تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ::: 181 ـ 195
(181)
    ضرورة الأخلاق وأهميتها
    تجدر الإشارة هنا الى أن الحياة الاجتماعية لا تتحقق بدون وجود الضوابط والقواعد التي تسود بين الناس. فمن الضروري في المجتمع المتجانس وجود توافق بين الفرد والجماعات الأخرى مع الأخذ بنظر الاعتبار التوجهات السلوكية العامة. اذ يستحيل على الفرد ـ تقريباً ـ العيش لمدة طويلة في مجتمع ما مع عدم القبول بنوع من التجانس ، أو عدم الإنصياع للأعراف والقيم السائدة فيه.
    فالأخلاق لها دور أساسي في الحياة الاجتماعية للناس ، والقيم الأخلاقية عنصر حاسم في تحديد مدى سقم أو سلامة الحياة البشرية ؛ حتى قيل في وصف أهميتها : ليست القوانين هي التي تحكم العالم ، بل العالم منقاد للأصول والقواعد الأخلاقية ؛ وهذه المسألة اكثر صدقاً ووضوحاً في الحياة العائلية.
    ويجب القول في ضرورة التربية الأخلاقية الحميدة ، بأنها الأخلاق التي تحول دون سقوط الإنسان في المهالك العويصة ، وهي طاقة كبرى تهيمن على الانسان وتمنعه من الوقوع في المفاسد والإنحرافات ، فالفقر الأخلاقي أسوأ ألوان الفقر ، وإفتقادها ألم مرير وقاتل.
    إذن ، فالتربية الأخلاقية ضرورية للأطفال انطلاقاً من كون « الشر كامن في طبيعة كل أحد » « كما قال الإمام علي عليه السلام » ، وإن الفضيلة يجب ان تفرض على الانسان فرضاً. إن للتأثيرات الأخلاقية آثاراً طويلة المدى ، وهي


(182)
من موجبات السيرة الحسنة والسلوك الكريم.
    وأخيراً فالتربية الأخلاقية للأطفال ضرورية لحتمية دخولهم في المستقبل القريب الى ساحة الحياة الاجتماعية واختلاطهم بالناس ، وما يرافق ذلك من تعاون مع بقية أفراد المجتمع ، ومن سعي لقضاء الحاجات الفردية والاجتماعية ولولا وجود الأخلاق لظلت الحياة الاجتماعية قائمة على أسس القوة والأنانية وعدم المبالاة بما يجري على الآخرين ، وهو طابع تتفرد به الحياة الحيوانية دون غيرها.


(183)
    مفهوم الأخلاق
    المراد بالأخلاق في بحثنا هذا أمران : الأول هو الاعتقاد بالأصول والسنن والعادات التي تحظى بالقداسة والحرمة. والثاني هو الإلتزام بالغايات والمقاصد التي أقرها الدين كالصدق والوفاء والأمانة والإيثار ... الخ.
    وغرضنا من تربية الطفل أخلاقياً أيجاد تلك النفسية التي يقوم السلوك في ظلها على أساس المفاهيم والأسوة الصالحة التي تقدمها لنا تعاليم ديننا.
    أما بالنسبة للمفاهيم المتعلقة بالأخلاق فلابد من قابلية التمييز بين الجميل والقبيح ، والقدرة على القيام بالعمل الجميل ، والرغبة في عمل الخير ، والتمييز بين الصحيح والخطأ ، ومعرفة الحقيقة وإتباعها. والغاية المرجوة من وراء جميع ذلك هي أن تصبح أمثال هذه المفاهيم قاعدة في النفس الأنسانية ، ولتنسجم مع فطرته وطبيعته. والحب هو قوام إشاعة مثل هذه الأخلاق. فمن المفترض أن يميز الطفل بين الجميل والقبيح ، ويحب الجميل ( كما يحبه بالفطرة ) ، ويسعى نحو كل ما هو جميل ، وتكون مثله التي يختارها في حياته اليومية قائمة على هذا الأساس.

    محتوى الأخلاق واساسها
    ولكن ما هي الأِشياء التي نعلمها للطفل في الجانب الأخلاقي ، وما هو المحتوى الذي يبحث عنه ، وما هي الأسس التي نربيه وفقاً لها ؟ والجواب على هذا السؤال يتضمن النقاط التالية : ـ


(184)
    1 ـ كقاعدة أولية يجب أن يحب لغيره ما يحب لنفسه.
    2 ـ وكمرحلة أعلى أن يكون تابعاً لحكم الله وطالباً لرضاه حتى يصبح حبه وبغضه كله لله. إن كل ما يعتبر فضيلة ، ما هو في الواقع الا جزء من المحتوى الأخلاقي لتربيتنا ، كالإحسان ، وحب الخير ، والرحمة ، وصيانة الذات والآخرين من كل سوء ، ونصرة المظلوم ، ونبذ الظلم والجور ، ومحبة الحق والحقيقة ، ومجانبة الكذب والتملق والرياء وكل ما يهوى بنا الى الذل والخنوع ، وبذل النفس والنفيس في سبيل حفظ الحق واحيائه ... الخ.
    وهناك اصول واسس ضرورية لاستخدام هذه الأبعاد ، وأهمها :
    أولاً : أن يكن الإحترام لنفسه ويعتبره مقدمة لاحترام الآخرين.
    ثانياً : معرفة أهمية الكمال والسعي نحوه ، لأنه من دوافع الحركة والنضوج.
    ثالثاً : الشعور بالإلتزام والمسؤولية عن حياة الآخرين ، لأن ذلك من مستلزمات الحياة الاجتماعية.
    رابعاً : أن يشمل الآخرين بنفعه ويعمهم بمعطيات استعداده الذاتي.
    خامساً : أن يتصف بالتسامح ونبل السجايا ومراعاة الشرف والأمانة والأدب والعطف في علاقاته مع الآخرين.

    الملاكات والمصادر
    ما هي الملاكات في أخلاقنا وتربيتنا الأخلاقية ؟ وما هي المصادر التي نستقي منها تعاليمنا الأخلاقية ؟ والجواب هو أن هذا الأمر يختلف في المجتمعات الدينية عنها في المجتمعات غير الدينية.


(185)
    ففي المجتمعات البعيدة عن الدين تستمد الأخلاق عادة من الأعراف الإجتماعية ، أو من الفلسفات والمذاهب المختلفة ، أو حتى أحياناً من آراء المفكرين والعلماء ، أو من حصيلة التجارب اليومية. وهذا ما يترتب عليه في الكثير من الحالات آثار ونتائج وخيمة.
    أمافي المجتمعات الدينية ـ وخاصة الإسلام ـ فمصادر الأخلاق هي : القرآن والسنة ( سنة النبي (ص) والأئمة المعصومين (ع) ) والمقومات الفطرية والذاتية لدى الإنسان ، إضافة الى الضوابط التي يحتاج اليها المجتمع الإسلامي لحفظ نظامه وكيانه.

    دور الثقافة في الأخلاق
    كثيراً ما تختلط المصادر الأخلافية ـ سواء المستمدة منها في الدين ام من الأعراف الإجتماعية ـ بالجوانب الثقافية التي تطبع ذلك المجتمع. وهذا ما يدفع بكل فئة إجتماعية الى تبني المبادئ التي تعتبرها أسساً أخلاقية مقبولة وفقاً للأجواء الثقافية السائدة بين تلك الجماعة. ومن البديهي أن لنوع التربية تأثيراً كبيراً في بسط الركائز الأخلاقية.
    في المجتمع الذي يتخذ السنة كمنهاج ، ويخطو الى الأمام بصبر وتأن ، فمن الطبيعي أن تنتقل نفس هذه الحالة الى أبنائهم. بعكسهم الأشخاص الذين يتخذون طابع العنف كأسلوب لحياتهم فإنهم يطبقون نفس هذا الأسلوب مع ابنائهم ، ولهذا فلا عجب لو رأينا وجود فوارق أخلاقية بين الطفلين اللذين ينتميان الى دين واحد ، ومردٌ ذلك هو الأختلاف الموجود في الأجواء التي يتربون فيها.


(186)
    فمن المسائل المهمة التي ينبغي التأكيد عليها في وضع برامج التربية الأخلاقية لأي جيل هي مسألة معرفة ثقافة ذلك المجتمع ، وحتى أن الجهاز التعليمي لو شاء تطبيق برامجه على الأطفال فلابد له أولاً من معرفة ثقافة الطفل وظروف عائلته.

    الغاية المنشودة من التربية
    غايتنا من التريبة الأخلاقية للأطفال هي تعليمهم الأصول والقواعد والعادات التي تتبلور على أساسها حياتهم الفردية والإجتماعية. وأن نربيهم على احترام تلك الأصول والقواعد. ومن الطبيعي أن لايتيسر لنا اجتثاث جميع العوامل المؤدية الى بروز الإنحرافات السلوكية ، لكننا نتوقع نجاح جهودنا الى حد ما في بلوغ هذه الغاية.
    ومن الأغراض الأخرى المنشودة من التربية هي أيجاد حالة من الأتزان عند الطفل بين طبيعته الفطرية وأهوائه النفسية ، وترويض كل ما يرتبط بالغرائز وتمهيد الأسس للإلتزام بالنظام الإجتماعي ، لأن التكامل لايتاح له التحقق الا في ظل أوضاع كهذه ، كي يتيسر للانسان الانسياق صوب الغايات اللائقة بطبيعته.
    والهدف الأخر هو ان يشعر الطفل تدريجياً بالالتزام والمسؤولية ازاء كل ما هو موجود ، وأن يترسخ هذا الدافع في اعماقه ، ليصل الى مرحلة البلوغ الاخلاقي ويدرك المواقف الواجب عليها إتخاذها في الظروف المختلفة ، أي أن لايكتفي بمجرد الإلتزام بالتعليمات.


(187)
    الاستعداد للتربية
    ولكن هل أن الطفل حائز على مثل هذا الإستعداد أم لا ؟ والجواب هو نعم ، فالإنسان يمتلك استعداداً فطرياً وذاتياً لتقبل الضوابط الأخلاقية ، وهو يعرف بالفطرة مبدأ الخير اللامتناهي ، تتوفر لديه الأرضية والاستعداد والأهلية التي يتسنى للمربي استثمارها كأداة لدعم العمل التربوي الهادف الى تنمية مداركه.
    ومن جهة أخرى تقضي طبيعة الطفل في سنوات الحضانة بقبول الحياة كما هي من غير ابداء أي اعتراض أو عناد. أما في السنوات اللاحقة وحين دخوله مرحلة الرشد والتمييز ، فتتهيأ له عند ذاك مقومات التقييم والنقد الذاتي ، ومن ثم السير نحو الغاية المنشودة التي يرسمها له الكبار بالأدلة الكافية ، بحيث أن نتائج الإنصياع للموازين الأخلاقية والإعتقاد بصحتها تلحظ عليـه بشكل واضح في الفترة بيـن سن (9 ـ 12 ) عاماً ، ومن ثم يصبح الشخص بعد ذلك شيئاً فشيئاً أصدق وأوثق مما كان عليه في السابق ، فيعترف بخطئه من غير مواربة. ويبدو أن لملاحظات الآخرين وكذلك رجاء الأبوين تأثيرات لايستهان بها في هذا التوجيه.

    الوعي والتربية الأخلاقية
    لمسألة الوعي أولوية فائقة في تربية الأطفال الخلقية. فيجب ان يعرف الطفل عناصر الإلتزام وأسبابها ، وأسلوب الحياة وآدابها الواجب مراعاتها ،


(188)
وكل ما هو قيم في الحياة ، وكل ما يناقض مصاديق الخير والجمال. وعليه التحلي بالوعي الكافي ومعرفة القواعد التي اذا تخلف عنها استوجب العقاب.
    وعلى الطفل أنً يعرف أن رعاية الضوابط يعود عليه وعلى المجتمع بالخير والصلاح وهو غير مسموح له بتجاهلها أو التهاون فيها. وان يعلم أنً التحلي تنعكس أضراره على الآخرين ، وعليه أن لا يرتضيه.
    يجب أن يتعلم السلوك الأخلاقي سواء كان التعلم عن طريق الوعظ والتلميح أم بواسطة الأسوة التي يقتدي بها ويقلدها. ومن البديهي أن التوجيه المناسب ووضع القواعد المدونة بين يدي الطفل حين تعليمه أياها يضمن لنا تعود الطفل على الثقة بنفسه.

    التعاليم اللازمة
    أما النقاط الواجب تعليمها للطفل ، فهي كثيرة جداً ، ولا يسعها كتاب واحد إلا أننا سنطرح في هذا الفصل عدة بحوث تتضمن الحديث عن مختلف الأصعدة مع الأبتعاد عن الإطناب ما أمكن.
    1 ـ في ما يتعلق بالشخص :
    يختص بعض انواع التعليم والتربية الأخلاقية بالشخص نفسه وتتسم بالفردية. وهناك إجراءات كثيرة يفترض بالمربي القيام بها في هذا الجانب ؛ منها :
    أ ـ إحياء الفطرة وصيانتها : تدخل فطرة الطفل مرحلة الفعلية في


(189)
ضميره من قبل دخول عقله مرحلة الفعلية لقد أودع الله في فطرة كل إنسان بناء اخلاقياً يهديه على اساسه. فهو ذاتياً يحب الصدق والأمانة والصلاح والفضيلة ، وإن لم يكن عارفاً بمصاديقها. وهذا ما يلقي على عاتق الأبوين والمربين مهمة الإبقاء على هذه الفطرة حية متيقظة ، وحمايتها من أية مخاطر قد تهدد سلامتها. ( سنعود الى تفصيل كيفية ذلك في ما بعد ).
    ب ـ السيطرة على النفس : وهذه أيضاً واحدة من التعاليم الأخرى التي يجب تنشئة الطفل عليها بالتكرار والممارسة. فعلينا أن نعلم الطفل منذ البداية تدبير شؤونه كافة بحيث تكون له القدرة على مواجهة الأمور والوقوف على قدميه وعدم الإنهيار أو الإستسلام أمام مشاكل الحياة ، ويجب تعويده على الصبر ساعة او ساعتين وإن هاج وماج طلباً للطعام. ولا يلجأ من فوره الى البكاء والجزع ، وعلى الأمهات أيضاً أن لا يجعلن من أنفسهن خدمات مطيعات رهن اشارته ، ويلبين مايطلبه فوراً وبلا أي تأخير.
    جـ ـ الاعتماد على النفس : من المفترض أن يصل الطفل تدريجياً الى المرحلة التي يستطيع فيها حل مشاكله بنفسه ، والصمود امام حوادث الحياة او كما يقال « أن يتذوق نعومة الحياة وجشوبتها ». ولا يتصور أنه سيبقى مرتاحاً في ظل الآخرين لمدة طويلة. بل يجب أن يتسلم بنفسه ـ بصورة تدريجية ـ بعض شؤون حياته وبما يتناسب ونضجه العقلي ، ويطلب منه القيام بها شخصياً ، كترتيب بعض وسائله الخاصة وارتداء ثيابه ، وصولاً الى اعمال اكبر من ذلك.
    د ـ مراعاة التقوى وامتلاك زمام نفسه : قد يتبادر الى الأذهان أن تركيز


(190)
اهتمام الطفل على مثل هذه المواضيع يبدو مبكراً ، ولكننا لانعتقد بصحة هذا التصًور ؛ لأن تحقيق التقوى ممكن في أية مرحلة من مراحل السن وبما يتناسب ومدى نضج الطفل وسعة فهمه. ويمكن العثور على مظاهر ذلك في عدم التفوه بأي كلام كان ، وعدم مد يده على أي طعام كان ، وأن لا يتصرف كما يحلو له ... الخ ، ويتيسر تطبيق هذا الأمر منذ سن الثالثة فصاعداً.
    2 ـ في ما يتعلق بالآخرين :
    يتعلق قسم من الأخلاق ورعاية الأصول والقواعد الأخلاقية بالآخرين ، وعلى الطفل تقبل بعض الضوابط في هذا الجانب ، وأهمها :
    أ ـ الاهتمام بنمط التعاون مع الآخرين : يجب تربية الطفل بالشكل الذي يجعله يهتم بإرادة الآخرين. فحين تمنح الحرية للطفل يجب أن يعلم بأن ليس من حقه الإساءة الى راحة وحرية الآخرين ـ وأنه لن يلقى الإحترام إلا اذا احترم الآخرين. واذا صعب تحقيق هذا في فترة الحضانة ( السنوات الثلاث الأولى من العمر ) ، فإنه ممكن التحقيق في سن الرابعة من عمره ، إذا اتيح في مثل هذه السن طرح موضوع حقوق الآخرين عليه ، وبسبب رغبته في رعاية حق الآخرين ـ حتى وإن كان محور حياته يدور حول رغباته وإرادته الشخصية.
    ب ـ التعايش والتعاون والتأزر : يرى علماء النفس أن روح التأزر تظهر عند الطفل في حوالي السنة التاسعة من عمره ، ولايعني هذا انعدامها قبل هذه السن. وهذا يتطلب تفهيمه أن الحياة الصحيحة تفرض عليه التخلي


(191)
عن روح المشاكسة ، وإعانة الآخرين وتقديم الخدمات لهم جهد المستطاع ؛ وهذا ما يستدعي اطلاعه على حقيقة الروابط والعلاقات وجدوى التعاون والتعايش ويتيسر تحقيق هذا في المرحلة المحصورة بين سن ( 6 ـ 12 ) من عمره ، وذلك عن طريق الألعاب والمشاركة في النشاطات الجماعية و ... الخ.
    جـ ـ الجود والكرم : علينا أن نعود أطفالنا ونشجعهم منذ الصغر على خصلة الكرم ؛ كإعطاء بعض ألعابه لأصدقائه ، وتقسيم ما عنده من الطعام والحلوى بينه وبين الآخرين مثلاً ؛ وإن بادر الطفل الى تقديم شيء بيديه الصغيرتين لوالديه ، ويجدر بهما تقبل ذلك بانشراح وتشجيعه عليه.
    ان لعطفكم وتشجيعكم إياه دوراً في بلورة روح الجود والعطاء في نفسه منذ الصغر ، فتظهر لديه ـ تدريجياً ـ روح التضحية والتسامح.
    د ـ التعامل مع الآخرين بوجه طلق :
إن أدنى ما يمكن أن يقدمه الإنسان للآخرين هو أن يقابلهم بوجه بشوش وثغر باسم ، ويكون تعامله مظهراً للسلام والمحبة. وعلينا أن نعلم الطفل منذ الصغر بأن يكون تعامله وكل طلباته وأمانيه مقرونة بالبشاشة وطلاقة المحيا ، وإذا جاءنا باكياً عابساً وطلب شيئاً فلا نعطيه ، بل نأمره أن يكفكف دموعه ، ويطلب ما يشاء بوجه طلق.
    هـ ـ الحياء والتواضع : لا خلاف في ضرورة اختلاط الطفل مع الآخرين لكن المخالطة الإجتماعية تختلف عن الوقاحة. والحذر كل الحذر من كل الإيحاءات التي تشعر الطفل بأفضليته وأفضلية عائلته على بقية الأطفال والعوائل ، أو تدفعه الى احتقار سائر الأطفال. لتكن الاسس التربوية


(192)
قائمة على إخفاء الفرد لفضائله أو أن يدعها تظهر بشكل طبيعي ؛ ولهذا الأمر شأن بالغ في الحياة الإجتماعية لكل شعب من الشعوب.
    3 ـ في ما يتعلق بالفضائل :
    لأخلاق الإنسان وأدبه علاقة وثيقة بالامانة والإخلاص وسائر الفضائل الأخرى ؛ وانطلاقاً من هذه الرؤية فإن الكثير من التعاليم الأخلاقية لابد لها من الإهتمام بتنمية الفضائل والعادات الخيرة عند الإنسان. وأهم المسائل المتعلقة بهذا الموضوع هي ما يلي : ـ
    أ ـ مناصرة الحق : الشجاعة والشهامة من مستلزمات الأخلاق ؛ ومن معالم الشجاعة محبة الحق واحترامه ، الى حد جعل البعض يعتبرون محبته تفوق محبة الأب والأم والمعلم. وقد أكد الإسلام أيضاً على وجوب عدم تأثير علاقات القربى على سيادة العدل أو وقوفها دون تنفيذه. علموا الطفل منذ مطلع حياته على اتباع الحق ومحبته والتعلق بالحقيقة واتباعها.
    ب ـ مراعاة حقوق الآخرين : لكل مذهب دستور يحدد فيه الحقوق والضوابط التي يتوجب على اتباعه رعايتها والإلتزام بها. وفي الإسلام يتسع نطاق الحقوق ليشمل جميع الناس ومالهم من قيمة واحترام ، اي كل من يعيش في هذه الكرة الأرضية ؛ إبتداء من الأب والأم والأجداد ، والأخ والأخت وحتى الأقرباء والمعلم والمربي والجار ، والمسلم والكافر والمحارب ، ومن أهل الكتاب والملحدين وغيرهم له احترامه وقيمته. ورد عن الإمام الصادق (ع) أنه قال :


(193)
    ( يمكن مراجعة الكتب الفقهية لاستحصال المزيد من المعلومات ).
    جـ ـ محاربة الآثام : ومن الفضائل الاخلاقية الاخرى محاربة الاثام ، وهي مطلق الاثام ، إذ يجب ان توجد مثل هذه الخصلة في نفس كل إنسان ، فيعتبر كل ذنب رذيلة ويجهد لإستئصاله. ونفوس الأطفال مهيأة عادة لأن نغرس فيها روح الكراهية للآثام والذنوب. بل إن أساس المحبة والكراهية تتبلور في النفوس في سن الطفولة ، والى درجة يستعصي استئصالها في ما بعد ، حتى أن النجاح في إزالتها من النفوس يعد انجازاً هائلاً وفي حد إعجاز.
    فعلى الآباء والأمهات والمعلمين والمربين ، تربية الناشئة على كراهية الظلم والتمييز والمنكرات بحيث يكون في مواجهة دائمة مع كل انواع الرذائل.
    د ـ رعاية القيم : إن لتربية افراد المجتمع وتوجيههم نحو القيم الأصيلة دوراً مهماً في تطوير وتقدم ذلك المجتمع وتلك الأمة. ومن الضروري في هذا المجال أجراء نوع من الفصل ـ أولاً ـ بين القيم ونقيضها ومعرفة ما هي المصادر والمعايير المعتبرة في تشخيض القيم الأصيلة عن سواها. ثم تبذل المساعي لمزج تلك القيم بالآمال الشخصية والأفكار والتجارب الفردية ليطبع حياة الفرد بطابع مزيج من تلك القيم والأفكار. وتنبع ضرورة تربية الأفراد على أحترام القيم من كونها ذات أهمية بالغة له ولمجتمعه.
    هـ الإهتمام بمبادئ العدل والقسط : علينا تربية الطفل بالشكل الذي


(194)
يجعل منه شخصاً عادلاً ، وهو أمر يتطلب الشروع به منذ فترة الطفولة ، حينما تعطيه الأم قطعة الحلوى فيقتسمها مع إخوته. كما ينبت جذور العدالة من ذلك الوقت الذي تشتري فيه الأم لأطفالها الثياب والدمى ، أو عندما تلاطفهم. فقد ورد في الحديث أن رسول الله (ص) رأى رجلاً قبل احد ابنيه ولم يقبل الآخر فقال له : « ألا عدلت بينهما ؟ ».
    يشتد الميل الى العدالة في المراحل الابتدائية من الحياة فتشير في نفس الطفل كرها شديداً لكل انواع التمييز والظلم وعدم المساواة.
    و ـ الإيثار : قد لايكون من المناسب التحدث عن شيء اسمه الإيثار عند الطفل لكننا نتوقع أن يقتبس الطفل ما يراه من إيثار والديه فتنمو تلك البذرة في قلبه.
    إن امثال هذه المشاهد تجبل الطفل على العواطف والمحبة وتنشيء نوعاً من الارتباط بينه وبين الأهداف التي سيسعى في المستقبل لتحقيقها. إننا لا نتملك أي اسلوب أو وسيلة نفهم بها الأشخاص بحاجة المجتمع الى الإيثار ، فإن كان الحال كذلك فلنبادر على الأقل ـ الى إرادتهم مثل هذه المشاهد العملية منذ الصغر.
    4 ـ في ما يتعلق بالأحداث والوقائع :
    ولابد أن ينصب جزء من التربية الأخلاقية على إنشاء الشخصية القادرة على اتخاذ المواقف الصحيحة والمدروسة في مواجهة أحداث الحياة. فلا يليق بالإنسان أن يكون كالريشة في مهب الريح يميل أينما مالت. ويصدق


(195)
بكل ما يمليه عليه الآخرون. بل من الضروري التزام الموقف الصحيح والواضح. وأهم النقاط التي تيسر لنا طرحها في هذا المجال هي :
    أ ـ الحكم العادل على الأمور : تنمو لدى الأطفال بين سن ( 6 ـ 12 ) القدرة على إصدار الأحكام الأخلاقية ، وهي أول ما تبدأ بابداء الرأي في الجوانب الشخصية. فهو يعتبر كل ما يجلب له اللذة والمنفعة صحيحاً ، وكل ما يضره غير صحيح. ومن المؤسف أن بعض الأسس الخاطئة التي توضع ركائزها في هذا الصدد قد ترافق الإنسان أحيانا حتى آخر عمره ، ولكنه يخرج عن نطاق مصالحة الخاصة بمرور الزمن ومع اتساع مداركه واستدلاله المنطقي ، ويجعل للآخرين موضعاً في حساباته الخاصة. ولايخلو سلوك الوالدين والمربين ومواقفهما من الفائدة في تسديده نحو الصواب.
    ب ـ مراعاة الحق : إن الضرورة تقضي بتعويد الطفل ـ مع نضجه واتساع مداركه ـ على إتباع الحق والركون إليه بدل إتباع المصالح الشخصية وآراء الأصدقاء والأقارب ـ وبناء آرائه وأحكامه على الأمور المنبثقة من الضوابط الصحيحة ، وإقامة سلوكه على الحق ، وأن لايكون البغض والمحبة والعلاقات الشخصية والعائلية مدعاة لمجانبة الحق.
    جـ ـ السعي نحو تغيير الواقع الفاسد : يجب أن يكون الكمال الأخلاقي سبباً يدفع الإنسان الى اتخاذ المواقف السليمة تجاه الأحداث والوقائع المختلفة فلا يستسلم للواقع ، ولايخضع لكل ما هو قائم. بل يتفحص ويرى هل إن هذا الواقع صحيح أم لا ؟ فإن لم يكن صحيحاً يسعى لتغييره.
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ::: فهرس