تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ::: 226 ـ 240
(226)
    الضمانة التنفيذية للأخلاق
    هنالك ضمانات تنفيذية متعددة بخصوص التربية الأخلاقية من جملتها :
    1 ـ فطرة الطفل المجبولة على مبادئ الصدق والاخلاص والأمانة والوفاء والإمتناع عن الكذب والنفاق و ... الخ.
    2 ـ حسن استعداده لتقبل ما يلقى إليه ، فنفسه كالأرض الخصبة المعدة لاستقبال البذور وتنميتها.
    3 ـ حاجته الى وجود ومساعدة الأبوين والمربي ، واستعداده لتقبل أوامرهم ونواهيهم ، من أجل حثهم على تلبية إحتياجاته.
    4 ـ التشجيع والتكريم المتواصل حافز يدفع الطفل نحو الفعل والحركة.
    5 ـ العقوبة والتوبيخ الذي يلقاه من الوالدين والمربي فيما اذا ارتكب أية مخالفة ، وخشيته من سطوة الكبار.
    6 ـ رغبته الفائقة في نيل رضا الآخرين وخاصة الكبار والشخصيات التي يستأنس لها.
    7 ـ تنامي وعيه ومداركه ، وهو ما يعد تمهيداً لقبوله بالخضوع لسلطان


(227)
الرقابة الذاتية.
    وعلى كل حال يجب ان تكون تصرفاتنا التي هي في الواقع انعكاس لذواتنا الباطنية نموذجاً مؤثراً ودرساً بليغاً يحتذي به ويحفزه للتشبه بنا.

    إعادة البناء الأخلاقي
    قد تضطرنا الحاجة أحياناً الى اعادة صياغة أخلاق الطفل بسبب غفلة المربي أو خطئه ، او بسبب تهاونه ، أو قد يكمن سبب ذلك في انحراف الطفل وخروجه عن المسار المرسوم له. من المحتمل أن يتعرض الطفل لبعض المنزلقات متأثراً برفقاء السوء أو الأجواء الفاسدة فيتعود على بعض الطباع السقيمة. وفي مثل هذه الحالة يتحتم على المربي المبادرة الى ازالة النواقص وتطهير ذهن الطفل من الشوائب وإعادة صياغة أخلاقه وسلوكيته من جديد.
    يعيش أطفالنا في ظروف وأوضاع تقضي ببناء طباعهم وشخصيتهم والمبادئ الأخلاقية فيهم ، واذا حصل تأخير في انجاز هذا الواجب فسيسبب حدوث معضله تعقد مهمة المربي في المراحل اللاحقة. ولا لوم على المربي لو تعرض الطفل الذي تحت رعايته لأي خلل تربوي ، فالاختلالات السلوكية لابد من ظهورها بشكل أو آخر بسبب الهواجس النفسية والعلاقات السيئة رغم جميع انواع الرقابة المفروضة على اعمال الطفل. فمن غير المعقول أن نتوقع عدم حصول اي سهو أو غفلة منا أو من جانب الطفل. ولابد لهذه الحالة من البروز شئنا ذلك أم ابينا. أما دورنا فهو الحذر


(228)
أولاً من عدم تغلغلها وتجذرها في الأعماق والإسراع ثانياً الى إزالتها ومحو آثارها. ومن الضروري الالتفات الى نقطتين في موضوع إعادة البناء الأخلاقي ، وهما :
    1 ـ التقويم : تظهر لدى الأطفال أحياناً بعض التصرفات التي لانرى ضرورة في الإجهاز عليها واقتلاعها من الجذور ، بل يجب السعي لاصلاحها وتقويمها ووضعها في المسار الصحيح ، سواء كانت تلك التصرفات سلبية أم ايجابية.
    وكمثال على الجانب الإيجابي الكرم باعتباره خصلة نبيلة ؛ إلا أنه يجب أن لا يخرج الى حد التبذير فيكون وبالاً عليه وصدمة تمنعه من مواصلة الكرم ، والهدوء صفة جميلة لدى الطفل ولكن ينبغي أن لا يعوقه عن الحركة واللعب. ومن البديهي أن حب الظهور يعد أمراً طبيعياً ولكن ليس بالشكل الذي يلغي وجود الآخرين. والغضب لحفظ كيانه لايعتبر تصرفاً مستهجناً ولكن بشرط أن لا يقوده الى التجاوز أو العدوان على الآخرين.
    2 ـ التغيير : وهنالك تصرفات أخرى يجب إزالتها ، وذلك لقبحها من الوجهة الأخلاقية والدينية ، مثل السرقة فهي تستوجب القضاء المبرم عليها. وكذلك التجاسر باليد أو باللسان على الوالدين والآخرين ، فهو عمل غير مؤدب ، وعلينا استئصاله من الطفل ، وأمثال ذلك الكثير من التصرفات الأخرى كالغطرسة ، واستخدام القوة ، والطغيان والعربدة.


(229)
    ولكننا مع الأسف نلاحظ بعض المربين أو الوالدين الذين يتجاهلون مثل هذه التصرفات الخاطئة من الطفل متوهمين الحرص عليه ، ومتناسين أن استمرار هذه الظواهر يؤدي في نهاية المطاف الى استفحالها وتأصلها في نفسه ، حتى يتعذر القضاء عليها بعدئذ ، فيجب علينا عدم السماح للطفل بأن ينشأ على الطيش والعدوانية ، ولايكون مهرجاً أو مشاغباً يستهزئ بالآخرين.

    معرفة الأسباب والإجراءات الواجبة
    وقبل اتخاذ أي إجراء لإعادة بناء سلوكية الطفل ، يجب السعي أولاً لمعرفة السبب أو الأسباب الكامنة وراء هذا التصرف الخاطئ أو ذاك. فعلينا معرفة الدافع الذي يدعوه الى الكذب او السرقة أو الغضب ، أو ما هو السبب الكامن وراء موقفه اللاأبالى تجاه حدث هام ؟
    يتبين من الدراسات بأن الطفل يعتبر بعض التصرفات الخاطئة نوعاً من اللعب او التسلية غير مدرك لمدى قبحها. ومن البديهي أن موقفنا حيال تصرف آخر صادر عن وعي ومعرفة. وحتى بشأن الانحرافات الجنسية فليس لدى صغار السن اي تصور بانها جريمة او انحراف ، وواضح جداً إنها ناشئة من جهل الطفل وما تعود عليه من ممارسات خاطئة. وقد يتيسر رفعها من خلال اسداء بعض النصائح والتوجيهات.
    ومن خلال معرفتنا لأسباب السلوك وعلله تتهيأ لنا إمكانية إحداث التغيير الأخلاقي المطلوب عن طريق أتباع السبل الثلاثة التالية :


(230)
    1 ـ عن طريق الأوامر والنواهي التي يصدرها الكبار ، والأشخاص الذين يحبهم الطفل.
    2 ـ عن طريق مخالطة الأتراب والأقران.
    3 ـ عن طريق النضوج الفكري والعقلي.
    وفي جميع الأحوال يبقى المبدأ الأساسي في التربية هو التزام الإعتدال مع إعطاء الأهمية لأنماط التعامل مع الطفل ، وتسليحه بالوعي اللازم ، والمعرفة بمناهج الإصلاح لأنها من المستلزمات المهمة في شؤون التربية.

    مناهج الاصلاح
    هنالك مناهج وأصول لابد من أتباعها سواء في البناء الأخلاقي أم في الاصلاح التربوي ، وأهمها ما يلي :
    1 ـ المحبة : وهي شيء أساسي في تهيئة الأرضية في التربية الأخلاقية. فحين يلمس الطفل العطف والحنان والمحبة من ذويه ، يتعلق بهم وينشد اليهم ، ويصبح مستعداً للاذعان لأية أوامر او نواه تصدر عنهم. وانطلاقاً من هذه النظرة يتوجب علينا بذل مايمكن من المحبة للطفل لأنها من متطلباته النفسية أولاً ، ولكونها ثانياً من العوامل الفاعلة في تحقيق أهداف المربي.
    2 ـ التنبيه والتذكير : من المستحسن تذكير الطفل دوماً بسلوكه ، وتنبيهه الى الخطأ من أفعاله وان عليه اصلاحها وإلا فستكون النتائج قاسية. ولا


(231)
تكتفوا بالاشارة الى هذا الموضوع مرة واحدة بل يجب توعيته وردعه باستمرار ، فهو طفل وكثير النسيان ، وتذكيره بين الفينة والأخرى الى تقويم تصرفاته الخاطئة أمر ضروري.
    3 ـ النظرة ذات المغزى : يمكن أحياناً تنبيه الطفل الى خطئه وإعادته الى الطريق الصواب من خلال النظرة المعبرة اليه. فإذا أتى بفعل مستهجن يكفي أن ينظر اليه شزراً وبلا أي كلام ، فمثل هذه النظرة تؤدي دورها في إصلاح سلوكه. ولو أبدى أي عناد لأبويه عبروا له عن انزعاجكم بواسطة نظرة الغضب واستبعدوا طابع اللين والمرونة.
    4 ـ اللوم والغضب : واذا لم تجد معه نفعاً الأساليب المارة الذكر ، يتوجب عليكم حينئذ توجيه اللوم والتقريع اليه ومكاشفته بعيوبه ليتيسر لكم اصلاحه.بل وقد تضطرون ايضاً لهجره وعدم التكلم معه ، بشرط أن يكون في هجركم له درس وتوجيه له أثره البالغ فيه ، وأن لايستمر طويلاً بل يتحول بعد برهة وجيزة الى مصالحة.
    5 ـ التهديد والإنذار : والخوف من العقوبة رادع ايضاً. ففي بعض الحالات يخشى الطفل من عاقبة الفعل حين تخويفه بالعقوبة التي سينالها جزاء له وفي نفس الوقت يجب الانتباه الى عدم استغلال مشاعره العاطفية وقلبه الرقيق ، بحيث لايجد نفسه محشوراً في طريق مسدود فتؤدي الى


(232)
ردود فعل سلبية ، كما ويجب عدم تخويفه بالأماكن المظلمة والمرعبة ، فيترك على حياته العاطفية آثاراً سلبية.
    6 ـ العقوبة : حينما نرى أن أياً من الأساليب السابقة لاتجدي نفعاً ، نضطرالى اللجوء الى استخدام العقوبة التي لاينبغي أن تدخل ـ طبعاً ـ في اطار الضوابط الشرعية الموجبة للدية.
    وعلينا عدم الخروج عن حد الإتزان والإنصاف ، ولانجعل منه كبش فداء لتهدئة غضبنا. ولاتكون العقوبة بدنية دائماً ؛ بل قد يكون حرمانه من الحياة الجماعية او طرده منها رادعاً مؤثراً ايضاً في هذا الصدد.

    التأثير السلبي للضغط
    لا جدال في ضرورة وجود عوامل السيطرة في البيت إلا إننا نرفض أسلوب استعراض القوة من قبل الأبوين والمربي. ويجب ان لايصل بنا الحال الى الاستبداد في إدارة شؤون الطفل. فكثيراً ما يصاب الأطفال الذين يساسون بأسلوب الإستبداد ويقبلون على الطاعة خوفاً ، بنوع من الكآبة وحدة المزاج ، واذا ما كبروا ووجدوا القدرة على الاستقلال فلن ينقادوا لأحد بأي شكل من الأشكال.
    من المعروف أن الضغوط المتزايدة تشل سعي الطفل وحركته ، وتقتل فيه الرغبة في بلوغ الحرية التي تعتبر الدافع وراء بذله لأقصى جهوده. فقد تنجح الضغوط الكثيرة في لجمه لعدة لحظات أو أيام ، لكنها ستفتح الطريق أمامه تدريجياً نحو التحايل ، والحصول على مخرج منها ، والتوجه نحو


(233)
الاستقلال و الإعتماد على النفس.
    وعلينا أن ندرك من جهة أخرى ان الله قد جعل من الوالدين والمربين أمناء على الطفل فلا يجوز لهم معاملته من موقع القوة المطلقة ، وانما هم مكلفون بتربية طاقاته الكامنة ، لاوضع أنفسهم وإياه في طريق مسدود من الوجهة الأخلاقية والتربوية. بل ان الحال يتطلب تركيز الجهد على خلق نوع من التآلف والمحبة بينهم وبينه وارشاده نحو الكمال ، ومثل هذا الأسلوب ألطف وأجدى نفعاً.

    الحنان والتربية الأخلاقية
    هناك مثل يقول : بطراوة اللسان يمكن استخراج الحية من غارها ، وبدماثة الأخلاق يتيسر ترويض الوحوش فانتم ومن خلال تعاملكم اللطيف تسطيعون الإمساك بزمام الطفل العنيد وقيادته نحو اصلاح سلوكه ، ولم يكن الحديث الوارد عن رسول الله (ص) : « انما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق » إلا انطلاقا من هذه الرؤية التي تهتم بدور الرفق وحسن الخلق في البناء الأخلاقي. وأهم عبارة يمكن الإشارة اليها في هذا الصدد هي أن حنان الوالدين والمربي أفضل ضمانة لاتزان عواطف الطفل وانفعالاته ، ولصيانته من الكثير من انواع الإنحراف وردود الفعل المتشنجة.
    يتضمن التعامل العاطفي فائدة أخرى ايضاً وهي عدم تعويد الطفل على قساوة القلب ، بل يقوي في نفسه صفة التواد والتراحم ويؤدي بالطفل في ما بعد الى العيش في ظروف عاطفية سليمة. نحن نعلم طبعاً أن الاهتمام المحض بالجوانب العاطفية والشعورية المجردة للطفل قد يقتل فيه روح


(234)
التعاون ويتسبب في دفعه الى بعض التصرفات المستهجنة. ولا شك ان الحذر من بروز مثل هذه الحالات يقتضي أيضاً الإلتفات الى أن تأثير المحبة بشكل عام أرجى من تأثير الزجر والعقوبة.

    حدود طموحاتنا المرجوة
    وهذه آخر مسألة نطرحها في هذا المجال ، وهي : ما هو مدى طموحاتنا المرجوة من الطفل ؟ والإجابة على هذا التسأول تتطلب تناول الموضوع من جوانب متعددة ،
    يتوقف أهمها على الاجابة على الاسئلة التالية :
    مامقدار المواضيع والمعلومات التي علمناها للطفل ؟ والى أي مدى كنا صادقين معه ؟ والى أي حد بذلنا الجهود لتطهير الأجواء التي يعيش فيها من الأوبئة ؟ وهل أننا لم نخلط بين الأغراض الشخصية والحسابات التربوية في تقديم الآراء الأخلاقية له ؟ وهل كان الدافع في معاقبتنا له أفراغ العقد الشخصية أم أستهدف تربية الطفل ؟
    وما الذي قدمناه للطفل لكي نرتجي منه الآن خيراً ؟ و ... الخ.
    وعلى كل حال فلا ننسى عدم وجوب عقد الأمل على الطفل ؛ فهو طفل ولايمتلك أية عقلية ناضجة ، ولايزال رهين عواطفه ومشاعره ، ومشدوداً الى لذاته الظاهرية. فلانرتجي منه الإيثار ونكران الذات. وعلينا أن ننتبه الى عدم تعوده على الطباع البذيئة والدلال ، مع عدم التدقيق عليه في كل صغيرة وكبيرة.


(235)
    قد نلاحظ على الأطفال في بعض الحالات صفات سيئة كالبخل والحرص والأنانية واللاأبالية. وعلى الوالدين التعامل مع هذه الخصائص بعقل وذكاء. وينبغي عليهم ، بالإضافة الى مراعاة حريته النسبية ، أن يعلموا بأن تربية الطفل على التحمل والاخلاص والصلاح تحتاج الى فترة زمنية طويلة ، ويجب عند ذاك اغتنام الفرص المناسبة وعدم تفويتها.


(236)

(237)


(238)

(239)
    المقدمة :
    لو نظرنا الى الأخلاق بمنظار شامل وعميق لوجدناها تشمل كافة القواعد والآداب التي تسود السلوك والعلاقات الإنسانية وسبل الحفاظ عليها. فهي تتضمن سلوك الإنسان من ناحية ، والعادات والملكات والفضائل من ناحية اخرى.
    وبعضها يشمل الجرأة والشهامة والرشاد التي تعد من أسمى المزايا الأخلاقية.


(240)
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ::: فهرس