رياض المسائل ـ لجزء الرابع ::: 391 ـ 405
(391)
    أما لزومه (1) بالإضافة إلى الأول فواضح ، لوجوب بناءً العام على الخاص مطلقاًً حيثما تعارضا وحصل التكافؤ بينهما ، كما هنا.
    وأما لزومه بالإضافة إلى الثاني مع كون التعارض بينهما تعارض العموم والخصوص من وجه ـ كما مرّ ـ يقبل كلّ منهما التخصيص بالآخر : فلرجحان ما هنا على مقابله بالأصل (2) والشهرة العظيمة بين الأصحاب.
    هذا إن قلنا بعموم لفظة الإعادة وشمولها لنحو القضاء ، وأما على تقدير اختصاصه بما حصل في الوقت ـ كما هو المصطلح عليه بين الأصوليين ـ فهو بالإضافة إلى مقابله أخصّ مطلقاًً كسابقه ، ولعلّه لذا جعل الأصحاب التعارض بينهما تعارض العموم والخصوص مطلقاً.
    هذا مضافاًً إلى اعتضاده أيضاًً بصريح الرضوي : « وإن كنت صلّيت في السفر صلاة تامة فذكرتها وأنت في وقتها فعليك الإعادة ، وإن ذكرتها بعد خروج الوقت فلا شي‏ء عليك ، وإن أتممتها بجهالة فليس عليك فيما مضى شي‏ء ولا إعادة عليك إلّا أن تكون قد سمعت الحديث » (3).
    ( و ) يستفاد منه أيضاًً حكم ( الناسي ) من أنه ( يعيد في الوقت لا مع خروجه ) كما هو الأظهر الأشهر ، بل عليه عامة من تأخر ، وفي صريح الانتصار والخلاف والسرائر وظاهر التذكرة دعوى الإجماع عليه (4) ، وزاد في السرائر دعوى تواتر الأخبار به.
   ولم نقف على شي‏ء منها يدّل على الحكم صريحاً ، نعم في الصحيح : عن رجل صلّى وهو مسافر فأتمّ الصلاة ، قال : « إن كان في وقت فليعد ، وإن‏
1 ـ أي : لزوم التخصيص.
2 ـ وهو : انّ الأمر يقتضي الجزاء. منه رحمه الله.
3 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 163 ، المستدرك 6 : 539 أبواب صلاة المسافر ب 12 ح 2.
4 ـ الانتصار : 52 ، الخلاف 1 : 229 ، السرائر 1 : 328 ، التذكرة 1 : 193.


(392)
كان الوقت قد مضى فلا » (1).
    وهو كما ترى غير صريح في الناسي ، لكن بعمومه يشمله ، وهو كاف ، سيّما مع قيام الدليل على خروج العامد والجاهل.
    خلافاً للمحكي عن والد الصدوق والمبسوط فيعيد مطلقاًً (2) لإطلاق الصحيح أو عمومه : صلّيت الظهر أربع ركعات وأنا في السفر ، قال : « أعد » (3).
    وحمله الأصحاب على العامد. والاُولى حمله على الناسي مع تقييده بالوقت ، لما مرّ من حمل العام على الخاص ، أو المطلق على المقيّد.
    وللمقنع ، فيعيد إن ذكر في يومه ، فإن مضى اليوم فلا إعادة (4) ، للصحيح أو الخبر (5). وهو ككلامه مجمل ، لشيوع إطلاق اليوم على النهار فقط ، فيحتمل الحمل عليه ، بل ويتعيّن ، للجمع ، لأن ما مرّ أصرح ، فيكون من أدلة المختار ، ويجبر قصوره عن إفادة تمام المدّعى بعدم قائل بالفرق بين الظهر والعشاء مثلاً ، فتأمل جدّاً.
    ( ولو دخل ) عليه ( وقت الصلاة ) حاضراً بحيث مضى منه قدر الصلاة بشرائطها المفقودة قبل مجاوزة الحدّين ( فسافر والوقت باق ) بحيث أدرك منه ركعة فصاعدا ( قصّر على ) الأظهر ( الأشهر ) كما هنا ، وفي المعتبر وفي السرائر عليه الإجماع (6) وهو الحجّة بعد العمومات القطعية كتاباً وسنّةً ،
1 ـ الكافي 3 : 435 / 6 ، التهذيب 3 : 169 / 372 ، الاستبصار 1 : 241 / 860 ، الوسائل 8 : 505 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 1.
2 ـ نقله عن والد الصدوق في المختلف : 164 ، المبسوط 1 : 139.
3 ـ التهذيب 2 : 14 / 33 ، الوسائل 8 : 507 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 6.
4 ـ المقنع : 38.
5 ـ الفقيه 1 : 281 / 1275 ، التهذيب 3 : 225 / 570 ، الاستبصار 1 : 241 / 861 ، الوسائل 8 : 506 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 2.
6 ـ المعتبر 2 : 480 ، السرائر 1 : 334.


(393)
وخصوص المعتبرة.
    منها الصحيح : قلت له عليه السلام : يدخل عليّ وقت الصلاة وأنا في السفر ، فلا أصلّي حتى أدخل أهلي ، قال : « صلّ وأتمّ الصلاة » قلت : فدخل عليّ وقت الصلاة وأنا في أهلي أريد السفر ، فلا أصلّي حتى أخرج ، فقال :
    « صلّ وقصّر ، فإن لم تفعل فقد واللّه خالفت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم » (1) وقريب منه آخر (2).
    ومنها : الرضوي : « فإن خرجت من منزلك وقد دخل عليك وقت الصلاة ولم تصلّ حتى خرجت فعليك التقصير ، فإن دخل عليك وقت الصلاة وأنت في السفر ولم تصلّ حتى تدخل أهلك فعليك التمام » (3).
    خلافاً لجماعة (4) فيتمّ للأصل المخصّص بما مرّ ، وللصحيح (5) وغيره (6) المحتملين ـ ولا سيّما الأول ـ للحمل على ما يؤولان به إلى الأول كما يأتي ، مع ضعف سند الثاني واحتماله الحمل على التقية ، كسابقه.
    وللصدوق والنهاية (7) (8) ، فالتفصيل بين ضيق الوقت عن التمام فالأول ،
1 ـ التهذيب 3 : 163 / 353 ، الاستبصار 1 : 240 / 856 ، الوسائل 8 : 512 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 2.
2 ـ الفقيه 1 : 283 / 1288 ، الوسائل 8 : 512 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 2.
3 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 162 ، المستدرك 6 : 541 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 1.
4 ـ منهم : الصدوق في المقنع : 37 ، والعلامة في المنتهى 1 : 395 ، والشهيد الثاني في المسالك 1 : 50.
5 ـ الفقيه 1 : 284 / 1289 ، التهذيب 3 : 222 / 557 ، الاستبصار 1 : 239 / 853 ، الوسائل 8 : 513 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 5.
6 ـ الكافي 3 : 434 / 3 ، التهذيب 3 : 224 / 563 ، الاستبصار 1 : 240 / 855 ، الوسائل 8 : 515 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 10.
7 ـ الصدوق في الفقيه 1 : 284 ، النهاية : 123.
8 ـ في « ح » زيادة : والمبسوط. راجع المبسوط 1 : 141.


(394)
وسعته فالثاني جمعاًً ، وللموثق (1) وغيره (2) : في الرجل يقدم من سفره في وقت الصلاة ، فقال : « إن كان لا يخاف الفوت فليتمّ ، وإن كان يخاف خروج الوقت فليقصر ».
    وفيهما نظر لإمكان الجمع أيضاًً بما مرّ ، بل هو أظهر. والخبران ـ مع ضعف سند ثانيهما وقصور الأول ، وعدم ارتباطهما بمحل البحث ، لكون موردهما صورة العكس ـ لا يقاومان ما مرّ من وجوه لا تخفى على من تدبّر.
    مع احتمال كون المراد منهما ما في الصحيح : في الرجل يقدم من غيبته فيدخل عليه وقت الصلاة ، فقال : « إن كان لا يخاف أن يخرج الوقت فليدخل وليتمّ ، وإن كان يخاف أن يخرج الوقت قبل أن يدخل فليصلّ وليقصّر » (3).
    فلا دلالةً فيهما على المطلوب إن لم يكن لهما دلالةً على خلافه.
    وللخلاف فخيّر مع استحباب التمام(4) ، واحتمله في كتابي الحديث جمعاًً ، وللصحيح : « إذا كان في سفر فدخل وقت الصلاة قبل أن يدخل أهله فسار حتى يدخل أهله فإن شاء قصّر وإن شاء أتمّ ، وإن أتمّ أُحبّ إليّ » (5).
    ويتوجه إليهما النظر بعين ما مرّ ، غير القدح في السند ، ويبدّل باحتماله الحمل على التقية ـ كما قيل (6) ـ لأنه مذهب بعض العامة.
1 ـ التهذيب 3 : 223 / 559 ، الاستبصار 1 : 240 / 857 ، الوسائل 8 : 514 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 6.
2 ـ التهذيب 3 : 223 / 560 ، الاستبصار 1 : 241 / 858 ، الوسائل 8 : 514 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 7.
3 ـ التهذيب 3 : 164 / 354 ، الوسائل 8 : 514 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 8.
4 ـ الخلاف 1 : 577.
5 ـ التهذيب 3 : 223 / 561 ، الاستبصار 1 : 241 / 859 ، الوسائل 8 : 515 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 9 بتفاوت يسير.
6 ـ قال به صاحب الوسائل 8 : 515.


(395)
    ويزاد بعدم قبول بعض نصوص القولين الأولين لهذا الجمع ، لتضمن الصحيح في الأول الحلف باللّه إن لم يفعله فقد خالف ، والخبر في الثاني للفظ الوجوب الذي هو كالصريح في اللزوم الحتمي ، وهما ينافيان التخيير.
    ولبعض أفاضل متأخري المتأخرين فتوقّف بين القولين الأولين ، قال : لتعارض الصحيحين فيهما ، واحتمال كل منهما الحمل على الآخر (1).
    وفيه نظر لأن حمل الأخير على الأول أظهر ، لكثرة العدد ، والموافقة للعمومات والإجماع المنقول ، مع قبول لفظه للحمل من غير بعد كثير.
    بخلاف الأوّل إذ الحمل المحتمل فيه هو صرف الأمر فيه بالتقصير إلى صورة الخروج من البلد بعد دخول الوقت من غير مضيّ مقدار الصلاة بالشرائط. وهو في غاية البعد عن السياق إذ الخروج إلى محل الترخص بعد دخول الوقت وهو في المنزل ـ كما هو نصّ المورد ـ يستلزم مضيّ وقت الصلاتين غالباً ، بل وأكثر ، ولا أقلّ من إحداهما قطعاًً ، مع أنه عليه السلام أمر بالقصر من غير استفصال من مضيّ مقدارهما أو إحداهما.
    مع أن قوله : « فلا أصلّي حتى أخرج » كالصريح في تمكنه من الصلاة قبل الخروج.
    مع أن تأكيد الحكم بالقسم على تقدير الحمل يلغو عن الفائدة الظاهرة منه ، وهي دفع ما يتوهم من وجوب التمام أو جوازه ، إذ هو ليس محلّ توهم لأحد في صورة الحمل ، بل في صورة الظاهر.
    ومع ذلك فقد اعترف هذا الفاضل بما ذكرنا ، فقال : إن الصحيح الثاني أقبل للتأويل ، بأن يكون المراد من قوله : « يدخل من سفره » قرب الدخول والمشارفة عليه ، وكأنّ في الإيراد بصيغة المضارع إعانة على هذا المعنى ،
1 ـ المحقق السبزواري في الذخيرة : 415 ، ويظهر ايضاً من الحدائق 11 : 480.

(396)
وكذا المراد من قوله : « خرج من سفره » قرب الخروج ، وأراد به المقاربة من فعله ، لا الخروج حقيقة.
    ( وكذا لو دخل من سفره أتمّ مع بقاء الوقت ) ولو بمقدار ركعة ، على المشهور بين المتأخرين كما في روض الجنان وغيره (1) ، حتى أن جملة منهم ممّن قال في المسألة الاُولى بالقول الثاني وافق هنا كالشهيدين والفاضل في كتبه (2) ، ولم يتوقف المتوقف السابق.
    لعين ما مرّ حتى الإجماع المحكي ، مضافاًً إلى الصحيح : عن الرجل يدخل عليه وقت الصلاة في السفر ، ثمَّ يدخل بيته قبل أن يصلّيها ، قال : « يصلّيها أربعاً » وقال : « لا يزال يقصّر حتى يدخل بيته » (3).
    خلافاً للمحكي عن الشيخ في أحد قوليه فما مرّ من التفصيل (4).
    وفي الآخر ـ المحكي أيضاًً عن الإسكافي ـ فالتخيير (5).
    وعن قائل غير معروف فإطلاق لزوم التقصير (6).
    ومرّ مستند الجميع مع ما فيه.
    ( ولو فاتت اعتبر ) في القضاء ب‍ ( حال الفوات لا حال الوجوب ) فيقضي على المختار قصرا في المسألة الاُولى ، وتماماً في الثانية ، لعموم قوله عليه السلام : « فليقض ما فاته كما فاته » (7).
1 ـ روض الجنان : 398 ؛ وانظر الذخيرة : 415 ، والحدائق 11 : 480.
2 ـ الشهيد الاول في الدروس 1 : 212 ، الشهيد الثاني في الروضة 1 : 376 ، العلامة في المنتهى 1 : 396 ، ونهاية الاحكام 2 : 165.
3 ـ التهذيب 3 : 162 / 352 ، الوسائل 8 : 513 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 4.
4 ـ المبسوط 1 : 141 ، التهذيب 3 : 163 ، 223 ، الاستبصار 1 : 240.
5 ـ حكاه عن الشيخ والاسكافي في الذكرى : 257.
6 ـ نقله في روض الجنان : 398.
7 ـ عوالي اللآلي 3 : 107 / 150 بتفاوت.


(397)
    والصحيح : قلت له : رجل فاتته صلاة من صلاة السفر فذكرها في الحضر ، قال : « يقضي ما فاته كما فاته ، إن كانت صلاة السفر أدّاها في الحضر مثلها ، وإن كانت صلاة الحضر فليقض في السفر صلاة الحضر كما فاتته » (1).
    وعلى هذا الماتن هنا وفي المعتبر (2) ، والفاضل فيما وقفت عليه من كتبه (3) ، لكن أوجب في المسألة الاُولى التمام بناءً على أصله.
    خلافاً للمرتضى والشيخ والإسكافي (4) ، فحال الوجوب ، واختاره الحلّي ، حاكياً له عن والد الصدوق في رسالته ، وادّعى لذلك عليه الإجماع واحتجّ عليه بعده بأمر اعتباري ضعيف (5).
    لكن في الخبر : عن رجل دخل عليه وقت الصلاة وهو في السفر ، فأخّر الصلاة حتى قدم ، فهو يريد أن يصلّيها إذا قدم إلى أهله ، فنسي حين قدم إلى أهله أن يصلّيها حتى ذهب وقتها ، قال : « يصلّيها ركعتين ، لأن الوقت دخل وهو مسافر كان ينبغي أن يصلّي عند ذلك » (6).
    وهو صريح فيما ذكروه ، إلّا أن في السند ضعفاً بموسى بن بكر ، فلا يعارض ما مرّ ، إلّا أن يجبر بفتوى من مرّ ، سيّما مع نقل الإجماع ووجود قرائن تدل على حسن حال الراوي ، ولا يخلو عن نظر ، لكنه يوجب التردد في‏
1 ـ الكافي 3 : 435 / 7 ، التهذيب 3 : 162 / 350 ، الوسائل 8 : 268 أبواب قضاء الصلوات ب 6 ح 1.
2 ـ المعتبر 2 : 480.
3 ـ راجع المختلف : 167 ، المنتهى 1 : 396 ، ونهاية الاحكام 2 : 165 ، وارشاد الاذهان 1 : 276 ، والقواعد 1 : 49 ، والتذكرة 1 : 185.
4 ـ نقله عن المرتضى الاسكافي في المعتبر 2 : 480 ، ويظهر من الشيخ في التهذيب 3 : 163.
5 ـ السرائر 1 : 335.
6 ـ التهذيب 3 : 162 / 351 ، الوسائل 8 : 513 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 3.


(398)
المسألة ، وبه صرّح في الذخيرة (1) ، فلا ينبغي ترك الاحتياط فيها بالجمع بين القصر والإتمام على حال.
    ( وإذا نوى المسافر في غير بلده عشرة أيام ) ولو ملفّقة من الحادي عشر بقدر ما فات من أوّلها على الأقوى ( أتمّ ) بإجماعنا ، بل الضرورة من مذهبنا والمتواتر من أخبارنا (2).
    ( ولو نوى دون ذلك قصّر ) ولو كان خمسة أيام فصاعداً ، على الأشهر الأقوى ، بل عليه عامة أصحابنا كما في المنتهى (3) ، مشعراً بدعوى الإجماع عليه كما في ظاهر عبائر كثير (4).
    لمفهوم الصحاح المستفيضة وغيرها ، بل صريح جملة منها مستفيضة ، ففي الصحيح في صيام المسافر ، قال : « لا ، حتى يجمع على مقام عشرة أيام » (5).
    وفي الخبر : « إذا قدمت أرضاً وأنت تريد أن تقيم بها عشرة أيام فصم وأتمّ ، وإن كنت تريد أن تقيم أقلّ من عشرة أيام فأفطر ما بينك وبين شهر ، فإذا أتمّ الشهر فأتموا الصلاة والصيام وإن قلت : أرتحل غدوة » (6).
    خلافاً للإسكافي فيتمّ في خمسة (7) ، للصحيح (8) ، وهو مع قصوره‏
1 ـ الذخيرة : 415.
2 ـ الوسائل 8 : 498 أبواب صلاة المسافر ب 15.
3 ـ المنتهى 1 : 396.
4 ـ منها : الخلاف 1 : 574 ، والمدارك 4 : 462 ، وشرح المفاتيح للوحيد البهبهاني ( مخطوط ).
5 ـ الكافي 4 : 133 / 2 ، الوسائل 8 : 498 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 1.
6 ـ الكافي 4 : 133 / 1 ، الوسائل 8 : 498 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 3.
7 ـ كما نقله عنه في المختلف : 164.
8 ـ التهذيب 3 : 219 / 548 ، الاستبصار 1 : 238 / 849 ، الوسائل 8 : 501 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 12.


(399)
دلالة شاذّ محمول على التقية ، كما ذكره جماعة (1) ، أو على من كان بمكة والمدينة ، كما ذكره شيخ الطائفة (2) ، للصحيح الآخر لراويه (3) ، وفيه نظر ، مع أن المستفاد من بعض الصحاح المتقدمة في بحث التخيير في الأماكن الأربعة أن الأمر بالتمام فيهما للتقية (4).
    ولا فرق في موضع الإقامة بين كونه بلداً أو قريةً أو باديةً ، ولا بين العازم على السفر بعد المقام وغيره ، على ما يقتضيه إطلاق النصّ والفتوى ، وبه صرّح جماعة (5) ، من غير خلاف بينهم فيه أجده.
    والمراد بنية الإقامة تحقق المقام في نفسه ، كما يقتضيه نحو الصحيح : « إذا دخلت أرضا فأيقنت أنّ لك بها مقام عشرة أيام فأتمّ الصلاة ، وإن لم تدر ما مقامك بها تقول : غداً أخرج أو بعد غد ، فقصّر ما بينك وبين أن يمضي شهر ، فإذا تمَّ لك شهر فأتمّ الصلاة وإن أردت أن تخرج من ساعتك » (6).
    وعليه فيدخل من نوى الإقامة اقتراحاً ، ومن أوقفها على قضاء حاجة يتوقف انقضاؤها عليها. ومثله ما لو علّق النية على شرط ، كلقاء رجل فلاقاه.
    وهل يشترط التوالي في العشرة بمعنى أن لا يخرج من محل الإقامة إلى محل الرخصة مطلقاًً ، كما عليه الشهيدان (7) ، أو بشرط عدم صدق الإقامة عرفاً
1 ـ منهم : صاحب الوسائل 8 : 501 ، والحدائق 11 : 350.
2 ـ التهذيب 3 : 220.
3 ـ التهذيب 3 : 220 / 594 ، الاستبصار 1 : 238 / 850 ، الوسائل 8 : 502 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 16.
4 ـ راجع ص 374 و375.
5 ـ منهم الشهيد الاول في الذكرى : 258 ، الشهيد الثاني في روض الجنان : 386 ، صاحب المدارك 4 : 461.
6 ـ الكافي 3 : 435 / 1 ، التهذيب 3 : 219 / 546 ، الاستبصار 1 : 237 / 747 ، الوسائل 8 : 500 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 9.
7 ـ الشهيد الاول في البيان : 266 ، والشهيد الثاني في رسائله : 190.


(400)
وإلّا فلا يشترط ، كما لو خرج إلى بعض البساتين أو المزارع المتصلة بالبلد مع صدق الإقامة فيها عرفاً ، أو لا يشترط مطلقاًً حتى لو خرج إلى ما دون المسافة مع رجوعه ليومه أو ليلته لم يؤثر في نية إقامته ، كما عن فخر المحققين (1) ، وربما يحكى أيضاًً عن والده (2) ؟ أوجه وأقوال.
    خيرها أوسطها ، وفاقاً لجماعة من محققي متأخري المتأخرين (3) ، لعدم ورود نصّ شرعي في تحقيق معنى الإقامة ، فيرجع فيه إلى ما يعدّ إقامة عرفاً وعادة.
    واعتبار حدّ الرخصة في كل من الخروج والدخول من السفر لا يستلزم اعتباره حال قصد الإقامة ، مع أنه أمر شرعي لا مدخل له في أمر عرفي نيط به اللفظ المترتب عليه الحكم الشرعي. وتقديم الشرع عليه إنما هو حيث يفيدنا حقيقة شرعية لذلك اللفظ ، لا شرطاً شرعياً للحكم في بعض الموارد ، كما نحن فيه فإنّ غاية ما يستفاد من الشرع إنما هو ما ذكرنا ، لا صيرورة الإقامة حقيقة شرعية فيما لم يحصل معه الخروج إلى حدّ الرخصة للفظها.
    وبما ذكرنا ظهر ضعف الوجه الأول ، وكذا الثالث ، لانتفاء الإقامة العرفية التي هي المناط في التمام معه. نعم ، ربما يعضده بعض النصوص : استأمرت أبا جعفر عليه السلام في الإتمام والتقصير ، قال : « إذا دخلت الحرمين فانو عشرة أيام وأتمّ الصلاة » فقلت له : إني أقدم مكة قبل التروية بيوم أو يومين أو
1 ـ حكاه عنه الشهيد في رسائله : 191.
2 ـ انظر المسائل المهنائية : 132.
3 ـ منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 3 : 409 ، صاحب المدارك 4 : 460 ، والمحقق السبزواري في الكفاية 33 ، والعلامة في البحار 86 : 42 ، وصاحب الحدائق 11 : 346.


(401)
ثلاثة ، قال : « انو مقام عشرة أيام وأتمّ الصلاة » (1).
    ولا ريب أن القادم بيومين قبل التروية من نيّته الخروج إلى عرفة قبل العشرة ، ولا يتمّ معه الحكم بالتمام إلّا على هذا القول من أن المعتبر عدم الخروج إلى مسافة خاصة ، وإلّا فعلى القولين الأولين لا يصدق الإقامة من حين النية قطعاًً في الأول ، وعرفاً في الثاني ، فكيف يتمّ مع ذلك الحكم بالتمام بنية الإقامة المزبورة ؟!
    و قريب منه إطلاق الصحيح المتضمن لأن من توجّه إلى عرفات فعليه التقصير ، وإذا رجع وزار البيت ورجع إلى منى فعليه الإتمام (2).
    وفي الآخر : « من قدم قبل التروية بعشرة أيام وجب عليه إتمام الصلاة ، وهو بمنزلة أهل مكة ، فإذا خرج إلى منى وجب عليه التقصير ، وإذا زار البيت أتمّ الصلاة ، وعليه إتمام الصلاة إذا رجع إلى منى حتى ينفر » (3).
    قال في الوافي : إنما يجب الإتمام لأنه لا بدّ له من إقامة عشرة حتى يحجّ ، وإنما وجب القصر إذا خرج إلى منى لأنه يذهب إلى عرفات ويبلغ سفره بريدين ، وإنما يتمّ إذا زار البيت لأن الإتمام بمكة أُحبّ من التقصير ، وإنما لزمه الإتمام إذا رجع إلى منى لأنه كان من عزمه الإقامة بمكة بعد الفراغ من الحج كما يكون في الأكثر ، ومنى من مكة أقلّ من بريد.
    ثمَّ قال : وفيه نظر ، لأن سفره من عرفات هدم إقامته الاُولى ، وإقامته الثانية لم تحصل بعد ، إلّا أن يقال : إرادة ما دون المسافة لا تنافي عزم الإقامة ،
1 ـ التهذيب 5 : 427 / 1484 ، الاستبصار 2 : 332 / 1180 ، الوسائل 8 : 528 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 15.
2 ـ التهذيب 5 : 428 / 1487 ، الوسائل 8 : 537 أبواب صلاة المسافر ب 27 ح 3.
3 ـ التهذيب 5 : 488 / 1742 ، الوسائل 8 : 464 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 3.


(402)
وعليه الاعتماد ، ويأتي ما يؤيده في باب إتمام الصلاة في الحرم الأربعة (1). وذكر فيه الصحيحة المتقدمة.
    وهو ـ كما ترى ـ ظاهر في موافقته لهذا القول ، وأن قصد نحو عرفات مع الرجوع قبل العشرة قاطع للإقامة قطعاًً ، ولعلّه لما ستعرفه من الاتفاق عليه.
    ولعل هذا هو السرّ في تقييده التمام إذا رجع إلى منى بما إذا قصد إقامةً ثانيةً. فما يقال عليه من أن في تقييده تأملاً ، إذ ليس منه عين ولا أثر ولا عادة ، لا يخلو عن مناقشة ، سيّما مع دعواه الأكثرية التي مرجعها إلى العادة. لكنها لعلّها لا تخلو عن مناقشة ، لكن الظاهر أن ذكره هذه الدعوى إنما هو لبيان حكمة ترك التقييد وإن كان السبب فيه حقيقة هو ما ذكره من كون قصد نحو عرفات قاطعاً للإقامة.
    وعلى هذا فغاية ما يستفاد من هاتين الروايتين عدم انقطاع الإقامة بالخروج إلى نحو منى ، ولعلّه لصدق الإقامة معه عرفاً ، وهو لا يستلزم عدم الانقطاع بالخروج إلى ما دون المسافة مطلقاً.
    إلّا أن يقال في توجيه الاستدلال بهما لهذا القول على المختار بأن سفر عرفات ليس بمسافة القصر على الحتم كما مرّ ، ومثله لا يهدم قصد إقامة العشرة ، كما يظهر منهما من عدم نية إقامة مستأنفة ، وكون الإتمام بعد الرجوع مترتباً على الإتمام السابق من جهة أنه صار بمنزلة أهل مكة. وفيهما شهادة على أن سفر عرفات سفر رخصة في القصر لعدم كونه سفراً تاماً بسبب عدم الرجوع ليومه الذي هو شرط كما مرّ.
    ولا يخلو عن نظر لإطلاق الأصحاب الحكم بانقطاع الإقامة بالخروج إلى مسافة ، من دون تقييد كما سيظهر ، حتى أن الشيخ ـ الذي هو
1 ـ الوافي 7 : 154.

(403)
أحد القائلين بجواز التقصير في الأربعة مع عدم الرجوع ليومه ـ جعل في كتاب الحديث مقتضى الرواية الاُولى ـ من حصول نية الإقامة عشراً مع العلم بالسفر أربعة فراسخ في أثنائها ـ من خصائص الحرمين اللذين هما موردهما (1).
    وعلى هذا فتشذّ الروايات من هذا الوجه أيضاًً ، زيادة على ما مرّ من شذوذ جملة منها من حيث الدلالة على لزوم التقصير في الأربعة فراسخ مع عدم الرجوع ليومه.
    هذا ، مع أن التوالي المبحوث عنه إنما يعتبر في ابتداء نيّة الإقامة إلى أن يصلّي تماما ، لا مطلقاًً ، لما سيأتي من الاتفاق فتوىً ونصّاً على أنه متى نوى الإقامة عشرة أيام وصلّى صلاة واحدة بتمام فإنه لا يقصّر حتى يقصد مسافة جديدة ، ولذا أن الشهيدين (2) اللذين هما العمدة في اعتبار التوالي بالمعنى الأول في الإقامة صرّحا ـ كغيرهما (3) ـ بأنه يتمّ إذا خرج بعدها إلى ما دون المسافة.
    ولا ينافيه تصريحهم بلزوم التقصير في العود مع عدم العزم على إقامة مستأنفة ، وإلّا فيتمّ مطلقاًً ، لأن ذلك منهم محمول على ما إذا حصل في العود قصد المسافة ليجامع ما مرّ من اتفاقهم على اعتبار مسافة جديدة في التقصير إذا سافر بعد الإقامة وإتمام صلاة واحدة ، مع تصريحهم أيضاًً بكونها من قواطع السفر ومنزّلة للمقيم منزلة المتوطّن.
    وعلى هذا فتخرج الصحيحة الأخيرة ـ على تقدير سلامتها عمّا مرّ إليه الإشارة ـ عن مفروض المسألة ، وهو اعتبار التوالي بالمعنى الأول أو العرفي عند
1 ـ راجع التهذيب 5 : 427.
2 ـ البيان : 266 ، روض الجنان : 394.
3 ـ المدارك 4 : 461.


(404)
نية الإقامة ، لأن موردها الخروج إلى ما دون المسافة بعد حصول الإقامة عشرة. والصحيحة الاُولى تقبل التقييد بهذا دون مفروضنا.
    وأما الرواية فيكفي في الجواب عنها زيادةً على ما مرّ قصور السند.
    وبالجملة فما اخترناه هو المعوّل عليه والمعتمد.
    ( ولو تردّد ) في الإقامة عشراً ( قصّر ما بينه وبين ثلاثين يوماً ، ثمَّ أتمّ ولو صلاة ) واحدة ، بلا خلاف أجده ، بل عليه الإجماع في عبائر جماعة (1) ، والصحاح به مع ذلك مستفيضة (2) وإن اختلفت كالفتاوي في التأدية عن العدد بالشهر كما في أكثرها ، أو بالثلاثين كما في العبارة وغيرها (3). ولعلّه الأقوى ، حملا للمطلق على المقيّد ، أو المجمل على المبيّن ، مع كونه الأغلب من أفراد المطلق فتعيّن ولو لم يكن هنا مقيّد ، اقتصارا فيما خالف الأصل ـ الدالّ على استصحاب بقاء القصر ـ على الفرد المتيقّن. فلا يرد أن المقيّد لا عبرة بمفهومه ، لوروده أيضاًً مورد الأغلب ، إذ غاية ذلك سقوطه فيرجع في الفرد النادر إلى حكم الأصل.
    وتظهر الثمرة ما لو حصل التردّد في أول الشهر فيكفي في الانتقال إلى التمام مضيّه ولو نقص ، على الأول ، ولا على الثاني بل لا بدّ من تمام العدد.
    ( ولو نوى الإقامة ) عشراً ( ثمَّ بدا له ) فيها ( قصّر ما لم يصلّ على التمام ولو صلاة ) واحدة ، بلا خلاف فيه أيضاًً أجده ، بل عليه الإجماع في عبائر جماعة (4) ، للصحيح إني كنت نويت حين دخلت المدينة أن أقيم بها عشرة أيام‏
1 ـ منهم : الشيخ في الخلاف 1 : 574 ، والعلامة في المنتهى 1 : 397 ، وصاحب المدارك 4 : 463.
2 ـ الوسائل 8 : 498 أبواب صلاة المسافر ب 15.
3 ـ كالقواعد 1 : 50 ، والبيان : 260 ، ومفاتيح الشرائع 1 : 23.
4 ـ منهم : صاحب المدارك 4 : 463 ن والفيض في مفاتيح الشرائع 1 : 25.


(405)
فأتمّ الصلاة ، ثمَّ بدا لي بعد أن لا أقيم بها ، فما ترى لي ، أتم أم أقصّر ؟ فقال :
    « إن كنت دخلت المدينة وصلّيت بها صلاة فريضة واحدة بتمام ، فليس لك أن تقصّر حتى تخرج منها ، وإن كنت حين دخلتها على نيتك المقام فلم تصلّ فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتى بدا لك أن لا تقيم ، فأنت في تلك الحال بالخيار ، إن شئت فانو المقام عشرة أيام وأتمّ ، وإن لم تنو المقام فقصّر ما بينك وبين الشهر ، فإذا مضى لك شهر فأتمّ الصلاة » (1). وبمعناه الرضوي (2).
    وأما الخبر الدال على الأمر بالتقصير بالبداء عن الإقامة مع إتمام الصلاة (3) ، فمع قصور سنده ـ بل ضعفه وشذوذه ـ غير صريح في المخالفة ، لقوة احتمال كون الأمر به كناية عن الأمر بالسفر ، دفعا لما توهّمه السائل من عدم جواز إبطال نية الإقامة.
    وظاهر الصحيح وجوب القصر بعد البداء وقبل فعل الصلاة تماما ، سواء قصد مسافة أو تردّد في الإقامة وعدمها ، وهو الأشهر الأقوى.
    خلافاً لجماعة فاحتملوا اختصاصه بالأول (4).
    والحكم بالإتمام وقع فيه معلّقا على من صلّى فرضاً مقصوراً تماماً بعد نية الإقامة ، فلا تكفي النافلة ، ولا الفريضة الغير المقصورة ، ولا المقصورة إذا تمّمت بغير نية الإقامة سهواً ، أو لشرف البقاع الأربع ، أو استقرت في الذمة تامة بخروج وقتها ، ولا الصوم مطلقاً.
1 ـ الفقيه 1 : 280 / 1271 ، التهذيب 3 : 221 / 553 ، الاستبصار 1 : 238 / 851 ، الوسائل 8 : 508 أبواب صلاة المسافر ب 18 ح 1.
2 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 161 ، المستدرك 6 : 540 أبواب صلاة المسافر ب 13 ح 1.
3 ـ الفقيه 1 : 283 / 1286 ، التهذيب 3 : 221 / 554 ، الاستبصار 1 : 239 / 852 ، الوسائل 8 : 509 أبواب صلاة المسافر ب 18 ح 2.
4 ـ منهم : الشهيد في روض الجنان : 394 ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : 412.
رياض المسائل ـ الجزء الرابع ::: فهرس