رياض المسائل ـ لجزء الرابع ::: 166 ـ 180
(166)
وتجويز الزيادة (1).
    وهو جار في باقي الصور ، ومع الإشكال في الصحة كيف يمكن الحكم بوجوب السجدة فإنه فرعها ؟! ولو سلّمناها كما حكي عن الماتن القطع بها ـ لأن تجويز الزيادة لا ينفي ما هو ثابت بالأصل من عدم الزيادة ، ولأن تجويزها لو أثّر لأثّر في جميع الصور (2) ـ كان الحكم بوجوب السجدة غير ظاهر الوجه ، بعد ما عرفت من اختصاص النصوص الموجبة لها بفرد خاص قد مرّ. لكن في جملة اُخرى منها غير ما قدّمنا متنها إيجابها للشك في مطلق الزيادة والنقصان ، فيشمل المقام ، إلّا أنّ في الاستناد إليها كلاماً يأتي.
    ( و ) هل تجبان في غير ما ذكر ؟
    ( قيل ) : نعم ( لكل زيادة ونقصان ، وللقعود في موضع القيام ، والقيام في موضع القعود ).
    والقائل الصدوق (3) صريحاً في الثاني ، كأبيه والمرتضى والديلمي والحلّي والقاضي وابن حمزة والحلبي وابن زهرة (4) مدعيا عليه إجماع الإمامية ، وغيرهم من المتأخرين (5).
    وظاهراً في الأول حيث أوجبهما على من لم يدر زاد في صلاته أم نقص ، كما في جملة من المعتبرة كالصحيح والموثق : « من حفظ سهوه فأتمه‏
1 ـ الذكرى : 227.
2 ـ حكاه عنه في الذكرى : 227.
3 ـ كما في الأمالي : 513 ، والفقيه 1 : 225.
4 ـ نقله عن والد الصدوق في المختلف : 140 ، المرتضي في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضي 3 ) : 37 ، الديلمي في المراسم : 90 ، الحلي في السرائر 1 : 257 ، القاضي في المهذب 1 : 156 ، ابن حمزة في الوسيلة : 102 ، الحلبي في الكافي : 148 ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 566.
5 ـ منهم الشهيدان في اللمعة ( الروضة 1 ) : 327 ، وروض الجنان : 353.


(167)
فليس عليه سجدتا السهو ، وإنما السهو على من لم يدر زاد في صلاته أو نقص منها » (1).
    والصحيح : « إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر زاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو جالس » (2).
    وذلك فإن وجوبهما هنا يستلزم وجوبهما مع القطع بالزيادة أو النقيصة بطريق أولى كما صرّح به جماعة من أصحابنا (3) ، ولعلّه لذا نسب شيخنا في الروضة القول بوجوبهما في كل زيادة ونقيصة إلى الصدوق (4).
    هذا إن قلنا إنّ المراد من قوله : من لم يدر زاد في صلاته أم نقص ، الشك في الزيادة وعدمها ، وفي النقيصة وعدمها ، كما فهمه الجماعة ، ولعلّه المتبادر منه عرفاً وعادةً.
    أما لو كان المراد منه معناه الحقيقي لغة وهو الشك في خصوص الزيادة أو النقيصة بعد القطع بإحداهما فيكون نصاً في وجوب السجدتين بإحداهما مطلقاًً ، إلّا أن يخصّ متعلقهما بالركعة خاصة دون غيرها مطلقاًً ، ولعلّه لذا لم ينسب في الدروس القول بوجوبهما في الأول إلى الصدوق ولا غيره ـ مع أنه حكى عنه القول بوجوبهما للشك في الزيادة والنقيصة ، وعن المفيد الموافقة له ، لكن في الشك في زيادة السجدة الواحدة ونقصها أو الركوع كذلك ـ بل قال : نقل الشيخ أنهما يجبان في كل زيادة ونقصان ، ولم نظفر بقائله ولا بمأخذه إلّا رواية الحلبي السابقة ، وأشار بها إلى نحو الصحيحة الأخيرة ، قال : وليست‏
1 ـ الكافي 3 : 355 / 4 ، الفقيه 1 : 230 / 1018 ، الوسائل 8 : 225 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 6 ؛ وص 239 ب 23 ح 8.
2 ـ الكافي 3 : 354 / 1 ، الوسائل 8 : 224 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 2.
3 ـ منهم ابن فهد في المهذب البارع 1 : 446.
4 ـ الروضة 1 : 327.


(168)
صريحة في ذلك لاحتمالها الشك في زيادة الركعات ونقصانها ، أو الشك في زيادة فعل أو نقصانه وذلك غير المدّعى ، إلّا أن يقال بأولوية المدّعى على المنصوص (1). انتهى.
    لكنه بعيد وإن احتمله ، ويشهد له عدم نفيه الظهور بل الصراحة.
    وعلى هذا فيتقوى القول المزبور ، لدلالة المعتبرة عليه بالأولوية ، مع اعتضادها ببعض المعتبرة : « تسجد سجدتي السهو لكل زيادة تدخل عليك أو نقصان » (2).
    لكن المشهور عدم وجوبهما فيهما ، ولعلّه لقصور سند الرواية الأخيرة بالجهالة ، مع معارضتها ـ كالمعتبرة ـ بجملة من الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة الواردة في نسيان ذكر الركوع والجهر والإخفات والقراءة ونحوها (3) الظاهرة في عدم الوجوب ، لدلالتها على صحة الصلاة مع ترك الاُمور المزبورة من دون إشارة في شي‏ء منها إلى وجوب السجدتين مع ورودها في مقام الحاجة.
    مع أنّ في جملة منها صحيحة التصريح ب‍ « لا شي‏ء عليه » الشامل للسجدة. وتخصيصها بما عداها من الإثم أو الإعادة بدلالة هذه المعتبرة وإن أمكن ، لأنها أظهر دلالةً ، إلّا أنه يمكن العكس ، فتقيّد هذه المعتبرة بما إذا كان المشكوك فيه ركعة ، وهذا أرجح للأصل المعتضد بالشهرة الظاهرة المحكية في كلام جماعة.
    هذا مع تصريح بعض الصحاح المتقدمة في نسيان السجدة بعدم وجوب‏
1 ـ الدروس 1 : 207.
2 ـ التهذيب 2 : 155 / 608 ، الاستبصار 1 : 361 / 1367 ، الوسائل 8 : 251 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 32 ح 3.
3 ـ الوسائل 6 : 320 أبواب الركوع ب 15 ، وص 86 أبواب القراءة في الصلاة ب 26 ، 27 ، 29.


(169)
السجدتين فيها (1) ، ويتم الباقي بعدم القائل بالفرق أصلاًً ، فالعدم أقوى وإن كان الوجوب أحوط وأولى هنا.
    وكذا في الموضع الثاني أيضاًً ، لدلالة جملة من المعتبرة عليه ، وفيها الصحيح والموثق وغيرهما (2) ، وإن كان العدم هنا أيضاًً أقوى ، لمعارضة الصحيح والموثق بمثلهما المتقدم (3) الدال على عدم الوجوب هنا مفهوماً بل منطوقاً أيضاً.
    مع أنهما ـ كغير هما ـ معارضان بالصحاح المستفيضة وغيرهما من المعتبرة الواردة في نسيان السجدة الواحدة والتشهد قبل تجاوز المحل وبعده (4) ، الدالة على عدم الوجوب بنحو من التقريب المتقدم في المستفيضة السابقة. وتخصيصها بهذه المعتبرة وإن أمكن إلّا أنه يمكن حمل هذه المعتبرة على التقية ، لكونها موافقة لمذهب الشافعي وأبي حنيفة كما صرّح به في المنتهى (5). ومع ذلك قد عرفت معارضتها بمثلها من المعتبرة. وهي أولى بالترجيح ، للأصل ، ومخالفة العامة ، وموافقة ظواهر تلك الصحاح المستفيضة. ولكن الاحتياط قد عرفته.
    وعن الصدوق القول بوجوبهما للشك بين الثلاث والأربع إذا توهّم الرابعة (6) ، للصحيحين (7) وغيرهما (8).
1 ـ راجع ص 116.
2 ـ الوسائل 8 : 250 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 32.
3 ـ في ص 166 و167.
4 ـ الوسائل 6 : 364 أبواب السجود ب 14 ، وص 405 أبواب التشهد ب 9.
5 ـ المنتهى 1 : 418.
6 ـ كما نقله عنه في الدروس 1 : 206.
7 ـ الكافي 3 : 352 / 5 و353 / 8 ، الوسائل 8 : 217 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 10 ح 4 ، 5.
8 ـ الوسائل 8 : 216 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 10.


(170)
    وفي الدروس إنه نادر (1).
    ولعلّه كذلك ، فينبغي حمل النصوص على الاستحباب ، مع ضعف ما عدا الصحيح منها سنداً ودلالةً ، مع إشعاره بوروده تقية. والصحيح منها لا يعارض النصوص الواردة بالبناء على المظنون خصوصا وعموما من غير إشارة فيها إلى وجوبهما أصلاً مع ورودها في بيان الحاجة. وهي بالترجيح أولى لاعتضادها ، بالأصل والشهرة العظيمة بين أصحابنا بحيث كاد أن يكون إجماعاً ، ولكن فعلهما لعلّه أحوط وأولى.
    ( وهما ) أي السجدتان ( بعد التسليم ) مطلقاًً ( على الأشهر ) الأقوى ، بل عليه عامة متأخري أصحابنا ، وفي صريح الناصرية والخلاف والأمالي أن عليه إجماعنا (2) ، والصحاح به مع ذلك مستفيضة (3).
    وقيل : إن كانتا للنقصان فقبل وإلّا فبعد (4) ، للصحيح (5).
    وحمل على التقية (6) ، ويعضده مصير الإسكافي إليه ، حكاه عنه جماعة (7) وإن أنكره في الذكرى ، لأن عبارته المنقولة ظاهرة فيما نقلوه عنه وإن لم تكن فيه صريحة ، هذا ، وقال بعد الإنكار : نعم هو مذهب أبي حنيفة (8).
1 ـ الدروس 1 : 207.
2 ـ الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : 201 ، الخلاف 1 : 448 ، الأمالي : 513.
3 ـ الوسائل 8 : 207 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 5.
4 ـ قال به ابن جنيد كما في المختلف : 142.
5 ـ التهذيب 2 : 195 / 769 ، الاستبصار 1 : 380 / 1439 ، الوسائل 8 : 208 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 5 ح 4.
6 ـ كما في التهذيب 2 : 195 ، ومجمع الفائدة والبرهان 3 : 161.
7 ـ منهم : العلامة في المختلف : 142 ، والفاضل المقداد في التنقيح 1 : 264 ، وصاحب المدارك 4 : 282.
الذكرى : 229.


(171)
وهو أيضاًً من المعاضدات القوية إلّا أنّ المنسوب إليه في المعتبر والمنتهى هو الموافقة لأصحابنا (1) ، وكيف كان فلا ريب في ضعف هذا القول.
    وأضعف منه القول المحكي في الشرائع أنهما قبل التسليم مطلقاًً (2) و، لضعف ما دلّ عليه من الأخبار (3) سنداً ومكافاةً ـ كالصحيح المتقدم ـ لما تقدّم من وجوه شتّى. وحمل هذا على التقية أيضاًً (4) ، ولا بأس به جمعاًً بين الأدلة.
    ويجب ( عقيبهما تشهد خفيف وتسليم ) على الأشهر الأقوى ، وفي ظاهر المعتبر والمنتهى أنّ عليهما إجماعنا (5) ، وهو الحجة.
    مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة في الأول ، منها الصحيح : « واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة تتشهد فيهما تشهداً خفيفاً » (6).
    ونحوه المعتبران الواردان فيمن لا يدري كم صلّى أنه يبني على الجزم ويسجد سجدتي السهو ويتشهد تشهدا خفيفا (7) ، فتأمل.
    وبها يقيّد ما اُطلق فيه التشهد من المعتبرين الواردين في ناسي التشهد (8).
1 ـ المعتبر 2 : 399 ، المنتهى 1 : 418.
2 ـ الشرائع 1 : 119.
3 ـ انظر الوسائل 8 : 208 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 5 ح 4 ، 5.
4 ـ كما في التهذيب 2 : 195.
5 ـ المعتبر 2 : 400 ، المنتهى 1 : 418.
6 ـ الفقيه 1 : 230 / 1019 ، التهذيب 2 : 196 / 772 ، الاستبصار 1 : 380 / 1441 ، الوسائل 8 : 224 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 4.
7 ـ الاول :
    التهذيب 2 : 187 / 745 ، الاستبصار 1 : 374 / 1420 ، الوسائل 8 : 227 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 15 ح 6.
    الثاني :
    الفقيه 1 : 230 / 1023 ، الوسائل 8 : 223 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 13 ح 2.
8 ـ الأول :


(172)
    والصحيح في الثاني الوارد فيمن صلّى أربعاً أو خمساً ، وفيه : « فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثمَّ سلّم بعد هما » (1).
    خلافاً للمختلف فلا يجبان (2) للأصل ، والموثق : عن سجدتي السهو هل فيهما تسبيح أو تكبير ؟ فقال : « لا ، إنما هما سجدتان فقط ، فإن كان الذي سها الإمام كبّر إذا سجد وإذا رفع رأسه ليعلم من خلفه أنه قد سها ، وليس عليه أن يسبح فيهما ولا فيهما تشهد بعد السجدتين » (3).
    وهو نصّ في نفي التشهد ، ولا قائل بالفرق بينه وبين نفي التسليم ، مع استفادته من الحصر في الصدر.
    ويضعف الأصل بما مر ، ويضعف عن مقاومته الموثق.
    ولو لا الشهرة العظيمة المعتضدة بظواهر الإجماعات المحكية لكان ترجيح الموثقة لا يخلو عن قوة لاعتبار سندها ، وصراحتها ، واعتضادها بالنصوص الواردة بالأمر بالسجدتين من غير إيجاب لشي‏ء بعدهما مع ورودها في بيان الحاجة ظاهراً ، مضافاًً إلى مخالفتها لما عليه أكثر العامة العمياء ومنهم أصحاب الرأي وهم أصحاب أبي حنيفة كما صرّح به في المنتهى (4).
    التهذيب 2 : 158 / 621 ، الوسائل 6 : 403 أبواب التشهد ب 7 ح 6.
    الثاني :
    الكافي 3 : 448 / 22 ، التهذيب 2 : 336 / 1387 ، الوسائل 6 : 404 أبواب التشهد ب 8 ح 1.
1 ـ الكافي 3 : 355 / 3 ، التهذيب 2 : 195 / 767 ، الوسائل 8 : 207 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 5 ح 2.
2 ـ المختلف : 143.
3 ـ الفقيه 1 : 226 / 996 ، التهذيب 2 : 196 / 771 ، الاستبصار 1 : 381 / 1442 ، الوسائل 8 : 235 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 20 ح 3.
4 ـ المنتهى 1 : 418.


(173)
    وبموجب ذلك ينبغي حمل الصحيحين وما في معناهما على التقية ، ويحتمل الاستحباب على بعد ، لكن لا ينبغي من حيث الشهرة تركهما على حال.
    وصريح الموثقة كظاهر العبارة وغيرها عدم وجوب شي‏ء آخر. وهو الأقوى للأصل أيضاًً ، فلا يجب التكبير لهما كما هو المشهور. خلافاً للمبسوط فأمر به (1) ، ولا دليل على الوجوب إن أراده ، والاستحباب لا بأس به.
    ( ولا ذكر فيهما ) (2) كما عليه الفاضلان في المعتبر والمختلف والمنتهى (3) ، وقوّاه جماعة من متأخري متأخرينا (4).
    خلافاً للأكثر فأوجبوه ( و ) عينوا ما ( في رواية الحلبي ) الصحيحة ( أنه سمع أبا عبد اللّه عليه السلام يقول فيهما : « بسم اللّه وباللّه وصلّى اللّه على محمد وآله » ).
    وفي بعض النسخ : « اللّهم صلّ » .. إلى آخره.
    سمعه مرة اُخرى يقول : « بسم اللّه وباللّه ، السلام عليك أيها النبي ورحمة اللّه وبركاته » (5).
    وفي بعض النسخ بإضافة الواو قبل السلام. والكل حسن كما صرّح به‏
1 ـ المبسوط 1 : 125.
2 ـ في المختصر المطبوع : ولا يجب فيهما ذكر.
3 ـ المعتبر 2 : 400 ، والمختلف : 143 ، المنتهى 1 : 418.
4 ـ منهم : الأردبيلي في مجمع الفائدة 3 : 162 ، وصاحب المدارك 4 : 285 والمحقق السبزواري في الكفاية : 27 ، والذخيرة : 381 ، والعلامة المجلسي في بحار الأنوار 85 : 221.
5 ـ الكافي 3 : 356 / 5 ، الفقيه 1 : 226 / 997 ، التهذيب 2 : 196 / 773 ، الوسائل 8 : 234 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 20 ح 1.


(174)
جمع ».(1)
    ( و ) استضعفها الماتن أولاً : بأن ( الحقّ رفع منصب الإمامة عن السهو في العبادة ) بل مطلقاًً ، بناءً على فهمه منها أنه عليه السلام سها فقال ما ذكر فيهما. وثانياً : باحتمال كون ما قاله على وجه الجواز لا اللزوم (2).
    ويضعّف الأول : بجواز كون المراد بقوله فيهما على وجه الإفتاء لا أنه سها. والثاني : بأن اللزوم هو المتبادر ، كما هو الحال في سائر الجمل الاسمية أو الفعلية المنساقة في سياق الطلب.
    نعم ، يمكن حمله على الاستحباب جمعاًً بينه وبين ما مرّ من الموثق المعتضد بالأصل وإطلاق كثير من النصوص ، لكن الأحوط ، بل اللازم عدم الترك.
    ويجب فيهما ـ مضافاًً إلى ما مرّ ـ النية ، لأنها عبادة. ورفع الرأس بينهما ، بل والجلوس بينهما مطمئناً تحقيقاً للتثنية المتبادرة من الفتوى والرواية. والسجود على الأعضاء السبعة ، ووضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه ، والطهارة ، والستر ، واستقبال القبلة.
    كل ذلك احتياطاً للعبادة ، وتحصيلاً للبراءة اليقينية ، وأخذاً بما هو المتبادر من سياق الأخبار الموجبة لهما في صورهما المتقدمة ، مع أنه لا خلاف أجده في اعتبار النية وكثير ممّا بعدها.
    وهل المراد بالتشهد الخفيف ما اشتمل على مجرد الشهادتين والصلاة على النبي وآله صلّى اللّه عليه وآله ، أم التشهد المعهود في الصلاة ويكون‏
1 ـ منهم : الشهيد في الروضة 1 : 328 ، وروض الجنان : 354 ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : 381 ، وصاحب الحدائق 9 : 334.
    انظر المعتبر 2 : 401.


(175)
المراد بالخفة تخفيف الأجزاء المندوبة في كيفية التشهد الطويلة المشهورة ؟ وجهان ، ولعلّ الأظهر الأول كما صرّح به جمع ، ومنهم خالي العلّامة المجلسي ـ رحمه اللّه ـ في البحار عازياً له إلى الأصحاب ، مشعراً بدعوى الإجماع (1).
    ثمَّ إنه هل التخفيف عزيمة أو رخصة ؟ كلّ محتمل ، ولكن الأحوط الأول ، تبعاً لظاهر الأمر المتعلق بالقيد المقتضي لوجوبه ، وإن احتمل عدمه بتخيّل احتمال ورود الأمر مورد توهم وجوب ضده.
    والمراد بالسلام ما يخرج به عن الصلاة من إحدى الصيغتين المشهورتين ، دون السلام عليك أيها النبي (2).
    خلافاً للحلبي فينصرف به (3) ، ولم أقف على مستنده ، والاقتصار على المتبادر من النصوص مقتض لتعين ما ذكرنا وتحتمه. واللّه سبحانه هو العالم بحقائق أحكامه.
1 ـ البحار 58 : 221.
2 ـ في « ح » زيادة : منه رحمه الله وبركاته.
3 ـ الكافي في الفقه : 148.


(176)
    ( الثاني : في ) بيان أحكام ( القضاء ) .
    اعلم : أنّ ( من أخلّ بالصلاة ) الواجبة عليه فلم يؤدّها في وقتها ( عمداً ) كان الإخلال بها ( أو سهواً ، أو فاتته بنوم أو سكر مع بلوغه وعقله وإسلامه ) وسلامته عن الحيض وشبهه وقدرته على الطهور الاختياري أو الاضطراري ( وجب ) عليه ( القضاء ) بإجماع العلماء كما في الذكرى وغيرها (1) ، بل ربما كان نقل الإجماع عليه كالنصوص مستفيضاً.
    ففي النبوي المشهور : « من فاتته فريضة فليقضها إذا ذكرها فذلك وقتها » (2).
    والصحاح بذلك مستفيضة من طرقنا ، ومنها : « يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها » (3).
    ( عدا ما استثني ) من صلاة الجمعة والعيدين كما مضى في بحثهما.
    واحترز بقوله : مع بلوغه إلى آخره عما لو فاتته وهو صغير أو مجنون أو كافر أصلي ، فإنه لا يجب عليه القضاء بإجماع العلماء كما في المنتهى‏
1 ـ الذكرى : 134 ؛ وانظر المدارك 4 : 290.
2 ـ المسائل الرسية ( رسائل الشريف المرتضى 2 ) : 346 ، وفيه بتفاوت يسير.
3 ـ الكافي 3 : 292 / 3 ، التهذيب 2 : 172 / 685 ، الاستبصار 1 : 686 / 1046 ، الوسائل 8 : 256 أبواب قضاء الصلوات ب 2 ح 3.


(177)
وغيره (1) مستفيضاً ، بل يجعل من الدين ضرورة ، لحديثي رفع القلم (2) وجبّ الإسلام (3).
    وكذا الحائض والنفساء بالنص والإجماع الماضيين في بحثهما.
    ومقتضى إطلاق النصوص والفتاوي بالقضاء بالنوم عدم الفرق فيه بين وقوعه بفعله أم لا ، ولا بين كونه على خلاف العادة وعدمه.
    خلافاً للذكرى ، فألحق النوم على غير العادة بالإغماء في عدم وجوب القضاء ، قال : وقد نبّه عليه في المبسوط (4).
    وفي الذخيرة : إنّ الحجة على ما ذكره غير واضحة (5).
    أقول : لعلّها الأصل ، وعدم دليل على وجوب القضاء هنا ، لاختصاص النصوص الواردة به في النوم بالعادي منه ، لأنه المتبادر المنساق منه إلى الذهن عند الإطلاق ، ولا إجماع ، لمكان الخلاف.
    وعموم من فاتته غير معلوم الشمول لمفروض المسألة ، بل مطلق النوم والأحوال التي لم يصحّ فيها التكليف بالأداء إجماعاً ، لأن موضوعه من صدق عليه الفوت ، وليس إلّا من طولب بالأداء ، وهذا غير مطالب به أصلاًً ، ومعه فلا يصدق الفوت جدّاً ، كما لا يصدق على الصغير والمجنون ونحو هما.
    وهذا الوجه مذكور في مسألة سقوط القضاء بالإغماء ونحوها في عبائر كثير من العلماء كالفاضل في المنتهى والشهيدين في الروضة
1 ـ المنتهى 1 : 419 ـ 420 ؛ وانظر المدارك 4 : 287 / 289 ، والحدائق 11 : 2.
2 ـ الخصال : 93 / 40 ، الوسائل 1 : 45 أبواب مقدمة العبادات ب 4 ح 11.
3 ـ عوالي اللآلي 2 : 224 / 38 ، مسند أحمد 4 : 199.
4 ـ الذكرى : 135.
5 ـ الذخيرة : 383.


(178)
والذكرى (1) ، وهو وإن اقتضى عدم وجوب القضاء على النائم ونحوه مطلقاًً إلّا أنه خرج عنه الفرد العادي منه اتفاقاً فتوىً ونصاً ، ويبقى ما عداه تحته باقيا.
    ومنه ينقدح وجه تخصيص جماعة من العلماء السكر الذي يجب معه القضاء بالذي يكون من قبله (2) ، فلو شربه غير عالم به أو أكره عليه أو اضطر إليه فلا قضاء عليه كالإغماء. بل جريانه هنا أولى ، لانحصار دليل القضاء فيه في الإجماع المفقود في محل النزاع ، إذ لا إطلاق فيه نصاً يتوهم شموله له قطعاًً ، هذا مضافاًً إلى فحوى التعليل الوارد بعدم القضاء مع الإغماء الجاري هنا أيضاً.
    والمراد بالكافر الأصلي : من خرج عن فرق المسلمين لأنه المتبادر من إطلاق النص والفتوى الدالين على سقوط القضاء منه بإسلامه ، فالمسلم يقضي ما تركه وإن حكم بكفره كالناصبي وإن استبصر ، وكذا ما صلّاه فاسدا عنده لعموم النص بقضاء الفوائت ، خرج منه الكافر الأصلي وبقي الباقي.
    نعم ، لا تجب عليه إعادة ما فعله في تلك الحال وإن كان الحق بطلان عبادته كما يستفاد من الصحاح المستفيضة (3) ، لمثلها من المعتبرة وفيها الصحاح وغيرها (4) ، وهو تفضّل من اللّه تعالى.
    ( ولا قضاء ) واجبا ( مع الإغماء المستوعب للوقت ، إلّا أن يدرك ) مقدار ( الطهارة والصلاة ولو ركعة ) فيجب فعلها في الوقت كاملة أداءً أو
1 ـ المنتهى 1 : 420 ، الروضة 1 : 343 ، الذكرى : 134.
2 ـ كما في الذكرى : 135 ، وروض الجنان : 355 ، والروضة 1 : 343.
3 ـ الوسائل 1 : 118 أبواب مقدمة العبادات ب 29.
4 ـ الوسائل 1 : 125 أبواب مقدمة العبادات ب 31.


(179)
قضاء أو ملفقا على الاختلاف المتقدم في بحث الحيض ، وقضاؤها في الخارج إجماعاً ، لما مضى ثمة من الأدلة الشاملة بعمومها للمسألة ، مضافاًً إلى ما ورد فيها من الصحاح المستفيضة التي ستأتي إليها الإشارة.
    أما عدم القضاء في غير صورة الاستثناء فهو الأظهر الأشهر ، بل في الغنية الإجماع عليه (1) ، وعليه عامة من تأخر. بل لا خلاف فيه إلّا من نادر كالصدوق في المقنع (2) ، للصحاح المستفيضة ، منها : عن المغمى عليه شهراً ما يقضي من الصلاة ؟ قال : « يقضيها كلّها ، إنّ أمر الصلاة شديد » (3).
    وغيره المحكي عنه في روض الجنان وغيره (4) : أنّه يقضي آخر يوم إفاقته إن أفاق نهاراً وآخر ليلته إن أفاق ليلاً ، للمستفيضة : « لا يقضي إلّا صلاة اليوم الذي أفاق فيه والليلة التي أفاق فيها » (5) كما في بعضها.
    وفي جملة منها : « يقضي صلاة اليوم الذي أفاق فيه » (6).
    وهما نادران ، كالنصوص الواردة بقضاء ثلاثة أيام (7) ، بل صرّح بمتروكية الجميع الشهيد في الدروس (8) ، مشعراً بدعوى الإجماع على‏
1 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 562.
2 ـ المقنع : 37.
3 ـ التهذيب 3 : 305 / 938 ، الاستبصار 1 : 459 / 1785 ، الوسائل 8 : 265 أبواب قضاء الصلوات ب 4 ح 4.
4 ـ روض الجنان : 355 ؛ وانظر الذكرى : 134.
5 ـ المقنع : 37 ، الوسائل 8 : 260 أبواب قضاء الصلوات ب 3 ح 10.
6 ـ قرب الإسناد : 213 / 836 ، الوسائل 8 : 264 أبواب قضاء الصلوات ب 3 ح 25.
7 ـ الوسائل 8 : 265 أبواب قضاء الصلوات ب 4 الأحاديث 5 ، 7 ، 11.
8 ـ الدروس 1 : 145.


(180)
المشهور ، كالفاضل في المنتهى وغيره (1) ، حيث لم ينقل فيهما خلافاً منّا ، فلا عبرة بشي‏ء منها ، سيّما مع استفاضة الصحاح الصراح كغيرها بعدم القضاء مطلقاًً معلّلة له بأنّ كلّ ما غلب اللّه تعالى عليه فهو أحق بالعذر وأولى (2).
    ولأجله لا يمكن تقييدها بالمستفيضة الدالة على القول الثاني ، سيّما مع ضعف أسانيد أكثرها ، وقصور دلالتها كلّها ، بل ضعفها ، لقوة احتمال أن يكون المراد بصلاة اليوم الذي أفاق فيهما أفاق فيها لا مطلقاًً ، كما يستفاد من الصحاح المستفيضة ، منها : « لا يقضي إلّا الصلاة التي أفاق فيها » (3).
    وفي جملة منها : « يقضي الصلاة التي أدرك وقتها » (4).
    مع احتمال حملها كما عداها على التقية ، لوجود القول بمضامينها بين العامة (5).
    أو على الاستحباب ، كما صرّح به المتأخرون كافة ، تبعاً للصدوق في الفقيه والشيخ في كتابي الحديث (6). ولا بأس به جميعاً بين الأدلّة ، ويحمل الاختلافات على تفاوت مراتب الفضيلة ، فأعلاها الجميع ، ثمَّ الشهر خاصة
1 ـ المنتهى 1 : 420 ؛ وانظر التحرير 1 : 50.
2 ـ الوسائل 8 : 258 أبواب قضاء الصلوات ب 3.
3 ـ الفقيه 1 : 236 / 1040 ، التهذيب 3 : 304 / 933 ، الاستبصار 1 : 459 / 1780 ، الوسائل8 : 258 أبواب قضاء الصلوات ب 3 ح 1.
4 ـ الكافي 3 : 412 / 4 ، التهذيب 3 : 304 / 932 ، الاستبصار 1 : 459 / 1779 ، الوسائل 8 : 262 أبواب قضاء الصلوات ب 3 ح 17.
5 ـ انظر المجموع 3 : 7.
6 ـ الفقيه 1 : 237 ، التهذيب 3 : 304 وج 4 : 244 ، الاستبصار 1 : 458.
رياض المسائل ـ الجزء الرابع ::: فهرس