رياض المسائل ـ لجزء الرابع ::: 406 ـ 410
(406)
    كلّ ذلك على الأقوى ، وفاقاً لجماعة (1). خلافاً لآخرين (2) ، فاكتفوا بها جملةً أو ببعضها على اختلاف لهم لوجوه اعتبارية لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية.
    ثمَّ إنّ المتبادر من الخروج المعلّق عليه القصر بعد التمام في الخبر إنما هو الخروج إلى المسافة لا دونها ، بشهادة السياق ، مضافاًً إلى ما مرّ من الاتفاق على جعل الإقامة عشراً من القواطع ، وكون البلد بها بمنزلة الوطن.
    ومقتضى ذلك أنه لو سافر لدون المسافة أتمّ مطلقاًً ، سواء قصد العود إلى محل الإقامة وعزم على إقامة عشرة مستأنفة كما هو إجماع ، أو لم يقصد العود إليه أصلاً ، أو قصده ولم يعزم على المقام عشراً ثانياً ، سواء عزم على إقامة ما أم لا.
    ولكن ظاهر الأصحاب ـ كما قيل (3) ـ في الصورة الاُولى الاتفاق على القصر ذهابا وإيابا وإن اختلفوا في ثبوته بمجرّد الخروج أو بعد الوصول إلى حدّ الترخّص ـ كما هو الأقوى على تقدير ثبوت القصر بالإجماع المحكي ـ أو تقييده بما يأتي ، لعموم المنزلة المتقدمة.
    وأما الصورة الثانية فظاهر المشهور فيها أيضاًً وجوب القصر وإن اختلفوا في إطلاقه بمجرد الخروج أو بعد بلوغ حدّ الترخّص ، أو تقييده بحال الإياب خاصة. وعلى الأول الشيخ والحلّي والعلّامة (4) ، وعلى الثاني الشهيدان‏
1 ـ منهم : صاحب المدارك 4 : 464 ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : 412 ؛ وانظر الحدائق 11 : 421.
2 ـ انظر : التذكرة 1 : 193 ، ونهاية الاحكام 2 : 185 ، والتنقيح 1 : 294 ، وروض الجنان : 395.
3 ـ الحدائق 11 : 484.
4 ـ الشيخ في المبسوط 1 : 138 ، الحلّي في السرائر 1 : 345 ، العلامة في المنتهى 1 : 398.


(407)
وجماعة (1).
    وحجّتهم على أصل التقصير هنا وفي الصورة السابقة غير واضحة بعد فرض الخروج إلى دون المسافة ، مع اتفاقهم ـ كما عرفت ـ على كون الإقامة من القواطع ، وأنه لا بدّ في القصر بعدها من مسافة جديدة ، إلّا أن تقيّد عباراتهم بصورة قصدها وإن اختصّت بالخروج لدونها ، وإلّا فلا يمكن الجمع بين حكميهما في المسألتين ، كما نبّه عليه جماعة ، أوّلهم شيخنا الشهيد الثاني في رسالته التي أفردها لبيان أحكام صور المسألة (2).
    وعليه فالمتجه ما عليه الشهيدان من اختصاص القصر بحال العود خاصة لما مرّ من نقل الإجماع على عدم ضمّ الذهاب إلى الإياب مطلقاً. ولكن في الاعتماد عليه هنا إشكال ، لوهنه بمصير الشيخ ومن تبعه ولو في (3) المسألة على خلافه.
    ( ويستحب أن يقول عقيب الصلاة ) المقصورة ( سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر ثلاثين مرة ، جبرا ) لما قصّر منها.
    وظاهر النص (4) المتضمن له الوجوب ، إلّا أنه لا قائل به مع ضعف سنده ، فليحمل على مطلق الثبوت ، أو تأكّد الاستحباب ، وقد روي استحباب فعلها عقيب كل فريضة (5) ، فاستحبابها هنا يكون آكد.
    وهل يتداخل الجبر والتعقيب أم يستحب تكرارها ؟ وجهان.
1 ـ الشهيد الأول في الدروس 1 : 214 ، الشهيد الثاني في رسائله : 186 ؛ وانظر الحدائق 11 : 484.
2 ـ رسالة النتائج الأفكار في حكم المقيم في الأسفار ( رسائل الشهيد الثاني ) : 168.
3 ـ في « ل » و « ح » زيادة : غير.
4 ـ التهذيب 3 : 230 / 594 ، الوسائل 8 : 523 أبواب أحكام صلاة المسافر ب 24 ح 1.
5 ـ الوسائل 6 : 453 أبواب التعقيب ب 15.


(408)
    ( ولو صلّى المسافر خلف المقيم لم يتمّ واقتصر على فرضه وسلّم منفردا مطلقاًً ، سواء أدرك الصلاة جميعا أو ركعة أو أقل منها ، بإجماعنا وأخبارنا (1) ، وقد مضى الكلام فيه في بحث الجماعة مستوفى.
    ( و ) يجوز أن ( يجمع المسافر ) بين صلاتي ( الظهر والعصر ) وكذا ( بين ) صلاتي ( المغرب والعشاء ) كما هنا وفي الخلاف والسرائر والمنتهى والتذكرة والذكرى وغيرها (2) ، وفي صريح الأول وظاهر ما عدا الثاني كونه مجمعاًً عليه بيننا.
    ولا ريب فيه لاستفاضة النصوص ، بل تواترها به جدّاً عموماً ، مثل ما دلّ على اشتراك الوقتين ، وخصوصا كالصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة المتقدمة هي ـ كالسابقة ـ في مباحث أوقات الفرائض الخمس.
    وإنما الإشكال في استحبابه أو جوازه بقول مطلق ، كما هو ظاهر من مرّ ، عدا الشهيد في الذكرى فظاهره الأول ، وبه صرّح هو في الدروس والمحقّق الثاني كما حكي (3) ، قال : للنبوي : « كان عليه السلام إذا كان في سفر أو عجلت به حاجة يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة » (4).
    وفي دلالته على الاستحباب نظر.
    ومقتضى عموم ما دلّ على أفضليّة أول الوقت (5) أفضليته ولو هنا ، فيشكل الحكم باستحباب الجمع ، وسيّما في المغرب والعشاء ، فإنّ استحباب الجمع‏
1 ـ الوسائل 8 : 329 أبواب صلاة الجماعة ب 18.
2 ـ الخلاف 1 : 588 ، السرائر 1 : 344 ، المنتهى 1 : 399 ، التذكرة 1 : 76 ، الذكرى : 262 ؛ وانظر الجامع للشرائع : 93 ، والمهذب البارع 1 : 495.
3 ـ الدروس 1 : 214 ، ولم نعثر على قول المحقق الثاني.
4 ـ الكافي 3 : 431 / 3 ، التهذيب 3 : 233 / 609 ، الوسائل 9 : 219 أبواب المواقيت ب 31 ح 3.
5 ـ الوسائل 7 : 118 أبواب المواقيت ب 3.


(409)
بينهما يوجب الحكم باستحباب ترك نافلة المغرب ، وهو باطل إجماعاً ، لثبوت استحبابها سفراً وحضراً ، فالتعبير بالجواز المطلق كما في عبائر هؤلاء أولى.
    لكن يتوجه على هذا أنه لا فائدة لتخصيص الحكم به بالسفر مع ثبوته في الحضر أيضاًً ، بإجماعنا الظاهر المصرّح به في الخلاف والذكرى (1) وغيرهما ، وتدل عليه أدلة اشتراك الوقتين أيضاً.
    ويمكن أن يقال : وجهه تأكّد استحباب التفريق في الحاضر إجماعاً ، كما في الذكرى ، دون المسافر ، أو التنبيه على أن الجمع هنا جائز ولو بتأخير الاُولى عن وقتها الأول إلى الثاني اتّفاقاً ، حتى من القائل بكونه للاضطرار لا الإجزاء ، لكون السفر من الأعذار المسوّغة للتأخير كما صرّح به الشيخ (2) رحمه اللّه ، ولعلّ هذا أولى.
    ويتخير في الجمع بين تقديم الثانية إلى الاُولى وبين العكس ، إلّا أن الأول أولى ، لما مضى.
    وفي التذكرة : الاُولى فعل ما هو أوفق به ، فإن كان وقت الزوال في المنزل ويريد أن يرتحل قدّم العصر إلى الظهر حتى لا يحتاج إلى أن ينزل في الطريق ، وإن كان وقت الزوال في الطريق ويريد أن ينزل آخر النهار أخّر الظهر ، لحديث ابن عباس (3) ، فإن لم يكن في أحد الأمرين غرض فالأولى التقديم (4).
    ( ولو سافر بعد الزوال ولم يصلّ النوافل قضاها سفراً وحضراً ) للموثق : « إذ زالت الشمس وهو في منزله ثمَّ يخرج في سفر يبدأ بالزوال فيصلّيها ، ثمَ‏
1 ـ الخلاف 1 : 588 ، الذكرى : 119.
2 ـ المبسوط 1 : 72.
3 ـ سنن البيهقي 3 : 163.
4 ـ التذكرة 1 : 83.


(410)
يصلي الاُولى بتقصير ركعتين ، لأنه خرج من منزله قبل أن يحضر الاُولى ، وإن خرج بعد ما حضرت الاُولى صلّى الاُولى أربع ركعات ثمَّ يصلّي بعد النوافل ثمان ركعات » الخبر (1).
    وفي جملة من المعتبرة وفيها الصحيح والموثق وغيرهما : « يقتضي في السفر نوافل النهار بالليل » (2).
    وحملها الشيخ على من فاتته في الحضر (3) ، بأن يكون قد دخل عليه وقتها قبل أن يخرج ولم يصلّها فكان عليه قضاؤها فيما بعد ، واستشهد عليه بما مرّ من الموثق ، ولا بأس به.

    تمَّ المجلد الأول والثاني من رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدلائل ، على يد مؤلّفه المفتقر إلى اللّه الغني علي بن محمد علي الطباطبائي ، في أواخر العشر الثاني من الشهر الثاني من السنة الرابعة من العشر الآخر من المائة الثانية من الألف الثاني من الهجرة النبوية ، على صاحبها ألف سلام وثناء وتحية.
1 ـ التهذيب 2 : 18 / 49 ، الاستبصار 1 : 222 / 785 ، الوسائل 4 : 85 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 23 ح 1.
2 ـ الوسائل 4 : 84 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 22.
3 ـ التهذيب 2 : 17.
رياض المسائل ـ الجزء الرابع ::: فهرس