رياض المسائل الجزء السادس ::: 106 ـ 120
(106)
النبي صلى الله عليه وآله بالمنع عن كونه عليه السلام لم يعلم بإهلاله صلى الله عليه وآله (1).
    أقول : ومرجعه إلى‏ أنه قضية في واقعة ، فلا عموم لها ، فإذاً الوجوب أقوى.
    ( ووقوعه في أشهر الحج ) بالكتاب والسنّة والإجماع ( وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة ) وفاقاً للإسكافي والصدوق والشيخ في النهاية (2) ، وعليه المتأخرون كافة لظاهر الكتاب (3) ، بناءً على‏ أن أقلّ الجمع ثلاثة ، والشهر حقيقة في المجموع والجملة ، والمعتبرة به مع ذلك مستفيضة ، ففي الصحيح : « إن اللَّه تعالى‏ يقول : ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ ) وهي شوال وذو الحجة وذو القعدة » (4).
    ( وقيل ) هو الشهران الأولان ( وعشرة من ذي الحجة ) والقائل المرتضى‏ والعماني والديلمي.
    قيل لأن أفعال الحج تنتهي بانتهاء العاشر وإن رخّص في تأخير بعضها وخروج ما بعده من الرمي والمبيت عنها ، ولذا لا يفسد بالإخلال بها وللخبر عن أبي جعفر عليه السلام كما في التبيان وروض الجنان (5) ، وظاهرهما اتفاقنا عليه (6).
    أقول : وروى الكليني عن علي بن إبراهيم بإسناده ، قال : « أشهر
1 ـ المختلف : 264.
2 ـ حكاه عن الاسكافي في المختلف : 260 ، الصدوق في الفقيه 1 : 277 ، النهاية : 207.
3 ـ البقرة : 197.
4 ـ التهذيب 5 : 445/1550 ، الوسائل 11 : 271 أبواب اقسام الحج ب 11 ح 1.
5 ـ التبيان 2 : 162 ، روض الجنان ( المشتهر بتفسير ابي الفتوح ) 3 : 106.
6 ـ كشف اللثام 1 : 279.


(107)
الحج شوّال وذو القعدة وعشرة من ذي الحجة » (1).
    وفيه قطع ، وفي الأول إرسال ، وفي نقل الإجماع على‏ تقدير وضوحه وهن ، وفي الجميع مع ذلك عن المقاومة لما مرّ قصور.
    ( وقيل : ) بدل العشرة ( تسعة ) والقائل الشيخ في الاقتصاد والجمل والعقود ، والقاضي في المهذّب فيما حكي (2) ، قيل : لأن اختياري الوقوف بعرفات في التاسع (3).
    وهنا أقوال أُخر لا ثمرة بينها وبين غيرها يظهر بعد الاتفاق الظاهر ، المحكي في عبائر (4) على‏ أن الإحرام بالحج لا يتأتّى‏ بعد عاشر ذي الحجة ، وكذا عمرة التمتع ، وعلى‏ إجزاء الهدي وبدله طول ذي الحجة ، وأفعال أيام منى ولياليها ، فيكون النزاع لفظياً ، كما اعترف به جماعة من المتأخرين (5) ، بل عامّتهم كما في ظاهر المسالك.
    نعم فيه : وقد يظهر فائدة الخلاف فيما لو نذر الصدقة أو غيرها من العبادات في الأشهر المعلومات أو في أشهر الحج ، فإنّ جواز تأخيره إلى‏ ما بعد التاسع يبنى‏ على‏ الخلاف (6).
    وإلى لقطية النزاع يشير قول الماتن :
    ( وحاصل الخلاف ) ومحصّله الذي يجتمع عليه الأقوال أنّ ( إنشاء
1 ـ الكافي 4 : 290/3 ، الوسائل 11 : 273 أبواب اقسام الحج ب 11 ح 6.
2 ـ الاقتصاد : 300 ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 226 ، المهذب 1 : 213.
3 ـ كشف اللثام 1 : 279.
4 ـ المنتهى 1 : 665 ، المختلف : 260 ، المدارك 7 : 167 ، الحدائق 14 : 354.
5 ـ منهم : العلامة في المختلف : 260 ، وابن فهد في المهذب البارع 2 : 148 ، والشهيد الثاني في الروضة 2 : 208 ، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 279.
6 ـ المسالك 1 : 100.


(108)
الحج ) يجب أن يكون ( في الزمان الذي يعلم إدراك المناسك فيه ، وما زاد ) على‏ ذلك الزمان ( يصح أن يقع فيه بعض أفعال الحج ، كالطواف والسعي والذبح ) والأمران مجمع عليهما كما مضى.
    ( وأن يأتي بالعمرة والحج في عام واحد ) بلا خلاف بين العلماء ، كما في المدارك (1) ، وفي غيره بالاخلاف (2) ، وعن التذكرة الاتفاق عليه (3).
    وهو الحجة ، المعتضدة بالأخبار الدالّة على‏ دخول العمرة في الحج إلى‏ يوم القيامة (4) ، والناصّة على‏ ارتباط عمرة التمتع بحجّه وأنه لا يجوز له الخروج من مكة حتى يقضي حجه (5).
    وإنما جعلت معاضدة ، لا حجة مستقلة ، بناءً على‏ عدم وضوح دلالتها على‏ اعتبار كونهما في سنة كما هو المفروض في نحو العبارة ، فإنّ ما دلّت عليه إنما هو ارتباط أحدهما بالآخر ووجوب وقوعهما في أشهر الحج ، لكن كونها من سنة واحدة لم يظهر منها.
    وعليه فيتوجه ما ذكره الشهيد ـ رحمه اللَّه ـ من أنه لو بقي على‏ إحرامه بالعمرة من غير إتمام الأفعال إلى‏ القابل احتمل الإجزاء (6).
    اللهم إلّا أن يقال : إن المتبادر منها اتحاد السنة ، سيّما مع ندرة بقاء إحرام العمرة إلى‏ السنة المستقبلة.
    ويمكن أن يقال : إنّ غاية التبادر تشخيص المورد ، لا اشتراطه ،
1 ـ المدارك 7 : 168.
2 ـ مفاتيح الشرائع 1 : 306.
3 ـ حكاه عنه في كشف اللثام 1 : 280.
4 ـ الوسائل 11 : 236 أبواب اقسام الحج ب 2 ح 33 ؛ والباب 3 ح 2 ، 12.
5 ـ اُنظر الوسائل 11 : 301 أبواب اقسام الحج ب 22.
6 ـ راجع الدروس 1 : 339.


(109)
بحيث يستفاد منه نفي الحكم عمّا عداه ، كما هو المطلوب.
    وبالجملة : فإثبات الاشتراط بالروايات مشكل ، فما ذكره من الإجزاء محتمل ، إلّا أن يدفع بقاعدة توقيفية العبادة ، وتوقف صحتها على‏ دلالة ، وهي في المقام مفقودة لأنّ غاية الأدلة الإطلاق ، وفي انصرافه إلى‏ محل الفرض ـ لما عرفت ـ إشكال ، فتأمل.
    وكيف كان ، فلا ريب في أن الإتيان بهما في سنة واحدة أحوط.
    ( وأن يُحرم بالحج له ) أي للتمتع ( من ) بطن ( مكة ) شرّفها اللَّه سبحانه ، بإجماع العلماء كافة ، كما في المدارك وغيره (1) ، ونقل الإجماع المطلق مستفيض في عبائر جمع (2) ، وسيأتي من النصوص ما يدلّ عليه.
    والمراد بمكة ـ كما صرّح به جماعة (3) ـ ما دخل في شي‏ء من بنائها ، وأقلّه سورها ، فيجوز الإحرام من داخله مطلقاً.
    ( و ) لكن ( أفضلها المسجد ) اتفاقاً كما في المدارك وغيره (4) لكونه أشرف أماكنها ، ولاستحباب الإحرام عقيب الصلاة ، وهي في المسجد أفضل.
    ( وأفضله مقام إبراهيم عليه السلام ) كما عن النهاية والمبسوط والمصباح ومختصره والمهذّب والسرائر والشرائع (5) للخبر : « إذا كان يوم التروية
1 ـ المدارك 7 : 169 ؛ الحدائق 14 : 359.
2 ـ مفاتيح الشرائع 1 : 306 ، كشف اللثام 1 : 280.
3 ـ منهم : الشهيد الثاني في المسالك 1 : 100 ، والروضة 2 : 208 ، صاحب المدارك 7 : 169.
4 ـ المدارك 7 : 169 ؛ وانظر الحدائق 14 : 359.
5 ـ النهاية : 248 ، المبسوط 1 : 364 ، مصباح المتهجد : 627 ، المهذب 1 : 244 ، السرائر 1 : 583 ، الشرائع 1 : 237.


(110)
فاصنع كما صنعت بالشجرة ، ثم صلّ ركعتين خلف المقام ، ثم أهلّ بالحج ، فإن كنت ماشياً فلبّ عند المقام ، وإن كنت راكباً فإذا نهض بعيرك » (1).
    وقول الماتن هنا : ( أو تحت الميزاب ) يفيد التخيير بينهما ، كما عن الكافي والغنية والجامع والتحرير والمنتهى‏ والتذكرة والدروس (2).
    وعن الهداية والمقنع والفقيه (3) : التخيير بين المقام والحِجر ، كما في الصحيح : « إذا كان يوم التروية إن شاء اللَّه تعالى‏ فاغتسل ، ثم البس ثوبيك وادخل المسجد حافياً وعليك بالسكينة والوقار ، ثم صلِّ ركعتين عند مقام إبراهيم أو في الحِجر ، ثم اقعد حتى تزول الشمس فصلِّ المكتوبة ، ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين إحرامك من الشجرة ، وأحرم بالحج » (4).
    ولا يتعيّن شي‏ء من ذلك اتفاقاً ، كما عن التذكرة في المسجد (5) ، وفي غيرها في غيره (6) وللنصوص ، منها الصحيح : من أين أُهلّ بالحج ؟ فقال : « إن شئت من رحلك ، وإن شئت من الكعبة ، وإن شئت من الطريق » (7) وفي بعض الألفاظ مكان من الكعبة : من المسجد (8).
1 ـ التهذيب 5 : 169/561 ، الاستبصار 2 : 252/886 ، الوسائل 12 : 397 أبواب الإحرام ب 46 ح 2.
2 ـ الكافي : 212 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 579 ، الجامع للشرائع : 204 ، التحرير 1 : 94 و101 ، المنتهى 2 : 668 ، التذكرة 1 : 370 ، الدروس 1 : 341.
3 ـ الهداية : 60 ، المقنع : 85 ، الفقيه 2 : 207 ، حكاه عنهم في كشف اللثام 1 : 280.
4 ـ الكافي 4 : 454/1 ، التهذيب 5 : 167/557 ، الوسائل 12 : 408 أبواب الإحرام ب 52 ح 1.
5 ـ التذكرة 1 : 370.
6 ـ انظر المنتهى 2 : 714 ، والتحرير 1 : 101 ، وكشف اللثام 1 : 280.
7 ـ الكافي 4 : 455/4 ؛ الوسائل 11 : 339 أبواب المواقيت ب 21 ح 2.
8 ـ التهذيب 5 : 477/1684.


(111)
    ومنها الموثق : من أيّ المسجد أُحرم يوم التروية ؟ فقال : ( من أيّ المسجد شئت ) (1).
    ( ولو أحرم بحج التمتع ) اختياراً ( من غير مكة لم يجزئه ويستأنفه بها ) لتوقف الواجب عليه ، ولا يكفي دخولها محرماً ، بل لا بدّ من الاستئناف منها ، على‏ المعروف من مذهب الأصحاب ، كما في المدارك والذخيرة وغيرهما ، وفيهما أسنده الفاضل في التذكرة والمنتهى‏ إلى‏ علمائنا (2) ، مؤذناً بدعوى‏ الإجماع عليه.
    وعبارة الشرائع تشعر بوجود الخلاف (3) ، ولعلّه من الجمهور كما قيل (4) ، وعلى‏ تقدير كونه منّا فهو ضعيف.
    ( ولو نسي ) الإحرام منها ( وتعذّر العود ) ولو بضيق الوقت ( أحرم من موضعه ولو ) كان ( بعرفة ) على‏ ما صرّح به جماعة (5) للصحيح : عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكره وهو بعرفات ما حاله ؟ قال ، يقول : « اللهم على‏ كتابك وسنّة نبيك فقد تمّ إحرامه » (6).
    ومورده النسيان خاصّة كما في العبارة ، وألحق به جماعة الجهل (7) ،
1 ـ الكافي 4 : 455/5 ، التهذيب 5 : 166/556 ، الوسائل 11 : 340 أبواب المواقيت ب 21 ح 3.
2 ـ المدارك 7 : 171 ، الذخيرة : 572 ؛ وانظر الحدائق 14 : 360 ، التذكرة 1 : 320 ، والمنتهى 2 : 667.
3 ـ الشرائع 1 : 237.
4 ـ قال به الشهيد الثاني في المسالك 1 : 100.
5 ـ الشرائع 1 : 237 ، المسالك 1 : 101 ، كشف اللثام 1 : 280 ، الحدائق 14 : 360.
6 ـ التهذيب 5 : 175/586 ، الوسائل 11 : 30 أبواب المواقيت ب 14 ح 8.
7 ـ المدارك 7 : 172 ، المفاتيح 1 : 306 ، كشف اللثام 1 : 280 ، الحدائق 14 : 361.


(112)
ولعلّه لما قيل من تظافر الأخبار بكونه عذراً (1).
    ولا فرق في ذلك بين ما لو ترك الإحرام من أصله أو تركه من مكة مع إتيانه به من غيرها.
    خلافاً للشيخ فاجتزأ بالإحرام من غيرها مع تعذر العود إليها في المبسوط والخلاف (2) ، وتبعه بعض متأخري الأصحاب ، قال : للأصل ، ومساواة ما فعله لما يستأنفه في الكون من غير مكة ، وفي العذر ، لأن النسيان عذر ، قال : وهو خيرة التذكرة (3).
    وفيهما ما ترى فإن الأصل معارض بالقاعدة الموجبة للاستئناف ، تحصيلاً للبراءة اليقينية. وتاليه قياس لأن المصحِّح للإحرام المستأنف إنما هو الإجماع على‏ الصحة معه ، وليس النسيان مصححاً له حتى يتعدّى‏ به إلى‏ غيره ، وإنما هو مع العذر عذر في عدم وجوب العود ، وهو لا يوجب الاجتزاء بالإحرام معه حيثما وقع ، بل يجب الرجوع فيه إلى‏ الدليل ، وليس هنا سوى‏ الاتفاق ، ولم ينعقد إلّا على‏ الإحرام المستأنف ، وأما السابق فلا دليل عليه ، فتأمل جدّاً.
    ( ولو دخل مكة بمتعة وخشي ضيق الوقت ) عن إدراك الوقوفين ( جاز نقلها إلى‏ الإفراد ويعتمر عمرة مفردة بعده ) بلا خلاف فيه على‏ الظاهر ، المصرَّح به في بعض العبائر (4) ، وعن المعتبر الاتفاق عليه (5) ، وهو الحجة.
    مضافاً إلى‏ النصوص المستفيضة ، ولكنها اختلفت في حدّ الضيق ،
1 ـ كشف اللثام 1 : 280.
2 ـ المبسوط 1 : 309 ، الخلاف 2 : 265.
3 ـ قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 280.
4 ـ كالمدارك 7 : 176 ، والحدائق 14 : 327.
5 ـ اُنظر المعتبر 2 : 783 و808.


(113)
ولأجله اختلف أقوال الطائفة.
    فبين محدّدٍ له بزوال الشمس يوم التروية قبل الإحلال من العمرة ، كالمفيد في نقلٍ (1) وله الصحيح (2).
    ومحدّدٍ له بغروبها يوم التروية ، كالصدوق في المقنع والمفيد في المقنعة (3) ، وبه أخبار كثيرة تضمّنت الصحيح وغيره (4).
    ومحدّدٍ له بزوالها من يوم عرفة ، كالشيخ والقاضي وابن حمزة في المبسوط والنهاية والمهذّب والوسيلة (5) ولهم الصحيح (6) ، وعلّله الشيخ في كتابي الأخبار بأنه لا يدرك الموقفين بعده (7) ، كما في المعتبرة التي تضمّنت الصحيح وغيره (8).
    ومحدّدٍ له بخوف فوت الوقوف مطلقاً من غير تحديد له بزمان ، حتى لو لم يخف منه لم يجز العدول ولو كان بعد زوال الشمس من يوم عرفة ، كما عن الحلبيين وابني إدريس وسعيد وعليه الفاضل (9).
1 ـ حكاه عنه في السرائر 1 : 582.
2 ـ التهذيب 391/1366 ، الاستبصار 2 : 311/1107 ، الوسائل 11 : 299 أبواب اقسام الحج ب 21 ح 14.
3 ـ المقنع : 85 ، المقنعة : 431.
4 ـ الوسائل 11 : 291 أبواب اقسام الحج ب 20.
5 ـ المبسوط 1 : 364 ، النهاية : 247 ، المهذب 1 : 243 ، الوسيلة : 176.
6 ـ التهذيب 5 : 171/569 ، الاستبصار 2 247/864 ، الوسائل 11 : 295 أبواب اقسام الحج ب 20 ح 15.
7 ـ التهذيب 5 : 170 ـ 174 ، الاستبصار 2 : 250.
8 ـ الوسائل 11 : 297 أبواب اقسام الحج ب 21 ح 6 ، 7.
9 ـ ابو الصلاح في الكافي : 194 ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 577 ، ابن ادريس في السرائر 1 : 581 ، ابن سعيد في الجامع للشرائع : 204 ، الفاضل في المختلف : 295.


(114)
    ولعلّه الأقوى‏ للأصل ، وصدق الامتثال ، وخصوص النصوص ، منها : « لا بأس للمتمتع إن لم يحرم ليلة التروية متى ما تيسّر له ما لم يخف فوت الموقفين » (1).
    والنصوص المحدّدة مع تعارض بعضها مع بعض يمكن تنزيلها على‏ اختلاف إمكان وصول الحاج إلى‏ عرفات يومئذ ، كما صرّح به بعض المحدّثين من المتأخرين (2).
    وظنّي أن هذا أولى‏ من التنزيل الذي ارتكبه الشيخ في التهذيب (3) وإن تلقّاه جملة من المتأخرين بالقبول (4) ، لتضمنه بعض القيود التي لا يفهم منها طرّاً.
    ويُحكى عن الخال العلّامة المجلسي ـ طاب ثراه ـ على‏ الظاهر حمل أكثرها على‏ الاتقاء ، وذلك لأن في التخلف عن المضي مع الناس إلى‏ عرفات مظنة الاطّلاع عليه بحج التمتع الذي ينكره الجمهور ، حتى إن التقية إذا رفعت من الناس كان مناط الفوات هو فوات الموقفين (5). انتهى‏. وهو جيّد.
    ثم على‏ المختار هل العبرة بخوف فوت اضطراري عرفة ، كما عن ظاهر الحلّي ومحتمل الحلبي (6) ، أو اختياريها ، كما عن الغنية والمختلف‏
1 ـ الكافي 4 : 444/4 ، التهذيب 5 : 171/568 ، الاستبصار 2 : 247/863 ، الوسائل 11 : 292 أبواب اقسام الحج ب 20 ح 5.
2 ـ انظر الحدائق 14 : 339.
3 ـ التهذيب 5 : 170.
4 ـ المدارك 7 : 178 ، مفاتيح الشرائع 1 : 308 ، منتقي الجمان 3 : 338.
5 ـ لم نعثر عليه.
6 ـ الحلي في السرائر 1 : 582 ، الحلبي في الكافي في الفقه : 194.


(115)
والدروس (1) ؟
    وجهان ، أجودهما الثاني للصحيح : عن الرجل يكون في يوم عرفة بينه وبين مكة ثلاثة أميال وهو متمتع بالعمرة إلى‏ الحج ، فقال : « يقطع التلبية ، ويُهلّ بالحج بالتلبية إذا صلّى‏ الفجر ، ويمضي إلى‏ عرفات فيقف مع الناس ، ويقضي جميع المناسك ، ويقيم بمكة حتى يعتمر عمرة المحرم ، ولا شي‏ء عليه » (2).
    وقريب منه جملة من المعتبرة ، منها الصحيح : « المتمتع يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ما أدرك الناس بمنى‏ » (3). ونحوه آخر (4) ، والمرسل كالموثق (5).
    بناءً على‏ أن ظاهرها إدراكهم بمنى‏ قبل المضي إلى‏ عرفات ، فتدبر.
    واحتمال أن يكون المراد إدراكهم بمنى‏ يوم العيد ، بأن يدرك اضطراري المشعر ـ مع بُعده ـ مخالف للإجماع على‏ الظاهر ، المصرَّح به في بعض العبائر (6) ، إلّا أن يحمل على‏ إدراك الاضطراريين ، لكنه بعيد لا يظهر من الأخبار.
1 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 577 ، المختلف : 294 ، الدروس 335 : 1.
2 ـ التهذيب 5 : 174/585 ، الاستبصار 2 : 250/880 ، الوسائل 11 : 298 أبواب اقسام الحج ب 21 ح 7.
3 ـ التهذيب 5 : 170/565 ، الاستبصار 2 : 246/860 ، الوسائل 11 : 293 أبواب اقسام الحج ب 20 ح 8.
4 ـ التهذيب 5 : 171/567 ، الاستبصار 2 : 246/862 ، الوسائل 11 : 294 أبواب اقسام الحج ب 20 ح 14.
5 ـ الكافي 4 : 443/3 ، التهذيب 5 : 170/566 ، الاستبصار 2 : 246/861 الوسائل 11 : 293 أبواب اقسام الحج ب 20 ح 6.
6 ـ ملاذ الاخيار 7 : 509.


(116)
    ( وكذا الحائض والنفساء لو منعهما عذرهما عن التحلّل وإنشاء الإحرام بالحج ) لضيق الوقت عن التربّص إلى‏ الطهر تعدلان إلى‏ الإفراد على‏ المشهور ، كما في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة (1) ، بل في ظاهر المدارك وغيره الاتفاق على‏ جوازه (2) ، وفيهما وفي غيرهما الإجماع عليه عن المعتبر والتذكرة والمنتهى‏ (3) ، وبه صرّح في الخلاف (4) وهو الحجة.
    مضافاً إلى‏ المعتبرة ، منها الصحيح : عن المرأة تدخل متمتعة فتحيض قبل أن تحلّ ، متى تذهب متعتها ؟ فقال : « كان أبو جعفر عليه السلام يقول : زوال الشمس من يوم التروية ، وكان موسى عليه السلام يقول : صلاة الصبح من يوم التروية » فقلت : جعلت فداك عامة مواليك يدخلون يوم التروية ويطوفون ويسعون ثم يحرمون بالحج ، فقال : « زوال الشمس » فذكرت له رواية عجلان أبي صالح ، فقال : « لا ، إذا زالت الشمس ذهبت المتعة » فقلت : هي على‏ إحرامها أو تجدد إحراماً للحج ؟ فقال : « لا هي على‏ إحرامها » فقلت : فعليها هدي ؟ فقال : « لا ، إلّا أن تحبّ أن تطوّع » ثم قال : « أمّا نحن فإذا رأينا هلال ذي الحجة قبل أن نحرم فاتتنا المتعة » (5) وقريب منه آخر (6) ، والموثق (7).
1 ـ منهم : الشهيد الثاني في الروضة 2 : 209 ؛ والسبزواري في الذخيرة : 553 ، وصاحب الحدائق 14 : 340.
2 ـ المدارك 7 : 181 ؛ وانظر مفاتيح الشرائع 1 : 308.
3 ـ المعتبر 2 : 789 ؛ التذكرة 1 : 399 ؛ المنتهى 2 : 685.
4 ـ الخلاف 2 : 261.
5 ـ التهذيب 5 : 391/1366 ، الاستبصار 2 : 311/1107 ، الوسائل 11 : 299 أبواب اقسام الحج ب 21 ح 14.
6 ـ الفقيه 2 : 240/1146 ، التهذيب 5 : 390/1363 ، الوسائل 11 : 296 أبواب اقسام الحج ب 21 ح 2.
7 ـ الفقيه 2 : 240/1147 ، التهذيب 5 : 390/1365 ، الاستبصار 2 : 310/1106 ، الوسائل 11 : 299 أبواب اقسام الحج ب 21 ح 13.


(117)
    قال في المنتهى‏ بعد نقل الخبر : وهذا الحديث كما يدل على‏ سقوط وجوب الدم يدل على‏ الاجتزاء بالإحرام الأول. وأمّا اختلاف الإمامين عليهما السلام في فوات المتعة فالضابط فيه ما تقدّم من أنه إذا أدرك أحد الموقفين صحّت متعتها إذا كانت قد طافت وسعت ، وإلّا فلا (1). انتهى‏. وهو جيّد.
    لكن في الموثق بعد حكمه عليه السلام بصيرورة حجها مفردة : قلت : عليها شي‏ء ؟ قال : « دم تهريقه وهي أُضحيّتها ».
    وحملها الشيخ على‏ الاستحباب ، قال : لأنه إذا فاتتها المتعة صارت حجتها مفردة ، وليس على‏ المفرد هدي على‏ ما بيّنّاه ، ثم قال : ويدلّ عليه ما رواه ، وساق الصحيح المتقدم (2).
    وهو حسن ، ويعضده نفس الموثق من حيث العدول فيه عن التعبير بالهدي إلى‏ الأُضحيّة فإنّ فيه إشعاراً بذلك.
    خلافاً للمحكي عن الحلبيّين وجماعة (3) ، فقالوا : بل تكمّلها بلا طواف وتحرم بالحج ثم تقضي طواف العمرة ؛ للأخبار المستفيضة. وهي في ضعف السند مشتركة ، عدا رواية منها ، فإنها بطريق صحيح على‏ الظاهر في الكافي مروية ، وفيها : « المرأة المتمتّعة إذا قدمت مكة ثم حاضت تقيم ما بينها وبين التروية ، فإن طهرت طافت بالبيت وسعت بين الصفا والمروة ، وإن لم تطهر إلى‏ يوم التروية اغتسلت واحتشت ثم سعت بين الصفا والمروة ثم خرجت إلى‏ منى ، فإذا قضت المناسك وزارت البيت طافت بالبيت طوافاً لعمرتها ثم طافت طوافاً للحج ، ثم خرجت فسعت ، فإذا فعلت ذلك فقد أحلّت من كل شي‏ء يحلّ منه‏
1 ـ المنتهى 2 : 856.
2 ـ الاستبصار 2 : 310.
3 ـ ابو الصلاح في الكافي : 218 ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 582 ، وحكاه عن ابن جنيد وابن بابويه في الدروس 1 : 406.


(118)
المحرم ، إلّا فراش زوجها ، فإذا طافت طوافاً آخر حلّ لها فراش زوجها » (1).
    وعن الغنية : الإجماع عليه.
    وهذه الأدلة معارضة بأقوى منها سنداً واشتهاراً ، فلتحمل على ما إذا طافت أربعة أشواط قبل الحيض جمعاً. وهو أولى‏ من الجمع بين الأخبار بالتخيير لفقد التكافؤ المشترط فيه ، مع ندرة القائل به ، إذ لم يُحكَ إلّا عن الإسكافي (2).
    ثم على‏ تقدير صحته فلا ريب أن العدول أولى‏ ؛ لاتفاق الأخبار على‏ جوازه على‏ هذا التقدير ، هذا.
    وفي رواية : « إنها إذا أحرمت وهي طاهرة ثم حاضت قبل أن تقضي متعتها سعت ولم تطف حتى تطهر ، ثم تقضي طوافها وقد قضت عمرتها ، وإن هي أحرمت وهي حائض لم تسع ولم تطف حتى تطهر » (3).
    قيل : وهو جمع آخر بين الأخبار حسن (4).
    وفيه نظر ؛ فإنّ الصحيح المتقدم ظاهر بل صريح في إحرامها طاهرة ومع ذلك حكم لها بالعدول ، خلافاً لما في هذه الرواية ، ومع ذلك فهي ضعيفة شاذة ، لا عامل بها.
    وحملها الشيخ على‏ ما حملنا عليه الأخبار السابقة من طمثها بعد طوافها أربعة أشواط طاهرة وفاقاً له ، بل استشهد بها عليه في تلك ، فقال بعد الحمل : ويدلُّ عليه ما رواه ، ثم ساق الرواية.
1 ـ الكافي 4 : 445/1 ، الوسائل 13 : 448 أبواب الطواف ب 84 ح 1.
2 ـ حكاه عنه في المختلف : 316.
3 ـ الكافي 4 : 447/5 ، التهذيب 5 : 394/1375 ، الاستبصار 2 : 315/1116 ، الوسائل 13 : 450 أبواب الطواف ب 84 ح 5.
4 ـ المفاتيح 1 : 308.


(119)
    وقال بعدها : فبيّن عليه السلام في هذا الخبر صحة ما ذكرنا ؛ لأنه قال : « إن هي أحرمت وهي طاهرة ».
    إلى‏ أن قال : فلولا أن المراد به ما ذكرنا لم يكن بين الحالين فرق ، وإنما كان الفرق لأنها إذا أحرمت وهي طاهرة جاز أن يكون حيضها بعد الفراغ من الطواف أو بعد مضيها في النصف منه ، فحينئذ جاز لها تقديم السعي وقضاء ما بقي عليها من الطواف ، فإذا أحرمت وهي حائض لم يكن لها سبيل إلى‏ شي‏ء من الطواف فامتنع لأجل ذلك السعي ، وهذا بيّن (1).
    وحكي في المسألة قول بأنها تستنيب من يطوف عنها (2). ولم أعرف قائله ولا مستنده ، فهو ضعيف غايته.
    ولو تجدّد عذرهما في الأثناء ففي صحة متعتهما مطلقاً ، أو العدم كذلك ، أو الأول إذا كان بعد أربعة أشواط وإلّا فالثاني ، أقوال ، ثالثها أشهرها كما في عبائر جماعة (3). ولا يخلو عن قوة لصريح الخبرين (4) وظاهر الآخرين (5) والرضوي (6).
    خلافاً للحلّي فالثاني (7) ، وتبعه بعض المتأخرين (8) للأصل ،
1 ـ التهذيب 5 : 395 ، الاستبصار 2 : 315.
2 ـ حكاه في كشف اللثام 1 : 279.
3 ـ اُنظر المدارك 7 : 181 ، والمفاتيح 1 : 308 ، والحدائق 14 : 347.
4 ـ الفقيه 2 : 241/1155 ، التهذيب 5 : 393/1371 ، الاستبصار 2 : 313/1112 ، الوسائل 3 : 455 و456 أبواب الطواف ب 85 ، 86 ح 4 و1.
5 ـ الكافي 4 : 449/4 ، التهذيب 5 : 393/1370 ، الاستبصار 2 : 313/1111 الوسائل 13 : 456 أبواب الطواف ب 86 ح 2.
6 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 230 ، المستدرك 9 : 423 أبواب الطواف ب 58 ح 1.
7 ـ السرائر 1 : 623.
8 ـ كصاحب المدارك 7 : 182.


(120)
والصحيح الماضي ، مع ضعف النصوص المقيدة لهما.
    وفيه : أنه مجبور بالشهرة والكثرة.
    وللصدوق في الفقيه فالأول (1) للصحيح : عن امرأة طافت ثلاثة أشواط أو أقلّ من ذلك ثم رأت دماً ، قال : « تحفظ مكانها فإذا طهرت طافت نقيّة واعتدّت بما مضى » (2).
    وليس نصّاً في الفريضة ، فليحمل على‏ النافلة ، كما فعله شيخ الطائفة جمعاً بين الأدلة (3).

( و ) النوع الثاني ( الإفراد )
    ( وهو أن يحرم بالحج أولا ) قبل العمرة ( من ميقاته ) الآتي بيانه ، ثم يمضي إلى‏ عرفات فيقف بها ، ثم يمضي إلى‏ المشعر فيقف بها ( ثم ) يأتي منى ف ( يقضي مناسكه ) ثم يطوف بالبيت ويصلّي ركعتيه ( وعليه عمرة مفردة ) إن وجبت عليه ( بعد ذلك ) أي بعد الحج والإحلال منه.
    بلا خلاف في شي‏ء من هذه الأحكام ، بل في المنتهى‏ : إنّها مذهب الإمامية (4) ، وفي غيره الإجماع على‏ وجوب تأخير العمرة (5) ويدلُّ على‏ جملة منها أخبار صحيحة سيأتي إلى‏ بعضها الإشارة. ( وهذا القسم ) يعني الإفراد ( والقِران فرض حاضري مكة ) ومَن في حكمهم إجماعاً لما مضى.
1 ـ الفقيه 2 : 241.
2 ـ الفقيه 2 : 241/1153 ، التهذيب 5 : 397/180 ، الاستبصار 2 : 317/1121 ، الوسائل 13 : 454 أبواب الطواف ب 85 ح 3.
3 ـ الاستبصار 2 : 317.
4 ـ المنتهى 2 : 661.
5 ـ اُنظر مفاتيح الشرائع 1 : 306.
رياض المسائل الجزء السادس ::: فهرس