تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ::: 196 ـ 210
(196)
إن إشاعة مثل هذه الأخلاق تصون المجتمع من شيوع واستقرار القيم الباطلة. ومما لايخفى أن تشجيع الطفل على أمثال هذه المواقف ، وإن كان مضراً بالأبوين والمربين فهو ضروري بل ومصيري بالنسبة لمستقبله.
    5 ـ في مايتعلق بالحياة والاصول المتعارفة فيها :
    نواجه في حياتنا اليومية عشرات القضايا والمسائل التي يستلزم أداء كل واحدة منها قبول أو رفض عاملها من قبل المجتمع. والقبول أو الطرد الإجتماعي ليس مهماً طبعاً ، بل المهم أن لا يتخذ ذلك الموقف اعتباطاً. فقد يواجه الإنسان أحياناً الرفض من قبل المجتمع بسبب موقف صحيح وقفه أو اسلوب قويم سار على هديه ، من غير أن يعلم الناس بصحة موقفه فيعاجلوه بالإدانة إستجابة لتأثيرات معينة.
    فالتربية يجب أن تهتم بتربية الفرد بشكل يجعل منه شخصا عزيز النفس لا يخشى مثل هذه الإدانة ، وفي نفس الوقت يجب أن لا يتخذ الشخص موقفاً يستحق عليه الإدانة بسبب استخفافه بالآداب والتقاليد الإجتماعية الصحيحة.
    تتولى التربية عدة مهام في هذا المضمار ؛ وأكثرها فاعلية هي ما يلي :
    أ ـ رعاية ضوابط الحياة الشخصية : يختص قسم من التعاليم في النظام التربوي الإسلامي بالشخص نفسه ، بحيث تدفعه الى تبني المواقف النبيلة في الحياة. فيبادر شخصياً الى توفير موجبات نضجه وتكامله ، ويتجنب العوامل التي تؤدي به الى الميوعة والتفسخ. فينظم أوقاته


(197)
بتخصيص وقت مناسب للعمل وآخر للنوم والإستراحة والطعام وغيرها ، كذلك بحيث يؤدي كل عمل في وقته وظرفه المناسب كالإستراحة والترفيه ، والمحافظة على سلامة البدن ونموه والإهتمام بالصحة الجسمية والنفسية. ويجب أن يتعود المرء على تحمل الصعوبات والمصائب بشكل أو آخر ، وذلك لأن الحياة مقرونة دوماً باللذة والألم ، والسقوط والنهوض.
    ب ـ تنظيم العلاقات : توجه التربية الإسلامية بعض أهتمامها أيضاً لتنظيم علاقات الفرد مع الآخرين ؛ فعلى سبيل المثال يجب أن يكون تعامل الابن مع أبويه انسانياً ومقروناً بالأدب ، فلا يتطاول عليهما ، ويحترم الكبار ، ويكون عطوفاً مع الصغار ، ويتعامل من أترابه كتعامله مع إخوته وأخواته ، ويراعي الأدب والوقار في علاقاته مع جيرانه ومعلميه ، وعلماء الدين ، والكسبة ، المسلم والكافر ، ... الخ. ويتبع أسلوباً خاصاً في التعامل مع كل واحد منهم.
    جـ ـ حسن التعامل والبشاشة : الإنسان مضطر الى انتهاج مسلك العلاقات الاجتماعية العادية ، وهذا ما يفرض عليه التعامل بشكل يجعله مقبولاً في المجتمع. واذا أراد الفرد أن يحظى بالقبول الأجتماعي فلابد له من رعاية آداب المعاشرة ، والمواقف السليمة الخالية من نزعة التجاوز والعدوانية وطبيعة الحياة تفرض علينا تعليم أبنائنا ـ ومنذ نعومة أظفارهم ـ على طرح مطاليبهم وحاجاتهم بوجه طلق بشوش ، فلا يصرخ امام الآخرين ولا يسبب لهم الإزعاج. وعليه أن يراعي من المجاملات ما لا يتعارض والتعاليم الإسلامية ، ولا يؤدي به الى الخضوع والذلة.


(198)
    د ـ رعاية الآداب والأصول : لكل مجتمع وثقافة أصولها وآدابها التي يرى أفراد ذلك المجتمع أنفسهم ملزمين برعايتها. ويرى الدين الإسلامي ضرورة تطابق تلك الآداب مع الرؤى الدينية ؛ ومعنى ذلك ضرورة احترام كل سنة جارية بين الناس إذا كانت لاتتعارض والأحكام الشرعية. فإن كانت هناك بعض التناقضات بينها وبين القيم الدينية ، يمكن إحداث بعض التغيير في محتوى وهدف تلك السنن لكي تنسجم وما يؤمن به الشرع ، كاستغلال فرصة أعياد النوروز ـ على سبيل المثال ـ لزيارة الأقارب وصلة الرحم ، وهذا مما أمر به الدين الحنيف ، وارتداء الثياب الجديدة لإيجاد حالة من التجديد في نمط الحياة وسياقها المتكرر.
    هـ ـ الاهتمام بالمفاهيم العملية للأخلاق الاجتماعية : يتعرف الطفل طوال حياته على جملة من المفاهيم الأخلاقية كالجمال والقبح ، والطاعة والمعصية ، والشرف ، والغضب ، والخصام ، والسلم والتعاون ، وغيرها الكثير ، وفي أطر مختلفة من الأنماط والأساليب المتباينة. ولكن المهم هو أن يتلقى المصاديق الصحيحة لكل هذه المفاهيم المجردة ، ويتعرف على تطابق هذا المصداق على ذلك المفهوم ، وما هو العمل الصواب ؟ وما هو التصرف الخاطئ ؟ وعلى المربي أيضاً الاستفادة من عوامل الردع والتوجيه لغرض دفع الطفل نحو القيام بالفضائل واجتناب الرذائل.
    6 ـ في ما يتعلق بالحساب والجزاء :
    من الأمور المهمة في التوعية التربوية لفت انتباه الشخص الى موضوع


(199)
الحساب والكتاب ونتائج الأعمال. وأن يفهم الطفل منذ الصغر ، ما هي النتائج المترتبة على العصيان. وما هي حصيلة سوء الأدب والمشاكسة الخلقية ؟ وما هي العواقب المتوخاة من الصدق أو الكذب ؟ وغير ذلك من الرذائل والفضائل.
    ويتضمن مبدأ الحساب أيضاً تركيز هذه التعاليم تدريجياً في ذهن الطفل مع معرفة نتائجها مسبقاً لكي يوقن بعدم وجود فعل بغير رد فعل سواء كان الفعل جميلاً أم قبيحاً ، مع وجود فارق واحد وهو أن بعض الأعمال تفرز نتائجها فوراً وبعضها الآخر تظهر نتائجه غدا أو بعد غد. فالطفل حينما يتلوى من ألم أصابه في بطنه يجب أن يقال له أثناء العناية به بأن هذا الألم ناتج عن عدم الإصغاء لكلام الأب أو الأم حينما نصحوه بعدم تناول الطعام الفلاني ، أو بعدم الخروج عارياً في الجو البارد ... الخ. ويجب أن ينبه الطفل الذي تلقى العقوبة من المعلم بأن هذا ناتج عن التمرد على أوامر الأب الذي كان قد أمرك بعدم التكاسل الخ.
    وحين يقترب الطفل من مرحلة التمييز ، أو يدخل في عامه الثامن او التاسع ويبدأ يتفهم بالتدريج معنى كلمة ( الله ) او ( الدين ) ، يجب أن تطرح له مسألة الجنة والنار ، وليفهم أن الجنة جزاء فعل الخير والإحسان وإن النار عقاب الشر والإساءة ومن الطبيعي أن مثل هذه الإرشادات ستأخذ مداها في التأثير اذا كان المخاطب يفهم عملياً معنى الحساب والجزاء.
    ويجب أن تدخل كل انواع التشجيع والتقدير ، او اللوم والغضب والعقوبة التي يتلقاها الطفل من الابوين ، في إطار نتائج العمل ، وذلك لكي ترسخ في


(200)
ذهن الطفل هذه الفكرة ، وهي عدم امكانية بقاء العمل الصالح بلا ثواب أو إفلات الإنسان المسيء من العقاب ، وإن خفي أمر عن أنظار الوالدين فهو لايخفى عن علم الله ، ومن الأفضل أن يتم تشييد هذه الأسس في السنوات المتقدمة نسبياً من العمر ، وخاصة في السبع الثانية.

    الاخلاق والعادة
    من الأمور المهمة في التربية الأخلاقية ، للأطفال هي أن يتجذر السلوك الأخلاقي في نفوسهم حتى يصبح كالعادة. وليس المراد من كلمة العادة هنا هو التكرار الأعمى من غير معرفة الهدف أو المضمون. بل المقصود من ذلك هو غرس حب الخير في نفسه لكي يبادر هو شخصياً في كل مرة لأداء العمل الصالح عن وعي ورغبة.
    فعلى سبيل المثال ؛ لو قدم له أحد شيئاً يشكره عن وعي ، واذا قدم لاحد شيئاً يقول له وبكل أدب : تفضل. واذا صدر منه أي اذى غير متعمد لأي شخص يعتذر اليه ... والى غير ذلك من أنواع السلوك ، ومن الثمار المؤملة لمثل هذه العادة هي أن المربي لايضطر الى ملاحقته دوماً بالإرشاد و النصيحة اما السن المناسبة للإهتمام بهذه العادة فهي تبدأ من بعد الثالثة من عمر الطفل.
    ويمكن تجسيد العادات الأخلاقية الفاضلة على هيئة العلاقات الإجتماعية والتحدث بالكلام الطيب ، ومساعدة الآخرين ، وإعانة الفقراء والمساكين ، والأخذ بيد المنكوبين ، ورعاية النظام والأعراف المتداولة في الحياة اليومية ، وأمثال ذلك من المسائل.


(201)
    العادات الخاطئة
    ولابد لنا من الإشارة هنا الى وجوب الحذر من تنامي العادات الخاطئة لدى الطفل في سنوات عمره الأولى ، وخاصة في السنوات الست الأولى. فلا يجب تعويد الطفل على تلبية احتياجاته ورغباته عن طريق العناد او الالحاح او الحصول على ما يشاء عن طريق البكاء وإحراج الوالدين أو التضييق عليهما.
    فقد تؤدي مثل هذه العادة القبيحة الى التطاول ، وإساءة الأدب في الكلام وإهانة الوالدين والاعتداء عليهما ، وعدم تناول الطعام بشكل صحيح ، وعدم النوم بالصورة الصحيحة ، وإطالة البقاء في المرافق الصحية ، ومداعبة أعضائه التناسلية والتلفظ بالكلمات القبيحة و ... الخ. وتنبع مثل هذه السلوكية عادة من التصورات الخاطئة التي يحملها الابوان والنظر اليه كطفل لايفهم ، فيتركان له الحبل ليتصرف كما يشاء ويفعل ما يحلوله غير مبالين لتصرفاته السيئة ، جهلاً منهما بأن هذه السلوكية المنحرفة ستحكم قبضتها عليه ولن يتيسر له التخلص منها في سنوات المراهقة او البلوغ.

    ملكة الاخلاق
    إن الغرض من بذر العادات الأخلاقية الحميدة في النفوس ، والتي تتحقق على الغالب من خلال تقديم القدوات والنماذج الصالحة ، والطلب المتكرر بالإحتذاء بها ، هو أن تتحول الأخلاق الى ملكة في النفس ، والغاية المرجوة


(202)
من كل ذلك هي تمهيد الأرضية الخصبة الصالحة لبذر الفضائل حتى تنمو وتضرب بأطنابها في أعماق الطفل. ليكون قياده في ذاته ، وليكون هو الآمر والقائد نحو مكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال.
    فالسجايا الأخلاقية يجب أن تتحول لديه الى ملكة ، بمعنى ان يهيمن على نفسه ويمتلك زمام قيادها ، وان تكون هذه الصفة مثالا وهدفا يسعى اليه الطفل ، لكي تقوم حياته على ذلك الأساس. واذا تصرف يوماً بشكل يتعارض وذلك الهدف ، صعب عليه الأمر واستثقله ، ولا يتهاون به في أي موضع آخر.
    أما المنطلق الذين يجعلنا نتحدث عن إمكانية تحقيق مثل هذا الهدف ، فهو استنتاجات علماء النفس الذي يرون أن الأخلاق والقيم الأخلاقية تتحول الى باطن الإنسان في حوالى السنة الثامنة من عمره ، فيخضع حينئذ لهيمنة الوازع الداخلي.

    الصفة الإختيارية في الأخلاق
    يبدو من الضروري أيضاً التنبيه الى نقطة أخرى وهي أن الطفل اذا اندفع الى تطبيق الأمر الأخلاقي أو كف تصرفاته السيئة تحت سطوة الخوف فلا أهمية لمثل هذا التطبيق ، ولايجدي في بنائه الأخلاقي شيئاً ، لأن الخوف والعقاب اذا نقل الى الغابة لأمكن بواسطته ترويض الوحوش الكاسرة.
    فالمطلوب من الأبوين كما هو الحال بالنسبة للمربين ان يجعلوا من السلوك الأخلاقي أمرا مستساغاً ومقبولاً بالنسبة للطفل ، كي يختار هو بنفسه النمط المناسب في حياته اليومية والذي يدخل في إطار التعاليم الأخلاقية


(203)
ولايشذ عنها ، علماً بأن قابيلته على تمييز الشر من الخير تبدأ عند حوالى السنة السادسة من عمره. ويعتقد علماء التحليل النفسي أن فكرة « هل أنا أفضل أم الذات المثلى » تبدأ بالنمو لديه في هذه السن فتخلق لديه وبالتدريج نوعاً من الرقابة الذاتية.
    كثيراً ما نلاحظ في البيت أو في المدرسة اطفالاً في سن ( 6 ـ 12 ) عاماً يحاولون معرفة قدر انفسهم ، سعياً لتوفير شروط التطابق بينها وبين شخصيات الآخرين ، ولا تمثل هذه المساعي سوى جزء من نضوجهم وتكاملهم.
    وعلى كل حال فإن المهم بالنسبة لنا هو أن الطفل يصبح ، وأبتداء من منتصف السبعة الثانية من عمره ، في وضع يمكنه من إتخاذ قراراته بنفسه ، وتتحول حياته الأخلاقية عندئذ الى حياة اختيارية وذات قيمة عالية ، إلا أن ذلك لايحول دون إشراف الأبوين والمربين على سلوكه اليومي.

    الأولويات في التربية الأخلاقية
    هنالك نوعان من الأولويات التي تستحق الإهتمام في التربية الأخلاقية للأطفال وهما :
    1 ـ الأولويات المتعلقة بحياته الفردية والإجتماعية : وهذا ما يفرض على المربين الإهتمام أولاً بانماط حياته الشخصية وبالتالى حياته الاجتماعية. فعلى الطفل بين سن 3 ـ 5 سنوات أن يفهم ، مثلاً ـ عدم إمكانية الحصول على شيء بواسطة البكاء ، وحتى اذا كان جائعاً فلابد له من تحمل الجوع لمدة ساعة على أقل تقدير. يجب أن يكون لأمر الوالدين ونهيهما


(204)
أثر في نفسه ، وعليه أن لا يسبب أي احراج أو ازعاج أمام الآخرين ، وأن يعرف الحد الفاصل بين ألعابه وألعاب غيره من الأطفال ، وأن لايخطف ألعاب الآخرين من ايديهم.
    2 ـ الأولويات المتعلقة بالفضائل الأخلاقية : يجب على الطفل ـ على سبيل المثال ـ أن يجعل الصدق والإخلاص والأمانة والشرف محوراً لأخلاقه. وينبغي له أن يكون عادلاً أيضاً. فإذا قدمت له أمه الطعام ليقتسمه مع أخيه ، فعليه مراعاة جانب العدالة في قسمته. ولاتفوتنا الإشارة هنا الى القابلية العالية التي يتمتع بها الأطفال في ملاحظة وتقليد أفعال الآخرين ولا سيما القدوات الإجتماعية والزعامات السياسية ، ولهذا فهم يقتفون نفس السبيل الذي يسلكه الأبوان والمربون.

    الاخلاق لكلا الجنسين
    تهتم جميع المواضيع والبحوث المتعلقة بالمحتوى التربوي ، في النظام التربوي الإسلامى ، لكلا الجنسين. فنحن في الوقت الذي نسعى فيه لتربية أبنائنا وبناتنا تربية إنسانية واسلامية ، لا نتغاضى عن عالميهما المتباينين سواء في سنوات النضوج ام في السنوات الاحقة. وهاتان الرؤيتان منبثقتان من نمط الفكر الإسلامي بخصوص الحياة المختلفة لكل من الرجل والمرأة ، والواجبات والآداب المتعلقة بها. والغرض من كل ذلك هو أن يبقى الرجل رجلاً ، وتبقى المرأة من غير ايجاد أي تمييز في المقومات الأساسية لنضوج وتكامل أي منهما. ومعنى ذلك أن بعض الصفات الأخلاقية يعد وجودها لدى الذكور ضرورياً ، بل ومصدراً للكمال أيضاً ، بينما لو اتصفت


(205)
بها المرأة لكانت نقصاً ، ويمكننا الاستشهاد على ذلك بمثال بسيط وهو سماحة الرجل وكرمه في الشؤون الاقتصادية العائلية ، ورقة المرأة وعاطفتها وحنان الأمومة لديها ، فلو أستبدلت هاتان الخصلتان واتصف الرجل برقة المرأة ، والمرأة بسماحة الرجل ، لكانت الأضرار المترتبة عن ذلك وخيمة.

    في التربية الأخلاقية لكل من الذكر والأنثى
    يجب علينا الإهتمام في هذا الصدد بالأبعاد الفطرية والغريزية لكل من هذين الجنسين ، والتركيز بالخصوص على الجوانب المتعلقة بالكمال الأخلاقي لكل منهما ؛ ومن جملة ذلك.
    تأخذ التربية الأخلاقية للذكور بعين الإعتبار مدى الحرية التي يتمتع بها الذكر مقارنة بالأنثى ، وقدرته على تجاهل الضوابط والحدود وعن تمرده بكل بساطه ، بينما القضية معكوسة بالنسبة للاناث بسبب المحدودية التي يشعرن بها على مستوى الحياة العائلية من جهة ، وبسبب كثرة الحجب التي تلازمهن من جهة أخرى.
    ومن الفوارق الأخرى الموجودة بين الجنسين ، كثرة تعرض الذكور للتغيير السلوكي والفكري الناجم عن احتكاكهم وتأثرهم بالظروف والوقائع المحيطة ، وحتى من المحتمل ان يكتسبوا بعض المعتقدات الخاطئة فتحصل لديهم تغييرات شديدة قد تمسخ شخصيتهم ؛ بينما يندر حصول مثل هذه بالنسبة للاناث ، بل و يبدو أنهن اكثر قدرة على الثبات والمقاومة ، الا اذا وقعن فريسة للتحايل ، أو أصبحت عواطفهن عرضة للتلاعب والإستغلال.


(206)
    اما في مجال الأخلاق الإجتماعية ، والآداب ، ونمط ارتداء الثياب ، وتزيين الشعر والوجه والحاجب ، فالمتعارف أن الاناث يقلدن الممثلات ، وغالباً ما يحاولن التشبه بالدمى ، بينما يستمد الذكور أنماطهم السلوكية وصيغهم الأخلاقية من الأبطال ونجوم الرياضة والسياسة والدين. وهذا ما يحتم على التربية أخذ هذه التأثيرات الذهنية بنظر الإعتبار.
    ولابد من الإشارة أخيراً الى نقطة أخرى تطيب لها نفس المربي وهي تفوق البنات على الأولاد في مجال النضوج الأخلاقي وقبول القيم والقواعد الأخلاقية ، والرغبة في الالتزام بها والتطابق معها ، وان استعدادهن للانقياد لأراء الأبوين والمربي أكثر وأسرع من استعداد الذكور ، وكذلك هو الحال في حقل التطبيق العملي. وهذه من نقاط القوة التي يركن إليها المجتمع لتربية البنت التي تتولى فيما بعد دور الأمومة.

    الظروف الإيجابية والأخلاق
    إن العين والأذن وغيرها من الأعضاء الأخرى هي المنافذ التي تربط البدن بالعالم الخارجي. ومن الصحيح جداً أن كل ما تراه العين يراه القلب. وانطلاقاً من هذه الحقيقة فلابد من تطهير الاجواء التربوية من المفاسد والإنعكاسات التربوية السيئة. ومرادنا من كلمة الأجواء هو مجموعة الضروف والعوامل التي يعيشها الفرد ومن ضمنها الأخلاق والتربية الأخلاقية ، كالأشياء التي يراها أو يسمعها أو يقرأها أو يتعامل معها مباشرة فيتأثر بها ، وكل ما يمكن أن يكون له دور في بناء أو هدم الشخصية.
    يستمد الطفل أسسه الأخلاقية من الأجواء المحيطة به وخاصة من أولئك


(207)
الذين يحبهم من صميم قلبه ، أو أولئك الذين يشعر نحوهم بنوع من الانشداد ، أو بنوع من المنفعة منهم وعلى هذا الأساس يجب تحديد العوامل الهدامة ، واخضاع القول والفعل للمعايير المنطقية ، وإعادة النظر في معرفة مقومات الصلاح والفساد. فكثير من المشاهد التي يراها الطفل تعتبر دروساً أخلاقية سيئة بالنسبة له ، من أمثال القصص الجنائية ، واللقطات الجنسية المثيرة للشهوة ، والمشاهد الفكاهية السمجة ، والتصرفات السقيمة للوالدين ، وألوان الصراع والمشاحنات. وتقف على النقيض من ذلك اجواء الإيمان والتقوى ، والصلاح والوقار ، فهي أرض خصبة كنمو الفضائل الخلقية.

    الموانع الحائلة دون النمو والتكامل
    وعلى هذا الأساس ، فهناك الكثير من الموانع التي تعترض طريقنا ولا تسمح لنا بالتقدم كما ينبغي لنا ، وما أتعس اولئك الأطفال الذين ينشأون في تلك الأجواء الموبوءة. فهم مضطرون وبعد عمر طويل يقضونه في اكتساب الرذائل لإعادة النظر في ما اكتسبوه ، وتناسي أو ترك المعلومات السيئة والتصرفات القبيحة التي كانوا عليها.
    فالطفل الذي ينشأ في بيئة يحكمها النزاع بين الوالدين او يكثر فيها التحلل والفساد والقمار والخمور ، يواجه مصاعب جمة تحول دون تكامل ونمو شخصيته.
    وما أكثر المصاعب التي ستواجه الطفل في مستقبله لو أنه ترعرع في ظروف يسودها النفاق والازدواجية والفسق وغيرها من مظاهر الانانية


(208)
والجهل والفساد ! فهل بالإمكان أن نتوقع منه الصلاح والسلامة الفكرية ؟ لا شك أن هذه الظروف وما شاكلها تمثل قتلاً لكل ما لدى الطفل من شرف واخلاق وفضيلة.


(209)
    عوامل التربية الاخلاقية
    تدخل في تربية الأطفال عوامل إنسانية عديدة ؛ وأهمها : العائلة ، والمدرسة ، والأصدقاء ، والأتراب ، والمجتمع ، والشخص ذاته. نشير في ما يلي الى بعض تأثيراتها مع التزام جانب الإختصار.
    أ ـ الأسرة :
    نبدأ حديثنا في هذا الموضوع بالعائلة ، وذلك لعظم دورها في بناء وإنضاج الشخصية الأخلاقية ، وتكمن أهمية العائلة في هذا المجال في كونها تؤدي دورين مهمين :
    الأول : هو دور الأسوة والقدوة.
    الثاني : هو الدور العاطفي.

    ولهذين الدورين أثرهما في ترك ملامحهما البارزة على سلوك الشخص.
    لقد اعتبر علماء النفس الأسرة من أهم المؤشرات في تكوين طبيعة وشخصية الإنسان ، ويعود لها الفضل الكبير في نضوجه وتنمية القيم في شخصيته.
    ان دراسة وضع الإنسان ونمط شخصيته تقتضي إخضاع السوابق الأخلاقية لعائلته للتحقيق والدراسة ، فإنها مصدر الكثير من المقومات الأصلية أو الزائفة. ومرد هذا هو أن الطفل يقضي في أحضان العائلة الوقت الأكثر من طفولته وهو الوقت الذي يكون فيه مستعداً لتقبل ما يلقى إليه والتأثر بما يسمع وبما يرى ، كالنبات الذي يستمد الضوء من نور الشمس


(210)
ويعكس طبيعة الارض التي ينبت فيها.
    ويعد الوالدان من الوجهة التربوية من أعظم المؤثرات التي تجتذب الطفل في مطلع حياته حتى أن التشبه بهما يعد من أكبر أمانيه في تلك الحقبة الزمنية ، وإن سلوك الطفل يخضع لتوجيههما او رهبة الى أن يكتسب الطفل الوعي اللازم حيث يبدأ حينها باستقطاب العادات التي يراها شخصياً.

    الأسرة وانتقال الصفات الأخلاقية
    ولكن ما هي الخصائص والصفات التي تنقلها العائلة الى أبنائها ؟ والجواب هوأن الطفل كجهاز التسجيل الصوتي ، يقوم بتسجيل كل الكلام والسلوك وطريقة التعامل التي تصدر من الوالدين وسائر الأشخاص المحيطين به ، ثم يعيد بثها حين تقضي الضرورة ، ويتعلم الطفل من والديه وبقية المحيطين ، كل أنواع الكذب ، أو الرحمة والصبر وعزة النفس والقسوة والتعامل المرن أو الحدي والخشونة والحقد أو المحبة والغضب وتقلب المزاج أو ثباته ، والتكامل أو المثابرة ، والإستبداد أو التفاهم ، والكرم أو سوء الخلق وغير ذلك.
    فإذا كان الوالدان يتصفان بالإتزان والنظام والترتيب ، فأطفالهما ايضاً يحملان نفس تلك المواصفات ، فالأبوان اللذان يبذلان ما لديهما من ذكاء لخدمة المجتمع غالباً ما يتصف أبناؤهم بنفس تلك الصفة ؛ لأنهم يعتبرون أبويهم نموذجاً يقتدي به ويستمدون منهما كل أنماطهم السلوكية.
    لا شك ان لاسلوب التعامل العاطفي أو الخشن دوره في ذلك التأثير ؛
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ::: فهرس