تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ::: 61 ـ 75
(61)
    المقدمة
    لن يكون بوسع الانظمة المادية أن تاتي بالخير والرفاه للبشرية مهما بلغت من التطور والتقدم ، الا اذا تحولت الى اداة لضبط الافراد في المسار الذي هم عليه حاليا. قد تتحقق بعض أسباب الرفاه في ظل التطور المادي ، الا ان بقائها واستمرارها ، والاهم من ذلك الاستفادة منها ، لا تتحقق الا في ظل القيم المعنوية.
    ولهذا فنحن نعتبر التربية التي لاتقوم على اسس دينية امرا خطيرا. ووجود المدارس والجامعات غير المبنية على قواعد دينية والطلبة المتخرجين منها وبالا على المجتمع ، واذا فقدت التربية عنصر الدين فقدت قوامها ، بل كان فقدانه سببا لانحلال التربية تلقائيا. ان ما نراه من فساد وتناحر وحروب واستغلال في المجتمعات المسماة بالمتحضرة ليس مصدرها تدني المستوى العلمي ، وهبوط مستوى الرفاه هناك ، بل ترجع جذوره الى ضعف القدرة على التحكم والسيطرة ، وانعدام دواعي الانضباط التي تعينها على السيطرة على نفسها.


(62)
    الطفل وحاجته الى الدين
    ان حاجة الطفل الى الدين اشد بكثير من حاجته الى الطعام ، لا سيما وضعه الذي يستدعي وجود عنصر يحميه ويدافع عنه عوامل الفوضى والاضطراب. والدين مفيد للطفل من حيث انه يهذب اخلاقه ، وينزهه عن الخيانة والمشاكسة والتمرد ، ويلجم طباعه الشرسة ، ويجعله يلتزم بالسير في أطار الضوابط المرعية.
    فما أكثر الاشخاص الذين يرتكبون الجرائم. ولو كان الرادع الديني عندهم قويا لحال دون ارتكاب مثل هذه الجرائم ، فبامكان الدين كبح الدوافع غير المشروعة وتوفير فرص النجاح أمام الاطفال والفتيان للتحرك نحو حياة روحية أفضل.
    قد يكون التعليم الديني قليل الجدوى للطفل حاليا ، الا انه ضروري جدا لغده ، لانه يطور أفكاره ويدفعه الى حب النظام ، ويرتقي بمنطقه ، ويعينه على حل مسائله اليومية ، ويزوده بالوعي اللازم في الحياة.
    أطفالنا بحاجة الى الايمان الذي تدار شؤون حياتهم في ظله ، ويكون لهم الثقة الكاملة بأنفسهم ويجلب لهم السكينة النفسية والاسئناس بالتعاليم الالهية السامية ، ويوصلهم بالتالي الى الصلاح والفلاح. فكلما كبر الطفل ازداد شعوره بهذه الحاجة ، وخاصة في سنوات المراهقة حيث يعيش الانسان في أجواء من الاضطراب المتأني من شعوره بأنعدام العدالة في المجتمع.


(63)
    الارضية الدينية عند الاطفال
    تتوفر في الطفل الارضية الكافية لقبول الدين ، لان فطرته تدعوه الى ذلك ، وهذه الفطرة تكون قوية في نفس الطفل الى درجة يمكن القول معها ان الطفل لايمتلك أي مفهوم عن الدين سوى ما اودع في فطرته ، وهو الذي يدفعه الى الرفعة والتسامي. فالابعاد الفطرية في نفس الطفل تسوقه نحو تلقي الامور الحياتية وفهمها ، والى حب الحقائق الدينية ، والى مجانبة القبيح من الامور والتمسك بخيرها كما ينبغي له.
    نواجه من الطفل وهو في سن الرابعة تصرفات ناتجة عن حبه للاستطلاع ، وميله الى أدراك اسرار الطبيعة ، والعثور على الطريق المؤدية الى الله.
    تتعمق لدى الطفل في حوالي السنة الخامسة رغبة شديدة في معرفة الله ، وأغلب اسئلته تصب في السياق التالي : كيف يكون الله ، وعلى أية هيئة ؟ لماذا لانراه ؟ و ... الخ.
    وعندما يقارب السادسة من العمر ينصب تفكيره على اكتشاف مصادر القوة ، فحينما يرى أن اباه يشكل مصدر قوة هائلة في البيت ، يتصور انه لابد من وجود قوة خارقة في هذه السماء الا وهي الله. ان الاطفال في سن 4 ـ 5 ـ 6 أعوام مشغوفون بقدرة الله ، ومتعجبون من مخلوقاته.


(64)
    الرغبات الدينية عند الاطفال
    لدى الاطفال رغبات تحثهم على البحث والعثور على الخالق هذا ، من يكون ؟ وعلى أية صورة ؟ تحدوهم رغبة جامحة في الدنو منه واكتناه سره ، وان يأخذوا عنه معتقداتهم ومثلهم التي تخص جانبي الحقيقة والاخلاق ، فهو قوة أعلى تغنيهم عن الاب والام ، فيظلون مشغولين بهذه الافكار لمدة طويلة من الزمن.
    ثم يظهر عند الاطفال في سن الثامنة شغف يدفعهم نحو التكامل النفسي والكشف عن بعض الجوانب الخفية في ابعادهم الوجودية. فيتركز سعيهم على اقامة نوع من الارتباط الوثيق والابدي بينهم وبين الله ، ويتجسد هذا السعي في اسمى صورة في سن الثانية عشرة ، ويتخذ طابع الحب الجارف لله ، وحتى انهم يظهرون في هذا السن اخلاصا في العبادة. اما هدف الجهد المبذول في هذا السياق فهو اكتشاف هويتهم والتفكير في طريقة لتخليد انفسهم ، وتوفير حياة كريمة لانفسهم.

    بداية التربية الدينية
    تبدأ التربية أساسا من وجهة النظر الاسلامية من المهد ، وتتبلور في أحضان العائلة. أما اسسها ومقدماتها فتتوغل الى المرحلة التكوينية للجنين وحتى الى ما قبل تلك المرحلة ، ولكن صيغتها الرسمية تبدأ منذ لحظة الولادة حين يؤذن ويقام في اذن الوليد الجديد.


(65)
    وفي المرحلة اللاحقة يفرض علينا في كل سنة وفي كل شهر واجب جديد ازاء الطفل يتدرج سنه ، ونحن نقوم أيضا بتأدية ما علينا على أعتبار كوننا مربين.
    ولا شك ان استعمال أي نمط من أنماط القوة والضغط مرفوض ، وحتى السلوك الديني للطفل لايتجاوز صيغة اللعب والتسلية ، ولا كلام لنا في هذا المورد ، وانما تتمثل مهمتنا في برمجة الفرائض الدينية بالشكل الذي لا يثقل كاهل الطفل ، ولا يرهقه قبل الاوان.
    ويفترض بنا أن نسعى أيضا طوال فترة التربية في السنوات السبع الاولى من حياة الطفل الى عرض المصاديق والمثل المفيدة للطفل تربويا ، وأن يكون نمط التربية بشكل لا تستدعي الضرورة اصلاحه واعادة النظر فيه ، لان الكثير من الانحرافات الدينية للاشخاص منبثقة عن هذا الخلل.
    يصل الوله بالدين الى ذروته في العاشرة لدى الفتيات ، وفي سن الثانية عشر عند الفتيان ، وفي هذه السنوات فقط يمكن الحديث عن موضوع الايمان بالدين ، اذ حيث يتنامى الحس الديني خلال هذه السنوات شيئا فشيئا حتى يبلغ أوجه عند مرحلة البلوغ.

    مبادئ في التربية الدينية
    قبل الحديث عن أغراض ومحتويات وفنون وأساليب التربية الدينية للاطفال تقتضي الضرورة أولا الاشارة الى ثلاثة مبادئ مهمة تستوجب الاهتمام بالتربية الدينية وهي كما يلي :
    1 ـ مبدأ الوعي والمعرفة : لاندعي بأن الطفل قادر على ادراك جميع


(66)
المسائل المتعلقة بالدين أو انه يدرك ما نقول. الا ان هناك نقطة ينبغي أخذها بالحسبان ، الا وهي وجوب ضخ المعلومات اليه بما يتناسب مع قدرته على الاستيعاب والفهم ، والا نتهاون في أمره على أساس كونه صغير السن ومازال أمامه متسع كبير من الوقت ليصبح متدينا.
    2 ـ مبدأ المشاعر والاحاسيس : ينبغي ان يتعرف الطفل بشكل أو آخر على النشاطات الاجتماعية ، وما يجري خلالها من أعمال وشعائر ، فيشارك في المراسيم ، والادعية الجماعية ، والاناشيد والمراثي ، والعبادات الجماعية مثل صلاة الجمعة والجماعة ، ليرى بالتدرج ، الدموع والاهات ، والانفعالات والافراح ، مما يؤدي الى اثارة عواطفه ومشاعره الدينية ، وكذلك لا يخلو ذكر القصص الدينية من الفائدة ضمن هذا السياق.
    3 ـ السلوك والعمل : للسلوك والعمل سواء عند المربي أم عند الطفل دور لايمكن تجاهله ، وذلك لشدة تأثيره وتفوقه على تأثير المنطق والقول. فالقلوب تنجذب الى الحقيقة بواسطة العمل ، وبه تبرز وتتميز العادات الدينية ، وتتبلور في الفرد رغبته في الطاعة والعبادة. وهذا هو النمط الذي كان يقتفيه الرسول (ص) في التعليم حيث كان يقول لاصحابه « اعملوا كما تروني اعمل ! »

    منهاج التربية الدينية
    تعترض مسار التربية الدينية للاطفال مجموعة من المعوقات والمصاعب التي يقتضي الحال تذليلها وايضاح الغامض منها ، ليكون المربي على بينة من امره ومستدلا على السبيل المطلوب ، وعلى الاهداف المبتغاة في نهاية


(67)
هذا المسير ، وما هي المواضيع المستهدف تعليمها للطفل ؟ وما هي الاساليب المفترض استخدامها ، وبأية وسيلة وفن ؟ وكيفية الرقابة والسيطرة ؟ نشير في ما يلي الى كل واحدة من هذه النقاط مع مراعاة الاختصار :

    أ ـ الاهداف والمقاصد :
    يتلخص الهدف العام في تنشئة الطفل نشأة دينية ليكون معتقدا بتعاليم الدين ومطبقا لها. والغرض من ذلك ان يعتبر طفلنا الاسلام عقيدة صالحة ومذهبا بناء للحياة ، وان يتقبل مبادئه وتعاليمه على اساس كونها افكار حركية أصيلة ، وان يطبع حياته الحالية المستقبلية بطابع الفلسفة التي يقرها الدين ، وان يسعى لايجاد البيئة والاجواء الاجتماعية التي يرى الدين صحتها وصلاحها ، وهي البيئة النظيفة الخالية من اية شائبة والبعيدة عن المؤثرات التربوية السافلة.
    ومن تلك الاهداف ايضا ان يكون مطيعا لربه وخاضعا لتعاليمه ، و منقادا لاوامره ، وان يتوكل عليه في كل الظروف والاحوال. وعليه ايضا معرفة ربه ؛ فهذه المعرفة تدفعه نحو التحرك والسير على الصراط الموصوف بالاستقامة والذي ينتهي بلقاء الله. وعليه ايضا ان يعتبر نفسه مسؤولا في حياته الحالية والمستقبلية ولايكون في معترك الحياة كالريشة التي تتداولها الرياح من صوب الى صوب ، لخفتها وخلوها من اي محتوى.


(68)
    ب ـ المحتوى والمضمون :
    يمتاز محتوى ومضمون تربية كهذه باستيعاب كل ابعاد الحياة سواء في جانب المواقع ام في مثل الحياة ، ويمكن الاشارة الى تلك الموارد مبوبة بالشكل التالي :

    أولا في الاصول الاعتقادية :
    يدور بحث الكثير من مواضيعنا الدينية حول الاصول الاعتقادية ، ونطلق عليها اسم الاصول ، لانها القواعد التي تقوم عليها جميع افعالنا وأقوالنا وتصرفاتنا الدينية. ويمكن تبيين هذه القواعد للاطفال دون السابعة من العمر على شكل قصص او سيرة حياة شخصية.
    كما يمكن تلقينها باسلوب استدلالي الى حد ما لمن تجاوز الثامنة او التاسعة من عمره ويعتبر تعليم الاصول الاعتقادية من انواع التعليم الاساسي وله دور مصيري في حياة الاشخاص.
    أما المواضيع التي يتوجب دراستها في هذا الحقل فهي كثيرة ، الا انها اهمها يتلخص في :
    1 ـ الايمان بالله والتوحيد :
    يختص هذا الحديث عن معرفة الله ، وعظمته وجلاله ، وجماله ، وكذلك بالحديث عن علاقة الله بالانسان من جهة ، وعلاقة الانسان بالله من جهة اخرى. ففي الجانب الاول ينصب الحديث عن مسألة خلق الوجود وتيسير


(69)
نظام هذا الكون وما فيه من الظواهر بالاضافة الى رازقية الله وحاكميته في عين علمه وقدرته وارادته ، اما الجانب الثاني فيتناول الخشوع والخضوع لله ، والاستعانة به والتضرع اليه ومعرفة الواجبات في سبيله ، وتنظيم برامج الحياة وفقا لاوامره واحكامه ، وان لايكون هنالك اي حب او عداء الا على اساس ارادته وتعليمه.
    يفترض ان يكون مبدأ التوحيد ركنا لاتقوم عليه عقيدة الانسان لوحدها فحسب بل يقوم عليه جميع شؤون حياة الانسان ايضا. ولايفوتنا طبعا ان يجري تعريف الله بالشكل الذي يحبه الطفل. فهو ـ اي الطفل ـ لايستهويه الاله الموصوف بقسوته وغلظته وشدة عقوبته ، فما زال امامه متسع من الوقت لمعرفة السبب الذي من أجله يعاقب بعض الناس ، وينذر الله بعض الناس بأليم عقابه وغضبه.
    لاينبغي ان تتضمن المواضيع التي يتلقاها الطفل في معرفة الله اية اسرار وخفايا. فهو لايفقه الخفايا والاسرار ، وامثال هذه الالغاز اللفظية تطعن مشاعره الدينية. فلا يستلزم الامر اعادة ما لايفهمه الطفل على مسامعه ، اذ ان من اليسير عليه معرفة الجنة والتشويق اليها عن طريق اللذات الحسية لكن ادراك مفهوم رضوان من الله اكبر لا يزال مبكرا بالنسبة له.
    2 ـ في تعريفه بأولياء الله :
    من الاصول الاساسية في العقيدة دراسة ومعرفة الانبياء ، وولاة الدين والقادة الربانيين. ومن الضرورة تلقين الصغار منذ نعوما اظافرهم المعلومات الكافية عن الانبياء ودورهم في الحياة ، ويجب ان يكون ذلك


(70)
باسلوب سلس مفهوم ، متضمنا سرد قصة حياة نبينا (ص) وبيانا لاهمية القران في حياة الانسان ، وبشكل يخلق لديه شعورا بنوع من التعلق به.
    ثم نتحدث لهم ايضا في هذا الجانب عن الائمة المعصومين ودورهم ومواقفهم ، وخلاصة عن حياتهم وبالخصوص في ايام ولاداتهم ووفياتهم. ويمكن كذلك القاء الخطب والكلمات التي تنشر الوعي بأمثال هذه المواضيع خلال المجالس الخاصة التي تعقد لهذا الغرض. ويتحقق اشباع النفوس بحب ولاة الدين من خلال التحدث عن صفاتهم الحميدة وامتداحها ، وهو ما يثير عواطف الطفل ويشده اليهم نفسيا. وعلينا أيضا ان نحدثه عن الملائكة وانبياء وعظمتهم. لعل بعض الاطفال يتصور ان بمقدوره رفض الانبياء أو الاولياء الاخرين وعدم الاعتراف بهم ، او التجاسر على بعضهم كعزرائيل ! الا ان هذا التصور يتعارض وعقيدتنا ، وعلى الابوين والمربين الالتفات الى مثل هذه القضية والسعي لتوعية أطفالنا بشانها.
    3 ـ في موضوع الموت والمعاد :
    لاتشكل قضية الموت مفهوما ذا معنى بالنسبة للاطفال حتى سن 3 ـ 4 سنوات الا اذا رآى مثل هذا الموقف بعينيه ، أو كان يتمتع بنسبة عالية من الذكاء. ان موضوع المعاد لايدخل ضمن ادراكات الطفل ايضا ولا يفهم عن اي مدلول لديه.
    في حدود السنة الخامسة من عمره يبدأ الطفل بالانصات او قل بالانتباه الى ما تسردون له من قصص بشأن الموت ثم الحياة بعده ، ومسألة الجنة


(71)
والنار. وتصبح اشباه هذه الامور أوضح عند من تجاوز السابعة من عمره ، وفي سن العاشرة يفهمها تماما ، ويستطيع من بعد سن الثانية عشر عاما ان يثبتها شخصيا بالادلة.
    ولهذا ينبغي تكريس جزء مهم من التربية الدينية لموضوع المبدأ والمعاد وما يتعلق بالموت والحياة. ومن الافضل ان لا تتناول أحاديثنا مسائل النار والعذاب وكيفيته ، اذا كانت موجهة للاطفال تقل اعمارهم عن ثمان سنوات لانها تثير فزعهم. كما ويمكن ان نشرح لمن تجاوز السنة الثامنة من العمر ، موضوع الموت وكانه انتقال من عالم الى آخر ، وتفصيل ما يراد من هذا السياق من معلومات.

    ثانيا : في فروع الدين وتعاليمه :
    اما القسم الاخر من التعليم الديني فهو ما يتعلق بفروع الدين وتعاليمه التفصيلية. ان الامر يتطلب هنا طرح المواضيع بنحو اوسع مما هو متداول على الالسن ، كانه يشرح للطفل مثلا عن الحدود والحقوق التي يقول بها الدين ، وموقفه ازاء جميع الامور الحياتية ، فيما يلي نشير الى قسم من تلك التعاليم :
    
    1 ـ في العبادات :
    يختص قسم من التعليم بالعبادات والفرائض كالصلاة والصوم والحج والجهاد والخمس والزكاة ، والخ ـ التي يتعلم الطفل بعضا منه عمليا والبعض الاخر يتعلمه نظريا. وينبغي في موضوع الصلاة تعويد الطفل عليها وهو ما بين 2 ـ 3 سنوات من العمر ، كأن يقف الى جانب امه او أبيه ويصلي ولو من باب اللعب والتسلية.


(72)
    نقل عن الامام الصادق (ع) انه قال بشأن الصيام « اننا نوقظ أبناءنا الى تناول طعام السحور في سن السادسة و ... وحين يبلغ السابعة من عمره نشجعه على تحمل الجوع والعطش لعدة ساعات ، كأن يصوم هذا اليوم من الصباح وحتى الظهر ، ثم يصوم اليوم التالي من الظهر وحتى الغروب. »
    أما مواضيع الحج والجهاد فتطرح في الغالب على شكل معلومات نظرية ، او سيرة شخصية حينما تتوفر الارضية المساعدة. ويجب ان تبذل المساعي في جميع الاحوال الحث الطفل على معرفة أمثال هذه الحقائق والقضايا ليعتاد عليها نفسيا.
    2 ـ في الاحكام والتعاليم :
    يتضمن الاسلام تعاليم تحدد الصورة التي ينبغي أن يكون عليها قول الانسان او فعله ، وعلى الطفل ان يفهمها عمليا. فيتوجب عليه مراعاة المظاهر الدينية والتحلي بالاداب الاسلامية بحيث يكون فعله كفعلكم مرتبطا بالله ؛ كان يدعوا الله مثلا ، ويحمده ، ويشكره بعد تناول الطعام ، ويجعل الله نصب عينيه في كل أعماله ، ويتعلم الامانة ويلقن بمصاديقها ، ويتواضع للقرآن تأدبا ، ويعرف جزاء الكذب والخيانة ، وان عاقبة البغي وخيمة ، والتخريب فعل مذموم ، وان تجاوز حقوق الاخرين خصلة سيئة. وعلى الطفل ان يتعلم واجباته تجاه الاب والام والاقارب والاصدقاء والزملاء ، ولينظر الى والديه والقائمين على امره نظرة تكريم واحترام ، ولا ينسى صلة رحمه ، وان يتعامل مع الاخرين بتفاهم ومحبة.
    يجب على الوالدين ان يعلماه منذ الصغر ويعوداه على الدعاء الاخرين ايضا حينما يدعوا لنفسه بالخير والسعادة ، وان يكون في قلبه حب الخير للاخرين ،


(73)
وان كانت هذه الادعية لا تتجاوز الالفاظ والكلمات ، الا ان تأثيرها في نفسه سيتضح اثناء العمل ، فهي تغرس في نفسه حب الاخرين وتجعله مستعدا للتآخي والتآلف مع الاخرين.
    3 ـ في المواقف :
    يتمثل أحد اهداف التربية في تعليم الطفل كيفية اتخاذ المواقف ازاء الجوادث المختلفة العارضة له في مسار الحياة ، وما هو الاسلوب الذي يتخذه في التعامل معها. ما هي المواقف التي تتطلب الشدة والصلابة ، وما هي المواقف التي تستدعي اللين والمرونة ؟ وهل عليه أن يتبع الاهواء أم يتبع الحق؟
    ويفترض بنا ان نعرض الطفل منذ الصغر الى المواقف التي تستهوي القلوب وتسحر الالباب. ونعلمه كيفية الصمود امامها ، وعدم الانهيار امام مغرياتها. وان لا تؤدي له الهواجس والحياء وضعف الشخصية الى الانحراف ، ولايكون فريسة لشهوات الطامعين ، وان يقف بصلابة أزاء كل ما يخرجه عن الحدود المتعارفة. وان يكون ميله الى الاشياء نابعا عن دوافع معقولة ، ونفوره وتصديه لاخرى قائما على اسباب واضحة ومفهومة ايضا ، وان تكون لديه القدرة للدفاع عن معتقداته في حدود تفكيره.
    ان اللاأبالية مرض يصاب به الطفل من الصغر ، وهو ناتج عن توصيات وتأكيدات وعمل الوالدين والمربين الذين يحذرونه دوما ـ حفاظاً على سلامته ـ من الاهتمام بشؤون الاخرين فيقولون له : لاعلاقة لك بالاخرين ، وما هو شأنك والطفل الفلاني اذا تشاجر مع الاخرين ؟ .. فيكون نتيجة ذلك ان تعتاد نفسه على التحسس ازاء الاوضاع التي يعيشها الاخرون ، في


(74)
في حين أن عليه ان يتمرس منذ الصغر على مقارعة الظالم واعانة المظلوم.

    في آداب الحياة الدينية : ـ
    للحياة الدينية آدابها وأصولها التي ينبغي للطفل ان يسعى منذ البداية للانسجام معها والتحلي بها ، من امثال : معرفة قيمة الوقت والالتزام بالعمل ، واتقان الاشغال التي يكلف بها ، ورعاية حدود وحقوق الاخرين ، والاستئناس بالعمل ، والنهوض المبكر من النوم ، والميل الى الاستراحة والنوم بعد صلاة العشاء ، وتقسيم اوقاته في الليل والنهار الى ساعات للعمل ، وساعات للاستراحة ، والتسلية وغيرها من عشرات المسائل الاخرى. وكذلك يجب ان توضح للطفل حدود الخجل والحياء ، وذلك لان بعض الخجل ينطوي على نتائج خطيرة. وان كثير من الاحتياطات المشوبة بالحذر تؤدي فيما بعد الى نتائج مدمرة. وهناك ايضا الكثير من المواضيع الاخرى التي يجب ان تؤخذ بنظر الاعتبار في تربية الطفل مثل : حدود التزيين والتجميل ، وفي نوع الثياب وارتدائها ، وفي المأكل والمنام ، وكيفية مصاحبة الاخرين ، واسلوب مراعاة عواطف المحبة ، وحدود الخدمة والتضحية ، صحة العمل ، وضبط النفس ، وادارة الشؤون الذاتية وصيانة الذات. وهنا تتجلى بوضوح العلاقة بين الدين والاخلاق.

    في فلسفة الحياة :
    وتستلزم التوجيهات التربوية أيضا طرح موضوع فلسفة الحياة والسبب الذي من اجله وجدت الحياة ، والهدف الذي نعيش لاجله ؟ ويمكن للوالدين خلال حياتهما اليومية طرح تفاسير وتعاليل كثيرة عن سر ومفهوم هذه الحياة لاطفالهم من أجل صياغة افكارهم بما ينسجم والمفاهيم الاسلامية.


(75)
    قد تكون نظرة الوالدين للحياة نظرة سلبية ، أو ايجابية. يحتمل انهما ينظران للحياة بمنظار اسود او احمر. فبعضهم يعتبر ما في هذه الدنيا من زينة وأموال مجرد جيفة نتنة ، يبنما يعتبره آخرون وسيلة أو غاية. وقد يكون فهمهم للتوكل ، والصبر ، والزهد ، والتقية ، فهما بناء ، او قد يكون فهما سلبيا هداما. وعلى اية حال سيكون لهذه المناهج التربوية دورها الفاعل في تعليم الدين للاطفال ؛ وان مصير الطفل يتوقف عليها بشكل أو آخر.
    يجب ان ينصب جهد المربين على هذه الاساليب في تعليم الطفل وتعريفه بفلسفة الحياة والغاية منها ليفهمها بالصورة التي يرتضيها الدين ، وان يطرح موضوع الدنيا للطفل وكأنها شيء يستحق الاهتمام به. وهذا ما ينبغي التدرج في طرحه من سن السابعة حيث تشتد رغبته في الحياة ، ويتزايد أهتمامه بالحصول على المعلومات بشأنها.
    وعلى كل حال فلا ننسى ان فلسفة الحياة من وجهة نظر الاسلام سيتعرف عليها الطفل ويؤمن بها من خلال المشاهدة والمعايشة لحياة الوالدين ، والا فان الاراء والاقوال لا تكفي لتكوين وجهة نظر فكرية في هذا الميدان.

    ج ـ في موضوع المناهج :
    نتناول في هذا الموضوع الاساليب والسبل التي يجب نهجها في تربية الطفل ، وصياغة افكاره وشخصيته. فما هي الاجراءات المتخذة في تعليم الاطفال ؟ وما هي السبل المفترضة في تربيتهم ؟ وما هي الادوات والفنون الممكن استثمارها في بنائه ؟ ويمكن ان نتحدث في هذا الصدد عن
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ::: فهرس