تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ::: 46 ـ 60
(46)
مواصلة الصوم حتى وقت تناول طعام الافطار.
    اذا وقع بصره حين الصلاة على بعض الحلويات لا يقطع الصلاة ، بل يحاول الحصول عليها بعد انهاء الصلاة.

    حالات الطفل الدينية :
    قد تستغربون قولنا بأن لاطفالنا أحيانا حالات دينية ، لكن هذا الكلام واقعي وصحيح. قد يكون اداء هذه الحالات قبل سن الرابعة ذا صبغة تقليدية ، ولكن بعد السنة الرابعة من العمر هذه الحالات طابع الجدية بشكل أو آخر.
    فهو يتمتم حينما يكون مع الاخرين أو حتى بمفرده ببعض الكلمات التي تعلمها مع ما فيها من ابهام أو أخطاء. وفي بعض الحالات يسبغ الوضوء بهدف التهيؤ للصلاة. يقف ميمما وجهه شطر القبلة ، ويصر على الوقوف وقفة صحيحة غير منحرف عن القبلة ، بينما كان في سن الرابعة يقف في مقابل أمه وجها لوجه حينما كانت تقف للصلاة.
    كل مايقوم به الاطفال دون السابعة من ممارسات دينية ، ولا يتعدى انعكاسات عاطفية غايتها نيل رضا الوالدين ، ولكنها من بعد سن السابعة تأخذ وجهة عقلانية ، حتى انه اذا ارتكب خطأ ندم عليه ، او حتى انه يبكي ويذرف الدموع بسبب ذلك.
    انه وليس في سن أو ظرف يسمح لنا بالقول ، بأنه في حالة مناجاة. كل ما نستطيع قوله هو ان الاطفال في سن التاسعة تظهر لديهم أمثال هذه الحالات. ويشعرون بالخجل أمام الله من ذنوبهم ، واذا ادركوا ان عملهم


(47)
كان ذنبا يستوجب العقوبة بالنار ينتابهم القلق والخوف ، ويهرقون الدموع توبة وندما ، ولا شك ان توبة هؤلاء أصدق كثيرا من توبة غيرهم.

    السلوك المعكوس :
    قد يبدو من الطفل احيانا سلوك ديني مقلوب بسبب قلة أدراكه ، وعدم معرفته بأبعاد المفاهيم الدينية ، فقد يقدم على سرقة شيء من مكان ما ويعطيه لشخص فقير لكي يستحق بذلك الجنة !! وقد يتصرف في بعض المواقف بسلوكين متناقضين ، كأن يتشاجر مع أبيه وأمه ويسيء لهما بالقول ، وبعد دقائق يدعو لهما من الله بالمغفرة ويتوسل اليه بأن يدخلهما الجنة.
    ولا يرى الاطفال ضيرا في الكذب بغية انقاذ أنفسهم من عقوبة الوالدين والمعلم ، ثم يتوبون من بعد ساعة وهم متأكدون ان غفران ذنبهم مضمون عند الله. وهذه الحالة تحصل حينما يرى نفسه غير مستحق للعقوبة ، اضافة الى تصوره بأن الله واسع المغفرة.
    ان السلوك الديني المعكوس الذي يبديه الاطفال ناتج في حقيقته عن المعلومات والتصورات الخاطئة التي يتلقونها ، وكذلك عن التعليم الذي يركز على جانب واحد من موضوع ما ويهمل سائر جوانبه الاخرى. ولهذا السبب فاننا نرى ضرورة أن نشرح للطفل بعض المسائل البسيطة ، مع التركيز على جميع جوانبها وأبعادها. فأذا جرى الحديث عن مساعدة الفقير يجب تفهيم الطفل هذه النقطة أيضا وهي وجوب مساعدته من مالنا الخاص ، لا من المال المأخوذ من الناس ، أو عن طريق السرقة.


(48)
    مشاعراللذة الدينية عند الاطفال :
    الدين يشبع روح الطفل وفطرته السليمة. والمفاهيم الاصيلة في الدين هي تلك التي تأنسها فطرة الطفل ، فحينما يسمع بضرورة أن يكون الانسان نزيها وأمينا يرتاح الى مثل هذه السجايا من أعماق قلبه. وحين يقال له ان لهذا الكون ربا ، وهو الذي أوجد جميع هذه الكائنات ، يقر بهذه الحقيقة ولا يستثقلها.
    لايشعر الطفل بقساوة السلوك الديني ، أو ثقل الفرائض الدينية ، بل يشعر في أدائها بنوع من الاشباع والارتياح. فاذا صلى يشعر وكانه أدى واجبا ، وأذا صام يعتقد أن ذلك العمل كان ضروريا بالنسبة له ، فلا يشعر بالانزعاج والنفور مما افترضه عليه الدين من تعب وجوع وعطش. يرغب في سماع القصص عن الله و الجنة ، وفضائل الاولياء. ويحب ان يكلم الله ، وان يقيم معه نوعا من العلاقة وأن يبلغ الجنة بأسرع ما يمكن ويعيش في ضلالها الورافة. وحينما تمتزج من امثال هذه التخيلات الصبيانية في ذهنه ، تترك عليه آثارا كبيرة.
    لايمكن وصف مشاعر البهجة والارتياح التي تغمر الطفل حين مشاهدته أحد الوالدين وهو في حالة العبادة. لقد بقي الامام الحسن المجتبى (ع) يتحدث لسنوات طويلة عن عبادة ودعاء أمة في المحراب حينما كان طفلا ويرى هذه المشاهد. وصفوة كلامنا هو ان الطفل لا يلتذ بعبادته فقط ، بل ويلتذ أيضا لمشاهدة عبادة الاخرين.


(49)
    وتجدر الاشارة الى انه يهدف الى جانب نيل اللذة الروحية والمعنوية ، تحقيق غرض آخر وهو رغبته في معرفة نتيجة عبادته في نفس الساعة. وأقل ما يمكن أن يتحقق له من نتيجة عبادته هو رضا الوالدين عنه وتشجيعهم اياه ، أو الاهتمام به أكثر في مجال توفير الطعام والثياب ، وبقية مستلزمات الحياة.

    الطفل والمحافل الدينية :
    يرغب الاطفال بالمشاركة في المحافل الدينية والتغلغل بين الناس ؛ لكي يشاهدوا عن كثب الكيفية التي يتصرف فيها بعض الناس في مجال الشؤون الدينية ، فمن الامور المسلية لهم هي الاناشيد الجماعية ، والاشعار والادعية ، والمراثي الجماعية ، وصلاة الجماعة وما شابهها. ومن الامور الاخرى التي يرتاح لها الطفل ، النقاشات الثنائية ، والاحاديث ، والمجالس وأقامة الشعائر ، ولا سيما اذا تخللها الشاي والحلويات والاطعمة. لو انتبهنا الى الاطفال في أمثال هذه المراسيم والاجتماعات لرأيناهم طافحين بالبشر والسعادة. ولو نظرنا اليهم أثناء اقامة شعائر العزاء والمسيرات لشعرنا بمدى شوقهم وسعادتهم ، وكيف يتعلق بأحد والديه ليصحبه الى أمثال هذه المشاهد.
    لا شك ان مثل هذه المواقف تعتبر ذات أهمية بالنسبة للطفل ، ولكن بشرط أن تحتوي أولا : على بعض المضامين التي يعرفها الطفل ، ويدرك ماهيتها.
    وثانيا : أن لا يصاب بالارهاق ويتعرض للتعب والاذى ، بحيث ينتهي به


(50)
الامر الى الضجر والملل. وثالثا : أن يحصل من بعد انتهاء تلك المراسيم على بعض اللذات المادية كالطعام أو الشربت ، أو اللذات المعنوية كالتشجيع والاستحسان.

    ضرورة التربية للاطفال :
    تربية الاطفال أمر ضروري وواجب مؤكد ، وهذه الضرورة يمكن النظر اليها من زاويتين ، أحداهما فردية ، والاخرى اجتماعية. فأما من الوجهة الفردية يمكن القول ، ان الدين هو أساس وجوهر جميع جوانب الحياة الفردية وآفاقها ، وهو السبب المباشر في تقدم الشخص أو انحطاطه. فما أكثر الاطفال الذين انحطوا دينيا وعقائديا بسبب اهمال أولياء الامور ، بينما يغدو الكثير منهم في المستقبل القريب أشخاصا نافعين لانفسهم ولمجتمعهم.
    تعتبرالتربية الدينية بمثابة صمام الامان للاخلاق ، والاطار الذي يضبط مسار الحياة الفردية والاجتماعية ويوجهها نحو النضوج المعنوي ، والاهداف الكريمة. اذ بميسور الدين أن يقوي الوازع الاخلاقي عند الطفل ، ويمهد الارضية لتوسيع دائرة معلوماته ، وفي ظله تمزق حجب الشك ، ويصل الانسان من خلاله الى مراحل متقدمة من النضوج ، لايتيسر له في ظل الاستدلال العقلي.
    فلو ان التربية الدينية شيدت على اساس فكري صحيح ، لكانت عاملا مساعدا في الازدهار والتقدم ، وسببا لانقاذ الفرد من السقوط ، وحافزا مشجعا للطفل على تحمل المشاق ، ودافعا لتهذيب سلوكه تدريجيا من


(51)
الرذائل. و لتزيل ما علق بشخصية من الشوائب ولا سيما الاضطرابات والهواجس التي عرضت له ايام المراهقة والشباب ، فيتحقق له بالنتيجة الاستقرار النفسي المطلوب.
    وأما من الوجهة الاجتماعية : فالدين عامل أنس والفة ، يأمر الناس بالتعاطف والتواد والتراحم وتمتين العلاقات ، ويحدد للاطفال منذ البداية ضوابط وقيود تجعلهم ينظرون الى الاخرين بعين العاطفة الانسانية.
    يمثل الدين عامل سيطرة على الفرد بكبح جماح عدوانه عن المجتمع ، ويكف أذاه عن الاخرين. ولكي يكون الناس في مأمن يده ولسانه ، وأن لا يغيب الله عن ذهنه في حالة الكراهية والمحبة.
    فأن كنا نعتقد بأن الدين قد وضع التعاليم والاحكام الخاصة بالعائلة ، والاقتصاد والسياسة ، والتربية والتعليم وآداب الحياة ، وهو الذي يقرر منهج الحياة على المستوى المحلي والعالمي ؛ نعلم حينها بأن التربية الدينية للاطفال تحظى بأهمية بالغة ، وأذا علم الابوان بمدى الاضرار والخسائر والانكسارات التي سيلحقها أبناؤهم بأفراد المجتمع ؛ لشعروا بالخجل من أنفسهم ومن المجتمع أزاء كل هذا الاهمال وعدم المبالاة بمصير أبنائهم ، ولبذلوا جهودهم من أجل أن يتحلى أبناؤهم بطابع الدين وروحه.

    استعدادهم للتلقي :
    من حسن الحظ أن الارضية مهيأة ؛ عند الاطفال لتقبل التربية والتعليم الديني ، ونحن نعتقد أن نسبة الاستعداد للتلقي الديني عند الاطفال أكثر منها عند غيرهم ، ومرد ذلك هو سلامة فطرتهم التي لم يمسها التلوث ،


(52)
وأمكانية الاستعداد الذهني للمواضيع الدينية و التربوية والاخلاقية عندهم أكثر مما عند غيرهم.
    نحن نعتقد أن للدين صبغة الهية ، ولدينا قرائن كثيرة تشير الى أنه أمر فطري مغروس في أعماق كل أنسان. وان رغبة الطفل في التقصي والبحث عن علل وأسرار الحوادث والظواهر تمثل وسيلة فاعلة تحفز ذهنه على التفكير وهي مؤشر على أستعداده لتلقي وقبول فكرة الاله ، وهذا يتيح للمربي أستثمار هذه الارضية الخصبة التي يمتاز بها قلب الطفل ، ليضيئه بنور الايمان.
    وفي السنوات السبع الثانية من عمره ، وخاصة في سن العاشرة يبدأ الطفل بالشعور بأنه بحاجة الى السعادة المطلقة ، وهو طبعا لا يعلم ما هي ، ثم يسعى لنيلها وفي حالة مزيجة من التطلع والتردد. ويركن أيضا الى الله في سبيل أستمداد العون المعنوي والدعم الديني. أن هذه الحاجة والسعي لاشباعها لها تأثير فاعل في خلق الاطمئنان والسكينة اللازمة لحياته.

    العوامل المؤثرة في التربية :
    تتدخل عدة عوامل في التربية للاطفال أهمها : العائلة ، والمدرسة ، والمجتمع ؛ ولكل واحد من هذه العوامل بحوث مهمة. وكل ما يهمنا منها هي تلك الجوانب المتعلقة بصحة التدرج في التعاليم ، ومدى ثبات ومتانة الفكر ، وطريقة عرضه بأسلوب جذاب.
    فقد يكون نفس التعليم الذي يتلقاه الافراد من المربين سببا لقبول الدين بشكل أفضل أو على العكس ؛ تركه والنفور منه. فالناس الكبار يعيشون في


(53)
ظروف تجعلهم خاضعين لتأثيرات المواقف التي مرت عليهم في الماضي من أمثال طباع وسلوك المربين والرموز النافذة في المجتمع ، اضافة الى شعورهم بالتعلق بالدين وتعاليمه في تطوير وانضاج شخصيتهم في سلوكهم الديني عامة ، فجميع الممارسات الدينية التي يؤديها الاطفال اليوم تؤثر على مسار حياتهم اللاحقة. وسلوك الوالدين والمربين معهم حاليا له دور أساسي في بلورة اتجاهات حياتهم في المستقبل. وأنطلاقا من هذه الرؤية ينبغي الالتزام الحذر والوعي في تربيتهم الدينية.

    واجبات العائلة :
    يتوقف تأثير التعاليم والانماط الدينية في الطفل على عوامل النفوذ الاخرى في العائلة كالاب والام والاخوة الاكبر سنا ، فالطفل يأخذ بما يسمع ويرى ، خطأ كان أم صواب ، وبناء على هذا يصبح دور العائلة عظيم التأثير في صياغة كيان أطفالها.
    ترى النظرة العلمية ان التزام العائلة بالدين ، واستعدادها لتطبيقه في حياتها ، يحتمل ان يقضي الى زيادة استعداد الطفل للتمسك به أيضا. وعلى الرغم من كل الاستعدادات الفطرية التي تطبع شخصية الطفل ، فلا تفوتنا الاشارة الى أهمية سلوك عائلته ، فان كانت مجافية للتدين وبعيدة عن الالتزام ، فلا نتوقع للطفل حالا أفضل من هذا.
    وضع الطفل يستوجب الرعاية عادة. ودور الوالدين كدور البستاني الحريص الذي يتعهد النبتة بالاهتمام والرعاية باذلا سعيه لصيانتها من الافات. ويلقي رسول الله (ص) اللوم للوالدين اللذان لا يهتمان بوضع


(54)
طفلهما ، ولا يعلمانه الدين ، ولايسعيان له في توفير الاجواء السليمة التي يسودها الدين وأحكامه. ولو ان الوالدين والمربين وجهوا الجانب الديني عند الطفل وجهته الصحيحة ، وركزوا على غرس بذور محبة الله في اعماق الطفل أنما في نفسه ـ كما نعتقد ـ شوق لانظير له وتعلق شديد بالدين.

    واجبات المدرسة :
    المدرسة هي البيت الثاني للطفل ، ويؤدي الكادر المدرسي دور الاب والام فيها.
    ان السلوك الذي يمارسه المعلم وبقية أفراد المدرسة ، يعتبر درسا وعبرة تنفذ في أعماق الطفل. فما أكثر السلوكيات المنحرفة والتصرفات القبيحة التي تلحظ على الاطفال وهي ناشئة مما تعلموه من المعلم والمدرسة.
    من جملة الانتكاسات التي تعرض في حياة الطفل ، وهي عدم قيام العائلة بأداء واجبها ازاءه اتكالا منها على المدرسة ، وأملا في قيام المدرسة بتربية الاطفال دينيا ، وفي المقابل ، تتصور المدرسة بأن العائلة تؤدي مهمتها في تربية ، ولا ضرورة لجهود المدرسة ؛ ولهذا فأننا نعتقد بوجود التنسيق بين المدرسة والبيت ليكون برنامجها التربوي متسقا طوليا أو عرضيا ، ويتخذ سياقا واحدا في العمل ، حتى لايشعر الطفل بازدواجية المواقف والاراء ، وليقتفي سلوكا متزنا ومنضبطا.
    يمكن للمدرسة ان تستثمر مشاعر الطفل وتنفذ في أعماقه بهذا السبيل ، وفي ميسور المعلم أيضا زرع ما يشاء في قلب الطفل ، شريطة أن يكون هو ذاته رمزا عمليا يقتدى به في ما يدعو اليه. وكذلك من الضروري أن يبادر


(55)
المعلمون لتوعية الاطفال دينيا ، حتى لا يكونوا في المستقبل عرضة لمخاطر الانحراف ، وأن يسعوا للحفاظ جهد الامكان على روحية ونفسية الطفل سليمة ونقية ، ليكون بعيدا عن مهاوي الرذيلة.

    قواعد مفيدة في التربية :
    هنالك الكثير من القواعد المستخدمة في تربية الاطفال دينيا ، ويمكن تطبيق كل واحد منها على نحو ما ؛ نشير الى ما يلي الى بعض منها :
    1 ـ قاعدة الحنان : ان السلوكية الفضة في تربية الاطفال مرفوضة من الوجهة الاسلامية. الا ان هنالك موارد خاصة واستثنائية سنشير اليها لاحقا تتيح لنا معاملتهم بأسلوب آخر. اجتذبوا الطفل بالمحبة ، واكبحوا جماح تمرده باللين والمداراة.
    امتدحوا اي عمل ديني جيد يصدر عنه ، فهذا من دواعي مواصلة السلوك الايجابي لديه. والطفل ممكن أرضاؤه بسهولة ، وينقاد بالمرونة ، ويسلم قياده باللين. فبعض التعابير المستخدمة في وصف ديننا تشير الى انه ليس سوى الحب والمحبة. فلا تصروا على جلبه الى الطريق بالانفعال والغضب والقسوة ، لانه لا ينفي بالغرض المطلوب بتاتا.
    2 ـ الاستفادة من اللذائذ : اجعلوا الطفل يحمل ذكريات طيبة عن الدين ، فان كنا نحن صياما فلا نهمل امره. ومما يؤسف له ان بعض الاباء والامهات يرغمون الطفل على الجوع حين يصومون ولا يأبهون لطعامه ، أو انهم لا يهتمون لترتيب امر طعامه بالشكل المطلوب ، وهذا ما يخلف في نفسه اثارا سيئة عن الصوم ، وعن شهر رمضان. طيبوا فاه بالحلوى أثناء المجالس


(56)
الدينية ، وقدموا له شيئا من طيب الطعام ، ولاتكون المجالس كلها لطما وبكاء ، ودموعا وعزاء فينفر منها الطفل. فالامر يستوجب غرس الرغبة في نفسه لكي ياتي معكم ثانية ، ويتناول الشاي والحلوى ، ويسمع بصفه كلمات ليتعلم بعضا منها. وعلى كل حال يجب أن تتصرفوا بالشكل الذي لايجعله يشعر وكأن الدين يثير في نفسه الحزن والاسى ، ويبعث فيه الكراهية والنفور.
    3 ـ الحث والتشجيع : قد يبادر الطفل في بعض المواقف الى أداء ركعتين من صلاة غير منتظمة في أحد أركان الدار ، ثم يأتيكم قائلا ـ ولعله من باب الرياء ، أو لغرض لفت الانظار ـ بأنني قد صليت !! فلاينبغي في مثل هذه الحالة التزام موقف اللامبالاة ، بل يجب تشجيعه ، ولكن ليس بالشكل الذي يستثير فيه خصلة الرياء ويعمقها في نفسه. امتدحوا عمله حتى يتجذر حب مثل هذا العمل في أعماقه.
    لا شك ان التشجيع لا يفترض فيه ان يتجاوز الحد المتعارف ، بحيث يتصور أنه المتفضل عليكم. ولكن في نفس الوقت يجب أن يؤخذ قلب الطفل الصغير بنظر الاعتبار. فالاب والام يمثلان كل دنياه ، وآماله متعلقة بهما ، وثناؤهما عليه يملا قلبه الصغير بالسعادة والانشراح.
    4 ـ اللجوء الى اساليب العقوبة :
    نحن لاننكر ـ في الوقت نفسه ـ ضرورة جلب الطفل الى الطريق في الحالات التي يحاول فيها تجاوز حدوده ، ويصر على تجاهل امركم ونهيكم. ولكن من الافضل ان يتم ارشاده أولا باللين والعطف ، فان بدت


(57)
وكانها لاتجدي نفعا ، يجب عندها اللجوء الى القوة.
    من الافضل أن يكون بناؤكم التربوي لاطفالكم بالشكل الذي يجعله ـ وحتى سن العاشرة ـ يتحرك ذاتيا في شؤونه الدينية من غير حاجة لامركم ونهيكم ؛ كأن يؤدي الصلاة طوعا وان كانت الصلاة في مثل هذه السن غير واجبة على الفتيان. وان بدر منه اي تقصير ، يمكن معاقبته من بعد ابدأء الارشاد والموعظة. ان ممارسة الضغوط على الطفل قبل سن الثامنة قد تؤدي الى امتعاضه من الدين وايذاء نفسه ، بل وقد تنتهي به في بعض الاحوال الى نتائج عكسية ، ولا اشكال في استخدام أساليب الضغط من بعد هذا العمر ، ولكن بشكل مدروس ، وفي الظرف المناسب.


(58)
    ملاحظات مهمة :
    وأخيرا فبما اننا نتحدث من مقام الوالدين والمعلمين ونحن المسؤلون عن حسن أو سوء أخلاق الطفل وسلوكه الديني ، فلا شك أن الواجب والتكليف يوجب علينا بذل قصارى جهدنا في هذا السبيل. فعلينا اتباع جميع الاساليب المتاحة لصيانة الطفل وتوديعه دينيا. وتنمية بذرة الفطرة فيه. ويستمر هذا التكليف حتى سن 21 عاما ، واذا لم نفلح في تحقيق النتائج المتوخاة فلا تثريب علينا.
    ويفترض بنا أيضا الاستفادة من الامداد الرباني في تربية الطفل ، وان نستعين بالله ليسددنا في حفظ هذه الامانة ، وأيصالها الى مرحلة الاثمار. وحتى الائمة المعصومون (ع) لم يروا أنفسهم في غنى عن هذا الامر ، فالامام السجاد (ع) يدعو ربه لاعانته على حسن تربية وتأديب وأصلاح أبنائه.


(59)


(60)
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ::: فهرس