تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ::: 151 ـ 165
(151)
    ان الهدفية الكامنة في ضمير الإنسان هي التي تدفعه لبناء ذاته مع السعي في كل موقف يمر به الى تجنب اي زلل قد يصدر منه ، فأما من كانت فطرته سليمة وضميره حياً فيسير في طريق الأحسان والسيطرة على زمام نفسه. وضميره يؤدي دور الحارس او المراقب الذي يحثه على فعل الخير وينهاه عن كل قبيح.
    وفي الجانب التربوي تقع على المربي مهمة المحافظة على سلامة ضمير الطفل بتحذيره أو حتى معاقبته في موارد الانحراف. وكان الأنبياء يركزون مساعيهم على استثمار هذه الطاقة المودعة في فطرة كل انسان لأجل توجيهه الى المسار الصحيح والحيلولة دون موت ضميره.

    ضرورة وجود الضمير
    وجود الضمير والمشاعر التي يثيرها ضرورية للإنسان لأن فقدانها يؤدي به الى الحيرة والضياع أو حتى السقوط في مهاوي الإنحراف والرذائل. قد نتعرض احياناً لحالة من القلق والإضطراب من الناحية العقلية وذلك لعدم قدرتنا على اتخاذ القرار الصحيح بشأن أمر ما. ولو كان الضمير حياً لما واجهنا موقفاً كهذا لأنه يتيح لنا فرصة إلتماس الطريق القويم. الضمير نعمة الهية تثير مشاعر البغض والكراهية للجوانب السلبية ، والرغبة والشوق لكل ما هو ايجابي وبناء ، ويسوق الأنسان نحو الكمال ويكشف له طريق السعادة. وتكمن ضرورة وجوده في كونه يشرف على سلوك الأنسان واوضاعه


(152)
    دور ومهمة الضمير
    وصفت التعابر العلمية الوجدان بربان سفينة الوجود ، وقائد الأنسان الذي يقود زمام الامور. يوجهنا في أي صوب يشاء ، وينهانا عن السبيل الذي يريد. واي خلل فيه سيؤدي الى الضلال والضياع. هو المشرف الذي يراقب عمل وسلوك الأنسان. وكل مايحدث في مسار هذه الحياة ، أنما هو قائم على اساس حكمه. فإن حصل خطأ في مسير الإنسان يتصدى له الضمير وينبهه الى خطئه وانحرافه ، بل ويؤنبه عليه في بعض المواقف.
    الضمير كالمرآة التي ينعكس فيها سلوك الإنسان باجمعه صغيره وكبيره ماخفي منه وما ظهر. فيرى الإنسان صورة تلك الأعمال واضحة أمامه ، فيضعها في المعيار ويقييمها ويبدي رأيه في خيرها وشرها ثم يستسيغها أو يرفضها. وتعتبر هذه الرقابة وهذه المقارنة ، وهذا التحكم وسيلة للسيطرة على الذات ، وحتى ان الطفل يستطيع السيطرة على ذاته في ظل وجودها.

    أهمية الضمير
    يتضح مما سلف ان وجود الضمير لدى الإنسان مهم فهو قاض ومشرف ، ودليل أمين. له رأيه في قبيح الأمور وجميلها. وهو من هذا المنظار قاعدة كبرى لتربية الإنسان وسعادته.
    والضمير كما نراه نحن عبارة عن محك وميزان لايجوز التقدم عليه ولا التخلف عنه ، فإن تخلف الإنسان عنه لقي من التأنيب ما يلقى وهذا الأمر


(153)
بذاته له دور كبير في نضوج الشخصية وامتناع الإنسان عن الإنحراف وجنوحه الى كل ما هو مفيد.
    اما الأسلام فأنه يرى الضمير شاهداً على الإنسان وحارساً أميناً يفرز له خير الأعمال وشرها ، ويحاول التسلل الى اعماقه عن طريق الانس والالفة لتكون له السيطرة التامة على كل اعماله. ويترجح في الأهمية على العلم لأنه يحتل مكانة اعلى من مكانية المعادلة المتعارفة في السؤال والجواب او مشاهدة الظاهر وتقييم الباطن على ضوئه. فالشخص الذي ينكر الحقائق ويلجأ الى الكذب امام القاضي ، يعلم ان كلامه مجاف للحقيقة وهو ما يجعله يعاني من العذاب وتأنيب الضمير.

    السلك الوجداني
    السلوك الوجداني هوالسلوك الخالي من الكذب والخداع والرياء والتحايل. وهو سلوك عادي وطبيعي ، ومنسجم مع النوازع الباطنية ، ومقرون بطيب الخاطر ، ولا يشوبه اي قلق او اضطراب.
    السلوك الوجداني مجرد من التعذيب والايذاء ، والقتل والمضايقة. وإن صدر اي عمل مشين سارع الضمير الى استنكاره فهو يعرف القبائح ويتجنبها.
    من معالم السلوك الوجداني اقترانه دوماً بالسكينة والاتزان ، فلا يضطرب الإنسان من بروزه. ولا إزعاج فيه اللآخرين ، ولايشعر الإنسان معه بالذنب والندم واذا وجد الإنسان نفسه مجرداً من القيود والموانع ، لايتورع عن ارتكاب كل ما تسول له نفسه ، فهو يقيم بناء حياته على اساس استبعاد


(154)
تأنيب الضمير.
    ولايمثل الدين عاملاً مساعداً لعمل الضمير فحسب ، بل هو من عوامل المحافظة عليه ، وتطمح التعاليم الدينية الى تقويم عمل الضمير و رفع درجة وعيه وقدرته على اصدار الأحكام ، فتطرح له الأمثلة والمصاديق المتنوعة لتقوية ادراكه وتوسيع قابليته على فهم الأمور.

    انواع الضمير وابعاده
    الضمير موضوع وأرضية ، ولكنه يؤدي مهمته في ثلاثة ابعاد اساسية على أدنى تقدير. ونذكر في ما يلي هذه الأبعاد لأجل التعرف على جوانبها ، لغرض فهم الواجب العام الذي يتولى الضمير تأديته. وكل واحد من هذه الأبعاد الثلاثة بحاجة الى المزيد من التربية والتعميق :
    1 ـ ضمير المعرفة : والمراد به الشعور النفسي الذي يشعرنا بالحالة او الوضع الذي نحن فيه. فنحن نستطيع التفكير بأنفسنا في أية لحظة لتقييم الوضع او الحالة التي نحن فيها ونحكم عليها. فنرى مثلاً هل ان حالنا جيد او سيئ ؟ وهل نحن في حالة استقرار وسكينة ام في قلق واضطراب ؟ وهل ان حالنا سليم ام سقيم ؟
    2 ـ الضمير التوحيدي : والمراد به الضمير المدرك أن لهذا الكون خالقاً ، اسمه الله تعالى ، وهو خالق كل شيء ، وبيده الأمر والخلق ، وبيده زمام كل أمورنا وحياتنا ومماتنا.
    3 ـ الضمير الأخلاقي : وهو المؤشر الدال على القبح والجمال. يتولى الحكم على صحة او سقم سلوكنا. يؤنبنا على كل قبيح فيدفعنا ذلك الى


(155)
اعادة النظر في سلوكنا واتباع السلوك القويم والأخلاق الفاضلة بكل شغف وارتياح.

    محكمة الضمير
    حينما يواجه الإنسان الضمير لايمكنه التخلص من حسابه وتأنيبه. فلا محكمة أقوى من محكمة الضمير. مهما كان الإنسان قوياً ومقتدراً فلابد له من الخضوع امام محكمة الضمير. اي أن الضمير قد شكل محكمة للنظر في تصرفات الناس فإن رأى منهم خطأ ادانهم ، الى درجة انه يجبرهم في بعض الحالات على الانتحار والإستسلام للموت جزاء لخطأ معين صدر منهم.
    الضمير الأخلاقي كالقاضي الواعي المقتدر الذي يظهر حين ارتكاب الجرم فيقبض على الجاني ويقدمه للمحاكمة. صحيح أن بعض الناس قد يستطيع اخفاء جريمته عن المحكمة ، أو يتحدث بشكل يوهم المحاكم القضائية ببراءته ويموه عليها الحقائق ، لكن هذا غير ممكن في ازاء الضمير ، فلايمكن للإنسان إهماله او التخلص من تبعات الذنوب والمعاصي.
    لا تبرئ هذه المحكمة ساحة احد من الناس الا اولئك الذين لم يصدر منهم اي ذنب او انحراف ، وإلا فيتعرضون تلقائياً لتعنيف شديد من قبل الضمير ولا يكتفون بالندم على ما صدر منهم ، بل ينزلون بأنفسهم اقسى انواع العذاب.


(156)
    تأنيب الضمير
    يتعرض الأشخاص الذين يرتكبون جرائم كبرى تضر بالأخرين ، الى تأنيب شديد في الضمير. ومن المؤكد أن عذاب الضمير أشد ايلاماً من الاعدام ، ولهذا نرى بعض الناس يقدم على الانتحار تخلصاً من تأنيب الضمير ..
    السلوك المنحرف الذي يؤدي الى حصول بعض المصائب يجعل الإنسان يعيش في حالة من الضيق والاختناق لايتذوق فيها أنفاس الراحة. ويعاني من الأهوال والمصائب ما تطبع حياته بالتخبط والتعاسة. فلايجد لنفسه مخرجاً وتظل روحه تتعذب في خضم الصراعات والتناقضات الداخلية. تعتريه حالات من الغضب والإرتعاش في كثير من المواقف. فحينما يكون وحيداً يصرخ احياناً بصورة لا ارادية ، ويهمس مع نفسه باللوم والتقريع. وهذه كلها من معالم تأنيب الضمير. وقد يؤدي به هذا اللوم والتأنيب الى حالات قاتلة. ولهذا فقد ترك الاسلام باب التوبة مفتوحاً من أجل ان يستعيد المذنب وضعه الطبيعي ولا يفقد اتزانه نتيجة فقدانه الأمل بالنجاة. فالتوبة هي السبيل الوحيد لاعادة الإنسان الى الطريق القويم والاستقرار المطلوب.


(157)
    عذاب الضمير
    اما الاشخاص الفاقدون لأي التزام ديني ، ولكنهم مالكون لفطرة سليمة فسيظلون يعانون من ضغوط نفسية شديدة ، قد تؤدي بهم الى الابتلاء ببعض الأمراض العصبية. وقد تأخذ تلك العقوبات احياناً طابع الاختلال العصبي ، او الاضطراب النفسي ، او حتى أن بعض الأشخاص يصابون بالجنون. فالأشخاص الذين يتصرفون خلافاً لما تمليه عليهم ضمائرهم ، ويقدمون على ارتكاب الجرائم. يعيشون في أيام عصيبة وكأن نيراناً تلتهب في اعماقهم فيحترقون بها لذا نراهم يفقدون القدرة والاستقرار ، ويطغي عليهم كره الحياة والاشمئزاز منها ـ حتى أن الكثير من النشاطات الايجابية والتوجهات الخيرة لايعود لها اي تأثير في ارضائهم وخلق البهجة في نفوسهم. ان عذاب الضمير على درجة من التأثير ، بحيث يدفع الأشخاص احياناً الى اليأس من انفسهم ، فأما أن يقفوا في مواجهة الجرم الذي ارتكبوه وأما ان يستقبلوا الموت بشجاعة ، ولا يستلموا لآراء هذا وذلك.
    وهنا تجدر الاشارة الى هذه النقطة ؛ وهي ان الضغوط القوية التي تنشأ من جراء تأنيب الضمير قد تؤدي بالإنسان في بعض الحالات الى ان يصبح اكثر وحشية من الحيوانات الكاسرة ، وتتضاءل لديه القدرة على المقاومة ، فلايمكن في مثل هذه الأحوال التخلص من شرورهم. وعلى كل حال فالإنسان ليس كالحيوان الذي يسر بتصرفاته اللامسؤولة. ولايعتبر التقصير والقصور مدعاة لكماله.


(158)
    الضمير سد منيع
    يبدو الضمير في حياة الإنسان وكأنه سد يمنع من تحول حياتنا الى ايام سوداء ولا يدعنا نسقط في المسارات المنحرفة ، وينبهنا الى مسالك الجريمة. قد يبادر الإنسان الجائع الى القيام بأي عمل للحصول على رغيف الخبز ، الا أن الضمير يقف حائلاً امامه يمنعه من السرقة والجريمة لاشباع بطنه.
    وقد يكون بعض الأطفال في سن لايدركون معه مصاديق الجريمة والسرقة والغش ولايفهمون معنى خرق الأصول الأخلاقية. فلابد من تعريفهم بالمصاديق الدالة على ذلك. الا أننا إذا لاحظناهم مصرين على بعض الممارسات القبيحة ، فالواجب يحتم علينا الوقوف بوجههم ومنعهم من مواصلة اي تصرف غير لائق ، ومن المهام التي تتولاها التربية هي أولاً : توعيتهم الى خطأ بعض تصرفاتهم ، وثانياً : ان لاندعهم يرتكبون مثل هذه الأعمال ، من أجل استئصال الأعمال القبيحة من اعماق انفسهم.

    سبات الضمير وتلوثه
    يأتي الإنسان الى هذه الدنيا بضمير طاهر ، بانياً عمله على اساس الضوابط التي اودعها الله تعالى في نفسه. لكن هذا لايعني أن الضمير يبقى على نفس هذا الحال.
    يتوقف الضمير احياناً في بعض مراحل الحياة ونضوج الشخصية ، وقد


(159)
يتعرض ايضاً للأصابة بانواع المخاطر والأمراض فيتلوث ولا يعود قادراً على تأدية واجبه بشكل اصولي ، وهو ما يطلق عليه اسم سبات الضمير فيوقع الإنسان في مهاوي الضلال والتعاسة ، ولابد في مثل هذه المواقف من تجديد الضمير او اعادة صياغته من جديد بهدف اعادة الإنسان الى صوابه.
    واذا استمرت حالة سبات الضمير عند الإنسان ، فقد تؤدي به الى المسخ فينسى حتى مفهوم الحق ، بل ويتجاهل كل وجوده. او يكون حكمة على الأمور غير مصيب ، فيظهر على سلوك الإنسان نتيجة لذلك معالم الإضطراب وعدم الأستقامة.
    ان واقع الحال يستوجب التصدي منذ البداية لأي انحراف في سلوكه او القضاء على حالة فساد الضمير التي تعني الإهمال وعدم الحساسية تجاه وقائع الحياة والسلوك الفردي.

    تحول الضمير وتكامله
    يتسم الضمير بالقابلية على التحول والتكامل. فباستطاعة الإنسان القيام بالأعمال الحميدة والالتزام بالسلوك المستقيم ومكارم الأخلاق ونبذ التصرفات الهوجاء والأخذ بزمام نفسه والسيطرة على اهوائه ورغباته ليصل الى حالة السكينة والاستقرار ، وبذلك يكون قد قطع شوطا طويلاً في طريق تكامل ضميره.
    ومما ينبغي فعله تجاه الضمير هو اعانته في صراعه المرير الذي يخوضه قبال الظروف والمواقف المختلفة ، ومواصلة الأيحاء اليه بضرورة اصدار الأحكام العادلة ، وهذا ما يستدعي مجابهة الميول المعارضة للوجدان ،


(160)
وعدم الخروج عن جادة الصواب التي يرتضيها الشرع. وتعد نفس هذه الالتزامات من عوامل تكامل الضمير. الا أن هناك عوامل تضغط على الضمير من الخارج وتنجح في حرفه عن مساره احياناً.
    ولابد هنا من الاشارة الى ظاهرة هامة وهي ان الكثير من الضمائر الميتة قد تستفيق على روي سؤال مؤثر واحد ، فتسلك في حياتها مساراً جديداً.

    الضمير في سنوات البلوغ
    يدخل الضمير اثناء مرحلة المراهقة والبلوغ في حالة خاصة من الوعي. والباعث على ذلك هو ان الإنسان نفسه يلج في مرحلة خاصة من حياته ونضوجه. فيمسي ادراكه اوسع مما كان عليه من قبل ويرى نفسه مسؤولاً عن اتخاذ مواقف خاصة ازاء الأحداث المختلفة.
    وفي هذه المرحلة يستفيق ضميره الديني ويسعى لاستحصال المعلومات الكافية عن عقيدته ومذهبه. ولا يعكس الشك في المعلومات الدينية المكتسبة سوى سعيه المتواصل لاكتشاف الحقيقة والاستقرار على معتقد صحيح ، ومن الضروي أن يطوي هذه الفترة الحرجة من حياته تحت اشراف المربين ليكونوا على بينه من المصاعب التي يعانيها في هذا المجال ويسعوا لحلها.
    والنقطة المهمة الجديرة بالذكر هنا هي ؛ أن الضمير يتخذ قبالة في هذه السنوات طبقاً لما يقدمه الأصدقاء والزملاء ، وتقوم الموازين الأخلاقية التي يتبعها بناء على ما يلمسه ويراه من الأصدقاء ، وهذا من الأبواب التي يحتمل تسلل المخاطر منها.


(161)
    آفات الضمير
    ضمير الإنسان عرضة لكثير من الآفات والمخاطر ، وما الآفات في الحقيقة الامعاكسة وقلب النقاط البناءة للضمير. ويمكن القول بعبارة أخرى أن الطبيعة الإنسانية القابلة للتأثير ايجاباً وسلباً هي التي تؤدي بالضمير الى الانحراف والاصابة بالآفات ، فلايعود يهتم كثيراً حتى لموت وقتل الآخرين ولايهتز للمشاهد المؤلمة والقبيحة.
    لابد من التذكير هنا بأن ممارسة الأخطاء وتكرارها والتعود عليها يصيب ضمير الأنسان بالخلل ويحرفه عن مساره الأصلي ، فيصاب بالصمم فلايعود يسمع نداء الجميل والقبيح ، وحتى أن مثل هذه المفاهيم تستبدل مصاديقها في ذهنه ، فيتعرض وجوده ومصالحة حينذاك لمخاطر الانهيار والسقوط. وهكذا الحال بالنسبة الى قتل الفطرة والإكثار من الممارسات المناقضة لها التي تتسب في فساد الضمير ايضاً. فيمسي الشخص وكأنه في سبات لا قدرة له على التمييز بين الجميل والقبيح ولايعلم بفضائح ما يصدر منه.

    وجوب تربية الضمير
    يجمع علماء الدين والأخلاق وعلماء النفس على وجوب تهذيب الضمير وبذل الجهود الحثيثة لتربيته والا فمن المحتمل جداً أن يتعرض لخطر الجمود او حتى عدم الفعالية في بعض الحالات. ولذا نشير هنا الى أن الإنسان يولد و لديه الكثير من القدرات والاستعدادات في المجالات


(162)
المختلفة. ولو أن بعض المجالات حظيت الاهتمام والرعاية الكافية لكفت في ايصاله الى طريق الكمال.
    ما اكثر الناس الذين يولدون ويموتون من غير ان يستفيدوا من الدنيا أو يستثمروا ما لديهم من طاقات وامكانيات في سبيل بلوغ ارقى مراحل الكمال. فالضمير بحاجة الى الكثير من التربية والرعاية والتعرف على الكثير من المصاديق المتنوعة الحسنة ومنها والسيئة ، ليكون اداة ناجحة في ضبط سلوكية الإنسان في مسير حياته اليومية. وهذا يتطلب نقل التعاليم الدينية والأخلاقية النبيلة الى الأطفال لتحتل موقعها المناسب في صياغة شخصيته وبلورة أفكاره.

    فوائد تربية الضمير
    ولكن قد يتساءل البعض عن جدوى تربية الضمير فنجيبهم بالقول ان من جملة فوائده أنه يهب الإنسان القدرة على الصمود ومواجهة العواصف والأحداث التي قد تكون احياناً على درجة القسوة بحيث يضطر الإنسان الى اليأس والإستسلام أمامها اما اذا كان ضمير الإنسان على درجة من الوعي والتربية فستكون له القدرة على مواجهة امثال هذه الانحرافات.
    فالضمير هو الذي يأخذ بأيدينا عند اشتداد الأزمات وعندما تعصف رياح المعاصي والذنوب وتتعالى أمواج الجرائم في بحر الزمن الهادر ، ولا يتركنا ننهار او نسقط دينياً واخلاقياً.
    حينما يقوى الضمير في وجود الإنسان يبعث فيه حالة الشوق ، يجد فيه ضالته من هدوء وسكينة واستقرار. ولا نستغرب لو فهمنا ان انواع الايثار


(163)
والتضحية والبذل والعطاء تنبثق كلها اساساً من التربية الصحيحة للضمائر الانسانية.
    فكل التصرفات الحميدة والسجايا الفاضلة ومظاهر الإرتياح لخدمة الآخرين وغيرها من الاعمال النبيلة التي تصدر عن ارادة الإنسان واختياره ، منبثقة اساساً من الضمائر التي حصلت على التربية العالية ولها جذور ضاربة في اعماق وجودنا وهي التي تفتح امام الإنسان سبيل النضوج والكمال.

    الحصيلة المستمدة من تربية الضمير
    اما المحصلة النهائية التي نجنيها من تربية الضمير فهي ايصال الإنسان الى مرحلة الكمال التي تعود بدورها على الفرد والمجتمع بالخير والسعادة. ففي ظل تربية الضمير يتكون لدى الإنسان جهاز سيطرة يراقب جميع مواقفه وتصرفاته. ويصبح خاضعاً للمقاييس التي يقرها هذا الجهاز.
    يمكن القول بشكل عام إن حركات الانسان اذا كانت متجهة وفق مسار الضمير فهي تصب في قالب مثالي. تؤثر هذه الحركات في شخصية الإنسان فتكون نتائجها الايجابية لما فيه خير وصلاح المجتمع. ان الذين يعملون على حرمان الآخرين من التمتع بمياهج الحياة اما ان تكون ضمائرهم منحرفة او هي سائرة نحو الانحراف.
    إن مشاعر القبح والجمال المتأصلة في نفوسنا تعتبر اداة فعالة لصيانتنا من الخطر ، ووجودها يعني وجود مفهوم القبح والجمال في المجتمع وعدم ضياع وفناء شخصية الإنسان.


(164)
    إمكانية تربية الضمير
    هل بالامكان تربية الضمير ام لا ؟ ومن حسن الحظ ان الأجابة على هذا التساؤل ايجابية. إذ بامكاننا النفوذ الى اعماق الأشخاص عن طريق التربية وتوجيههم نحو الغاية المطلوبة ، ولا ينحصر هذا في نطاق شخص معين ولايرتبط بفئة او جماعة من الناس دون سواها.
    لقد اثبتت التجارب اليومية بأن الضمائر قابلة للبناء ، كما هي قابلة للتلوث والخدر والموت. هناك الكثير من الناس كانت لديهم ضمائر حية لكن اصرارهم على مواصلة ارتكاب المعاصي قد اوقعهم في الانحراف حتى يمكن القول أنهم ابتعدوا عن معنى الانسانية. وعلى العكس من ذلك يوجد الكثير من الأشخاص الذين قضوا اعمارهم في ارتكاب الذنوب والمعاصي لكنهم عادوا الى رشدهم وانتهجوا طريق الخير والصلاح نتيجة تأثرهم بتعاليم الأنبياء والصالحين.

    السن المناسبة لتربية الضمير
    أما حول السن المناسبة لتربية الضمير ، والمراحل التي تتوفر لنا فيها الظروف المثلى لإنجاح هذه العملية ، فيمكن القول إنها ممكنة في كل الأعمار ، إلا أن الضمائر أكثر ماتكون حية ومتيقظة عند الأطفال. ويمكن ملاحظة مظاهر هذه التيقظ في استغرابهم من وقوع الجرائم والأفعال القبيحة أو الانحرافات ، واستنكارهم لها وعدم استساغتهم لهاعلى اعتبار


(165)
انها تتعارض وإرادة الضمير.
    يبدأ الطفل منذ سن ( 5/2 ) عاماً بمعارضة كل سلوك يتعارض فطرياً مع توجهات الضمير ؛ ولا تخلو مثل هذه المعارضة وبهذا ـ المعيار بالذات ـ من فائدة لأنها تضمن الإتزان الداخلي والنفسي للطفل.
    فالطفل حينما يصل الى مرحلة الإستنباط وتنضج لديه قوة الخيال يبدأ بإدراك المسائل وتتكون لديه حساسية إزاءها ورغبة في الحكم عليها. فإن كانت تربية الضمير تامة في هذه المرحلة ـ وهي مرحلة حياته الأولية ـ فلن نواجه صعوبات كبيرة في توجيه الطفل ، ويتجدد ظهور حالة اليقظة هذه في مرحلة المراهقة.

    في سبيل تربية الضمير
    تجدر الإشارة هنا الى ان ضمير الطفل أكثر مرونة من ضمير كبار السن ، وسريعاً مايسلم القياد للتغيير. فقد تفرض احياناً على الطفل مسألة يرفضها ضميره ، ونطلب منه قبولها بأساليب اللين أو الخشونة ، فالملاحظ ان الطفل لايبدي أي تحد أو عناد بل يستسلم سريعاً رغم عدم اقتناعه.
    ويعود سبب هذه الظاهرة الى أن سلوك الأطفال في السنوات الأولى لم يتبلور بعد ولم يأخذ شكله النهائي ، وليس له القدرة على الإعتماد على نفسه ، بل لازال مرتبطاً بوالديه ومربيه. ولهذا يجب الأنتباه الى أهمية هذه المرحلة وما يتصف به الطفل من المرونة ، وخاصة بسبب ضرورة صياغة ضميره وتربيته وتوجيهه بالشكل الذي لايجلب عليه أي وبال في المستقبل. وهنالك أيضاً أصول ومبادئ يجب مراعاتها في سبيل تربية
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ::: فهرس