رياض المسائل الجزء السادس ::: 16 ـ 30
(16)
    ويستفاد من الأخبار المتقدمة اعتبار الشرط السادس : ( و ) هو ( التمكن من المسير. ويدخل فيه الصحة ) من المرض المانع من الركوب والسفر ( وإمكان الركوب ، وتخلية السرب ) بفتح السين المهملة وإسكان الراء أي : الطريق ، وسعة الوقت.
    مع أن في المنتهى‏ إجماعنا عليه (1) ، بل عن المعتبر : إنّ عليه إجماع العلماء (2).
    ويدلُّ عليه وعلى‏ أكثر الشروط المتقدمة بل كلّها عدم صدق الاستطاعة في العرف بدونها غالباً.
    ونحو الصحيح : « من مات ولم يحجّ حجة الإسلام لم تمنعه من ذلك حاجة تجحف به ، أو مرض لا يطيق فيه الحج ، أو سلطان يمنعه ، فليمت يهودياً أو نصرانياً » (3).
    وهل يعتبر الاستطاعة من البلد ، كما عن شيخنا الشهيد الثاني (4) ، أو يكفي حصولها في أيّ موضع اتّفق ولو قبل التلبس بالإحرام ، كما هو خيرة جماعة (5) ؟ قولان :
    ظاهر إطلاق الأدلة ، بل عمومها : الثاني.
1 ـ المنتهى 2 : 654.
2 ـ المعتبر 2 : 754.
3 ـ الكافي 4 : 268/1 ، الفقيه 4 : 273/1333 ، التهذيب 5 : 17/49 ، المقنعة : 386 المحاسن : 88/31 ، عقاب الآعمال : 2/281 ، الوسائل 29 : 11 أبواب وجوب الحجّ ب 7 ح 1.
4 ـ كما في المسالك 1 : 102.
5 ـ منهم : صاحب المدارك 7 : 41 ، السبزواري في الذخيرة : 559 ، وصاحب الحدائق 14 : 87.


(17)
    ونحوها الصحيح : في الرجل يمرّ مجتازاً يريد اليمن أو غيرها من البلدان وطريقه بمكة ، فيدرك الناس وهم يخرجون إلى‏ الحج ، فيخرج معهم إلى‏ المشاهد ، أيجزيه ذلك عن حجة الإسلام ؟ قال : « نعم » (1).
    وحيث قد ثبت هذه الشروط ( و ) أعلم أنّه ( لا يجب على‏ الصبي ) مطلقاً و ( لا على‏ المجنون ).
    ( ويصح الإحرام من الصبي المميّز ) بإذن الولي بإجماعنا ، كما عن ظاهر الخلاف (2) ، بل قيل (3) : بالإجماع والصحاح (4) ، وفي ظاهر المنتهى‏ والتذكرة ، كما في المدارك والذخيرة (5) أنه لا خلاف فيه بين العلماء. مع أنه قد حكي عن أبي حنيفة أنّه قد أبطله (6).
    وفي اشتراط إذن الولي وجهان ، أوجههما نعم ، كما عليه الأكثر كالفاضلين والشهيدين ومن تأخّر عنهما (7) ، تبعاً للمحكي عن ظاهر المبسوط والخلاف (8).
    لا لما ذكروه من تضمّنه غرامة مال ، ولا يجوز له التصرف في ماله بدون إذن الولي فإنّه لا يخلو عن نظر ، بل ورود المنع عليه ظاهر ، كما
1 ـ الكافي 4 : 275/6 ، الفقيه 2 : 264/1283 ، الوسائل 11 : 58 أبواب وجوب الحجّ ب 22 ح 2.
2 ـ الخلاف 2 : 378.
3 ـ المفاتيح 1 : 296.
4 ـ اُنظر الوسائل 11 : 286 أبواب آقسام الحج ب 17.
5 ـ المنتهى 2 : 648 ، التذكرة 1 : 297 ، المدارك 7 : 23 ، الذخيرة : 558.
6 ـ حكاه عنه في بداية المجتهد 1 : 319.
7 ـ المحقق في المعتبر 2 : 747 ، العلامة في التحرير 1 : 90 ، الشهيد الأول في الدروس 1 : 306 ، الشهيد الثاني في الروضة 2 : 163 ؛ وانظر الذخيرة : 558 ، وكشف اللثام 1 : 276.
8 ـ المبسوط 1 : 328 ، الخلاف 2 : 432.


(18)
صرّح به بعض من تأخّر (1).
    بل للاقتصار فيما خالف الأصل على‏ المتيقن من مورد الفتوى‏ والنص ، وهو الصبي المأذون وذلك لأنّ الإحرام عبادة متلقّاة من الشرع ، يجب الاقتصار فيها على‏ النص ، وليس إلّا من مرّ.
    مضافاً إلى‏ أنّ الصحة هنا بمعنى ترتب الكفارات عليه أو على‏ الولي ، والهدي أو بدله ، ولم يجز له التصرف بشي‏ء من ذلك في المال ، إلّا بإذن الولي ، أو لورود نصّ من الشرع بذلك جليّ ، وليس ، كما مرّ.
    ولعلّ هذا مراد القوم مما مرّ من الدليل ، وإن قصرت عبارتهم عن التعبير ، وإلّا فلو ورد النص الجليّ بلزوم الكفارات عليه في ماله بإحرامه ولو من غير إذن الولي كيف يمكنهم المنع عنه بمثل ذلك الدليل ؟! وبالجملة : فالظاهر أنّ مقصودهم وجوب الاقتصار فيما خالف الأصل على‏ مورد الدليل ، وليس فيه ـ كما عرفت ـ تعميم. ( و ) كذا يصح الإحرام ( بالصبي غير المميز ) بأن يجعله الولي مُحرماً ويأتي بالمناسك عنه ، قيل : بلا خلاف (2) ؛ للصحاح (3).
    قالوا : ( وكذا يصح ) الإحرام ( بالمجنون ) قيل : لأنّه ليس أخفض منه (4). وهو قياس مع الفارق.
    ( ولو حُجّ بهما لم يجزئهما عن الفرض ) بل يجب عليهما مع الكمال وتحقق باقي الشروط الاستئناف ، بلا خلاف ، بل في ظاهر المنتهى‏
1 ـ المدارك 7 : 23.
2 ـ أشار اليه في الحدائق 14 : 64 ، واُنظر المفاتيح 1 : 296.
3 ـ الوسائل 11 : 286 أبواب اقسام الحج ب 17.
4 ـ قال به العلامة في المنتهى 2 : 649 ، والفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 296.


(19)
وصريح غيره (1) الإجماع للأصل ، والنصوص :
    منها ، الموثق كالصحيح : عن ابن عشر سنين يحجّ ، قال : « عليه حجة الإسلام إذا احتلم ، وكذلك الجارية إذا طمثت » (2) ونحوه الخبر (3).
    ويستفاد منهما استحباب الحجّ بالصبية أو حجها كالصبي ، وبه قطع بعض الأصحاب ، فقال : ولا ريب أنّ الصبية في معناه ، مع أنّه اعترف بأنّ ما وقفت عليه في هذه المسألة ـ وأشار بها إلى‏ المسألة السابقة ـ مختص بالصبي (4).
    ولعلّه غفل عن هذه الروايات ، مع أنّه قُبَيل ذلك رواها في هذه المسألة ، أو أراد اختصاص الروايات بالحجّ بالصبي لا حجّه ، وليس في هذا الروايات إشعار بأحد الأمرين ، بل ظاهرها الثاني.
    ( ويصح الحجّ من العبد ) بل المملوك مطلقاً ( مع إذن المولى ) وإن لم يجب عليه لما مضى ( لكن لا يجزئه عن الفرض ) يعني حجّة الإسلام بعد انعتاقه واستكماله الشرائط ، بل يجب عليه إعادتها.
    ( إلّا أن يدرك أحد الموقفين معتقاً ) فيجزئه عنها.
    بلا خلاف في شي‏ء من ذلك بيننا أجده ، بل على‏ جميعه الإجماع في عبائر جماعة ، كالخلاف والمنتهى‏ وغيرهما (5) ، بل على‏ الصحّة وعدم
1 ـ المنتهى 2 : 649 ، المفاتيح 1 : 296.
2 ـ الفقيه 2 : 266/1296 ، الوسائل 11 : 44 أبواب وجوب الحجّ ب 12 ح 1.
3 ـ الكافي 4 : 276/8 ، التهذيب 5 : 6/14 ، الاستبصار 2 : 146/476 ، الوسائل 11 : 45 أبواب وجوب الحجّ ب 12 ح 2.
4 ـ المدارك 7 : 26.
5 ـ الخلاف 2 : 379 ، المنتهى 2 : 650 ، وانظر مجمع الفائدة 6 : 51 ، والمدارك 7 : 30 ، وكشف اللثام 1 : 287 ـ 288.


(20)
الاجزاء قبل إدراك الموقفين معتقاً إجماع العلماء في المنتهى‏.
    كلّ ذلك للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة.
    ففي الصحيح : « المملوك إن حجّ وهو مملوك أجزأه إذا مات قبل [ أن يعتق‏ ] فإن أعتق فعليه الحجّ » (1).
    وفيه : مملوك أُعتق يوم عرفة ، قال : « إذا أدرك أحد الوقوفين فقد أدرك الحجّ » (2).
    وأمّا الموثق أو الصحيح : « أيّما عبد حجّ به مواليه فقد قضى‏ حجّة الإسلام » (3) فمحمول على‏ ما إذا أدرك الموقف ، أو على‏ أنّ المراد إدراك ثواب حجّة الإسلام ما دام مملوكاً ، كما ربّما يستأنس له بملاحظة الصحيح السابق وغيره ، وفيه : « الصبي إذا حجّ به فقد قضى‏ حجّة الإسلام حتى يكبر ، والعبد إذا حجّ به فقد قضى‏ حجّة الإسلام حتّى يعتق » (4).
    وهل يشترط في الإجزاء ـ حيث ثبت ـ تقّدم الاستطاعة وبقاؤها ؟
    قال الشهيدان نعم (5) ، ولكن استشكله ثانيهما إن أحلنا ملكه.
    ولذا اعترض الأول جماعة بناءً على‏ إحالة ملكه (6). وهو حسن لو انحصرت الاستطاعة في ملكية المال من الزاد والراحلة ، حيث إنّه‏
1 ـ الفقيه 2 : 264/1287 ، الوسائل 11 : 49 أبواب وجوب الحجّ ب 16 ح 1 ، وما بين المعقوفين اضفناه من المصدرين.
2 ـ الفقيه 2 : 265/1290 ، التهذيب 5 : 5/13 ، الاستبصار 2 : 148/485 الوسائل 11 : 52 أبواب وجوب الحجّ ب 17 ح 2.
3 ـ التهذيب 5 : 5/11 ، الاستبصار 2 : 147/483 ، الوسائل 11 : 50 أبواب وجوب الحجّ ب 16 ح 7.
4 ـ الفقيه 2 : 267/1298 ، الوسائل 11 : 49 أبواب وجوب الحجّ ب 16 ح 2.
5 ـ الشهيد الأول في الدروس 1 : 309 ، الشهيد الثاني في الروضة 2 : 165.
6 ـ منهم : صاحب المدارك 7 : 31 ، السبزواري في الذخيرة : 558.


(21)
لا يملكهما ، وأمّا مع عدمه بحصولها بالقدرة على‏ المشي ، كما مرّ في القريب والمكّي ، فاعتبارها حسن.
    وحيث إنّ الإتمام هنا لمّا جامع الاستطاعة التي للمكّي غالباً ، وكانت كافية للوجوب هنا وإن كانا نائيين كما قيل (1) ، ويقتضيه إطلاق الآية والنصوص لم يشترطها النصوص والأكثر ، التفاتاً إلى‏ الأغلب. والشهيد ـ رحمه الله ـ لم يلتفت إليه ، وتعرّض لشقوق المسألة في نفس الأمر ، لكن اعتباره سبق الاستطاعة ربّما كان فيه إيماء إلى‏ الاستطاعة المالية ، كما فهمه الجماعة.
    وممّن صرّح بالوجوب هنا بالتمكن من الحجّ ولو لم يستطع سابقاً الفاضل في التحرير ، فقال : ولو أُعتق قبل الوقوف أو في وقته ، وأمكنه الإتيان بالحج عليه ذلك (2).
    ونحوه عنه في التذكرة ، بزيادة إلحاقه الصبي إذا بلغ ، معلّلاً به أصل الحكم فيهما بأنّ الحجّ واجب على‏ الفور ، فلا يجوز لهما تأخيره مع إمكانه ، كالبالغ الحرّ.
    إلى‏ أن قال خلافاً للشافعي. ومتى‏ لم يفعلا الحجّ مع إمكانه فقد استقرّ الوجوب عليهما ، سواء كانا موسرين أو معسرين ؛ لأنّ ذلك وجب عليهما بإمكانه في موضعه ، فلم يسقط بفوات القدرة بعده (3) انتهى‏.
    وممّا ذكرنا ظهر ضعف ما في المدارك والذخيرة (4) من عدم اعتبار
1 ـ كشف اللثام 1 : 286.
2 ـ التحرير 1 : 91.
3 ـ التذكرة 1 : 299.
4 ـ المدارك 7 : 31 ، الذخيرة : 558.


(22)
الاستطاعة مطلقاً ، لإطلاق النص وذلك لأن الإطلاق لا عموم فيه ، فينصرف إلى‏ الغالب ، وهو حصول الاستطاعة البدنية المعتبرة في نحو المسألة ، كما عرفته ، فلا يشمل ما لو لم يكن هناك استطاعة بالكلية فتكلّف الحجّ بجهد ومشقة ، فكيف يمكن الحكم بالإجزاء عن حجّة الإسلام لو استطاع بعده ؟
    ثم لو سلّم الإطلاق أو العموم لكان معارضاً بعموم ما دلّ على‏ شرطية الاستطاعة من الكتاب والسنّة.
    والتعارض بينهما تعارض العموم والخصوص من وجه ، فلا بدّ لترجيح هذا الإطلاق من دلالة ، وهي مفقودة. ولو وجدت من نحو أصل البراءة لكانت هي الحجّة ، دون الإطلاق ، مع أنّ العمل به مشروط بتكافؤ المتعارضين وتقاومهما.
    ولا ريب أنّ عموم الشرطية أقوى سنداً ومتناً ودلالة ، بل ربما يظهر من بعضهم كونها مجمعاً عليها (1) ، فإذاً عدم الإجزاء حيث لم يستطع مطلقاً لعلّه أقوى.
    ثمّ إنّ ما مرّ عن التذكرة من إلحاق الصبي بالعبد في إجزاء حجّه عن حجة الإسلام بكماله عند أحد الموقفين محكي عن المبسوط والخلاف والوسيلة (2) ، بل هو المشهور بين الأصحاب ، كما صرّح به جماعة (3) وزاد والمجنون أيضاً ، مع أن إلمحكي عن الكتب المزبورة الصبي خاصة.
    وكيف كان ، فلم نقف له على‏ حجّة يعتدّ بها ، عدا ما يحكي عن
1 ـ الحدائق 14 : 80.
2 ـ المبسوط 1 : 297 ، الخلاف 2 : 378 ، الوسيلة : 195.
3 ـ منهم : الشهيد الثاني في المسالك 1 : 87 ، وصاحب الحدائق 14 : 60 ، ونسبه في الكفاية : 56 الي الاكثر.


(23)
التذكرة والخلاف من الإجماع ، وعليه اعتمد في المسالك ، قائلاً : إنّه لا مخالف على‏ وجه يقدح (1).
    ولا بأس به ، سيّما مع اعتضاد النقل بالشهرة الظاهرة ، والمحكية حدّ الاستفاضة ، وبسائر ما ذكروه من الأدلة ، وإن كان في بلوغها حدّ الحجيّة مناقشة.
    هذا ، ولا ريب أنّ الأحوط الإعادة بعد الاستطاعة.
    ( ومن لا راحلة له ولا زاد ) حيث يشترطان في حقه ( لو حجّ كان ندباً ) ولو قدر على‏ المشي وتحصيل الزاد بقرض ونحوه.
    ( ويعيد لو استطاع ) بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في صريح الخلاف والمنتهى‏ (2) ، وغيرهما (3) ، إلّا أنّ فيهما التعبير عن الإجماع بـ : عندنا ، الظاهر فيه ، وليس نصاً ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى‏ ما مرّ من الأدلة على‏ شرطية الاستطاعة.
    فيكون الحجّ مع فقدها كالصلاة قبل وقت الفريضة ، وأداء الزكاة قبل وقت وجوبها.
    وكذا الحكم في فاقد باقي شروط الوجوب ، كما هو صريح جماعة (4) ، وحكي عن المشهور.
    خلافاً لمحتمل العبارة وصريح الدروس ، ففرّق بين فاقد الزاد والراحلة فلا يجزي ، وغيره كالمريض ، والممنوع بالعدوّ وتضيق الوقت‏
1 ـ المسالك 1 : 87.
2 ـ الخلاف 2 : 246 ـ 247 ، المنتهى 2 : 652.
3 ـ اُنظر كشف اللثام 1 : 290.
4 ـ منهم : العلامة في المنتهى 2 : 659 ، والاردبيلي في مجمع الفائدة 6 : 50 ، والفيض في المفاتيح 1 : 296.


(24)
والمغصوب ، فيجزئ ، قال : لأنّ ذلك من باب تحصيل الشرط ، فإنّه لا يجب ، ولو حصّله أجزأ (1).
    وفيه نظر ، فإنّ الحاصل بالتكلّف ، الحجّ ، أو السير إليه ، لا الصحة وأمن الطريق اللذان هما الشرط.
    فإذاً المتجه عدم الفرق.
    ( ولو بُذل له الزاد والراحلة ) ونفقة له ولعياله لذهابه وعوده ( صار ) بذلك ( مستطيعاً ) مع استكمال الشروط الباقية إجماعاً ، كما في صريح الخلاف وظاهر المنتهى‏ (2) ، وعن صريح الغنية وظاهر التذكرة (3) ؛ ولصدق الاستطاعة بذلك ، وخصوص الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة.
    ففي الصحيح : فإن عرض عليه الحجّ فاستحيى ، قال : « هو ممّن يستطيع الحج ، ولِمَ يستحي ولو على‏ حمار أجدع ، فإن كان يستطيع أن يمشي بعضاً ويركب بعضاً فليفعل » (4) وفي معناه غيره (5).
    وإطلاقها يقضي عدم الفرق ، بين تمليك المبذول وعدمه ، ولا بين وجوب الذل بنذر وشبهه وعدمه ، ولا بين وثوق بالباذل وعدمه.
    خلافاً للحلّي فاشترط الأول (6) ، وللمحكي عن التذكرة فالثاني (7) ،
1 ـ الدروس 1 : 314.
2 ـ الخلاف 2 : 251 ، المنتهى 2 : 652.
3 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 583 ، التذكرة 1 : 302.
4 ـ التهذيب 5 : 3/4 ، الاستبصار 2 : 140/456 ، الوسائل 11 : 39 أبواب وجوب الحجّ ب 10 ح 1.
5 ـ الكافي 4 : 266/1 ، التهذيب 5 : 3/3 ، الاستبصار 2 : 140/455 ، الوسائل 11 : 40 أبواب وجوب الحجّ ب 10 ح 5.
6 ـ السرائر 1 : 517.
7 ـ التذكرة 1 : 302 ، وحكاه عنه في المدارك 7 : 46 ، والذخيرة : 560.


(25)
وللدروس فأحدهما (1) ، وللمدارك والذخيرة (2) وغيرهما (3) فالثالث.
    ولا دليل على‏ شي‏ء من هذه ، عدا الأخير فيتوجه ، دفعاً للعسر والحرج اللازمين لعدم الوثوق ، المنفيين إجماعاً ، كتاباً وسنّةً وفتوىً ، وبها يقيّد إطلاق النصوص المتقدمة ، مع عدم معلومية انصرافه إلى‏ مفروضنا ، لاختصاصه بحكم التبادر بغيره.
    ولو وهب له مال وأُطلق لم يجب القبول على‏ المشهور لأنه اكتساب ، وهو غير واجب له ، بخلاف البذل ، لأنّه إباحة ، فيكفي فيها الإيقاع ، وبذلك يتّضح الفرق بينهما.
    ولو قيّدت بشرط أن يصرفه في الحجّ ، فهل هو كالهبة المطلقة فلا يجب بذلك الحجّ ، أم كالبذل فيجب ؟
    وجهان : أحوطهما الثاني وفاقاً لشيخنا الشهيد الثاني (4).
    خلافاً للشهيد الأول فاختار الأول (5) ، ولعلّه الأظهر لأن اشتراط الصرف في الحجّ لا يخرجه عن الهبة المحتاجة إلى‏ القبول الملحق لها بالاكتساب الغير الواجب بلا خلاف ، ودخولها في إطلاق النصوص غير واضح.
    ( ولو حجّ به بعض إخوانه ) بأن استصحبه معه منفقاً عليه ، أو أرسله إلى‏ الحجّ فحجّ ( أجزأه عن الفرض ) فلا يحتاج إلى‏ إعادته لو
1 ـ الدروس 1 : 310.
2 ـ المدارك 7 : 46 ، الذخيرة : 560.
3 ـ اُنظر كشف اللثام 1 : 289.
4 ـ الروضة 2 : 166.
5 ـ الدروس 1 : 310.


(26)
استطاع فيما بعد ، وفاقاً للأكثر كما في المدارك (1) ، بل المشهور كما في الذخيرة (1) ، بل في غيرهما : إنّ عليه فتوى علمائنا (3).
    للصحيح : قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام : رجل لم يكن له مال فحجّ به رجل من إخوانه ، هل يجزي ذلك عنه عن حجّة الإسلام ، أو هي ناقصة ؟ قال : « بل هي حجّة تامّة » (4).
    مضافاً إلى‏ الأصل ، واتفاق من عدا الصدوق (5) على‏ أنّ الحجّ إنّما يجب مرة بأصل الشرع.
    خلافاً للإستبصار فيعيد مع اليسار للخبر : عن رجل لم يكن له مال ، فحجّ به أُناس من أصحابه ، أقضى حجة الإسلام ؟ : قال : « نعم ، وإن أيسر بعد ذلك فعليه أن يحجّ » قلت : هل تكون حجّتة تامة أم ناقصة إذا لم يكن حجّ من ماله ؟ قال : « نعم قضي عنه حجّة الإسلام ، وتكون تامة وليست بناقصة ، وإن أيسر فليحجّ » (6).
    ونحوه آخر : « لو أنّ رجلاً أحجّه رجل ، كانت له حجّة ، فإن أيسر بعد ذلك كان عليه الحجّ ، وكذلك الناصب » (7).
1 ـ المدارك 7 : 47.
2 ـ الذخيرة : 561.
3 ـ كشف اللثام 1 : 289.
4 ـ التهذيب 5 : 7/17 ، الاستبصار 2 : 143/468 ، الوسائل 11 : 40 أبواب وجوب الحجّ ب 10 ح 2.
5 ـ انظر علل الشرائع : 405.
6 ـ الكافي 4 : 274/2 ، التهذيب 5 : 7/18 ، الاستبصار 2 : 143/467 ، الوسائل 11 : 41 أبواب وجوب الحجّ ب 10 ح 6.
7 ـ الكافي 4 : 273/1 ، الفقيه 2 : 260/1256 ، التهذيب 5 : 9/22 ، الاستبصار 2 : 144/470 ، الوسائل 11 : 57 أبواب وجوب الحجّ ب 21 ح 5.


(27)
    وفيهما ضعف من حيث السند ـ وإن قرب الأول من الموثق ـ وإجمال في الدلالة لتدافع ظهور الأمر في الوجوب فيهما وقضاء حجّة الإسلام في الأول ، وإلحاق الناصب بمحل الفرض في الثاني في العدم ، بل الثاني أقوى قرينة على‏ إرادة الاستحباب ؛ للإجماع على‏ عدم وجوب الإعادة على‏ الناصب بعد الاستبصار.
    فلا يخرج بمثل هذين الخبرين ـ مع ما هما عليه ممّا عرفت في البين عما ـ اقتضته الأدلّة السابقة ، من عدم وجوب الإعادة بعد الاستطاعة.
    وإن أمكن المناقشة في دلالة الصحيحة عليه ؛ لابتنائها على‏ كون المراد من قوله : « حجّة تامة » ذلك ، وليس بواضح ـ وإن كان مما اتّفق عليه أكثر الأصحاب ـ لقرب احتمال ما ذكره في الاستبصار في معناه ، من أنّ المعنى‏ فيه : الحجّة التي ندب إليها ، فإنّ ذلك يعبّر عنها بأنّها حجّة الإسلام ، من حيث كانت أول الحجّة ، قال : وليس في الخبر : أنّه إذا أيسر لم يلزمه الحجّ (1).
    أقول : ويعضده كثرة وروده في الأخبار بهذا المعنى‏ ، ومنها صحيحة أُخرى لراوي الصحيحة واردة في المعسر يحجّ عن غيره ، وفيها : عن رجل حجّ عن غيره ، أيجزيه ذلك عن حجّة الإسلام ؟ قال : « نعم » إلى‏ أنّ قال : قلت حجّة الأجير تامة أو ناقصة ؟ قال : « تامة » (2).
    والمراد بالتمامية فيها : المعنى‏ المزبور ، بلا خلاف ، كما في كثير من العبارات (3) ، بل في جملة أُخرى دعوى الإجماع.
1 ـ الاستبصار 2 : 144.
2 ـ الكافي 4 : 274/3 ، الفقيه 2 : 260/1264 ، التهذيب 5 : 8/19 ، الاستبصار 2 : 144/471 الوسائل 56 : 11 أبواب وجوب الحجّ 21 ح 4.
3 ـ راجع الذخيرة : 561.


(28)
    وبذلك تضعف الصحيحة عن النهوض لإفادة المطلوب صريحاً ، بل ولا ظهور يطمئن إليه إن لم ينضم إليه فهم المشهور.
    وكيف كان ، ما ذكرناه من الأُصول ـ المعتضدة بفتوى‏ المشهور ؛ مع صلوح الخبرين سنداً ودلالةً لمعارضتها ـ لعلّها كافية لإفادته ، سيّما مع ندرة المخالف العامل بهما ، ورجوعه عمّا في الاستبصار في المبسوط إلى‏ المختار (1).
    فليحملا على‏ الاستحباب ، كما عليه عامة متأخري الأصحاب ، تبعاً للتهذيب والنهاية والمهذّب والجامع والمعتبر (2) ، وغيرها كما حكي (3). أو على‏ من حجّ عن غيره.
    ( ولا بدّ من فاضل عن الزاد والراحلة ) بقدر ما ( يمون به عياله ) الواجبي النفقة من الكسوة وغيرها ( حتى يرجع ) بالنص والإجماع ، وفي المنتهى‏ لا نعرف فيه خلافاً (4) ، يعني به بين العلماء ظاهراً.
    ( ولو استطاع ) للحج مالاً ( فمنعه كِبَر أو مرض أو عدوّ ) وجبت عليه الاستنابة مع اليأس واستقرار الوجوب ، إجماعاً ، كما في المسالك والروضة (5) ، وغيرهما (6) ، وإلّا ( ففي وجوب الاستنابة قولان المروي ) في الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ( أنّه يستنيب ).
1 ـ المبسوط 1 : 298.
2 ـ التهذيب 5 : 7 ، النهايه : 204 ، المهذب 1 : 268 ، الجامع للشرائع : 174 ، المعتبر 2 : 752 ، 753.
3 ـ اُنظر المدارك 7 : 47 ، ومفاتيح الشرائع 1 : 300.
4 ـ المنتهى 2 : 653.
5 ـ المسالك 1 : 90 ، الروضة 2 : 167.
6 ـ انظر الكفاية : 56 ، والمفاتيح 1 : 298.


(29)
    ففي الصحيح (1) وغيره (2) « إن كان موسراً وحال بينه وبين الحجّ مرض ، أو حصر ، أو أمر يعذره اللَّه تعالى‏ فيه فإنّ عليه ان يحجّ عنه من ماله صرورة لا مال له ».
    وفيه « إن عليّاً عليه السلام رأى شيخاً لم يحجّ قطّ ، ولم يطق الحجّ من كبَره ، فأمره أن يجهّز رجلاً فيحجّ عنه » (3) ونحوه آخر (4).
    وفي رابع : « لو أنّ رجلاً أراد الحجّ ، فعرض له مرض ، أو خالطه سقم فلم يستطع الخروج ، فليجهّز رجلاً من ماله ، ثمّ ليبعثه مكانه » (5).
    وإليه ذهب الشيخ في التهذيب والخلاف (6) ، مدّعياً عليه الإجماع ، وحكي عنه في النهاية والمبسوط أيضاً (7) ، وعن الإسكافي والعماني والحلبي والقاضي (8) ، واختاره الفاضل في التحرير (9) ، وكثير من‏
1 ـ الكافي 4 : 273/5 ، الفقيه 2 : 260/1262 ، التهذيب 5 : 403/1405 ، الوسائل 11 : 63 أبواب وجوب الحجّ ب 24 ح 2.
2 ـ الكافي 4 : 273/3 ، التهذيب 5 : 14/39 ، الوسائل 11 : 65 أبواب وجوب الحجّ ب 24 ح 7.
3 ـ التهذيب 5 : 14/38 ، الوسائل 11 : 63 أبواب وجوب الحجّ ب 24 ح 1.
4 ـ الكافي 4 : 273/2 ، الفقيه 2 : 260/1263 ، التهذيب 5 : 460/1601 ، الوسائل 11 : 65 ، أبواب وجوب الحجّ ب 24 ح 6.
5 ـ الكافي 4 : 273/4 ، التهذيب 5 : 14/40 ، الوسائل 11 : 64 أبواب وجوب الحجّ ب 24 ح 5.
6 ـ التهذيب 5 : 14 ، الخلاف 2 : 248.
7 ـ حكاه عنهما في المختلف : 257 ، وهو في النهاية : 203 ، والمبسوط 1 : 299.
8 ـ نقله عن الاسكافي والعماني في المختلف : 257 ، الحلبي في الكافي : 219 ، القاضي في المهذب 1 : 267.
9 ـ التحرير 1 : 92.


(30)
المتأخرين (1) وادّعى‏ بعضهم كونه مذهب الأكثر بقول مطلق (2).
    والقول الثاني : للحلبي والمفيد والجامع كما حكي (3) ، والفاضل في القواعد والإرشاد والمختلف (4) ، وولده في الإيضاح (5) للأصل ، وفقد الاستطاعة المشترطة في الوجوب ، فينتفي بانتفائها.
    ويضعّف الأول بلزوم تخصيصه بما مرّ.
    والثاني بأنها شرط الوجوب مباشرةً ، لا استنابة.
    وظاهر العبارة هنا وفي الشرائع التردد (6) كما عن صريح التذكرة (7).
    ولعلّه للأصل مع قصور النصوص عن إفادة الوجوب في المفروض.
    أمّا الأول منها فلتعلّق الأمر فيه بالصرورة ، ولم يقولوا بوجوب استنابته ، وحمله بالإضافة إليه على الاستحباب أو الإباحة أو الأعم منهما ومن الوجوب ، ينافي حمله بالاضافة إلى‏ أصل الاستنابة على‏ الوجوب ، إلّا على‏ القول بجواز استعمال اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه في آنٍ واحد ، وهو خلاف التحقيق.
    وأمّا الخبران بعده فهما قضيّة في واقعة لا عموم لها ، فيحتملان الاختصاص بمحل الوفاق ، وهو صورة اليأس بعد استقرار الوجوب.
    ويعضده الخبر الوارد في نحو هذه القضية ، والظاهر اتحادهما ، وفيه‏
1 ـ منهم : الشهيد الثاني في الروضة 2 : 167 ، والمسالك 1 : 90 ، وصاحب المدارك 7 : 55 ، وصاحب الحدائق 14 : 129.
2 ـ كالفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 298.
3 ـ الحلي في السرائر 1 : 516 ، المقنعة 442 ، الجامع للشرائع : 173.
4 ـ القواعد 1 : 75 ، الارشاد 1 : 311 ، المختلف : 257.
5 ـ ايضاح الفوائد 1 : 271.
6 ـ الشرائع 1 : 227.
7 ـ التذكرة 1 : 303.
رياض المسائل الجزء السادس ::: فهرس