سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم ـ الجزء الأوّل ::: 406 ـ 420
(406)
    نماذجٌ من إيذاء قُريش وتعذيبها للمُسلمين :
    يومَ صدَعَ رسولُ اللّه صلى الله عليه وآله وسلم بما اُمر ، وجَهر بدعوته للناس وأيس سادة قريش من قبوله لأيّ اقتراح من إقتراحاتهم بعد ما سمعوه يقول : « واللّه لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتّى يُظهِرَه اللّه أو أهلك دونه ما تركُته » بدأ في الحقيقة واحداً من أشدّ فصول حياته ، واكثرها متاعبَ ومصاعبَ ، لأن قريشاً كانت لا تزال إلى ذلك الوقت تراعي حرمته وتحترمه ، وتسيطر على أعصابها ، ولكنها عند ما فشلت في خططها لجرّه إلى مساومتها اضطرَّت إلى تغيير نهجها واُسلوبها معه لتقفَ دون إنتشار دينه مهما كلَّف من الثمن مستفيدة في هذا السبيل من كل الوسائل الممكنة.
    من هنا قرّر سادة قريش بالاجماع أن يتوسَّلوا بسلاح الاستهزاء والسخرية ، والإيذاء والتهديد ، بهدف صرفه عن المضيّ في دعوته (1).
    ولا يخفى أن المصلح الّذي يفكر في هداية العالم البشريّ كله يجب ان يتزود بقدر كبير من الصبر والتحمل ، أمام جميع المشكلات والمتاعب ، والمكاره والشدائد ليتغلب عليها شيئاً فشيئاً ، كما كان دأب كل المصلحين الآخرين.
    ونحن هنا نورد طرفاً من أذى قريش لرسول اللّه وأتباعه ليتضح مدى صبر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وثباته ، واستقامته على طريق الدعوة.
    ولقد كان رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم يتمتع ـ مضافاً إلى العامل الروحي والمعنويّ الباطني الّذي كان يساعده من الداخل أعني الإيمان والصبر والإستقامة والثبات ـ بعامل خارجيّ تولّى حراسته وحمايته وذلك حماية بني هاشم ، وعلى رأسهم أبو طالب له صلى الله عليه وآله وسلم لأنه عند ما عرف « ابو طالب » بعزم قريش القاطع على إيذاء إبن أخيه ( محمَّد ) دعا بني هاشم عامة ، وطلب منهُم جميعاً حماية النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والقيام دونه ، فلبَّوا نداء سيّدهم ، وأجابوه
1 ـ راجع لمعرفة ابرز من كان يؤذي النبيّ والمسلمين المحبر : ص157 و 161.

(407)
إلى ما دعاهم من حماية رسول اللّه وحراسته بعضٌ بدافع الايمان وآخر بدافع الرَحم ، الاّ « أبو لهب » ورجلان آخران انضموا إلى اعداء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ولكن هذا السياج الدفاعيّ لم يقدر ـ مع ذلك ـ على صيانته صلى الله عليه وآله وسلم من بعض الحوادث المرّة ، لأنّ قريشاً ألحقت به الأذى ، وأنزلت به مكروهاً ، كلما وجدته وَحيداً بعيداً عن أعين حُماته.
    وإليك فيما يأتي بعض النماذج من ذلك الأذى :
    1 ـ مَرَّ « أبو جهل » برسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم عند الصفا ، فآذاه وشتمه ونال منه ببعض ما يُكره من العيب لدينه ، والتضعيف لأمره ، فلم يكلّمه رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم ومولاة لعبد اللّه بن جدعان في مسكن لها تسمع ذلك ، ثم انصرف عنه ، فعمد إلى ناد من قريش عند الكعبة ، فجلس معهم ، فلم يلبث « حمزة بن عبد المطلب » رضي اللّه عنه أن أقبلَ متوشحاً قوسَه راجعاً من قَنص له ، وكان صاحب قنص يرميه ويخرج له ، وكان إذا رجع من قنصه لم يصل إلى أهله حتّى يطوف بالكعبة ، وكان إذا فعل ذلك لم يمرّ على ناد من قريش إلاّ وقف وسلَّم وتحدَّث معهم ، وكان أعز فتى في قريش ، وأشدّ شكيمة.
    فلما مرّ بالمولاة ، وقد رجع رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم إلى بيته قالت له : يا أبا عمارة ( وتلك هي كنيته ) لو رأيت ما لقي ابنُ أخيك محمَّد آنفاً من أبي الحكم بن هشام ( وتعنى أبا جهل ) : وجده هاهنا جالساً فآذاه وسبَّه ، وبلَغَ منهُ ما يُكرَه ، ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمَّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    فغضب « حمزة » لذلك ، فخرج يسعى ولم يقف على أحد مُعِدّاً لأبي جهل إذا لقيه أن يوقع به.
    فلمّا دخل المسجد نظر إليه جالساً في القوم ، فاقبل نحوه ، حتّى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها فشجَّهُ شجة منكرة ، ثم قال : « أتشمته وأنا على دينه أقول ما يقول. فردَّ ذلك عليَّ أن استطعتَ ».
    فقامت رجالٌ من بني مخزوم إلى « حمزة » لينصروا « أباجهل » فقال أبو جهل :


(408)
دعوا أبا عمارة فاني قد سبَبْتُ ابن أخيه سبّاً قبيحاً (1). وبهذا منع « أبو جهل » الّذي كان ممن يدرك خطورة مثل هذه المواقف من وقوع شجار وقتال.
    إنَّ التاريخ الثابت والمسلَّم يشهد بأنّ وجودَ رجال ذوي بأس وقوة بين صفوف المسلمين مثل « حمزة » الّذي أصبح في ما بعد من كبار قادة الإسلام ، قد كان له أثرٌ كبيرٌ في حفظ الإسلام ، والحفاظ على حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ودعم جماعة المسلمين ، وتقوية جناحهم ، فهذا ابن الاثير (2) يقول عن حمزة : لما اسلم حمزة عرفت قريش أن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم قد عزّ وامتنع فكفوا عما كانوا يتناولون منه.
    من هنا أخذت قريش تفكّرُ في إعداد خطط اُخرى لمواجهة قضية الإسلام والمسلمين ، سنذكرها في المستقبل.
    هذا ويرى بعضُ المؤرّخين مثل ابن كثير الشامي (3) على أن رُدود فعل إسلام « أبي بكر » و « عمر » واثرهما لم تكن بأقلّ من تاثير إسلام « حمزة » ، وانَّ الدين قويَ جانبه باسلام هذين الرجلين ، وكسَبَ المسلمون بذلك القوة والحريّة في العمل والتحرك ، والحقيقة انه لا شك في انه لكل فرد تأثيره في تقوية ودعم الإسلام ، إلاّ أنه لا يمكن ـ القولُ بحال بأن تأثير إسلام الشيخين كان يعدل تأثير إسلام « حمزة » ، فإن « حمزة » ما انْ سمع بأن قريشاً أساءت إلى رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم الاّ وتوجه ، من دون أن يُعرّج على أحد ، إلى المسيء وانتقم منه في الحال أشدّ انتقام ، ولم يجرؤ أحد على الوقوف في وجهه ومنع المسيء منه ، ومن غضبه وانتقامه ، بينما يكتب ابن هشام في سيرته عن « أبي بكر » امراً يكشف عن أن « أبابكر » يوم دخل في صفوف المسلمين لم يكن قادراً على حماية نفسه ، ولا على الدفاع عن النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ). واليك نصُّ الواقعة :
    مرَّ رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم ذاتَ يوم على جماعة من قريش وهم جلوسٌ عندَ الحجر ، فوثبوا إليه وثبة رجل واحد ، وأحاطوا به يقولون : أنتَ الّذي تقول :
1 ـ السيرة النبوية : ج 1 ، ص 291 و 292 ، تاريخ الطبري : ج 2 ، ص 72.
2 ـ الكامل لابن الاثير : ج 2 ، ص 56.
3 ـ البداية والنهاية : ج 2 ، ص 26 و 32.


(409)
كذا و كذا ، لما كان يقول من عيب آلهتهم ودينهم فيقول رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم : نعم أنا الّذي اقولُ ذلك ، فأخذ رجلٌ منهم بمجمع ردائه ( وهم يقصدون قتله ) فقام « أبو بكر » دونه وهو يبكي ويقول : أتقتلون رجلا يقول رَبّي اللّه ؟ فانصرفوا عنه ( ولم يقتلوه لأمر رأوه ) ، فرجع رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم إلى منزله ، ورجع « أبو بكر » يومئذ وقد صدعوا فرق رأسه (1).
    إن هذه الرواية التاريخية إذا دلّت على مشاعر الخليفة تجاه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلاّ أنها تدل قبل أي شيء على عجزه وضعفه.
    إنه يدلُّ على أنه لم يملك ذلك اليوم لا أية مقدرة بدَنية وروحية ، ولا أية مكانة اجتماعية تُرهَب ، وحيث أنَّ إلحاق الأذى بشخص رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم كان ينطوي ـ في نظر قريش ذلك على عواقب لا تحمد ـ لذلك تركوا رسولَ اللّه ، وَوَجَّهُوا ضربتهم إلى رفيقه وصدعوا فرق رأسه.
    ولو أنك قارنت بين هاتين الحادثتين وقايست بين موقف « حمزة » الشجاع وموقف الخليفة الأوّل هذا لاستطعت أن تقضي بسهولة بأنَّ عزة الإسلام وقوة المسلمين ، وتعزيز موقفهم ، وخوف الكفار كان يعود إلى الإسلام أيّ واحد من ذينك الرجلين ؟
    هذا وستقرأ في القريب العاجل كيفية إسلام « عمر ». وسترى بأنَّ إسلامه ـ كاسلام صديقه ـ لم يزد هو الآخر من قدرة المسلمين الدفاعية ، وأنهم بالتالي لم يعتزوا باسلامه.
    فيوم أسلم « عمر » كادَ أن يُقتل لولا « العاص بن وائل السهمي » لأنه هو الّذي خاطب الذين قصدوا قتل « عمر » قائلا : رَجُلٌ اختار لنفسه أمراً فماذا تريدون منه ؟ أترونَ بني عَدِيّ بن كعب يسلمون لكم صاحبَهم هكذا ، خلوُّا عن الرجل » (2).
1 ـ السيرة النبوية : ج 1 ، ص 289 و 290 ، وقد ذكر الطبري في تاريخه : ج 2 ، ص 72 قصة صدع رأس أبي بكر بالتفصيل فراجع.
2 ـ السيرة النبوية : ج 1 ، ص 349.


(410)
    إن هذه العبارة الّتي قالها « العاص » لانقاذ الخليفة الثاني من أيدي الذين اجتمعوا على قتله تفيد ـ بوضوح ـ أن الخوف من قبيلة « عمر » هو الّذي كان وراء تركهم إياه وعدم قتله ، وقد كان دفاعُ القبائل عن أبنائها سنة فطرية وعادة متعارفة يومذاك وكان يتساوى فيها الكبير والصغير ، والشريف والوضيع.
    أجل إنّ بني هاشم هم كانوا ـ في الواقع ـ الحصن الحقيقي للمسلمين ، وقد كان القسط الأكبر من هذا الأمر يتحمله « أبو طالب » وذووه ، وإلاّ فانَّ الاشخاص الآخرين الذين كانوا ينضمُّون إلى صفوف المسلمين لم يكن لديهم القدرة على الدفاع عن أنفسهم ، فكيف بالدفاع عن الإسلام وجماعة المسلمين ليقال بأن المسلمين اعتزوا بهم ؟

    أبوجهل يكمُن لرسول اللّه :
    لقد أغضب تقدمُ الإسلام المطرد قريشاً بشدة فلم يمرُّ يوم دون أن يبلغهم نبأ عن انضمام واحد من أفراد قريش إلى صفوف المسلمين ولأجل هذا راح مرجل الغضب والحنق على النبي صلى الله عليه وآله وسلم يغلي في نفوسهم ، فهذا فرعون مكة « أبو جهل ... لقريش في مجلس من مجالسهم : يا معشر قريش إن محمَّداً قد أبى إلاّ ما ترون من عيب ديننا ، وشتم آبائنا ، وتسفيه أحلامنا ، وشتم آهلتنا ، واني اُعاهِدُ اللّه لأَجلسنَّ له غداً بحجر ما اُطيق حمله فإذا سجد في صلاته فضختُ به رأسه.
    فلما كان من غد أخذ « أبو جهل » حجراً كما وصَف ثم جلس لرسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم ينتظره ، وغدا رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم على عادته ووقف للصلاة بين الركن اليمانيّ والحجر الأسود ، وغدت تلك الجماعة من قريش فجلست في انديتها تنتظر ما ابو جهل فاعلٌ ، فلما سجد رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم أحتمل « أبو جهل » الحجر ، ثم اقبل نحوه ، حتّى إذا دنا منه رجع منهزماً منتقعاً لونه ، مَرعوباً وقذف الحجَر من يده ، فقامت إليه رجالٌ من قريش وقالوا له : مالك يا أبا الحكم ؟ فقال بصوت ضعيف يطفح بالخوف والرعب : قمت إليه


(411)
لأفعل به ما قلتُ لكم البارحة فلما دنوتُ منه عرضَ لي دونهُ ما لا رأيتُ مثلَه حياتي ، فتركتُه !! (1).
    إنه ليس من شك في أنَّ قوة غيبيّة أدركتْ رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم بأمر اللّه تعالى في تلك اللحظة ، وصوّرت ذلك المنظر الرهيب وحفظت رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم كما وعده تعالى وعداً لا خلف فيه إذ قال : « إنّا كَفيْناكَ المُسْتَهْزئيْن » (2).
    وهناك نماذج كثيرةٌ من أذى قريش لشخص رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم سجَّلها التاريخ في صفحاته ، وقد عقد « ابن الأثير » (3) فصلا خاصّاً لهذا الموضوع ذكر فيه أسماء أعداء رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم الألدّاء ، في مكّة ، وبيّن أنواع ما كانوا يؤذُون به النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وما قد مرّ ذكره في الصفحات السابقة ما هو إلاّ أمثلة على ذلك ، فقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يواجه في كل يوم نوعاً خاصاً من الأذى ، والمضايقة.
    فقد رُوي أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كان يطوف ذات يوم فشتمه « عقبة بن أبي معيط » وألقى عمامَته في عنقه ، وجرّه من المسجد ، فأخذوه من يده ، خوفاً مِن بني هاشم (4).

    أبو لهب يؤذي رسول اللّه :
    ولقد تعرّض رسولُ اللّه صلى الله عليه وآله وسلم لأذى لا مثيل له من جانب عمه « أبي لهب » وزوجته « اُم جميل » وقد كان رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم يجاورهم ، فلم يألوا جهداً في إزعاجه وإيذائه فكم من مرّة ومرة ألقيا الرماد
1 ـ السيرة النبوية : ج 1 ، ص 298 و 299.
2 ـ الحجر : 95.
3 ـ الكامل في التاريخ : ج 2 ، ص 47 كما وعقد المجلسي رحمه اللّه في البحار : ج 18 باباً خاصاً بعنوان : « باب المبعث واظهار الدعوة وما لقي صلّى اللّه عليه وآله من القوم » راجع من صفحة 148 إلى صفحة 243.
4 ـ السيرة الحلبية : ج 1 ، ص 293 نظيره.


(412)
والتراب على رأسه الشريف وثيابه. وكم من مرّة نشرت أم جميل الشوك على طريقه ، أو جمعته باب بيته لتؤذيه عند الخروج.
    ولا شك ان معارضَة انسباء النبي واقربائه لدعوته المباركة ، وايذاؤهم اياه كان اكثر ايلاماً لنفسه الشريفة ، واشد وقعاً عليها ، حتّى اننا نجد القرآن يخص أبا لهب باللعن ويسميه بصورة خاصة مما يكشف عن هذه الحقيقة إذ يقول : « تَبّتْ يَدا أبي لَهَب وَتَبَّ. مَا أغنى عَنهُ مَا لُهُ وَما كَسَبِ. سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبِ. وَامْرأَتُهُ حَمَّالَةَ الحَطَبِ. في جِيْدها حَبْلٌ مِنْ مَسَد » (1).

    صبر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم واستقامته :
    ولكن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم كان يواجه كل ذلك الأذى وماشابهه من التحججات الّتي سنشير اليها بصبر عظيم ، وثبات تتعجب منه الجبال الشماء ، وذلك اولا إيماناً منه برسالته.

    إيذاء المسلمين وتعذيبُهم !
    يرجع تقدمُ الإسلام في مطلع عهد الرسالة إلى عوامل منها : ثبات رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم نفسه ، وثباتُ اَتباعه وأنصاره.
    ولقد تعرّفنا ـ في ما سبق ـ على أمثلة ونماذج من ثبات قائد الإسلام الاكبر وصبره ، واستقامته في ما لقي من أذىً ومضايقة.
    على أن ثبات أنصاره واتباعه الذين آمنوا في مكّة ( مركز الحكومة الوثنية آنذاك ) هو الآخر ممّا يدعو إلى الإعجاب ويستحق الاحترام. وسنذكر صمودَهم وثباتهم في حوادث ما بعد الهجرة في محله.
    وأمّا هنا فنسلّطُ الضوء على حياة عدد من أتباع رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم القدامى الذين تحملوا أشد أنواع العذاب وكانوا يعيشون في المحيط المكي
1 ـ المسد : 1 ـ 5.

(413)
حيث لم يكن ملجأ لهم يلجؤن إليه وهاجروا منه لأغراض الدعوة والتبليغ بعد أن تحملوا شيئاً كثيراً من الإيذاء والتِعذيب على أيدي المشركين والوثنين القساة.

    1 ـ بلال الحبشي :
    كان أبواهُ ممّن اُسروا في الجاهلية وجيء بهم من الحبشة إلى جزيرة العرب ثم إلى مكة.
    وأما بلال الّذي اصبح في ما بعد مؤذن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقد كان غلاماً ل‍ « اُميّة بن خلف » الّذي كان من أشدّ أعداء النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    وحيث أنّ عشيرة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم تولَّتِ الدِفاع عنه صلى الله عليه وآله وسلم وحمايته ولم يمكن لاُميّة إلحاق الأذى برسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم عمد إلى تعذيب غلامه بلال الّذي أسلم ، أمام الناس ، بأشد أنواع الأذى والتعذيب إنتقاماً ، وتشفياً.
    فقد كان يطرح بلالا عارياً على الأحجار والصخور الملتهبة في الهاجرة ، ويضع صخرة على صدره ثم يقول له : لا تزال هكذا حتّى تموت أو تكفر بمحمَّد ، وتعبد الّلات والعزّى ، فيقول وَهو في ذلك البلاء والمحنة الشديدة : أَحَدٌ أَحَدٌ (1).
    ولقد أثار ثباتُ هذا الغلام الأسود وجلدُهُ وصبرُه على أذى سيّده ، إعجابَ الآخرين ، حتّى أن « ورقة بن نوفل » مرّ عليه وهو يعذّب بذلك وهو يقول : أحَدْ أَحَدْ ، اقبل على « اُميّة » ومن يصنع به ذلك من « بني جمح » فيقول : احلف بالله لئن قتلتموه على هذا لأتخذنّه حناناً ( أي لأجعلنَّ قبره متبركاً ومزاراً ) (2).
    وربما زاد « اُميّة » من تعذيبه لبلال فربط حبلا بعنقه وترك الصبيان يديرون به في الازقة والسكك (3).
1 ـ السيرة النبوية : ج 1 ، ص 317 و 318.
2 ـ السيرة النبوية : ج 1 ، ص 318.
3 ـ الطبقات الكبرى لابن سعد : ج 3 ، ص 233.


(414)
    وقد اُسِر « اُميّة » وابنه في معركة « بدر » وكانا أولَ من اُسِرا من المشركين ، ولم يوافق بعضُ المسلمين على قتلهما ولكن بلالا قال : « رأسُ الكفر اُميّة بن خلف لا نجوتُ إنْ نجا ». وأدّى اُصرارُ بلال على قتلهما إلى قتل اُميّة وابنه جزاء أعمالهما الظالمة.

    2 ـ آلُ ياسر رمز الصمود والمقاومة !
    كان « عَمار » ووالداه من السابقين إلى الإسلام فهم أسلموا يوم كان رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم يلتقي باصحابه ويدعو إلى الإسلام في بيت « الارقم بن أبي الارقم » ، وعند ما عرف المشركون بانضمامهم إلى صفوف المسلمين عمدوا إلى إيذائهم وتعذيبهم ولم يألوا جهداً في ذلك أبداً.
    فقد كان المشركون يخرجون « عماراً » واباه « ياسر » واُمَّه « سميّة » في وقت الظهيرة إلى رمضاء مكة ليقضوا ساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة ، وفوق الرّمال الملتهبة والصخور المتّقدة كأنها الجمرات.
    وقد تكرّر هذا العذابُ مرّات عديدة حتّى أودى بحياة « ياسر » فقضى نحبَه على تلك الحال.
    وقد خاشنت زوجتُه « سُميّة » أبا جَهل وكلمته في زوجها بغليظ القول ، فطعنها اللعين برمح في قلبها فقضت ـ هي الاُخرى ـ نحبَها ، وكانا أولَ شهيدين في الإسلام (1).
    وقد آلم رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم ما شاهده من حالهما وهما يعذّبان بأشد أنواع العذاب فقال لهُما ولولدهما « عمّار » وهو يصبّرهم ، والدموع تنحدر على خدّيه :
    « صَبراً آلَ ياسِر فانّ موعدكم الجنة » (2).
1 ـ بحار الأنوار : ج 18 ، ص 241 والسيرة الحلبية : ج 1 ، ص 300 ، السيرة الدحلانية بهامش السيرة.
2 ـ السيرة الحلبية : ج 1 ، ص 300 ، السيرة الدحلانية بهامش السيرة الحلبية : ج 1 ، ص 238 و 239.


(415)
    وبعد أن قضى والدا « عمّار » نحبَهما تحت التعذيب بالغ المشركون القساة في تعذيب « عَمّار » وإيذائه والتنكيل به ، وأخذوا يعذّبونه على نحو ما كانوا يعذّبون به بلالا ، وهم يقصدون قتله ، وإلحاقه بأبويه !! أو يتبرأ من دين النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاضطر إلى أن يعطيهم ما يريدون ويظهر الرجوع عن الإسلام ، إبقاء على نفسه ، وتقيّة منهم فتركوه ، وانصرفوا عن قتله ، ولكنه سرعان ما ندم على فعله من التظاهر بترك الإسلام وتألّم من ذلك فجاء إلى رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم وهو يبكي ، فقال له النبيّ : كيف تجد قلبك ؟ قال : مطمئن بالايمان قال : ان عادوا فعد ، فنزلت الآية التالية في ايمان عمّار : « إنّما يَفتَري الكَذِب الذينَ لا يُؤمنُونَ بِآياتِ اللّه وَاُوْلئكَ هُم الْكاذِبُونَ مَنْ كَفَرَ بِاللّه منْ بَعْدِ إيمانِه إلاّ مَنْ اُكرهَ وَقَلبهُ مُطْمئنٌ بِالإيمان » (1) (2).
    هذا وروي أنّ أباجهل حينما قصد تعذيب « آل ياسر » وكانوا أضعف من بمكة أمر بسوط ونار ثم سحبوا عماراً وأبويه على الأرض ، فكان يكوي بطرف السيف والخنجر المحمى بالنار المشتعلة ابدانهم ، ويضربهم بالسوط ضرباً شديداً.
    وقد تكرّر هذا العمل القاسي كثيراً حتّى استشهد « ياسر » وزوجته « سُميّة » على أثر ذلك التعذيب المرير ، ولكن دون أن يفتئا حتّى النفس الأخير عن مدح رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم والاشادة بدينه.
    ولقد أثار هذا المنظر المؤلم مشاعر فتيان من قريش فأقدموا ـ رغم عدائهم للإسلام ومشاركتهم لغيرهم من المشركين في بغض الرسول ـ على تخليص « عمار » الجريح المنهك عذاباً من براثن « أبي جهل » ليتمكن من مواراة أبويه الشهيدين.

    3 ـ عَبدُاللّه بن مسعود :
    تشاور المسلمون في ما بينهم في مقرّهم السرّي في من يجهر بالقرآن على مسامع قريش ، في المسجد الحرام لأنها لم تسمع منه شيئاً إذ قالوا : واللّه ما سَمِعَتْ قريشٌ
1 ـ النحل : 105 و 106.
2 ـ الدّر المنثور : ج 4 ، ص 132 عند تفسير الآيتين المذكورتين.


(416)
هذا القرآن يجهر لها قط فمَنْ رَجُلٌ يُسمِعُهُموه ؟
    فأبدى « ابن مسعود » استعدادَه للقيام بهذه العملية الجريئة ، وتلاوة القرآن على مسامع قريش في المسجد الحرام بصوت عال.
    فقالُوا : إنّا نخشاهم عليك ، إنّما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه من القوم إن أرادوه.
    قال : دَعوني فانَ اللّه سيمنعني.
    ثم غدا « ابن مسعود » حتّى أتى المقامَ في وقت الضحى وقريش في انديتها حتّى قام عند المقام ثم قرأ : « بِسم اللّه الرّحمن الرّحيم » رافعاً بها صوته ، « الرّحمان علّم القرآن » وهكذا استمر يقرأ بقية آيات تلك السورة المباركة.
    فارعبت عبارات القرآن الفصيحة القوية قلوب سراة قريش ، ولكي يمنعوا من تأثير هذا النداء الالهيّ العظيم قاموا إليه جميعاً وجعَلوا يضربونه في وجهه ، وجعل هو يقرأ حتّى بلَغَ منها ماشاء اللّه أن يبلغ ثم عادَ إلى اصحابه وقد اُدْمِيَ وجهُه وجسمه ، وهو مسرورٌ لإسْماع قريش كتاب اللّه تعالى وآياته المباركة (1).
    إنَّ الَّذين صَمَدوا في أشد الأيام وأصعبها في مطلع عهد البعثة منَ المسلمين الأوائل لا شك اكثر ممّن ذكرنا اسماءهم إلاّ أننا اكتفينا بهذا القدر رعاية للاختصار.

    4 ـ أبوذر : أوّل المجاهرين بالإسلام
    كان « أبوذر » رابع أو خامس من أسلم (2) ، وعلى هذا فهو من الذين أسلموا في الأيّام الاُولى من بزوغ شمس الإسلام وطلوع فجره ، فإذَنْ هو من السابقين إلى الإسلام.
    وقد صرح القرآنُ الكريمُ بأنّ للذين سبقوا إلى الإيمان برسول اللّه في بدء
1 ـ السيرة النبوية : ج 1 ، ص 314.
2 ـ اُسد الغابة : ج 1 ، ص 301 ، الإصابة : ج 4 ، ص 64 ، الإستيعاب : ج 4 ، ص 62.


(417)
بعثته وبالتالي فإنَ للسابقين عند اللّه تعالى مكانة عظيمة ، ومقاماً لا يضاهى إذ قال تعالى : « السابِقُونَ السابِقُونَ. اُوْلئكَ الْمُقَرَّبُونَ » (1).
    وقال تعالى فيهم أيضاً.
    « والسّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الُمهاجِريْنَ وَالأَنْصار وَالَّذينَ اتَّبَعُوهُمْ بإحْسان رَضيَ اللّه عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّلَهُمْ جَنّات تَجْري تَحْتهَا الأَنْهار خالِديْنَ فِيْها أبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظيمُ » (2).
    وقال تعالى كذلك في من آمن قبل فتح مكة وفضلهِم ، ومكانتهم المعنوية المتفوقة على مَن أسلم بعدَ إعتزاز الإسلام ، واشتداد أمره ، وقيام دَوْلته يعني أنّهم ليسوا سواء.
    « لا يَسْتوي مِنْكُمْ مِنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ اُوْلئكَ أَعْظمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذيْنَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتلُوا ... » (3).
    أجل هذه هي مكانة السابقين في الاسلام وكان « ابوذر » منهم.
    هذا مضافاً إلى أنَّه يُعَدُّ أول من نادى بالإسلام على رؤوس الأشهاد وفي الملأ من قريش.
    فيومَ اسلم « أبوذر » كان رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم يدعو الناس إلى الإسلام سرّاً ، ولم تهيّأ بعدُ ظروفُ الجَهْر بالدعوة إلى هذا الدّين ، فانَّ أتباع الإسلام والمؤمنين به لم يتجاوز عددُهم في ذلك اليوم عددّ الأصابع هم : النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم وخمسة ممن آمنُوا به ، وقبلوا دعوته ، ومع ملاحظة هذه الإعتبارات والظروف لم يكن بدّ حسب الظاهر ـ من أن يُخفي « أبوذر » إسلامَه ، ويعودَ إلى قبيلته من دون أن يعرف به أحدٌ في مكة.
    ولكنَّ روحَ « أبي ذر » الطافحة بالإيمان والحماس أبت ذلك ، وكأنه قد خُلِقَ لينهض في كل زمان ومكان ضدّ الظلم والطغيان ، ويرفع عقيدته في وجه
1 ـ الواقعة : 10 ـ 11.
2 ـ التوبة : 100.
3 ـ الحديد : 10.


(418)
الباطل وأهله ، ويكافح الانحراف والاعوجاج أيّاً كان مصدرُه ، وصاحبه. وأيُّ باطل اكبر من أن يُطأطِئ الناسُ أمامَ أصنام مصنوعة من الحجر ، ويخضعوا أمام أوثان منحوتة من الخشب لا تضرُّ ولا تنفع ، ولا تعطي ولا تمنع ، ويسجدوا لها ويتخذوها آلهة دون اللّه الخالق الكبير المتعال ؟؟
    إنّه ليس في وسع « أبي ذر » أن يتحمَّل هذا المشهد البغيض المقرف !!
    من هنا قال لرسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن مكث في مكة قليلا و قرأ شيئاً من القرآن : يا نبيّ اللّه ما تأمرني ؟
    قال : ترجعُ إلى قومك حتّى يبلُغك أمري.
    فقال له : والّذي نفسي بيده لا أرجع حتّى أصرخ بالإسلام في المسجد.
    قال : اني اخاف عليك أن تقتل.
    قال : لابد منه وإن قُتِلتُ.
    ثم دخل المسجد فنادى بأعلى صوته : أشهد أن لا اله إلاّ اللّه ، وأنَّ محمَّداً عبدهُ ورسوله (1).
    إن التاريخ الإسلامي يشهد بأن هذا النداء كان أول نداء تحدّى جبروت قريش وشركها ، وقد اطلقته حنجرة رجل غريب لا حامي له في مكة ولا نصير ، ولا قوم ولا قريب.
    وقد وقع ما توقّعه رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم فما أن دوى صوت ابي ذر في المسجد حتّى قام إليه رجال قريش ، وهجموا عليه من كل جانب وضربوه بشدة حتّى صرع فأتاه العباس بن عبد المطلب فأكبّ عليه في محاولة لانقاذه من الموت ـ بطريقة لطيفة ـ وقال : قتلتم الرجل يا معشر قريش ! انتم تجار وطريقكم على غفار ، فتريدون ان يقطع الطريق ، فامسكوا عنه.
    ونجحت محاولة « العباس » الانقاذية ، وكفّت قريش عن ابي ذر.
1 ـ حلية الأولياء : ج 1 ، ص 158 و 159 ، الطبقات الكبرى : ج 4 ، ص 225 ، الاستيعاب : ج 4 ، ص 63 ، الاصابة : ج 4 ، ص 64 ، الدّرجات الرفيعة : ص 228.

(419)
    ولكن أباذر الشاب الشجاع ، والطافح بالحيوية والحماس عاد اليوم الثاني فصنع مثل ما صنعه في اليوم الاول فضربوه حتّى صرع ، فأكب عليه العباس ، وقال لهم مثل ما قال في أول مرة فأمسكوا عنه.
    ولا شك في انه لو لم يكن العباس لما نجى أبوذر من مخالف المشركين في اغلب الظن ، ولكن أباذر لم يكن بذلك الرجل الّذي يتراجع عن هدفه بسرعة ، ولهذا بدأ جهاده من جديد.
    ففي يوم رأى امرأة تطوف بالبيت ، وتدعو ساف و نائلة ( وهما صنمان لقريش ) وتسألهما ان يقضيا لها حاجاتها ، فانزعج أبوذر من جهل تلك المرأة ، ولكي يفهمها بانها تدعو صنمين لا يضران ولا ينفعان بل ولا يشعران قال : أنكحي أحدهما الاُخر. فغضبت المرأة لقول أبي ذر في الصنمين ، وتعلقت به وقالت : انت صابئ ، فجاء فتية من قريش فضربوه وجاء ناس من بني بكر فانقذوه منهم (1).

    قبيلةُ غِفار تعتنق الإسلام :
    لقد أدرك رسول الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم قابليات تلميذه وناصره الجديد ، وصلابته الخارقة في مكافحة الباطل ، ولكن حيث ان الوقت لم يكن يحنْ بعد للدخول في مواجهة ساخنة مع المشركين لهذا أمره رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم بان يلحق بقومه ، ويدعوهم إلى الإسلام ، قائلا له : « إلحق بقومك فاذا بلغك ظهوري فأتني ».
    فعاد ابوذر إلى قومه ، وأخذ يدعوهم إلى الإسلام ويكلمهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويدعوهم إلى نبذ الاصنام وعبادة اللّه الواحد ، والتخلق بالاخلاق الرغيبة.
    فاسلم أبواه ، أولا ، ثم اسلم نصف رجال قبيلته « غفار » ثم اختار البقية الإسلام بعد هجرة النبي إلى المدينة ، ثم تبعتها قبيلة « أسلم » حيث وفدوا على
1 ـ الطبقات الكبرى : ج 4 ، ص 223.

(420)
رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم واعتنقوا الإسلام.
    ثم التحق ابوذر بعد معركة بدر واُحد برسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة وأقام فيها (1).
    وربما كان إيذاء المشركين للمسلمين المؤمنين برسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم يتخذ طابع التهديد والترهيب وممارسة الضغط النفسي والاقتصادي والاجتماعي.
    فقد كان ابو جهل إذا سمع بالرجل قد اسلم له شرف ومنعة أنّبه وأخزاه ، وقال له : تركتَ دين أبيك وهو خير منك ، لنُسَفِّهَنَّ حلمَك ، ولنفيلنَّ رأيك ، ولنضعنَّ شرفك.
    وإن كان تاجراً قال له : لنكسدنّ تجارتك ، ولنهلكنّ مالك.
    وإن كان ضعيفاً ضربَهُ ، وأغرى به (2).
    وروي أيضاً أن « خبّاب بن الارت » صاحب رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم كان قيناً بمكة يعمل السيوف وكان قد باع من « العاص بن وائل » سيوفاً صنعها له حتّى كان له عليه مال ، فجاءه يتقاضاه ، فقال يا خَبّاب : أليس يزعم « محمَّد » صاحبكم هذا الّذي أنت على دينه أن في الجنة ما ابتغى أهلُها من ذهب وفضة أوثياب أوخدم ، قال خبّاب : بلى ، قال : فأنظِرني إلى يوم القيامة يا خبّاب حتّى أرجعَ إلى تلك الدار ، فأقضيك هنالك حقَك فواللّه لا تكونُ وصاحبك يا خبّاب اشرَّ عند اللّه مني !! (3).

    أعداء النبي الألدّاء :
    إن للتعرف على أعداء رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم وخصومه الالدّاء ، ومواقفهم دوراً هاماً في تحليل جملة من حوادث التاريخ الإسلامي الّتي وقعت
1 ـ الطبقات الكبرى : ج 4 ، ص 221 و 222 و 226 ، الدرجات الرفيعة : ص 225 و 226 و ص 229 و 230.
2 ـ السيرة النبوية : ج 1 ، ص 320.
3 ـ السيرة النبوية : ج 1 ، ص 357.
سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم ـ الجزء الأوّل ::: فهرس