تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ::: 16 ـ 30
(16)
    الزامية التعليم والتربية :
    وعلى هذا الاساس يمكننا الادعاء : ان للتربية والتعليم طابعا الزاميا في الاسلام بل هما أمران واجبان. وتشير الروايات الاسلامية في مجال التربية الى ان من حق الابن على الاب أن يحسن اختيار اسمه ، ويحسن تربيته ، ويعلمه القراءة والكتابة والقران.
    ونحن نعلم ان مسألة حق الابن عندما تطرح على الاب ، وهذا ما يشعر بالالزام ، ووجوب اداء الدين. فعدم رعاية هذا الدين تعني العقوق من قبل الوالدين ، فالاحاديث الشريفة تقول انه كما يعق الابناء ، كذلك يعق الاباء. ووردت في الشرع الاسلامي روايات كثيرة تحث بل وتأمر بطلب العلم وتعلم كل ما هو ضروري ، وهناك حديث مروي عن المعصوم (ع) انه قال : « لو ددت ان أصحابي ضربت رؤوسهم بالسياط حتى يتفقهوا » وكل هذا يدل على الوجوب والالزام في أمر التربية.

    الاهداف العامة للتربية :
    ينبغي من كلمة الاهداف هي النقاط العامة التي ينبغي الوصول اليها.
    ويتلخص واجب المربي في الاخذ بيد الطفل حيثما هو كائن وايصاله الى حيث النقطة التي نطمح اليها. وتتباين هذه الاهداف حسب تباين زوايا النظر ، فالنظرة الاسلامية ترى ان هدف التعليم انقاذ الفرد من الجهل ، وهدف التربية توعيته وخلق روح الرفعة لديه لغرض سوقه نحو التكامل ،


(17)
وايصاله الى مقام العبودية ، اي ان يصبح عبدا صالحا.
    هدف التربية انقاذ البشرية من الظلمات ، والربط بين الابعاد المادية والمعنوية وبين الدنيا والاخرة وايصال الانسان الى الكمال اللامتناهي ، وتهدف التربية من جانب اخر الى اعداد الانسان الى العيش والاستثمار التام والصحيح لجميع النعم الموجودة في هذا العالم ، والاستعداد اللازم للاستمرار الحياة في العالم الاخر. ان بناء الفرد وتوجيهه الوجهة الصحيحة للحياة يتطلب توفير مستلزمات المجاهدة ، لاجل تطبيق قانون الحق ، وتوجيه سفينة الحياة في هذا البحر المتلاطم وايصالها الى ساحة السعادة. وعلينا ان نجعل منه انسانا قادرا على تحمل المسؤوليات الفردية والجماعية ، وحثه على اداء واجباته ، وخلق الثقة فيه بنفسه ، وجعله يدرك الامور ويشعر بها و ... الخ.
    أما بشأن اعداده لمواصلة الحياة في العالم الاخر ، فالغرض منه الوصول الى روح الحق الحاكمة على الكون ، وعليه ان يدرك في مسيره هذا بأنه « كل امرئ بما كسب رهين » « وان ليس للانسان الا ما سعى » (1) ، وانه مسؤول عما اكتسب اختيارا ، وان التكليف الذي يفرض عليه منوط بمدى قدرته و ... الخ.
    وعليه ان يدرك ايضا ما هو سر الحياة ، ليفكر ويتأمل في مسائل هذه الدنيا ، وليعلم ان خلق السموات والارض لم يكن عبثا بل كان لحكمة ، وان
1 ـ ( 39 النجم )

(18)
في خلق هذه الظواهر « لايات لاولي الالباب » (1). ولا شك ان بلوغ الاهداف يستلزم تهذيب الغرائز وتوعية القلوب ، والالتفات الى أهمية القيم الحقة و ... الخ.

    تقسيم الاهداف :
    يمكن تقسيم الاهداف التربوية من جهة .. الى اربعة أقسام وهي : الاهداف التي تخص ذات الانسان ، والاهداف المتعلقة بخالقه ، والاهداف المتعلقة بالناس ، والاهداف المتعلقة بالكون بالمعنى العام للكلمة.
    1 ـ فالهدف الخاص بالانسان ، غرضه معرفة النفس وبناؤها وفق للمعايير الدينية ، وبالشكل الذي يضمن تحركها صوب الكمال والنضوج.
    2 ـ اما الهدف من معرفة الخالق ، فهو العبودية له ، والاستقامة لاجل تكامل الانسان.
    3 ـ أما فيما يخص الهدف التربوي من العلاقة مع الناس فهو لغرض اقامة العلاقة السليمة والبناءة معهم ، بحيث تنبثق عنها حركة عامة لغرض المسير نحو الهدف.
    4 ـ أما العلاقة بالكون ، فالهدف منها ايجاد نوع صحيح من التعامل مع الكائنات الموجودة فيه من حيوان ونبات والاستفادة منها في طريق تكامله. ومن جهة اخرى يمكن تقسيم الاهداف على النحو التالي : ـ
1 ـ آل عمران 190.

(19)
    1 ـ الاهداف الدينية ، والغرض منها الانشداد الى الله تعالى والمعاد والانبياء والملائكة والكتب السماوية ، والايمان بها جميعا.
    2 ـ الاهداف الاخلاقية التي تسعى لبناء الانسان استنادا الى التعاليم الدينية ، واحياء فطرته ، وتعويده على الفداء والتضحية والتقوى والعفة والاخلاص والوفاء.
    3 ـ الاهداف السياسية التي تستند الى الحريات المشروطة في اطار الظوابط القانونية وايجاد التابع او المتبوع الصالح.
    4 ـ الاهداف الاقتصادية ، ومهمتها التأكيد على الانتاج السليم والمشروع والتوزيع العادل ، واستثمار الظروف المتاحة ، واجتناب الاسراف والترف.
    5 ـ الاهداف الاجتماعية : لقد اكد القرآن على ضرورة اقامة علاقات صحيحة بين الناس مبنية على أسس التعاون والمودة والتكامل ، والاغراض الاجتماعية السامية.
    6 ـ الاهداف الثقافية : وتركز على التعليم والتعلم ، وأحياء السنن الاصيلة وأبرازها وتؤكد أيضا على الفن الذي يخلق الوعي لدى الامة ، والادب الهادف البناء.

    الفردية ام الجماعية في الاهداف :
    لايستند المذهب التربوي في الاسلام على أصالة الفرد ، ولا على أصالة المجتمع ، بل يستند على اصالة الفرد الممزوجة بالمجتمع ، فهو يؤكد من جهة على أصالة الفرد انطلاقا من الايمان بأن « كل امرئ بما كسب


(20)
رهين » (1) ، وان أحد لا يحتمل وزر غيره ، ولا يعاقب أحد نيابة عن سواه. فالانسان مسؤول عن ذاته وهو على نفسه بصير. ويؤكد من جهة أخرى على أصالة المجتمع انطلاقا من النظرة الاسلامية التي تؤكد ان أفضلية الامة رهينة بخدمة الناس.
    فالناس مكلفون بالتعاون على البر والتقوى ومأمورون بالتعاون مع أبناء دينهم الذين يعتبرهم الاسلام بمثابة الاخوة ، ومأمورون أيضا بالعدل والاحسان الى أتباع الاديان الاخرى ، اذ يعتبرون نظراء لهم في الخلق. ففي الوقت الذي تبدو فيه أغلب التشريعات الاسلامية فردية ، فهي ذات طابع أجتماعي ، كالصلاة والصيام ، والحج ، والجهاد ، وصلة الرحم ، والاحسان الى الجار ، والاخوة ، والنصح والارشاد ، ... وأمثال ذلك ، ويجب ان تؤكد التربية على هذه الجوانب.

    قائد أم تابع ؟
    والكلام هو : هل ان التربية تخلق القائد أم المقود ؟ والجواب هو : أن التعاليم الاسلامية تؤكد على ان الناس كلهم منقادون للاحكام الالهية ، وللسبل التي اختطها الانبياء ، ولكن يتحمل كل شخص فيه من المسؤولية بما يتناسب ومقدرته ، فهذا يعمل معلما ، وذلك قائدا ، والثالث خبازا ، الى اخر ذلك من المهام والوظائف. فالجميع تابع لحكم الله تعالى ، ولا أفضلية لاحد على الاخر.
1 ـ الطور : 21.

(21)
    ولا أحد فوق القانون ، ولايمكن أن يدعي لنفسه في القانون أكثر ، من الاخرين. فالحكم لله وحده ، والقانون صادر عنه وحده لاعن سواه ، والكل منقاد له ، فواحد يؤدي دور الحاكم ، والاخر دوم المحكوم ، وهذه من المزايا الفردية للتربية الاسلامية.

    لليوم أم للغد ؟
    والبحث هو : هل أننا نربي الفرد لهذا اليوم أم للغد ؟ وهل نركز في موضوع التربية على الحاضر أم على المستقبل ؟ فكما نعلم ان الكثير من الانظمة تسعى لفرض كثير من المصاعب الشاقة على الطفل ، ليتنعم في المستقبل بنعم الحياة. وقد يتبادر هذا السؤال الى ذهن كل متأمل ، وهو : اذا لم يصل الفرد الى المرحلة المطلوبة من النفع ، ارق الدنيا ، فما هو موقفنا أزاءه في مثل هذه الحالة ؟ وانطلاقا من هذه الرؤية فاننا نعتقد أن السنوات التي تمر على الطفل والصبي تعتبر جزءا من عمره ، وينبغي له التمتع بها في حدود الضرورة والامكان. ومعنى ذلك : كما ان التمتع بالحياة ضروري ، فان اعداده الجيد ضروري ايضا ، وبعبارة أخرى ان لا نأخذ اليوم بنظر الاعتبار فقط ونتجاهل الغد ، أو على العكس أن نهتم بمستقبل الطفل ونهمل حاضره.


(22)
    اتجاه التربية وأبعادها :
    للتربية اتجاه واضح وهو الكمال ، ولها أبعاد تشمل كل جوانب الحياة ، ويجب أن يوجد أتصال بين أبعادها لوجودية ؛ لاننا نهدف في التربية الاسلامية الى أقرار نوع من العلاقة بين الفكر والمادة ، والعقل والمشاعر ، والدين والدنيا ، واللذة والالم ، والظاهر والباطن ، والمادية و المعنوية. فلا يتنامى جسم الانسان وعقله باق يراوح في مكانه ولا يتضخم ظاهره ويضل عقله صغيرا تافها.
    فالتربية يجب أن يمتد ظلها ليطي كل أبعاد الانسان ، فينمو العقل بنفس النسبة التي تتنامى فيها المشاعر ، وكما يكبر البدن ترتقي معه الروح ايضا. والمهم أن يتغذى العقل بمعرفة الله تعالى ، لكي لا ينحرف عن الخير والصلاح ، ولا يقع في مهاوي الشر ، وان لا ينفصل العلم والايمان عن بعضهما ، لان أنفصالهما ينطوي على مخاطر جمة.
    لا انفصال في التربية الاسلامية بين الجسم والروح ، فلايمكن التحدث عن الحياة المادية بمعزل عن النفس ، ولايمكن أقامة أي وزن لهذه الدنيا فيما لو فصل عن للاخرة ، ولا قيمة للاخرة من غير وجود الدنيا.

    على طريق بلوغ هذه الاهداف :
    من الضروري ان يكون هنالك تعادل وتوازن في تربية جميع تلك الجوانب لاجل بلوغ تلك الاهداف ، فيجب تدريب العقل على الدليل


(23)
والبرهان في نفس الوقت الذي يربى في الجسم بالطعام ، وتدربه على الرياضة. وكذلك جوانب الحياة الاخرى ينبغي أن تحظى بنفس الاهتمام والرعاية. فالتفكير يقودنا الى التوغل في اسرار الوجود وكشفها ـ ويمكن تربية بقية القوى بشكل متعادل عن طريق التأمل في عالم الخلق وفي حياة الكائنات الحية ، وفي ارتفاع السماء ، واستواء الارض.
     عندما يترعرع الطفل ويكبر تتسع لديه الجوانب المعنوية بالتدريج ، ويبدأ التفكير في موضوع الخالق ، ونحثه بين سن 6 ـ 7 سنوات على الصلاة ونعلمه الركوع والسجود ، وعند نهاية السنة السابعة من عمره نعلمه غسل الوجه واليدين تمهيدا لتعليمه الوضوء ، وأخيرا نعمل على تنظيم كل الحياة المادية والاجتماعية بشكل يتيح لنا ان نطرح من خلالها الحياة المعنوية.

    محتوى التربية :
    القضية التي يجب ان تبحث هنا ، ماهية المواضيع التي يفترض بنا تعليمها للطفل في سبيل تربيته بالشكل الصحيح ، وما نوع المواضيع التي يجب علينا تدريسها اياه ؟ ويستنتج من دراسة الفكر الاسلامي وجوب تعليم الطفل مجموعة من الامور التي تنفعه في الكبر ، وهي في نفس الوقت تدعونا للتأمل في الابعاد والجوانب التالية : ـ
    1 ـ اهتمام الاسلام بالاهداف التربوية ، ووجوب معرفة ماذا يجب تعليمه للطفل.
    2 ـ ان الاسلام يحث على طلب العلم في اي مكان ، وعلى يد اي كان ، ومن المهد الى اللحد.


(24)
    3 ـ ان الاهتمام بتربية الجيل الجديد لا يقتصر بالضرورة على نفس الاساس الذي وفقه الوالدان.
    4 ـ الاستعداد للدفاع عن النفس والمجتمع ، وكذلك عن الدين ، وبأفضل وجه ممكن.
    5 ـ يؤكد الدين على ضرورة استثمار نعم الحياة المتاحة امام الانسان ، وكل ما هو متوفر في عالم الوجود.
    6 ـ الارتباط مع الخالق من باب الحمد والثناء والعبودية ، له وبهدف بلوغ مرحلة الكمال.
    7 ـ الاطلاع والمعرفة بالتعليمات والضوابط اللازمة لاستمرار الحياة الفردية والجماعية ؛ وعلى هذا فان محتوى التربية يشمل جميع المسائل والمجالات التي نحتاجها في حياتنا اليومية ، ولا تناقض في هذا المحتوى مع رؤية للجوانب المختلفة. فالطبيعة ـ وهي كتاب الله الواسع ـ لاتتعارض مع كتابه المنزل ، ولا مع سنته ، ولا تنطق بما يتناقض معه. ولا يلاحظ اي تنافر مع الهدف ، أو الاتجاه المؤدي اليه ، وبرامجه يكمل أحدها الاخر طوليا لا عرضيا.

    أسلوب التربية :
    نقصد من الاسلوب مجموعة المساعي والوسائل والادوات التي تساعدنا على الوصول الى الهدف ، وتعجل من سرعة عملنا. ويتناول هذا الموضوع بحث النقاط التالية : ـ
    1 ـ أسلوب التعليم الذي يقوم على اساس : الايحاء والتلقين ، والمشاهدة


(25)
والدراسة ، والتفكر والتعقل والتدبر ، والتجربة والتكرار ، ويستفاد في كل ذلك من الوسائل والاجهزة السمعية والبصرية.
    2 ـ أسلوب التربية ، ويشمل جانبي بناء النفس وأعادة صياغتها من جديد.
    ويجب ان يراعى في تربية الطفل بناؤها على الضوابط المدروسة من بداية الحياة حتى نهايتها.
    يفترض في اعادة بناء الشخصية ان الطفل قد سلك طريقا تربويا خاطئا ، وان الضرورة تفرض الان هدم بنائه السابق واعادة صياغته من جديد.
    3 ـ الفنون والادوات المستخدمة في التربية تؤدي الى تسهيل أمر التربيـة من جهة ، وتشكل من جهة اخرى نوعا من السيطرة والضمان التنفيذي للبرنامج التربوي.

    الفنون والادوات التربوية :
    يمكن الاشارة هنا الى كثير من الفنون ، ويتمثل أهمها فيما يلي : ـ
    1 ـ الايحاء من قبل شخص الى شخص آخر.
    2 ـ طرح القدوة المثل الذي ينشده الاسلام.
    3 ـ التلقين ، وهو في الحقيقة تذكير من والى الذات.
    4 ـ التفكير والتعقل والتدبر في الامور.
    5 ـ المشاهدة العينية ، والتجربة ، والابصار والسمع ، واللمس ، والتذوق ، والشم ، والاستدلال ، وسرد القصص ، والتشجيع ، والاستحسان ، والتقدير ، واللوم ، والتنبيه ، والتهديد ، والسير في آفاق النفس ، والبرهان ، والمنطق ، فيستخدم بعض هذه الفنون في الجانب التعليمي ، وبعضها في الجانب


(26)
التربوي ، ويستخدم القسم الاخر منها في كلا الجانبين وبما يتناسب مع واقع الحال.
    ولا يفوتنا ذكر بعض الجوانب الاخرى المفيدة في هذا السياق من قبيل المعاشرة والصداقة ، والامر والنهي ، والانتباه الى ظواهر الامور وفوائد ذلك والعادة و النصحية ، والانذار والتنبيه ، وما شابه ذلك.

    مبادئ تربوية :
    هنالك مجموعة مبادئ يجب تطبيقها في تربية الطفل ، وأهمها : ـ
    1 ـ مبدأ المحبة ، وعلى أساسه يقوم العطف والحنان.
    2 ـ مبدأ التشجيع : يخلق لدى الافراد دوافع السعي والحركة.
    3 ـ مبدأ القيد الذاتي ، حيث لاينبغي ان يرى الطفل نفسه حرا في ممارسة أي فعل من غير أن يأبه لاي شيء.
    4 ـ مبدأ الاعتدال الذي ، يلزم الانسان تجنب التطرف والتفريط.
    5 ـ مبدأ الحرية ، بشرط ان تكون مقيدة وغير متحللة.
    6 ـ مبدأ تهذيب البيئة الاجتماعية : لان ما يراه الفرد وما يسمعه في البيئة الاجتماعية له آثاره الفاعلة في نفسه.
    ولكي تأخذ تربية الجيل دورها المطلوب والمؤثر ، يصبح من الضروري ضبط ومراقبة القصص ، والتمثيليات ، والفنون ، والاداب ، والمسرح والامثال المتداولة في المجتمع. وأن نهتم أيضا بتعديل الغرائز ونحول دوم تضخيمها او التقليل من شأنها ؛ فلغريزة الطعام والجنس والغرائز الاخرى أيضا ـ كحب الذات ـ مكانتها ، ولكن يجب ان تكون في وضع معقول.


(27)
    المسير بين قطبين :
    يفترض في التربية أن تجعل الانسان يشعر وكانه سائر بين قطبين الافراط والتفريط ، والسلب والايجاب ، والخوف والرجاء ، والمادة والمعنى ، ولايعني الاعتدال سوى هذه الحالة. ولو ألقينا نظرة على الاسلوب التربوي في القرآن لادركنا وجود نفس الحالة التي ذكرناها. فنجد آيات العذاب والعقاب في جانب ، وآيات الثواب في جانب اخر. ونلاحظ أنه يشعر الانسان بالعجز والقنوط من جهة ، ويحذره من اليأس من جهة أخرى. ويطرح مسألة النعيم في كفة ومسألة الجحيم في الكفة الاخرى ، ويتحدث في مكان عن سقاة الشراب في الجنة وفي موضع آخر عن مالك خازن النار. ويشير في جانب الى وجود « سلام عليكم طبتم » (1) وفي جانب آخر الى « لا مرحبا بكم » (1).
    هذه المسالة مهمة ، ويجب أن توضع موضع الاهتمام عند تطبيق تلك الاساليب.
    فمثلا يجب أن توخذ بنظر الاعتبار في العقوبة والتشجيع ، وعند ملاطفة الطفل ومداعبته ، وفي حالة مراقبته وضبط حركاته وتصرفاته ، وحين منامه وطعامه ، وفي جميع أموره الاخرى.
1 ـ الزمر 73.
2 ـ ص 60.


(28)
    على طريق تطبيق تلك الاساليب :
    ان تطبيق هذه الاساليب لاجل بناء كيان الطفل يستلزم مراعاة هذه النقطة : وهي على الوالدين والمربين كسب المعلومات الكافية في هذا الميدان ، واختيار الاهداف والاسلوب الواضح في التربية ، بحيث يتعود الطفل على معرفة الموقف الذي يتخذه في مقابل أساليبهم وتصرفاتهم.
    ومن جهة آخرى يجب توفير مستلزمات التسلية ، أو الوسائل التي ينشغل بها الطفل من الصباح حتى المساء ، وملء أوقات فراغه بشكل مفيد ؛ لان الفراغ يولد لديه الضجر ويحمل بين طياته الكثير من المخاطر.
    ومن جهة ثالثة يجب أن تكون تسليته وأنشغاله من النوع الذي يمهد له السبيل لمواصلة العمل ، ويعده لحياته المستقبلية ، من أمثال الالعاب ، وسرد القصص ، وذكر الله والمطالعة ، والتفكير ، والعلاقات الاجتماعية البناءة ، وتبادل الزيارات ، والهوايات ، والاهتمامات الاخرى ، و الترفيه ، والانشغال بالاعمال المنزلية ، واللعب بالادوات والوسائل التي تقوي في الفرد روح البناء والابتكار ، وتعينه على بلوغ هذه الاهداف.

    التربية والتباين :
    لا يختلف اثنان في أن الناس متباينون مع بعضهم في جوانب شتى ، وأن أفضل النظم التربوية هو ذلك النظام الذي يأخذ كل ذلك التباين بنظر الاعتبار. لقد أدركنا من خلال التجربة والعمل أن درجة تعلم الناس لا


(29)
تقاس بميزان واحد ، ولباهم يتقدمون بنفس الدرجة ، اذن فالقابليات والاستعدادت يجب أن تؤخذ بنظر الاعتبار ، وأنطلاقا من هذه الرؤية ، اذن فالتربية ذات طابع فردي وهذا هو نفس التباين الذي يفرض علينا القول بأن هنالك اختلافا بين تعليم البنين وتعليم البنات في نظام التربية الاسلامية. وهذا الاختلاف يرتكز على الجانب الظاهري ، وينظر الى المهام التي سيتكفل بها كل منهما في المستقبل.
    لا تداخل في نظام الحياة الاسلامية بين واجبات الرجل وواجبات المرأة الا في نطاق محدود ، فالرجال يجري أعدادهم للعمل والجهد وكسب العيش وتمشية عجلة الاقتصاد ، والنساء لتربية الجيل الشجاع والمقتدر من النساء والرجال ، والرجل مكلف بأدارة حياة المرآة من أجل الوصول الى الهدف المذكور ، وعلى التربية عدم اغفال هذه الجوانب.
    ان العالم المتباين للرجل والمرأة في مسائل البلوغ والحمل والولادة وتغذية الطفل وتربيته ، وفي الفرائض الدينية يستجلب تلقائيا مثل هذا التفاوت في أمر التربية.
    وبشكل عام يجب أن يكون الوضع بحيث لا يشعر أي منهما بالحرمان ، و أن يتلقى كل منهما من التربية ما يتلائم مع جنسه وسنه.

    تربية المعلم :
    للمعلم في نظام التربية الاسلامية مكانة وأحترام خاص ، بشرط ان يكون حائزا على الشروط والمواصفات المطلوبة في هذا الحقل. يستشف من البرنامج التربوي الاسلامي امكانية أخذ العلم عن أي شخص ، ولكن بشرط


(30)
ان يكون الانسان في مرحلة من الرشد والنضوج ، أو تحت رقابة وظروف تحول دون وقوعه تحت التأثيرات السلبية.
    يمتاز الاطفال عادة بالرغبة العميقة في تقليد الاخرين ، وبحساسية شديدة في تقبل التلقين والايحاء ، وتمثيل دور البطولة والتأثر بالرموز النافذة اجتماعيا ، وهذه الخصائص تستوجب القول : ان معلم الاطفال يجب ان يتحلى بالصفات اللائقة بهذه المهنة ، ويجب التركيز بالخصوص على الجانب الاخلاقي والبناء الاخلاقي. فالمعلمون يسلكون طريق وعمل الانبياء ، ولهذا يجب ان تتوفر فيهم بعض من صفاتهم وخصائصهم ، وأن يكون نمط حياتهم ، وأسلوب أقوالهم وأفعالهم ، قائما على المعايير والقيم الجوهرية ، وهذا يستوجب العمل على مستويين ؛ الاول : هو صقل حياتهم الفردية وكل ما يتعلق بحياتهم الخاصة ، والثاني : هو تهذيب الجانب الاجتماعي من سلوكهم بحيث يكونون نموذجا يقتدي بهم الاطفال.

    من خصائص التربية :
    من الضروري لنا هنا التحدث عن خصائص النظام التربوي في الاسلام ، ونشير في ما يلي باختصار الى عدد منها :
    1 ـ ان النظام التربوي في الاسلام لا يختص بفئة ، أو فرقة ، أو بقعة دون سواها ، بل هو مشاع لجميع البشر ، وفي مختلف أرجاء المعمورة.
    2 ـ ان فترة التربية تمتد منذ الولادة وحتى الممات ، وهذا الامتداد المتواصل هدفه أفادة الانسان من نعم الحياة في عالم الدنيا ، وليكتسب بها الوسائل والمؤهلات التي تعينه على مواصلتها في عالم الاخرة.
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ::: فهرس