رياض المسائل الجزء السادس ::: 61 ـ 75
(61)
الصحيح السابق ، ولا يخلو عن نظر.
    ( وقيل ) في السرائر ، وغيره (1) ( إن كان ) النذر ( مطلقاً توقّع المكنة ) لوجوب تحصيل الواجب بقدر الإمكان ( وإن كان معيّناً بسنة ) وقد حصل العجز فيها ( سقط ) الحجّ ( لعجزه ) المستتبع لسقوطه.
    وهو قويّ متين ، لولا النصوص المتقدمة الآمرة بالركوب عند العجز مطلقاً ، وأقلّها الجواز إن لم نقل بالوجوب.
    ويعضدها ـ بالإضافة إلى‏ النذر المطلق ـ أنّ الأمر بتوقع المكنة بعد طريان العجز ربّما يوجب العسر والحرج المنفيين آيةً وروايةً ، سيّما وأنّ يكون بعد التلبس بالإحرام ، فيعضده حينئذ مع ذلك الأمر بإكمال الحجّ والعمرة.
    ولذا قال بعض المتأخرين بمقتضى‏ النصوص ، من وجوب الإكمال في هذه الصورة وقال بمقالة الحلّي في صورة العجز قبل التلبس (2).
    وفيه : أنّ النصوص المزبورة شاملة بإطلاقها أيضاً لهذه الصورة ، بل العمل بها مطلقاً متوجه.
    لكن يستفاد عن فخر الإسلام وغيره (3) أنّ الخلاف إنّما هو في النذر المعيّن ، وأما المطلق فلا خلاف فيه في وجوب توقّع المكنة.
    فإنّ تم إجماعاً ، وإلّا ـ كما هو الظاهر المستفاد من نحو العبارة ـ فالأخذ بمقتضى‏ النصوص أجود ؛ لأنها بالإضافة إلى‏ الأُصول المقتضية للقول الأخير بشقّيه أخص ، فلتكن بالتقديم أجدر ، سيّما بعد الاعتضاد بما
1 ـ السرائر 3 : 61 ؛ انظر الارشاد 1 : 312 والايضاح 1 : 276.
2 ـ المدارك 7 : 108.
3 ـ فخر الاسلام في ايضاح الفوائد 1 : 108 ؛ وانظر الذخيرة : 566.


(62)
مرّ.
    ويبقى الإشكال في حكم السياق ، أهو على‏ الوجوب أو الاستحباب ، والأوفق بالأُصول : الأول ، وإن كان الثاني لا يخلو عن وجه ، ومع ذلك فهو أحوط.
    ولشيخنا في المسالك والروضة (1) تفصيل ، لم أقف عليه في كلام أحد من الجماعة.
    وللمختلف والتنقيح (2) تفصيل آخر ، وهو كالحلي إلا في النذر المعيّن ، فيركب عند العجز.
    وهو ـ كما عدا القولين الأولين ـ خارج عن النصوص ، بل الأُصول ، ما عدا الأول منها لموافقته الأُصول وإن خالفت النصوص ، ولولاها لكان المصير إليه متعيّناً.
    بل يمكن المصير إليه معها أيضاً ، بناءً على‏ صراحتها في نذر الحجّ ماشياً ـ يعني نذر الحجّ مع المشي مشروطاً أحدهما بالآخر ـ كما هو ظاهر فرضنا لأنّ مورد الصحيحين منها نذر المشي إلى‏ بيت اللَّه ، وهو لا يستلزم نذر الحجّ ، فلعلّ إيجابه إنّما هو لوجوبه عليه مضيقاً سابقاً بالاستطاعة ونحوها.
    وما عداهما وإن ورد بلفظ الفرض إلّا أنّه ـ مع ضعف بعضها ـ يحتمل أن يكون المراد منها نذر المشي خاصة ، منضمّاً إلى‏ الحجّ الواجب مضيقاً سابقاً ، كما هو مورد الصحيحين.
    وحينئذ فلا تعلّق له بمسألتنا إلّا من حيث الإطلاق ، أو العموم ، وفي‏
1 ـ المسالك 1 : 94 ، الروضة 2 : 182.
2 ـ المختلف : 323 ، التنقيح الرائع 1 : 423.


(63)
تخصيص الأُصول بمجردهما إشكال ، مع إمكان العكس بصرفهما إلى‏ نذر المشي خاصة في سنة الوجوب مضيقاً.
    وحيث أمكن الجمع بإرجاع إحداهما إلى‏ الأُخرى‏ كان صرف النصوص إلى‏ الأُصول أولى‏ ، لكونها مقطوعاً بها ، بخلاف النصوص ، لكونها آحاداً. فتأمل جدّاً.
    ( الثالثة : المخالف إذا ) حجّ و ( لم يخلّ بركن ) من أركانه ( لم يُعده ) وجوباً ( لو استبصر ) على‏ الأظهر الأشهر ، بل عليه عامة من تأخر ، وفاقاً للشيخ والحلّي (1) للصحاح الصراح (2).
    خلافاً للإسكافي والقاضي (3) ، فيعيد للخبرين (4). وحملا على‏ الاستحباب جمعاً ، مضافاً إلى‏ ضعف السند ، ووقوع التصريح به في تلك الصحاح : « ولو حجّ أحبّ إليّ ».
    ( وإن أخلّ ) بركن ( أعاد ) وجوباً بلا خلاف ، وإن اختلف في المراد بالركن عندنا ، كما ذكره الفاضلان في المعتبر والتحرير والمنتهى (5) ، وتبعهما الشهيد ـ رحمه اللَّه ـ في الدروس (6). أو عنده ، كما هو ظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك والروضة وسبطه (7) ، وجماعة ممّن تأخّر عنهما (8).
1 ـ الشيخ في النهاية : 205 ، الحلي في السرائر 518 : 1.
2 ـ الوسائل 11 : 61 أبواب وجوب الحجّ ب 23.
3 ـ حكاه عنهما في المختلف : 258 ، وهو في المهذب 1 : 268.
4 ـ الكافي 4 : 273/1 ، التهذيب 5 : 9/22 ، 10/24 ، الاستبصار 2 : 145/474 ، 473 ، الوسائل 11 : 62 أبواب وجوب الحجّ ب 23 ح 5 ، 6.
5 ـ المعتبر 2 : 765 ، التحرير 1 : 125 ، المنتهى 2 : 859 ـ 860.
6 ـ الدروس 1 : 315.
7 ـ المسالك 1 : 91 ، 92 ، الروضة 2 : 177 ، وسبطه في المدارك 7 : 74.
8 ـ كالاردبيلي في مجمع الفائده 6 : 98 ، والسبزواري في الذخيرة : 564 ، وصاحب الحدائق 14 : 162.


(64)
    والنصوص خالية من القيد مطلقاً ، إلّا أن موردها « من حجّ » وظاهره الحجّ الصحيح عنده ، لا عندنا ، فإذا حجّ فاسداً عنده لم يدخل في موردها ، فتجب عليه الإعادة حينئذ عملاً بالعمومات السليمة عن المعارض هنا.
    وأمّا إذا حجّ صحيحاً عنده ، كان داخلاً في مورد النصوص النافية للإعادة قطعاً.
    وعلى‏ هذا فالقول الثاني أقوى ، مع أن عليه مدار أُولئك الفضلاء في الصلاة ونحوها ، ووجه الفرق غير واضح.
    وما ذكره بعض من أنّه هنا إن أخلّ بركن عندنا لم يأت بالحجّ حينئذٍ مع بقاء وقت إبرائه ، بخلاف الصلاة ، لخروج وقتها ، ولا يجب القضاء إلّا بأمر جديد (1).
    فهو كما ترى ، فإنّ الصلاة فاسدة عندنا يجب قضاؤها خارج الوقت إجماعاً لعموم : « من فاتته فريضة فليقضها » وهم لا يقولون بوجوب قضائها إذا كانت عنده صحيحة ، فسقوط القضاء ثمّة ليس إلّا لنحو الصحاح المتقدمة ، وهي جارية هنا بعينها.
    وبالجملة : بقاء الوقت وخروجه لا يصلح فارقاً بعد ورود الأمر الجديد الملحق للقضاء بالأداء ، سيّما وهم قد قالوا به هناك لو أتى بها فاسدة عنده.
    ولا فرق بين من حكم بكفره كالحروري والناصبي وغيره في ظاهر العبارة ونحوها ، والصحاح بل صريح بعضها ، لتضمنه من قدّمناه.
    خلافاً لمحتمل المختلف وغيره (3) ، ففرّقا بينهما ، وأوجبا الإعادة
1 ـ كشف اللثام 1 : 294.
2 ـ عوالي اللآلئ 2 : 54/143.
3 ـ المختلف : 259 ؛ وانظر كشف اللثام 1 : 256.


(65)
على‏ الأول. وهو ضعيف جدّاً.
    وهل الحكم بعدم الإعادة لصحة العبادة في نفسها ، بناءً على‏ عدم اشتراط الإيمان فيهما ، كما هو صريح الفاضلين وجماعة ممّن تأخّر عنهما (1) ، أم إسقاط للواجب في الذمة من قبيل إسلام الكافر ، كما هو ظاهر الإسكافي والقاضي (2) وشيخنا الشهيد الثاني وسبطه ومن تأخر عنهما (3) ؟
    قولان : أجودهما الثاني لدلالة النصوص الكثيرة عليه جدّاً.
    ولا ثمرة لهذا الاختلاف ، إلّا ما مرّ من الاختلاف في تفسير الركن ، فيراد منه عندنا على‏ القول الأول هنا ، وعنده على‏ الثاني ، على‏ ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني (4) ، حيث بنى‏ الاختلاف ثمّة على‏ الاختلاف هنا.
    وهو متوجه لولا حكم المفسّر للركن هنا بعندنا في الصلاة بكون الاعتبار بفعلها صحيحة عنده لا عندنا.
         ( ويشترط فيه ) أي في النائب المدلول عليه بالسياق ( الإسلام ، والعقل ، وأن لا يكون عليه حجّ واجب ) مطلقاً ، كما يقتضيه إطلاق نحو العبارة ، أو إذا كان ذلك الواجب مضيّقاً في ذلك العام مع التمكن منه ولو
1 ـ المحقق في المعتبر 2 : 765 ، العلامة في المختلف : 259 والشهيد الأول في الدروس 1 : 315 ، والفاضل المقداد في التنقيح 1 : 424.
2 ـ قد مر انهما يقولان بوجوب الاعادة ، والمسالة متفرعة علي عدم وجوبها.
3 ـ الشهيد الثاني في الروضة 2 : 177 ، وسبطه في المدارك 7 : 75 ؛ واُنظر المفاتيح 1 : 300 والحدائق 14 : 168.
4 ـ المسالك 1 : 91.


(66)
مشياً حيث لا يشترط فيه الاستطاعة ، كالمستقر من حجّ الإسلام ثمّ يذهب المال ، كما صرّح به جماعة (1).
    ( فلا يصحّ نيابة الكافر ) مطلقاً للإجماع على‏ فساد عباداته ، لعدم تأتّي نيّة القربة منه.
    ( ولا نيابة المسلم عنه ) لأنّه لا يستحق الثواب ولأنّ فعل النائب تابع لفعل المنوب عنه في الصحة ، لقيامه مقامه ، فكما لا يصحّ منه لا يصحّ من نائبه.
    ( ولا ) يصحّ نيابة المسلم ( عن مخالف ) للحق.
    أمّا الناصبي فلا خلاف فيه لكفره الحقيقي ، وللصحيح الآتي ، والخبر : « لا يحجّ عن الناصب ، ولا يحجّ به » (2).
    وأمّا غيره فعليه الأكثر على‏ الظاهر ، المصرّح به في كلام جمع (3) ، بل في المسالك : إنّه المشهور (4) ، ويفهم من الحلي الإجماع (5) حيث عزا الصحيح المستثني للأب إلى‏ الشذوذ ، ولعلّه لذا حكي عنه الفضلان الإجماع (6) كما يأتي ، وإن غفل عنه كثير.
    وهو الأظهر لفحوى‏ ما دلّ على‏ عدم انتفاعهم بعباداتهم (7) ، فبعبادات غيرهم أولى‏.
1 ـ منهم : صاحب المدارك 7 : 109 ، والسبزواري في الذخيرة : 567 ، وصاحب الحدائق 14 : 241.
2 ـ الكافي 4 : 309/2 ، الوسائل 11 : 192 أبواب النيابة في الحجّ ب 20 ح 2.
3 ـ اُنظر المفاتيح 1 : 303.
4 ـ المسالك 1 : 94.
5 ـ السرائر 1 : 632.
6 ـ المحقق في المعتبر 2 : 766 ، العلامة في المنتهى 2 : 863.
7 ـ الوسائل 1 : 118 أبواب مقدمة العبادات ب 29.


(67)
    مضافاً إلى‏ مخالفة النيابة للأصل المقتضي لوجوب المباشرة ، فيقتصر فيها على‏ المتيقن المقطوع به فتوىً وروايةً ، وليس إلّا المنوب عنه المسلم خاصّة ، وأمّا غيره فلا يدخل في إطلاق أخبار النيابة لوروده لبيان أحكام غير مفروض المسألة ، فهي بالنسبة إليه مجملة.
    هذا مع احتمال إدخاله في الخبرين إمّا لأنّه ناصب حقيقي كما قيل (1) ، ويشهد له من الأخبار كثير (2) أو لإطلاق الناصب عليه فيها ، بل الكفر ايضاً ، والأصل الشركة في الجميع.
    خلافاً للفاضلين والشهيد في المعتبر والمنتهى‏ والمختلف والدروس (3) ، فخصّوا المنع بالناصب بناءً على‏ ما ذهبوا إليه من صحة عبادة المخالف غيره ، وقد مرّ ما فيه ، مع أنّ من عدا المعتبر قد رجع عنه ، فالفاضل في المختلف أخيراً والشهيد في اللمعة (4) ، فكادت تصير المسألة إجماعية ، فلا شبهة فيها.
    ( إلّا ) أن يكون النيابة ( عن الأب ) فتصحّ هنا على‏ الأشهر الأقوى‏ للصحيح : أيحجّ الرجل عن الناصب ؟ فقال : « لا » قلت : فإن كان أبي ؟ قال : « إن كان أباك فنعم » (5).
    وفي لفظ آخر « إن كان أباك فحجّ عنه » (6).
1 ـ انظر الحدائق 14 : 244.
2 ـ الوسائل 11 : 192 أبواب النيابة في الحجّ ب 20.
3 ـ المعتبر 2 : 766 ، المنتهى 2 : 863 ، المختلف : 312 ، الدروس 1 : 319.
4 ـ المختلف : 312 ، اللمعة ( الروضة البهية ) 2 : 185.
5 ـ الكافي 4 : 309/1 ، التهذيب 5 : 414/1441 ، الوسائل 11 : 192 أبواب النيابة في الحجّ ب 20 ح 1.
6 ـ الفقيه 2 : 262/1273.


(68)
    خلافاً للحلّي والقاضي (1) ، فمنعا عنه لدعوى‏ شذوذ الرواية.
    وفيها : أنّها مشهورة ، كما اعترف به الماتن ، فقال : إنه مقبول عند الجماعة ، قال وهو يتضمن الحكمين معاً ، فقبول أحدهما وردّ الآخر ودعوى‏ الإجماع على‏ مثله تحكّمات يرغب عنها (2).
    وفيه نظر لأنّه لم يظهر من الحلّي الاستناد في المنع إلى‏ الرواية ، حتى يتوجّه عليه ما ذكره ، من أنّه عمل ببعض الخبر وردّ بعضه ، فيحتمل استناده إلى‏ ما قدّمناه من الأدلة ، ولو لا صحة الرواية واشتهارها بين الجماعة لكان خيرته في غاية القوّة والمتانة.
    ثم إنّه في المختلف استشكل على‏ مختاره من المنع عن النيابة عن الناصبي ، لكفره الحقيقي في الفرق بين الأب منه وغيره الوارد في الرواية ، قال : فإنّ هذه الرواية فصّلت بين الأب وغيره ، فنقول : المراد بالناصب إن كان هو المخالف مطلقاً ثبت ما قاله الشيخ ، وإن كان هو المعلن بالعداوة والشنآن لم يبق فرق بن الأب وغيره ، ولو قيل بقول الشيخ كان قوياً (3).
    أقول : وربما يظهر منه الاتفاق في الناصبي على‏ فساد النيابة عنه مطلقاً.
    وفيه نظر ، وقد صرّح بالجواز في الدروس (4) وهو غير بعيد لاحتمال صحة ما يقال في وجه الفرق (5) : من أنّه لتعلّق الحجّ بماله فيجب الإخراج عنه ، أو الحجّ : بنفسه ، ولفظ الخبر لا يأبى‏ الشمول لهما.
1 ـ الحلي في السرائر 1 : 632 ، القاضي في المهذب 1 : 269.
2 ـ المعتبر 2 : 766.
3 ـ المختلف : 312.
4 ـ الدروس 1 : 319.
5 ـ كما في كشف اللثام 1 : 296.


(69)
وبالجملة : فليس لإثابة المنوب عنه ، ويمكن أن يكون سبباً لخفّة عقابه ، وإنّما خصّ الأب به مراعاةً لحقه.
    وفي الموثق أو الصحيح : عن الرجل يحجّ فيجعل حجّته وعمرته أو بعض طوافه لبعض أهله ، وهو عنه غائب ببلد آخر ، ينقض ذلك من آجره ؟ قال : « لا ، هي له ولصاحبه ، وله أجر سوى‏ ذلك بما وصل » قلت : وهو ميت هل يدخل ذلك عليه ؟ قال : « نعم ، حتى يكون مسخوطاً عليه فيغفر له ، أو يكون مضيّقاً عليه فيوسّع عليه » قلت : فيعلم وهو في مكانه أن عمل ذلك لحقه ؟ قال : ( نعم ) قلت : وإن كان ناصباً ينفعه ذلك قال : « نعم يخفّف عنه » (1).
    ( ولا ) يصحّ ( نيابة المجنون والصبي غير المميّز ) بلا خلاف ولا إشكال.
    وفي المميّز قولان ، أجودهما وأشهرهما : لا للأصل المتقدم ، المعتضد بما قيل (2) : من خروج عباداته عن الشرعية ، وإنّما هي تمرينيّة ، فلا تجزي عمن تجب عليه أو يندب إليها ، لأن التمرينيّة ليست بواجبة ولا مندوبة ، لاختصاصهما بالمكلّف ، مع أنه لا ثقة بقوله إذا أخبر عن الأفعال أو نيّاتها ، نعم إن حجّ عن غيره استحقّا الثواب عليه.
    وحكي في الشرائع والتذكرة (3) كما قيل ـ (4) قول بالصحة ، لصحة عباداته. وفيه ما عرفته.
1 ـ الكافي 4 : 315/4 ، الوسائل 11 : 197 أبواب النيابة في الحجّ ب 25 ح 5.
2 ـ كشف اللثام 1 : 296.
3 ـ الشرائع 1 : 232 ، التذكرة 1 : 309.
4 ـ كشف اللثام 1 : 296.


(70)
    ( ولا بدّ من نية النيابة ) بأن يقصد كونه نائباً ، ولمّا كان ذلك أعمّ من تعيين المنوب عنه نبّه على‏ اعتباره بقوله ( وتعيين المنوب عنه ) قصداً ( في المواطن ) كلّها.
    قيل : ولو اقتصر في النية على‏ تعيين المنوب عنه ، بأن ينوي أنّه عن فلان أجزأ عنه لأن ذلك يستلزم النيابة عنه (1).
    وهذا الحكم مقطوع به في كلامهم على‏ الظاهر ، المصرح به في عبائرهم ، ومنها الذخيرة (2) ، وفيها : لكن روى‏ الشيخ عن ابن ابي عمير في الصحيح ، عن ابن أبي حمزة والحسين ، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام : في رجل أعطى‏ رجلاً مالاً يحجّ عنه فحجّ عن نفسه ، فقال : « هي عن صاحب المال » (3).
    أقول : ونحو المرفوع المروي في الكافي (4).
    وضعف سندهما بالرفع والاشتراك يمنع عن العمل بهما ، مضافاً إلى‏ مخالفتهما الأُصول ، فإن الأعمال بالنيات ، ولكلّ امرئ ما نوى‏ ، والإجماع الظاهر والمنقول (5).
    نعم في الدروس : أنه لو أحرم عن المنوب ، ثم عدل إلى‏ نفسه لغا العدول ، وإذا أتمّ الأفعال أجزأ عن المنوب عند الشيخ (6).
    وفي غيره أيضاً عنه ذلك في الخلاف والمبسوط (7).
1 ـ المسالك 1 : 95.
2 ـ الذخيرة : 567.
3 ـ التهذيب 5 : 461/1605 ، الوسائل 11 : 193 أبواب النيابة في الحجّ ب 22 ح 1.
4 ـ الكافي 4 : 311/2 ، الفقيه 2 : 262/1276 ، الوسائل 11 : 194 أبواب النيابة في الحجّ ب 22 ح 2.
5 ـ اُنظر المدارك 7 : 113 ، والحدائق 250 : 14.
6 ـ الدروس 1 : 321.
7 ـ الخلاف 2 : 252 ، المبسوط 1 : 323.


(71)
    وكذا عن الجواهر والجامع والمعتبر والمنتهى‏ والتحرير (1).
    ويمكن حمل الخبرين على‏ ذلك إن صحّ المصير إليه. لكن لا دليل عليه ، عدا ما قيل : من أن الأفعال استحقّت للمنوب عنه بالإحرام عنه ، فلا يؤثر العدول ، كما لا يؤثر فيه نية الإخلال ، بل تبعت الإحرام (2).
    وهو مجرّد دعوى خالية عن الدليل ، ولهذا قال الفاضلان في الشرائع والقواعد وغيرهما (3) بعدم الإجزاء عن أحدهما ، وهو قوي.
    ولا يجب تسمية اسمه ، بل يستحب كما يأتي.
    ( ولا ينوب من وجب عليه الحجّ ) في عام الاستنابة مع التمكن منه بلا خلاف للنهي عن ضده ، أو عدم الأمر به ، الموجبين للفساد.
    والصحاح ، منها : عن الرجل الصرورة يحجّ عن الميت ؟ قال : « نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحجّ به عن نفسه ، فإن كان له ما يحجّ به عن نفسه فليس يجزي عنه حتى يحجّ من ماله ، وهي تجزى عن الميت إن كان للصرورة مال وإن لم يكن له مال » (4) ونحوه آخر (5).
    ومنها : في رجل صرورة مات ولم يحجّ حجّة الإسلام وله مال ، قال : « يحجّ عنه صرورة لا مال له » (6).
1 ـ جواهر الفقه : 39 ، الجامع للشرائع : 226 ، المعتبر 2 : 777 ، المنتهى 2 : 869 ، التحرير 1 : 127.
2 ـ قال به المحقق في المعتبر 2 : 777 والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 300.
3 ـ الشرائع 1 : 235 ، القواعد 1 : 77 ؛ وانظر ارشاد الأذهان 1 : 313.
4 ـ الكافي 4 : 305/2 ، التهذيب 5 : 410/1430 ، الوسائل 11 : 172 أبواب النيابة في الحجّ ب 5 ح 1.
5 ـ الفقيه 2 : 261/1270 ، الوسائل 11 : 172 أبواب النيابة في الحجّ ب 5 ح 3.
6 ـ الكافي 4 : 306/3 ، التهذيب 5 : 411/1428 ، الاستبصار 2 : 320/1132 ، الوسائل 11 : 132 أبواب النيابة في الحجّ ب 5 ح 2.


(72)
    ( ولو لم يجب عليه ) حجّ اصلاً ، أو وجب مطلقاً ، أو في غير عام الاستنابة ، أو فيه ، ولم يتمكن منه ، سواء كان قبل الاستقرار أو بعده ( جاز ).
    بلا خلاف أجده في جميع الصور ، إلا من إطلاق نحو العبارة ، وصريح الحلي (1) فيمن استقرّ عليه حجّ ، فيبطل النيابة. ولم أعرف وجهه ، مع اقتضاء الأصل والإطلاقات السليمة عن المعارض خلافه.
    نعم يعتبر في المستقر ضيق الوقت بحيث لا يحتمل تجدّد الاستطاعة ، إلّا أنّ يكون الاستنابة مشروطة بعدم تجدّدها.
    ثم الحكم بجواز الاستنابة مطلق ( وإن لم يكن ) النائب ( حجّ ) ويعبّر عنه بالصرورة ، بلا خلاف فيه بيننا إذا كان ذكراً ، والصحاح به مستفيضة جدّاً (2) ، ومنها الصحاح المتقدمة قريباً.
    وعن جماعة كونه مجمعاً عليه بيننا ، ومنهم الماتن في المعتبر وشيخنا في المسالك وغيرهما (3).
    والخبران الواردان بخلاف ذلك (4) ـ مع ضعف سندهما ـ شاذان محمولان على‏ التقية ، أو الإنكار ، أو عدم معرفة الصرورة بأفعال الحجّ ، أو
1 ـ السرائر 1 : 626.
2 ـ الوسائل 11 : 173 أبواب النيابة في الحجّ ب 6.
3 ـ المعتبر 2 : 767 ، المسالك 1 : 95 ؛ اُنظر المدارك 7 : 115.
4 ـ الأول :
    التهذيب 5 : 411/1430 ، الاستبصار 2 : 320/1430 ، الوسائل 11 : 173 أبواب النيابة في الحجّ ب 6 ح 3.
    الثاني :
    التهذيب 5 : 412/1433 ، الاستبصار 2 : 321/1137 ، الوسائل 11 : 174 أبواب النيابة في الحجّ ب 6 ح 4.


(73)
الكراهة كما عن المعتبر (1).
    ( ويصحّ نيابة المرأة عن المرأة والرجل ) ولو كانت صرورة ، بلا خلاف إلّا من الشيخ والقاضي ، فمنعا عن نيابتها مطلقاً إذا كانت صرور ، في النهاية والتهذيب والمهذّب والمبسوط (2) وفيه التصريح بعموم المنع عن نيابتها عن الرجل والمرأة.
    وكذا أطلق في الاستبصار على‏ الظاهر ، المصرح به في المختلف (3).
    وقيل : خصّه بنيابتها عن الرجل كما عنون به الباب (4).
    وفيه : أن الإطلاق يستفاد من السياق.
    وكيف كان ، فلا ريب أنّ مذهبه المنع على‏ الإطلاق للخبرين (5).
    وهما مع ضعف سندهما معارضان ـ بعد الأصل والإطلاقات ـ بالنصوص المستفيضة ، بل المتواترة ـ كما عن الحلّي ـ (6) وفيها الصحاح والموثق وغيرهما ، منها : « يحجّ الرجل عن المرأة ، والمرأة عن الرجل ، والمرأة عن المرأة » (7).
    وما يقال من أن هذه مطلقة والخبران مقيّدان فيجب تقييدها بهما ،
1 ـ المعتبر 2 : 767.
2 ـ النهاية : 280 ، التهذيب 5 : 413 ، المهذب 1 : 269 ؛ المبسوط 1 : 326.
3 ـ المختلف : 312 ، وانظر الاستبصار 2 : 322.
4 ـ المدارك 7 : 116.
5 ـ الأول : التهذيب 5 : 414/1439 ، الاستبصار 2 : 323/1143 ، الوسائل 11 : 178 أبواب النيابة في الحجّ ب 9 ح 1.
    الثاني : التهذيب 5 : 413/1436 ، الاستبصار 2 : 322/1142 ، الوسائل 11 : 177 أبواب النيابة في الحجّ ب 8 ح 7.
6 ـ السرائر 1 : 630.
7 ـ التهذيب 9 : 229/900 ، الوسائل 11 : 177 أبواب النيابة في الحجّ ب 8 ح 6.


(74)
فحسن بشرط الحجية والتكافؤ ، وهما مفقودان.
    فيجب صرف التأويل إليهما : بحملهما على‏ الكراهة ، كما فعله الجماعة ، ويشعر به رواية : عن امرأة صرورة حجّت عن امرأة صرورة ، فقال : « لا ينبغي » (1).
    أو على‏ ما إذا كانت غير عالمة بمسائل الحج ولا بأحكامه ، كما هو الغالب في النسوة في جميع الأزمنة.
    وأما الموثق : عن الرجل الصرورة يوصي أن يحجّ عنه ، هل يجزي عنه امرأة ؟ قال : « لا ، كيف تجزي امرأة وشهادته شهادتان » قال : « إنما ينبغي أن تحجّ المرأة عن المرأة والرجل عن الرجل » وقال : « لا بأس أن يحجّ الرجل عن المرأة » (2). فشاذّ لا قائل به منّا ، فليحمل على‏ التقية كما قيل ، أو على‏ الكراهة.
    وفي رواية إنّ والدتي توفّيت ولم تحجّ ، قال : « يحجّ عنها رجل أو امرأة » قال ، قلت : أيّهما أحبّ إليك ؟ قال : « رجل أحبّ إليّ » (3).
    ( ولو مات النائب بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأ ) حجّة عمن حجّ عنه ، بلا خلاف أجده على الظاهر ، المصرّح به في عبائر (4) ، بل في المسالك وعن المنتهى‏ (5) الإجماع عليه.
1 ـ التهذيب 5 : 414/1440 ، الاستبصار 2 : 323/1144 ، الوسائل 11 : 179 أبواب النيابة في الحجّ ب 9 ح 3.
2 ـ التهذيب 9 : 229/899 ، الوسائل 11 : 179 أبواب النيابة في الحجّ ب 9 ح 2.
3 ـ الفقيه 2 : 270/1319 ، الوسائل 11 : 178 أبواب النيابة في الحجّ ب 8 ح 8.
4 ـ التنقيح الرائع 1 : 426 ، الحدائق 14 : 254 ، كشف اللثام 1 : 297.
5 ـ المسالك 1 : 95 ، المنتهى 2 : 863.


(75)
    قيل : لثبوته في المنوب عنه بالإجماع والصحيحين (1) ، فكذا في النائب لأنّ فعله فعله (2).
    وللموثق : عن الرجل يموت فيوصي بحجّه ، فيعطى رجل دراهم ليحجّ بها عنه فيموت قبل أنّ يحجّ ، قال : « إن مات في الطريق أو بمكة قبل أن يقضي مناسكه فإنه يجزي عن الأول » (3).
    وفيهما نظر :
    أما الأول فواضح.
    وأما الثاني فلمخالفة إطلاقه الإجماع إذ ليس فيه تقييد الموت بكونه بعد الإحرام ودخول الحرم.
    ونحوه في ذلك أخبار أُخر ضعيفة السند ، فلا اعتبار بها لولا الإجماع المقيّد لها بذلك ، لمخالفتها الأُصول المقتضية لوجوب الإتيان بجميع ما في العبادة من الشرائط والأركان ، لكن ترك العمل بالمجمع عليه ، وبقي الباقي ، ولذا اشترط الأكثر دخول الحرم.
    خلافاً للخلاف والسرائر (4) ، فاكتفيا بالموت بعد الإحرام مطلقاً حتى في الحاجّ لنفسه.
    ومستندهما غير واضح ، عدا إطلاق الموثق السابق. وفيه ـ مضافاً إلى مامرّ ـ أنّه معارض بظاهر الصحيحين :
    أحدهما : في رجل خرج حاجّاً حجّة الإسلام فمات في الطريق ،
1 ـ المدارك 7 : 118.
2 ـ الكافي 4 : 306/4 ، التهذيب 5 : 417/1450 ، الوسائل 11 : 185 أبواب النيابة في الحجّ ب 15 ح 1.
3 ـ الخلاف 2 : 390 ، السرائر 1 : 628.
رياض المسائل الجزء السادس ::: فهرس