سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم ـ الجزء الأوّل ::: 256 ـ 270
(256)
    ثانياً : ان المؤرخ الأقدم المعروف باليعقوبي كتب في تاريخه : ان النبي ما كان أجيراً لأحد قط (1).
    ثالثاً : ان الجنابذي صرّح في كتابه « معالم العترة » بأن « خديجة » كانت تضاربُ الرجال في مالها ، بشيء تجعله لهم منه ( اي من ذلك المال أومن ربحه ) (2).
    تهيّأت قافلة قريش التجارية للسفر إلى الشام ، وفيها أموال « خديجة » أيضاً ، في هذه الاثناء جعلت « خديجة » بعيراً قوياً وشيئاً من البضاعة الثمينة تحت تصرّف وكيلها ( أي النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ) وامرت غلاميها ( ميسرة وناصح ) اللذين قررت ان يرافقاه صلى الله عليه وآله وسلم بان يمتثلا أوامراه ، ويطيعاه ، ويتعاملا معه بأدب طوال تلك الرحلة ، ولا يخالفاه في شيء (3).
    وأخيراً وصلت القافلة إلى مقصدها واستفاد الجميع في هذه الرحلة التجارية أرباحاً ، إلا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ربح اكثر من الجميع ، كما أنه ابتاع أشياء من الشام لبيعها في سوق « تهامة ».
    ثم عادت تلك القافلة التجارية إلى « مكة » بعد ذلك المكسب الكبير ، والحصول على الربح الوفير.
    ولقد تسنيّ لفتى قريش « محمَّد » أن يمرّ ـ للمرة الثانية في هذه السفرة ـ على ديار عاد وثمود.
    وقد حمله الصمتُ الكبير الّذي كان يخيّم على ديار واطلال تلك الجماعة العاصية المتمردة في نقلة روحانية إلى العوالم الاُخرى اكثر فاكثر ، هذا مضافاً إلى أن هذه الرحلة جدّدت خواطره وذكرياته في السفرة الاُولى ، فقد تذكّر يوم طوى مع عمه « ابي طالب » هذه الصحاري نفسها وهذه القفار ذاتها ، وما كان يحظى
1 ـ تاريخ اليعقوبي : ج 2 ، ص 21.
2 ـ بحار الأنوار : ج 16 ، ص 9 نقلا عن معالم العترة.
3 ـ قالت خديجة لهما : إعلما أنني قد أرسلتُ اليكما أميناً على أموالي وأنّه أمير قريش وسيّدها ، فلا يدٌ على يده ، فإن باع لا يُمنع وإن ترك لا يؤمر وليَكُنْ كلامُكما له بلطف وأدب ولا يعلو كلامكما على كلامه. ( بحار الأنوار : ج 16 ، ص 29 ).


(257)
فيها من عمه من الحدب والعناية.
    وعند ما اقتربت قافلة قريش إلى « مكة » ، وصارت عند مشارفها ، التفت « ميسرة » غلامُ خديجة ، إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وقال : « يا محمَّد لقد ربحنا في هذه السفرة ببركتك ما لم نربح في اربعين سنة ، فاستقبل بخديجة وابشرها بربحنا » فأخذ النبي باقتراح ميسرة ، وسبق القافلة العائدة في الدخول إلى مكة ، وتوجه نحو بيت « خديجة » بينما كانت خديجة جالسة في غرفتها ، فلما رأت النبي مقبلا عليها ، نزلت من منظرتها وركضت نحوه واستقبلته ، وأدخلته في غرفتها ، فخبّرها رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم بما ربحوا ، ببيان جميل ، وكلام بليغ ، فسرت « خديجة » بذلك سروراً عظيماً ، ثم قدم « ميسرة » في الأثر ، ودخل عليها ، وأخبرها بكل ما رآه وشاهده من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في تلك السفرة من الكرامة والخير ، والخُلق العظيم ، والخصال الكريمة ، ومن الاُمور الّتي كانت برمتها تدل على عظمة شخصيته صلى الله عليه وآله وسلم ، وسمو خصاله (1) ، ومن جملة ما حدثها به ميسرة هو أنه لما وقع بين النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وبين رجل تلاح وجدال في بيع قال له ذلك الرجل : إحلف باللات والعُزى ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم : ما حلفتُ بهما قط ، وإني لأمرُّ فاعرضُ عنهما (2).
    وحدثها أيضاً بأنه لما مرّ ببصرى نزلا في ظل شجرة ليستريحها فقال راهبٌ كان يعيش هناك لما رأى النبيّ يستريح في ظل تلك الشجرة : « ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبيّ » سأل عن اسمه ، فأخبره ميسرة باسمه فقال : « هو نبيّ وهو آخر الأنبياء ، إنه هو هو ومُنزّلِ الانجيل ، وقد قرأت عنه بشائر كثيرة » (3).
1 ـ الخرايج : ص 186 ، بحار الأنوار : ج 16 ، ص 5.
2 ـ الطبقات الكبرى : ج 1 ، ص 130 وفي بحار الأنوار : ج 16 ، ص 18 : انه صلّى اللّه عليه وآله قال : إليك عني ثكلتك اُمّك فما تكلّمت العربُ بكلمة اثقل عليَّ من هذه الكلمة.
3 ـ بحار الأنوار : ج 16 ، ص 18 ، الطبقات الكبرى : ج 1 ، ص 130 ، الكامل لابن الأثير : ج 2 ، ص 24 و 25.


(258)
    خَديجة زَوجةُ الرَّسول الاُولى :
    حتّى قبل ذلك اليوم لم تكن حالة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم الاقتصادية ووضعه المالي يُحسدُ عليه ، فقد كان بحاجة إلى مساعدة عمّه « أبي طالب » المالية ، ولم يكن شغله على النحو الّذي يكفي لضمان نفقاته ، من جانب ، وتمكينه من اختيار زوجة وشريكة حياة وتكوين عائلة ، من جانب آخر.
    ولكن هذه السفرة إلى الشام وبخاصة على نحو الوكالة والمضاربة في أموال امرأة جليلة ، معروفة في قريش ( أعني خديجة ) ساعدت وإلى حدّ كبير على تثبيت وضعه الاقتصادي وتقوية بنيته المالية.
    ولقد اعجبت « خديجة » بعظمة فتى قريش وسموّ أخلاقه ، ومقدرته التجارية حتّى أنها أرادت أن تعطيه زيادة على ما تعاقدا عليه ، تقديراً له ، واعجاباً به ، ولكنه اكتفى بأخذ ما تقرر في البداية ثم توجه إلى بيت عمه « أبي طالب » وقدّم كل ما أخذه من « خديجة » إلى عمه « أبي طالب » ليوسّع به على أهله.
    ففرح « أبو طالب » بما عاين من ابن اخيه ، وبقية أبيه « عبد المطلب » ، وأخيه « عبد اللّه » وأغرورقت عيناه بالدموع ، وسرّ بما حقق من نجاح وما حصل عليه من ربح من تلك التجارة سروراً كبيراً ، واستعدّ أن يعطيه بعيرين يسافر عليهما ويتاجر ، وراحلتين يُصلح بهما شأنه ، ليتسنى له بأن يحصل على ثروة ومال يعطيه لعمه ليختار له زوجة.
    في مثل هذه الظروف بالذات عزم رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم عزماً قاطعاً على أن يتخذ لنفسه شريكة حياة ويكوّن اُسرة ، ولكن كيف وقع الاختيار على « خديجة » الّتي سبق لها أن رفضت كل طلبات الزواج الّتي تقدم بها كبار الاثرياء والشخصيات القرشية مثل « عقبة بن أبي معيط » ، و « أبو جهل » و « أبو سفيان » للزواج بها ؟؟! ، وماذا كانت العلل الّتي جمعت هذين الشخصين غير المتشابهين ، من حيث مستوى الحياة ، والثراء ؟ وكيف ظهرت تلك الرابطة القوية ، وتلك العلاقة المعنويّة العميقة ، والاُلفة والمحبة بينهما إلى درجة أنَّ


(259)
« خديجة » سلام اللّه عليها وهبت كل ثروتها للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لينفقها في نشر الإسلام ، وإعلاء كلمة الحق ، وإرساء قواعد التوحيد ، وبث الدين الجديد ، واصبحت تلك الدار المفخمة الّتي كانت تزينها الكراسي المرصّعة ، والستر المطرّرزة ، المصنوعة من أغلى الأقمشة الهندية ، والإيرانية ، ملجأ للمسلمين ، وملتقى لانصار الرسالة ؟!!
    لابدَّ من البحث عن جذور هذه الحوادث في تاريخ حياة « خديجة » نفسها ، فان من المسلَّم والبديهيّ أن هذا النوع من الفداء ، والتفاني والإيثار لم يكن ثابتاً ليتحقق ما لم يكن لها جذور معنوية وطاهرة.
    إن صفحات التاريخ لتشهد بأنّ هذا الزواج كان ناشئاً من إيمان « خديجة » بتقوى عزيز قريش وفتاها الامين « محمَّد » وطهره ، وحبها الشديد لعفته وكرم أخلاقه ، ولهذا قال النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في حقها :
    « أفضل نساء الجنة أربع : خديجة ... » (1).
    إنها أول إمرأة آمنَتْ برسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    فقد قال علي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : في خطبته الّتي يشير فيها إلى غربة الإسلام في مبدأ البعثة النبوية الشريفة :
    « لَمْ يَجمَعْ بَيْتٌ واحِدٌ يَوْمَئذ في الإسْلام غَيرَ رَسُول اللّه وَخَديجَة وأَنا ثالِثُهما » (2).
    ويكتب « إبن الأثير » قائلا : إنّ عفيف الكندي كان إمرأً تاجراً قدم مكة أيام الحج فرأى رجلا قام تجاه الكعبة يصلّي ثم خرجت امراةٌ تصلّي معه ، ثم خرج غلامٌ فقام يصلي معه ، فمضى يسأل العباسَ عمَّ النبيّ عن هؤلاء ، وعن هذا الدين ، فقال العباس :
1 ـ خصال الصدوق : ج 1 ، ص 96 وغيره.
2 ـ الكامل : ج 2 ، ص 37 ، شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد المعتزلي الشافعي : ج 13 ، ص 197 ـ 201.


(260)
    هذا محمَّد بن عبد اللّه ابن أخي زعم أن اللّه ارسله ، وهذه امرأته خديجة آمنت به ، وهذا الغلام علي بن أبي طالب آمن به ، وأيمُ اللّه ما أعلم على ظهر الأَرض أحداً على هذا الدين إلاّ هؤلاء الثلاثة (1).
    وينبغي هنا أن نعطي لمحة عن مكانة خديجة في الإسلام تكميلا لهذه الدراسة.

    خديجة في أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم :
    لقد اكتسَبَت « خديجةٌ » بفضل إيمانها العميق بالرسالة المحمدية ، وتفانيها في سبيل الإسلام وبسبب حرصها العجيب على حياة صاحب الرسالة وسلامته ، وعملها المخلص على انجاح مهمته ، ومشاركتها الفعّالة ، في دفع عجلة الدعوة إلى الامام ، ومشاطرتها للنبي في اكثر ما تحمله من محن واذى بصبر واستقامة وحب ورغبة.
    لقد اكتسبت خديجة بفضل كل هذا وغيره مكانة سامية في الإسلام ، حتّى ان النبيّ ذكرها في أحاديث كثيرة وأشاد بفضلها ، ومكانتها وشرفها على غيرها من النساء المسلمات المؤمنات ، وذلك ولا شك ينطوي على اكثر من هدف.
    فمن جملة الأهداف التي ربما توخاها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من الاشادة بخديجة ( عليها السلام ) الفات نظر المرأة المسلمة إلى القدوة الّتي ينبغي أن تقتدي بها في حياتها وسلوكها في جميع المجالات والأبعاد ، والظروف ، والحالات.
    هذا مضافاً إلى ما يمكن أن تقدمه المرأة وهي نصف المجتمع ( إن لم تكن اكثره أحياناً ) من دعم جدّي للرسالة ، مادياً كان أو معنوياً.
    وفيما يلي نأتي ببعض الأحاديث الشريفة الّتي تعكس مكانة خديجة ، ومقامها ، ومدى إسهامها في نصرة الإسلام ودعم دعوته ، وإرساء قواعده.
    1 ـ عن أبي زرعة عن ابي هريرة يقول قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم :
1 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 13 ، ص 225 و 226.

(261)
« أتاني جبرئيل ( عليه السلام ) فقال يا رسول اللّه هذه خديجة قد أتتك ومعها آنية فيها ادام أو طعام أو شراب ، فاذا هي أتتك فاقرأ ( عليها السلام ) من ربّها ومنّي ، وبَشِّرها ببيت في الجنة من قصب لا صخَبَ فيه ولا نصَبِ » (1).
    2 ـ عن عائشة قالت : ما غِرتُ على امرأة ما غِرتُ على خديجة ، ولقد هَلَكتْ قبل أن يتزوجني بثلاث سنين ، لما كنتُ اسمعه يذكرها ، ولقد أمره ربُه عزّ وجلّ ان يبشرها ببيت من قصب في الجنة ، وإن كان ليذبح الشاة ثم يهديها إلى خلائلها ( اي خليلاتها وصديقاتها ) (2).
    3 ـ وعن عائشة أيضاً قالت ما غِرت على نساء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلا على خديجة ، واني لم أدركها ، ( قالت ) : وكان رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم إذا ذبح الشاة فيقول : أرسلوا بها إلى اصدقاء خديجة قالت : « أي عائشة » فاغضبتُه يوماً فقلت : خديجة !! فقال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم : « اني قد رزقت حبّها » (3).
    4 ـ ومن هذا القبيل ما كان يقوم به رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم مع صاحبات خديجة من الاحترام لهن والاحتفاء بهنّ :
    فقد وقف صلى الله عليه وآله وسلم على عجوز فجعل يسألها ، ويتحفاها ، وقال :
    « ان حسن العهد من الايمان ، انها كانت تأتينا ايام خديجة » (4).
    5 ـ وروي عن انس قال كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إذا اُتي بهدية قال : « إذهبوا بها إلى بيت فلانة فانها كانت صديقة لخديجة إنها كانت تحب خديجة » (5).
1 ـ صحيح مسلم : ج 7 ، ص 133 ، مستدرك الحاكم : ج 3 ، ص 184 و 185 بطرق متعددة صحيحة على شرط الشيخين.
2 و 3 ـ صحيح مسلم : ج 7 ، ص 134 ، ومثلها في صحيح البخاري : ج 5 ، ص 38 و 39.
4 ـ شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد : ج 18 ، ص 108.
5 ـ سفينة البحار : ج 1 ، ص 380 ( خدج ).


(262)
    6 ـ روى مجاهد عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت : كان رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم لا يكاد يخرج من البيت حتّى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها ، فذكرها يوماً من الايام فادركتني الغيرة فقلت : هل كانت إلا عجوزاً فقد أبدلك اللّه خيراً منها ، فغضب حتّى أهتز مقدَمُ شعره من الغضب ، ثم قال : « لا واللّه ما أبْدلَني اللّه خيراً منها ، آمنَتْ بي إذْ كَفَر الناسُ ، وصدَّقتني وكذَّبني الناسُ وواستني في مالها إذ حرمني الناسُ ورزقني اللّه منها أولاداً إذ حرمني أولاد النساء » قالت عائشة فقلت في نفسي : لا أذكرها بسيئة ابداً (1).
    7 ـ عن يعلى بن المغيرة عن ابن ابي رواد قال : دخل رسولُ اللّه صلى الله عليه وآله وسلم على خديجة في مرضها الّذي ماتت فيه ، فقال لها :
    « يا خديجة أتكرهين ما أرى منك ، وقد يجعل اللّه في الكُره خيراً كثيراً ، أما علمت أن اللّه تعالى زوَّجني معك في الجنة مريم بنتَ عمران ، وكلثمَ اُخت موسى وآسية امرأة فرعون ... » (2).
    8 ـ عن عكرمة عن ابن عباس قال خطَّ رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم أربع خطط في الأَرض وقال : أتدرون ما هذا ؟ قلنا : اللّه ورسولُه أعلم ، فقال رسولُ اللّه صلى الله عليه وآله وسلم : « أفضل نساء الجنة أربع : خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمَّد ، ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون » (3).
    9 ـ عن أنس جاء جبرئيل إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وعنده خديجة فقال : إن اللّه يقرئ خديجة السلام فقالت : إن اللّه هو السلام ، وعليك السلام ، ورحمة اللّه وبركاته (4).
    10 ـ عن أبي الحسن الأول ( الكاظم ) ( عليه السلام ) قال قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم :
1 ـ اسد الغابة : ج 5 ، ص 438 ، ورواها مسلم أيضاً : ج 7 ، ص 134 ، وكذا البخاري : ج 5 ، ص 39 وقد حذفا آخرها من : فغضب حتّى ... إلى آخر الرواية.
2 ـ السيرة الحلبية : ج 1 ، ص 347 ، وأُسد الغابة : ج 5 ، ص 439.
3 ـ الخصال للصدوق : ج 1 ، ص 96 ، كما في بحار الأنوار : ج 16 ، ص 2.
4 ـ المستدرك على الصحيحين : ج 3 ، ص 1816.


(263)
« إنّ اللّه اختار من النساء اربعاً : مريم و آسية وخديجة وفاطمة » (1).
    11 ـ عن ابي اليقظان عمران بن عبد اللّه عن ربيعة السعدي قال أتيت حذيفة بن اليمان وهو في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم فسمعتُه يقول : قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم يقول :
    « خديجةُ بنتُ خويلد سابقةُ نساء العالمين إلى الايمان باللّه وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم » (2).
    12 ـ عن عروة قال قالت عائشة لفاطمة رضي اللّه عنها بنت رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم : ألا ابشرك أني سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم يقول :
    « سيدات نساء أهل الجنة أربع : مريم بنت عمران ، وفاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم ، وخديجة بنت خويلد و آسية » (3).
    13 ـ عن أبي عبد اللّه ( الصادق ) ( عليه السلام ) قال : دخل رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم منزله ، فاذا عائشة مقبلة على فاطمة تصايحها وهي تقول : واللّه يا بنت خديجة ، ما ترين إلا أن لاُمِكِ علينا فضلا ، وأىُ فضل كانَ لها علينا ؟!
    ما هي إلاّ كبعضنا ، فسمع صلى الله عليه وآله وسلم مقالتها لفاطمة ، فلما رأت فاطمة رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم بكت ، فقال : ما يبكيك يا بنت محمَّد ؟! قالت : ذكرتْ اُمّي فتنقّصتْها فبكيتُ ، فغضب رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ). ثم قال :
    « مَهْ يا حميراء ، فان اللّه تبارك وتعالى بارك في الوَدُود الولود ، وأَن خديجة رحمها اللّه ولدَتْ مِنّي طاهِراً ، وهو عَبْدُ الله وهو المطهّر وَوَلدَتْ منّي القاسم ، وفاطمة ، ورقية ، واُم كلثوم ، وزينب ، وأنت ممن أعقم اللّهُ رحمه فلم تلدي
1 ـ الخصال : ج 1 ، ص 96 ، كما في البحار : ج 16 ، ص 2.
2 و 3 ـ المستدرك على الصحيحين : ج 3 ، ص 184 ـ 186 ووردت روايات بمضمون ذيل الحديث في صحيح مسلم : ج 7 ، ص 133.


(264)
شيئاً » (1).
    أجل هذه هي « خديجة بنت خويلد » شرفٌ وعقلٌ ، وحبٌ عميق لرسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم ، ووفاء وإخلاص ، وتضحية بالغالي والرخيص في سبيل الإسلام الحنيف.
    هذه هي « خديجة » أول من آمنت باللّه ورسوله ، وصدّقت محمَّداً فيما جاء به عن ربه ، من النساء ، وآزره ، فكان صلى الله عليه وآله وسلم لا يسمع من المشركين شيئاً يكرهه من ردّ عليه ، وتكذيب له الاّ فرّجَ اللّه عنه بخديجة الّتي كانت تخفف عنه (2) ، وتهوّن عليه ما يلقى من قومه ، بما تمنحه من لطفها ، وعطفها ، وعنايتها به صلى الله عليه وآله وسلم ، في غاية الاخلاص والودّ والتفاني.
    ولهذا كان رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم يحبُّها حباً شديداً ويجلّها ويقدرها حق قدرها (3) ، ولم يفتأ يذكرها ، ولم يتزوج عليها غيرَها حتّى رحلت وفاء لها ، واحتراماً لشخصها ومشاعرها ، وكان يغضب إذا ذكرها احدٌ بسوء ، كيف وهي الّتي آمنت به إذ كفر به الناسُ ، وصدّقته إذ كذّبه الناسُ ، وواسته في مالها إذ حرمهُ الناسُ.
    ولهذا أيضاً كانت وفاتها مصيبة عظيمة أحزنت رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم ودفعته إلى أن يسمّي ذلك العام الّذي توفي فيه ناصراه وحامياه ، ورفيقا آلامه ( زوجته هذه : خديجة بنت خويلد ، وعمه المؤمن الصامد الصابر ابو طالب ( عليهما السلام ) ) بعام الحداد ، أوعام الحزن (4) وان يلزم بيته ويقلّ الخروج (5) ،
1 ـ الخصال : ج 2 ، ص 37 و 38 ، كما في بحار الأنوار : ج 16 ، ص 3.
2 ـ اعلام النساء لعمر رضا كحالة : ج 1 ، ص 328.
3 ـ اعلام النساء : ج 1 ، ص 330.
4 ـ تاريخ اليعقوبي : ج 2 ، ص 35 ، وقد روي عنه صلّى اللّه عليه وآله أنه قال بهذه المناسبة : « اجمتعت على هذه الاُمة مصيبتان لا أدري بأيهما أنا أشدّ جزعاً » المصدر نفسه ، وراجع تاريخ الخميس : ج 1 ، ص 301 نقلا عن سيرة مغلطاي.
5 ـ السيرة الحلبية : ج 1 ، ص 347 ، المواهب اللدنية حسب نقل تاريخ الخميس : ج 1 ، ص 302 وفيه إضافة : ونالت قريش منه ما لم تكن تنال.


(265)
وأن ينزل صلى الله عليه وآله وسلم عند دفنها في حفرتها ، ويدخلها القبر بيده ، في الحجون (1).
    عن ابن عباس في حديث طويل في زواج فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) بعلي ( عليه السلام ) اجتمعت نساء رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان يومئذ في بيت عائشة ليسألنّه أن يُدخلَ الزهراء على ( عليّ ) ( عليه السلام ) فاحدقْن به وقلت : فَديناك بآبائنا وأُمهاتنا يا رسول اللّه قد اجتمعنا لأمر لو أنّ « خديجة » في الأحياء لتقرّتْ بذلك عينُها.
    قالت امُ سلمة : فلما ذكرنا « خديجة » بكى رسولُ اللّه صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال : « خديجة واين مثل خديجة ، صدَّقْتني حين كذَّبني الناس ووازرتني على دين اللّه وأعانتني عليه بمالها ، إنّ اللّه عزّ وجلّ أمرَني أنْ ابشر خديجة ببيت في الجنة من قصب ( الزمرّد ) لا صخَبَ فيهِ ولا نصَب » (2).
    لقد كانت خديجة من خيرة نساء قريش شرفاً ، واكثرهنّ مالا ، واحسنهن جمالا وأقواهنُّ عقلا وفهماً وكانت تدعى في الجاهلية بالطاهرة لشدَة عفافها وصيانتها (3) ويقال لها : سيدة قريش (4) ، وكان لها من المكانة والمنزلة بحيث كان كل قومها وسراة أبناء جلدتها حريصين على الاقتران بها (5) ، وقد خطبها ـ كما يحدثنا التاريخ ـ عظماء قريش وبذلوا لها الأموال ، وممن خطبها « عقبة بن ابي معيط » و « الصلت بن ابي يهاب » و « ابو جهل » و « ابوسفيان » فرفضتهم جميعاً ، وأختارت رسول اللّه ـ وهي في سن الأربعين وهو صلى الله عليه وآله وسلم في الخامسة والعشرين ـ وهي تمتلك تلكم الثروة الطائلة ، وهو صلى الله عليه وآله وسلم لا يمتلك من حطام الدنيا إلاّ الشيء اليسير اليسير ، رغبة في الاقتران به ولما عرفت فيه من كرم الاخلاق ، وشرف النفس ، والسجايا الكريمة والصفات العالية ، وهي ما كانت تبحث عنه في حياتها وتتعشقه وإذا بتلك المرأة الغنية الثرية العائشة في
1 ـ السيرة الحلبية : ج 1 ، ص 346.
2 ـ بحار الأنوار : ج 43 ، ص 131 نقلا عن كشف اليقين.
3 و 4 و 5 ـ السيرة الحلبيّة : ج 1 ، ص 137.


(266)
أفضل عيش تصبح في بيت زوجها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تلك الزوجة المطيعة الخاضعة ، الوفية المخلصة ، وتسارع إلى قبول دعوته ، واعتناق دينه بوعي وبصيرة وارادة منها واختيار ، وهي تعلم ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر ومتاعب ، وتجعل كل ثروتها في خدمة العقيدة والمبدأ ، وتشاطر زوجها آلامه ، ومتاعبه ، وترضى بأن تذوق مرارة الحصار في شعب أبي طالب ثلاث سنوات وفي سنّ الرابعة أو الخامسة والستين. وهي مع ذلك تواجه كل ذلك بصبر وثبات (1) ، ودون أن يذكر عنها تبرُّم أو توجع.
    هذا مضافاً إلى أنها كانت تعامل رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم بأدب تامّ يليق بمقام الرسالة والنبوة ، على العكس من غيرها من بعض نساء النبيّ اللائي كنّ ربما يثرن سخطه وغضبه ، ويؤذينه في نفسه وأهله.
    واليك فيما يأتي بعض ما قاله عنها كبار الشخصيات ، والمؤرخين ممّا يكشف عن عظيم مكانتها عند المسلمين أيضاً ، قال اميرالمؤمنين علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) :
    « كنتُ أولَ من أسلَم ، فمكَثْنا بِذلِكَ ثلاث حجَج وما عَلى الأَرض خَلْقٌ يُصلّي ويشهَد لرسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم بما أتاهُ غيْري ، وغير ابنة خويلد رحمها اللّه وقد فعل » (2).
    وقال محمَّد بن اسحاق : كانت خديجة أولَ من آمن باللّه ورسوله وصدّقت بما جاء من اللّه ، ووازرته على أمره فخفف اللّه بذلك عن رسول اللّه ، وكان لا يسمع شيئاً يكرهه من ردّ عليه وتكذيب له فيحزنه ذلك إلا فرج اللّه ذلك عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم بها إذا رجع إليها تثبِّتُه ، وتخفّف عنه ، وتهوّن
1 ـ شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد : ج 14 ، ص 59 قال : خديجة بنت خويلد وهي عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله محاصَرة في الشِعب.
2 ـ بحار الأنوار : ج 16 ، ص 2 ومثله في روايات متعددة في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 4 ، ص 119 و 120.


(267)
عليه امر الناس حتّى ماتت رحمها اللّه (1).
    وعنه أيضاً : أن « خديجة بنت خويلد » و « ابا طالب » ماتا في عام واحد ، فتتابع على رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم هلاك خديجة وابي طالب وكانت خديجة وزيرة صدق على الإسلام ، وكان رسول اللّه يسكن اليها (2).
    وقال أبو امامة ابن النقاش : ان سبق خديجة وتأثيرها في اول الإسلام ومؤازرتها ونصرتها وقيامها للّه بمالها ونفسها لم يشركها فيهُ احدٌ لا عائشة ولا غيرها من اُمهات المؤمنين (3).
    وقد جاء في المنتقى : ان رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم عند ما اُمِرَ بأن يصدع بالرسالة صعد على الصفا ، وأخبر الناس بما أمره اللّه به فرماه أبو جهل قبحه اللّه بحجر فشجّ بين عينيه ، وتبعه المشركون بالحجارة فهرب حتّى أتى الجبل ، فسمع عليّ و خديجةٌ بذلك فراحا يلتمسانه صلى الله عليه وآله وسلم وهو جائع عطشان مرهق ، ومضت خديجة تبحث عنه في كل مكان في الوادي وهي تناديه بحرقة وألم ، وتبكي وتنحب ، فنظر جبرئيل إلى خديجة تجول في الوادي فقال : يا رسول اللّه الا ترى إلى خديجة فقد أبكت لبكائها ملائكة السماء ؟ اُدعُها اليك فاقرأها مني السلام وقل لها : إن اللّه يقرئك السلامَ ، ويبشّرها أن لها في الجنةِ بيتاً من قصب لا نصَبَ فيه ولا صخَب فدعاها النبي صلى الله عليه وآله وسلم والدماء تسيلُ من وجههِ على الارض وهو يمسحها ويردّها ، وبقي رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم ، وعلي وخديجة هناك حتّى جَنَّ الليلُ فانْصرفوا جميعاً ودخلت به خديجةُ منزلها ، فأقعدَتْه على الموضع الّذي فيه الصخرة واظلّته بصخرة من فوق رأسه ، وقامت في وجهِه تستره ببُردها وأقبلَ المشركون يرمونه بالحجارة ، فاذا جاءتْ من فوق رأسه صخرة وقته الصخرة ، وإذا رمَوْهُ مِن تحته وقتْهُ الجدرانُ الحُيّط ، وإذا رُميَ من بين يديه وقتْهُ خديجة رضي اللّه عنها بنفسها ، وجعَلتْ تنادي يا معشر قريش ترمى الحُرّةُ
1 ـ بحار الانوار : ج 16 ، ص 10 ـ 12.
2 ـ نفس المصدر.
3 ـ تاريخ الخمس في أحوال أنفس نفيس : ج 1 ، ص 266.


(268)
في منزلها ؟ فلَمّا سمِعوا ذلك انصرفُوا عنه ، وأصبَحَ رسولُ اللّه صلى الله عليه وآله وسلم ، وغدا إلى المسجد يُصلّي (1).
    ولقد بَلَغ من خضوعها لرسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم وحبّها له أنها بعد أن تمَ عقدُ زواجها برسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم قالت له صلى الله عليه وآله وسلم : « إلى بيتك ، فبيتي بيتك ، وأنا جاريتك » (2).
    وجاء في السيرة الدحلانية بهامش السيرة الحلبية : ولسبقها إلى الإسلام وحسن المعروف جزاها اللّه سبحانه فبعث جبرئيل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو بغار حراء وقال له : اقرأ عليها السَّلام من ربها ومني ، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب ؛ فقالت : هو السلام ومنه السلام وعلى جبرئيل السلام ، وعليك يا رسول اللّه السلام ورحمة اللّه وبركاته ، وهذا من وفور فقهها رضي اللّه عنها حيث جعلت مكان ردّ السلام على اللّه الثناء عليه ثم غايرت بين ما يليق به وما يليق بغيره ، قال ابن هشام والقصب هنا الؤلؤ المجوف ، وابدى السهيلي لنفي النصب لطيفة هي انه صلى الله عليه وآله وسلم لما دعاها إلى الايمان أجابت طوعاً ولم تحوجه لرفع صوت ولا منازعة ولا نصب بل ازالت عنه كل تعب ، وآنسته من كل وحشة ، وهوّنت عليه كل عسير فناسب ان تكون منزلتها الّتي بشرها بها ربُها بالصفة المقابلة لفعلها وصورة حالها رضي اللّه عنها واقراء السلام من ربها خصوصية لم تكن لسواها ، وتميزت أيضاً بأنها لم تسؤه صلى الله عليه وآله وسلم ولم تغاضبه قط ، وقد جازاها فلم يتزوج عليها مدة حياتها وبلغت منه ما لم تبلغه امرأة قط من زوجاته (3).
    افتخار اهل البيت بخديجة ( عليها السلام ) :
    وما يدل على سمو مقامها وعلو منزلتها أن اهل البيت ( عليهم السلام ) طالما
1 ـ بحار الانوار : ج 18 ، ص 243.
2 ـ بحار الأنوار : ج 16 ، ص 4 نقلا عن الخرائج والجرايح : ص 186 و 187.
3 ـ السيرة الحلبية : ج 1 ، ص 169 الهامش.


(269)
افتخروا بأن خديجة منهم ، وانهم من خديجة وقد كانوا يعتزون بها ، ويشيدون بمكانتها :
    فقد خطب معاوية بالكوفة حين دخلها والحسن والحسين ( عليهما السلام ) جالسان تحت المنبر فذكر علياً ( عليه السلام ) فنال منه ثم نال من الحسن فقام الحسين ( عليه السلام ) ليردَّ عليه فأخذه الحسن بيده وأجلسه ثم قام فقال :
    « أيُّها الذاكِرُ عَليّاً أنا الحَسن وأبي عليّ وأنت معاويةُ وأبوك صخرٌ واُمي فاطمة واُمُّك هند وجدي رسُول اللّه وجدُّك عُتبةُ بنْ رَبيعة وجدتي خديجة وجدتُك قتيلة فلعن اللّه أخْمَلَنا ذكراً والأَمُنا حَسَباً وشَرَّنا قديماً وحديثاً. فقال طوائفُ من أهل المسجد : آمين (1).
    وقيل : ان « الحسين » ( عليه السلام ) ساير « أنس بن مالك » فاتى قبرَ خديجة فبكى ثم قال : إذْهَبْ عَنّي قال « أنس » ؛ فاستخفيتُ عنه فلما طال وقوفُه في الصلاة سمعته يقول :
يا رَبِّ يَا رَبِّ أنْتَ مَولاهُ يا ذا المَعالِي عَلَيْكَ مُعْتَمدي طُوْبى لِمَنْ كانَ خادِماً أرقاً فَاْرحَمْ عُبيْداً إلَيْكَ مَلْجاهُ طُوبْى لِمَنْ كُنْت اَنتَ مَوْلاهُ يَشْكُوْ إلى ذِيْ الجَلالِ بَلْواهُ
    إلى آخر الابيات (2).
    هكذا كان اهل البيت النبوي ـ اقتداءً برسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم يحترمون خديجة ويكرمونها لما كان لها من شخصية عظيمة ولما اسدته إلى الإسلام وإلى رسول الإسلام من خدمات لا تنسى على مرّ الدهور.
    ان بيان ونقل الاحاديث والروايات ، وكذا الاقوال الّتي وردت في شأن خديجة والحديث عن شخصيتها ومكانتها ومدى إسهامها في انجاح ونصرة الدعوة المحمدية خارج عن امكانية هذه الدراسة ، ونطاقها ، لذلك نكتفي بهذه الالماعة
1 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي : ج 16 ، ص 46 و 47.
2 ـ بحار الأنوار : ج 44 ، ص 193 نقلا عن عيون المحاسن.


(270)
العابرة تاركين الكلام باسهاب حولها إلى مجال آخر.
    ولنَعُدْ إلى تبيّن الأسباب الظاهرية والباطنية لزواجها من رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ).

    العللُ الظاهرية والحقيقية وراء زواج خديجة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم :
    إن الإنسان الماديّ الّذي ينظر إلى كل ما يحيط به من خلال المنظار المادي ، ويفسره تفسيراً مادياً قد يتصور ( وبالاحرى يظن ) أن « خديجة » كانت امرأة تاجرة تهمُّها تجارتها ، وتنمية ثروتها ، ولأنها كانت بحاجة ماسة إلى رجل أمين قبل اي شيء ، لذلك وجدت ضالتها في محمَّد الصادق الامين صلى الله عليه وآله وسلم فتزوجت منه ، بعد أن عرضت نفسها عليه ومحمَّد صلى الله عليه وآله وسلم هو الآخر حيث انه كان يعلم بغناها وثروتها ، قبِل بهذا العرض رغم ما كان بينه وبينها من فارق في السن كبير.
    ولكن التاريخ يثبت أن ثمة أساباباً وعللا معنويّة لا مادية هي الّتي دفعت بخديجة للزواج بأمين قريش وفتاها الصادق الطاهر.
    واليك في ما يأتي شواهدنا على هذا الامر :
    1 ـ عند ما سالت « خديجة » ميسرة عما رآه في رحلته من فتى قريش « محمَّد » فخبّرها ميسرة بما شاهد ورأى من « محمَّد » في تلك السفرة ، وبما سمعه من راهب الشام حوله أحسَّت « خديجة » في نفسها بشوق عظيم ورغبة شديدة نحوه كانت نابعة من اعجابها بمعنوية محمَّد صلى الله عليه وآله وسلم وكريم خصاله ، وعظيم أخلاقه ، فقالت من دون إرادتها : « حسبُك يا ميسرة ؛ لقد زدتني شوقا إلى محمَّد صلى الله عليه وآله وسلم ، إذهبْ فانت حرٌ لوجه اللّه ، وزوجتك وأولادك ولَك عندي مائتا درهم وراحلتان » ثم خلعَت عليه خلعة سنية (1).
    ثم إنها ذكرت ما سمعته من « ميسرة » لورقة بن نوفل وكان من حكماء
1 ـ بحار الأنوار : ج 16 ، ص 52.
سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم ـ الجزء الأوّل ::: فهرس