تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ::: 121 ـ 135
(121)
القيام لصلاة الليل واداء النوافل ، وشجعوه ايضاً على الصوم ولكن اجبروه على الأفطار في أي وقت يشعر فيه بالملل والجوع. يذكر الحديث المروي عن الامام الصادق (ع).
    لاتصطحبوا الطفل الى المجالس المقامة لإحياء الليل ، ولاتفرضوا عليه السهر وجاء في حديث المعصوم (ع) بأننا نكره أطفالنا على الجمع بين صلاتي الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء. إن وضع الطفل يستلزم ان لانكون الفرائض الدينية بشكل يستوجب الاستعداد لصلاة الظهر مرة ولصلاة العصر مرة أخرى ، فيشعر من جراء ذلك بالأذى والتعب.
    5 ـ مبدأ تنقية البيئة المحيطة به : تبذل الجهود في التربية الاسلامية لازالة العوامل والأسباب المشجعة على الإنحراف ، وكل ما يمكن أن يترك أثاراً سلبية على ذهن الأنسان. وهذا يتطلب سلامة اجواء البيت والمدرس والمجتمع من أي انحراف ، وبعبارة أخرى ، ألا تبطل عوامل التربية والاجتماع بعضها البعض وتنتفي بذلك تأثيراتها. ويجب ان لاتسلك الأجهزة الأعلامية أي سلوك يتعارض مع التربية الدينية ويلغي مفعولها. وعلى المربي ان يرى نفسه ملزماً برعاية هذه الجوانب.


(122)
    مراحل التربية
    لا شك أن كل مرحلة من مراحل الحياة تستوجب وضعاً خاصاً بها. فالبرنامج الذي يطبق على طفل في الثالثة من العمر يختلف كليا عن البرنامج الذي يطبق على الاطفال في سن العاشرة او الرابعة عشرة.
    صحيح أن التربية تبدأ منذ اليوم الأول للولادة ، الا ان فترة ما قبل الولادة تجري خلالها أيضاً بعض انواع الرقابة والتحفظ ، ويعتبر هذا أيضاً جزءاً من التربية الدينية. التي تبدأ في حقيقة الأمر من اختيار الزوجة ، ومن بعد ذلك من لحظة الجماع ، وتؤثر على الطفل افكار الأب والأم أثناء عملية الجماع ، وما تفكر به الأم اثناء فترة الحمل ، والى غير ذلك من انواع الطعام وطبيعة الحياة والأحداث التي تتعرض لها.
    ويبقى الوالدان مسؤولين عن ابنائهم بشكل مباشر منذ الولادة حتى السنة الحادية والعشرين. ويعد ادنى تقصير في اداء هذه المسؤولية بحق الأبناء ذنباً كبيراً عند الله وتقصيراً لايغتفر امام المجتمع والدين.
    جاء في كتب الحديث إن هذه المرحلة المؤلفة من (21) عاماً يمكن تقسيمها الى ثلاث مراحل تبلغ مدة كل واحدة منها 7 سنوات ، وهذه بدورها قابلة للتقسيم الى فترات أقصر.
    * السنوات السبع الأولى : وهي مرحلة التكوين. وتبدأ التربية فيها منذ اليوم الأول للولادة بأجراء المراسيم الدينية ، كالأذان والإقامة في اذنيه ، ومن


(123)
ثم غسله وختانه ، وحلاقة رأسه والتصدق بوزن شعره ذهباً أو فضة ، وتسميته بأسم حسين وتقديم عقيقة عنه ، يجري كل هذا في الأيام الأولى للولادة اما المراحل اللاحقة فتجري خلاله تكاليف ورسوم أخرى تتناسب مع سنه.
    ففي سن الثالثة تعليم الطفل قول ( لا اله الا الله ) وفي الثالثة والنصف قول الشهادة برسالة النبي الأكرم (ص) ، ويمرن بين الرابعة والخامسة على الصلوات وفي سن الخامسة يتعلم اليمين واليسار ، وفي السادسة يتعلم إتجاه القبلة ، والسجود والركوع ، وفي سن السابعة يتعلم الصلاة والنهوض لتناول السحور.
    وهنالك قضية أخرى وهي ضرورة عدم تقبيل خدود البنات من بعد سن السادسة ولأبناء من بعد سن السابعة ، من قبل الجنس الآخر.
    جاء رجل الى الإمام الصادق (ع) وسأله عما يجب الامتناع عنه بشأن جارية له تبلغ السادسة من العمر فقال له الإمام (ع) بوجوب الامتناع عن تقبيلها ولا إجلاسها في الحجر ولا إحتضانها.
    ويجب الانتباه الى ان السنوات الأربع الأولى من حياة الطفل مهمة جداً في صياغة شخصيته بحيث يمكن القول ان ( 70 % ) من شخصية الفرد تتم صياغتها خلال هذه المرحلة.
    * السنوات السبع الثانية : وهي المرحلة التي يجب ان يكون فيها سلوك الطفل وتصرفاته تحت الرقابة المتواصلة والمدروسة للوالدين والمربين. وتقسم على اقل احتمال الى فترتين ؛ أولاهما من سن 8 ـ 10 أعوام ، والثانية من 11 ـ 14 عاماً. وفي هذه المرحلة يجب اعداد برنامج


(124)
جديد من الواجبات يتناسب وسن الطفل ، مثل غسل الكفين ، وتعليمه الوضوء حتى نهاية السنة التاسعة من عمره ، وفي السنة العاشرة يجب أجباره على اداء الصلاة.
    يبدأ الايمان الحقيقي عند الطفل في سن 12 عاماً ، وفي هذه الفترة يمكن الى حد ما ـ تعليمه المفاهيم الأصلية للدين. ولاتفوتنا الإشارة الى وجوب نقل كل الاسس الأخلاقية والتربوية الى الأطفال خلال هذه الفترة بمفهوم آداب المعاشرة والعادات والسنن. وتحل في نهاية هذه المرحلة ، مرحلة المراهقة التي يصبح فيها للطفل شخصية مستقلة بفضل التجارب التي اكتسبها في المجالات المختلفة ويصبح له رأيه الشخصي في الامور التي تواجهه.
    * السنوات السبع الثالثة : وهي دورة الممارسة والتطبيق العملي لمعلوماته. ويجب ان يبقى الشخص تحت اشراف المربي فيها ، وتقسم بدورها الى ثلاث مراحل وهي : نهاية مرحلة المراهقة ، ومرحلة البلوغ ، ومرحلة الشباب ، إن الضروف التي يمر بها الانسان توجب تركيز جل اهتمام الوالدين على مرحلة البلوغ ، لأنها فترة نضوج المشاعر وفيها يحدث ما يشبه الولادة من جديد.
    يعيش الأشخاص في هذه الفترة حالة من الحيرة في معتقداتهم ، وهم بحاجة الى اعادة النظر فيها ، ويشعرون بالقلق حيال فكرة الجنة والنار ، لا يعلمون ماسيحصل بعد الموت ، والى اين ينتهي مصيرهم ؟ وهم أحوج ما يكونون الى التوجيه في هذه الفترة ، وعلى المربين الأخذ بأيديهم


(125)
وتوجيههم الى مافيه صلاحهم.
    يبلغ الايمان ذروته في سن 16 عاماً. واذا ماصادف الشخص خلالها نماذج او قدوات مزيفة فسيعرض اعتقاده الديني لبعض المخاطر حتماً.
    تنتهي مرحلة البلوغ في ما يقارب سن الثامنة عشر عاماً ويتبلور لديه خلالها شيء من الاستقلال التقريبي ، ويتطور استدلاله المنطقي ، وهذا مما يسهل في عملية تعليمه وتربيته.

    نقاط في التربية تستوجب الاهتمام
    1 ـ موضوع الجنس :
يختلف نمط تربية الإناث عن الذكور في التربية الاسلامية وهذا الاختلاف منبثق عن التفاوت القائم بينهما طبيعياً ووظيفياً.
    ففي الجانب الطبيعي يقر الدين ـ كما هو الحال بالنسبة للعلم ـ بوجود اختلافات واضحة بين الذكر والأنثى من الناحية الجسمية والعقلية والنفسية. وهما يفترقان كذلك في نسبة النمو خلال مراحل السن المختلفة ، وفي جانبي الأحاسيس والمشاعر ، والأهم من كل ذلك هو اختلافهما في بلوغهما الجنسي والعقلي. ونحن نعلم أن أفضل النظم التربوية هو ذلك النظام الذي يأخذ هذه الاختلافات بنظر الاعتبار ويعيرها الاهتمام اللازم.
    فالعلم يرى أن الأولاد يختلفون عن البنات في وظائف الأعضاء والدين يرى نفس الرأي أيضاً. فطبيعة اجسام الإناث مكيفة للحمل والارضاع ورعاية الطفل ، بينما طبيعة اجسام الذكور تلائم الأعمال الثقيلة. ونشير أيضاً مرة أخرى الى أن افضل الأنظمة التربوية هو ذلك النظام الذي يعير هذه الاختلافات الاهتمام المطلوب.


(126)
    2 ـ نوع المواضيع التعليمية : وهي من النقاط المهمة التي يجب أن يؤخذ بنظر الاعتبار في التربية. فالمواضيع التي ندرسها ينبغي أن تتناسب مع اعمار الأشخاص ومستوياتهم العقلية. فما يدرس للفتاة البالغة من العمر الخامسة عشر عاماً لايدرس للفتى مطلقاً. والأنثى التي تبلغ العاشرة من العمر تحتاج الى تعلم المسائل الدينية الخاصة بها اكثر من الذكر الذي يبلغ نفس العمر ، إذن فهي بحاجة الى المزيد من التعليم.

    التربية في الأسرة
    كانت على عاتق الأبوين في الماضي مسؤوليات جسام في المجال التربوي ، فإن كانوا قد أدوها على خير ما يرام فجزاهم الله خير الجزاء ، وان قصروا في تأديتها على الوجه المطلوب ، فإننا ندعو لهم بالعفو والمغفرة. أما المسؤولية التي يتحملها الأبوان اليوم فهي أثقل من مسؤوليات السالفين أضعافاً مضاعفة وسيجلب أقل تقصير فيها لعنات الأجيال المقبلة.
    والقيام بهذا الواجب يستلزم الوعي والإيمان الكافي لأن بناء الانسان اصعب بكثير من بناء اي شيء أخر.
    فإن كانت تربية النحل والماشية تتطلب دخول دورة تعليمية ، واكتساب الخبرة والتجربة اللازمة ، فمثل هذه الخبرة في بناء وتربية الانسان اكثر اهمية وضرورة. فالاطفال ليسوا أدغالاً تترك وشأنها كيفما نمت ، لتعطي ثمراً بل .. هم براعم يجب أن تنمو في ظل التربية الصالحة لتعطي ثمراً طيباً. ولهذا كانت التربية بالنسبة لهم أمر ضرورياً وحيوياً.


(127)
    تعريف وأهمية التربية
    يمكن تعريف التربية باختصار بأنها عبارة عن احداث التغييرات المطلوبة في الانسان او بعبارة أوضح : أيجاد التغييرات المثمرة في مجال حياة الأنسان بهدف بنائه وازدهار واستثمار طاقاته. أو يمكن التعبير عنها بالقول أنها تربية القوى الجسمية والروحية للانسان لبلوغ الكمال المطلوب ، ونقل اسلوب التفكير والمشاعر والعمل الموجود في المجتع الى الأجيال القادمة.
    لقد كانت التربية ، بالمعنى العام للكلمة والتي تعني تربية الأخرين وتلقي التربية على ايدي الأخرين ، موجودة منذ القدم ، ولكن ليس بهذا الشكل العلمي الذي يبلغ بالانسان مايشاء من درجات المعرفة ، والقائم على أسس الفلسفة ، وعلم النفس ، والاقتصاد ، وعلم دراسة الأحياء.
    ويكفي في وصف أهمية التربية القول أن جميع هذه الغايات النبيلة وكل هذه الفضائل ، والرذائل ، والأمال الخيرة والشريرية وليدتها ، ولأجل ادراكها بصورة أعمق يكفي أن يضع الانسان نفسه مكان الطفل الذي ولدته أمه وهولا يعلم أي شيء عن هذا العالم.

    ما هي التربية
    تعتبر التربية علماً من جهة ، لأن لها موضوعاً ، وهدفاً وأسلوباً ، وهي تسيطر على مجرى حياة الانسان ونضجه بأسلوب علمي. وهي من جهة


(128)
أخرى ابداع لأن نشوء وتطور القوى الانسانية يجب أن يخضع للمراقبة بأساليب ابداعية متباينة. فقد يكون الشخص عالماً واسع المعرفة ، الا انه ليس معلماً.
    وتعد التربية من جهة ثالثة فناً لأنها تتضمن الاهتمام بدقائق الأمور وطريفها ، وخاصة المفيد منها في اعادة بناء الانسان وتشكيل شخصية ، وهي من جهة رابعة خدمة للإنسان ذاته وللمجتمع الانساني ، وتيسر بواسطتها جعل الانسان موجوداً نافعاً يصل الى حقيقة الانسانية ، وتتضح أهمية هذه الخدمة حينما يترعرع الطفل بعيداً عنها ، إذ يصبح موجوداً وحشياً وخطراً.

    مهمة التربية
    مهمة التربية باختصار : البناء والاصلاح والصنع والاعداد ، والسعي لخلق حالة من التوازن بين الحاجات وترويض الغرائر والرغبات.
    ويمكن القول بمنظار أوسع : إن التربية تتكفل ببناء الجوانب الثلاث في الانسان : الجسم ، والعقل ، والروح.
    وصفوة القول ؛ هي تمكن الانسان من إقامة علاقة صحيحة مع خالقه ومع العالم ، وجعله عنصراً فاعلاً ومفيداً للمجتمع ، أي انها تصنع الانسان الطموح لبلوغ القيم السامية ، والقادر على الابتكار واتخاذ القرار ، والعارف بآداب الحياة ليكون فاهماً لمسار الحياة الاجتماعية من غير أي انحياز مسبق لأي جانب دون آخر.
    تتحمل التربية مهمة بناء الانسان الذي تقوم حياته على أساس القيم


(129)
والمعايير المدروسة ، وعلى استقلال الشخصية والعدالة الاجتماعية ، ومعرفة الجميل ، واختيار الأفضل ، وعلى الأسس الأخلاقية والأنسانية.

    عناصر التربية
    تقسم عناصر التربية في بحثنا هذا الى ثلاثة أقسام وهي :
    1 ـ الأبوان : وهما العنصر الأساسي في التربية ويؤديان الدور الأكبر في انجاز هذه المهمة.
    فالأبوان يمثلان الوسيط الوراثي من جهة ، والمحيط الاجتماعي من جهة أخرى ، ففي الجانب الوراثي يقومان بنقل الكثير من الخصائص والصفات الوراثية منهما ومن الأباء والأجداد الى الأبناء وأما في الجانب البيئي فهما أول مدرسة يكتسب الطفل منهما علو الهمة والقيم النبيلة والأخلاق الفاضلة ، أو ما يعاكس ذلك من سفالة ، وانحطاط ، وسوء خلق. وتحضى الأم في هذا المعترك بالنصيب الأوفر والدور الأخطر لأن مسؤوليتها أثقل من مسؤولية الأب اضعافاً مضاعفة وخاصة في السنوات الأولى حيث تكون الجهة الوحيدة التي يستند اليها الطفل ويرتبط بها.
    وعن أهمية دور الأبوين تكفي الاشارة الى أن الطفل يقضي حوالى (5) الاف ساعة في المدرسة ، ووقتاً يماثل هذا على اكثر التقادير مع الأصدقاء والأتراب ، ومن مجمل عدد ساعات عمره البالغة (95) ألف ساعة الى الحادية عشر ، وأما المتبقي منه فيقضيه في البيت ، والأهم ان القسم الأعظم من هذه المدة وهوما يقارب الـ (85) ألف ساعة بقضيها الى جانب أمه أو في حجرها وبين يديها او على الأقل في ارتباط مباشر معها.


(130)
    2 ـ افراد المجتمع : والذين يمكن تقسيمهم وفقاً لإرتباط الطفل بهم وعلاقته معه الى المجاميع التالية :
    ـ الأخ ، والأخت ، والجد ، والجدة.
    ـ العم ، والعمة ، والخال ، والخالة ، وأبنائهم.
    ـ المعلم ، والمدير ، والمستخدم ، والزملاء في الصف ، وفي المدرسة.
    ـ سائر افراد المجتمع كالعطار والبقال ، وبائع الكتب ، والبزاز ، والقصاب ، والخباز وصاحب الحمام و ... الخ.
    والشرطي ، والحارس والروحاني ، وقيم المسجد ، والقائم بأمر هيئة العزاء ... ولهؤلاء تأثيرهم الهام في بناء اوهدم صرح حياة الأفراد. والطفل يتعلم عن وعي تام نمط حياتهم وأسلوب تعاملهم ، ويقيم على اساسه فلسفته ونظرته الخاصة للأمور.
    3 ـ العوامل الخارجية : وهي عبارة عن الأجهزة الأعلامية كالمذياع ، والتلفاز ، والفلم والسينما ، والصحف والمجلات والكتب وغيرها ، من الكتابات.
    والكائنات الأخرى سوى الانسان أمثال النبات والحيوان والجماد والتي تواتر عليه بشكل أو أخر. فلمسه للخشب الناعم في محيط العمل يختلف في تاثيره عن لمسه المعدن صلب.
    وتؤثر فيه أيضاً التغييرات الطبيعية كتحول الفصول ، والزلازل ، والظروف الجوية ، والأحوال المناخية و ... الخ ، ويطال تأثيرها سلوكه وأخلاقه ونمط تفكيره. بل أن حياة الانسان في الحقيقة تابعة للبيئة بمعناها الشامل ( بما في


(131)
ذلك البيئة الجغرافية ، والظروف الثقافية ، الأقتصادية والسياسية ... ).
    نحن الآن بصدد الحديث عن العامل التربوي الأول والمهم أي عامل الأبوين ، وان كان الحديث عنه يتضمن طرح بحوث أخرى ايضاً.

    الوالدان والطفل
    الوالدان هما المسؤولان الأولان عن اصلاح وفساد المجتمع ، ومسؤوليتهما عظيمة أمام الله وابناء المجتمع ، ولا شك أن التهاون في ادائها سيكون مدعاة للعقوبة ومسؤولية الأم في هذه المهمة الصعبة أثقل من مسؤولية الأب لأن الطفل يأخذ عنها القسم الأعظم من مكوناته الروحية ، وخاصة الجوانب العاطفية والمشاعر.
    وقال الرسول (ص) « الجنة تحت اقدام الأمهات » وذلك لأن القسم الأعظم من سعادة الطفل واستحقاقه الجنة يقام على يد الأم.
    والأبوان هما اللذان يطبعان شخصية الطفل ، وهما اللذان يحددان الأسلوب والسلوك الذي يقتفيه في حياته. والمنهج التربوي الذي يعتمده الأبوان مع الطفل هو الذي يصنع منه شخصية هادئة ومتزنة ، أو يجعل منه شخصاً طائشاً في أهوائه ، وبما أن الصفات تنتقل من الأبوين الى الأبناء بالصورة التي تم أيضاحها ، فلا يتأتى لأي كان إحراز مقام الأبوة أو الأمومة. صحيح أن البلوغ والنضوج الجسمي يهيء الأرضية للزواج ، إلا أن الأبوة والأمومة تستلزم توفر النضج العقلي والأخلاقي والعاطفي.
فيجب على الأشخاص التعرف ، قبل الزواج على واجباتهم وأن يكون لديهم وعي بالشؤون التربوية العامة وينتبهوا الى ما تفرضه عليهم


(132)
المسؤولية.
    إن تربية الطفل وإن كانت تتراءى وكأنها تبدأ منذ ولادته ، ولكن لو اخذنا تأثير الوراثة بنظر الاعتبار ، لتأكد لنا حقاً انها تبدأ قبل ولادته بأشهر وسنوات ، وأقل ما يمكن أن يقال عنها أنها تبدأ منذ اختيار الزوجة. وللاسلام منذ بزوغه وما زال ، خطواته التي يتبعها في تربية الجيل ، ويمكن العثور على ما فيها من احكام وبرامج في الكتب الفقهية والأخلاقية. ونشير في ما يلي الى امثلة من تلك البحوث على سبيل الذكر لا الحصر.
    لا يبيح الأسلام لإنسان الزواج بأية امرأة كانت لانجاب النسل ، بل يحدد لها مواصفات وشروطاً يجب مراعاتها وفق قاعدة الأهم فالأهم :
    1 ـ من الناحية العائلية ، ينبغي ان تكون للزوجة اصالة عائلية ؛ فلاتكون من عائلة تشرب الخمر وتدمن على تناول المخدرات. ولا يجوز اللأبوين أيضا تزويج ابنتهما من شارب الخمر ، او قاطع الرحم أو فاسق. قال الرسول الأكرم (ص) : « اياكم وخضراء الدمن. قيل : وما خضراء الدمن ؟ قال : المرأة الحسناء في منبت السوء ». (1)
    2 ـ يبدو من الناحية الشرعية أن لا حرمة من زواج الأقارب ، ولكن وردت روايات توصي بعدم الزواج من الأقارب المقربين جداً. فقد جاء في الحديث الشريف : « لاتنكحوا القرابة القريبة » ومن ثم قيل إن من اسباب ذلك هي أن الأطفال يولدون مصابين بالنواقص والعاهات ، وهو نفس ما يؤكده الطب الحديث.


(133)
    3 ـ من الناحية الجسمية ، أكدت التعاليم الأسلامية على ضرورة أن تكون الزوجة عاقلة ، ورشيدة ومقتدرة وقوية البنية. وقد ورد في وصية الامام علي (ع) لأخية عقيل بشأن اختياره لزوجة صالحة له والتي انتهت بزواجه من ام البنين : ؟
    4 ـ من الوجهة الأخلاقية ؛ يقول الشهيد الثاني ( قده ) ينبغي ان تتمتع الزوجة بملكة العفة والأصالة. وجاء في الأحاديث المروية عن المعصومين « تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس » وقالوا أيضاً « اختاروا لنطفكم فإن الخال احد الضجيعين ». (1)
    5 ـ اما في الجانب النفسي فيجب ان لاتكون المرأة حمقاء ناقصة الذهن.
    قال الرسول الأكرم (ص) « اياك وتزويج الحمقاء ، فأن صحبتها بلاء وولدها ضياع ».

    محاذير قبل الولادة
    اذا تم إختيار الزوجة وفق الشروط المذكورة ، وتقرر تمهيد مقدمات الزواج ، تبقى هنالك مسائل أخرى تجب مراعاتها من لحظة الزواج وحتى الولادة ويمكن الإشارة الى اهمها كما يلي :
    1 ـ في الزواج : قبل مباشرة الزوجة يبدأ بصلاة ركعتين وقراءة الدعاء الذي يبدأ بجملة : اللهم بأمانتك أخذتها ... وإذا قصد الجماع ، فهناك جملة
1 ـ الكافي : ح 5 ص 332.

(134)
من التعاليم ، أهمها :
    ذكر الله حين المواقعة وعدم اشغال الذهن بذكر امرأة أخرى ، وبأفكار منحطة ، والدعاء بإنجاب الذرية الصالحة ، والتحلي بالسجايا النبيلة وماشابه ذلك من الصفات الانسانية.
    2 ـ فترة الحمل : ينتهي الدور الوراثي للاب بإلقاء النطفة. أما الأم فتبقى على اتصال بالجنين في جانبي الدم والوراثة لمدة تسعة أشهر ، وهو يتغذى خلالها من دمها بواسطة حبل السرة. وهنالك تأكيدات تربوية كثيرة بخصوص هذه الفترة من قبل الأديان ومن العقائد والمدارس الفكرية الأخرى على حد سواء. اظهرت التحقيقات والتجارب العلمية أن الأطعمة والأدوية التي تتناولها المرأة ، والمشاهد الجميلة أو القبيحة التي تراها ، والأثارة والإضطرابات التي تغشاها ، وحالات الحقد ، والغضب التي تنتابها ، وكل ما يعرض لها من افكار وهواجس تؤثر على الجنين. وتؤثر عليه أيضاً بعض الأمراض التي تصيب الأم كالسكري والحصبة والحمى المرتفعة ، أضف الى ذلك ورغباتها واهوائها والمثل النبيلة او الرذيلة التي تؤمن بها ، وكذلك نوعية علاقاتها مع زوجها وغيره من الناس والظواهر الاخرى والتحولات الطبيعية ، والتغييرات الأجتماعية ، ويتضح من كل هذا المعنى المراد من الحديث الشريف : « السعيد سعيد في بطن امه و الشقي شقي في بطن أمه ».
    وتتضمن الكتب الفقهية في باب الأطعمة والأشربة وباب النكاح الكثير من التوصيات والتأكيدات على هذه الجوانب.


(135)
    3 ـ لحظة الولادة : وهي لحظة حساسة ومصيرية في تحديد سعادة او تعاسة الطفل. فقد تتوفر الى حد تلك اللحظة جميع الامكانات المؤدية الى نبوغ طفل من الأطفال ، الأ انها تذهب كلها في تلك اللحظة ادراج الرياح.
    ففي حالة تعسر الولادة قد تتعرض جمجمة الطفل للأذى ويصاب الدماغ فتترتب عليه نتائج وخيمة قد يكون منها اختناق الطفل وما يتمخض عنه من خلل ونقص ذهني. وقد يؤدي جهل القابلة وتلوث يديها ، والضغط على الجمجمة الى حصول بعض الأضرار الجسيمة.
    أما إذا تعرض الطفل للبرودة بعد خروجه من رحم الأم والذي يحصل عادة بسبب الانشغال بحالة الأم واهمال الطفل فسيؤدي الى عواقب غير محمودة.
    وعلى هذا فقد وردت في الكتب العلمية والدينية ايضاً تأكيدات كثيرة عليه حتى ان كتابا مهماً ككتاب وسائل الشيعة أفرد له باباً خاصاً.
    4 ـ لمن الطفل ؟ لمن يعود إذن الطفل الذي جاء الى هذه الدنيا بهذه الكيفية ؟ الطفل ليس لأبويه ، والدليل على ذلك هو انتفاء حقهما بالتدخل سلبياً في أمره أو الاساءة الى وضعه ، ولا يسعهما سوى بذل الجهود النافعة له ، وكل ما يصب في مصلحته ، وليس في ما يضره. وقد وردت الكثير من التوصيات في هذا الصدد التي تؤكد ان لا حق للوالدين في ضرب الطفل الى الحد الذي يوجب الدية. والأولوية في التربية من حق الوالدين طبعاً شريطة أن تكون لصالح بناء الطفل ، والا فبالامكان أخذه منهما وانتداب جهة أخرى للأشراف على تربيته. فهل معنى هذا أن الطفل يعود للمجتمع ؟
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ::: فهرس