تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ::: 91 ـ 105
(91)
الاكرم (ص) والائمة الاطهار (ع) الذين كانوا كثيرا ما يتوسلون الى الله كي يعينهم على تربية جيل مطيع لله جل شـأنه عابد له ، ونحن مأمورون باتباعهم لا سيما في هذا الباب.


(92)


(93)
    مقدمة
    تقييم الوضع العالمي الراهن

    نعيش اليوم في عالم يغالب عليه طابع الرعب والخوف ، ويغمره الاضطراب والحيرة والشعور بالوحدة والحذر والترقب ، وهو حصيلة لما جنته يد البشر ، وكان الواجب عليه صرفه في سبيل رفاهه وسعادته ، يدل ان يكرسه للدمار والخراب واحراق الاخضر مع اليابس ، وتدمير الحرث والنسل ، والقيام بالاعمال غير النافعة كالرحلات الفضائية.
    يكثر في عالم اليوم المجرمون من الرجال والنساء ، ومرتكبو الجرائم والجنح من الفتيان والاحداث ، ويتزايد فيه عدد المنحرفين من الصبيان والمراهقين ، وهو عالم اضطربت فيه الاركان المقومة للحياة الاسرية ،


(94)
وارتفعت فيه نسبة الطلاق بشكل فاحش.
    ويسود في مجتمع اليوم ، الزيف والخداع والرياء والتزوير ، والانانية والنزعة الذاتية ، والعناد والغرور ، ويكثر فيه الادمان على مختلف انواع المخدرات والمشروبات والرذائل الاخرى ، وتطغي عليه مظاهر القتل والانتحار. أغلب الناس في هذا العالم يغطون في سبات عميق ، وعلى مستوى الشعوب في غفلة وجمود ، ولم ينتج عن الهيمنة والضغوط الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، سوى انتشار الامراض النفسية ، والاضطرابات والقلق ، اضافة الى دفع اعداد كبيرة من الناس نحو العبثية الباطلة.
    يمكن الاشارة هنا الى عامل الثقافة والتربية باعتباره واحدا من عشرات العوامل لهذه الاضطرابات ، والتأكيد على ان كل هذه العوارض والرذائل حصيلة عمل الاجهزة التربوية في العالم.
    لقد سعت الاجهزة التربوية في العالم الى تربية أناس جهلاء يهرعون لتلبية حاجات البدن فقط ، متجاهلين متطلبات الروح. وقد دأبت النظم التربوية على اثارة الغرائز يدل العمل على تقويمها وتهذيبها ، وعملت على اغراق الاهواء النفسية بدل اشباعها بشكل منتظم ومدروس.
    ركزت هذه النظم التربوية على تربية الانسان على بعد واحد ، وهو البعد المادي ، فاصبح الانسان يصب كل جهده على تحقيق مصلحته الشخصية ، ويتهرب من ادنى شعور بآلام الاخرين. فهو لا يفكر بسعادة ورفاه المجتمع ولا يهتم بملء فراغه الروحي.


(95)
    ولا شك ان الجميع مقصرون ومسؤلون عن هذا الوضع الذي تتخبط فيه الانسانية اليوم. واول المقصرين هم الوالدان لافتقادهم لبرنامج صحيح لتربية أبنائهم ، وحتى ان بعضهم طرح عن نفسه وزر المسؤولية ، وجعل البشرية تواجه معضلات جديدة حين قصر مسؤوليته على توفير الطعام واللباس والسكن للطفل ، ولم يعتبر نفسه مسؤولا عن تهذيب غرائزه ، وتوجيهه بالتربية الفكرية والروحية الصحيحة وللاسف ان أولئك الذين لديهم الثروة الكافية أوكلوا أمر تربية اطفالهم الى الخادمات والحاضنات ، وغفلوا ان تربية الطفل تحترق لها قلوب الوالدين ، بينما لايمس ذلك من الخادمة شيئا سوى حجرها ، وان طفلهم لايساوي عندهم حتى قيمة الاثاث أو المنضدة أو السجاد الموجود في البيت ، لكي يمسحوا بأيديهم على رأسه مرة واحدة كل يوم على اقل تقدير.
    والمقصرون في الدرجة الثانية هم المعلمون والمربون ، لانهم لم يوفوا ـ بشكل جيد ـ حق الامانة التي وضعت بأيديهم. فلم يهذبوا أفكارهم كما ينبغي ، ولم يجعلوا من ادمغتهم مخازن لنفيس الجواهر الاخلاقية والنفسية والادبية وأنفقوا كل جهودهم على تعليمهم لا تربيتهم.
    ومسؤولو المجتمع مقصرون ايضا ازاء هذه الاوضاع المضطربة التي يعاني منها مجتمعهم ، لانهم اخذوا بنظر الاعتبار بعدا واحدا للانسان في برامجهم وخططهم وهو البعد المادي ، ولم يضعوا في حساباتهم مطلقا التخطيط لاشباع حاجاته الفكرية وارواء روحه المتعطشة لمعرفة الحقائق.
    وعلى كل حال ، اذا كانت هناك نية لاجتثاث هذه الاوضاع القلقة فهي ، لا


(96)
تتم عن طريق تكثيف الرحلات الفضائية ، ولا عن طريق زيادة الاختراعات ، او توفير المزيد من وسائل الرفاه ، ورفع المستوى الاقتصادي ومضاعفة دخل الفرد ، بل يتم ذلك عن طريق اصلاح البرامج التربوية لا غير.

    وجوب تربية الطفل :
    لنتحدث أولا : عن معنى التربية ، ونطرح السوال التالي : ما هي التربية ؟ وهناك طبعا أجوبة مختلفة يطرحها أصحاب المذاهب والاديان. والمتخصصون في فروع العلوم الانسانية ، فقال بعض علماء الاجتماع : ان التربية عبارة عن اعداد الافراد الصالحين للمجتمع.
    وقال بعض علماء النفس : انها تعني المراقبة الدائمة للحياة وهي في طريقها لانضاج واحداث التغيير في الفرد بهدف ايجاد القدرة على الادراك ، واعداد الارضية للاستقلال الفكري.
    وقد اعتبر بعضهم التربية احداث التغيرات المطلوبة.
    أما من وجهة النظر الاسلامية فيمكن القول : ان التربية هي عبارة عن الهداية وتوجيه المسار التكاملي للانسانية ، أو خلق الارضية الجديدة لمساعدة للفرد على النضوج والتكامل في جميع المجالات.
    بعد ان لاحظنا التعاريف الواردة اعلاه بشأن التربية ، يمكن القول بأنها :
    1 ـ عمل واع ومقصود.
    2 ـ تطبق على الفرد أو على الافراد من قبل جهة مقتدرة.
    3 ـ ذات هدف وغاية.


(97)
    4 ـ غايتها المثلى اصلاح الفرد والعمل على انضاجه ، وتكامله في جميع الجوانب.
    5 ـ عمل متواصل ، ومن خصائصه الاستمرارية والدوام.

    ضرورة التربية :
    ان التربية بهذا المفهوم ضرورية للانسان من الوجهة الفردية ، والاجتماعية ، والسياسية ، والمعنوية ، والثقافية ، وتتمثل ضروراتها في الجانب الفردي في تنامي ونضوج البدن ، وفي تربية الفكر والشخصية ، وتعريف الانسان بواجباته الشخصية ، وخلق الثقة بالنفس ، ومعرفة الذات ، والعثور على فلسفة صحيحة للحياة من اجل اقتفاء الطريق الافضل للسعادة في الحياة ... الخ.
    أما في الجانب الاجتماعي ، فتتجسد ضرورة التربية في اعداد الفرد وجعله عنصرا مفيدا لمجتمعه وللمجتمع الانساني عموما ، متحليا بالخصال الحميدة وحب الخير للاخرين ، وقادرا على هضم الظروف الاجتماعية ومعرفة ملابساتها بروحية التفاهم والشعور بالام الاخرين.
    وفي الجانب الاقتصادي يمكن تلخيص ضرورة التربية في كلمة المنتج بمعناها الشامل ، أي ان يكون للشخص القدرة على توفير الحاجات الاقتصادية ، وان يكون كفوءا في عمله ، ومتناسبا مع نوعية العمل الذي يؤديه.
    وتتضح ضرورة التربية في الوجهة السياسية من خلال تربية الانسان العارف بالشؤون السياسية المعاصرة ، وطبيعة الانظمة السياسية ، وان يتبع


(98)
الفكر السياسي الصحيح ، وان تتركز مساعيه على بث وتقوية الروح الديمقراطية الصحيحة ، ويدرك سبل تكوين العلاقة مع الحكومة ، ولديه معرفة بواجبات الحاكم وحدود عمله ، والأساليب الصحيحة في اجراء القوانين سواء كان ذلك على مستوى القيادة أم على مستوى القاعدة.
    أما ضرورة التربية في الجانب الثقافي فهي من أجل أن يكون التراث الثقافي في حالة تطور وإتساع دائم ومتواصل ، ولغرض أن يكون لدى الأنسان القدرة على استثمار مختلف أبعادها وفوائدها في شؤون حياته المختلفة.
    وأخيراً فالتربية ضرورية في الجانب المعنوي الذي تحقق في ظله علاقة الانسان بخالقه ، وبالظواهر المادية ، وظواهر ماوراء المادة وفقاً لقوانين محدده وواضحة ، يجتاز الأنسان في ظلها بحر الحياة المتلاطم الى شاطيء الأمان. والموضوع الذي يهمنا في هذا البحث هو التربية الدينية التي تعتبر فرعاً من التربية بمعناها العام.

    مفهوم التربية الدينية :
    التربية الدينية هي في الحقيقة مجموعة التغييرات التي تحصل في فكر وعقيدة الشخص بهدف خلق نوع خاص من العمل والسلوك القائم على الاسس الدينية ، وبعبارة أخرى هي التغيرات والتطورات التي تحصل في فكر وعقيدة الأفراد وتتكون من خلالها الأخلاق ، وتتخذ العادات والأدب والسلوك والعلاقات الفردية والاجتماعية في ظلها طابعاً شرعياً ودينياً ، يبرز خلالها الدين كعنصر فاعل وسائد في حياة الشخص بمختلف أبعادها


(99)
وآفاقها الرحبة.
    ولأجل دراسة هذه المسألة بشكل أعمق ، ينبغي لنا أولاً : تحديد الامور التي نرتجيها من الدين. لا شك إننا نأمل من الدين ان يحدد لنا نمط العلاقة التي يجب أن تقوم مع الظواهر والكائنات الاخرى المحيطة بنا. وكلما إتسعت قواعد الدين وتعاليمه ، كلما إتسعت وتعددت أنواع العلاقات والضوابط.
    وبناء على هذا يجب على دين كالاسلام الذي هو خاتم الأديان أن يقدم ضوابط وعلاقات متعددة عامة شاملة بحيث تغطي كل جوانب الحياة الإنسانية وتطبعها بطابعها. فعلى الدين ان يخط لنا المسار الذي ينبغي التزامه في جميع أوجه الحياة ، ويحدد لنا نوع العلاقة مع الظواهر والكائنات في هذا العالم.
    يتضح مما سلف أن عمل الدين يتلخص في تحديد الاسس والقواعد التي يجب ان تسود العلاقات ؛ والتربية الدينية هي عبارة عن العمل الهادف الى تحكيم القوانين والتعليمات في تلك العلاقات.

    ضرورة إيجاد القوانين التي تحكم العلاقات :
    أن القوانين التي وضعها الدين للعلاقات الأنسانية تعتبر أكثر ضرورة من أية قوانين أخرى ، وذلك لأن الانسان ، في هذا العالم الذي غمره التطور الصناعي ، لم يبق عليه أية واجبات إزاء مجتمعه إلا من الوجهة الدينية. لقد كان عالم النفس النمساوي فرويد يظن بأن المجتمع لن يحتاج إلى الدين ، وسيكون التقدم الصناعي وحده كافياً لتسيير شؤون الانسان.


(100)
    إلا أن تجاهل سماسرة الحروب العالمية لقيمة الانسان ، واضرار الخراب والدمار والمجازر الواسعة ، وأعمال القتل والنهب التي طالت النساء والرجال ، والشباب والشيوخ والأطفال ، والتي لم تنج منها حتى الحيوانات والمباني ، دفعه الى العدول عن رأيه وإعادة النظر في تصريحاته وأقواله.
    يقول عالم النفس الشهيد آدلر الذي يستمد أقواله من تجاربه التي قام بها طيلة ثلاثين عاما : إن جميع المصابين بالأمراض النفسيه لايتماثلون للشفاء ما لم يستعيدوا مشاعرهم الدينية.
    وعلى كل حال ، فالدين يعني طرح القوانين والأحكام والعلاقات الانسانية ، والتربية الدينية تعني تطبيق تلك الأحكام والقوانين في حياة الناس.

    الغايات المرجوة من العلاقات :
    يمكن القول أن علاقات الانسان يمكن تقسيمها الى ثلاث شعب وهي : علاقته مع نفسه ، وعلاقته مع ربه ؛ وعلاقته مع العالم بمعناها الاوسع ، وعلى التربية الدينية أن تغطي هذه الجوانب الثلاثة بكل تفاصيلها. وهذا يعني أن لدينا ثلاثة أنواع من القوانين لثلاثة اشكال من العلاقات. وسنحاول في ما يلي استعراض هدف كل واحد من تلك العلاقات باختصار ، مع تناول اساليب الوصول الى تحقيقها.

    الهدف من علاقته بذاته
    إن باستطاعتنا ان نقول بشكل عام بأن الهدف المنشود من العلاقة بالذات


(101)
هونوع من التجديد الهادف إلى بلوغ السعادة ، وان السعيد هو من يتصف بالجسم السليم ، والفكر المتجدد لاكتساب الفضيلة ، والروح المقتدرة الحرة.
    من الواضح لدينا أن السعادة تكتسب وتنال ولاتأتي عفوياً ، وان الاستعداد لها وبناء الذات لغرض الحصول عليها ضروري ، إلا أن بناء الذات يحتاج بنفسه إلى مقدمة وهي معرفة الذات. ومعنى هذا أن التربية الدينية عليها واجبان في هذا المجال ، الأول : معرفة الذات ، والثاني بناء الذات. وعلى المتصدي للتربية الدينية أن يلتفت الى هاتين النقطتين عند الطفل :

    أ ـ معرفة طبيعة الطفل
    يمكن تقسيم الجوانب التي يتم من خلالها دراسة الانسان ومعرفته إلى : الجانب الذي يهتم به علم الأحياء ؛ والجانب الذي يدرسه علم النفس ؛ والجانب الذي يدرسه علم الإجتماع ؛ وقد طرحت الأديان والمذاهب رأيها فيه أيضا ، ولا يتناول بحثنا هنا تفريع تلك الآراء والخوض في تفاصيل كل منها ، بل نعطي صورة توضيحية للخطوط العامة لهذه المواضيع.
    الانسان كائن ترابي النشأة ، خلق مقروناً بالمعاناة ، ويمر بمراحل عديدة ، وهو ذو تركيب مزيج من المادة والروح ، وله ظاهر وباطن ، ظاهرة من الدم واللحم وهو مكون من العناصر الموجودة في التراب ، وباطنه النفس والعقل ، ومصدرهما العالم العلوي.
    الانسان مخلوق كريم ، ومستخلف من الله ، ومسخر له كل ما في الأرض


(102)
والسماء يبدو من بين الكائنات الأخرى وكأنه قطرة منحدرة من قمة جيل الى ساقية ثم لتدخل منها في محيط الأبد.
    أما الجانب السلبي فيه ، فهو كائن ضعيف ، وفي نفس الوقت مغرور ، وهو مملوء زهوا واعجابا. يحيد عن الحق والحقيقة ، ولكن يطلبه من الآخرين. حريص وبخيل ، يرجو من الأخرين الهبة والتكرم عليه ولايهب أحداً ولا يكرم آخر. جاهل للحقيقة الخلقة ، ظلوم جهول .. يراوح بين الحرص والبخل ، فهو حريص على جمع المال من جانب ، وبخيل في توزيعه من جانب آخر .. معتد وغشوم. إذا امتلك القوة استخدمها في سبيل مصلحته الشخصية ، وهو مع أمتلاكه القوة ضعيف.
    إذا جاع صرخ ، وإذا تألم بكى ، بعيد المدى ، وطويل الامل لكنه في نفس الوقت يتأثر بأدنى ضرر.
    أما في الجانب الايجابي ، فإنه كائن ينشد الكمال ، ويتطلع اليه ، وعلى الرغم من طغيان غرائزه فبامكانه ترويضها ، ورغم كونه ترابي النشأة فبامكانه بلوغ مقام القرب من الله ، خلافا لادعاء جان بول سارتر الذي يرى أن قيمته لاتساوى حتى قطرات المني التي خلق منها ، ولو شاء ـ لتمكن ـ بجهده وتركيز قدراته العقلية وقواه الارادية ـ أن يكون في مصاف الملائكة ، أو اعلى مقاما. ومع ما يبدو من صغر حجمه ، الا ان العالم الأكبر منطو فيه ، ولو أنه تمسك بكتاب الله واطاع ربه ، لأضحى بمقدوره أن يفعل فعل الله ، اي يتمكن من التصرف في الكون ، واخضاع كل ما فيه من ظواهر لإرداته ، ومع أن الانسان ترابي المنشأ ، الا أنه بعض صفات الله متجلية فيه


(103)
انطلاقا من تلك النفحة الربانية التي يمتاز بها.
    وبالرغم من جموح نفسه وطغيانها ، إلا أنه قادر على لجمها واخضاعها لإرادته. يمكن للمربي ممارسة عملية بناء الانسان استناداً الى هذه المعلومات التي يمتلكها عنه.

    ب ـ بناء الطفل
    لقد سبق ان عرفنا السعيد بأنه الشخص الذي يمتلك جسما متميزا بالسلامة ، وعقلا سائرا في طريق الفضيلة والارتقاء ، وروحا قادرة مقتدرة.
    وعلى هذا الأساس ينبغي أن يشمل بناء الانسان ثلاثة جوانب : الجسم ، والعقل والروح.
    1 ـ تكمن أهمية بناء الجسم في كونه موضع استقرار النفس ، وتجلي العقل قائم به والعناية بنموه ونضجه ، والمحافظة على صحته وسلامته ، ومنحه الراحة والهدوء والسكينة بالقدر اللازم ، وايجاد نوع من التناسق والانسجام بين اعضائه ، وتغذيته من الطيبات ، والرزق الحلال ، ووقايته من عوامل الطبيعة حفاظاً على سلامته.
    2 ـ تربية العقل : وتهدف الى تهذيبه لكي يقوم بدوره في طرح الأفكار الإيجابية ، وصيانته من الانصياع للخرافات ، والتقاليد البالية ، والإيحاءات الفاسدة ، ولغرض تنمية القدرة لديه على الاستنباط والاجتهاد في الأمور ، وتطويعه نحو التفكير في الحصول على المعاش ، وطاعة الدين وقانون الحياة الذي يستسيغه العقل ، والتدبر في شؤونه الحالية والمستقبلية.
    3 ـ تربية الروح ؛ والغاية من ذلك اكسابها القدرة على تطويع الغرائز ،


(104)
وموازنة الأحاسيس والعواطف ، والسعي نحو السير التكاملي لبقاء النفس ، والعناية بسلامتها وتقوية دورها ، والاهتمام بتحليتها بكل مايزينها واجتناب ما يشينها ، والميل الى الحق والدفاع عنه ، والسيادة على النفس ، وحفظ الشخصية ، ووحدة الكيان ، والقدرة على التزام السكينة في مقابل هجوم الحوادث والوقائع ، والتحلي بروح التضحية والايثار ، وحب الخير ، والصبر في المصائب ، وصفوة القول : التحلي بالمثل الانسانية السامية.
    ويمكن القول ان التربية بشكل عام تعني بلوغ الانسان درجة يستطيع معها إدخال المعنى في المادة ، وإعطاء الحياة طابع المفاهيم المعنوية الأصلية ، وتقديم التضحيات في سبيل الحق ، ومن ثم الوصول أخيرا الى ادراك أنه « ليس لأنفسكم ثمن الا الجنة فلا تبيعوها الا بها ». « الامام علي (ع) »

    اهداف العلاقة بالخالق :
    الهدف العام هو بلوغ مقام القرب من الله القادر المطلق ، ونيل رضاه ، وحبه حبا ملائكيا يزيل الحجب عن البصائر ، وينير أعماق القلب والحياة. وهذا الأمر يستلزم معرفته ، ثم عبادته :
    أ ـ في مجال معرفة الله : بأن ندرك بأنه المصدر الخالد لهذا الوجود ، ولا أحد ولامصدر ينظم أمور هذا العالم سواه. لم يتخذ شريكا حين فطر السموات والأرض وبيده ملكوت كل شيء ، ولاشيء خارج عن قدرته ، لا ترى في نظامه أو فعله أي ضعف او خلل ، هو العلم والغنى المطلق ، قدرته وحياته مطلقة ، وهو أزلي وأبدي ، واحدا أحد.


(105)
    ليس هو الهنا وحدنا ، بل هو رب العالمين ، ورب كل الظواهر والأزمنة والشعوب ، هو الله الحي المريد المدرك ، هو مع كل شيء لابمقارنة ، وغير كل شيء لابمزايلة ( كما قال الامام علي « ع » ) .. على علاقة بمخلوقاته ، لكنها علاقة العالم بالجاهل ، وعلاقة الغني بالمحتاج والمالك بالعبد ، لعبد الذي لا يمكنه الخروج عن ريقه قدرته ولا إخفاء اسراره من علمه.
    ب ـ في جانب العبادة : نود الاشارة ـ أولاً ـ الى أن العبادة هي ارفع الطرق لبلوغ الكمال ـ العبادة معناها تمهيد القلب ليكون دائم لارتباط بالله بحيث لايصدر منه عمل اوسلوك إلا بعد استشارته أو معرفة احكامه وسننه. والعبادة من الآثار العلمية للعلاقة مع الله ، وهي العلاقة الموسومة بالمتاجرة معه ، والخوف منه ، ومحبته والإنابة اليه.
    والعبادة كما توصف على حقيقتها لاتشمل اللحظات التي يقف فيها الإنسان بين يدي ربه فيحمده ويثني عليه ويعرض عليه بثه وحزنه ويتوسل اليه متضرعاً مستكيناً فحسب ، بل تشمل كل لحظات الحياة بجميع آفاقها وجوانبها من سلوك وقول وعمل وتفكير. العبادة ـ في الحقيقة ـ قبول المسؤولية الملقاة من قبل مصدر الفيض ومنبع الكمال ، ونتيجتها الحصول على الأجنحة التي تعين الانسان على التحليق ، لأن التعلق بالقدرة الكاملة المطلقة ، يخلق لدى الانسان قدرة خلاقة.
    العبادة هي تركيز الجهود لتصب في المجرى المؤدي اليه ، واستدرار رضاه في جميع الأحوال ، والخضوع لأوامره ، والتوجه اليه في جميع الحركات والسكات ، والشعور باللذة ونيل الغنى الروحي في ظلها. إذن
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ::: فهرس