رياض المسائل ـ لجزء الرابع ::: 376 ـ 390
(376)
الحرمين ، قال : « أتمّ ولو مررت به مارّاً » (1).
    وهما نادران ، ولا سيّما الثاني ، مع عدم صراحة كلام قائله في لزومه ، واحتمال إرادته الاستحباب كما في السرائر عن المرتضى (2) ، بل قد حكى على خلافهما الإجماع في صريح الخلاف والسرائر (3) ، وظاهر روض الجنان ، حيث جعل التخيير من متفردات الأصحاب من غير نقل خلاف (4) ، وكذا الذكرى ، لكنه نقل الخلاف عن الصدوق خاصة (5).
    وفي الوسائل : إنه ـ مع أفضلية التمام ـ مذهب جميع الإمامية ، قال : وخلافه ـ أي الصدوق ـ شاذّ نادر (6).
    وظاهره أيضاًً الإجماع ، وهو الحجّة.
    مضافاً إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة القريبة هي مع السابقة من التواتر ، بل لعلّها متواترة ، فلا يضرّ قصور أسانيد جملة منها أو ضعفها ، سيّما مع الانجبار بالشهرة العظيمة ، بل الإجماع كما عرفته من عبائر النقلة له.
    وهي ما بين صريحة في ذلك وظاهرة ، ففي الصحيح : في الصلاة بمكة ، قال : « من شاء أتمّ ومن شاء قصّر » (7).
    وفي الخبر : أقصّر في المسجد الحرام أو أتم ؟ قال : « إن قصّرت فلك‏
1 ـ كامل الزيارات : 250 ، الوسائل 8 : 532 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 31.
2 ـ السرائر 1 : 342.
3 ـ الخلاف 1 : 576 ، السرائر 1 : 343.
4 ـ روض الجنان : 397.
5 ـ الذكرى : 255.
6 ـ الوسائل 8 : 534.
7 ـ التهذيب 5 : 460 / 1492 ، الاستبصار 2 : 334 / 1189 ، الوسائل 8 : 526 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 10.


(377)
وإن أتممت فهو خير ، وزيادة الخير خير » (1) ونحوه آخر (2).
    وفي الصحيح : « أُحبّ لك إذا دخلتهما ـ أي الحرمين ـ أن لا تقصّر وتكثر فيهما الصلاة » فقلت له بعد ذلك بسنتين مشافهة : إني كتبت بكذا فأجبتني بكذا ، فقال : « نعم » فقلت : فأيّ شي‏ء تعني بالحرمين ؟ فقال : « مكة والمدينة » (3).
    ونحوه الخبر ، بل أظهر : عن التقصير بمكة ، فقال : « أتمّ وليس بواجب ، إلّا أني أُحبّ لك ما أُحبّ لنفسي » (4). ونحوه آخر في المواطن الأربعة ».
    وفي الصحيح : « إنّ من مخزون علم اللّه تعالى الإتمام في أربعة مواطن : حرم اللّه تعالى ، وحرم رسوله ، وحرم أمير المؤمنين ، وحرم الحسين عليهم السلام » (6).
    ونحوه المرسل لكن معبّراً عن المواطن بمكة والمدينة والحائر ومسجد
1 ـ التهذيب 5 : 430 / 1493 ، الاستبصار 2 : 334 / 1190 ، الوسائل 8 : 526 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 11.
2 ـ التهذيب 5 : 474 / 1669 ، كامل الزيارات : 250 بسند آخر.
3 ـ التهذيب 5 : 428 / 1187 ، الاستبصار 2 : 333 / 1183 ، الوسائل 8 : 525 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 4.
4 ـ الكافي 4 : 524 / 3 ، التهذيب 5 : 429 / 1488 ، الاستبصار 2 : 333 / 1184 ، الوسائل 8 : 529 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 19.
5 ـ التهذيب 5 : 430 / 1495 ، الاستبصار 2 : 335 / 1192 ، الوسائل 8 : 527 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 13.
6 ـ التهذيب 5 : 430 / 1494 ، الاستبصار 2 : 334 / 1191 ، الوسائل 8 : 524 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 1.


(378)
الكوفة (1). ونحو هما الحسن (2) وغيره (3) ، لكن في الحرمين خاصة.
    وهذه النصوص بعد ضمّ بعضها مع بعض صريحة في المذهب المشهور ، وبها يجمع بين كل من النصوص المتقدمة الآمرة بالقصر أو الإتمام ، بحمل الأمر الأول على الرخصة ، ويكون المراد من النهي عن التمام فيها إلّا بنية الإقامة النهي عنه بقصد الوجوب ، يعني لا يكون واجبا إلّا بها (4) ، والأمر الثاني على الفضيلة.
    وأما حمله على صورة قصد الإقامة ، وكذا ما قدّمناه من النصوص على التخيير مع أفضلية التمام ـ كما عليه الصدوق ـ فبعيد في الغاية ، سيّما فيما دلّ منها على الأمر بالتمام بمجرد المرور أو الدخول ولو صلاة واحدة ، فإنها ناصّة في صورة غير قصد الإقامة.
    وكذا حمله على التقية وإن أشعر به الصحيحان المتقدمان سنداً للصدوق لأن إيجاب التمام ـ على ما هو مقتضى الأمر ـ ليس مذهبا لأحد من‏
1 ـ الفقيه 1 : 283 / 1284 ، الوسائل 8 : 531 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 26.
2 ـ الكافي 4 : 4 : 524 / 7 ، التهذيب 5 : 426 / 1478 ، الاستبصار 2 : 330 / 1174 ، الوسائل 8 : 524 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 2.
3 ـ الكافي 4 : 524 / 5 ، التهذيب 5 : 429 / 1490 ، الاستبصار 2 : 334 / 1187 ، الوسائل 8 : 530 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 20.
4 ـ ووجهه هذا الحمل : أنه لمّا اشتهر لأمر بالتمام في ذالك الزمان وكان مقتضاه الوجوب ، احتمل فهم الرواة منه ايّا ، فردّوه عليهم بأنّه لا يجب التمام الاّ بقصد المقام عشرة أيام. ومّما يونس لهذا الحمل بعض الأخبار الواردة فيه المتضمنّة بعد ألأمر بالتمام لقوله عليه السلام : « وليس بواجب الاّ أنّي اُحب لنفسي » فتدّبر.
و محصّل هذا الحمل : لما كان وجوب التمام متوهّماً من الأوامر الواردة به في أخبارهم عليه السلام كثيراً بحيث أن نحو المرتضلا والاسكافي حكماً به وسألوا الرواة عنه نهوهم عنه ، ومثل هذا النهي الوارد في توّهم الوجوب لا يفيد سوى رفعه لا حرمته ، كما تقّرر في الأصول. منه رحمه الله.


(379)
العامة ، لأنهم ما بين موجب للقصر مطلقاًً ، وهم أكثرهم ، ومنهم أبو حنيفة (1) ، ومخيّر بينه وبين القصر كذلك ، وهو الشافعي وغيره (2) (3).
    ومنه يظهر أن حمل أوامر التقصير على التقية أولى ، كما صرّح به جماعة من أصحابنا (4) ، لاتّفاقهم على جواز القصر ، مع اشتهار مذهب أبي حنيفة قديما وحديثا ، فتأمل.
    وأما الصحيحان فالظاهر منهما بعد ضمّ أحد هما إلى الآخر أن الأمر بالإتمام إنما هو بعد مضيّ خمسة أيام لا مطلقاًً ، ولا ريب أنه للتقية ، فإن الاكتفاء بها في أيام الإقامة هو مذهب الشافعي (5) ، وهو لا يجري في الأخبار الآمرة بالتمام ولو في يوم الورود من غير الإقامة.
    ومع ذلك فهما معارضان بما دلّ على أن الأمر بالتمام ليس للتقية ، وأنه مخالف للعامة ، وهو الصحيح : قلت لأبي الحسن عليه السلام : إن هشاماً
1 ـ راجع عمدة القارئ 7 : 117 ، 122.
2 ـ الشافعي في الُام 1 : 187 ، 185 ؛ وانظر المغني والشرح الكبير 2 : 108.
3 ـ ثّم سلّمنا جريان نحو هذه المحامل واجتماع الأخبار بها بهض مع بعض نقول : انها معارضة بما قدّمناه من المحامل ، لا جتماعها به أيضاًً. وحيث دار الأمر في الجمع بين الأخبار بين أحد الجمعين كان خيرة المشهور أرجع وأقوي من وجوه شتّى ، لاعتضاده بالشهرة ، وحكايات الاجماعات المتقدمّه ، وكثرة الأخبار الدالّة على التمام لامرة به على الاطلاق أو مخيّرة.
بخلاف الجمع اّلذي ذكره ، فاّنه بطرف الضّد من هذه المرجّحات المزبورة ، وليس مرجّح في طرفه الّا عمومات بل اطلاقات الكتاب والسنّه بلزوم القصر على كّل مسافر ، مضافاًً الى اطلاق ما دلّ من الفتوى والمعتبرة بأنّه اذ قصّرت أفطرت واذ أفطرت قصّرت ، الظاهرة في تلازم الصلاة والصوم قصراً وإتماماً. وشيء منهما لايعارضان المرجحّات المتقدمّة ، فأنّ هذين المرجحين من باب العموم والاطلاق وتلك من باب الخصوص ، فهي مقدمّة عليهما كما لايخفى. منه عفي عنه.
4 ـ منهم : صاحب الوسائل 8 : 534 ، والحدائق 11 : 442 ، والوافي 7 : 187.
5 ـ كما في الُام 1 : 186 ، وبدائع الصنائع 1 : 97.


(380)
روى عنك أنك أمرته بالتمام في الحرمين ، وذلك من أجل الناس ، قال : « لا ، كنت أنا وآبائي إذا وردنا مكة أتممنا الصلاة واستترنا من الناس » (1).
    هذا ، ولكن يستفاد من جملة من النصوص اشتهار التقصير ما لم ينو المقام بين قدماء الأصحاب ، ففي الصحيح : كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام : أن الرواية قد اختلفت عن آبائك عليهم السلام في الإتمام والتقصير في الحرمين ، فمنها : أن تتمّ الصلاة ولو صلاة واحدة ، ومنها : أن يقصر ما لم ينو مقام عشرة أيام ، ولم أزل على الإتمام فيهما إلى أن صدرنا في حجّنا في عامنا هذا ، فإنّ فقهاء أصحابنا أشاروا عليّ بالتقصير إذا كنت لا أنوي مقام عشرة أيام ، فصرت إلى التقصير وقد ضقت بذلك حتى أعرف رأيك ، فكتب عليه السلام إليّ بخطّه : « قد علمت ـ يرحمك اللّه تعالى ـ فضل الصلاة في الحرمين على غيرهما ، فأنا أُحبّ لك إذا دخلتهما أن لا تقصّر » إلى آخر ما مضى (2).
    وفي الخبر المروي عن كامل الزيارة ، عن سعد بن عبد اللّه قال : سألت عن أيوب بن نوح عن تقصير الصلاة في هذه المشاهد : مكة والمدينة وقبر الحسين عليه السلام والكوفة ، والذي روي فيها ، فقال : أنا أقصّر ، وكان صفوان يقصّر ، وابن أبي عمير وجميع أصحابنا يقصّرون (3).
    فالأحوط التزام القصر وإن كان في تعيّنه نظر ، لإمكان الذبّ عن الخبرين ـ مع قصور سند الثاني ـ بأن المقصود منهما الإشارة إلى جواز التقصير ، وعدم تعيّن التمام كما يفهم من أوامره ، لا تعيّنه.
1 ـ التهذيب 5 : 428 / 1486 ، الاستبصار 2 : 332 / 1182 ، الوسائل 8 : 526 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 6.
2 ـ في ص : 374 الرقم 3.
3 ـ كامل الزيارات : 248 ، المستدرك 6 : 545 أبواب صلاة المسافر ب 18 ح 3.


(381)
    مع تضمن الأول تحبيب التمام منه عليه السلام ، والعبرة به لا بغيره ، مع ظهور صدره في رجحان التمام عند رواية.
    ونحوه في هذا : الخبر : سألت الرضا عليه السلام فقلت : إن أصحابنا اختلفوا في الحرمين ، فبعضهم يقصّر ، وبعضهم يتمّ ، وأنا ممّن يتمّ على رواية قد رواها أصحابنا في التمام ، وذكرت عبد اللّه بن جندب وأنه كان يتمّ ، قال : « رحم اللّه تعالى ابن جندب » ثمَّ قال لي : « لا يكون الإتمام إلّا أن تجمع على إقامة عشرة أيام ، وصلّ النوافل ما شئت » قال الراوي : وكان محبّتي أن يأمرني بالتمام (1).
    وهو صريح في اشتهار رواية التمام بين قدماء الأصحاب ، وأن عليها عمل جملة منهم ، وإنما أمره عليه السلام بالقصر ولم يأمره بالتمام لمصلحة من تقية أو غيرها.
    ولو سلّم اشتهار تعيّن القصر بينهم فلا ريب في أنه لم يبلغ حدّ الإجماع ، فيعارض باشتهار خلافه بين أصحابنا الآن بحيث كاد أن يكون إجماعاً ظاهراً ، كما عرفت نقله من جماعة من أصحابنا ، لعدم وجود مخالف مطلقاًً ، ظاهراً ولا محكياً ، عدا الصدوق ، وهو نادر جدّاً ، بل لم يتعرض لنقل خلافه جماعة كالحلّي وغيره.
    ولا ريب أن مثل هذه الشهرة أقوى من تلك بمراتب عديدة ، فالقول بالتخيير في غاية القوة وإن كان الأحوط القصر ، تحصيلاً للبراءة اليقينية.
    وقد اختلف الأصحاب في التعبير عن المواطن الأربعة ـ لاختلاف النصوص فيه ـ على أقوال ، إلّا أن ما في العبارة مطلقاًً أشهرها وأظهرها
1 ـ التهذيب 5 : 426 / 1483 ، الاستبصار 2 : 331 / 1179 ، الوسائل 8 : 533 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 33.

(382)
وأحوطها ، إلّا بالنسبة إلى المواطنين الأوّلين ، فالأحوط فيهما الاقتصار على المسجدين ، بل لا ينبغي أن يتعدّاهما ، أخذاً فيما خالف الأصل على المتيقن من النصّ والفتوى.
    ثمَّ إن مقتضى الاُصول واختصاص النصوص المخالفة لها بإثبات التمام به في الصلاة في المواطن المزبورة : عدم التعدية به إلى الصوم ، كما هو في الظاهر إجماع.
    ولا إلى الصلاة في غير هذه المواطن ولو كان من المشاهد الشريفة. وخلاف المرتضى والإسكافي (1) فيها نادر ، فلا يفيدهما التمسك ببعض التعليلات والظواهر.
    نعم في الرضوي : « إذا بلغت موضع قصدك من الحجّ والزيارة والمشاهد وغير ذلك ممّا قد بيّنته لك فقد سقط عنك السفر ووجب عليك التمام » (2).
    لكن في الخروج به عن مقتضى الأصل والعمومات المعتضدة بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع بل الإجماع مشكل ، سيّما مع تضمّنه الحكم بوجوب التمام ، لما مرّ من شذوذه ، ومخالفته الإجماع والأخبار المستفيضة بل المتواترة ، إلّا أن يحمل الوجوب على مطلق الثبوت.
    واعلم : أن وجوب القصر في غير محلّ الاستثناء وثبوته فيه إنما هو بعد اجتماع شروطه ، وإلّا فالواجب التمام ، إلّا مع انتفاء الأول منها بقسميه (3) ، فاختلف فيه الأصحاب.
1 ـ المرتضى في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى 3 ) : 47 ، ونقله عن الاسكافي في المختلف : 168.
2 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 160.
3 ـ أي الشرط الأول المسافة ، ومرادة بقسيمه : الثمانية الذهابيّة / والملفقة من الأربعة الذهابيّة والابابيّة.


(383)
    والمشهور بين المتأخرين وجوبه أيضاًً مطلقاًً ، وفاقاً للمرتضى والقاضي والحلّي (1) للأصل ، وظواهر ما مرّ من النصوص باعتبار الثمانية فراسخ ، وحملا للصحاح المستفيضة بالأربعة على ما إذا أريد الرجوع ليومه ، عملاً بالمعتبرة الأخر الدالة على اعتبار الرجوع.
    وهي وإن قصرت عن الدلالة على اعتبار كونه ليومه ، إلّا أن بعضها مشعر به كالموثق : عن التقصير ، قال : « في بريد » قال ، قلت : بريد ؟! قال : « إنه إذا ذهب بريداً ورجع بريداً فقد شغل يومه » (2).
    وفيه نظر ، لضعف الإشعار ، مع ظهور جملة من المعتبرة المستفيضة بوجوب التقصير في الأربعة مع عدم إرادة الرجوع ليومه :
    منها الصحيح : إنّ أهل مكة يتمّون الصلاة بعرفات ، فقال : « ويحهم أو ويلهم وأيّ سفر أشدّ منه ؟! لا تتمّ » (3).
    وقريب منه الموثق : « ألا ترى إن أهل مكة إذا خرجوا إلى عرفة كان عليهم التقصير ؟ » (4).
    والخبر : في كم التقصير ؟ فقال : « في بريد ، ويحهم كأنهم لم يحجّوا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فقصّروا » (5).
1 ـ جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى 3 ) : 47 ، القاضي في المهذّب 1 : 106 ، الحاي في السرائر 1 : 329.
2 ـ التهذيب 4 : 224 / 658 ، الوسائل 8 : 459 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 9.
3 ـ الكافي 4 : 519 / 5 ، الفقيه 1 : 286 / 1302 ، التهذيب 3 : 210 / 507 ، الوسائل 8 : 463 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 1.
4 ـ التهذيب 3 : 208 / 499 الاستبصار 1 : 224 / 795 ، الوسائل 8 : 464 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 5.
5 ـ التهذيب 3 : 209 / 502 ، الاستبصار 1 : 225 / 798 ، الوسائل 8 : 464 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 6.


(384)
    وحملها على إرادة الرجوع ليومه كما ذكروه مستبعد جدّاً لظهور سياقها في خروج أهل مكة حجّاجا ، كما وقع التصريح به في الخبر الأخير ، والصحيح :
    « إن أهل مكة إذا خرجوا حجّاجاً قصّروا ، وإذا زاروا ورجعوا إلى منازلهم أتمّوا » (1).
    وبالجملة : لا ريب في أن ظاهر هذه النصوص بل صريحها ، مع صحة جملة منها واستفاضتها : وجوب التقصير في الأربعة مطلقاًً ولو لم يرد الرجوع ليومه ، كما عليه العماني (2) ، ومال إليه جملة من فضلاء متأخري المتأخرين (3) ، وهو قوي متين.
    وبه يجمع الأخبار المختلفة بالثمانية الظاهرة في الذهابية ، وبالأربعة المطلقة الظاهرة فيها كذلك ، وبالثمانية الملفقة من الأربعة ، بحمل القسمين الأولين منها على الثمانية المطلقة ولو كانت ملفّقة من الأربعة الذهابية والإيابية ، كما دلّت عليه المعتبرة الأخيرة.
    لكن ربما يخدشه ندرة القول به وشذوذه بين القدماء والمتأخرين ، لإطباقهم ـ عدا العماني ـ على عدم وجوب التقصير ، وإن اختلفوا في جوازه وعدمه ، والمشهور بين المتأخرين كما مرّ هو الثاني ، وبين القدماء هو الأول مخيّرين بينه وبين التمام ، وإلى قولهم أشار بقوله :
    ( وقيل : من قصد أربعة فراسخ ولم يرد الرجوع ليومه تخيّر في القصر والإتمام ) والقائل الصدوقان والشيخان والديلمي (4) ، وغيرهم ، بل عن الأمالي‏
1 ـ الكافي : 518 / 2 ، الوسائل 8 : 465 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 8.
2 ـ حكاه عنه في المختلف : 162.
3 ـ منهم : صاحب الوسائل 8 : 463 ، والفيض في مفاتيح الشرائع 1 : 25 ، والمححقّق السبزواري في الذخيرة : 406 ، وصاحب الحدائق 11 : 325.
4 ـ الصدوق في الفقيه 1 : 280 ، وقد نقل عن والده وعن المفيد العلاّمة في المختلف : 162 ،


(385)
دعوى الإجماع عليه (1).
    وعلى هذا فيشكل المصير إلى هذا القول (2) ، سيّما مع ظهور دعوى الإجماع من السرائر والمختلف (3) على خلافه ، لتصريح الأول بالإجماع على جواز التمام ، وحصول البراءة به بلا خلاف ، واستدلال الثاني على لزوم التمام ، بأنه أحوط. ولا يتمّ الاحتياط إلّا بالإجماع على جواز التمام لأنه الأخذ بالأوثق ، ولا يكون إلّا حيث لا يكون خلاف.
    وأظهر منهما عبارة شيخنا الشهيد الثاني في بعض رسائله ، فإنه قال في جملة كلام له : ولو كان عدم العود على الطريق الأول موجبا لاتّحاد حكم الطريق لزم منه كون قاصد نصف مسافة مع نية العود على غير الطريق الأول يخرج مقصّراً مع عدم العود ليومه ، وهو باطل إجماعاً (4).
    وحينئذ فيدور الأمر بين مذهب المتأخرين والقدماء. لا سبيل إلى الأول ، لأن فيه إطراحا للمعتبرة المستفيضة الظاهرة بل الناصّة في ثبوت القصر في الأربعة مع عدم الرجوع ليومه (5) ، وهو من غير معارض صريح بل ولا ظاهر كما مرّ مشكل ، فتعيّن الثاني.
    لكن ربما ينافيه ظهور جملة من تلك المعتبرة في وجوب القصر ـ كظهورها فيما مرّ ـ لتضمنها النهي عن التمام ، والإنكار على فاعله بالويل والويح الظاهر بل الصريح ـ كالأول ـ في حرمته ، كما عليه العماني.
الطوسي في التهذيب 3 : 208 ، الديلمي في المراسم : 75.
1 ـ أمالي الصدوق : 514.
2 ـ أي قول العماني. منه رحمه الله.
3 ـ السرائر 1 : 329 ، المختلف : 162.
4 ـ رسائل الشهيد الثاني : 172.
5 ـ راجع ص 377 و378.


(386)
    إلّا أن يذبّ عنه بصرف النهي والإنكار على فاعل التمام بقصد وجوبه ، كما عليه الناس يومئذ ، ولا بأس به ، لإمكانه ، فيتعيّن ارتكابه.
    وحينئذ فيقوّى القول بالتخيير ، بل ويتعيّن ، لاجتماع النصوص عليه أيضاًً ، مع وضوح الشاهد عليه من الإجماع المتقدم عن الأمالي ، مضافاًً إلى ما مرّ من صريح الرضوي المتضمن لقوله : « فإن سافرت إلى موضع مقدار أربعة فراسخ ولم ترد الرجوع ليومك فأنت بالخيار ، فإن شئت أتممت وإن شئت قصّرت » (1).
    وممّا ذكرنا ظهر ما في قول الماتن ( ولم يثبت ) إذ أيّ دليل أجود من الرضوي وإجماع الأمالي ، المعتضدين بالشهرة القديمة ، وخصوص ما ورد من أخبار عرفة ، بناءً على ما عرفت من الإجماع ممّن عدا العماني على عدم إبقائها على ظاهرها من وجوب القصر ، وعدم إمكان تخصيصها بإرادة الرجوع ليومه ، لصراحة جملة منها في الرجوع لغيره.
    فليس بعد ذلك إلّا حملها على أن المقصود بها إثبات جواز القصر لا وجوبه ، ويصرف الإنكار فيها عن التمام بالنهي وما في معناه إلى فاعله بقصد وجوبه ، كما قدّمناه ، وسيأتي مزيد تحقيق لهذا البحث (2).
    ولذا اختار جماعة من المتأخرين ـ كشيخنا الشهيد الثاني وولده وسبطه (3) ـ القول بالتخيير مع عدم وقوفهم على الرضوي وإجماع الأمالي.
    وعليه فهل الأحوط اختيار التمام أو القصر ؟ إشكال : من إجماع السرائر والمختلف والأمالي وشيخنا الشهيد الثاني على حصول البراءة بالأول ، مع‏
1 ـ راجع ص 338.
2 ـ في مسألة اشتراط التوالي في نيّه الإقامة عشرة. منه رحمه الله.
3 ـ الشهيد في روض الجنان : 384 ، وولده في منتقى الجمان 2 : 173 ، وسبطه في المدارك 4 : 437.


(387)
اعتضاده بالشهرة القديمة والمتأخرة القريبة من الإجماع ، بل الإجماع حقيقة ، لندرة العماني وشذوذه ، ولذا لم ينقله الماتن وكثير وإنما نقلوا القول بوجوب التمام والتخيير.
    ومن ظاهر أخبار عرفة بوجوب التقصير.
    ولعل الأول أجود ، بل لعلّه المتعين.
    وحيث جاز القصر فهل يعمّ الصلاة والصوم ، أم يختص بالأول ؟ ظاهر الأكثر ، بل من عدا النهاية الأول ، لعموم الأدلة ، وخصوص ما دلّ من تلازم القصرين من المعتبرة.
    خلافاً للنهاية فالثاني (1).
    واعلم : أن ظاهر إطلاق عبارة القدماء ـ عدا الديلمي (2) ـ بالتخيير في الأربعة ما لم يرد الرجوع ليومه يشمل ما لو لم يرد رجوعاً أو أراده في غير يومه ، انقطع سفره بأحد القواطع أم لا.
    ولعلّ وجهه إطلاق الأدلة عدا أخبار عرفة ، مع ظهور بعض الصحاح في ثبوت القصر في الأربعة مع التصريح فيه بالتمام بالوصول بعدها إلى الضيعة (3).
    ولكن يمكن دعوى انصراف الإطلاق نصّاً وفتوىً إلى مريد الرجوع قبل القاطع ، لأنه الغالب ، ولذا أنه عليه السلام في الموثقة المتقدمة بعد الحكم بأن المسافة بريد بقول مطلق وتعجّب الراوي عنه علّل بأنه إذا رجع شغل يومه (4) ، وهو ظاهر في أن الأربعة حيث يطلق يراد بها ما يتعقبه الرجوع ، فلا
1 ـ النهاية : 161.
2 ـ المراسم : 75.
3 ـ التهذيب 3 : 210 / 509 ، الاستبصار 1 : 229 / 811 ، الوسائل 8 : 496 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 14.
4 ـ راجع ص 383.


(388)
يمكن إثبات القصر فيها على الإطلاق.
    وأما بعض الصحاح فيمكن الجواب عنه بما قدّمناه في ذيل البحث في الشرط الأول من حمله على التلفيق ولو نافاه الأمر فيه بالتمام في الضيعة ، لإمكان حمله على التقية ، كما عرفته ثمة (1).
    نعم ربما يقال : إنه كباقي الإطلاقات ليس فيه اشتراط الرجوع قبل أحد القواطع فتعمّه وغيره ، ودعوى اختصاصها بحكم الغلبة بالأول لا تخلو عن ريبة ، وعليه فيؤول الأمر إلى كفاية الأربعة بقول مطلق.
    وفيه نظر لظهور الموثقة المزبورة في اشتراط الرجوع قبل القاطع ، لمكان التعجب وتقريره بالتعليل مشيرا به إلى حصول المسافة المعتبرة في التقصير ، ولا ريب أنها تنقطع بما مرّ من القواطع.
    ونحوها الأخبار الأخر الدالة على اعتبار الإياب.
    إلّا أن يقال : المراد منها بيان المسافة المعتبرة في الوجوب دون الرخصة ، كما يفهم من تعليل الموثقة وغيرها ، فلا تكون هذه من أخبار المسألة.
    لكن مثله يتوجّه في أخبار الأربعة أيضاًً ، لما عرفت من انصراف إطلاقها إلى ما يتعقبه الإياب بحكم الغلبة والموثقة ، مع دلالتها على أن بالإياب تحصل مسافة الثمانية المشترطة في أصل التقصير ووجوبه ، وظاهرها وإن كان كفاية مطلق الإياب فيها مع عدم القاطع في وجوبه كما عليه العماني ، إلّا أنك عرفت انعقاد الإجماع ممّن عداه على خلافه ، فكان هو السبب الأهمّ لتقييد الإياب في النصوص المتضمنة له ب‍ « من يومه » (2).
1 ـ راجع ص 340.
2 ـ في « م » : من يريد الرجوع ليومه.


(389)
    وعلى هذا فينحصر الدليل على ثبوت التخيير في الأربعة إذا أراد الرجوع لغير يومه في الرضوي وإجماع الأمالي ، ولعلّهما كافيان في إثباته فيها ، سيّما مع اعتضادهما بفتوى أعيان القدماء.
    وحيث قد عرفت قوة احتمال انصراف إطلاقهما كغيرهما إلى الأربعة مع الإياب ظهر لك عدم نهوضهما بإثبات التخيير فيها من غير إياب ، فيتحتم فيها التمام ، سيّما وفي بعض عبارة الرضوي ممّا لم ننقله ما يدلّ عليه ، وهو قوله عليه السلام بعد الحكم بوجوب التقصير في الأربعة مع إرادة الرجوع ليومه : « وإن عزمت على المقام وكان سفرك بريداً واحداً ثمَّ تجدّد لك فيه الرجوع من يومك فلا تقصّر » إلى أن قال : « وإن سافرت إلى موضع بمقدار أربعة فراسخ » إلى آخر ما مرّ (1).
    وهو صريح في اعتبار الإياب في ثبوت أصل التقصير في الأربعة وجوباً إن وقع ليومه ، وجوازاً إن وقع في غيره ، وأن مع عدمه أو تخلّل القاطع لا يجوز التقصير.
    وهو يقوّي ما قدّمناه من تخصيص عبائر القدماء بصورة إرادة الرجوع ، لإبقائها على إطلاقها ، لأن الظاهر أنه المستند لهم في التخيير ، وإن استند الشيخ له بالجمع بين النصوص ، ويبعد عملهم به فيما عدا هذا الحكم الذي تضمنه.
    وكيف كان ، فيتحصّل ممّا ذكرنا : عدم جواز القصر في الأربعة من غير إياب ، وجوازه معه لغير يومه ، ووجوبه معه ليومه ، كما تضمّن جميع ذلك الرضوي ، وعلى جملة منه إجماع الأمالي.
    ( ولو أتم المقصّر ) المتحتم عليه التقصير عالماً بوجوبه ( عامداً أعاد )
1 ـ في ص 338.

(390)
وجوباً ، وقتاً وخارجاً ، إجماعاً لعدم صدق الامتثال ، وللصحيحين (1) وغيرهما المروي في الخصال ، وفيه : « ومن لم يقصّر في السفر لم تجز صلاته ، لأنه قد زاد في فرض اللّه تعالى » (2).
    ( ولو كان جاهلاً لم يعد ) مطلقاًً على الأشهر الأقوى ، بل عليه الإجماع في الجملة في ظاهر بعض العبارات للصحيح : في رجل صلّى في السفر أربعاً أ يعيد أم لا ؟ قال : « إن كان قرئت عليه آية التقصير وفسّرت له فصلّى أربعاً أعاد ، وإن لم تكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه » (3).
    خلافاً للمحكي عن الإسكافي والحلبي ، فيعيد في الوقت دون خارجه (4). وعن العماني فيعيد مطلقاًً (5).
    وهما نادران ولا سيّما الثاني ، مع عدم وضوح مستندهما عدا الاُصول ، وإطلاق ما مرّ من رواية الخصال للثاني ، وإطلاق ما سيأتي من النصوص في الناسي للأول.
    وتخصيصها أجمع بما هنا لازم لأخصّيته بالإضافة إلى الاُصول وتاليها مطلقاًً ، وبالإضافة إلى ما سيأتي من وجه ، وهو التصريح فيه بالجاهل وإن شمل الإعادة فيه لغة للوقت والخارج ، فيقبل التقييد بالثاني ، لوقوع التصريح بالإعادة في الأول فيما سيأتي ، وإن عمّ الجاهل والناسي.
1 ـ الأول : التهذيب 2 : 14 / 33 ، الوسائل 8 : 507 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 6. والصحيح الثاني سيأتي مصدره في الهامش (3).
2 ـ الخصال : 603 / 9 ، الوسائل 8 : 508 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 8.
3 ـ الفقيه 1 : 278 / 1266 ، التهذيب 3 : 266 / 571 ، الوسائل 8 : 506 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 4.
4 ـ حكاه عن الاسكافي في المختلف : 164 ، الحلبي في الكافي : 116.
5 ـ حكاه عنه في المختلف : 164.
رياض المسائل ـ الجزء الرابع ::: فهرس