تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ::: 136 ـ 150
(136)
ومن المؤكد أيضاً أن الطفل لا يعود للمجتمع. وذلك بدلالة ان ـ المجتمع كالوالدين ـ لا يحق له الإساءة اليه ولا التصرف في امره بما لا يليق ولا القيام الا بما يخدم مصلحته.
    الا أن بعض الفلاسفة وأصحاب المذاهب الفكرية يرون الطفل ملك للدولة ؛ ( مثل كندرسه الفرنسي ).
    ولا شك أن الدولة الصالحة يحق لها ابداء رأيها بشأن ما يصلح حال الطفل ولكن لايجوز لها التصرف فيه كسلعة تباع وتشترى ، ولا مصادرة حريته الا في اطار القانون الالهي.
    فهل الطفل اذن ملك لذاته ؟ والجواب على هذا السؤال سلبي أيضاً ، لأن الانسان لايجوز له الحط من نفسه والسير بها نحو التحلل ولايسمح له بايذاء نفسه ، والاساءة اليها ؛ فلايحق له الانتحار ـ أو المتاجرة بنفسه ، بل هو مخول بجميع الصلاحيات المؤدية الى رفعته ، اما اذا كان السير في الاتجاه المعاكس ، اي نحو الهبوط والتفسخ ، فالصلاحية مسلوبة منه.
    فلمن الطفل إذن ؟ ان الجواب القاطع الذي يمكن تقديمه هنا ، هو أن الطفل ملك لله ، وامانته ، وما الاب والام والمجتمع والدولة الا امناء لله. وواجبهم ازاء هذه الأمانة هوالعمل على ما فيه خيرها واجتناب كل ما ينقص ما شأنها. والكل مسؤولون عن صيانة هذه الأمانة الى ان يستردها صاحبها فترجع اليه. إنالله وإنا إليه راجعون.
    الأبوان أولى من غيرهما ـ طبعاً ـ في صيانة هذه الأمانة لا بل مكلفان بها من الوجهة الدينية. وبعبارة أخرى : ان للطفل حقاً على والديه وعليهما


(137)
واجبات تجاهه. يعد التقصير فيها مدعاة للمساءلة. ونحن نطلق على هذه المسائل اسم « واجبات الوالدين في التربية » ، ونشير الى أننا نطرحها هنا بشكل اجمالي ، ومن اراد التوسع والحصول على مزيد من التفاصيل فلابد له من مراجعة الكتب المتخصصة في هذا الحقل.

    واجبات الابوين في التربية
    واجبات الوالدين كثيرة ؛ أو بعبارة ادق : دين الأبناء على الوالدين كثيرة ، ولو اتينا على ذكر التفاصيل لطال بنا الكلام. ويمكن تلخيص الأشياء التي تستوجب الذكر ، الى ما يلي : ـ
    1 ـ قبول الطفل : يبدي الكثير من الناس حساسية خاصة ازاء جنس الطفل ويرغبون بان يرزقوا ولداً على سبيل المثال ، وقد يرغب البعض الأخر في انجاب البنات. من حق الطفل أن يرضى به والداه بغض النظر عن جنسه. كان الامام السجاد (ع) عندما يرزق مولوداً جديداً يسأل عن سلامته قبل السؤال عن بقية صفاته ، ثم كان (ع) يقول : « الحمد لله الذي لم يخلق مني خلقاً مشوهاً ». ولأجل إزالة هذه الحساسية الموجودة في النفوس ازاء جنس المولود ، قال رسول الله (ص) في تكريم الأنثى « ريحانة أشمها ورزقها على الله » وكان يقبل يد ابنته ويقول : « البنت هدية من الله ».
    2 ـ تسميته : من الأفضل أن تتم التسمية قبل الولادة ، وينبغي اختيار اسمين له وهو ما يزال جنيناً في مرحلة الحمل ، احدهما اسم ذكر والأخر اسم انثى.
    ومسألة انتخاب الأسم الحسن لها أهميتها ، ولا سيما اذا صار في


(138)
المستقبل شخصية مرموقة. فللأسماء تأثيرها في خلق مشاعر الكبرياء أو الحقارة لدى الشخص ويفضل عادة أختيار الأسم الذي يشعر الشخص بالنبل والارتباط بالصالحين وقد وردت بعض التوصيات التي تؤكد على ضرورة تسمية الطفل بأسماء آل البيت (ع).
    3 ـ إقامة الشعائر الدينية : يؤذن في اذن المولود اليمنى ويقام في اليسرى بعد الولادة ويستحب اجراء ذلك قبل قطع الحبل السرى. جاء في الروايات أن هذا العمل تعويذ للطفل من همزات الشياطين. وقد يتبادر الى الأذهان السؤال التالي : ما ضرورة مثل هذا العمل بالنسبة للطفل الذي لايدرك شيئاً ؟ والجواب : أن هناك تفسيراً علمياً لهذا العمل لامجال لذكره هنا خلاصته إن هذا العمل يؤثر كثيراً في خلق الروح الدينية عند الطفل.
    ومن المسائل الأخرى المرتبطة بهذا الموضوع هي غسله وختانه ، وتقديم عقيقة عنه ، والتصدق بوزن شعره ذهباً او فضة.
    4 ـ إحترامه : ذكرنا سابقاُ أن الطفل أمانة الله وهديته الينا. هو مرتبط بالله ولايمكن النظر اليه كدمية او وسيلة لعب يجوز الإستهانة بها.
    وهذا الأرتباط بالله يجعله شيئاً مهماً وذا كرامة ، ومنزلته هذه تستوجب الالتفات الى بكائه وصراخه ، وصفوة القول : يجب معاملته باحترام ، فحينما يتحدث يجب الإصغاء اليه ، وعدم الإكثار من التدخل في أفعاله وشؤونه التي ينشغل بها ، بل يجب أيضاً إجتناب التدخل في سلطته على وسائل لعبه ولهوه. يجب أن يشعر بأنه شخصية كبيرة له احترامه بين الآخرين ويحضى بينهم بالقبول.


(139)
    5 ـ محبته : المحبة ضرورية لادامة حياة الطفل. وبوجودها تشعر نفس الطفل بالارتياح والاستقرار. أما الذين يفتقدون عنصر المحبة في الصغر فيتحولون في الكبر الى اناس ذوي طباع خشنة ، وعقد نفسية مستحكمة. ويجب ان لاتتوقف المحبة على مكانته النسبية كأن ينظر الى نسبة جمال الطفل او مقدار نموه ولون عينيه وشعره ، بل ينبغي وجود المحبة لمجرد الارتباط القائم بين الطفل وأبويه. ولايجب ان تتجاوز المحبة مداها لأنها ان خرجت عن حدها جاءت بنتائج عكسية.
    6 ـ تغذيته : لا غذاء أفضل للطفل من حليب الأم. وقد أكدت الأحاديث ان الام لها الحق بطلب أجرة ارضاع طفلها. والام لاتقدم له الغذاء من خلايا جسدها فحسب ، بل انها تبادله العطف والحنان اثناء الإرضاع.
    وفي حالة عجز الام عن اداء هذا الواجب ، يفترض حينئذ الإتيان بمربية له او أوصت الأحاديث بجملة من الخصائص اللازمة والتي يجب توفرها في المربية كأن لاتكون حمقاء ، ولا مريضة العينين ، ولا يهودية ولا نصرانية ولا مجوسية ، ولا بنت زنا ولا سيئة الاخلاق ولا ناصبية ، بل يفضل أن تكون مؤمنة وتتحلى بما يناسب الحال من الجمال والأدب.
    واذا تعسر الاتيان بالمربية ، يقدم له حليب الدواب ( ويحل محله في عصرنا الحالي الحليب المجفف ) ولكن لايفوتنا ان ذلك يؤدي الى الفطام المبكر الذي يؤدي الى آثار سلبية من الناحية النفسية.
    عندما يتم الطفل عامه الأول يتوجب علينا اطعامه مما نأكل وبعد الشهر الخامس عشر نترك له الحرية في تناول الطعام لوحده ، أي لانلقمه.


(140)
    ومن شروط الطعام ان يكون طيباً طاهراً لأنه يؤثر على سلوك الطفل وتصرفاته ، وورد في القرآن الكريم « يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا الله ان كنتم اياه تعبدون » « البقرة : آية 172 ».
    7 ـ كسوته : يجب ان تكون ثيابه واسعة حتى لا تقي نموه ، ويفضل ان تكون بيضاء او ملونة. ولايكسى الطفل بثياب الحرير ولايعود على النعومة من صغر سنه ، كما لاتكون ثيابه على درجة من الخشونة تؤذي جسمه.
    8 ـ الجانب الصحي : يجب المحافظة على الطفل من الأمراض والأوبئة وصيانته من اي عارض خطر ، وصفوة القول هي العمل على كل ما من شأنه إطالة عمره والمحافظة على سلامته ، ويتم ذلك عن طريق الإلتزام بالشروط الصحية بالنسبة لطعامه والمحيط الذي يعيش فيه.
    اما في جانب الصحة النفسية ، فيمكن المحافظة عليها عن طريق تجنب كل انواع القلق والاضطراب والمخاوف.
    ويمكن أيضاً المحافظة على سلامته الذهنية وذلك بتجنيبه الانعكاسات التربوية السيئة ، فالذهن جوهرة ثمينه ويجب الا تشتمل الاعلى الاشياء النفيسة.
    9 ـ التربية العاطفية : يجب ان يتعلم الطفل في البيت كل انواع الانفعالات العاطفية : كالمحبة والعطف ، والألم والمرارة ـ والحزن والفرح ، ومن الواضح ان فقدان المحبة يخلف آثاراً وخيمة في نفس الطفل ، لأن المجتمع الخالي من الحنان والمحبة مجتمع متعجرف ، وسرعان ما سيلقى نتائج مواقفه. وعلى هذا فالطفل يحتاج الى بذل الحنان والمحبة له ، وأن


(141)
يلقى الرعاية والاهتمام اللازمين ، كأن يقبلوه ويلاطفوه ولا يظهر الانزعاج من الحاحه ولايتصرفون معه بقسوة وخشونة.
    10 ـ التربية الاجتماعية : والمراد بها أن يعلم الأبوان الطفل آداب المعاشرة والأسلوب الذي ينبغي سلوكه في الحياة الاجتماعية بحيث يستطيع تحمل اعبائها ولايشعر بوطأتها ، ويميل الى التعاون والتكاتف مع الآخرين ولايشذ عن الجماعة وأن يكن في قلبه الاحترام الكافي للإنسانية.
    يحتاج الطفل الى تعلم الأصول الاجتماعية التي تجعل علاقاته مع الآخرين مبنية على أساس التفاهم المشروع والسير في طريق خدمة مجتمعه ورعاية مصالحه وخدمة العدالة الاجتماعية. وهذا يستلزم مواصلة اعداد الفرد أعدادا أجتماعياً حتى سن الحادية والعشرين عاماً وإشراكه في الشوؤن العائلية وتحمل بعض ما فيها من مصاعب ، واصطحابه الى التجمعات والمحافل الاجتماعية المختلفة.
    11 ـ التربية الدينية : وتبدأ بمفهومها العام منذ اليوم الأول للولادة. وفي السنوات اللاحقة يجب مراجعة الكتب الدينية التي تحدد البرامج اللازمة لكل سنة او حتى لكل عدة اشهر من مراحل حياة حياة الطلفل. ففي الثالثة مثلاً ينبغي تعليمه كيفية السجود ، وفي الخامسة اداء الشهادتين ، وفي السابعة يتعلم الصلاة ، ويتحقق بعض هذا التعليم عن طريق مشاهدة عمل الوالدين والمشاركة في المحافل الدينية.
    12 ـ التربية الأخلاقية : يجب أن يتعلم الطفل ومنذ الأشهر الأولى من حياته المسائل الأخلاقية والمراد بها هنا : مجموعة الأصول والقواعد التي


(142)
تحكم العلاقات الانسانية والحرص على المحافظة عليها. فألتربية اذا خلت من الوازع الأخلاقي لاتعني سوى اعداد مجرم ماهر.
    تتفتح لدى الانسان في ظل التربية الدينية الكثير من السجايا الربانية والفضائل العقلية كالامانة ، والشجاعة ، والإقدام ، والحذر ، والإحساس بالمسؤولية ويلتزم بالأسس والمعايير التي تنظم حياته.
    الشخص بالعمل ، يتوجب علينا عدم التشكي من مشاق اعمالنا أمامه لان هذا يولد لديه كراهية العمل.
    13 ـ التربية الاقتصادية : وتقع على الابوين ايضا مهمة تربية الوليد تربية يكسب فيها المهارة في الفنون التي تساعده على اتقان عمل معين ، وتعليمه فناً ينفعه في تسيير امور حياته ولايكون كلا على الاخرين. واذا اردنا ترغيب الشخص بالعمل ، يتوجب علينا التشكي من مشاق اعمالنا امامه لان هذا يولد لديه كراهية العمل.
    والمسألة الأخرى التي يجب ان يتعرف عليها الطفل هي قيمة المال.
    اذ يجب ان يطرح أمامه على انه وسيلة لصيانة الكرامة ، وقضاء الحاجات الضرورية في الحياة ، والمساعدة على بلوغ الغاية التي ينشدها الانسان.
    14 ـ المكان المناسب : يحتاج الطفل الى مكان يستطيع فيه الاختلاء بنفسه والاستغراق في عالمه الذاتي. فإن تعذر إفراد غرفة له ، فيجب على الأقل تخصيص زاوية من احدى الغرف له لكي يستطيع أن يضع فيها دماه ولعبه الخاصة ، وينشغل فيها باللعب والتسلية اما في السنوات اللاحقة ، فالأمر يتطلب عزل مكان نومه عن محل نوم الأب والأم والأخت.


(143)
    15 ـ تعليمه المسائل الضرورية : وهنالك الكثير من المسائل الضرورية الأخرى التي يجب تعليمها للطفل كالواجبات ، والمحرمات ، والحقوق والحدود ، وفقاً لما يتناسب وسنه. ويتسع هذا الباب التعليمي ليشمل كل الشؤون المهمة في الحياة والعائلة ومسائل الزواج وغيرها.
    ولكن مما يؤسف له أن الكثير من العوائل تأبى الأجابة على اسئلة الأبناء بذريعة أن هذه المسائل تزيل حياءه. وربما تعمد اكثر العوائل الى تهيئة الأجواء التي تثبط الأبن عن الاستفسار من والديه.
    ولاينتج عن مثل هذا العمل سوى إلحاق الضرر بالعائلة والطفل على حد سواء. ومن الواضح ان الطفل سيعثر على جواب اسئلته بشكل او آخر. فاذا تنصل الأبوان عن اداء هذه المهمة فسيندفع الطفل تلقائياً الى سؤال الأخرين عما به يجول بخاطره ، ويلقي اسئلته على اشخاص غير مطلعين ، وربما مغرضين أحياناً ، إذن فمن الأفضل ان يتولى أبواه هذه المهمة بالأجابة على اسئلته بهذا الأسلوب ، أو ذاك ، لأنهما أحرص الناس عليه وعلى مصلحته.
    16 ـ اللعب مع الطفل : اللعب من الحاجات الاساسية للطفل ومن المستلزمات التي تهيئ له أرضية النضوج. والطفل في البيت يحتاج الى من يلعب معه ويماثله في السلوك والتفكير ، وهذه الحاجة اكثر ماتلحظ على الطفل الوحيد للعائلة.
    ولهذا أشير في مناهج التربية الأسلامية الى أن حاجة الطفل هذه تتطلب أن يجعل الأبوان نفسيهما بمنزلة الطفل ويلعبا معه ، وكان النبي الأكرم (ص) يتبع هذا الأسلوب مع الحسنين (ع) حتى انه كان يجعل نفسه كالبعير فيركب


(144)
ابناه على ظهره.
    17 ـ تربيته على تحمل مصاعب الحياة : لاتسير الحياة دوماً على وتيرة واحدة ، ولا يتوفر فيها الطعام اللذيذ والفراش الوثير على الدوام ، ولاتكون مصحوبة دوماً بالراحة وفراغ البال ، بل تقترن احياناً بانواع الحرمان ، وهذا ما يجب على الطفل أن يعيه في حياته.
    وبناء على ما ذكر فلا ضرورة لأن يعيش الطفل دوماً في الرياش والنعيم ولانصر على اقتران حياته في جميع الأحوال بالنجاح والتفوق ، بل أن مسار الحياة يستدعي أن يتذوق أيضاً طعم الفشل ويعيش ظروف الحر والقر والجوع والعطشى والتعب والراحة ، وان يعد نفسه لتحمل مصاعب حياته المقبلة والمليئة بأمثال هذه الأضداد.
    ولا ننسى الاشارة الى اهمية ووجوب تعليمه الأمور المختلفة لكل من عالمي الرجل والمرأة ، وذلك من خلال مشاهدته للسلوك اليومي الذي يتبعه الأبوان.
    ولابد ان ننبه أيضاً الى ان السقوط والإنزلاق ، والجرح والألم والراحة والسعادة جزء من مستلزمات الحياة ، ولا داعي لأن يتلقى الطفل يد العون والمساعدة حينما يتعرض لشيء من هذا القبيل ، لأنه سيصبح في مثل هذه الحالة شخصاً ضعيفاً لايثق بنفسه.
    بالإضافة الى كل ذلك يجب أن يتعلم النظر الى الحياة بنظرة ايجابية وهذا مايتطلب عدم مواجهته بظرف يسلب منه طعم الحياة وبهجتها ، وعلى الوالدين أن يمتنعا عن تضخيم مصاعبهما ومشاكلهما أمامه ، لأن هذا يدفعه


(145)
الى إساءة الظن بالمستقبل والتخوف من الزمن.


(146)


(147)
    المقدمة
    يولد الانسان وهو مزود بالغريزة والفطرة ، وكل دوافع العمل والجهد والارتقاء والنضوج والسعي لبلوغ الأهداف النبيلة. وبإمكان القوى الأدراكية المودعة فيه ادراك الواقع والحكم على الأمور.
    وله حياة وجدانية ، والمراد من ذلك أنه قادر على النظر في ذاته في اية لحظة ليدرك أن له رؤية وبصيرة في ظل وجود عوامل الإستقرار والراحة.
    إن وجود مثل هذا الإدراك ومثل هذه الحياة التي تسمى بالضمير إنما هي مقدمة لتوجيه الإنسان نحو الغاية المنشودة. ثم انه يكتسب ، في ما بعد ، الأسس الأخلاقية وبعض المعتقدات الدينية والمدركات الموجودة في هذا العالم نتيجة للتربية والبيئة الاجتماعية.


(148)
    ما هو الضمير ؟
    قالوا : ان الضمير هو عبارة عن وعى الانسان لشخصية وحقيقة الباطنية ، وهو عامل لمعرفة المسائل والجوانب المتعلقة بحياته. ذكروا ايضاً أنه عبارة عن قوة النفس المدركة وانه يدرك كل ما هو وجداني وواقعي وحقيقي.
    وبناء على هذا المفهوم فإن الضمير هو نوع من الادراك الباطني الذي يعرف ـ وحتى من غير علم ـ إن لهذا العالم مدبراً ( وهذا هو الضمير التوحيدي ) ويدرك أيضاً ان مسار الحياة يتطلب الاخلاص والأمانة ، وأن الكذب والخداع قبيح.
    نحن نعلم ان الطفل يدرك ذاتياً وبواسطة ضميره ان الكذب قبيح .. وحتى أنه في مطلع حياته لايقدر على اختلاق الأكاذيب. فالضمير يبدي له حقيقة الكذب القبيحة. الا أن الطفل ينجرف في ما بعد في تيار يجعله قادراً على الكذب بسبب سوء التربية ، وعدم سيطرة المربي والتعليم الخاطئ.

    مصدر الضمير وجذوره
    ولكن ما هو مصدر الضمير ومن اين يستمر وجوده ؟ يمكن القول بوجود رأيين في هذا الصدد. وهناك نمطان من التصور بشأن القبح والجمال بشكل عام يطرحهما الدين وعلم النفس وهما بالشكل التالي :
    1 ـ الاكتساب والتعلم : يرى أصحاب هذا الرأي وأكثرهم من علماء النفس ذوي الإتجاه المادي ، أن الطفل يكون عديم الضمير حين الولادة ،


(149)
ولا يمتلك أية معايير يدرك بها القيم ، وتستوي لديه الأمانة والسرقة والصدق والكذب. ثم انه يكتشف لاحقاً بعد التعلم والإكتساب بأن الأمر الفلاني جميل ، والآخر قبيح .. وللتعلم دوره ـ كما للآلام ـ في خلق هذه الأرضية عند الأفراد وتوعيتهم على هذه الأمور.
    2 ـ الفطرة والذات : بينما يرى آخرون وعلى رأسهم الالهيون أن للضمير جذوراً فطرية. وانه مغروس في أعماق كل الناس بشكل متماثل. ويعتقدون أن الضمير فطرة ربانية ، أو غريزة لاتفنى. وهو دليل موثوق للإنسان ، كما انه يضع الانسان لا ارادياً على طريق الخير والسعادة ويجنبه الوقوع في المنزلقات.
    الضمير فطرة أولية لايحتاج الى كثير من الجهد للتعلم سوى أن توضع أمامه مصاديق مختلفة للحسن والقبح.
    يقوم مبدأ الخلقة على الصدق ، الا أن الأطفال يجدون انفسهم مضطرين ـ ومرد ذلك سوء التربية ـ الى البحث عن سبل الخداع او اختلاق الأكاذيب للتخلص من بعض المواقف الحرجة.
    وعلى هذا الترتيب فإن الضمير جزء من فطرة الأنسان ونفسه اللوامة التي توبخه على كل معصية أو إنحراف يصدر منه. وإنطلاقاً من هذه الرؤية يتبين ان الضمير اشعاع من الهداية الإلهية التي تنير طريق الإنسان وتسلط الأضواء على الجوانب المظلمة في الحياة ، فتبغض إلينا كل قبيح ، وتحبب لنا كل ما هو جميل وترتضيه الفطرة.


(150)
    الدليل على فطرية الضمير
    ولكن ما هو الدليل على فطرية الضمير ؟ ولغرض الإجابة على هذا السؤال يمكن الاشارة الى أن الضمير لاينحصر وجوده لدى الناس المتدينين فحسب ، بل يمكن معاينة مؤشرات وجوده عند سواهم ايضاً بسبب ميل الناس الى كل ما هو جميل ونبيل وابتعادهم عن كل مايشين. وقد يتمكن بعض الناس من وأد هذا الحافز في ذواتهم ، أو أنهم يشددون عليه الخناق فيحولون دون استيقاظه لكن جذوره لاتجف أبداً.
    للضمير التوحيدي ، والضمير الأخلاقي جذور متوغلة في اعماق كل انسان من جميع الأمم والشعوب ، ويستوي فيه الأسود والأبيض والرجل والمرأة ، والجميل والقبيح. وهذا ما يصطلح عليه الدين بـ « معرفة الله بالفطرة » وفي ميسور جميع الناس ان يدركوا ـ حتى بدون مربي ـ ان لهذا العالم خالقاً. وأن الصدق جميل والكذب قبيح. فالجميع يمتلكون هذا الضمير التوحيدي والأخلاقي.

    غاية الضمير
    للضمير غاية يستهدفها ، ويعللها الدين بالنفحة الالهية التي نفحت في روح الانسان ، وتتمثل بالنقطة التي نبلغها من خلال عملية البناء الذاتي والتكامل الروحي ، والتي تلحظ مظاهرها طوال مدة الحياة في النزعات الانسانية السامية كالتضحية والايثار واكتساب المعرفة ... الخ.
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ::: فهرس