رياض المسائل الجزء السادس ::: 1 ـ 15

رياض المسائل
في تحقيق الاحكام بالدلائل
تأليف
الفقيه الأصولي
السيد علي بن السيد محمّد علي الطباطبايي
المتوفي سنة 1231 هـ
الجزء السادس
تحقيق
موسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث


(3)
بسم الله الرحمن الرحيم


(4)

(5)
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
وبه نستعين
وبه ثقتي وعليه توكّلي
الحمد للَّه رب العالمين وصلى‏ اللَّه على‏ محمد وآله الطاهرين‏


(6)

(7)
    وتتبعه العمرة ، أو تدخل فيه لما ورد أنّها الحجّ الأصغر (1).
    وأُدخلت فيه الزيارة حثّاً عليها ، وتنبيهاً على‏ نقصه بدونها ، كما ورد في الأثر (2).
    ( والنظر ) في الكتاب يقع تارةً ( في المقدمات و ) أُخرى في ( المقاصد ).
1 ـ الوسائل 14 : 295 أبواب العمرة ب 1.
2 ـ علل الشرائع : 459 / 1 ، عيون الأخبرا 2 : 265 / 28 ، الوسائل 14 : 324 أبواب المزار وما يناسبه ب 2 ح 7.


(8)

(9)
اعلم أنّ ( الحجّ ) بالفتح في لغة ، وبالكسر في أُخرى. وقيل : بالأول مصدر ، وبالثاني اسم (1). يأتي في اللغة لمعان كما في القاموس (2) ، أشهرها : القصد ، أو المكرّر منه خاصّة ، حتى أن جماعة لم يذكروا غيرهما (3).
    وفي الشرع ( اسم لمجموع المناسك المؤداة في المشاعر المخصوصة ) عند الماتن وجماعة ؛ للتبادر ، وكذلك عند المتشرعة.
    وعند الشيخ وجملة ممن تبعه (4) : القصد إلى‏ مكّة ـ شرّفها اللَّه تعالى‏ ـ لأدائها عندها ، متعلقة بزمان مخصوص. وربما قيل : مطلقاً (5).
    وقد أُورد على‏ كلٍّ من الفريقين إيرادات لا فائدة مهمة للتعرض لها ، بل ينبغي صرف الهمّة بعون اللَّه سبحانه إلى‏ ما هو أهمّ منها وأولى.
    فنقول ( وهو فرض على‏ المستطيع ) للسبيل إليه ( من الرجال والخناثي ) مطلقاً ( والنساء ) ؛ بالكتاب (6) ، والسنّة (7) ، والإجماع.
1 ـ قال به الفيومي في المصباح المنير : 121.
2 ـ القاموس المحيط 1 : 188.
3 ـ لسان العرب 2 : 226 ، النهاية لابن الاثير 1 : 340.
4 ـ الشيخ في المبسوط 1 : 196 ، وتبعه الحلبي في الكافي : 190 ، وابن حمزة في الوسيلة : 155.
5 ـ اُنظر الدروس 1 : 306 ، والمسالك 1 : 86.
6 ـ آل عمران : 97.
7 ـ الوسائل 11 : 16 أبواب وجوب الحجّ ب 2.


(10)
    ( و ) إنّما ( يجب بأصل الشرع ) أي من غير جهة المكلّف ( مرة ) واحدة في مدة العمر للأصل ، والنصوص المستفيضة من طرق العامة والخاصة (1).
    ولا خلاف فيه أجده ، إلّا من الصدوق في العلل (2) ، فأوجبه على‏ المستطيع في كلّ عام ، كما في المستفيضة المتضمنة للصحيح وغيرها (3).
    لكنها ـ كقوله ـ شاذة ، مخالفة لإجماع المسلمين كافّة ، كما صرّح به الشيخ في التهذيبين والفاضلان في المعتبر والمنتهى‏ (4) ، فلتكن مطرحة ، أو محمولة على‏ الاستحباب ، أو على‏ أن المراد بكلّ عام يعني على‏ البدل ، كما ذكرهما الشيخ والفاضل في التذكرة (5).
    وزاد جماعة ، فاحتملوا حملها على‏ إرادة الوجوب كفايةً (6) ، بمعنى لزوم أن لا يخلو بيت اللَّه تعالى‏ عن طائف أبداً ، كما يستفاد من النصوص المستفيضة ، المتضمنة للصحيحة وغيرها (7).
    وخير المحامل أوسطها ؛ لمنافاة ما عداه لما في بعض تلك الأخبار من التنصيص بأن اللَّه تعالى‏ فرض الحج على‏ أهل الجِدَة في كلّ عام ، وأن‏
1 ـ الوسائل 11 : 19 أبواب وجوب الحجّ ب 3 ؛ وانظر مسند احمد 1 : 352 ، وسنن ابن ماجه 2 : 963 / 2886 ، وسنن ابي داود 2 : 139 / 1721.
2 ـ علل الشرائع : 405.
3 ـ الوسائل 11 : 16 أبواب وجوب الحجّ ب 2.
4 ـ التهذيب 5 : 16 ، الاستبصار 2 : 148 ، المحقق في المعتبر 2 : 747 ، العلامة في المنتهى 2 : 643.
5 ـ التذكرة 1 : 296.
6 ـ منهم : السبزواري في الذخيرة : 549 ، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 275.
7 ـ الوسائل 11 : 20 أبواب وجوب الحجّ ب 4.


(11)
ذلك قول اللَّه عز وجل : ( وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ) الآية (1) فإنّ مفاد الآية الوجوب عيناً إجماعاً.
    والثاني بالخصوص لما في بعض النصوص الشاهدة عليه من تعميم ذلك للغني والفقير ، وذكر مثل ذلك في زيارة النبي صلى الله عليه وآله (2) ، مع أنّ ظاهر تلك النصوص الاختصاص بأهل الجِدَة ، ولم أر قائلاً بالوجوب مطلقاً فيهما ، ويمكن جعله دليلاً على‏ إرادة الاستحباب فيما عداه.
    ويجب ( وجوباً مضيّقاً ) بأخبارنا وإجماعنا ، كما صرّح به جماعة منّا مستفيضاً ، كالناصريات والخلاف والمنتهى‏ والروضة (3) ، وغيرها (4).
    والمراد بالفورية : وجوب المبادرة إليه في أول عام الاستطاعة مع الإمكان ، وإلّا ففيما يليه ، وهكذا.
    ولو توقف على‏ مقدّماتٍ من سفرٍ وغيره وجب الفور بها على‏ وجهٍ يدركه كذلك.
    ولو تعدّدت الرفقة في العام الواحد قيل : وجب السير مع أولها ، فإن أخّر عنها وأدركه مع التالية ، وإلّا كان كمؤخّره عمداً في استقراره ، واختاره في الروضة (5).
1 ـ الكافي 4 : 265/5 ، التهذيب 5 : 16/48 ، الستبصار 2 : 149/488 الوسائل 11 : 16 أبواب وجوب الحجّ ب 2 ح 1.
2 ـ الكافي 4 : 227/1 ، الفقيه 2 : 259/1259 ، التهذيب 5 : 441 / 1532 ، الوسائل 11 : 24 أبواب الحج ب 5 ح 2.
3 ـ النصريات ( الجوامع الفقهية ) : 208 ، الخلاف 2 : 257 ، المنتهى 2 : 642 ، الروضه 2 : 161.
4 ـ ايضاح الفوائد 1 : 159 ، مجمع الفائدة 5 : 6.
5 ـ الروضة 2 : 161.


(12)
    وفي إطلاقه نظر ، ولذا خصّه الشهيد في الدروس بما إذا لم يثق بسفر الثانية (1) ، وفيه أيضاً إشكال.
    والأوفق بالأصل جواز التأخير بمجرّد احتمال سفرها ، كما احتمله بعض ، قال : لانتفاء الدليل على‏ فورية السير بهذا المعنى‏ (2). انتهى‏.
    وهو حسن ، إلّا أنّ الأول ثم الثاني أحوط.
    ثم إنّ هذا بالإضافة إلى‏ أصل وجوب المبادرة إلى‏ الخروج ، بحيث يكون بالترك آثماً.
    وأمّا بالإضافة إلى‏ ثبوت الاستقرار الموجب للقضاء فما ذكره في الروضة متعيّن جدّاً لعموم ما دلّ على‏ وجوبه السليم عن المعارض اصلاً.
    ( وقد يجب بالنذر وشبهه ) من العهد واليمين و ( بالاستيجار ) للنيابة ، وجب على‏ المنوب عنه أم لا ( والإفساد ) ولو للمندوب ؛ بناءً على‏ وجوبه ولو بالشروع.
    ( ويستحب لفاقد الشرائط ) للوجوب مطلقاً ( كالفقير ) أي الذي لم يستطع ولو كان غنياً ( والمملوك مع إذن مولاه ) لعموم الترغيب فيه عموماً وخصوصاً ، كما ستقف عليه إن شاء اللَّه تعالى‏.
1 ـ الدروس 1 : 314.
2 ـ المدارك 7 : 18.


(13)
( المقدمة الثانية )
    ( في ) بيان ( شرائط حجة الإسلام ) ووجوبها.
    ( وهي ستة : البلوغ ، والعقل ، والحرّية ) والاستطاعة ، بلا خلاف في هذه الأربعة ، بل عليها إجماع علماء الإسلام ، كما في عبائر جماعة (1) ، والنصوص بها ـ مضافة إلى‏ الكتاب العزيز في الأخير ـ (2) عموماً وخصوصاً مستفيضة (3).
    ( و ) المراد بالاستطاعة عندنا : ( الزاد والراحلة ) إن لم يكن من أهل مكة ، ولا بها ، بالإجماع ، كما في الناصريات والخلاف والغنية والمنتهى‏ والتذكرة والسرائر (4) ، بل فيه إجماع المسلمين عدا مالك ، ثم فيه : ولو لا إجماع المسلمين على‏ إبطال قوله لكان ... إلى‏ آخره.
    وهو الحجة مضافاً إلى‏ النصوص المستفيضة :
    منها الموثق (5) والصحيح (6) المروي عن توحيد الصدوق في تفسير
1 ـ منهم : ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 573 ، والعلامة في المنتهى 2 : 648 ، 650 ، 652 ، والاردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 6 : 51 ، والفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 296 ، وصاحب الحدائق 14 : 59 ، 80.
2 ـ آل عمران : 97.
3 ـ الوسائل 11 : أبواب وجوب الحجّ الابواب 12 ، 15 ، 19.
4 ـ الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : 207 ، الخلاف 2 : 245 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 573 ، المنتهى 2 : 652 ، التذكرة 1 : 301 ، السرائر 1 : 508.
5 ـ الكافي 4 : 267/2 ، التهذيب 5 : 3/2 : 5 ، الاستبصار 2 : 139/454 ، الوسائل 11 : 34 أبواب وجوب الحجّ ب 8 ح 4.
6 ـ التوحيد : 350/14 ، الوسائل 11 : 35 أبواب وجوب الحجّ ب 8 ح 7.


(14)
الآية :
    ( مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) ما يعني بذلك ؟ قال : « من كان صحيحاً في بدنه ، مخلّى سَرْبه ، له زاد وراحلة ، فهو ممن يستطيع الحَج ».
    ونحوهما المروي عن تفسير العيّاشي (1).
    وعن خبران آخران ، في أحدهما أنها : « الصحة في بدنه والقدرة في ماله » (2).
    والثاني : « القوة في البدن واليسار في المال » (3).
    ومنها : « إنما يعني بالاستطاعة الزاد والراحلة ، ليس استطاعة البدن » (4).
    ومنها : المروي عن العلل : « إنّ السبيل الزاد والراحلة ، مع الصحة » (5).
    وقصور السند أو ضعفه ـ حيث كان ـ مجبور بعمل الأصحاب وظاهر الكتاب ، بناءً على‏ عدم انصراف إطلاق الأمر إلّا إلى‏ المستطيع ببدنه ، فاعتبار الاستطاعة بعده ليس إلّا لاعتبار شي‏ء آخر وراءه وليس إلّا الزاد والراحلة بإجماع الأُمة ، وحمله على‏ التأكيد خلاف الظاهر ، بل الظاهر التأسيس.
1 ـ تفسير العياشي 1 : 192/111 ، الوسائل 11 : 36 أبواب وجوب الحجّ ب 8 ح 10.
2 ـ تفسير العياشي 1 : 193/117 ، الوسائل 11 : 36 أبواب وجوب الحجّ ب 8 ح 12.
3 ـ تفسير العياشي 1 : 193/118 ، الوسائل 11 : 36 أبواب وجوب الحجّ ب 8 ح 13.
4 ـ الكافي 4 : 268/5 ، الوسائل 11 : 34 أبواب وجوب الحجّ ب 8 ح 5.
5 ـ عيون الاخبار 2 : 122/ ضمن الحديث 1 ، الوسائل 11 : 35 أبواب وجوب الحجّ ب 8 ح 6.


(15)
    وما ورد في الصحاح وغيرها من الوجوب على‏ من أطاق المشي من المسلمين (1) فلشذوذها وندرتها محمولة على‏ من استقرّ عليه فأخّره ، أو التقية عن رأي مالك القائل به (2) ـ كما مرّت إليه الإشارة ـ أو الاستحباب ، كما ذكره شيخ الطائفة (3) ، ولا يخلو عن مناقشة.
    والجمع بين هذه النصوص والسابقة ، بحملها على‏ الغالب من توقف الاستطاعة على‏ الزاد والراحلة ، دون هذه ، فتحمل على‏ المتمكن ولو من دونهما كما اتّفق لبعض المتأخّرين ـ (4) وإن كان في حدّ ذاته حسناً ، إلّا أنّه فرع التكافؤ المفقود بما عرفت من شذوذ الأخبار الأخيرة ، ومخالفتها الإجماعات المحكية حدّ الاستفاضة ، المعتضدة بالأصل ، والشهرة العظيمة بين الخاصة والعامة ، وظاهر الآية الكريمة على‏ ما عرفته.
    نعم ، يجب الاقتصار فيما خالف الأخبار الأخيرة على‏ قدر ما اجتمعت فيه المرجحات المزبورة ، وهو البعيد المحتاج في قطع المسافة إلى‏ راحلة خاصة ، وأما غيره من القريب والمكّي الغير المحتاجين إليها ، فينبغي العمل فيهما بما تضمنته الأخبار الأخيرة ، وبه أفتى‏ أيضاً جماعة ومنهم الشيخ في المبسوط والفاضل في المنتهى‏ والتذكرة (5) كما قيل (6).
    ويمكن تنزيلها كإطلاق الأكثر عليه أيضاً ، زيادةً على‏ ما عرفته ، جمعاً.
1 ـ الوسائل 11 : 43 أبواب وجوب الحجّ ب 11.
2 ـ بداية المجتهد 1 : 231.
3 ـ انظر التهذيب 5 : 11.
4 ـ المدارك 7 : 37.
5 ـ المبسوط 1 : 298 ، المنتهى 2 : 652 ، التذكرة 1 : 301.
6 ـ المدارك 7 : 36.
رياض المسائل الجزء السادس ::: فهرس