سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم ـ الجزء الأوّل ::: 91 ـ 105
(91)
    9 ـ ذوالخلصة وكانت لدوس وخثعم وبجيلة.
    10 ـ مناف (1).
    ولقد كانت هذه هي أشهر أصنام العرب علاوة على الأَصنام الاُخرى غير المعروفة الّتي كانت تختصُّ بطائفة دونَ اُخرى ، أو بعائلة دون عائلة.

    العلم والثقافة في الحجاز :
    كان أهلُ الحجاز يوصَفون بالاُميّين ، والاُميّ هو من لم يتعلم القراءة والكتابة فهو كمن ولدتهُ اُمُه ، أو هو باق في عَدم العلم بالقراءة والكتابة على الحالة الّتي وُلد فيها من اُمه.
    ولأجل أن نعرف مدى ما كان عليه العلمُ والثقافة عند العرب من القيمة يكفي أن نعلم بأن عدد الذين كانوا يعرفون القراءة والكتابة بين قريش إلى ما قبل ظهور الإسلام لم يكن يتجاوز ( 17 ) شخصاً في مكة و ( 11 ) نفراً فقط من بين الأوس والخزرج في المدينة (2).
    إذا لاحظنا هذا التخلف والانحطاط في مجال العلم والثقافة في البيئة العربية الجاهلية يتضح لنا مدى تأثير الإسلام ، وادركنا عظمة التعاليم الإسلامية في جميع الحقول الاعتقادية والاقتصادية والأخلاقية والثقافية ، ولابدّ في تقييم الحضارات أن نطالع وندرس الحلقة السابقة ، ثم نقيم الحلقة التالية في ضوء ذلك ، وفي هذه الصورة نقف على عظمة تلك الحضارة الحقيقية (3).
1 ـ راجع الأصنام للكلبي ، والمحبر : ص 315 ـ 319.
2 ـ فتوح البلدان : ص 457 ـ 459.
3 ـ للوقوف على معلومات أوسع واكثر حول عقائد مختلف طوائف المجتمع العربي الجاهلي ، وثقافتها وتقاليدها راجع الكتابين التاليين :
    ألف : « بلوغ الارب في معرفة أحوال العرب » تأليف السيد محمود الآلوسي المتوفى عام 1270 هجري قمري.
    باء : « المفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام » تأليف الاُستاذ جواد علي ، وهذا الكتاب اُخرجَ في ( 10 ) مجلدات ، وقد بُحثَ فيها كل ما يرتبط بحياة العرب في العهد الجاهلي.


(92)
    الإمام عليّ يصف العهد الجاهليّ :
    وقد وصف الإمامُ عليّ أميرُ المؤمنين ( عليه السلام ) تلك الحالة في خطبه ، وحيث أنه عاصر ذروة ذلك الوضع المأساوي ووصفه وصفاً دقيقاً لذلك ينبغي أنْ نقف عند كلامه قليلا ليتبين لنا جيداً ما كان عليه العربُ إبّان عهد الرسالة الإسلامية المباركة :
    قال ( عليه السلام ) في الخطبة ( الثانية ) من نهج البلاغة :
    « ... وأشْهَدُ أنَّ مُحمَّداً عَبدَهُ وَرَسوله أرْسَلَهُ بالدينِ المَشْهُور والعِلَم الماثور والكِتاب المَسْطُور والنُّور الساطِع ، والضِياء اللامع ، والأمر الصادع إزاحة للشُبهات واحتجاجاً بالبَّيِنات وَتَحْذيراً بالآيات ، وتَخْويفاً بالمُثلات (1) والناسُ في فتن انْجَذَم (2) فيها حَبْلُ الدِّينِ ، وتزَعْزَعتْ سَواري (3) اليَقْينِ واْختَلَفَ النَجْرُ (4) ، وتَشتَّتَ الأمرُ وَضاقَ الَمخْرَجُ ، وعَمِيَ المَصْدَرُ فالهُدى خامِلٌ ، والعَمى شامِلٌ ، عُصِيَ الرَّحْمانُ و نُصِرَ الشَيْطانُ وَخُذِلَ الإيْمانُ فَانْهارَت دَعائِمهُ ، وتَنكَّرَتْ مَعالِمُهُ وَدَرَست (5) سُبُلُه وعَفَت شُركه (6) أطاعُوا الشَيْطانَ فَسلكُوا مسالِكه ، وورَدُوا مناهِلَه (7) بِهِمْ سارتْ أعلامُه ، وقامَ لِواؤُهْ في فِتَن داستْهُمْ بأَخْفافِها (8) ووَطئَتْهُمْ بِأَظْلافِها (9) وقامَتْ عَلى سَنابِكِها (10) فَهُمْ فيها تئهون حائرُونَ جاهِلُونَ مَفْتُونُونَ في خَيْر دار وَشَرِّ جِيْران نُومُهُمْ سُهُودٌ وَكُحْلُهمْ دُمُوعٌ بأَرْض عالِمُهْا مُلْجَمٌ وجاهِلُها مُكرَمٌ.
    وقال في الخطبة ( التاسعة والثمانين ) أيضاً :
    « أرْسَلَهُ صلّى اللّه عليه وآله عَلى حِين فَتْرَة مِنَ الرُّسُلِ وَطُول هَجْعة من الاُمَم واعْتزام (11) مِنَ الفِتَن وانْتِشار مِن الاُمور وَتلظٍّ (12) مِنَ الحرُوب والدُّنْيا
1 ـ المثلات : العقوبات.
2 ـ انجذم : انقطع.
3 ـ السواري : الدعائم.
4 ـ النجر : الأصل.
5 ـ درست : انطمست.
6 ـ الشُرك : الطُرق.
7 ـ المنهل : مورد النهر.
8 ـ الخف : هو للبعير كالقدم للإنسان.
9 ـ الظلف : للبقر والشاة كالخفّ للبعير والقدم للإنسان.
10 ـ السنابك : طرف الحافر.
11 ـ اعتزم الفرس : إذا مرّ جامحاً.
12 ـ تلظٍّ : تَلَهُّب.


(93)
كاسِفَةُ النُّور ظاهِرَةُ الغُرُور عَلى حينِ اْصفِرار مِنَ وَرَقها وأَياس مِنْ ثَمَرها واغْورار (1) مِنْ مائها قَد دَرَسَت مَنارُ الْهُدى وَظَهَرَتْ أَعلامُ الرَّدى فَهِيَ مُتَجَهِّمَة (2) لأهْلِها عابِسةٌ فيْ وَجْه طالِبها ثَمَرُها الفِتْنَةِ وَطَعامُها الجيْفَةُ (3) وشعارُها الخوفُ وَدثارُها السَيْفُ ».
    وَقالَ في الخطبة ( السادسة والعشرين ) : « إنَّ اللّه بَعَث مُحمَّداً صلى الله عليه وآله وسلم نَذيراً لِلعالَمِين وأمِيْناً عَلى التَّنْزيْل وَانتُم مَعشَر العَرَب عَلى شَرِّ دين وَفي شَرِّ دار مُنِيخُونَ (4) بَيْنَ حِجارَة خَشِن (5) وحَيّات صُمٍّ (6) تَشربُونَ الكَدِرَ وَتَأَكُلُونَ الجَشِبَ (7) وَتَسْفِكُونَ دِماءكُمْ وتقطعُونَ أَرْحامَكُمْ الاْصنامُ فيكُم مَنْصوبَة وَالآثامُ بِكُمْ مَعْصُوبَة (8) ».
    وقال ( عليه السلام ) في الخطبة ( الثالثة والثلاثين ) : « إنَّ اللّه بعثَ مُحمَّداً صلى الله عليه وآله وسلم ولَيسَ اَحدٌ مِنَ العَرب يقراُ كِتاباً ولا يدّعي نُبوة فساق الناس حتّى بوَّأَهُمْ محلَّتهُمْ (9) وَبلَّغهُمْ مَنجاتَهُمْ فَاستقامَتْ قَناتُهُمْ (10) واطمأَنَّت صفاتُهُمْ ».
    وقال في الخطبة ( الخامسة والتسعين ) أيضاً :
    « ... بَعَثَهُ صلّى اللّه عليه وآله والنّاسُ ضُلالٌ في حَيْرَة وَحاطِبُونَ في فِتْنَة قَد اسْتَهْوَتْهُمْ الأَهْواء وَاسْتَزَلَّتْهُمْ الْكِبْرياء وَاسْتَخَفَّتْهُمْ (11) الجاهِليَّةُ الجَهْلاء حُيارى في زلْزال مِنَ الأَمْر وَبَلاء مِنَ الْجَهْلِ فَبالَغَ صلى الله عليه وآله وسلم في النَّصِيْحَةِ وَمَضى عَلى الطَّريْقَةِ وَدَعا إلى الْحِكْمَةِ وَالْمَوعِظَةِ الْحَسَنَةِ ».
    وقال ( عليه السلام ) : في الخطبة ( السادسة والتسعين ) أيضاً :
    « ... مُسْتَقَرُّهُ خَيْرُ مُسْتَقَرٍّ وَمَنْبَتُهُ أشْرَفُ مَنْبَت في مَعادِنِ الْكَرامَة وَمَماهِدِ (12) السَّلامَةِ قَدْ صُرفَتْ نَحْوَهُ أَفْئدةُ الأَبرار وَثُنِّيَتْ إلَيْهِ أزمَّةِ الأَبْصار دَفَنَ
1 ـ اغورار الماء : ذهابه.
2 ـ تجهّمه : استقبله بوجه كريه.
3 ـ إشارة إلى أكل العرب للميتة من شدة الاضطرار.
4 ـ منيخون : مقيمون.
5 ـ الخُشّن : جمع خشناء من الخشونة.
6 ـ الُصمّ : الّتي لا تسمع لعدم انزجارها بالاصوات.
7 ـ الجشِب : الطعام الغليظ.
8 ـ معصوبة : مشدودة.
9 ـ بَوّأهم محلَّهُمْ : أنزلَهم منزلتهم.
10 ـ القناة : العود كناية عن القوة.
11 ـ استخفتّهم : طيّشَتْهُمْ.
12 ـ الممهَد : ما يُبسَط فيه الفراش.


(94)
اللّه بِهِ الضَّغائِنَ وَأطْفأَ بِهِ الثَّوائرَ (1) أَلَّف بِه إخْواناً وَفَرَّقَ بِهِ أقْراناً اَعزَّ بِهِ الذّلة وَأَذَلِّ بِهِ الْعِزَّة كَلامُهُ بَيانٌ وَصَمْتُهُ لِسان ».
    وقال ( عليه السلام ) في الخطبة ( 151 ) أيضاً :
    « ... أضاءتْ بِه صلى الله عليه وآله وسلم البلاد بَعْدَ الضَّلالَةِ المُظْلِمَةِ والْجهالَةِ الغالِبَةِ والْجَفْوَة الْجافِيَةِ وَالنّاسُ يسْتَحِلُّونَ الْحَريمَ وَيَسْتَذِلُّونَ الْحَكِيْمَ يَحْيونَ عَلى فَتْرَة (2) وَيَمُوتُونَ عَلى كَفْرّة ».
    وقال في الخطبة ( 198 ) :
    « .. ثُمَّ إنَّ اللّه سُبْحانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً صلى الله عليه وآله وسلم بِالْحَقِّ حِيْن دَنا مِنَ الدُّنْيا الإنْقِطاعُ وَأقْبَلَ مِنَ الاخِرَة الإطّلاع (3) وَاَظْلَمَتْ بَهْجَتُها بَعْدَ إشْراق وَقامَتْ بأهْلِها عَلى ساق وَخَشُنَ مِنها مِهادٌ (4) وَأَزفَ (5) منها قيادٌ في انْقِطاع مِنْ مدّتها وَاقْتِراب مِنْ أَشْراطِها (6) وَتَصَرُّم (7) مِنْ أَهْلِها وانْفِصام (8) مِنْ حَلْقَتِها وَانْتِشار (9) مِنْ سببها وَعَفاء (10) مِنْ أعْلامِها وَتَكَشُّف مِنْ عَوْراتِها وَقِصَر مِنْ طُولِها ».
    وقال ( عليه السلام ) في الخطبة ( 213 ) :
    « اَرْسَلَهُ بِالضِّياء وَقَدَّمَهُ في الاْصْطِفاء فَرتَقِّ (11) به المَفاتِقَ (12) وَساوَرَ (13) بِه المُغالِبَ وَذَلَّلَ بِه الصُّعُوبَة وَسَهِّل بِهِ الحُزُونَةَ (14) حَتّى سَرَّحَ الضَّلالَ عَنْ يمين وَشِمال ».
    وقال في الخطبة ( 191 ) :
    « وَاشهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُه ابْتَعَيْه وَالنّاسُ يَضربُون في غَمْرة (15) وَيَمُوجُونَ في حَيْرَة قَدْ قادَتْهُمْ أزمَّةُ الحَيْنِ (16) وَاستَغْلَقَتْ عَلى أَفْئدَتِهِمْ أقْفالُ الرَّيْنِ » (17).
1 ـ الثائرة : العدواة.
2 ـ على فترة : على خلوّ من الشرائع.
3 ـ الاطّلاع : الإتيان.
4 ـ خشونة المهاد : كناية عن شدّة آلام الدنيا.
5 ـ ازف : قرب.
6 ـ الشَرط : العلامة.
7 ـ التصرّم : التقطّع.
8 ـ الانفصام : الانقطاع.
9 ـ انتشار الأسباب : تبدّدها حتّى لا تُضبّط.
10 ـ عفاء الأعلام : اندراسها.
11 ـ رتق : سدّ به الفتقَ.
12 ـ المفاتق : مواضع الفتق.
13 ـ ساور : ثاوبَ.
14 ـ الحزونة : غلظ في الارض.
15 ـ الغَمرة : الماء الكثير.
16 ـ الحين : الهلاك.
17 ـ الرين : التغطية.


(95)
    فاطمة الزهراء تصف الوضع الجاهلي :
    وقد وصفت السيّدة فاطمة الزهراء بنتُ رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم العهدَ الجاهلي بمثلِ ذلك إذ قالت في خطبتها أمام أبي بكر والمسلمين (1) :
    « فَبَلَّغَ ( اي رسولُ اللّه ) بالرِّسالة صادِعاً بالنَّذارة (2) مائلا عَلى مَدْرَجَةِ المُشْركيْن ضارباً ثَبَجَهُمْ (3) آخِذاً بأَكْظامِهمْ داعِياً إلى سَبِيْل رَبِّه بِالحِكْمَةِ وَالْمَوْعظَةِ الْحَسَنَةِ يَكْسِرُ الاَْصْنامَ و يَنْكُثُ الهامَ (4) حتّى انْهَزَمَ الجَمْعُ وَوَلُّوا الدُّبُر حَتى تَفَرّى الليلُ عَنْ صُبْحِهِ وَاَسْفَرَ الحَقُ عَنْ محْظِهِ (5) وَنَطَقَ زَعيمُ الدين وَخَرستْ شَقاشقُ (6) الشَّياطين وأطاحَ وَشِيظُ (7) النَّفاقِ وانَّحَلَّتْ عُقَدُ الْكُفْر والشِّقاقِ وَفُهْتُمْ بِكَلِمَةِ الاخْلاص في نفَر مِنَ البيض الْخِماص وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَة مِنَ النّار مُذْقَةَ (8) الشّارب وَنُهْزَة (9) الطامِع وقَبْسَةِ العِجْلان (10) وَمَوطىءَ الأَقْدامِ تَشْرَبُونَ الطَرقَ (11). وَتَقْتاتُونَ القِدَّ (12) وَالوَرق أذِلَّةً خاسِئينَ تَخافُونَ اَنْ يَتخَطَّفَكُم النّاسُ مِنْ حَوْلِكُمْ فَأَنْقَذكُمُ اللّه تَعالى بِمُحَمَّد بَعْدَ اللُّتَيّا وَالَّتي بَعْدَ أن مُنِيَ بِبُهْم (13) الرجال وَذُؤبانِ الْعَرَب وَمَرَدة أهْلِ الْكِتاب (14) كُلَّما أوْقَدُوا ناراً لِلْحَرب أطْفأَها اللّه ، أوْ نجَمَ (15) قَرْنُ الشَّيْطانِ أوْ فَغرَتْ (16) فاغِرَةً مِنَ الْمُشركيْن ، قَذَفَ أخاهُ في لَهواتِها (17) فَلا يَنْكَفِئُ (18) حَتّى يَطَأ صِماخَها بَأخْمصِهِ ».
1 ـ شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد وبلاغات النساء وغيرهما.
2 ـ النذار : الأنذار.
3 ـ الثبج : الكاهل.
4 ـ الهامة : الرأس.
5 ـ المحض : الخالص.
6 ـ الشقشقة : شيء يشبه الرئة يخرج من فم البعير أذا هاج.
7 ـ الوشيظ : الأتباع والخدم.
8 ـ المذقة : شربة من اللبن الممزوج بالماء.
9 ـ النهزة : الفرصة.
10 ـ قبسة العجلان : الشعلة من النار الّتي يأخذها الرجل العاجل.
11 ـ الطرق : الماء الّذي خوضته الابل وبوّلت فيه.
12 ـ القد : قطعة جلد غير مدبوغ.
13 ـ البهمة : الشجاع الذي لا يهتدي من أن يؤتى.
14 ـ المارد : العاتي.
15 ـ نجم : طلع.
16 ـ فَغرت : فتحت.
17 ـ اللهاة : اللحمة المشرفة على الحلق في أقصى الفم.
18 ـ ينكفئ : يرجع.


(96)
    جعفر بن ابي طالب يصف العهد الجاهلي :
    ويشهد بذلك أيضاً ما قاله جعفر بن أبي طالب عند النجاشي ملك الحبشة عندما اراد مَبعوثاً قريش استعادتَهما إلى مكة :
    أيّها الملك ، كُنّا قوماً أهلَ جاهِليَّة ، نعبدُ الاصنام ، ونأكلُ الميتة ، ونأتي الفواحِشَ ، ونقطعُ الأرْحام ، ونسيء الجوارِ ويأكلُ القويُ مِنّا الضعيف ، فكنّا على ذلك ، حتّى بعث اللّه إلينا رسولا منّا نعرف نسبَه وصدقَه وأمانَتَه وعفافَه ، فدعانا إلى اللّه لنوحِّده ونعبده ، ونخلعُ ما كنّا نعبدُ نحنُ وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرَنا بصدق الحديث وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحُسْنِ الجوار ، والكفِّ عن المحارم والدّماء ، ونَهانا عنِ الفَواحِش وقول الزُور ، وأكل مالِ اليَتيمِ ، وقذفِ المحصَناتِ ، وأمَرنا أنْ نَعبُدَ اللّه وَحدَهُ لا نشركُ بِهِ شيئاً ، وأمَرَنا بالصّلاةِ والزّكاةِ والصِيام قالت : فعدّد عليه امور الإسلام حتّى قال : وصدّقناهُ ، واَمَنّا به واتَّبْعناهُ على ما جاء به من اللّه فعبدنا اللّه وحدَه فلم نشرك به شيئاً وحرَّمنا ما حرّمَ عَلَيْنا وأحللنا ما أحلَّ لنا ، فَعدا علينا قومَنا فَعذَّبُونا وفتنونا عن ديننا ليردُّونا إلى عبادة الأَوثان مِنْ عِبادَة اللّه تعالى ، وأنْ نَسْتَحِلَّ ما كنا نَستحِلَّ من الخَبائث (1).
1 ـ السيرة النبوية : ج 1 ، ص 335 و 336. والحديث عن اُمّ سلمة.

(97)
    للوقوف على أهمية النهضة الإسلامية المباركة الّتي تحققت على يدي النبيّ الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم بعد ارساله من جانب اللّه تعالى وقيمتها ، تكتسبُ دراسة بيئتين إجتماعيّتين اهمية قصوى ، وتانِك البيئتان هما :
    1 ـ بيئةُ نزول القرآن الكريم ، أي البيئة الّتي ظهر فيها الإسلامُ ، وترعرع ونمى.
    2 ـ البيئة العالمية ( خارج الجزيرة العربية ) ، ويعرف ذلك بدراسة عقائد الناس وافكارهم في اكثر مناطق العالم ـ يومَذاكَ ـ مدنية وحضارة ، ومطالعة آدابهم وأخلاقهم وتقاليدهم ، وأعرافهم ، ومدنيّاتهم الّتي كانت تعتبرُ أفضل الأفكار والمدنيّات ، وأرقى الحضارات ، والأوضاع آنذاك.
    ولقد كانت بيئتا : الامبراطورية الرومانية ، والإمبراطورية الإيرانية ألمع نقطة في ذلك اليوم ـ كما يدلنا التاريخ على ذلك. ولابدَّ أستكمالا لهذا البحث من دراسة الأَوضاع في هاتين الإمبراطوريتين ، في مناطقها ، ومن نواحيها المختلفة ، لنقف من هذا الطريق على قيمة الحضارة الّتي اتى بها الإسلام ، ونعرف ذلك بوجه أفضل.


(98)
    أوضاع الروم إبّان عهد الرسالة :
    ان أوضاع الروم لم تكن بأقل سوءً من أوضاع منافستها « ايران » فالحروب الداخلية من جانب والمعارك الخارجية المستمرة مع « ايران » وصراعها الدائم المستمر مع الاخيرة على منطقة « ارمينية » وغيرها كل ذلك كان يهيء الناس في تلك البلاد للقبول بثورة جديدة يضع حداً لمآسيهم ومحنهم.
    ولقد كان للاختلافات والمنازعات الطائفية والمذهبية النصيب الاكبر والأَوفر في توسيع رقعة هذه الاختلافات ، والمنازعات.
    فالحربُ لم تتوقَفْ أبداً بين الوثنيين والمسيحيين ولم تنطفئ شرارتها يوماً ابداً.
    فكان إذا غَلَب رجالُ الكنيسة على دست الحكم وأخذوا بمقاليده مارسوا أشدّ أنواع الضغط والأضطهاد بحقِّ خصومهم ومنافسيهم الأمر الّذي كان يساعد على إيجاد أقلية ناقمة من جهة ، كما ويمكن اعتبار ذلك عاملا مساعداً من جهة اُخرى على تهيئة الشعب الروماني لاحتضان الدعوة الإسلامية ، وتقبلها.
    لقد كان حرمانُ طوائف كثيرة ومختلفة ناشئاً من ممارسات رجال الكنيسة الخشنة ومواقفهم المتزمتة.
    هذا مضافاً إلى أن اختلاف القساوسة والرهبان النصارى فيما بينهم من جهة ، وتعدّد المذاهب من جهة اخرى كان يعمل على التقليل من هيبة الامبراطورية الرومانية وجرّها إلى الضعف والوهن المتزايد يوماً بعد يوم.
    هذا بغضّ النظر عن أنَ البيض والصُفر من سُكّان الشمال والمشرق كانوا يفكّرون في السيطرة على المناطق الغنية من اُوربة ، وربما ألحق أحدُهما بالآخر خسائر فادحة وباهضة في الصرعات والمصادمات الّتي كانت تقع بينهما. وكان هذا هو نفسُه السبب في أن تنقسم الامبراطوريةُ الرومية إلى معسكرين : المعسكر ( أو القسم الشرقي ) والمعسكر ( أو القسم الغربي ).
    ويعتقد المؤرخون أن أوضاع الروم السياسية ، والاجتماعية والاقتصادية في القرن السادس كانت مضطربة ، ومتدهورة جداً ، حتّى أنهم لا يرون في غلبة


(99)
الروم وتفوّقها على إيران شاهداً على قدرتها العسكرية ، وتفوّقها النظامي ، بل يرون أن هزيمة إيران كانت بسبب الفوضى الّتي كان سائدة انذاك في جهاز الحكم الايراني.
    إن هاتين الدولتين اللتين كانتا تتربَّعان على عرش السيادة والسياسة العالمية في مطلع ظهور الإسلام كانتا تعيشان حالة سيئة من الفوضى ، والهرج والمرج ، ومن البديهيّ أنَّ مثل هذه الأَوضاع كان من شأنها أن توجد حالة من التهيّؤ الكبير والظمأ الشديد إلى دين صحيح يضع حَدّاً ونهاية لتلك الحالة ، ويعيد تنظيم حياتهم.

    ظاهرة الجدل العقيم في المجتمع الرومي :
    المتعارف أن يعمد جماعةُ مِنَ البطّالين والفسقة إلى طرح سلسلة من القضايا والمسائل الخاوية والنقاش حولها بهدف التوصُّل إلى أغراض فاسدة ، فيستهلكون بذلك أوقات الناس ، ويهدرون أعمارهم على منحر الجدل العقيم.
    وهي حالة لها مصاديق كثيرة وشواهد عديدة في كثير من بلاد المشرق ، ولسنا بصدد التوسّع فيه فعلا.
    وقد كانت « الروم » تعاني يومئذ من مثل هذه الحالة اكثر من اي مكان آخر.
    فقد كان ملوك الروم ورجال الحكم والسياسة تبعاً لمذاهب دينية كنسيّة يعتقدون بأن المسيح ذو طبيعتين ومشيئتين ، ولكن طائفة اُخرى من النصارى وهم « اليعقوبية » كانوا يقولون بانه : ذو طبيعة ومشيئة واحدة.
    وقد وجهت هذه المسألة الباطلة نفسها ، والجدل الواهي حولها ضربة شديدة إلى وحدة الروم ومن ثم استقلالها ، واحدثت في صفوفها انشقاقاً عميقاً حيث كانت السلطات الحاكمة تضطر إلى الدفاع عن معتقداتها ، ولذلك كانت تضطهد معارضيها ، وتلاحقهم وهذا الاضطهادُ والضغطُ الروحيّ سبَّب في لجوء البعض إلى الدولة الايرانية ، كما كان هؤلاء همُ الذين تركوا المقاومة عند


(100)
مواجهة الجيش الإسلامي ، وألقوا السلاح ، واستقبلوا جنود الإسلام بالاحضان.
    كانت الرومُ تمرُّ آنذاك بظروف اشبه ما تكون بظروف القرون الاُوربية الوسطى الّتي ينقل عنها « فلاماريون » الفلكيّ الشهير القضايا التالية الّتي تدل على المستوى الفكريّ والثقافيّ لاُورُبة في القرون الوسطى :
    لقد كان كتابُ « المجموعة اللاهوتية » المظهر الكامل للفلسفة المدرسية في القرون الوسطى ، وقد بقي هذا الكتاب يُدرَّس في أوربة خلال أربعمائة سنة ككتاب رسمي ومعترف به.
    وقد كان من الأبحاث المطروحة في هذا الكتاب البحث حول عدد الملائكة الّتي يمكنها ان تستقر على راس إبرَة ؟! أو عدد الفراسخ بين العين اليسرى والعين اليمنى للاب الخالد ؟! إلى غير ذلك من القضايا التافهة !!
    إن الامبراطورية الرومية السيئة الحظ فيما كانت تعاني من الحروب الخارجية الكثيرة ، كانت تعاني كذلك من النزاعات والاختلافات الداخلية ـ الّتي كانت ـ على الاغلب ـ تتصف بالصبغة المذهبية والطائفية ـ وكانت تدفع بالبلاد إلى حافة الهاوية ، وتزيدها قربا إليها يوماً بعد يوم.
    ولما رأى اليهود ( وهي الزمرة الشريرة المتآمرة على الشعوب دائماً ) تصاعد الاضطهاد والضغط الّذي يمارسه الامبراطور المسيحي الرومي خطّطت لاسقاط ذلك النظام ، فاحتلت مدينة انطاكية ذات مرة ، ومثلت بأسقف أنطاكية الاكبر فصلموا اُذنه ، وجدعوا أنفه ، فانتقمت حكومة الروم لهذه الجناية بعد مدة ، وقتلت اليهود في انطاكية في مذبحة عامة.
    وقد تكرَّرت هذه الجرائم الفضيعة وهذه المذابح ، والمذابح الانتقامية المضادة بين اليهود والنصارى عدة مرات ، وربما سرت موجة الروح الانتقامية أحياناً إلى خارج البلاد ، فمثلا اشترى اليهود من ايران ذات مرة ثمانين الف مسيحي ثم حزوا رؤوسهم انتقاماً وتشفياً.
    من هذا يستطيع القارئ الكريم أن يقف على الصورة القاتمة للوضع السيء والمتردّي الّذي كان عليه العالم إبان بزوغ شمس الإسلام ، ويذعن ـ مع


(101)
المذعنين ـ بأن التعاليم الإسلامية الرفيعة التي انقذت العالم من ذلك الوضع المأساوي لم تكن أبداً وليدة الفكر البشريّ وان نسيم الوحدة ، الناعشة ، ونغمة السلام الّتي يهدف إليه الإسلام ويسعى إلى تحقيقه واقراره في الحياة البشرية ليس لها من مصدر إلا الغيب ، إذ كيف يمكن القول بان الإسلام الّذي يعترف حتّى للحيوانات بحق العيش والحياة نابع من تلك البيئة المغرقة في القسوة والوحشية ، وناشئ من ذلك المحيط المفحم بروح الانتقام والتشفي.
    لقد أبطل الإسلامُ جميع تلك المجادلات العقيمة والمناقشات التافهة حول مشيئة عيسى وشخصيته ، وقال في نعته ووصفه : « ما المَسِيحُ بنُ مريمَ إلاّ رسولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْله الرُّسُلُ واُمَّه صِدِّيقةٌ كانا يأكُلان الطّعام » (1).
    إن هذه الآية انهت الكثير من أبحاث رجال الكنيسة الباطلة الخاوية حول « الروح » و « المسيح » ودمه ، وشخصيته ، وحقيقته ، كما ان الإسلام بفضل التعاليم الرفيعة ، واحياء السجايا والملكات الفاضلة انقذ البشرية من المنازعات ، الفارغة ، والمذابح الفضيعة.

    أوضاع إيران إبان عَهد الرسالة :
    إن ما دفعَنا إلى دراسة أوضاع الإمبراطورية الرومية هو نفسه يحتم علينا أيضا دراسة اوضاع إيران يومذاك.
    لقد صادف ظهورُ الإسلام وبعثة الرسول الكريم محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ( 611 ميلادية ) عهد السلطان الإيراني خسرو برويز ( 590 ـ 628 م ) ، و في عهد « خسرو برويز » هذا هاجر رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم من مكة إلى المدينة ( الجمعة 16 جولاي 622 ) ، وصارت هذه الواقعة مبدء للتاريخ الإسلامي.
    في هذه الأَيام كانت الدولتان العظيمتان ( الروم الشرقية وايران
1 ـ المائدة : 75.

(102)
الساسانية ) تسيطران على معظم مناطق العالم المتحضر ، ولم تزل هاتانَ الدولتان في نزاع مستمر وصراع دائم على مناطق النفوذ حتّى بعد ظهور الإسلام.
    فقد بدأت حروب ايران والروم الطويله من عهد السلطان الإيراني أنوشيروان ( 531 ـ 589 م ) واستمرَّت إلى عهد الملك « خسرو برويز » واستغرقت اربعاً وعشرين عاماً من الزمان (1).
    وقد سبَب تحمل « ايران » و « الروم » للخسائر الكبرى ، في الارواح والثروات خلال هذه المعارك الطويلة في إضعاف تينك الدولتين ، وتعطيل وشلّ قواهما بحيث لم يبق منهما إلاّ شبحُ دولتين لا اكثر.
    ولكي نقف على الوضع العام في ايران آنذاك من جهاته المختلفة ، وابعاده المتنوعة وبصورة أفضل ، يجب ان نلقي نظرة فاحصة على وضع الحكومات الّتي توالت على سدة القيادة الايرانية بعد حكم « انوشيروان » وحتّى بداية دخول المسلمين.

    البَذخ والتَرف في البلاط الساساني :
    كانت حياة الملوك الساسانيين تتسم عموماً بالبذخ والترف ، والتشريفات الطويلة العريضة ، وكان البلاطُ الساساني الفخم جداً يخلب ببريقه ، بريق العيون ، ويسحر الافئدة والعقول.
    وكان للايرانيين في عهد الساسانيين لواء يُعرف ب‍ « درفش كاوياني » اي العلم الكاوياني نسبة إلى كاوه وهو بطل قومي إيراني اُسطوري ، وقد كانوا يحملونه معهم في الحروب ، أو ينصبونه فوق قصورهم اثناء إحتفالات الساسانيين الكبرى ، وقد كان هذا اللواء موشحاً ومزيناً بأغلى أنواع المجوهرات بلغت قيمتها التقديرية ـ حسب قول بعض الكتاب : « 000 / 200 / 1 » درهماً ( أو ما يعادل
1 ـ تاريخ علوم وادبيات در ايران ص 3 و 4 وايران در زمان ساسانيان ص 267 ( باللغة الفارسية ).

(103)
000 / 30 پوند ).
    وقد بلغت مجموعة المجوهرات والاشياء الثمينة والتصاوير والرسوم المحيرة للعقول الّتي كانت تكتضُّ بها قصور الساسانيين من حيث الاهمية والقيمة حداً سحرت العيون وخلبَت الالباب.
    ولو أننا أردنا أن نقف على عجائب ما في تلك القصور ، وما كانت تحتوي عليه من غرائب الاشياء لكفانا أن نلقي نظرة واحدة إلى السجّادة البيضاء والكبيرة التي كانت مفروشة في احدى صالات بعض تلك القصور ، وهي السجّادة الّتي كانت تدعى بالفارسية ب‍ « بهارستان كسرى » وهو بساط كانوا يُعدوّنه للشتاء إذا ذهبت الرياحين ، فكانوا إذا أرادُوا الشرب وتعاطي الخمر فرشوه ، وشربوا عليه فكأنهم في رياض وكان هذا البساط ستيناً في ستين أرضُه بذهب ووشيُه بفصُوص ، وثمره بجوهر وورقه بحرير » (1) !!
    وقيل أيضاً أن هذا البساط كان مئة وخمسين ذراعاً في سبعين ذراع وكان منسوجاً من خيوط الذهب والمجوهرات الغالية جداً !!
    وقد كان « خسرو برويز » أكثر الملوك الساسانيين ميلا إلى الترف ، والبذخ ، واتخاذ الزينة ، وقد بلَغَت عددُ نسائه وجواريه عدة الآف.
    يقول حمزة الاصفهاني في كتاب « سنيّ ملوك الارض » واصفاً حالة الترَف والبذخ الّتي كان يعيشُها كسرى برويز : ثلاثة آلاف امرأة ، واثنا عشر.
    وجاء في تاريخ الطبري : أن « كسرى (2) برويز » كان قد جمع من الأموال ما لم يجمع أحدٌ من الملوك ، وكان أرغب الناسِ في الجواهر والأواني (3).
1 ـ تاريخ الطبري ج 2 ، ص 130.
وجاء في تاريخ الطبري : كانت هذه السجّادة ستين ذراعاً في ستين ذراعاً ، بساطاً واحداً مقدار جريب فيه طرق كالصور ، وفصوصٌ كالأنهار وخلال ذلك كالدَّير وفي حافاته كالأَرض المرزوعة والأَرض المبقلة بالنبات في الربيع من الحرير على قضبان الذهب ، ونواره بالذَهب والفضّة !!
2 ـ سنيّ ملوك الارض والأنبياء : ص 420.
3 ـ تاريخ الطبري : ج 1 ، ص 616.


(104)
    الوضع الاجتماعي في ايران :
    لم يكن الوضعُ الإجتماعي في عهد الساسانيين بأفضل من الوضع السياسي آنذاك أبداً ، فقد بلغ الاختلاف الطبقي الّذي كان سائداً في ايران منذ زمن بعيد اشدَّه واقوى درجاته ، واسوء حالاته في العهد الاختلاف الساساني.
    فطبقة النبلاء والكهنة كانت تتميز على بقية الطبقات تميزاً كاملا ، فهم يختصون بجميع المناصب الاجتماعية الحساسة والعليا ، بينما حُرم الكسبة والمزارعون وبقية أبناء الشعب من كافة الحقوق الاجتماعية ، ولم يكن لهم من واجب ودور في النظام إلا دفع الضرائب الثقيلة والمشاركة في الحروب.
    يكتب أحدُ الكتّاب الإيرانيين وهو الاستاذ سعيد نفيسي في هذا الصعيد قائلا :
    ان ما كان يثير روح النفاق بين الايرانيين اكثر هو سياسة التمايز الطبقي القاسي جداً الّذي كان الساسانيون يتبعونها في التعامل مع الشعب ، وكان لها جذورٌ في العهود والحضارات السابقة ، ولكنها بلغت ذورتها في العهد الساساني بالذات !!
    ففي الدرجة الاُولى كان للعائلات السبع من النبلاء ، ثم للطبقات الخمس إمتيازاتٌ خاصة حُرمَتْ منها عامة أبناء الشعب.
    فالملكية كانت محصورة ـ تقريباً في تلك العائلات السبع مع العلم أن الشعب في العهد الساساني كان يقاربُ عدد نفوسه مائة وأربعين مليوناً في حين لا يبلغ عددُ كل واحد من تلك العائلات الممتازة والمتميّزة في شؤونها مائة ألف شخص ، فيكون مجموعُها سبع مائة ألف (1).
    وإذا افترضنا أنَّ حراسَ الحدود وأمراءهم والمُلاك الذين كانوا يتمتعون هم الآخرون بشيء من حق الملكية كان يبلغ عددهم أيضاً سبع مائة ألف أيضاً فيكون حق التملك والمالكية حينئذ خاصاً بمليون ونصف من مجموع مائة
1 ـ تاريخ اجتماعي ايران : ج 2 ، ص 6 ـ 24 ( باللغة الفارسية ).

(105)
واربعين مليوناً ، فقد كانت تلك الزمرة القليلة هي الّتي تملك ، وأما الآخرون وهم الاكثرية الساحقة فقد كانوا محرومين من هذا الحق الطبيعي الموهوب لهم من جانب اللّه أساساً وأصلا.
    لقد كان الكسبة والفلاحون الذين كانوا محرومين من جميع الحقوق ، والإمتيازات ولكنّهم كانوا يتحمَّلون نفقات حياة البذخ والرفاهية الّتي كان يرفل فيها النُبلاء والأشراف والطبقات العليا ، لا يأملون خيراً وراء استمرار هذه الاوضاع ، ودوامها ، ولهذا كثيراً ما كان المزارعون والفلاحون والطبقات الدنيا من الشعب يغادرون أعمالهم ، ومزارعهم ويلجأون إلى الأديرة فراراً من الضرائب الباهضة والاتاوات القاصمة للظهور ، المبددة للثروات (1).
    يقول مؤلف كتاب « ايران في عهد الملوك الساسانيين » (2).
    إن حروب إيران ـ الروم الطويلة بدأت من عهد حكومة الملك الإيراني انوشيروان ( 531 ـ 589 م ).
    وخلاصة القول أنه كان في الامبراطورية الساسانية يملك أقلية صغيرة تقلّ نسبتُها عن 5/1 % ( واحد ونصف بالمائة ) من مجموع الشعب كل شيء بينما كان اكثر من ( 89 % ) من الشعب الإيراني محرومين من حق الحياة تماماً كالعبيد.

    حَقٌّ التعلّم خاصُ بالطبقات الممتازة !! :
    في العهد الساساني كان ابناء الاغنياء والبيوتات الرفيعة هم وحدهم الذين يتمتعون بحق التعليم ، بينما كان عامة جماهير الشعب ، والطبقات الوسطى والدنيا محرومين من تحصيل العلوم واكتسابها.
    وقد كانت هذه المنقصة بادية وواضحة في عصور ايران التاريخية جداً بحيث ذكرها الشعراء الكبار في ملاحمهم ودواوينهم الملكية المعروفة بالرغم من ان
1 ـ ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين : 70 و 71.
2 ـ إيران في عهد الساسانيين : ص 424.
سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم ـ الجزء الأوّل ::: فهرس