رياض المسائل ـ لجزء الرابع ::: 181 ـ 195
(181)
كما حكاه في السرائر رواية (1) ، ثمَّ الأيام الثلاثة ، ثمَّ صلاة يوم الإفاقة. وللحمل على الاستحباب شواهد من النصوص ذكرناها في الشرح من أرادها فليراجعها ثمة.
    واعلم : أنّ مقتضى إطلاق النصوص ـ كالعبارة ونحوها ـ عدم الفرق بين كون الإغماء بفعل المكلّف أم لا.
    خلافاً للشهيدين وغيرهما (2) فقيدوه بالثاني ، وأوجبوا القضاء في الأوّل ، وعزاه في الذكرى إلى الأصحاب مؤذناً بدعوى الإجماع عليه.
    ولعلّه لانصراف الإطلاقات ـ بحكم التبادر وغيره كالتعليل في جملة من الصحاح بأن ما غلب اللّه تعالى فهو أولى بالعذر ـ إليه ، دون الأوّل ، فيرجع فيه إلى عموم ما دلّ على قضاء الفوائت. وهو حسن إن سلّم العموم ، ولكنه كما عرفت سابقاً ممنوع ، إذ هو حيث يصدق الفوت ، ولا يصدق هنا ، لعدم التكليف بالأداء حال الإغماء مطلقاًً إجماعاً ، والأصل براءة الذمة ، وهو كاف في إثبات عدم وجوب القضاء الوارد في النصوص وإن لم تشمله هنا لما مضى. فالقول بعدم وجوب القضاء أقوى لو لم يكن وجوبه إجماعاً كما يفهم من الذكرى ، بل وغيرها أيضاًً (3).
    ( وفي ) وجوب ( قضاء الفائت لعدم ما يتطهر به ) من ماء وتراب وما في معناه ( تردّد ) قولان :
    من عموم ما دلّ على وجوب قضاء الفوائت.
1 ـ السرائر 1 : 276.
2 ـ الشهيد الأول في الذكرى : 135 ، الشهيد الثاني في روض الجنان : 355 ؛ وانظر جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى 3 ) : 38 ، السرائر 1 / 276
3 ـ كما في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 562.


(182)
    وممّا قدّمناه من تبعية القضاء للأداء مفهوماً وإن قلنا بعدم تبعيته له حكماً كما هو الأقوى ، ولا أداء هنا على الأشهر الأقوى ، بل في روض الجنان وغيره (1) أنه مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفاً.
    وظاهر هما كونه إجماعاً. ولعلّه كذلك وإن حكى الماتن في الشرائع قولا بأنه يصلّي ويعيد (2) ، لندرته ، وعدم معروفية قائلة.
    نعم ، حكى المرتضى في الناصرية عن جدّه وجوب الأداء دون القضاء (3) ، وهو كسابقه نادر محجوج بعموم : « لا صلاة إلّا بطهور » (4) مع سلامته عن المعارض.
    وحيث لم يثبت الأداء لم يثبت القضاء ، لما مضى. وهذا أقوى ، وفاقاً للمحكي في المختلف عن المفيد في رسالته إلى ولده والفاضلين وغيرهما (5).
    خلافاً للمرتضى في الناصرية والشيخ في المبسوط والحلّي فيما حكي عنهما والشهيدين وغيرهما (6) فالأول.
    وجعلته في الشرح أقوى ، بتخيّل صدق الفوت ، بدعوى ثبوت مطلوبية الأداء وإن لم يكن واجباً ، فإنّ عدم وجوبه بفوات شرط وجوده لا يستلزم عدم‏
1 ـ روض الجنان : 128 ؛ وانظر المدارك 2 : 242.
2 ـ الشرائع 1 : 49.
3 ـ الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : 190.
4 ـ الفقيه 1 : 22 / 97 ، التهذيب 1 : 49 / 144 ، الاستبصار 1 : 55 / 160 ، الوسائل 1 : 365 أبواب الوضوء ب 1 ح 1 ، 6.
5 ـ المختلف : 149 ، المحقق في الشرائع 1 : 120 ، العلامة في التذكرة 1 : 81 ، والقواعد 1 : 23 ؛ وانظر جامع المقاصد 1 : 486.
6 ـ الناصربة ( الجوامع الفقهية ) : 190 ، المبسوط 1 : 31 ، الحلبي في السرائر 1 : 138 ، الشهيدان في الذكرى 23 ، والروضة البهية 1 : 350 ؛ وانظر المنتى 1 : 143 ، والمدارك 2 : 243.


(183)
مطلوبيته ، بعد ثبوتها بعموم ما دلّ على مطلوبية الصلاة ومحبوبيتها ، وإلّا لزم أن يكون الطهور شرطاً لوجوبها لا لوجودها ، وهو باطل إجماعاً.
    وهو كما ترى لتوقف صحته بوجود عموم يدّل على مطلوبية الصلاة الفريضة حين عدم وجوبها ، ولم نجد له أثراً ، عدا العمومات الآمرة بها في أوقاتها ، وهي كما تدل على مطلوبيتها كذا تدل على وجوبها ، فلا تكون من العموم المدّعى في شي‏ء أصلاًً.
    وعموم : « الصلاة خير موضوع من شاء استقل ومن شاء استكثر » (1) مخصوص بالنافلة كما يشهد به السياق ، ومع ذلك فيدل على مطلوبية الصلاة ، ولا تكون صلاة إلّا بشرطها وشروطها ، وإلّا ففعلها من دونها يكون مبغوضاً فكيف يدّعى دلالته على كونها محبوبة حين عدم شرطها ؟!
    وبالجملة : فإنّ انتفاء الشرط على هذا الوجه الذي فرضنا يستلزم انتفاء كون المشروط واجباً لا من حيث انتفائه من حيث هو هو حتى يلزم منه كون الطهور شرطاً لوجوبها ، بل من حيث إنّ انتفاءه يستلزم انتفاء القدرة على المشروط ولو شرعا ، وهي شرط في الوجوب إجماعاً ، ولذا اتّفق على عدم الوجوب هنا ، فانتفاؤها هنا يستلزم انتفاء وجوب المشروط بها إجماعاً ، بل ومطلوبيته أيضاًً ، حيث لا يكون دليل عليها سوى ما دلّ على الوجوب أيضاًً كما هو مفروض المسألة على ما قدّمناه.
    وحيث لم يجب المشروط الذي هو الأداء ولا يكون مطلوبا لم يصدق القضاء حقيقة فلا يجب أيضاً.
    ( ولكن أحوطه القضاء ) خروجا عن الشبهة فتوىً ، بل ودليلاً ، لصدق الفوت في نحو ما نحن فيه حقيقة لغةً ، بل وعرفاً ، لعدم صدق السلب فيه‏
1 ـ معاني الأخبار : 332 / 1 الخصال : 523 / 13 ، أمالي الطوسي : 551 ، الوسائل 5 : 247 أبواب أحكام المساجد ب 42 ح 1.

(184)
ظاهراً ، فلا يقال لمن ترك الصلاة لفقد الطهورين : إنه ما فاتته ، كما لا يقال فيما لو تركها بنوم أو نسيان أو نحو هما ذلك ، بل يقال ويطلق الفوت عليه حقيقة ، كما وجد في الأخبار بالنسبة إلى النوم ونحوه كثيراً ، بحيث يستفاد كون الإطلاق على سبيل الحقيقة لا مجازا أو أعم.
    وحينئذ فيتقوى شمول عموم ما دلّ على وجوب قضاء الفوائت لما نحن فيه أيضاًً ، سيّما وقد اشتهر بين الأصوليين أنه يكفى في صدق القضاء حقيقةً حصول سبب وجوب الأداء ـ كدخول الوقت مثلاً ـ وإن لم تجب فعلا ، ولعلّ وجهه ما ذكرنا.
    وبموجب ذلك لا يبعد أن يكون القول بالوجوب أقوى كما اخترناه في الشرح ، لا لما ذكرناه ثمة فإنه غفلة ، بل لما ذكر هنا.
    لكن يؤيد ما اخترناه هنا أوّلاً ـ بعد الأصل ـ فحوى التعليل في النصوص الواردة في الإغماء بأن كلّ ما غلب اللّه تعالى فهو بالعذر أولى (1) ، لظهوره بل صراحته في أنّ سقوط القضاء في الإغماء موجب عن عدم القدرة على الأداء ، وهو حاصل هنا كما قدّمناه. وخروج نحو النائم غير ضائر ، لأن العام المخصّص حجة في الباقي كما مرّ مراراً.
    ( وتترتب الفوائت ) بعضها على بعض ( كالحواضر ) بإجماعنا الظاهر ، المصرّح به في جملة من العبائر كالخلاف والمعتبر والمنتهى والتنقيح (2) لعموم النبوي : « من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته » (3).
    ونحوه الصحيح الآتي في مسألة أن الاعتبار في القضاء بحال الفوات في‏
1 ـ الوسائل 8 : 258 أبواب قضاء الصلوات ب 3.
2 ـ الخلاف 1 : 382 ، المعتبر 2 : 406 ، المنتهى 1 : 421 ، التنقيح 1 : 267.
3 ـ عوالي اللآلي 2 : 54 /143.


(185)
كل من القصر والإتمام (1).
    وضعف سند الأول مجبور بالعمل. والدلالة واضحة ، لأن الأصل في التشبيه حيث لم يظهر وجه الشبه ولو بتبادر أو غلبة أو شيوع ونحوها ـ كما فيما نحن فيه ـ المشاركة في جميع وجوه الشبه ، كما حقّق في الاُصول مستقصى ، ومنها الترتيب هنا.
    وورود الصحيح في مورد خاص غير ضائر بعد عموم الجواب وعدم القائل بالفرق بين الأصحاب.
    وللصحيح : « إذا نسيت صلاة أو صلّيتها بغير وضوء وكان عليك ( قضاء ) صلوات فابدأ بأولاهنّ ، فأذّن وأقم لها ثمَّ صلّها ، ثمَّ صلّ ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة » (2) وقريب منه آخر (3).
    والأمر للوجوب وإن كان في أخبار الأئمة عليهم السلام كما قرّر في الاُصول ، سيّما بعد اعتضاده بفتوى المشهور والإجماع المنقول.
    وبهما يذبّ عن المناقشات التي تورد على النصوص على تقدير تسليم الورود ، مع أنّ بعضها مردود من غير جهتيهما أيضاًً كما بيّنته هنا ، وأمّا باقي المناقشات الأخر فقد أوردناها في الشرح مستوفى.
    وإطلاق العبارة والنصوص يقتضي عدم الفرق في وجوب الترتيب بين العلم به والجهل. وهو في الأول ـ كما عرفت ـ لا ريب فيه وإن حكى في الذكرى القول بالاستحباب عن بعض الأصحاب (4) ، لكنه شاذّ وإن مال إليه‏
1 ـ انظر ص 195.
2 ـ الكافي 3 : 291 / 1 ، التهذيب 3 : 158 / 340 ، الوسائل 8 : 254 أبواب قضاء الصلوات ب 1 ح 4 ، ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.
3 ـ التهذيب 3 : 159 / 342 ، الوسائل 8 : 254 أبواب قضاء الصلوات ب 1 ح 3.
4 ـ الذكرى : 136.


(186)
بعض متأخري متأخري الأصحاب (1).
    وأما في الثاني فهو محل خلاف. والأكثر على العدم ، لعدم ظهور تبادره من الإطلاق ، بل ظهور عدمه ، كما صرّح به جملة من الأصحاب (2) ، فيدفع وجوب التكرار المحصّل له بالأصل وامتناع التكليف بالمحال والحرج اللازمين لكثير من صور وجوبه ، ولا قائل بالفرق ، كما صرّح به جملة من الأصحاب (3) ، وهذا القول أنسب بالملة السهلة ، سيّما وأنه اشتهر بين الطائفة.
    وآخرون على وجوبه إما مطلقاًً كما هو خيرة الفاضل في الإرشاد وغيره (4) ، أو مع ظنه أو وهمه كما في الدروس (5) ، أو مع ظنه خاصة كما في الذكرى (6) ، ولا ريب أن هذا القول أحوط وأولى.
    وعليه فيصلّي من فاته الظهران من يومين ظهراً بين عصرين أو بالعكس ، لحصول الترتيب بينهما على تقدير سبق كل واحدة ، ولو جامعهما مغرب من ثالث صلّى الثلاث قبل المغرب وبعدها ، أو عشاء معها فعل السبع قبلها وبعدها ، أو صبح معها فعل الخمس عشرة قبلها وبعدها ، وهكذا.
    والضابط تكريرها على وجه يحصل الترتيب على جميع الاحتمالات ، وهي اثنان في الأول ، وستّ في الثاني ، وأربعة وعشرون في الثالث ، ومائة وعشرون في الرابع ، حاصلة من ضرب ما اجتمع سابقاً في عدد الفرائض المطلوبة. ولو أضيف إليها سادسة صارت الاحتمالات سبعمائة وعشرين ،
1 ـ كصاحب الذخيرة : 385.
2 ـ منهم : صاحب المدارك 4 : 296.
3 ـ منهم : الشهيد في الروضة 1 : 345 ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : 385 ، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 3 : 233.
4 ـ الارشاد 1 : 271 ، التذكرة 1 : 82.
5 ـ الدروس 1 : 145.
6 ـ الذكرى : 136.


(187)
فتأمل (1). وصحته على الأول (2) من ثلاث وستين فريضة ، وهكذا.
    ويمكن صحتها من دون ذلك بأن يصلّي الفرائض جمع كيف شاء مكررة عدداً ينقص عنها بواحدة ثمَّ يختمه بما بدأ به منها ، فتصح فيما عدا الأولين من ثلاث عشرة في الثالث ، وإحدى وعشرين في الرابع ، وإحدى وثلاثين في الخامس ، ويمكن فيه بخمسة أيام ولاء والختم بالفريضة الزائدة.
    ( و ) تترتب ( الفائتة ) الواحدة مطلقاًً ( على الحاضرة ) وجوباً أيضاًً ما لم يتضيق وقتها فتقدم إجماعاً فيه.
    وأما الأول فهو الأشهر الأقوى ، بل عليه عامة قدماء أصحابنا إلّا الصدوقين (3) ، وهما نادران ، بل على خلافهما ووجوب تقديم الفائتة على الحاضرة مع سعة وقتها مطلقاًً إجماع أصحابنا ، كما حكاه جماعة مستفيضا ، كالشيخ في الخلاف ، والمفيد في بعض رسائله ، والحلّي في السرائر في بحث مواقيت الصلاة ، وابن زهرة في الغنية على ما حكاه عنه في الذخيرة (4).
    وهو ظاهر المرتضى في بعض مسائله ، حيث إنه بعد أن سأله السائل عن حكم المسألة وما يتفرع عليه قاطعاً بالإجماع عليه قائلاً : إذا كان إجماعنا مستقرا بوجوب تقديم الفائت من فرائض الصلوات على الحاضر منها إلى أن‏
1 ـ وجهه ما قيل انّ الظاهر أن الاحتمالات في هذا الصورة لاتزيد على ثلاثمائة وستين لأن السادسة احدى الخمس وترتيبها على مثلها لا تزيد احتمالاً. وتوضيحه : ان الفائت اذ كان ظهرين وعصراً فالاحتمالات لاتزيد علة ثلاثة ، فاذا اُضيف اليها مغرب صارت اثنتي عشرة حاصلة من ضرب عدد الأربع في الثلاثة ، وباضافة العشاء اليها تصير الاحتمالات ستين. منه رحمه الله.
2 ـ أي صحة هذا القرص الأخير على هذا الضابط الذي هو اول بالنسبة الى الضابط الأتي.
3 ـ نقله عن والد الصدوق في المختلف : 144 ، الصدوق في المقنع : 33.
4 ـ الخلاف 1 : 383 ، السرائر 1 : 203 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 562 ، الذخيرة : 211.


(188)
يبقى [ من‏ ] (1) وقته مقدار فعله ، فما القول فيمن صلّى حاضراً ؟. إلى آخر ما سأل (2) ، لم ينبهه ـ رحمه اللّه ـ بفساد قطعه وعدم الإجماع ، بل أقرّه على ذلك وأجابه بما أجاب.
    وناهيك هذه الإجماعات في إثبات حكم المسألة ، سيّما بعد اعتضادها بالشهرة العظيمة بين قدماء الطائفة ، بل مطلقاًً كما صرّح به جماعة (3).
    وظاهر إطلاقاتها عدم الفرق بين الفائتة الواحدة والمتعددة ، ليومه أم لا ، كما هو مقتضى إطلاق أكثر الأدلة على وجوب تقديم الفائتة كتاباً وسنّةً ، قال سبحانه ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) (4) وهو في الفائتة كما في الذكرى وغيرها (5).
    ودلّت عليه جملة من المعتبرة ، منها الصحيح : « من نسي شيئاً من الصلوات فليصلّ إذا ذكرها ، فإنّ اللّه عزّ وجل يقول ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) » (6).
    وهو ـ كما ترى ـ ظاهر في العموم ، كالنبوي : « لا صلاة لمن عليه صلاة » (7).
    والصحيح : عن رجل صلّى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلّها أو نام عنها ، فقال : « يقضيها إذا ذكرها من ليل أو نهار ، فإذا دخل وقت صلاة ولم يتم ما فاته فليقض ما لم يتخوف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي حضرت ، وهذه أحق بوقتها فليصلّها ، فإذا قضاها فليصلّ ما فاته ممّا قد مضى ، ولا يتطوع بركعة
1 ـ في النسخ : الى ، وما اثيتناه من المصدر.
2 ـ المسائل الرسية الاُولى ( رسائل الشريف المرتضى 2 ) : 363.
3 ـ منهم : الشهيد الثاني في الروض : 188 ، والصميري في كشف الالتباس على ما حكاه عنه في مفاتيح الكرامة 3 : 391.
4 ـ الذكرى : 132 ؛ وانظر المدارك 4 : 300 ، والحدائق 6 : 338.
5 ـ الذكرى : 134 ، الوسائل 4 : 285 أبواب المواقيت ب 61 ح 6.
6 ـ الرسالة السهوية للشيخ المفيد : 11 ، المستدرك 3 : 160 أبواب المواقيت ب 46 ح 2.


(189)
حتى تقضى الفريضة كلّها » (1) وهذا صريح في العموم.
    وأصرح منه الصحيح الآخر الطويل المشهور ، فإنّ في آخره : « وإن كانت المغرب والعشاء قد فاتتاك جميعا فابدأ بهما قبل أن تصلّي الغداة ، ابدأ بالمغرب ثمَّ بالعشاء ، فإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بهما فابدأ بالمغرب ثمَّ بالغداة ثمَّ صلِّ العشاء ، وإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب فصلّ الغداة ثمَّ صلّ المغرب والعشاء ، ابدأ باولاهما لأنهما جميعا قضاء ، فلا تصلّهما إلّا بعد شعاع الشمس » ، قال : قلت : لم ذلك ؟ قال : « لأنك لست تخاف فوتها » (2).
    وقريب منها إطلاق كثير من النصوص المستفيضة المنجبر ضعفها ـ كبعض ما سبقها ـ بالشهرة والإجماعات المستفيضة والاحتياط للعبادة.
    فقول الماتن بوجوب تقديم الواحدة دون المتعددة ، لقوله ( وفي وجوب ترتب الفوائت ) المتعددة ( على الحاضرة تردّد ) يظهر وجهه ممّا مرّ وسيأتي ( أشبهه الاستحباب ) لا وجه له ، عدا ما في المدارك (3) حيث تبعه من الاستناد في الأول إلى الصحيح : عن رجل نسي الظهر حتى غربت الشمس وقد كان صلّى العصر ، فقال : « إذا كان أمكنه أن يصلّيها قبل أن تفوت المغرب بدأ بها ، وإلّا صلّى المغرب أوّلاً ثمَّ صلّاها » (4) ونحوه صحيح آخر (5).
1 ـ الكافي 3 : 292 / 3 ، التهذيب 3 : 159 / 341 ، الاستبصار 1 : 286 / 1046 ، الوسائل 8 : 256 أبواب قضاء الصلوات ب 2 ح 3.
2 ـ الكافي 3 : 291 / 1 ، التهذيب 3 : 158 / 340 ، الوسائل 4 : 290 أبواب المواقيت ب 63 ح 1.
3 ـ المدارك 4 : 299.
4 ـ الكافي 3 : 293 / 6 ، التهذيب 2 : 269 / 1073 ، الوسائل 4 : 289 أبواب المواقيت ب 62 ح 7.
5 ـ الكافي 3 : 292 / 2 ، التهذيب 2 : 268 / 1069 ، الوسائل 4 : 290 أبواب المواقيت ب 62 ح 8.


(190)
    وفي الثاني إلى الصحيح : « إن نام رجل أو نسي أن يصلّي المغرب والعشاء الآخرة ، فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما ، وإن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء ، وإن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح ثمَّ المغرب ثمَّ العشاء قبل طلوع الشمس » (1).
    ونحوه الخبر بزيادة : « فإن خاف أن تطلع الشمس فتفوته إحدى الصلاتين فليصلّ المغرب ويدع العشاء الآخرة حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها » (2).
    وللصحيح : عن الرجل تفوته صلاة النهار ، قال : « يصلّيها إن شاء بعد المغرب وإن شاء بعد العشاء » (3).
    قال : ويؤيده الأخبار المتضمنة لاستحباب الأذان والإقامة في قضاء الفوائت (4) ، والروايات المتضمنة لجواز النافلة ممن عليه فريضة ، كالصحيح :
    « إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله رقد ، فغلبته عيناه فلم يستيقظ حتى آذاه حرّ الشمس ، ثمَّ استيقظ فركع ركعتين ثمَّ صلّى الصبح ، فقال : يا بلال ما لك ؟
    قال : أرقدني الذي أرقدك يا رسول اللّه ، قال : وكره المقام وقال : نمتم بوادي الشيطان » (5).
    قال : والظاهر أنّ الركعتين اللتين صلّاهما أوّلاً ركعتا الفجر كما في‏
1 ـ التهذيب 2 : 270 / 1076 ، الاستبصار 1 : 288 / 1053 ، الوسائل 4 : 288 أبواب المواقيت ب 62 ح 4.
2 ـ التهذيب 2 : 270 / 1077 ، الاستبصار 1 : 288 / 1054 ، الوسائل 4 : 288 أبواب المواقيت ب 62 ح 3.
3 ـ الكافي 3 : 452 / 7 ، التهذيب 2 : 163 / 640 ، الوسائل 4 : 241 أبواب المواقيت ب 39 ح 6.
4 ـ الوسائل 8 : 270 أبواب قضاء الصلوات ب 8.
5 ـ التهذيب 2 : 265 / 1058 ، الاستبصار 1 : 286 / 1049 ، الوسائل 4 : 283 أبواب المواقيت ب 61 ح 1.


(191)
الصحيح (1).
    وهو كما ترى : فإنّ الصحيح الأول نقول بمضمونه.
    والثاني معارض بمثله بل وأمثاله ممّا مضى ، فهي أرجح منه بمراتب شتّى ، ومنها تضمنه ـ كالخبر بعده مع ضعف سنده ـ ما هو مذهب العامة من توقيت العشاءين إلى الفجر (2) ، والمنع عن الصلاة بعد طلوع الشمس إلى أن يذهب شعاعها كما في بحث المواقيت قد مضى ، فتكون بالترجيح أولى وإن تضمّن بعضها الأخير وغيره ممّا لا قائل به ، وهو العدول عن الحاضرة إلى الفائتة بعد الفراغ منها معلّلا بأنها أربع مكان أربع ، لانجباره بالشهرة والإجماعات المستفيضة والاحتياط.
    ولا كذلك هذه الصحيحة وما في معناها ، لعدم جابر لها مطلقاًً ، عدا الأصل المعارض بالاحتياط اللازم المراعاة في العبادات ، والإطلاقات كتاباً وسنّةً بتوسعة أوقات الصلوات الخمس اليومية ، وهي عامة ، وما ذكرناه من الأدلة خاصة ، فلتكن عليها مقدمة ، مع أنّ في شمولها لنحو المسألة مناقشة لا يخفى وجهها ، مع أنّ ظاهر الأمر فيهما الوجوب كما هو ظاهر الصدوقين (3) ، وأقلّه الاستحباب كما يعزى إليهما (4) ، ولا يقول به الماتن ومن تبعه.
    وبنحوه يجاب عن الصحيحة بعدهما ، لتضمنها التخيير الظاهر في تساوي الفردين المخيّر بينهما إباحةً ورجحاناً ، ولا يقولان به أيضاً.
    مضافاً إلى أنّ صلاة النهار فيها مطلقة تشمل النافلة والفريضة الواحدة والمتعددة ، وتخصيصها بأحد هذه الأفراد جمعاًً بين الأدلة وإن أمكن ، إلّا أنه‏
1 ـ الذكرى : 134 ، الوسائل 4 : 285 أبواب المواقيت ب 61 ح 6.
2 ـ المغني لاين قدامة 1 : 427.
3 ـ راجع ص 187.
4 ـ نقله عنهما في المعتبر 2 : 405 ، والذكرى : 132.


(192)
يمكن حملها على التقية أو النافلة إن جوّزناها في وقت الفريضة ، والترجيح لهذا ، لما مضى.
    مع أنّ إطلاقها معارض بالإطلاقات المتقدمة كتاباً وسنةً ، وهي أرجح من هذا بمراتب عديدة كما عرفت.
    وأما المؤيداًت فهي بمكان من الضعف :
    أمّا الأول منها وهو استحباب الأذان والإقامة : فلكونهما من توابع الصلاة ومستحباتها ، فيكون التأخير بمقدار هما خارجاً عن محل نزاعنا ، سيّما مع كونه إجماعياً ، ولذا يقول به الماتن (1) ونحوه ممّن جعل تقديم الفائتة أولى ، وإلّا لتناقض حكمهم هذا وتصريحهم باستحبابهما للفائتة أيضاً.
    وأما الثاني فهو حسن إن قلنا به ، وإلّا ـ كما هو الأشهر الأقوى ـ فلا تأييد فيه أصلاً ، بل ينبغي حمل الأخبار الدالة عليه على التقية قطعاًً سيّما مع تضمن بعضها ما لا يقول به أصحابنا ، هذا.
    ولو صحّ هذا المؤيد للزم صحة القول بالمواسعة مطلقاًً حتى في الواحدة ، لجريانه فيها أيضاً. بل الصحيحة المتقدمة منها صريحة في فعل النافلة قبل الفائتة الواحدة ، وهو ينافي التضييق الذي قالا به فيها ، فتأمل جدّاً.
    وممّا ذكرناه يظهر ما في القول بالمواسعة مطلقاًً مع رجحان تقديم الحاضرة وجوباً كما هو ظاهر الصدوقين ، أو استحباباً كما عزي إليهما ، أو بالعكس مطلقاًً كما هو خيرة الشهيدين وغيرهما (2) ، أو في غير يوم الفوات وأما فيه فالوجوب كما عليه العلامة (3).
    ويضعّف هذا ـ زيادة على ما مضى ـ عدم شاهد عليه أصلاًً مع مخالفته‏
1 ـ كما في المعتبر 2 : 135.
2 ـ الشهيد الأول في الروضة 1 : 360 ، الشهيد الثاني في المسالك 1 : 43.
3 ـ في المختلف : 144.


(193)
كمختار الماتن لإجماع القدماء ، بل والمتأخرين أيضاً.
    وأما ما يورد على أدلة المختار من المناقشات فقد استوفينا الكلام فيها وفي جملة ما يتعلق بالمسألة في الشرح بما لا مزيد عليه ، من أراد التحقيق فيها كما هو فعليه بمراجعته ثمة.
    واعلم : أنّ في صحة الحاضرة لو قدّمت على الفائتة حيث يجب تقديمها قولان ، أكثر القدماء المحكي لنا كلامهم على العدم ، ومنهم المرتضى ـ رحمه اللّه ـ والحلّي (1) ، وزادا فمنعا من أكل ما يفضل ممّا يمسك الرمق ومن نوم يزيد على ما يحفظ الحياة ، ومن الاشتغال بجميع المباحات والمندوبات والواجبات الموسّعة قبل القضاء.
    وهو حسن إن قلنا بإفادة الأمر بالشي‏ء النهي عن ضده الخاص ، وإلّا كما هو الأقوى وعليه أكثر متأخري أصحابنا فلا.
    نعم ، يشكل الحكم بصحة الضد لو كان عبادة إذا المقتضي لصحتها ليس إلّا الأمر ، وهو لا يجامع الأمر بالقضاء المضيّق الثابت قطعاًً ، لتضادّهما ، وإذا انتفى لم يكن لصحة العبادة معنى ، لفقد مقتضيها ، مضافاًً إلى ظاهر النبوي المتقدم : « لا صلاة لمن عليه صلاة ».
    فما ذكروه من بطلان الحاضرة لعلّه أقوى ، كما عليه الماتن في الشرائع (2) ، وهنا أيضاًً ، لقوله ( ولو قدّم الحاضرة ) على الفائتة ( مع سعة وقتها ) حال كونه ( ذاكرا ) للفائتة ( أعاد ) الحاضرة بعد أداء الفائتة ، ويظهر من المدارك عدم الخلاف فيه على القول بوجوب تقديم الفائتة حيث فرّعه عليه ، قال : وإلّا فلا إعادة (3).
1 ـ المسائل الرسية ( رسائل الشريف المرتضى 2 ) : 364 ، الحلي في السرائر 1 : 272.
2 ـ الشرائع 1 : 121.
3 ـ المدارك 4 : 304.


(194)
    ( ولا يعيد ) ها ( لو سها ) عن الفائتة قولاً واحداً ، للصحيح الآتي قريباً.
    ( ويعدل عن الحاضرة إلى الفائتة لو ذكر ) ها ( بعد التلبس ) بالحاضرة ، للصحيح :
    « إن نسيت الظهر حتى صلّيت العصر فذكرتها وأنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الاُولى فإنما هي أربع ، وإن ذكرت أنك لم تصلّ الاُولى وأنت في صلاة العصر وقد صلّيت منها ركعتين فانوها الاُولى وصلّ الركعتين الباقيتين وقم فصلّ العصر ، وإن كنت ذكرت أنك لم تصلّ العصر حتى دخل وقت المغرب ولم تخف فوتها فصلّ العصر ثمَّ صلّ المغرب ، وإن كنت قد صلّيت المغرب فصلّ العصر ، وإن كنت قد صلّيت من المغرب ركعتين ثمَّ ذكرت العصر فانوها العصر ثمَّ قم فأتمها بركعتين ثمَّ سلّم ثمَّ صلّ المغرب ، وإن كنت قد صليت العشاء الآخرة ونسيت المغرب فقم فصلّ المغرب ، وإن كنت ذكرتها وقد صلّيت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثمَّ سلّم ثمَّ قم فصلّ العشاء الآخرة ، وإن كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتى صلّيت الفجر فصلّ العشاء الآخرة ، وإن كنت ذكرتها وأنت في الركعة الاُولى أو في الثانية من الغداة فانوها العشاء ثمَّ قم فصلّ الغداة » الحديث (1).
    ولا خلاف فيه أيضاًً إلّا من القائلين بالمواسعة فاستحبوا العدول ولم يوجبوه ، وظاهر الأمر يردّهم.
    وإنما يعدل إلى الفائتة مع الإمكان ، وهو حيث لا يتحقق زيادة ركوع على عدد السابقة.
    وظاهر الصحيحة جواز العدول مع الفراغ من الفريضة ، ولا قائل به أجده ، وحملها الشيخ في الخلاف على أن المراد بالفراغ ما قاربه (2). ولا بأس‏
1 ـ الكافي 3 : 291 / 1 ، التهذيب 3 : 158 / 340 ، الوسائل 4 : 290 أبواب المواقيت ب 63 ح 1.
2 ـ الخلاف 1 : 386.


(195)
به حذرا من مخالفة الإجماع ، وعملاً بما دلّ على أن الصلاة على ما افتتحت عليه (1) ، خرج ما خرج بالنص والإجماع ، وبقي الباقي.
    ( و ) منه يظهر أنه ( لو ) سها ف‍ ( تلبّس بنافلة ثمَّ ذكر ) أن عليه ( فريضة ) فائتة أو حاضرة ( أبطلها ) أي النافلة ( واستأنف الفريضة ) ولم يجز له العدول.
    وأما وجوب الإبطال فمبني على القول بعدم جواز النافلة لمن عليه فريضة ، كما هو الأشهر الأقوى ، وقد مضى في بحث المواقيت مفصّلاً ، ويأتي على القول الآخر عدم الوجوب ، لكن في جواز الإبطال حينئذ وعدمه وجهان مبنيان على جواز إبطال النافلة اختياراً أم لا ، وقد تقدّم الكلام في هذا أيضاًً مستوفى.
    ( و ) يجب أن ( يقضي ما فات سفراً قصراً ) مطلقاًً ( ولو كان ) حال القضاء ( حاضراً ) ، ويقضي ( ما فات حضراً تماما ولو كان مسافراً ) فإن العبرة هنا بحال الفوات لا الأداء إجماعاً ، وللمعتبرة المستفيضة ، ففي الصحيح :
    « يقضي ما فاته كما فاته ، إن كانت صلاة السفر أدّاها في الحضر مثلها ، وإن كانت صلاة الحضر فليقض في السفر صلاة الحضر كما فاتته » (2).
    ولو اختلف الفرض في أول الوقت وآخره ، بأن كان حاضرا ثمَّ سافر ، أو مسافراً فحضر وفاتته الصلاة ، ففي اعتبار حال الوجوب أو الفوات قولان ، أظهر هما ـ وعليه الأكثر ـ الثاني ، وسيأتي البحث فيه في صلاة المسافر إن شاء اللّه تعالى.
    وكما أن الاعتبار في القصر والإتمام بحال الفوات كذلك الاعتبار بحاله‏
1 ـ انظر عوالي اللآلي 1 : 205 / 34.
2 ـ الكافي 3 : 435 / 7 ، التهذيب 3 : 162./ 350 ، الوسائل 8 : 268 أبواب قضاء الصلوات ب 6 ح 1.
رياض المسائل ـ الجزء الرابع ::: فهرس