو بالعكس اتجه ، لكنه ليس من جهة الشك بين الخمس والأربع.
    وما عدا هذه الصورة يشكل الحكم بصحة الصلاة فيها مطلقاًً ، سيّما ما كان الشك فيه قبل السجدتين ، فقد حكي عن الفاضل في جملة من كتبه (4) الحكم بالبطلان هنا ، لتردده بين محذورين : الإكمال المعرّض للزيادة ، والهدم المعرّض للنقيصة.
    وفي الذكرى احتمال البطلان فيما إذا وقع بين السجدتين لعدم الإكمال‏
1 ـ المقنع : 31 وفيه : الشك بين الاثنين والخمس ، ولكن المنقول عنه في المختلف : 134 هو الشك بين الأربع والخمس.
2 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 120 ، المستدرك 6 : 412 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 13 ح.
3 ـ منهم : المحقق في المعتبر 2 : 397 ، والعلامة في المنتهى 1 : 417 ، وصاحب المدارك 4 : 277.
4 ـ اُنظر التذكرة 1 : 140 ، والقواعد 1 : 43 ، والمختلف : 134.
رياض المسائل ـ الجزء الرابع ::: فهرس