تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ::: 106 ـ 120
(106)
فالارتباط بالله يتطلب الإيمان به كخطوة أولى ، وطاعته كخطوة ثانية ، وتقواه كخطوة ثالثة ، ثم العمل المتواصل بالواجبات وإداء ما عليه من المسؤوليات كخطوة رابعة ، وأخيرا : الخطوة الخامسة وهي الاحسان ، أي تكون مشيئة العبد متحدة مع مشيئة ربه.

    أهداف العلاقة مع الكون :
    يقدم لنا الدين كذلك قوانين واحكاماً تنظم علاقاتنا بالعالم بالمعنى الأشمل للكلمة ويجب أن تشمل التربية الدينية هذه التوجهات ايضا.
    والمقصود هنا من كلمة العالم هي أولا : الكرة الأرضية ، وثانيا : العوالم الأخرى غير الأرض والتي أشار الدين بشكل أو آخر الى علاقات الانسان معها.
    فالعالم كما يراه الدين مدرسة ودار للكمال ، ويجب أن تاخذ العلاقة به طابعا مثمرا لإحداث التغيرات المطلوبة ، ويجب أن يستغل لما فيه خير وفائدة الفرد و المجتمع معا.
    تقسم العلاقة مع هذه الكرة الأرضية الى أربعة شعب ؛ وهي علاقة الانسان بالانسان ، وعلاقته بالحيوان ، وعلاقته بالنبات ، وعلاقته بالجماد.
    فعلاقتنا مع النبات والجماد قائمة على الاستفادة والاستثمار ؛ وبعبارة أخرى يمكن استغلالها لما فيه منفعتنا ورفاهنا ورفاه المجتمع من خلال ايجاد التغييرات المطلوبة فيها.
    أما في مجال العلاقة مع الحيوانات فهنالك مجموعة احكام بشأنها تدخل تحت عنوان حقوق الحيوانات ـ فعلى سبيل المثال ورد حديث عن


(107)
المعصوم يذكر ستة حقوق للحيوان على صاحبه ، ويجب عليه رعايتها وهي :
    1 ـ أن لايحمله فوق طاقته.
    2 ـ ان لايبقى جالساً على ظهره عندما يكون في حديث مع الآخرين.
    3 ـ أن يطعمه ويسقيه أولاً حيثما نزل.
    4 ـ ان لايصم وجهه.
    5 ـ اذا عبر به الماء يحب عرضه عليه.
    6 ـ ان لايضربه لأنه يسبح لله تعالى.
    ولغرض الحصول على مزيد من التفاصيل يمكن مراجعة الكتب الفقهية ، باب نفقة البهائم ، ووردت أيضا توصيات بشأن بقية الحيوانات حتى الخفاش والقطة والكلب ، والحيوانات المؤذية ، والنمل وغيرها.
    وفي موضوع العلاقة مع الانسان يتسع البحث وتتنوع فيه الأحكام والضوابط ويتوقف نوع تلك العلاقة على الانتماء الديني للطرف المقابل ، او علاقة الدم والرحم ورابطة الجوار ، أو رابطة الانسانية. فالعلاقة بالوالدين ، مثلاً ، علاقة احترام واحسان ، « وقضى ربك ألا تعبدوا الا إياه وبالوالدين إحسانا » (1).
    ويختلف عنها نوع العلاقة مع الأخ والاخت ، وهكذا نوع العلاقة مع الزوجة أو العم أو العمة أو الخال أو الخالة.
    الأحكام التي تحدد نوع العلاقة مع سائر الناس متنوعة ألى درجة كبيرة ، بحيث نرى انفسنا مضطرين لذكر عناوينها فقط دون التطرق الى ذكر
1 ـ الإسراء : 23.

(108)
تفاصيل ، وتلك العلاقات هي كالآتي.
    1 ـ علاقة الوالدين مع الأبناء ، كالعلاقة بهم من جهة الجنس ، وعن جهة التفاوت في الأعمار.
    2 ـ علاقة الابن بالوالدين ؛ وهي تختلف باختلاف كون الوالدين مسلمين ، او من أهل الكتاب ، او كافرين ، وتقسم ألى علاقة مع الاب ، وعلاقة مع الأم.
    3 ـ العلاقة بالمحارم ، من أمثال العمة ، أو الخالة ـ والعم ، والخال ، والجد والجدة ... الخ.
    4 ـ العلاقة بالأرحام من الدرجة الثانية ؛ اي ابناء العم ، والعمة ، والخال ، والخالة.
    5 ـ العلاقة بالزوجة : الزوجة المؤقتة ، والزوجة الدائمة ، وعلاقة المرأة بزوجها والزوج مع المرأة ، ومع الزوجة أثناء العدة .. الخ.
    6 ـ العلاقة بالجار ، والجار من الأقرباء ، والجار الغريب ، والجار المسافر ، والجار الأخ بالدين ، والجار الكافر.
    7 ـ العلاقة بافراد المجتمع ، وهي العلاقة مع المجتمع الانساني ، وقادة المجتمع ، والحاكم ، وعلاقة قادة المجتمع بالناس.
    8 ـ العلاقة بالأخوة في الدين ، وان كانوا في غير مجتمعنا.
    9 ـ العلاقة بأهل الكتاب ، ومنها العلاقة بالإلهين منهم ، أو العلاقة مع الآخرين لمجرد كونهم نظراء لنا في الخلق.


(109)
    أساليب التربية الدينية
    الاسلوب : هو عبارة عن الطريقة العلمية المتبعة لبلوغ هدف. او هو مجموعة النشاطات التي تيسر لنا بلوغ ما نصبوا إليه. وتعتبر الأساليب عادة طريقاً ميسراً لبلوغ الهدف.
    وكما نعلم فإن الناس يأتون الى هذه الدنيا واذهانهم صفحة بيضاء خالية من أية معلومات ، وهذا ما يستدعي منا القيام بملئ ذهن الطفل عن طريق العين والأذن والعقل ، وقد عرض القرآن الكريم نفس هذا أيضا. « والله أخرجكم من بطون امهاتكم لاتعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة » (1) وعلى هذا يجب مراعاة هذا الترتيب في اسلوب التربية الدينية ، كما يلي :
    1 ـ اسلوب تقديم القدوة : تأخذ العين دورها في هذا الأسلوب فتحيط بالأمور ، ويأتي دون الأذن في المرحلة الثانية. فقد جاء في الروايات أن مسألة تعليم الوضوء أول ما طرحت ، عندما قام جبرائيل بإسباغ الوضوء عمليا امام النبي (ص) وشـاهدها النبي (ص) بعينه وتعلمها وعمل بها. وقال صلى الله عليـه وآله وسلم : « صلوا كما رأيتموني أصلي ». فتقديم القدوة يعيننا على غرس المفاهيم الدينية في ذهن الطفل بكل يسر وسهولة ، ودفعهم الى العمل بها لا سيما وإن حس التقليد قوي جداً عند الأطفال.
1 ـ النحل : 78.

(110)
    المسألة الهامة في هذا المجال هي ان يكون القدوة مثالا كاملا في الأخلاق والسلوك الذي يقر الدين صحته. وإن أدنى خطأ ، أو إهمال يؤدي ألى انعكاسات تربوية وخيمة.
    والجانب الايجابي الآخر في القضية هو أن تقليد الطفل لايصدر عن وعي دائما ، بل يكون مصدره اللاشعور أحيانا. ولهذا يجب عند طرح القدوة ، أو الأسوة مراعاة الدقة الكاملة ، وخاصة في أمور كالصلاة ، وتعليم المفاهيم الدينية والتزام العدالة ، وتشخيص الحق ، والدفاع عنه ، وحب الخير ، والإحسان ، وتقديم الإعانات السخية للمعوزين ، وممارسة السلوكية الاجتماعية الاسلامية.
    2 ـ اسلوب التعليم : يركز هذا الأسلوب على حاسة السمع ، ويتم فيه نقل المواضيع المراد ايصالها الى الطفل ، بشكل مباشر.
    وهذا الأسلوب يكمل ـ في الحقيقة ، الأسلوب السابق الذكر ، حتى انه يعد للأطفال الأكبر سناً مقدمة للتربية ، أي أن الأمر يستلزم أولاً تعلم بعض الامور عن طريق العين والأذن ، ثم العمل بها ، وتطبيقها.
    أما الغاية المرجوة من هذا الأسلوب فهي اصلاح السلوك عن طريق النصح والتذكير ، أي ان يقوم المربي بتقويم واصلاح أي تصرف خاطيء قد يصدر من الفرد.
    3 ـ اسلوب التلقين والايحاء : ويمكن من خلال هذا الأسلوب ايجاد صلة بين الفرد وربه ودينه. إذ من المتيسر ايجاد حالة من الخوف ، عند الطفل أو إحياء الأمل في نفسه من خلال استعراض آيات الله ، ولطفه ،


(111)
وكرمه ، ونعمه ، وحسابه.
    يمكن بهذا الطريق شحن قلبه بمفهوم حب الله ، وتوعيته على معنى حب الله ، وعدم حبه بأداء كل فعل يرتضيه الله واجتناب كل ما يثير سخطه.
    وتتضمن هذه الطريقة أيضاً امتداح عمل الشخص بشكل مباشر ، أو غير مباشر وايجاد نوع من الصلة بينه وبين الدين وذلك من أجل أحياء الشوق للارتباط بالله بقلبه ، وليشعر من وراء ذلك باللذة والسعادة.
    4 ـ طريقة سرد القصص : وهي وسيلة جيدة لإثارة مكامن تفكيره ، واستخلاص الدروس والعبر ، وتنبيهه الى امكانية الهداية من بعد الضلال ، وخلق مشاعر لديه لكي يتحسس الأمور بشكل أوضح ، ودفعه الى التفكير بشأن العالم الداخلي والخارجي ، وتنقية وتهذيب ذلك التفكير.
    ويمكن كذلك تعليمه مبادئ الدين واحكامه بشكل غير مباشر عن طريق سرد القصص والحكايات ، لأجل أن تصبح تلك القيم هي السائدة في حياته.
    وقد استخدم القرآن الكريم هذا الأسلوب أيضاً في تربية الناس ، فقص علينا في هذا السياق قصة إتباع النبي موسى (ع) للرجل الصالح للدلالة على الصبر والتواضع ، وقصة أصحاب الكهف للاشارة الى ايمان أولئك الفتية وقلوبهم الحية ( كما ورد في الآيتين 13 ـ 14 من سورة الكهف ) ، ووردت فيها [ القصة ] اشارة أيضاً إلى جزاء الكافرين والظالمين ، وإثابة المحسنين ( كما ورد في الآية 87 من نفس السورة ) ، وقصة قارون الذي ظلم وذاق في نهاية المطاف وبال سوء عمله ، ( الآية 81 من سورة القصص ) ، وأتى


(112)
القرآن الكريم أيضا على ذكر قصة يوسف (ع) لتجسيد مفهوم الطهارة والعفة ( كما يستفاد من سورة يوسف ). وورد فيه ايضاً ذكر قصة أصحاب الأخدود الذين كانوا يشاهدون بأعينهم ما جرى من العذاب على اولئك النفر من المؤمنين ( وهو ما أشارت اليه الآية الرابعة من سورة البروج ) ، وقصة قوم لوط ، وآدم وحواء ، وقصة مريم وطهارتها ، وغيرها من القصص الأخرى التي وصفها بقوله تعالى : « إن في قصصهم عبرة لأولي الألباب ».
    أما الجوانب التي تستلزم الاهتمام بأسلوب السرد القصصي في التربية الدينية فهي :
    1 ـ أن تركز القصة على الصفات الحميدة والنقاط البارزة.
    2 ـ أن تكون متناسبة مع سن الأشخاص التي يتعظون بها. فالقصص التي تحكى للأطفال في سن الثالثة يجب ان لا تتجاوز نمط تناول الطعام ، والذهاب الى حفلات الضيافة ، وارتداء الثياب ، والحديث عن الأشياء المحيطة بالطفل ، وأسماء الأشياء التي يقع عليها بصره.
    3 ـ أن تكون القصة مناسبة للمقام ووفقاً لما تقتضيه الضرورة.
    4 ـ ان تتمخص القصة عن نتائج قيمة يشار اليها بشكل مركز.
    5 ـ أن لا تتضمن القصة معايب تربوية قد تؤدي الى احداث تأثيرات سلبية في نفس الشخص.


(113)
    الاساليب المساعدة في التربية الدينية
    وفي هذا النمط التربوي يكون الدور الأساسي للشخص ذاته في شؤون حياته وبناء نفسه ، ويأتي دور المربي ـ بما في ذلك المعلم والوالدين ـ في المرحلة الثانية. ويمكن استعمال الأساليب التالية في هذا الصدد :
    1 ـ السير في النفس والأفاق : كمشاهدة الآيات الإلهية والمعجزات الربانية التي هي مظاهر قدرة الله ، والتمعن فيها يحدث في نفس الانسان إنعطافاً يقوده الى معرفة مدى عظمة ربه. ان أجالة النظر في الطبيعة أشد تأثيراً في النفس من الاستدلال العقلي ؛ ويمكن معرفة الله عن طريق المحسوسات اكثر من أي طريق آخر وهنالك آيات كثيرة في القرآن الكريم تدعو الناس للسير في الأرض والتفكر في الأفاق وفي خلق السموات والأرض.
    فأحدى الآيات الشريفة مثلاً تقول « فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين » (1) و « سنريهم أياتنا في الأفاق وفي أنفسهم » (2) « أفلا ينظرون الى الابل كيف خلقت والى السماء كيف رفعت » (3)
    اما النتائج المتحققة من هذا السير فهي الادراك والشهود والعرفان وبالنتيجة : ادراك حقائق الأمور.
1 ـ النحل : 36.
2 ـ فصلت : 53.
3 ـ الغاشية : 17 ـ 18.


(114)
    2 ـ التفكير والتدبر : لقد إعتبر الحكماء الانسان حيواناً مفكراً ، والتفكير هو نوع من الكلام والاستدلال الصامت.
    ومن العناصر الأصلية للتفكير هي الغاية المنشودة ، والسبيل الأقوم لبلوغها ، والتدقيق في الانتباه الى العلاقات القائمة بين الظواهر ، وابتكار واكتشاف طرق الحل المناسبة.
    ومما يسهل عملية التفكر هو المعلومات المكتسبة والمنبهات الحسبة والنظرة النقدية للأشياء ، والمثالية الفكرية والأمال السامية ، وبالإضافة الى توفر الظروف الثقافية الملائمة.
    ومما يحول بين الإنسان والتفكر هو الخوف ، والاضطراب ، والإكراه ، وثقل المسؤولية. ويجب حث المربي على التفكير خلال اداء واجبه التربوي ، والتأمل فيما اذا كان الموقف اوالتصرف الفلاني الذي صدر عن الشخص الفلاني صحيحاً أم لا.
    ومن الايجابيات الأخرى المتاحة في هذا المجال هي عدم تقيد التفكير بزمان ومكان معينين ، اذ بميسوره الإنطلاق في متسع فسيح زمانياً ومكانياً. ويؤكد القرآن في منطقه التربوي على الدعوة الى التفكير والتدبر في شؤون هذا الخلق.
    3 ـ استخلاص العبرة : ويراد به الاتعاظ بمشاهدة ما يحيط بالانسان من مظاهر عجيبة ، وتغييرات كبرى في حياة الناس والحيوانات والنباتات ، ويأخذ منها مايستنير به في حياته ، إذ أنها تعينه على استكشاف الدلالات والمؤشرات التي تضيء له الطريق الذي ينبغي له سلوكه في حياته.


(115)
    4 ـ التجربة والإختبار : ليس العقل وحده هو القادر على اكتشاف الحقائق ، بل الحس وسيلة قيمة أيضاً في هذا الميدان. والحقيقة هي أن الانسان قليلاً ما يعتمد على القول والسماع ، ولا يتحقق له الاطمئنان التام الا بعد مشاهدة ما سمع تجربة ما قيل.
    يحصل الانسان من التجربة والاختبار على الاستقرار الفكري. وجاء في قصة النبي ابراهيم (ع) بأن الاطمئنان القلبي ينال بعد المشاهدة العينية والتجربة الشخصية.
    5 ـ التعقل والاستدلال : ويتم ذلك باستخدام العقل في النظر الى الأمور ، والاستفادة من المنطق والقوى الباطنية لأكتشاف الحقائق والوصول من خلالها الى فهم علاقات العلة والمعلول ، وادراك ماهية القوانين المهيمنة على كل الوجود ، وبالنتيجة الوصول الى الاقتناع الذاتي.
    ان البرهان يقنع نفس الانسان ، ويمنح الأعضاء الثقة والقدرة على فعل ما يؤمن به من اعماق قلبه. وقد أكد القرآن كثيراً على موضوع البرهان والاستدلال.

    جوانب التربية الدينية
    تتوفر في الإنسان ـ الذي هو موضوع التربية ـ جوانب يمكن الاستفادة منها لتمكين المربي من الوصول الى الغاية المنشودة من التربية الدينية ، وتوصف تلك الجوانب لدى الطفل بأنها فطرية وغريزية ، فهي إذن ليست بحاجة الى التعلم ، ولا حتى الى تهيئة المقدمات التي تساعد على أيجادها ، وتعد هذه من الجوانب القيمة التي تسهل قيام المربي بعملية التربية ،


(116)
وتتلخص تلك الجوانب الإيجابية في ما يلي :
    1 ـ الفطرة : وهي قائمة على اساس الإقرار بوجود خالق لهذه المخلوقات ولاتشكل أوامره ونواهيه عبئاً ثقيلاً لايمكن تحمله. تذعن الفطرة عادة لوجود نظام وقوانين تهيمن على الكون ، وان الأمور ليست متداخلة ، ولا تجري اعتباطاً. ونقرر كذلك موضوع الاستدلال وعلاقات العلة والمعلول ، وتقبل بكل ما له وجود على أرض الواقع. وكل انسان يولد عليها وانما البيئة او المجتمع هو الذي يحرفه عن هذا المسار القويم.
    2 ـ حب الاستطلاع : حينما يخرج الطفل من محيطه الضيق ويدخل في أجواء العالم الرحبه يواجه ظواهر عديدة ومتنوعة ، فتدفعه الغريزة الى معرفتها واكتشاف كنهها ومعرفة اسرارها والسؤال عن منشأها واسبابها.
    ويبقى متسائلاً عن علاقات العلة والمعلول بين الأشياء الموجودة في هذا الكون ، وتظل الأسئلة تتوارد على ذهنه عن الأسباب والكيفيات الكامنة وراء هذه المشاهد ، ولا يخفى أن هذه من المجالات الخصبة لتربية الطفل دينياً. ولاينبغي تفويت أمثال هذه الفرص ، بل يجب استغلالها لتعريفه بالحقائق وتوجيهه اليها وتوعيته بها.
    3 ـ الرغبات : يمتاز الطفل بكونه موجوداً اجتماعياً يرغب الاختلاط بالآخرين والاندماج معهم ، واستعراض ذاته ووجوده بينهم ، وتقليد سلوكهم.
    وهذا جانب يمكن استغلاله لتعليمه بعض المسائل الدينية ، وتشجيعه على تطبيقها أو ممارستها عملياً. فالطفل مثلاً يرغب المشاركة في التجمعات


(117)
الدينية ، إذن فالموقف يستدعي اصطحابه الى المسجد ولا بأس بذلك. وهو يرغب في احتلال مكانه بين الكبار ، اذن فاسمحوا له بالاختلاط مع الكبار ، وعلموه آداب الحياة ، وأصول الاختلاط ، والأخلاق الحميدة والتعاليم الدينية عامة. وحاولوا جهد الامكان أن تروهم من يقتدى به من المتدينين ومن الذين تكون شخصياتهم مثالاً طيباً يحتذى به.
    4 ـ العجب والكبرياء : وهي صفة موجودة عند جميع الناس ، الا أنه ينبغي توجيهها الوجهة الصحيحة. ويمكن استغلال مشاعر الكبرياء عند الطفل للأغراض الايجابية ، او الدينية بالخصوص ـ كأن يقال له مثلاً : أنا متأكد من قدرتك على اداء الصلاة ، أو انت قادر على المشاركة في التجمع الفلاني كما تفعل أمك ، أوفي ميسورك الصوم من الصباح حتى الظهر ، أو انك قادر على قول الصدق ، وتستطيع أن تكون حسن الأخلاق ، أو بالإمكان أن تصبح فتى عاقلاً ومنظماً ، أو أنت قادر على عدم الإضرار بالآخرين ، وأن لايصدر منك كلام قبيح و ... الخ.
    تستلزم العملية التربوية أحياناً وضع اهداف قريبة وسهلة التناول أمامه لغرض تشجيعه على تقبل بعض الأعمال ، والاستعداد لبلوغ تلك الأهداف. ومن الواضح أن الطفل كلما كبر اصبح بالإمكان وضع أهداف أصعب وأبعد نصب عينيه وتشجيعه على بلوغها.


(118)
    مبادئ التربية الدينية
    نحاول في هذا البحث طرح الأصول والمبادئ الجوهرية التي نرى ضرورة مراعاتها من قبل الوالدين والمربين لتسير التربية الدينية بشكل صحيح.
    1 ـ مبدأ المحبة : يقوم أساس التربية في السنوات الأولى من عمر الطفل على المحبة. ويفترض تعويد الطفل منذ البداية على الأخذ بما يراه الوالدان وترك كل مالا يرتضيانه. وبعبارة أوضح ؛ بامكان المربي أن يقول للطفل وبدون اي ضغط وإكراه : انني لا أحب هذا العمل ، وذلك حينما يبدر منه عمل غير صحيح ، وأما اذا صدر منه تصرف صحيح فيقول له : أنني أحب هذا العمل. يجب ان يبني الوالدان سلوك الطفل على هذه الجانبين ( احب ـ لا احب ). ويمكن تطبيق هذه القاعدة عن طريق النظرات التي تنم عن المحبة أو الاستياء ، والكلام المعبر عن الرضا ، أو الصمت أو الاهتمام والتجاهل والمحبة او الغضب. يجب ان يتذوق الطفل خلال ذلك ضمنياً مزايا حب الوالدين ، أو غضبهما واستياءهما ، ويمكن ان يتحسس مزايا ونتائج ذلك بشكل صريح في السنوات اللاحقة.
    2 ـ مبدأ التشجيع : يتأمل الطفل ان يكافأ لقاء كل فعل حسن يصدر منه ، وعلى الوالدين تحقيق هذا الأمل. إلا أن هناك قضية حساسة وهي أن المكافأة يجب أن لاتأخذ طابع الرشوة.
    يجب أن يؤدي الطفل العمل الحسن على أساس كونه واجباً شخصياً


(119)
واجتماعياً من غير أن يتوقع الثناء عليه ، وعلى الوالدين تشجيعه على اعتبار كونه شخصاً صالحاً وعارفاً بواجبه ، والمسألة الأخرى هي ان لا تتخذ المكافأة صورة المكافأة النقدية ، كأن يقال له : إذا صليت أعطيك درهماً ، بل يجب أولاً أن يعتبر اداء الصلاة واجباً مفروضاً عليه شأنه في ذلك شأن بقية افراد العائلة. وثانياً ان يكون تشجيعنا له من باب الارتياح لقيامه بأداء واجبه ، أي أن نظهر له سرورنا من عمله ، ومن ثم نفهمه في السنوات اللاحقة ، بأن الله تعالى راض عن عمله هذا أيضاً.
    والنقطة الثانية التي ينبغي الاشارة اليها هي ضرورة عدم تكرار المكافأة لأن التكريم والمكافأة يفقد في مثل هذه الحالة قيمته الحقيقية.
    أما النقطة الثالثة التي أود التنبيه اليها فهي ان لا تتجاوز المكافأة الحد المعقول بحيث لو أدى الطفل عملاً اخر اكثر أهمية ويستحق المزيد من الثناء والتكريم ، لايبقى لنا ـ حينذاك ما نعبر به عن رضانا وارتياحنا ازاءه.
    لتكن المكافاة دوماً عند حد تبقى معه أمام الانسان مجالات اوسع لبلوغ مدارج أسمى ونيل المزيد من رضى الله تعالى واستحسان الوالدين.
    من بعد سن الثامنة يمكننا أن نوضح لهم أن الله تعالى يحب العمل الفلاني ويبغض التصرف الفلاني ، ويصبح من اليسير أن نكلمه بأن عاقبة محبة الله لنا هي دخول الجنة بكل ما فيها من النعم والذات ، ونتيجة غضبه هي العقوبة ودخول النار.
    وقد انتهج القرآن الكريم نفس هذا المسار ، وأشار في الكثير من الايات الى أنه يحب هذا العمل والقائمين به ، او انه يبغض ذلك العمل ومن يرتكبه.


(120)
    والقضية الهامة هنا هي ضرورة اللجوء الى الشدة في بعض الموارد ولكن لاينبغي ان يطغى على الاعتدال والمحبة. وتظهر التجارب أن اكثر الناس تديناً هم الذين نشأوا و تربوا في عوائل تمتاز بالاعتدال والعطف والمحبة. ان نقص المحبة والحنان يثير في النفس مشاعر الغربة والوحشة ، وحتى أنه قد يفضي الى الوقوع في بعض المنزلقات الخطيرة كالفرار من البيت والانتحار والمتاجرة بالشرف.
    3 ـ مبدأ الخشونة واستخدام القوة من قبل الوالدين : حينما يحاول الطفل التمرد على الصيغ التربوية المتعارفة واتباع رغباته واهوائه الشخصية لسبب أو آخر ، يجب على الوالدين حينئذ اللجوء الى اسلوب القوة. فيصدرون له الأوامر والتوجيهات ، ويشرفون على تنفيذها بدقة. يجب على الوالدين الاحتفاظ بدورهم في الارشاد والنصح والسيطرة والتسلط في جميع مراحل التربية ، وما دامت مسؤولية الإشراف على الطفل بأيديهم ، سواء كان ذلك بشكل مباشر في المراحل الأولى أم بشكل غير مباشر في ما بعد. وحتى ان الروايات الأسلامية تحدثت عن ضرورة معاقبة الطفل فيما لو تمر على طاعة والديه ، إلا أن اغلب تلك النصوص وردت بالمعنى اللغوي للكلمة ، أي بمعنى التنبيه والإرشاد وأحياناً الضرب غير الموجب للدية.
    4 ـ مبدأ الاعتدال : إلتزام الاعتدال أصل مهم أيضاً في التربية الدينية ، فلاينبغي أبداً تكليف الطفل بأي عمل شاق. فقد ورد عن الأئمة المعصومين (ع) انهم أمروا باصطحاب الطفل الى المسجد ، ولكن بشرط أن لايطول المكث فيه ، شجعوا الطفل على الصلاة ، ولكن لا تكرهوه على
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ::: فهرس